حديث: «ولدتُ في زمن الملك العادل - يعني: أنوشروان».
هذا الحديث ذكره بعضُهم باللَّفظ المذكور، وذكره بعضُهم بلفظ: «إنِّي وُلِدتُ ... إلخ»، وبعضُهم بلفظ: «بُعِثتُ في زمنِ الملكِ العادلِ»[1].
وهو حديثٌ باطلٌ، لا أصلَ له، كما قال السّخاوي (ت902هـ) في «المقاصد الحسنة» (ص448 – 449 رقم 1271)، وقد نقَل العلامة ابنُ بدران (ت1346هـ) في «المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» (ص406) عن أبي عبد الله الحاكم النَّيسابوري أنَّه قال في «تاريخه» عن هذا الحديث: «بَاطِلٌ ليس له أصلٌ بإسنادٍ صحيحٍ ولا سقيمٍ».
والحديث أورده أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحَليمِيُّ (ت403هـ) في كتاب «المنهاج في شعب الإيمان» (3/15) دون إسناد، وقال: «حاشا لله ولرسولِه أنْ يكونَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال ذلك، فإنَّ هذا ليس مما يُعتمدُ من الحديثِ، ولو كان قالَه لكان إطلاقُه ذلك [يعني: تسميته بالعادل] لتعريفِه بالاسم الذي كان يُدعَى به، لا لوَصفِه بالعدلِ والشَّهادةِ له به، فإنَّ الفُرسَ كانوا يُسمُّون أنو شروان الملكَ العادلَ ... إذ لا يجوز أن يُسمِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من غيَّر حكمَ الله تعالى عادلًا».
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي (ت458هـ) في «الجامع لشعب الإيمان» (7/167): «كان شيخُنا أبو عبد الله الحافظ – يعني الحاكم - قد تكلَّم أيضا في بطلانِ هذا الحديث، ثمَّ رأى بعضُ الصّالحين رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلم في المناِم فحكَى له ما قال أبو عبد الله فصدَّقه في تكذيبِ هذا الحديثِ وإبطالِه، وقال: ما قلتُه قطُّ».
وهذه الرؤيةُ التي أشار إليها البيهقي نقلَها بدر الدين الزركشي (ت794هـ) في «التذكرة» (ص130)، والسخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص449) عن الحافظ أبي سعدٍ السمعاني، قال: سمعتُ أبا أحمد السَّبَخِي بمرو يقول: سمعتُ أبا عبد الله محمّد بن عبد الواحد الحافظ يقول: سمعت الزّكي أبا عبد الله إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي، يقول: سمعتُ محمّد بن عبدالواحد الأصبهاني قال: يُحكَى أنَّ القاضي أبا بكرٍ الحِيري حكَى له شيخٌ من الصّالحين أنَّه رأى النَّبي في المنامِ قال: فقلتُ له: يا رسولَ اللهِ بلغَني أنَّك [قلتَ]: وُلِدتُ في زمنِ الملكِ العادلِ، وإنِّي سألتُ الحاكمَ أبا عبدِ اللهِ الحافظِ عن هذا فقال: هذا كذِبٌ، ولم يقلْه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال النَّبي صدَق أبو عبدِ اللهِ».
ولي تنبيهان فيما يتعلق بهذا الحديث:
التنبيه الأول: أنَّ المنامات لا يُحتجُّ بها في قبولِ الأخبارِ وردِّها، لكن كما قال الشيخُ محمّد ناصر الدين الألباني (ت1420هـ) - رحمه الله - في «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» (2/425): «والمناماتُ وإنْ كان لا يُحتجُّ بها، فذلك لا يمنُع من الاستئناسِ بها فيما وافقَ نقدَ العلماءِ وتحقيقَهم كما لا يخفَى على أهلِ العلمِ والنُّهَى».
التنبيه الثاني: قصةٌ وقعتْ للشيخ أبي عمر محمّد ابنِ قدامة، أخي الشيخ أبي محمد موفق الدين عبد الله ابن قدامة شيخِ الحنابلةِ في وقتِه وصاحب كتاب «المغني»، متعلّقةٌ بهذا الحديثِ، وهذه القصة نقلها الحافظُ ابنُ رجبٍ في «ذيل طبقات الحنابلة» (3 /118 – 119)، فقال: «قال أبو المظفر: صلّيتُ يومَ جمعةٍ بجامع الجبَل في أول سنة ستٍ وستمائة، والشيخ عبد الله اليونيني إلى جانبي، فلمَّا كان في آخر الخطبة وأبو عُمَر يخطبُ نهض الشيخ عبد الله مسرعًا، وصعد إلى مغارةٍ قريبةٍ كان نازلًا بها، فظننت أنَّه احتاج إلى الوضوءِ، أو آلمه شيءٌ. فلما صلّيتُ الجمعةَ صعدتُ وراءه، وقلتُ له: خيرٌ، ما الَّذي أصابك؟ فقال: هذا أبو عمر، ما تحلُّ خلفه صلاة، قلتُ: ولم؟ قال: لأنّه يقول على المنبر ما لا يصلح. قلتُ: وما الَّذي يقول؟ قال: قال الملك العادل - وهو ظالِم - فما يُصدَّق وكان أبو عمر يقول في آخر الخطبةِ: اللَّهُمَّ أصلح عبدك الملكَ العادلَ سيف الدين أبا بكر بن أيوب، فقلتُ له: إذا كانت الصّلاة خلف أبي عُمَر لا تصح، فيا ليت شعري خلف مَن تصحُّ؟! وبينا نحن في الحديث، وإذا بالشيخ أبي عُمَر قد دخَل ومعه مئزرٌ، فسلَّم وحلَّ المئزرَ، وفيه رغيفٌ وخيارتان، فكسر الجميع، وقال: بسم اللهِ، الصلاة. ثم قال ابتداءً: قد جاء في الحديثِ: أنَّ النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «ولدت في زمن الملك العادل كسرَى»، فنظر إلىَّ الشيخ عبد اللهِ، وتبسَّم، ومدَّ يده فأكل. وقام أبو عُمَر فنزل. فقال الشيخ عبد الله: ما ذا إلّا رجلٌ صالحٌ».
قال السخاوي: «لا يصحُّ لانقطاعِ سندِه، وإن صحَّ فلعل الناقل للحكاية لم يضبط لفظ الشيخ وإن ضبط الحكاية»، وللعجلوني في كشف الخفاء (2/473) نحو هذا الكلام.
والذي يظهر لي - على فرض صحة القصة - أنَّ أبا عُمَر لم يُردْ الاستدلالَ بالحديثِ، لأنَّ الشيخ عبد الله اليونيني لم يراجعه ليبين له مذهبه في المسألة بالدليل الصحيح، وإنَّما ذكر ذلك الحديثَ على سبيل الإشارة كأنَّه يريد أن يقولَ له: إنَّ دعائي للملكِ العادل باسمِه الذي اشتهرَ به إنَّما هو من بابِ تسميةِ كسرَى أنوشروان بالملك العادل، وليس على سبيل الإخبار عنه أو تذكيتِه ووصفِه بذلك. والله أعلم
وصلى الله على عبده ورسوله محمّد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
--------------------
[1] انظر: «اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة»، للزركشي (ص130 رقم 170)، و«المقاصد الحسنة»، للسخاوي (ص 448 - 449 رقم 1271)، و«الفوائد المجموعة»، للشوكاني (ص327)، و«تمييز الطيب من الخبيث»، لابن الديبع (ص188)، و«مختصر المقاصد»، للزرقاني (ص239 رقم 1170)، و«كشف الخفاء»، للعجلوني (1/340 رقم 915)، (2/472 - 473 رقم 2927)، و«الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث»، للغزي (ص75 رقم 99)، و«أسنى المطالب»، للحوت (ص105 رقم 449)، و«سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» للألباني رقم (997) ورقم (2095).


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/127993/#ixzz6C1CJouDz