قال الشيخ صالح الفوزان فى شرح.لمعة الاعتقاد
المتنُ: (وَمَا أُشْكِلَ مِن ذلك وَجَبَِ إِثْبَاتُه لَفْظاً وتَرْكُ التعَرُّضِ لمعناهُ، ونَرُدُّ عِلْمَه إلى قائِلِه).
الشرحُ: هذه الجملةُ غيرُ مُسَلَّمَةٍ مِن الشيخِ رَحِمَه اللهُ؛
كما ـ يَظْهَرُ لِي ـ يُقَسِّمُ نُصُوصَ الصفاتِ إلى قِسميْن:
1 ـ قِسْمٌ يَظْهَرُ لنا معناه وتفسيرُه، فهذا نُؤْمِنُ به، ونُؤْمِنُ بمعناه وتفسيرِه.
2 ـ والقسمُ الثاني: لا يَظْهَرُ لنا معناه، فهذا نُفَوِّضُه إلى اللهِ سُبْحَانَه وتَعالَى.
وهذا غَلَطٌ؛ لأن جميعَ نصوصِ الأسماءِ والصفاتِ معلومَةُ المعنى، ليس فيها شيءٌ مُشْتَبِهٌ أو مِن المتشابِهِ، فليسَتْ نصوصُ الأسماءِ والصفاتِ مِن المُتشابِهِ، ولا تَدْخُلُ في المتشابِهِ، كما قَرَّرَ ذلك شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَه اللهُ، وأخْبَرَ أنه لم يَجِدْ في كلامِ السلَفِ، ولا في كلامِ العلماءِ المُعْتَبَرِينَ مَن قالَ: إن الأسماءَ والصفاتِ أو شيئاً مِنها مِن المتشابِهِ الذي لا يَعْلَمُه إلا اللهُ.
فكلُّ نصوصِ الأسماءِ والصفاتِ مِن المُحْكَمِ الذي يُعْلَمُ معناه ويُفَسَّرُ ويُوَضَّحُ، وليسَ فيها شيءٌ مِن المُتشابِهِ الذي لا يُعْلَمُ معناه كما يقولُ هنا، وإنَّما اللهُ جلَّ وعلا أخْبَرَ أنه أنْزَلَ الكتابَ؛ قالَ تعالَى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} ما معنَى المُحْكَمَاتِ والمُتَشابِهاتِ ؟
قالوا: المُحْكَمُ: هو الواضِحُ المعنى، الذي لا يَحْتَاجُ في تفسيرِه إلى غيرِه، وأمَّا المتشابِهُ فهو: الذي يَحْتَاجُ في تفسيرِه وبيانِ معناه إلى غيرِه.
هناك نصوصٌ مُشْكِلَةٌ، لكنْ إِذا رُدَّتْ إلى النصوصِ الأُخْرَى التي تُوَضِّحُها زَالَ الإشكالُ واتَّضَحَ الحقُّ، قالوا: وهذا مِثْلُ: العامِّ والخاصِّ، والمُطلَقِ والمُقَيَّدِ، والناسِخِ والمنسوخِ، والمُجْمَلِ والمُفَصَّلِ.
هذا هو معنى المحكمِ والمتشابِهِ، المحكمُ: هو الواضِحُ المعنى الذي لا يَحتاجُ في تفسيرِه إلى شيءٍ آخَرَ، وأما المتشابهُ: فهو المُشْكِلُ الذي يَحْتَاجُ في تفسيرِه إلى نَصٍّ آخرَ يُفَسِّرُه.
وهذا موجودٌ في القرآنِ وفي السنَّةِ؛ هناك نصوصٌ أو أدِلَّةٌ مُشْكِلَةٌ تَحْتاجُ إلى ما يُوَضِّحُها مِن النصوصِ الأُخْرَى، فتُرَدُّ إلى ما يُفَسِّرُها من النصوصِ الأخرَى.
وكلامُ اللهِ يُفَسِّرُ بَعْضُه بعضاً، كلامُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ يُفَسِّرُ بَعْضُه بعضاً، هذا معنَى المُحْكَمِ والمُتَشابِهِ، {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} الأصلُ في معنى: الأُمُّ: الأصلُ الذي يُرْجَعُ إليه، {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} يُشْكِلُ معناها إذا انْفَرَدَتْ، لكنْ إذَا رُدَّتْ إلى النصوصِ المُحْكَمَةِ وَضَّحَتْها وبَيَّنَتْها.
فالراسِخُون في العِلْمِ يَرُدُّونَ المُتَشابِهَ إلى المُحْكَمِ، ويُفَسِّرونَ كلامَ اللهِ بعضَه ببعضٍ، ويُفَسِّرون كلامَ الرسولِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ بعضَه ببعضٍ، أو يُفَسِّرون كلامَ اللهِ بسنَّةِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، ويُفَسِّرون سُنَّةَ الرسولِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ بكلامِ اللهِ؛ لأنه كُلَّه مِن عندِ اللهِ.
ولهذا يَقُولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} المُحْكَمُ والمُتَشَابِهُ {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}.
أمَّا أهلُ الزَّيْغِ ـ والعياذُ باللهِ ـ فإِنَّهم يَأْخُذُونَ المُتَشَابِهَ ويَسْتَدِلُّونَ بِهِ ويَتْرُكونَ المُحْكَمَ، ولا يَرُدُّونَ المُتَشَابِهَ إلى المُحْكَمِ؛ لمَقْصِدٍ سَيِّئٍ عندَهم، ابْتِغَاءَ فتنةِ الناسِ عن دينِهم، يقولونَ: هذا كلامُ اللهِ وهذا كلامُ الرسولِ؛ فيَفْتِنُون الناسَ عن دينِهم.
إذا جاؤُوا لهم بآيةٍ مُتَشابِهَةٍ أو بِحديثٍ مُتشابِهٍ، قالوا: هذا كلامُ اللهِ، وهذا كلامُ الرسولِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، فيُشَبِّهُونَ على الناسِ أنهم يَسْتَدِلُّون بكلامِ اللهِ وكلامِ رسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، فيَفْتِنُونَهم عن دِينِهم.
مثالُ ذلك: بعضُ الجُهَّالِ الآنَ الذين يَبْحَثُونَ عن نُصوصٍ مُتشابِهَةٍ مِن الحديثِ، ثم يَخْرُجُونَ بِهَا على الناسِ، يقولُون: نَسْتَدِلُّ بهذا الحديثِ، لِيُشَوِّشُوا على الناسِ ما هم عليه مِن الحقِّ، وهذه الأحاديثُ التي جاؤُوا بها ما خَفِيَتْ على أهلِ العِلْمِ، أهلُ العِلْمُ فسَّرُوها، وبيَّنُوا المرادَ مِنها، لكنَّ هؤلاءِ يَقْطَعُون هذا عن هذا: {يَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}.
هذه طريقَةُ أَهْلِ الزَّيْغِ في كلِّ زَمَانٍ ومَكانٍ، يَفْصِلُون كلامَ اللهِ بعضَه عن بعضٍ، وكلامَ الرسولِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ بعضَه عن بعضٍ، ويقولونَ: نحنُ نَسْتَدِلُّ بكلامِ اللهِ وكلامِ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ.
نقولُ: لا، لَمْ تَسْتَدِلُّوا بكلامِ اللهِ وكلامِ رسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ؛ لو اسْتَدْلَلْتُم بكلامِ اللهِ وكلامِ رسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ, لأَرْجَعْتُم المُتَشابِهَ إلى المُحْكَمِ، أمَّا أنَّكُم تَأْخُذُونَ بطَرَفٍ وتَتْرُكونَ الطرفَ الآخرَ, فهذا ليْسَ اسْتِدلالاً بكلامِ اللهِ، ولا بكلامِ رسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ:
{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}.
هذه طريقةُ أهلِ الزيْغِ دائماً وأبداً، نسألُ اللهَ العافِيَةَ.
قال الشيخ ابن عثيمين فى شرح لمعة الاعتقاد
تَقْسِيمُ نُصُوصِ الصِّفَاتِ وطريقةُ الناسِ فيها:
تَنْقَسِمُ نصوصُ الكتابِ والسُّنَّةِ الوارِدَةُ في الصفاتِ إلى قِسْمَيْن: واضِحٌ جَلِيٌّ، ومُشْكِلٌ خَفِيٌّ .
فالواضِحُ: ما اتَّضَحَ لَفْظُهُ ومعْناهُ، فيَجِبُ الإِيمانُ بهِ لَفْظًا وإثباتُ معناهُ حقًّا، بلا رَدٍّ ولا تَأْوِيلٍ، ولا تَشْبِيهٍ ولا تَمْثِيلٍ؛ لأنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بهِ فَوَجَبَ الإِيمانُ بهِ وتَلَقِّيهِ بالقَبُولِ والتسْلِيمِ.
وأمَّا المُشْكِلُ: فهوَ ما لَم يَتَّضِحْ مَعْناهُ لإِجمالٍ في دلالَتِهِ، أوْ قِصَرٍ في فَهْمِ قارِئِهِ، فيجِبُ إثباتُ لَفْظِهِ لوُرودِ الشرعِ بهِ، والتوَقُّفُ في معناهُ، وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لهُ ؛ لأنَّهُ مُشْكِلٌ لا يُمْكِنُ الحُكْمُ عليهِ، فَنَرُدُّ عِلْمَهُ إلى اللهِ ورسولِهِ.
وقد انْقَسَمَتْ طُرُقُ الناسِ في هذا المُشْكِلِ إلى طريقتَيْنِ:
الطريقةُ الأُولَى: طريقةُ الراسخينَ في العِلْمِ الذينَ آمَنُوا بالمُحْكَمِ والمُتَشَابِهِ وقالوا: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} ، وَتَرَكُوا التَّعَرُّضَ لِمَا لا يُمْكِنُهم الوصولُ إلى معرِفَتِهِ والإحاطَةِ بِهِ؛ تَعْظِيمًا للهِ ورسولِهِ، وتَأَدُّبًا معَ النصوصِ الشرعيَّةِ، وهم الذينَ أثْنَى اللهُ عليهم بقولِهِ: {وَالرَّاسِخُون في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عِمْرَان:7]
الطريقةُ الثانيَةُ: طريقَةُ الزائِغِينَ الذينَ اتَّبَعُوا المُتشابِهَ طَلَبًا للفِتْنَةِ ، وَصَدًّا للناسِ عنْ دينِهم وعنْ طريقَةِ السَّلَفِ الصالحِ، فحاولُوا تأويلَ هذا المتشابِهِ إلى ما يُرِيدُون ، لا إلى ما يُرِيدُهُ اللهُ ورسولُهُ ، وضَرَبوا نصوصَ الكتابِ والسُّنَّةِ بعضَها ببَعْضٍ ، وحاولوا الطعْنَ في دِلالَتِها بالمعارَضَةِ والنقْصِ؛ ليُشَكِّكُوا المسلمينَ في دلالَتِها ، ويُعْمُوهم عنْ هِدَايَتِها، وهؤلاء هم الذينَ ذمَّهم اللهُ بقولِهِ: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ} [آل عِمْرَان:7]
تحريرُ القولِ في النصوصِ منْ حيثُ الوضوحُ والإِشْكَالُ:
إنَّ الوضُوحَ والإِشكالَ في النصوصِ الشرعيَّةِ أمْرٌ نِسْبِيٌّ، يَخْتَلِفُ فيه الناسُ بحَسَبِ العِلْمِ والفَهْمِ، فقدْ يكونُ مُشْكِلاً عندَ شَخْصٍ ما هوَ واضِحٌ عندَ شَخْصٍ آخَرَ، والواجِبُ عندَ الإِشكالِ اتِّبَاعُ ما سَبَقَ مِنْ تَرْكِ التَّعَرُّضِ لهُ والتخَبُّطِ في معناهُ.
أمَّا مِنْ حيثُ واقعُ النصوصِ الشرعيَّةِ فليسَ فيها بحَمْدِ اللهِ ما هوَ مُشْكِلٌ لا يَعْرِفُ أحَدٌ من الناسِ مَعناهُ فيما يُهِمُّهم منْ أمْرِ دينِهم ودُنياهم؛ لأنَّ اللهَ وصَفَ القرآنَ بأنَّهُ نُورٌ مُبِينٌ، وبيانٌ للناسِ وفُرْقَانٌ، وأنَّهُ أنزَلَهُ تِبْيَانًا لكُلِّ شَيءٍ وهُدًى ورَحْمَةً، وهذا يَقْتَضِي أنْ لا يكونَ في النصوصِ مَا هوَ مُشْكِلٌ بحَسَبِ الواقِعِ بحيثُ لا يُمْكِنُ أَحَدًا مِن الأمَّةِ مَعْرِفَةُ مَعْناهُ.
معنى الردِّ، والتأويلِ، والتشبيهِ، والتمثيلِ، وحُكْمُ كلٍّ مِنْها:
الرَّدُّ: التكذيبُ والإِنْكَارُ.
مِثْلُ أنْ يقولَ قائِلٌ: ليسَ للهِ يدٌ؛ لا حقيقةً ولا مجازًا، وهوَ كُفْرٌ؛ لأنَّهُ تَكْذِيبٌ للهِ ولرسولِهِ.
والتأويلُ: التفسيرُ، والمرادُ بهِ هنا: تفسيرُ نصوصِ الصفاتِ بغيرِ ما أرادَ اللهُ بها ورسولُهُ، وبخلافِ ما فسَّرَهَا بِهِ الصَّحَابَةُ والتابعونَ لَهم بإحسانٍ.
وحُكْمُ التأويلِ على ثلاثةِ أقسامٍ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ صَادِرًا عن اجْتِهَادٍ وحُسْنِ نِيَّةٍ، بحيثُ إذا تَبَيَّنَ لهُ الحقُّ رجَعَ عنْ تأويلِهِ، فهذا مَعْفُوٌّ عنهُ؛ لأنَّ هذا مُنْتَهَى وُسْعِهِ، وقدْ قالَ اللهُ تعالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]
الثاني: أن يكونَ صادِرًا عنْ هَوًى وتَعَصُّبٍ، ولَهُ وجْهٌ في اللغةِ العربيَّةِ، فهوَ فِسْقٌ وليسَ بكُفْرٍ، إلاَّ أنْ يَتَضَمَّنَ نَقْصًا أوْ عَيْبًا في حقِّ اللهِ فيكونُ كُفْرًا.
القسمُ الثالثُ: أنْ يكونَ صادرًا عنْ هَوًى وتَعَصُّبٍ، وليسَ لهُ وجهٌ في اللغةِ العربيَّةِ، فهذا كُفْرٌ؛ لأنَّ حقيقَتَهُ التكذيبُ حيثُ لا وجْهَ لهُ.
والتشبيهُ: إثباتُ مشابِهٍ للهِ فيما يَخْتَصُّ بهِ مِنْ حقوقٍ أوْ صفاتٍ، وهوَ كُفْرٌ؛ لأنَّهُ مِن الشركِ باللهِ، ويَتَضَمَّنُ النقصَ في حقِّ اللهِ حيثُ شَبَّهَهُ بالمخلوقِ الناقِصِ.
والتمثيلُ: إثباتُ مُمَاثِلٍ للهِ فيما يَخْتَصُّ بهِ مِنْ حُقُوقٍ أوْ صفاتٍ، وهوَ كُفْرٌ؛ لأنَّهُ مِن الشِّرْكِ باللهِ، وتكذيبٌ لقولِهِ تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورَى:11]
ويَتَضَمَّنُ النقْصَ في حقِّ اللهِ حيثُ مَثَّلَهُ بالمخلوقِ الناقصِ.
والفرقُ بينَ التمثيلِ والتشبيهِ: أنَّ التمثيلَ يَقْتَضِي المساواةَ مِنْ كلِّ وَجْهٍ بخِلافِ التشبيهِ.