تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: فوائد من كتاب "مداواة النفوس " لابن حزم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,494

    افتراضي فوائد من كتاب "مداواة النفوس " لابن حزم

    فوائد من كتاب "مداواة النفوس " لابن حزم (1-3)


    فهد بن عبد العزيز الشويرخ



    الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..أما بعد: فلا يخفى أن البدن يمرض ويتعب, وكذلك النفس تسقم وتعتل, فتحتاج إلى مداواة تطهرها من الذنوب, وتنقيها من العيوب, لكي تزكو فيفلح صاحبها, كما قال الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } [الشمس:9] فإن تركت بدون تزكية وتهذيب, فقد خاب صاحبها وخسر, كما قال سبحانه وتعالى: { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[الشمس:10]
    وقد ألف علماء الإسلام مصنفات في تهذيب النفس وتزكيتها, من أهمها: كتاب الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله, الموسوم بـ " مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق والزهد في الرذائل " وقد أجاد رحمه الله وأفاد في هذا الكتاب, فهو كتاب نافع, فمما يميزه عن غيره, أن مؤلفه يكتب عن تجارب, قال في مقدمته: فإني جمعت في كتابي هذا معاني كثيرة, أفادنيها واهب التميز تعالى, بمرور الأيام وتعاقب الأحوال.
    ومما يميزه كذلك صراحة مؤلفه, فهو يتكلم عن عيوب فيه, استطاع التخلص من بعضها, وبقي بعضها, قال رحمه الله: كانت فيَّ عيوب, فلم أزل بالرياضة واطلاعي على ما قالت الأنبياء...في الأخلاق...حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومنِّه.
    والكتاب غزير بالفوائد في بابه, وقد يسر الله الكريم لي فانتقيت منه بعضها, أسأل الله أن ينفع بها, ويبارك فيها.
    فصل: مداواة النفوس وإصلاح الأخلاق الذميمة
    (1) كل أمل ظفرت به, فعقباه حزن, إما بذهابه عنك, وإما بذهابك عنه, ولا بد من أحد هذين السبيلين, إلا العمل لله عز وجل, فعقباه..سرور في عاجل وآجل, أما في العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس,..وأما في الآجل فالجنة.
    (2) تطلبت غرضاً يستوي الناس في استحسانهم كلهم وفي طلبه فلم أجده إلا واحداً وهو طرد الهم, فلما تدبرته, علمتُ أن الناس كلهم لم يستووا في استحسانه فقط, ولا في طلبه فقط, ولكن رأيتهم على اختلاف أهوائهم ومطالبهم ومراداتهم, وتباين هممهم وإراداتهم لا يتحركون حركة أصلاً إلا فيما يرجون به طرد الهم,..فمن مخطئ وجه سبيله, ومن مقاربٍ للخطأ, ومن مصيبٍ, وهو الأقل من الناس في الأقلِّ من أموره, والله أعلم.
    (3) طرد الهمِّ مذهب قد اتفقت عليه الأمم كلُّها مُذ خلق الله تعالى العالم إلى أن يتناهى...وليس في العالم...أحد يستحسن الهم, ولا يريد إلا طرحه عن نفسه, فلما استقرَّ في نفسي هذا العلم...بحثت عن سبيل موصلةٍ على الحقيقة إلى طرد الهم,...فلم أجدها إلا التوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة...ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم,..وإن تعب فيما سلك فيه سُرَّ, فهو في سرورٍ متصلٍ أبداً, وغيره بخلاف ذلك أبداً.
    (4) لا مروءة لمن لا دين له, والعاقل لا يرى لنفسه ثمناً إلا الجنة.
    (5) السعيدُ من أنست نفسه بالفضائل والطاعات, ونفرت من الرذائل والمعاصي, والشقي من أنست نفسه بالرذائل والمعاصي, ونفرت من الفضائل والطاعات, وليس ههنا إلا صنع الله تعالى وحفظه.
    (6) طرح المبالاة بكلام الناس, واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل, هو باب العقل كله والراحة كلها...فمن حقق النظر..كان اغتباطه بذمِّ الناس إياه أشدَّ من اغتباطه بمدحهم إياه لأن مدحهم إياه إن كان بحقٍّ, وبلغه مدحُهُم له, أسرى ذلك فيه العُجب, فأفسد بذلك فضائله وإن كان بباطلٍ فبلغه فسُرَّ فقد صار مسروراً بالكذب, وهذا نقص شديد. وأما ذمُّ الناس إياه, فإن كان بحق فبلغه, فربما كان ذلك سبباً إلى تجنُّبه ما يُعاب عليه, وهذا حظ عظيم, لا يزهدُ فيه إلا ناقص, وإن كان بباطلٍ فصبر, اكتسب فضلاً زائداً بالحلم والصبر, وكان مع ذلك غانماً لأنه يأخذ حسنات من ذمَّه بالباطل

    (7) لا يسرُّك أن تُمدح بما ليس فيك, بل ليعظم غمُّك بذلك, لأنه نقصك ينبه الناس عليه, ويسمعهم إياه, وسخرية منك وهزء بك, ولا يرضى بهذا إلا أحمق ضعيف العقل, ولا تأسَ إن ذممت بما ليس فيك, بل افرح, فإنه فضلك ينبّه الناس عليه, ولكن افرح إذا كان فيك ما تستحق به المدح, سواء مُدحت به أو لم تمدح, واحزن إذا كان فيك ما تستحق به الذم, سواء ذُممت به أو لم تُذم.
    (8) طالب الآخرة متشبه بالملائكة, وطالب الشر متشبه بالشياطين, وطالب الصوت والغلبة متشبه بالسباع, وطالب اللذات المحرمة متشبه بالبهائم...فالعا ل لا يغتبطُ بصفة يفُوقُهُ فيها سبع أو بهيمة أو جماد, وإنما يغتبطُ بتقدمه في الفضيلة...والتمي الذي يشارك فيه الملائكة.
    (9) من أساء إلى أهله وجيرانه فهو أسقطهم, ومن كافأ من أساء إليه منهم فهو مثلهم, ومن لم يكافئهم بإساءتهم, فهو سيدهم وخيرهم وأفضلهم.
    (10) كانت في عيوب, فلم أزل بالرياضة وإطلاعي على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم والأفاضل من الحكماء المتأخرين والمتقدمين في الأخلاق, وفي آداب النفس أُعاني مُداواتها, حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومنه.
    فمنها: كلف في الرضا, وإفراط في الغضب, فلم أزل أُداوي ذلك حتى وقفت عند ترك إظهار الغضب جملةً بالكلام والفعل والتخبط, وامتنعت مما يحلَّ من الانتصار, وتحملت من ذلك ثقلاً شديداً, وصيرت على مضض مؤلمٍ كان ربما أمرضني, وأعجزني ذلك في الرضا.
    ومنها: دعابة غالبة, فالذي قدرت عليه فيها إمساكي عما يغضب الممازح, وسامحت نفسي فيها, إذا رأيت تركها من الانغلاق ومضاهياً للكبر.
    ومنها: عُجب شديد, فناظر عقلي نفسي بما يعرفه من عيوبها حتى ذهب كلُّه, ولم يبق له والحمد لله أثر, بل كلفتُ نفسي احتقار قدرها جملةً, واستعمال التواضع.
    ومنها: حركات كانت تولدها غرارة الصبا, وضعفُ الأعضاء, فقسرت نفسي على تركها, فذهبت.
    ومنها: محبة في بُعد الصيت والغلبة, فالذي وقفت عليه من معاناة هذا الداء الإمساك فيه عما لا يحلُّ في الديانة, والله المستعان على الباقي.
    ومنها: حقد مفرط, قدرت بعون الله تعالى على طيه وستره, وغلبتُهُ على إظهار جميع نتائجه, وأما قطعه البته فلم أقدر عليه, وأعجزني معه أن أصادق من عاداني عداوة صحيحة أبداً.
    (11) قول الله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40-41] جامع لكل فضيلةٍ, لأن نهى النفس عن الهوى هو ردعها عن الطبع الغضبي, وعن الطبع الشهواني...وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي استوصاه: «لا تغضب» وأمره عليه السلام أن يجبَّ المرء لغيره ما يحبُّ لنفسه جامعان لكل فضيلة, لأن في نهيه عن الغضب ردع النفس ذات القوة الغضبية عن هواها, وفي أمره عليه السلام بأن يحبَّ المرءُ لغيره ما يحبُّ لنفسه ردعُ النفوس عن القوة الشهوانية.
    (12) رأيت...إلا من عصم الله تعالى وقليل ما هم, يتعجلون الشقاء والهمَّ لأنفسهم في الدنيا...من تمنى أشدّ البلاء لمن يكرهونه, وقد علموا يقيناً أن تلك النيات الفاسدة لا تُعجل لهم شيئاً مما يتمنونه, أو يوجب كونه, وأنهم لو صفوا نياتهم, وحسنوها لتعجلوا الراحة لأنفسهم, وتفرغوا بذلك لمصالح أمورهم, ولاقتنوا عظم الأجر في المعاد من غير أن يؤخر ذلك شيئاً مما يُريدونه و يمنع كونه.فأيُّ غبنٍ أعظمُ من هذه الحال التي نبهنا عليها ؟ وأيُّ سعد أعظمُ من الذي دعونا إليه ؟
    (13) إذا نام المرء, خرج عن الدنيا ونسي كل سرورٍ وحزن, فلو رتب نفسه في يقظته على ذلك أيضاً لسعد السعادة التامة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,494

    افتراضي رد: فوائد من كتاب "مداواة النفوس " لابن حزم

    فوائد من كتاب "مداواة النفوس " لابن حزم (2-3)


    فهد بن عبد العزيز الشويرخ


    فصل: العلم
    (1) لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك ويحبُّونك, وأن العلماء يحبُّونك ويكرمونك, لكان ذلك سبباً إلى وجوب طلبه, فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة ؟
    (2) من شغل نفسه بأدنى العلوم, وترك أعلاها وهو قادر عليه, كان كزارع الذُّرة في الأرض التي يجود فيها البُرّ.
    (3) نشر العلم عند من ليس من أهله مفسد لهم, كإطعامك العسل والحلوى من به احتراق وحمَّى.
    (4) الباخل بالعلم ألوم من الباخل بالمال, فالباخل بالمال أشفق من فناء ما بيده, والباخل بخِلَ بما لا يفنى على النفقة, ولا يُفارقُه مع البذل.
    (5) أجلُّ العلوم ما قربك من خالقك تعالى, وما أعانك على الوصول إلى رضاه.
    (6) انظر في المال والحال والصحة إلى من دونك, وانظر في الدِّين والعلم والفضائل إلى من هو فوقك.
    (7) لا آفة على العلوم وأهلها أضرُّ من الدُّخلاء فيها, وهم من غير أهلها, فإنهم يجهلون, ويظنون أنهم يعلمون, ويفسدون ويقدّرون أنهم يُصلحون.
    (8) سرَّني أهل العلم مرتين من عمري:
    إحداهما: بتعليمي أيام جهلي.
    والثانية: بمذاكرتي أيام علمي.
    (9) من فضل العلم والزهد في الدنيا أنهما لا يُؤتيهما الله عز وجل إلا أهلهما ومُستحقهما.

    فصل: الأخلاق والسِّير
    (1) احرص أن توصف بسلامة الجانب, وتحفَّظ من أن توصف بالدهاء, فيكثرُ المتحفِّظون منك, حتى ربما أضر ذلك بك, وربما قتلك.
    (2) وطن نفسك على ما تكره, يقلَّ همُّك إذا أتاك,..ويعظم سرورك ويتضاعف, إذا أتاك ما تحبُّ مما لم يكن قدرته.
    (3) طوبى لمن علم من عيوب نفسه أكثر مما يعلم الناس منها.
    (4) من جالس الناس لم يعدم همّاً يؤلم نفسه,..فما الظن بمن خالطهم وداخلهم؟ والعزُّ والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم, ولكن اجعلهم كالنار تدفأ بها ولا تخالطها.ولو لم يكن في مجالسة الناس إلا عيبان لكفيا:
    أحدهما: الاسترسالُ عند الأنُس بالأسرار المُهلكة القاتلة التي لولا المُجالسة لم يبح بها البائح.والثاني: مواقعة الغيبة المهلكة في الآخرة.
    فلا سبيل إلى السلامة من هاتين البليتين إلا بالانفراد عن المجالسة جملة.
    (5) الوجع والفقر والخوف لا يحسُّ أذاها إلا من كان فيها, ولا يعلمه من كان خارجاً عنها, وفساد الرأي والعار والإثم لا يعلمُ قبحها إلا من كان خارجاً عنها, وليس يراه من كان داخلاً فيها.
    الأمن والصحة والغنى لا يعرف حقها إلا من كان خارجاً عنها, وليس يعرفه من كان فيها, وجودة الرأي والفضائل وعمل الآخرة لا يعرف فضلها إلا من كان من أهلها, ولا يعرفه من لم يكن منها.
    (6) أول من يزهدُ في الغادر من غدر له الغادر, وأول من يمقتُ شاهد الزور من شهد له به, وأول من تهون الزانية في عينه الذي يزنى بها.
    (7) ما رأينا فسد فعاد إلى صحته إلا بعد لأيٍ, فكيف بدماغ يتوالى عليه فسادُ السُّكر كل ليلة؟وإن عقلاً زين لصاحبه تعجيل إفساده كل ليلةٍ لعقل ينبغي أن يتهم
    (8) مُقرِّبُ أعدائه قاتلُ نفسه.
    (9) لا تُجب عن كلام نُقل إليك عن قائل حتى توقن أنه قاله, فإن من نقل إليك كذباً, رجع من عندك بحق.
    (10) من استخف بحرمات الله تعالى, فلا تأمنه على شيءٍ.
    (11) لم أرَ لإبليس أصيدَ ولا أقبحَ ولا أحمقَ من كلمتين ألقاهما على أسنة دعاته:
    إحداهما: اعتذارُ من أساء, بأن فلاناً أساء قبله.
    والثانية: استسهل الإنسان أن يُسيء اليوم لأنه قد أساء أمس, أو أن يُسيء في وجه ما لأنه قد أساء في غيره.فقد صارت هاتان الكلمتان عذراً مسهّلتين للشرِّ.
    (12) السخاءُ بما ظلمت فيه, أو أخذته بغير حقه ظلم مكرر, والذمُّ جزاء ذلك لا الحمد, لأنك إنما تبذل مال غيرك على الحقيقة لا مالك.
    (13) حدُّ العفة أن تغضَّ بصرك, وجميع جوارحك عن الأجسام التي لا تحلُّ لك.
    (14) أبلغ في ذمك من مدحك بما ليس فيك, لأنه نبه على نقصك, وأبلغ في مدحك من ذمك بما ليس فيك, لأنه نبه على فضلك, ولقد انتصر لك من نفسه بذلك.وباستهدافه إلى الإنكار واللائمة.
    (15) لو علم الناقص نقصه كان كاملاً.
    (16) لا يخلو مخلوق من عيب.فالسعيد من قلَّت عيوبه ودقَّت.
    (17) أكثر ما يكون ما لم تظن, والحزم هو التأهب لما يًظنُّ, فسبحان من رتب ذلك, ليري الإنسان عجزه وافتقاره إلى خالقه عز وجل.

    فصل: الإخوان والصداقة والنصيحة
    (1) لا ترغب فيمن يزهد فيك, فتحصل على الخيبة والخزي.ولا تزهد فيمن يرغبُ فيك, فإنه باب من أبواب الظلم, وتركُ مقارضة الإحسان, وهذا قبيح.
    (3) العتابُ للصديق كالسبك للسبيكة, فإما تصفو وإما تطير.
    (4) أنا أُعلمك أنَّ بعض من خالصني المودة, وأصفاني إياها غاية الصفاء في حال الشدة والرخاء والسعة والضيق والغضب والرضا, تغير عليَّ أقبح تغيُّر بعد اثني عشر عاماً متصلة في غاية الصفا, لسبب لطيف جداً, ما قدَّرتُ قطُّ أنه يُؤثر مثله في أحد من الناس, وما صلح لي بعدها, ولقد أهمني ذلك سنين كثيرة همًّا شديداً.
    (5) لا تُفشي إلى أحد من إخوانك ولا من غيرهم من سرّك ما يمكنك طيُّه بوجه ما من الوجوه, وإن كان أخصَّ الناس بك.
    (6) لا تنصح على شرط القبول, ولا تشفع على شرط الإجابة, ولا تهب تهب على شرط الإثابة, لكن على سبيل استعمال الفضل وتأدية ما عليك من النصيحة والشفاعة وبذل المعروف.
    (7) ليس كل صديق ناصح, ولكن كل ناصح صديق فيما نصح فيه...وحدُّ النصيحة هو أن يسوءَ المرء ما ضرَّ الآخر ساء ذلك الآخر أم سرَّه, وأن يسره ما نفعه, سرَّ الآخر أم ساءه. فهذا شرط في النصيحة زائد على شرط الصداقة.
    (8) إذا نصحت فانصح سراً لا جهراً, أو بتعريض لا بتصريحٍ إلا أن لا يفهم المنصوح غرضك فلا بدَّ من التصريح له.
    (9) لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه, ولا ينتفع بمعرفته,..ولا تكتمه ما يستضرُّ بجهله, فهذا فعل أهل الشر.

    فصل: مداواة أدواء الأخلاق الفاسدة
    من امتحن بالعُجب, فليتفكر في عيوبه, فإن أعجب بفضائله, فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنية, فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه, فليعلم أنها مصيبة الأبد, وأنه أتم الناس نقصاً, وأعظهم عيوباً, وأضعفهم تميزاً...لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالبها, وسعى في قمعها.والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه, إما لقلة علمه وتميزه وضعف فكرته, وإما لأنه يُقدرُّ أن عيوبه خصال, وهذا أشد عيوب الأرض.واعلم يقيناً أنه لا يسلم إنسي من نقص, حاشا الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين.فليتدراك نفسه بالبحث عن عيوبه, والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها.وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,494

    افتراضي رد: فوائد من كتاب "مداواة النفوس " لابن حزم

    فوائد من كتاب "مداواة النفوس " لابن حزم" (3-3)


    فهد بن عبد العزيز الشويرخ


    فصل: في غرائب أخلاق النفس
    ينبغي للعاقل أن لا يحكم بما يبدو له من استرحام الباكي المتظلم وتشكيه, وكثرة تلومه, وتقلبه وبكائه, فقد وقفت من بعض من يفعلُ هذا, على يقين أنه الظالم المتعدي المُفرطُ في الظلم.ورأيتُ بعض المظلومين ساكن الكلام, معدوم التشكي, مظهر لقلة المبالاة, فيسبق إلى نفس من لا يحقق النظر أنه ظالم. وهذا مكان ينبغي التثبت فيه, ومغالبة النفس جملة, وأن لا يميل المرء مع الصفة التي ذكرنا ولا عليها, ولكن يقصد الإنصاف بما يوجب الحق على السواء.
    فصل: حضور مجالس العلم
    (1) إذا حضرت مجلس علم, فلا يكن حضورك إلا حضور مستزيد علماً وأجراً, لا حضور مستغن بما عندك, طالب عثرة تشنعها, أو غريبةٍ تشيعها, فهذه أفعال الأراذال الذين لا يفلحون في العالم أبداً.
    فإذا حضرتها على هذه النية, فقد حصلت خيراً على كل حال, فإن لم تحضرها على هذه النية, فجلوسك في منزلك أروح لبدنك, وأكرم لخلقك, وأسلمُ لدينك.
    (2) فإذا حضرتها كما ذكرنا, فالتزم أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها وهي:
    أ- إما أن تسكت سكوت الجهال, فتحصل على أجر النية في المشاهدة, وعلى الثناء عليك بقلة الفضول, وعلى كرمِ المجالسة, ومودة من تجالس.
    ب- فإن لم تفعل ذلك فاسأل سؤال المُتعلم, فتحصل على هذه الأربع المحاسن وعلى خامسة, وهي استزادة العلم.
    وصفة سؤال المُتعلم هو أن تسأل عما لا تدري, لا عن ما تدري, فإن السؤال عما تدريه..شغل لكلامك, وقطع لزمانك بما لا فائدة فيه لك ولا لغيرك, وربما أدى إلى اكتساب العدوات.
    فإن أجابك الذي سألتَ بما فيه كفاية لك, فاقطع الكلام, فإن لم يُجبك بما فيه كفاية, أو أجابك بما لم تفهم, فقل له: لم أفهم, واستزده, فإن لم يزدك بياناً, وسكت, أو أعاد عليك الكلام الأول ولا مزيد, فامسك عنه, وإلا حصلت على الشر والعداوة ولم تحصل على ما تريده من الزيادة
    ت- والوجه الثالث أن تراجع مراجعة العالم, وصفة ذلك أن تعارض جوابه بما ينقضه نقضاً بيناً, فإن لم يكن ذلك عندك, ولم يكن عندك إلا تكرار قولك, أو المعارضة بما يراه خصمك معارضة, فأمسك, لأنك لا تحصل بتكرار ذلك على أجر زائد, ولا على تعليم, ولا على تعلم, بل على الغيظ لك ولخصمك.
    وإياك وسؤال المتعنت, ومراجعة المُكابر الذي يطلب الغلبة بغير علم. فهما خلقا سوءٍ, ودليلان على قلة الدين, وكثرة الفضول, وضعف العقل.
    وإذا ورد عليك خطاب بلسان, أو هجمت على كلام في كتاب, فإياك أن تُقابله مقابلة المُغاضبة الباعثة على المغالبة قبل أن تتيقن بطلانه ببرهان قاطع, وأيضاً فلا تقبل عليه إقبال المصدق به, المستحسن إياه قبل علمك بصحته ببرهان قاطع, فلا تظلم في كلا الوجهين نفسك, وتبعد عن إدراك الحقيقة, ولكن أقبل عليه إقبال سالم القلب عن النزاع عنه والنزوع إليه
    (3) فرض على الناس تعلم الخير والعمل به, فمن جمع الأمرين جميعاً, فقد استوفى الفضلين معاً.
    ومن علَّمه ولم يعمل به فقد أحسن في التعلُّم, وأساء في تركِ العمل به, فخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً, وهو خير من آخر لم يُعلِّمه ولم يعمل به.
    وهذا الذي لا خير فيه أمثلُ حالةً, وأقلُّ ذماً من آخر ينهى عن تعلم الخير, ويصدُّ عنه.
    فصل: فوائد متفرقة
    (1) لا تضرَّ نفسك في أن تجرب بها الآراء الفاسدة لتريَ المشير بها فسادها, فتهلك
    (2) إياك أن تسرَّ غيرك بما تسوءُ به نفسك فيما لم تُوجبه عليك شريعة أو فضيلة.
    (3) من طلب الفضائل لم يُساير إلا أهلها.
    (4) من امتُحن بقرب من يكره, كمن امتُحن بصدِّ من يحبُّ, ولا فرق.
    (5) اقنع بمن عندك, يقنع بك من عندك.
    (6) إذا ارتفعت الغيرةُ, فأيقن بارتفاع المحبة.
    (7) حد العقل استعمال الطاعات والفضائل, وهذا الحد ينطوي فيه اجتناب المعاصي والرذائل, وقد نص الله تعالى في غير موضع من كتابه على أن من عصاه لا يعقل قال الله حاكياً عن قوم: وَ {قَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} ثم قال مصدقاً لهم {فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ } [الملك:10]
    (8) لقد طال همُّ من غاظه الحق.
    (9) اثنتان عظمت راحتهما: أحدهما في غاية الحمد, والآخر في غاية الذم, وهما مُطرحُ الدنيا, ومُطرح الحياء.
    (10) صدق من قال: إن العاقل في الدنيا متعوب, وصدق من قال: إنه فيها مستريح.فأما تعبُهُ فبما يرى من انتشار الباطل, وغلبة دولته, وبما يُحالُ بينه وبين الحقِّ من إظهار الحقّ.وأما راحته, فمن كل ما يهتمُّ به سائر الناس من فضول الدنيا.
    (11) إياك ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا أخراك, وإن قلَّ, فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة.
    (12) الناس في بعض أخلاقهم على ..مراتب:
    فطائفة تمدح في الوجه والمغيب, وهذه صفة أهل الملق والطمع.
    وطائفة تذم في المشهد والمغيب, وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة من العيَّابين.
    وطائفة تمدح في الوجه, وتذمَّ في المغيب, وهذه صفة أهل النفاق والعيَّابين.
    وطائفة تذم في المشهد, وتمدح في المغيب, وهذه صفة أهل السخف.
    وأما أهل الفضل فيمسكون عن المدح والذمِّ في المشاهدة, ويثنون بالخير في المغيب أو يمسكون عن الذمِّ.
    وأما أهل السلامة, فيمسكون عن المدح والذمِّ في المشهد والمغيب.
    (13) مما ينجعُ في الوعظ..الثناء بحضرة المُسيء على من فعل خلاف فعله, فهذا داعية إلى عمل الخير, وما أعلم لحبِّ المدح فضلاً إلا هذا وحده, وهو أن يقتدي به من يسمع الثناء.
    (14) من أراد الإنصاف, فليتوهم نفسه مكان خصمه, فإنه يلوح له وجه تعسفه.
    (15) كم شاهدنا ممن أهلكه كلامه, ولم نر قطُّ أحد بلغنا أنه أهلكه سكوته, فلا تتكلم إلا بما بقربك من خالقك, فإن خفت ظالماً فاسكت.
    (16) ينبغي أن يرغب العاقل في الاستكثار من الفضائل, وأعمال البرِّ التي يستحق من هي فيه الذكر الجميل, والثناء الحسن, والمدح وحميد الصفة, فهي التي تقربه من بارئه تعالى, وتجعله مذكوراً عنده عز وجل بالذكر الذي ينفعه
    (17) أعدل الشهود على المطبوع على الصدق: وجهه, لظهور الاسترابة عليه إن وقع في كذبةٍ أو همَّ بها. وأعدل الشهود على الكذاب: لسانه, لاضطرابه ونقض بعض كلامه بعضاً.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •