من آداب طالب العلم: حسن السُّؤال (1-2)
صلاح عباس فقير

قال ابن فارس، في معجم مقاييس اللُّغة، تحت كلمة (سَأَلَ): "السِّينُ وَالْهَمْزَةُ وَاللَّامُ، كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ: سَأَلَ يَسْأَلُ سُؤَالًا وَمَسْأَلَةً، وَرَجُلٌ سُؤَلَةٌ: كَثِيرُ السُّؤَالِ"[1].
حقّاً، فالسّؤال ومشتقّاته، معلومةٌ مشهورة، ولها مكانتُها الكبيرة في كلّ العلوم، فهو مفتاحُها الأساسيُّ، ولذا فقد لقي من قبل العلماء الذين كتبوا في آداب طالب العلم، حفاوةً واهتماماً بالغَين، فيما يلي نتلمّس مظاهرهما، من خلال العناوين التالية:
شفاءُ العِيِّ السُّؤال:
في كتابه "المحدّث الفاصل بين الرّاعي والواعي" -الّذي هو أولُ كتابٍ مستقلٍّ، من كتب آداب طالب العلم في الحديث الشّريف، يُخصّص الرَّامهرمزيّ للسؤال، فصلاً مستقلّاً جاء تحت عنوان "القولُ في السؤال"، وكان أولَ ما رواهُ فيه، حديثُ الرسول صلى الله عليه وسلم: "شفاءُ العيِّ السؤال".
وفي "جامع بيان العلم وفضله"، يروي ابن عبد البَرّ الحديث نفسه، في سياق المناسبة التي ورد فيها، وذلك "عن عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يُخْبِرُ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلَامٌ، فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ ؛ فَقُرَّ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ؟"[2]، والحديث مرويٌّ في كتب السنة برواياتٍ مختلفة، منها ما ورد "عن جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ؛ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً، وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ؛ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: "قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ! أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ- أَوْ، يَعْصِبَ [شَكَّ مُوسَى] علَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ"[3].
فهذا الحديث يُقرّر القاعدة الكبيرة، فيما يخُصُّ السّؤال، وهي كونه مفتاح المعرفة وطريق التّعلّم،
وروى ابنُ عبد البرّ، عن عُمَر رضي الله عنه قوله: "مَنْ عَلِمَ فَلْيُعَلِّمْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَيَسْأَلِ الْعُلَمَاءَ، أَلَّا إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ"[4]
وروى ابن عبد البر، عن الخليل بن أحمد، نصيحته للعالم، أن لا يخشى السؤال، ويتجنّبه، قائلاً: "وَلَا تَجْزَعْ بِتَفْرِيعِ السُّؤَالِ؛ فَإِنَّهُ يُنَبِّهُكَ عَلَى عِلْمِ مَا لَمْ تَعْلَمْ"[5].
ثمّ ذكر ابنُ عبد البرّ أبياتاً من الشعر، تقرّر هذا المعنى:
قولَ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِي نَ:
إِذَا كُنْتَ فِي بَلَدٍ جَاهِلًا ... وَلِلْعِلْمِ مُلْتَمِسًا فَاسْأَلِ
فَإِنَّ السُّؤَالَ شِفَاءُ الْعَمَى ... كَمَا قِيلَ فِي الْمَثَلِ الْأَوَّلِ
وقول الْفَرَزْدَقُ:
أَلَا خَبِّرُونِي أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ... سَأَلْتُ وَمَنْ يَسْأَلْ عَنِ الْعِلْمِ يَعْلَمِ
سُؤَالُ امْرِئٍ لَمْ يَعْقِلِ الْعِلْمَ صَدْرُهُ ... وَمَا السَّائِلُ الْوَاعِي الْأَحَادِيثَ كَالْعَمِ[6].
ولكن يُشكلُ على هذا الأصل الكبير، ما ورد في السّنة النّبويّة من كَرَاهَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ، قال الخطيب البغداديّ: "كَانَ ذَلِكَ إِشْفَاقًا عَلَى أُمَّتِهِ وَرَأْفَةٍ بِهَا, وَتَحَنُّنًا عَلَيْهَا, وَتَخَوُّفًا أَنْ يُحَرِّمَ اللَّهُ عِنْدَ سُؤَالِ سَائِلٍ أَمْرًا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ سُؤَالِهِ عَنْهُ, فَيَكُونُ السُّؤَالُ سَبَبًا فِي حَظَرِ مَا كَانَ لِلْأُمَّةِ مَنْفَعَةٌ فِي إِبَاحَتِهِ, فَتَدْخُلُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةُ عَلَيْهِمْ وَالْإِضْرَارُ بِهِمْ, وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... "إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا, رَجُلٌ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ) وَهَذَا الْمَعْنَى قَدِ ارْتَفَعَ بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاسْتَقَرَّتْ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ , فَلَا حَاظَرَ وَلَا مُبِيحَ بَعْدَهُ"[7].
السّؤال مفتاح العلم والمعرفة:
روى الرامهرمزيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: "لِلْعِلْمِ خَزَائِنُ تَفْتَحُهَا الْمَسْأَلَةُ"، وروى عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قوله: "إِنَّ لِلْعِلْمِ أَقْفِلَةً، وَمَفَاتِيحُهَا الْمَسْأَلَةُ"، وعن أبي خَالِدٍ مَوْلَى ثَقِيفٍ قوله: كَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ جَارَ بَيْتِي، فَكَانَ يَقُولُ: "سَلْنِي وَاكْتُبْ حَدِيثِي، قَبْلَ أَنْ تَلْتَمِسَهُ عِنْدَ غَيْرِي فَلَا تَجِدُهُ"[8].
وروى ابن عبد البر، عن الْخَلِيلُ قوله: "الْعُلُومُ أَقْفَالٌ وَالسُّؤَالَاتُ مَفَاتِيحُهَا"، وعَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: "مَا زَالَ الْحَسَنُ يَبْتَغِي الْحِكْمَةَ حَتَّى نَطَقَ بِهَا"، ومعناه أنّ سبب نطقه بالحكمة، هو كثرة ابتغائه لها وطلبها، وذلك عن طريق طرح الأسئلة، وروى كذلك عن ابن شِهَابٍ قوله: "الْعِلْمُ خَزَانَةٌ مِفْتَاحُهَا الْمَسْأَلَةُ"[9].
صَحِّحِ الْمَسْأَلَةَ لِيَصِحَّ لَكَ الْجَوَّابُ:
إنّ السؤال هو آلة العلم، فلا بدّ من حسن استخدامها، لتؤدي وظيفتها بكفاءةٍ، روى الخطيب البغداديُّ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: "التَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَحُسْنُ الْمَسْأَلَةِ نِصْفُ الْفِقْهِ"، إذن فالسؤال المحضوضُ عليه، ليس أيَّ سؤالٍ، وإنّما هو السؤال الحسن، الّذي يُحسن التَّأتِّي إلى العالِم المسئول، فيستخرج منه ثمرات العلم، ثمّ توضيحاً لهذا المعنى روى الخطيب عن الإمام مالكٍ، قال: جَاءَ ابْنُ عَجْلَانَ إِلَى زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَخَلَطَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: "اذْهَبْ فَتَعَلَّمْ كَيْفَ تَسْأَلُ، ثُمَّ تَعَالَ فَسَلْ"[10] ، وروى الرامهرمزيّ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ قَالَ: قَدِمَ الْحَسَنُ مَكَّةَ سَنَةَ مِائَةٍ، قَالَ: فَحُشِدَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا تَقُولُ فِي الْقَدَرِ؟ قَالَ: "اجْلِسْ لَيْسَ تُحْسِنُ أَنْ تَسْأَلَ"[11].
قال ابن عبد البر: "وَرُوِّينَا عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا قَالَا: "حُسْنُ الْمَسْأَلَةِ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَالرِّفْقُ نِصْفُ الْعَيْشِ"[12]
وروى الخطيب البغداديّ، بإسناده عن عليٍّ رضي الله عنه قال: "لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ التَّمَلُّقُ، وَلَا الْحَسَدُ، إِلَّا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ"[13]، والمقصود بذلك أن يجتهد طالبُ العلم، في أن يوفّر لسؤاله كلّ جوانب الحسن، وأن يجتهد في تجنّب الوقوع في كلِّ ما هو مُستهجنٌ من ضروب السؤال.
يؤكّد أهمية ذلك الخطيب البغداديُّ، فيما رواه عن عَبْد اللَّهِ بْن الْمُعْتَزّ، من قوله: "رُبَّمَا دَلَّتِ الدَّعْوَى عَلَى بُطْلَانِهَا وَالتَّزَيُّدِ فِيهَا قَبْلَ امْتِحَانِهَا, وَكَذَّبَتْ نَفْسَهَا بِلِسَانِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُوجِزَ السَّائِلُ فِي سُؤَالِهِ, وَيُحِرِّر كَلَامَهُ, وَيُقَلِّلَ أَلْفَاظَهُ، وَيَجْمَعَ فِيهَا مَعَانِيَ مَسْأَلَتِهِ, فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ مَعْرِفَتِهِ"[14].
ويروي عن ابْن عَبَّاسٍ قوله: "مَا سَأَلَنِي أَحَدٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ, إِلَّا عَرَفْتُ: فَقِيهٌ أَوْ غَيْرُ فَقِيه[15]،" ذلك أن السؤال يُنبئ عن معدن صاحبه.
وروى الرامهرمزيّ، عن أَبي خَلِيفَةَ، عَنِ التُّوزِيِّ قَالَ: قَالَ كَيْسَانُ لِأَبِي زَيْدٍ: عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَةَ، مِنْ بَنِي تَمِيمٍ هُوَ أَمْ مِنَ الْمُحَضْرَمَةِ ؟ فَقَالَ: "صَحِّحِ الْمَسْأَلَةَ؛ لِيَصِحَّ لَكَ الْجَوَّابُ"[16]، فحتّى يصِحّ الجواب، فينبغي تصحيح السؤال، وتدقيقه، وإنشاؤه خالياً من العيوب التي سيتم التطرق لبعضها بعد قليل، بإذن الله.
مواضع يُستهجَن فيها السؤال:
ورغم أهمّية السؤال، فإنّه لا يحسن في بعض المواطن، وقد نصح الخطيب البغداديّ طالب العلم، بقوله في ذلك: "وَلْيَتَجَنَّب الطَّالِبُ سُؤَالَ الْمُحَدِّثِ، إِذَا كَانَ قَلْبُهُ مَشْغُولًا"، ثمّ روى بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "إِنْ كُنْتُ لَآتِي الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ نَائِمًا لَمْ أُوقِظْهُ، وَإِذَا رَأَيْتُهُ مَغْمُومًا لَمْ أَسْأَلْهُ، وَإِذَا رَأَيْتُهُ مَشْغُولًا لَمْ أَسْأَلْهُ".
ثمّ ذكر الخطيب موطناً آخر من مواطن استهجان السؤال، فقال: "وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُ التَّحْدِيثَ، وَهُوَ قَائِمٌ، وَلَا وَهُوَ يَمْشِي؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا، وَلِلْحَدِيثِ مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةً، دُونَ الطُّرُقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ الدَّنِيَّةِ"، ثمّ روى بإسناده عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: "كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، يَكْرَهُ أَنْ يُسْأَلَ وَهُوَ يَمْشِي"، وعَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ عَنْ حَدِيثٍ، فَقَالَ: لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ"، وَفِي رِوَايَةِ وَهْبٍ: "أَنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا"، وعن"بِشْر بْنُ الْحَارِثِ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَدِيثٍ، وَهُوَ يَمْشِي، فَقَالَ: "لَيْسَ هَذَا مِنْ تَوْقِيرِ الْعِلْمِ"، قَالَ بِشْرٌ: فَاسْتَحْسَنْتُ هُ جِدًّا"، وروى عن "عَنْ حَمَّادِ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: "كَانَ مَنْصُورٌ لَا يَسْتَعِينُ بِأَحَدٍ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ فِي حَاجَةٍ، وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمْشِي مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ، يَقُولُ: هُوَ ذَا أَجْلِسُ إِلَيْكُمْ"، يعني: إذا رآهم يمشون معه، وذلك مظَنّة أن يسألوه في العلم، منعهم من ذلك.
ثمّ يروي الخطيب في هذا السّياق حديثاً طريفاً، عن أَبي دَاوُدَ سُلَيْمَان بْن سَيْفٍ، قَالَ: "كُنْتُ مَعَ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، وَهُوَ يَمْشِي وَعَلَيْهِ طَيْلَسَانٌ، فَسَقَطَ عَنْهُ طَيْلَسَانُهُ فَسَوَّيْتُهُ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ: (كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ) ، فَقُلْتُ: مَنْ ذَكَرَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أنا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: {كُلُّ مَعْرُوفٍ صَنَعْتَهُ إِلَى غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ؛ فَهُوَ صَدَقَةٌ}[17]،[18].
وربّما أنّ الخطيب، يعني بروايته لهذا الخبر، وما يتضمَّنه من حديثٍ شريف، في هذا السياق، أنّ النهي عن سؤال العالم، في حال مشيِه، ليس على إطلاقه، ويؤيّده مسلكُ كثيرٍ من العلماء المعاصرين، إذ لا يمتنعون عن إجابة السّائلين، حال مشيهم.
ومن مواضع الاستهجان كذلك، ما رواه الرامهرمزيّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْعَالِمِ، فَلْيَسْأَلْهُ تَفَقُّهًا وَلَا يَسْأَلُهُ تَعَنُّتًا، فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَمْقَتُهُ"[19]، والحديث ضعيفٌ جدّاً، ولكن معناه صحيح.
ومن مواضع الاستهجان، في طرح السؤال، أن يطرح الطالب سؤالاً عرض له أثناء رواية شيخه لحديثٍ، قَالَ الْخَطِيبُ البغدادي: "وَمِنَ الْأَدَبِ إِذَا رَوَى الْمُحَدِّثُ حَدِيثًا، فَعَرَضَ لِلطَّالِبِ فِي خِلَالِهِ شَيْءٌ أَرَادَ السُّؤَالَ عَنْهُ، أَنْ لَا يَسْأَلَ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يُنْهِيَ الرَّاوِي حَدِيثَهُ، ثُمَّ يَسْأَلَ عَمَّا عَرَضَ لَهُ"[20].


الهوامش والمراجع



[1] مقاييس اللغة: 3/ 124.



[2] جامع بيان العلم وفضله: 1/ 375.



[3] سنن أبي داود: 1/ 93 (336)، حسّنه الألباني، دون قوله: إنما كان يكفيه.



[4] جامع بيان العلم وفضله: 1/ 379.



[5] المرجع السابق: 1/ 381.



[6] المرجع السابق: 1/ 377.



[7] الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي: 2/ 17.



[8] المحدث الفاصل للرامهرمزي: ص 360



[9] جامع بيان العلم وفضله: 1/374.



[10] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي: 1/ 213.



[11] المحدث الفاصل للرامهرمزي: ص 362.



[12] جامع بيان العلم وفضله: 1/ 382.



[13] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي: 1/ 211.



[14] الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي: 2/ 63.



[15] المرجع السابق: 2/ 64.



[16] المحدث الفاصل للرامهرمزي: ص 362.



[17] رواه الألباني في السلسلة الصحيحة (2040).



[18] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي: 1/ 212.



[19] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة:( 2665).



[20] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي: 1/ 211.