قال الطبري في تهذيب الاثار ( مسند علي )
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ قَالَ: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا صَفَرَ» ، وَأَنَّهُ لَا يُصِيبُ نَفْسًا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا، وَقَضَى عَلَيْهَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ. فَأَمَّا دُنُوُّ عَلِيلٍ مِنْ صَحِيحٍ، أَوْ قُرْبُ سَقِيمٍ مِنْ بَرِيءٍ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلصَّحِيحِ عِلَّةً وَسَقَمًا، وَلَيْسَ دُنُوُّ سَقِيمٍ مِنْ ذِي الصِّحَّةِ بِأَوْلَى بِأَنْ يُوجِبَ لَهُ سَقَمًا، مِنَ الصَّحِيحِ بِأَنْ يُوجِبَ بِدُنُوِّهِ مِنْ ذِي السَّقَمِ لِلسَّقِيمِ صِحَّةً، غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِمُمْرِضٍ أَنْ يُورِدَ عَلَى مُصِحٍّ، وَلَا يَنْبَغِي لِذِي صِحَّةٍ الدُّنُوُّ مِنَ ذِي الْجُذَامِ، وَالْعَاهَةِ الَّتِي هِيَ نَظِيرَةُ الْجُذَامِ الَّتِي يَتَكَرَّهُهَا النَّاسُ، لَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ، وَلَكِنْ حِذَارًا مِنْ أَنْ يَظُنَّ الصَّحِيحُ إِنْ نَزَلَ بِهِ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ أَصَابَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَصَابَهُ ذَلِكَ لِمَا كَانَ مِنْ دُنُوِّهِ مِنْهُ وَقُرْبِهِ، أَوْ مِنْ مُؤَاكَلَتِهِ إِيَّاهُ وَمُشَارَبَتِهِ ، فَيُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ الدُّخُولَ فِيمَا قَدْ كَانَ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْطَلَهُ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْعَدْوَى وَالطِّيَرَةِ وَلَيْسَ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ، كَمَا يُفَرُّ مِنَ الْأَسَدِ خِلَافٌ لِأَكْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ، وَلَا فِي إِرْسَالِهِ إِلَيْهِ وَقَدْ جَاءَ يُرِيدُ مُبَايَعَتَهُ بِأَنِ ارْجِعْ، فَقَدْ بَايَعْنَاكَ، وَتَرْكِهِ إِدْخَالَهُ عَلَيْهِ لِلْبَيْعَةِ، خِلَافٌ لِإِدْخَالِ آخَرَ مِنْهُمْ إِلَيْهِ، وَإِقْعَادِهِ إِيَّاهُ مَعَهُ عَلَى طَعَامِهِ، وَمُؤَاكَلَتِهِ إِيَّاهُ، وَلَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى» خِلَافٌ لِقَوْلِهِ: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» وَلَا فِي قَوْلِهِ «لَا طِيَرَةَ» ، خِلَافٌ لِقَوْلِهِ: " إِنْ يَكُنِ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي ثَلَاثٍ: الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ "، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَأْمُرُنَا الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ أَحْيَانًا، وَعَلَى وَجْهِ الْإِعْلَامِ وَالْإِبَاحَةِ أُخْرَى، وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوجُوهِ، ثُمَّ يَتْرُكُ فِعْلَهُ، لِنَعْلَمَ بِذَلِكَ أَنَّ أَمْرَهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ، وَكَانَ يَنْهَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ التَّكَرُّهِ، وَالتَّنَزُّهِ أَحْيَانًا، وَعَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ أُخْرَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوجُوهِ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَا فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ، ثُمَّ يَفْعَلُهُ، لِنَعْلَمَ أَنَّ نَهْيَهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى، وَلَا صَفَرَ، وَلَا طِيَرَةَ» ، إِعْلَامٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ حَقِيقَةٌ، وَنَفْيٌ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صِحَّةٌ، لَا نَهْيٌ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» ، نَهَى مِنْهُ الْمُمْرِضَ أَنْ يُورِدَ مَاشِيَتَهُ الْمَرْضَى عَلَى مَاشِيَةِ أَخِيهِ الصِّحَاحِ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ الْمُصِحُّ، إِنْ مَرِضَتْ مَاشِيَتُهُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ مَرَضَهَا حَدَثَ مِنْ أَجْلِ وُرُودِ الْمَرْضَى عَلَيْهَا، فَيَكُونُ دَاخِلًا بِتَوَهُّمِهِ ذَلِكَ فِي تَصْحِيحِ مَا قَدْ أَبْطَلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ، مَعَ إِبْطَالِهِ الْعَدْوَى وَالصَّفَرَ، عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمَعْنَى، وَهُوَ لِئَلَّا يَظُنَّ الصَّحِيحُ الَّذِي قَرُبَ مِنَ الْمَجْذُومِ، وَطَعِمَ مَعَهُ وَشَرِبَ، إِنْ أَصَابَهُ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ جُذَامٌ، أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا أَصَابَهُ مِنَ الْمَجْذُومِ لِمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ قُرْبِهِ مِنَ الْمَجْذُومِ وَمُؤَاكَلَتِهِ إِيَّاهُ، وَمُشَارَبَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» فَإِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ بِذَلِكَ صِحَّةَ الطِّيَرَةِ، بَلْ إِنَّمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثِ، وَذَلِكَ إِلَى النَّفْيِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْإِيجَابِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إِنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدَّارِ أَحَدٌ فَزَيْدٌ، غَيْرُ إِثْبَاتٍ مِنْهُ أَنَّ فِيهَا زَيْدًا، بَلْ ذَلِكَ مِنَ النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا زَيْدٌ، أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْإِثْبَاتِ أَنَّ فِيهَا زَيْدًا