اقرأ!
فاتن حلبي





اقرأ بأمرٍ من خالقِ الوجود، الذي قالَ في سورةِ العلقِ ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1]، واقرأ اتِّباعاً لحبيبِكَ صلى الله عليه وسلم ؛ فعليهِ أُنزِلت «اقرأْ» وما هو بقارئٍ، فعلَّمهُ خالقهُ بهذه الكلمةِ تفصيل كُلِّ شيءٍ وعلَّمَ هو صحابته وأمَّته التي حملت مفاتيح العلومِ كُلِّها إلى العالم لتفتح العقولَ على المعرفة والقلوبَ على الهداية.


اقرأ، فقد أصبحت هذه الكلمةُ سلاحاً يهدِّدُ البيوتَ، لا بلِ الدُّولَ بأسرها، بعد أن صارَ الغزوُ الثّقافيُّ والاحتلال الفكريُّ هوَ البعدُ الجديدُ للحربِ الخفيَّةِ التي تريدُ الهيمنةَ على الشُّعوبِ باستعبادِ عقولِها واستعمارها.


اقرأ، كي تغذِّيَ خلايا دماغِكَ وتجدِّدَها بحسبِ ما ينصحُ به الأطبَّاءُ اليوم، وكي توسِّعَ من آفاقِكَ المعرفيَّةِ، فقد أصبحنا في عصرِ العلمِ الذي يصِلنا بوسائلَ شتَّى إلكترونيَّة وخليويَّة... فضلاً عنِ الوسائل الورقيَّة المعهودة.


اقرأ كتاب ربِّنا سبحانهُ الذي نرقى به في جنانِ الخُلدِ، حينما يُقالُ لقارئِ القرآنِ: اقرأ ورتِّلْ وارتقِ فإنَّ منزلتكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤها... وقد أخبرنا ربُّنا سبحانه ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم أنَّ النَّاسَ ستهجُرُ القرآنَ في آخرِ الزَّمانِ، فلنربأ بأنفسنا عن أن نكونَ المقصودين بذلكَ، ولنجعل قراءة القرآنِ قبل أيِّ قراءةٍ أخرى، فبها نُحصِّلُ خيرَيِ الدُّنيا والآخرة.


اقرأ، لتزدادَ ثقافةً وفكراً، وترتفعَ باهتماماتِك عن التَّفاهاتِ وسفاسف الأمور. اقرأ، حتَّى تُداويَ فكرَكَ وتفكَّ عُقَدَ نفسِكَ وتنفتِحَ على آياتِ الوجودِ فتتفكَّرَ فيها وتتدبَّرها، فتصلَ بالعلمِ والتعلُّمِ إلى غاياتٍ بلا حدود.


اقرأ، فإنَّ شبابَ الأمَّةِ اليومَ هجرَ كُتُبَهُ وتركَ حروفهُ؛ استبدلَ بها حروفاً أعجميَّةً فانغلقَ عليهِ تراثُهُ، وصارَ بمنزلةِ الطلاسِمِ التي لا يُحسِنُ فكَّها وفهمَها، وباتَ من واجِبِ كُلِّ غيورٍ على إيمانِهِ أن يقرأَ ليفقهَ ويُعلِّمَ مَن لا يُحسِنُ القراءةَ، وذلك تعبُّداً للهِ سبحانَهُ، وابتغاءً لثوابِهِ وأداءً لفرضِ الكفاية الذي افترضه علينا، وعسى أن تتغيَّرَ أحوالُ الأمَّةِ إذا عادَ أفرادُها إلى العنايةِ بالقراءةِ والمواظبةِ عليها!