تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: جواب مختصر على شبهة لماذا لم تمنع ذنوب الكفار عنهم المطر؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي جواب مختصر على شبهة لماذا لم تمنع ذنوب الكفار عنهم المطر؟

    جواب مختصر على شبهة لماذا لم تمنع ذنوب الكفار عنهم المطر؟

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
    فقد أرسل إليّ من لا أستطيع عدم إجابته طلباً في الجواب على شبهة منتشرة وهي قولهم:
    "إن كانت الذنوب تمنع المطر كما تقولون فلماذا لم تمنع ذنوب الكفار الأمطار في ديارهم؟!"
    فأقول مستعيناً بالله وحده:
    هذه الشبهة الساقطة تُشكل على من لم يقرأ القرآن وينظر في أدلة الكتاب والسنة، وإلا فهل يظن مورد هذه الشبهة أنها إن كانت تمثل شبهة حقا وتسبب إحراجاً لأهل الإسلام أنها فاتت المنافقين والكفرة المناوئين المعادين للإسلام منذ الصدر الأول؟!
    فمنذ ذلك الزمان وبعض ديار الكفار كبلاد أوروبا كانت مخضرة تأتيها الأمطار بين حين وآخر، ولكن من أراد الله خذلانه خلى بينه وبين أمثال هذه الوساوس التي يلقي بها الشيطان إلى أولياءه ليزيدهم في الضلال ويمدهم من أسباب الانحراف.
    لقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه أنه يبتلي عباده بسبب ذنوبهم، وأنه في الوقت نفسه ليملي الظالمين ويمدهم بالأنعام ثم يأخذهم بغتة، وجاءت الأدلة مفرقة بين حال المؤمنين وبين حال الكافرين، وأن الكفار توفى لهم جميع حسناتهم في الحياة الدنيا، ثم مصيرهم إلى النار، وأما المؤمن فإنه قد يبتلى عقوبة على ذنب أو رفعة لدرجة لم يبلغه عمله، ثم مصيره إلى الجنة، فمن خلط بين الحالين فقد غلط، وإليك بعض الأدلة على ما قلت:
    (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)
    فهؤلاء كفرة ومع ذلك فتح الله عليهم الخيرات فتحاً وصب عليهم الرزق صباً ثم بعد ذلك سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر
    ويقول سبحانه:
    (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)
    قال سعيد بن جبير رحمه الله عن قوله " مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا":
    "ثوابَ ما عملوا في الدنيا من خير أعطوه في الدنيا، وليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صَنَعوا فيها" [رواه الطبري في تفسيره 15/263]
    والكفار يحصل منهم إحسان في الدنيا فيجزون به في الدنيا؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم(( إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِها في الدُّنْيَا ويُجْزَى بِها في الآخِرَة، وأمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِها لِلَّهِ في الدُّنْيَا، حَتَّى إذَا أفْضَى إلى الآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِها ))[رواه مسلم ح(2808)]، وهذا سبب من أسباب رزق الكفار في الدنيا.
    وقال تعالى (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)
    فالله سبحانه وتعالى يملي للكفار على كفرهم وشر أعمالهم ومع ذلك يمدهم بالأنعام ليزدادوا إثما ثم يأخذهم بها يوم القيامة بالعذاب الشديد والعذاب المهين.
    وقال تعالى(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا)
    وقال تعالى(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُ مْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ)
    وليس ببعيد عنا حال فرعون وكيف كان له الظهور في الأرض والأنهار تجري من تحته ثم أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وكذلك قارون والأمثلة في هذا تطول.
    وأما أهل الإيمان فقد ابتلاهم الله بطاعته، فإذا وقع منهم عصيان وإعراض أوقع عليهم بعض العقوبات كإمساك القطر والمطر حتى يعودوا إلى الجادة، قال تعالى(أَوَلَمَّ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
    وقال تعالى(وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)
    ومثل هذا الابتلاء يظهر التفوات بين المظهرين للإسلام فمنهم من إيمانه قوي فيقبل على الله ومنهم من يعبد الله على حرف فيعرض وينكشف حاله لأهل الإيمان فتتمايز الصفوف وتتطهر من أهل النفاق.
    وقد سبق أن المسلم يبتلى لرفع الدرجات كما سبق أو لعقوبة على ذنب أذنبه، ومن رحمة الله بالعبد -إن لم يعف عنه بالكلية -أن يعجل له العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، فعقوبة الدنيا مهما بلغت من الشدة فلا تعتبر شيئاً مقارنة بعقوبة الآخرة.
    جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ((إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))[رواه الترمذي ح(2396)]
    قال ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى: {فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)} :
    "يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْإِنْسَانِ فِي اعْتِقَادِهِ إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ لِيَخْتَبِرَهُ فِي ذَلِكَ، فَيَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ إِكْرَامٌ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون}. وَكَذَلِكَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ إِذَا ابْتَلَاهُ وَامْتَحَنَهُ وضَيَّق عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ، يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ إِهَانَةٌ لَهُ قَالَ اللَّهُ: {كَلا} أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ، لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الْمَالَ مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَيُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِي كُلٍّ مِنَ الْحَالَيْنِ، إِذَا كَانَ غَنِيًّا بِأَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ فَقِيرًا بِأَنْ يَصْبِرَ"[تفسيره8/398]
    ثم من قال أن الكفار لا يصيبهم أي بلاء في الدنيا فأحيانا ينزل الله بعض العقوبات عليهم،؛ قال تعالى(وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)
    وإن كان ذلك لا يؤثر على أن حياة الكفار في الدنيا مهما ساءت فهي خير لهم من الآخرة لأن في الآخرة ليس لهم إلا النار.
    وبهذا يتم الجواب والله أعلم
    ولا حول ولا قوة إلا به

    http://alktheri.blogspot.com/2018/01/blog-post.html

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: جواب مختصر على شبهة لماذا لم تمنع ذنوب الكفار عنهم المطر؟

    شبهة حول كون منع القطر عقوبة بسبب المعاصي
    رقم الفتوى: 162741



    السؤال
    هنالك حديث نبوي جاء في معناه أنه لولا البهائم لما أرسل الله المطر عندما يعصى الله، فهل هذا الحديث ينطبق فقط على العالم الإسلامي؟ إذن، لماذا تكون الأمطار في أوروبا كثيفة جدا على مدار السنة في حين أن شعوبهم هم الأكثر جهرا بمعصية الله، وفي حين أنه في إفريقيا الحيوانات أكثر بكثير من أوروبا حسب ما أعلم والأمطار في إفريقيا تكاد تكون معدومة؟ مع العلم أن العلم الحديث يقسم العالم إلى مناخات فبعض البلدان يكون مناخها مداريا أو رطبا، بحيث أن البلدان في مناخ معين تتميز بكثرة الأمطار مقارنة بغيرها من البلدان البعيدة عنها جغرافيا، إذن نستنتج أن كثرة الأمطار تكون مربوطة بالمناخ وليس بمعصية الله، فالحاصل أن هذه شبهة، حيث قد يتصور العامي أن هذا تناقض بين الحديث النبوي والعلم، فهل يمكن أن يكون هذا الحديث حديثا غير صحيح وبالتالي فهو حديث موضوع؟.


    الإجابــة
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:


    فما ذكره السائل من أمر المناخ إنما هو ظرف وسبب لنزول الأمطار، أما المنزل حقيقة فهو الله جل وعلا، وهو الذي يقسم الأرزاق ومنها الأمطار، وإذا أنزلها على الكفار فليس هذا دليلا على كرامتهم على الله، أما الحديث المشار إليه فقد رواه البيهقي والحاكم في المستدرك وحسنه الألباني عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر المهاجرين، خمس خصال إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، وذكر منها: ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا الحديث.


    قال المناوي: ولولا البهائم لم يمطروا أي لم يأتهم المطر عقوبة لهم بشؤم منعهم الزكاة. اهـ.


    وهذا الحديث يدل على رحمة الله بالبهائم، وأن الله قد يعاقب عباده المؤمنين إذا عصوا بإمساك المطر ليتوبوا إليه، فإنّه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة، كما قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. {الروم:41}. وقال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. {الأنعام:42}.


    قال الإمام الطبري: أي امتحناهم بالابتلاء ليتضرعوا إلي ويخلصوا لي العبادة، ويفردوا رغبتهم إلي دون غيري بالتذلل لي بالطاعة، والاستكانة منهم إلي بالإنابة.


    قال ابن القيم في الجواب الكافي: من عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا لسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة ـ وقد قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ، وقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ـ فأخبر الله تعالى أنه لا يغير نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غير غير عليه جزاء وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد، فإن غير المعصية بالطاعة غير الله عليه العقوبة بالعافية والذل بالعز، قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ـ وفي بعض الآثار الإلهية عن الرب تبارك وتعالى أنه قال: وعزتي وجلالي لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب ثم ينتقل عنه إلى ما أكره إلا انتقلت له مما يحب عبيدي إلى ما يكره، ولا يكون عبد من عبيدي على ما أكره فينتقل عنه إلى ما أحب إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب ـ وقد أحسن القائل:


    إذا كنت في نعمة فارعها * فإن الذنوب تزيل النعم


    وحطها بطاعة رب العباد * فرب العباد سريع النقم. انتهى.


    قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ عند تفسيره لقول الله سبحانه: فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ {الفجر:15-17} يقول تعالى منكرًا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله عليه في الرزق ليختبره في ذلك، فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك بل هو ابتلاء وامتحان، كما قال تعالى: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ. وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضَيَّق عليه في الرزق، يعتقد أن ذلك من الله إهانة له قال الله: كَلا ـ أي: ليس الأمر كما زعم، لا في هذا ولا في هذا، فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين، إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك، وإذا كان فقيرًا بأن يصبر، ولذلك فإنك تجد بعض أهل المعاصي قد فتح الله لهم أبواب الرزق على مصراعيها، ولكن ليس هذا دليل كرامة، كلا بل هذا زيادة فتنة لهم، وتجد من أهل الإيمان والعمل الصالح من ضيق عليه في رزقه وليس هذا دليل إهانة، وقد كان سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم تمر عليه أياما لا يجد فيها القليل من الطعام وهو أكرم الخلق على الله.


    وبهذا يعلم أنه لا غرابة في استدراج الله للكفار وإنزاله الأمطار عليهم، لأن الله تعالى قد يمهل الظالمين ويستدرجهم ويملي لهم حتى يأخذهم سبحانه أخذ عزيز مقتدر، كما أخبر الله بذلك في أكثر من موضع في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُ مْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ {الأنعام:6}


    وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ. رواه البخاري ومسلم.
    وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ.


    وقال الله تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة هود: 15-16].


    وقال تعالى: وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [سورة الزخرف: 33-35].


    وقال تعالى: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا [سورة الإسراء: 18].


    وهذا من فضل الله على المؤمنين حيث يعجل لهم الابتلاء في الدنيا قبل الآخرة، فقد روى الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة.


    ومما ذكر يتبين لك خطأ الشبهة المذكورة نصا وروحا.


    والله أعلم.

    https://www.islamweb.net/ar/fatwa/162741/

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •