الكلام على حديث ( أمر الحائض بنقض رأسها عند الغسل )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


قال ابن أبي شيبة في المصنف 870: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ لَهَا فِي الْحَيْضِ : اُنْقُضِي شَعْرَكِ وَاغْتَسِلِي.
هذا الحديث ظاهره الصحة لكنه معلول بالاختصار
قال إسحاق بن هانئٍ في مسائله عن أحمد :" 2331 _وسئل عن حديث وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قصة الحيض؟
قال: هذا باطل"
قال ابن رجب في فتح الباري (2/119) : "وقد ذكر هَذا الحديث المختصر للإمام أحمد ، عن وكيع ، فأنكره . قيل لَهُ : كأنه اختصره مِن حديث الحج ؟ قالَ : ويحل لَهُ أن يختصر ؟ ! - : نقله عَنهُ المروذي .
ونقل عَنهُ إسحاق بن هانئ ، أنَّهُ قالَ : هَذا باطل .
قَالَ أبو بكر الخلال : إنما أنكر أحمد مثل هذا الاختصار الذي يخل بالمعنى ،لا أصل اختصار الحديث
قَالَ :وابن أبي شيبة في مصنفاته يختصر مثل هذا الاختصار المخل بالمعنى -: هذا معنى ما قاله الخلال "

والحديث في صحيح البخاري من رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وفيه :" دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِحَجٍّ" ومعنى هذا أن هذه الكلمة قيلت لها في حال حيضها قبل الغسل
وإن كان في مثل هذه الحال غسل فهو غسل الإحرام وليس غسل الحيض
وإلا لو كانت عائشة ستغتسل من الحيض لأمكنها الطواف بالبيت ولاعتمرت ، فاختصر وكيع الرواية اختصاراً مخلاً لذا حكم أحمد على حديثه بالبطلان
وقد روى هذا الحديث الجمع الغفير عن هشام ولم يذكروا ما ذكر وكيع من أمر الغسل لهذا اجتنب أصحاب الكتب الستة تخريج حديث وكيع إلا ابن ماجه وكان أقلهم حذقاً في الفن، مع أن ظاهر إسناده على شرط الشيخين فتأمل
وقد صح عن عائشة أنها لم تكن ترى لزوم نقض الرأس في الغسل
قال مسلم في صحيحه 673- [59-331] وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ ، قَالَ يَحْيَى : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : بَلَغَ عَائِشَةَ ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤُوسَهُنَّ . فَقَالَتْ : يَا عَجَبًا لاِبْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤُوسَهُنَّ ، أَفَلاَ يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُؤُوسَهُنَّ ، لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ . وَلاَ أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثَ إِفْرَاغَاتٍ.
وإعلال هذا بعنعنة أبي الزبير ليس بشيء ، لأننا إن قلنا بتدليسه فذلك خاص عن جابر ، ولا يصح حمله على الجنابة دون الحيض لعموم اللفظ
قال ابن أبي شيبة في المصنف 810: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ، عَنْ نَافِعٍ ؛ أَنَّ نِسَاءَ ابْنِ عُمَرَ ، وَأُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ كُنَّ يَغْتَسِلْنَ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَلاَ يَنْقُضْنَ رُؤُوسَهُنَّ ، وَلَكِنْ يُبَالِغْنَ فِي بَلِّهَا.

فانظز رحمني الله وإياك إلى هذا الحديث المعلول _ أعني حديث عائشة _ في المسألة الخطيرة والحيوية ، مع أن ظاهر إسناده الصحة حكم عليه إمام الفن بالبطلان ، مما يبين لك أنه لا غنى لنا عن النظر في كتبهم ، ودراسة أقوالهم بدقة للوقوف على الصواب ، فإنهم قد بلغوا في هذا الفن من الحذق مبلغاً لا يدانيهم فيه أحدٌ ممن جاء بعدهم ، فهم أهل البيت وأهل البيت أدرى بما فيه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم


كتبه / عبدالله الخليفي