إن كثرة التقلبات إما تكون:

__________________



لسوء الفهم: لأن الشخص لم يفهم المراد من عمله ودخوله فتراه يريد التصوف تارة، وتارة يريد السياسة المصبوغة بالإسلام الظاهري، وغير ذلك..

فبسبب سوء الفهم وعدم العلم خلط الأمور بعضها ببعض، وصار مذبذبا يخالف نفسه تارة ويوافقها تارة، ويقرر العزلة آخرى، ويندفع مهاجما ثانية.



فصار حاله كما قال الشاعر:



وهل أنا إلا من غزيّة إن غوت

غويت إن ترشد غزيّة أرشد



أو حباً للشهرة: فكلما خفت شهرته أجج موقفا يستطيع أن يبرز للعالم مرة أخرى فصار المقال المحكي موقفا حقيقي لذلك المخالف(خالف تعرف)

وهل مخالفة أبي جهل واتباعه من أرباب الشهرة وأصحاب الأموال إلا من هذا القبيل، وغيره...



أو اتباعا للهوى: وهو إله عبد من دون الله منذ القدم، وأخطر شيء على الإنسان بعد الكفر بالله العظيم.

من تأمل قوله الله تعالى (أفريت من اتخذ إلهه هواه) علم أن سبب التقلبات يكون أحيانا بسبب اتباع العبد للهوى.



قال الحسن مفسراً الآية "هو المنافق لا يهوى شيء إلا ركبه" رواه الفريابي في 'صفة النفاق' ومن طريقه ابن الجوزي في 'ذم الهوى'.



وقال سفيان لرجل طلب منه وصية (إياك والأهواء) رواه ابن الجعد في 'مسنده' والهروي في 'ذم الكلام'



لم أجد نموذجاً يحاكي التقلبات النابعة من سوء فهم الدين في الزمن القديمِ

((كشبث بن الربعي)) كان مؤذن سجاح ثم تاب وصار مسلما ثم كان من أوئل الخارجين على عثمان رضي الله عنه، ثم تاب وكان مع الحرورية ثم تقلب مرات ومرات. فانظر تهذيب التهذيب لابن حجر وغيره(٣٠٤/٣)..



ومن أمثلتهم كما في "وفيات الأعيان"، (٤٢٥/١) والأغاني. (١١٧/٣)رجل اسمه: هلال بن يحيى البصري.



قال بشار: يا هلال، تطيعني في نصيحة أخصك بها؟ قال: نعم، قال: إنك كنت تسرق الحمير زمانا، ثم تبت وصرت رافضيا، فعد والله إلى سرقة الحمير، فهي والله، خير لك من الرفض، وفي هلال هذا يقول بشار:

وكيف يخف لي بصري وسمعي

وحولي عسكران من الثقال

قعودا عند دسكرتي وداري

كأن لهم علي فضول مال

إذا ما شئت جالسني هلال

وأي الناس أثقل من هلال؟



وعلى هذا فأهم ما ينبغي الشغل عليه في المؤسسات الدعوية، وغيرها التركيز على سلامة الفهم قبل التركيز على بعض المظاهر كعذوبة اللسان، وزينة الأركان، فكم هي سهلة أنها تنقلب تلك الحلاوة والزينة بأدنى فتنة وشبهة، حتى يكون ذاك الذي تعرفه لو رأيته بعد أن فارقك وهو مخالفا لك لما عرفته، وكل ذلك لسوء الفهم، وكل ذاك لأن التركيز على جزء ظاهر، وترك الباطن المهم الذي كان ينبغي أن يدرس أو يشتغل عليه وذلك بتصحيح المفاهيم والمنطلقات التي تريدها.



وفقنا الله للعلم النافع، والعمل الصالح، والفهم الصائب.