من دلائل النبوة في حكمي الإحرام والاعتكاف
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال البخاري في صحيحه 1568 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ قَالَ قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ لِي أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ تَصِيرُ الْآنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ فَقَالَ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ لَهُمْ أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً فَقَالُوا كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ فَقَالَ افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ فَلَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَفَعَلُوا.
هذا الحديث هو مفتاح المقال اليوم
النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أمر الصحابة أن يعتمروا ويحلوا ( بمعنى ينزعوا إحرامهم فيمكنهم إتيان النساء وفعل كل ما يحرم على المحرم ) ، ولكنه هو منع نفسه من هذا لأنه ساق الهدي فبقي على إحرامه
المحرم لا يحلق رأسه ولا يقص أظافره ولا يلبس المخيط ولا ينكح النساء بل ولا يباشر أهله مجرد مباشرة ولا يأكل الصيد الذي صيد له ولا يضع الطيب
النبي صلى الله عليه وسلم ومعه كل نسائه ألزم نفسه بهذه الأحكام لأنه يسوق الهدي والهدي دابة تنحر لله وسوقها أن تبقى تقودها طوال أيام الحج إلى يوم النحر
ألزم نفسه بكل هذه المشاق في الوقت الذي أباح فيه للصحابة التحلل ولو كان كاذباً أو مدعياً حاشاه لما ألزم نفسه بهذا ولحل كما حل الناس ولكنه أعبد الخلق لربه
وشاهد هذا المعنى أيضاً في الاعتكاف فالمعتكف لا يجوز له الخروج لأي حاجة ولا يباشر زوجته فضلاً عن إتيانها ويتفرغ للعبادة ويبتعد عن حديث الدنيا ويقبل على الخالق
النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان كلها على هذه الحال من الإقبال على العبادة والبعد عن الزوجات والملذات
والمرة الوحيدة التي ترك فيها الاعتكاف هذه
قال البخاري في صحيحه 2033 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِب خِبَاءً فَأَذِنَتْ لَهَا فَضَرَبَتْ خِبَاءً فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْأَخْبِيَةَ فَقَالَ مَا هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ
فالنبي صلى الله عليه وسلم تضايق من اعتكاف زوجاته في المسجد فترك الاعتكاف ثم قضاها في شوال
ورجل يدعي النبوة كذباً فيما يدعي الجهلة وتتكالب عليه الأمم والأعداء من الداخل ( من اليهود والمنافقين ) ومن الخارج لماذا يكلف نفسه بهذه المشاق ؟
والإحرام والاعتكاف كلاهما في القرآن أصالة
ومثل هذا صلاة الخوف فلو كان الأمر شيئاً مخترعاً لأسقط عن نفسه وعن أصحابه الصلاة في الجهاد بالكلية ولكان هذا تشريعاً معقولاً لا يدعو إلى أي ريبة
وجاء في موطأ مالك 25 - حدثني يحيى عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب :أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قفل من خيبر أسرى حتى إذا كان من آخر الليل عرس وقال لبلال اكلأ لنا الصبح ونام رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه وكلأ بلال ما قدر له ثم استند إلى راحلته وهو مقابل الفجر فغلبته عيناه فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا بلال ولا أحد من الركب حتى ضربتهم الشمس ففزع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال بلال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أقتادوا فبعثوا رواحلهم واقتادوا شيئا ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبح ثم قال حين قضى الصلاة من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها.
تأمل حرصه على الصلاة وهو مسافر في وقتها مع ما يلاقي من المشقة فلو كان الأمر ليس تشريعاً من الله لكان الأهون على النفس إسقاط الصلاة في السفر خصوصاً صلاة الفجر الشاقة بل العجيب أن الفجر وقتها لا يتغير في السفر ولا يجمع إليها غير مع أنها من أشق الصلوات لأنها تأتي وأنت في عمق النوم لهذا جعل في أذانها الصلاة خير من النوم
ولا أعظم برهاناً من وصال النبي صلى الله عليه وسلم مع نهيه الناس عن الوصال وكونه كان يقوى على ذلك وكذا مداومته على قيام الليل
وفي مرض وفاته يخرج إلى الصلاة يتهادى بين رجلين تخط رجلاه في الأرض صلى الله عليه وسلم ولو تركها لعذره كل عاقل ومع ذلك يحرص عليها جداً في جماعة
فتأمل هذا وأطل التأمل
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه / عبدالله الخليفي