بالزَّوجة الصَّالحة تحلو الحياة
سعد العثمان



الاختيار في الإسلام تكليف يُحاسب عليه المسلم؛ ولذلك كان اختيار الزَّوجة الصَّالحة أمراً مطلوباً من المؤمن يُسأل عليه. قال صلَّى الله عليه وسلَّم:(تخيَّروا لنطفكم، فانكحوا الأكفاء، وانكحوا إليهم) صحيح الجامع:[ ج1/2928].

والاختيار لا يكون إلا للصَّالحة القانتة الحافظة للغيب؛ ليحفظ ذرِّيَّته من بعده. قال الله تعالى:(الرِّجَال ُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)النساء: 34.

قال ابن كثير: " فالصَّالحات ": أي من النِّساء. قال ابن عباس" قانتات": مطيعات لأزواجهنَّ. "حافظات للغيب" قال السُّديُّ: تحفظ زوجها في غيبته بنفسها وماله. (تفسير ابن كثير). وقال عطاء وقتادة: يحفظن ما غاب عنه الأزواج، من الأموال وما يجب عليهن من صيانة أنفسهن لهم.(زاد المسير ابن الجوزي).

وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدِّين تربت يداك)متفق عليه.
والحديث يبيِّن رغبات النَّاس في اختيار الزَّوجات وهي: المال أو الحسب أو الجمال و أما المتدين فيبحث عن الجوهر، عن التَّقوى، عن الدِّين، عن العفَّة. وإذا رافق هذه الصِّفات الإيمانية غنىً أو حسب أو جمال كان نعمة أكبر على الزَّوج لكن! الأساس التَّديُّن والعفَّة.

وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:(ما أعطي الرَّجل في دنياه خير من امرأة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته، وإن نظر إليها سرته)رواه أحمد والنِّسائي. فالرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم يبيِّن لنا أنَّ خير عطاء للرَّجل في الدُّنيا هي المرأة الصَّالحة، ومظاهر صلاحها، يحدِّدها حديث الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: تطيعه إذا أمر، وتحفظه في نفسها إذا غاب، وتسرُّه عند النَّظر إليها، إذاً هي طائعة، ومحافظة على نفسها، وجميلة في مظهرها، جميلة في أخلاقها. وبذلك اجتمع جمال الباطن مع جمال الظَّاهر.

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: (إذا صلَّت المرأة خمسها، وحصَّنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنَّة شاءت)رواه أحمد وسنده حسن لشواهده. وهذا الحديث يلقي ضوءاً على صورة المرأة الصَّالحة من جانب آخر، تصلِّي خمسها، وتحصِّن فرجها، وتطيع زوجها، إذن المتدينة العفيفة الطَّائعة، هي المصلِّية التي لا تنقطع علاقتها بالله أبداً، ومن ثمرة هذه الصِّلة العفَّة ثمَّ طاعة الزَّوج، فهي من أهل الجنَّة، وأما غير ذلك فلا.

وسئل الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم: أيُّ النِّساء خير؟ قال:(التي تسرُّه إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله)رواه أحمد والنِّسائي والبيهقي. وهنا يبيِّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خير النِّساء، المتجمِّلة لزوجها، والمطيعة له، والحافظة لنفسها وماله. والواقع غير ذلك، فالتَّجمُّل للأجانب، أمَّا الزَّوج فلا نصيب له من جمالها وخفتها ودلعها… وهذه مُصيبة في حياة البيوت اليوم، وقد سمعنا الكثير من شكاوي الرِّجال من نسائهم خارج البيوت من زينة وتبرُّج، وداخل البيوت من إهمال للزِّينة.

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم:(نساؤكم من أهل الجنَّة، الودود الولود العؤود على زوجها، التي إذا غضب جاءت حتَّى تضع يدها في يد زوجها وتقول: لا أذوق غمضاً حتَّى ترضى)رواه النِّسائي، وهو حديث حسن. الودود مِن الوُّدِّ: المتحبِّبة إلى زوجها بالكلام، وبالفعل تتعلَّم لتتودَّد للزَّوج. الولــود: التي تلد أولاداً وبكثرة. العــؤود: تعود على زوجها بكلِّ أنواع النَّفع الماليِّ والمعنويِّ وصلة رحمه. وقيل العؤود: تعود على زوجها إذا غضب لمصالحته، حتَّى لا ينام إلا راضياً عنها، فترضى عنها الملائكة، ولا تلعنها كما تلعن من باتت وزوجها عليها ساخط. ولا تكون بهذه الصِّفات؛ إلا صاحبة خلق ودين، فتستحقُّ أن تكون من أهل الجنَّة.

وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:(من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشَّطر الباقي)رواه الطبراني في الأوسط والحاكم وقال صحيح الإسناد. فالمرأة الصَّالحة نصف الدِّين، وكفى بهذا تحبيباً وترغيباً بالزَّوجة الصَّالحة.

فصفات المرأة التي تصلح أن تكون زوجة هي أن تكون: صالحةً: وعملها يُصلح الزَّوج والبيت، فلا يرى منها إلا ما يُرضيه. قانتـةً: مطيعة للزَّوج بما لا يُغضب الرَّبَّ. حافظةً: تحافظ على نفسها، وأموال زوجها، وتحافظ على فرائضها. وتسرُّه في النِّظر فتتجمَّل له، ولا تخالفه في نفسها وماله إن حضر أو غاب، والودود: التي تتودَّد إليه بكلِّ أنواع الوُدِّ والحبِّ بالكلام والسُّلوك والطَّاعة. والولود: تنجب له الذُّريَّة الصَّالحة. والعؤود: تراضيه إذا غضب، ووجودها يعود عليه بكلِّ خير. وهي نصف دينه، تعفُّه، وتسعده، وترضيه، فتأخذ بيده، ويأخذ بيدها إلى مرضاة الله، ثمَّ إلى الجنَّة.

هذه هي صفات المرأة الصَّالحة؛ التي يجب على الشَّباب أخذها بعين الاعتبار، حين يبحث عن زوجة.

وللمرأة العربيَّة أمامة بنت الحارث وصيَّةٌ مهمَّة لابنتها ليلة زفافها من عمرو بن حجر ملك كندة، حدَّدت فيها بفطرتها وخبرتها، ما ينبغي أن تتَّصف به المرأة من الصِّفات التي تُديم الحياة الزَّوجيَّة، وتديم المودَّة بين الزَّوجين، قالت لها:
أي بنيَّة، إنَّك قد فارقت بيتك الذي فيه درجت، إلى رجل لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لك عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً يكون لك ذخراً:
أمَّا الأولى والثَّانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السَّمع والطَّاعة.
أمَّا الثَّانية والرَّابعة: فالتَّفقُّد لموضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
أمَّا الخامسة والسَّادسة: فالتَّفقُّد لوقت نومه وطعامه، فإن ثورات الجوع ملهبة، وتنغيص النَّوم مغضبة.
أما السَّابعة والثَّامنة: فالاحتراس بماله، والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التَّقدير، وفي العيال حسن التَّدبير.
أما التَّاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سراً، فإنَّك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سرَّه لم تأمني غدره. ثمَّ إيَّاك والفرح بين يديه إذا كان مهموماً، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً.
لقد رسمت هذه الأمُّ العربيَّة؛ التي لم تدرك الإسلام صورة جليَّة للمرأة الصَّالحة، بهذه الوصايا، وهي وصايا يقرُّها الإسلام، فالإسلام يوافق الفطرة السَّليمة؛ التي تبحث عن الحقِّ وتلتزمه.
وقفات مع هذه الوصيَّة الغالية:
تعالي أختي الزَّوجة لنعيش هذه الصِّفات؛ التي رسمتها لنا امرأة ذات فطرة سليمة:
1- الخشوع له بالقناعة: القناعة بما قسم الله لك، وكما قيل:(القناعة كنز لا يفنى) فالقناعة راحة نفسيَّة للمرأة، ترضى بما قسم الله لها، من نوعيَّة الزَّوج، ومن ماله، ومن أسرته، ومن أولاده، بل من كلِّ ما يتعلَّق به، وهذه القناعة بالزَّوج تتحوَّل إلى سعادة أسريَّة رائعة؛ لأنَّها تعلم أنَّ الحياة ابتلاء من الله لتُكتب من الرَّاضيات.
2- حسن السَّمع والطَّاعة: وهذا الأمر أصله ومنبعه طلب مرضاة الله عزَّ وجلَّ، فالذي فرض على المرأة السَّمع والطَّاعة للزَّوج، هو الله الخبير الحكيم، إذاً هي تسمع وتطيع زوجها طاعة لله عزَّ وجلَّ، أي أنَّها تخلص النِّية؛ بأن تكون طاعتها له طاعة لمن خلقها ورزقها هذا الزَّوج، وحسن طاعة الزَّوجة سيولِّد معاملة طيِّبة من الزَّوج تقديرا لها.
3- التَّفقُّد لمواضع عينه وأنفه: وذلك بمراعاة ما يرى، وما يشمُّ من زوجته، وهذا مهمٌّ جداً في الحياة الزَّوجيَّة، فالمرأة يجب أن تشبع زوجها في بيتها بجمالها، ولباسها، وأناقتها، ونظافتها، فلا يرى إلا شكلاً منظماً مرتَّباً، ولا يشمُّ إلا رائحة عطرة، لأنَّ النِّساء في الشَّوارع – للأسف - في أبهى حلة، وأعطر رائحة، ولذلك يجب أن يجد الزَّوج في بيته ما يعفُّه، من زوجة مرتَّبة جميلة ذات رائحة عطرة،
وهذا أمر قد لا تلتفت إليه كثير من النِّساء,وتدعي أنَّ مسؤوليَّات البيت تحول بينها وبين التَّجمُّل.وهذا خطأ يجب الرُّجوع عنه، إلى الاهتمام بالتَّجمُّل لأجل الزَّوج، لأثره البالغ في العلاقة الزوجيَّة.
4- التَّفقُّد لوقت منامه وطعامه: من أساسيَّات الحياة المنام والطَّعام، ولذلك يجب أن تهييء الزَّوجة الظُّروف للزَّوج، حتَّى ينام سعيداً مرتاحاً؛ ليستأنف مسيرة حياته بأعصاب مرتاحة ونفسيَّة هادئة. وكذلك الطَّعام فهو قرين المنام في الأهميَّة. وكثير من الزَّوجات الشَّابات يرين أنَّ الطَّعام ليس أمراً ضروريَّاً، وترى أنَّ على الزَّوج أن يأكل أيَّ شيء، أو يحضر طعاماً جاهزاً، وأنا أوجه دعوة صريحة إلى الأمَّهات كلِّ الأمَّهات أن يعلِّمن بناتهن أصول الطَّبخ؛ حتَّى إذا انتقلت إلى بيت زوجها تكون قد أتقنت هذا الفن، وهذا حقٌّ للزَّوج كما أن نومه وراحته حقٌّ لا جدال فيه.
5- الاهتمام به وبعياله: الاهتمام بالزَّوج هو الأساس في حياة الزَّوجة، الاهتمام بكلِّ احتياجاته الظَّاهرة والباطنة: لباسه، وطلباته، ثمَّ مطلبه الشَّرعي في الفراش، وهذا أمر في غاية الأهميَّة، تهمله كثير من النِّساء بدعاوي كثيرة، وتنسى أنَّ ملائكة الله تلعنها إذا لم تلبِّ طلباته واحتياجاته. ومن حقِّ الزَّوج كذلك الاهتمام بأولاده ديناً وصحَّة وعلماً وتأديباً.
6- المحافظة على مال الزَّوج: فعلى الزَّوجة أن تراعي فيه حسن التَّقدير بلا إسراف ولا إعطاء إلا بإذنه، وإلا فالحساب بين يدي الله عزَّ وجلَّ, وأرى أن أفضل الأمور التَّفاهم بين الزَّوجين على النَّفقة كمَّاً وكيفيَّةً، حتَّى لا تكون سبباً للاختلاف فيما بينهما.
7- تربية الأولاد على الأخلاق الإسلاميَّة: من الصِّدق، والأمانة، والوفاء، وحسن المعاملة مع النَّاس، واحترام الكبير، والرَّحمة بالصَّغير، واحترام الأبوين وطاعتهما، وصلة الرَّحم من جانب الأمِّ والأب على حدٍّ سواء.
8- مراعاة الزَّوجة للحالة النَّفسية للزَّوج: فإن كان سعيداً لا تغمُّ باله، ولا تنكِّد عيشه، بل تُسَرُّ لسروره، وإذا غضب، راعت غضبه، ولم تقم بما يزيد منه، ولا تبدي سرورها وهو غاضب، وهذا أدب راقٍ جداً في التَّعامل.
9- عدم معصية الزَّوج: في وجوده، أو في غيابه، فإنَّ الله يراها، وسيحاسبها، ولا تفشي له سرَّاً. وفي هذا الزَّمان، نجدُ كثيراً من النِّساء، إذا التقين تتحدَّث كلُّ واحدة منهنَّ عن زوجها، وتفشي أسراره، وفي هذا بُعد عن التَّقوى. والعجيب أنَّ بعض النِّساء يسألْن هل للزَّوج غيبة؟. والجواب: إنَّها غيبة مغلَّظة؛ لأنَّ الزَّوج هو صاحب النِّعمة على الزَّوجة، وذكر عيوبه أمام أهلك، وصديقاتك، وتجعلينه مجالاً للحديث بين النِّساء, هذا من كفران العشير؛ الذي هو من أسباب ورود النَّار.

10- نتيجة عصيان الزَّوج: والمرأة التي تعصي زوجها؛ تجعله يحمل عليها في قلبه، فلا يحبُّها؛ بل قد يكرهها، لأنها أوغرت صدره، وإذا أفشت سره فعليها ألا تأمن غدره، المتمثِّل بزواجه عليها، أو طلاقه لها.
إنَّها نصائح تكتب بماء الذَّهب؛ لقيمتها وتأثيرها الكبير في الحياة الزَّوجية، وأنا أنصح أن تقدَّم هذه الوصايا هديةً إلى كلِّ زوجة مقبلة على الزَّواج، حتى تعلم ما المطلوب منها في هذه الشَّراكة.