6042 - ( كان يدعو ؛ يقولُ : اللهم قَنِّعْني بما رَزَقْتَني و باركْ
لي فيه ، وأَخلِفْ علي كلَّ غائبةٍ لي بخيرٍ ) .
ضعيف .
أخرجه الحاكم (1/ 510) : أخبرني أبو عبد الله محمد بن الخليل
الأصبهاني ، ثم قال : (2/356) : أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق ، قال الأول :
ثنا ، وقال الآخر : أنبأ ، ثم اتفقا : ثنا محمد بن سعيد بن سابق : ثنا عمرو بن أبي
قيس عن عطاء بن السائب - زاد الأول : [عن يحيى بن عمارة ] - عن سعيد بن
جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قال : ... فذكره مرفوعاً ، وقال في الموضعين :
"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!
ونقل ابن علان في "شرح الأذكار" (4/383) عن الحافظ ابن حجر أنه قال :
"هذا حديث حسن ، وعمرو قديم السماع من عطاء ، ويحيى بن عمارة أخرج
له أحمد والترمذي والنسائي حديثاً غير هذا"!
قلت : وفي هذا الكلام نظر من وجوه :
الأول : قوله : "حديث حسن " ؛ مفهومه أن إسناده غير حسن ... وهو كذلك
كما سيأتي بيانه ؛ فهو يعني - إذن - أنه حسن لغيره ، إما لمتابعة أو شاهد ، فهل
شيء من ذلك ؟ لا ؛ كما يأتي .
الاني : أن يحيى بن عمارة هو الكوفي ، وليس بالأنصاري المديني - وهذا ثقة
من رجال الشيخين ، وأما الكوفي فليس كذلك - ؛ فقد ذكره عقب الثقة ، وقال :
" وعنه الأعمش ، وذكره ابن حبان في (الثقات) " .
قلت : وابن حبان معروف بتساهله بالتوثيق - كما كررنا مراراً تنبيهاً للغافلين ؛

الذين لا يعلمون أن ابن حبان كثيراً ما يوثق المجهولين أو المستورين - ، وقد أشار
الذهبي أن هذا منهم بقوله في "الميزان " :
"تفرد عنه الأعمش " .
ولذلك أشار أيضاً إلى توهين توثيق ابن حبان بقوله في "الكاشف " :
"وعنه الأعمش . وُثِّق " . وكذلك فعل الحافظ حيث قال في "التقريب " :
"مقبول " . أي : عند المتابعة ، ولا متابع له مرفوعاً - كما سيأتي - .
الثالث : أن الراوي اضطرب في إسناده : فمرة ذكر يحيى بن عمارة في
إسناده ، ومرة لم يذكره - كما رأيت - ، ولست أدري ممن هذا ؟ وكدت أن أقول : إنه
من ابن سابق - ولكنه ثقة - ، مع احتمال أن يكون ذلك من عطاء بن السائب ؛
فإنه كان قد اختلط ؛ فلعله حدث به في اختلاطه .
لكن الحافظ كأنه أشار إلى أن رواية عمرو بن أبي قيس - وهو الرازي - سمع
منه قبل الاختلاط بقوله :
" ... قديم السماع من عطاء" .
لكني في شك كبير - من إفادة قِدَم السماع - أنه لم يسمع منه بعد ذلك ، ألا
ترى أن الحافظ نفسه قد ذكر أن حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل الاختلاط
وبعده ؛ على أنني لم أر أحداً نص على أن سماع عمرو بن أبي قيس من عطاء قبل
الاختلاط . وقد استقصى أسماء الذين رووا عنه قبل الاختلاط الشيخ ابن الكيال
في "الكواكب النيرات " (ص 322 - 332) وليس فيهم عمرو هذا! والله أعلم .
واعلم أته لا يزيل الاضطرابَ المذكور قولُ الحارث بن نبهان : حدثنا عطاء بن
السائب عن سعيد بن جبير ... به ، فلم يذكرفيه يحيى بن عمارة .
أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان " (ص 91/ 50) بإسناده عنه .
ذلك لأن الحارث هذا متروك - كما في "التقريب " - ، لكن في "العلل " لابن
أبي حاتم (2/185) أنه ذكر فيه يحيى بن عمارة ، والذي لم يذكره هو : وهيب بن
خالد ، فقال :
"سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن أبي قيس والحارث بن نبهان الجرمي
عن عطاء بن السائب عن يحيى بن عمارة عن سعيد بن جبير ... (قلت : فذكره
مختصراً ، ثم قال ورواه وهيب بن خالد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن
جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ . قلت لأبي : أيهما أصح ؟ قال : ما يدرينا ؟ مرة قال كذا ، ومرة
قال كذا" .
قلت : ووهيب سمع من عطاء بعد الاختلاط أيضاً ؛ فلا تعطي روايته عنه
ترجيحاً لأحدِ وَجهي الاضطراب من جهة ، ولا يعطي للحديث قوةً من جهة
أخرى .
وأما متابعة الحارث بن نبهان فلا يستشهد بها ؛ لما عرفت من شدة ضعفه ،
سواء كانت متابعته على ما روى السهمي ، أو على ما ذكر ابن أبي حاتم عنه .
وكذلك لا يفيد الحديث قوة قول سعيد بن زيد : ثنا عطاء بن السائب : ثنا
سعيد بن جبير قال :
كان ابن عباس يقول : احفظوا هذا الحديث - وكان يرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وكان يدعو به بين الركنين - :
" رب! قنعني بما رزقتني ، وبارك لي فيه ، واخلف على كل غائبة لي بخير" .
أخرجه الحاكم (1/455) وقال : "صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ؛ فإنهما لم يحتجا بسعيد بن زيد أخي حماد
ابن زيد"! ووافقه الذهبي على التصحيح!
وفي ذلك نظر من وجهين :
الأول : أن سعيد بن زيد قد تكلم فيه غير واحد من قبل حفظه ، وفي
" التقريب " :
"صدوق له أوهام " .
والآخر : أنه - أعني : سعيداً هذا - مع ضعف حفظه لم يذكر في الرواة الذين
سمعوا من عطاء قبل الاختلاط . فمدار الحديث على عطاء ؛ فهو العلة : لاختلاطه ،
وعدم ثبوت تحديثه بالحديث قبل اختلاطه .
ثم رأيت ابن علان قد نقل (4/382 - 383) عن الحافظ أنه قال في رواية
الحاكم هذه :
"حديث غريب ، أخرجه الحاكم وقال : (فذكر كلامه المتقدم ، وبعض ما قيل
في سعيد بن زيد ، ثم قال وضعفه قوم من جهة ضبطه ، وأخرج له مسلم
متابعة ، والبخاري تعليقاً ، ومقروناً ، هو (يعني : عطاء بن السائب) ممن اختلط ،
وسماع سعيد منه متأخر ، لكنه لم ينفرد به فقد أخرجه سعيد بن منصور عن
خلف بن خليفة ، وخالد بن عبد الله كلاهما عن عطاء - أي : وهو شيخ سعيد بن
زيد فيه - ، عن سعيد بن جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... موقوفاً عليه . وهما أحفظ من
سعيد برفعه من هذا الوجه . وقد تابعه على رفعه من هو أوثق منه ، لكن زاد في
السند رجلاً ، وأطلق في المتن ... " .
قلت : ثم ذكر حديث الترجمة من رواية الحاكم الأولى . وكأنه لم يستحضر .

الرواية الأخرى التي ليس في سندها الرجل - وهو : يحيى بن عمارة ، وسبق بيان
ذلك ، وأنه اضطراب من بعض رواته ، مع الرد على الحافظ تحسينه للحديث ؛ فتذكر - .
وفد تابع [ أسباط ] (*) خلفاً وخالداً على وقفه ، فقال ابن أبي شيبة في "المصنف "
(4/109) : نا أسباط بن محمدعن عطاء عن سعيد بن جبير قال :
كان من دعاء ابن عباس الذي لا يدعُ بين الركن والمقام أن يقول : رب!
قنعني ... ، والباقي كحديث الترجمة .
قلت : وأسباط بن محمد ثقة من رجال الشيخين ؛ فالوقف هو المحفوظ عن
عطاء بن السائب .
وقد روي كذلك من وجه آخر ؛ ولكنه مظلم . فقال الأزرقي في "أخبار مكة"
(1/340 - 341) : حدثنا جدي : أخبرنا سعيد بن سالم عن عثمان بن وساج
قال : وأخبرني ياسين قال : أخبرني أبو بكر بن محمد عن سعيد بن المسيب ...
قال : وأخبرت أن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يقول بين الركنين : اللهم!
قنعني ... إلخ ، وزاد : إنك على كل شيء قدير .
وهذا سند واهٍ ؛ مسلسل بالعلل :
1 - سعيد بن سالم : فيه ضعف من قبل حفظه ، وهو مترجم في "التهذيب " .
2 - 4 - عثمان بن وساج واللذان فوقه : لم أعرفهم .
5 - ومُخبِر سعيد بن المسيب : لم يسم .
والخلاصة : أن الحديث لا يصح مرفوعاً ولا موقوفاً . ومداره على عطاء بن
السائب ، و - هو مع اختلاطه - اختلفوا عليه : فمنهم من رفعه ، ومنهم من أوقفه ، ومنهم من أطلق الدعاء فيه ، ومنهم من قيده بما بين الركنين اليمانيين ، والظاهر أن
ذلك من آثار اختلاطه .
والطريق الأخير ترجح الوقف ؛ لولا ما عرفت ما فيها من انعلل والضعف .
والله أعلم .
(فائدة) : تقدم عن الذهبي أن الأعمش تفرد بالرواية عن يحيى بن عمارة .
وكذلك جاء في "التهذيب " وغيره ، لكن أفاد ابن أبي حاتم (4/2/175) أنه روى
عنه أيضاً عطاء بن السائب ، وإسناد هذا الحديث يؤيد قوله ؛ لولا ما فيه من
الاضطراب - كما سبق - .
(تنبيهات) :
الأول : حديث سعيد بن زيد المتقدم برواية الحاكم عزاه الحافظ في "التلخيص
الحبير" (2/248) لابن ماجه أيضاً! وقلده في ذلك الزَّبيدي في "شرح الإحياء"
(4/ 351)! وذلك وهم .
الثاني : من التخريج السابق - مع استغراب الحافظ لحديث سعيد بن زيد
المرفوع - تعلم خطأ قول ابن علان - قبيل نقله لكلام الحافظ - :
"ومن المأثور ما في "المستدرك " بسند صحيح عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ : أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يقول بين الركنين ... " !
الثالث : ذكر السيوطي الدعاء المذكور في هذا الحديث في أدعية "الجامع
الكبير" (رقم 10030/ طبع مصر) وقال :
" (ك) عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو بهذا الدعاء بين الركعتين :
اللهم! ... وذكره " . كذا! وقع فيه "الركعتين " ... مكان "الركنين " ، ولعله خطأ مطبعي . ثم إنني
لم أر الحديث في النسخة المصورة من مخطوطة دار الكتب المصرية . والله أعلم .
الرابع : سبق عن الحاكم أن مسلماً لم يحتج بسعيد بن زيد - وهو الموافق
لعدم ذكر الحافظ القيسراني إياه في كتابه "رجال الصحيحين " - ، وهذا خلاف ما
في "التهذيب " وفروعه كـ "التقريب " . وقد أزال الإشكال الحافظ في قوله المتقدم :
"أخرج له مسلم متابعة" فخذها فائدة عزيزة من هذا الحافظ جزاه الله خيراً .
الخامس : تقدم في أول هذا التخريج عن الحافظ أن : "يحيى بن عمارة أخرج
له أحمد والترمذي والنسائي حديثاً غير هذا" .
فأقول : هو من رواية الأعمش عن يحيى ، لكن إطلاق العزو للنسائي يوهم
أنه عنده في "السن الصغرى" ، وليس كذلك ؛ وإنما في "الكبرى" له في "التفسير"
- كما في "تحفة المزي " - (4/456) ، وفي "التفسير" أخرجه الترمذي أيضاً من
"سننه " (8/361/3230) ، وهو في " مسند أحمد" (1/227 - 228) ، وأخرجه
الطبري في "التفسير" (23/79) ، والبيهقي في "السنن " (9/188) وفي "الدلائل "
(2/ 345) ، وقال الترمذي :
"حديث حسن " . زاد في بعض النسخ : "صحيح "!
قلت : وهذا التصحيح أبعد ما يكون عن الصواب ؛ لما عرفت من حال يحيى
ابن عمارة من الجهالة . على أن تحسينه ليس للإسناد ، وإنما للمتن ، ولا أعلم له
شاهداً بهذا التمام ، والقصة في "صحيح مسلم " (1/ 41) وغيره من حديث أبي
هريرة مختصراً جدّاً ؛ فهو شاهد قاصر . والله سبحانه وتعالى أعلم .
السادس : قال السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 130) : "وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم - وصححه - والبيهقي
في "الشعب " من طرق عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ في قوله : {فَلَنُحْيِيَنّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً} ، قال :
القنوع ، قال : وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ... " فذكر حديث الترجمة .
قلت : والتنبيه هنا يشمل أمرين :
الأول : قوله "من طرق ... " ؛ يوهم خلاف الواقع الذي حررناه فيما سلف ؛
فإنه لا طريق له إلا من رواية عطاء بن السائب .
والآخر : أن ابن جرير لم يرو حديث الترجمة ؛ عند الآية المذكورة : {فَلَنُحْيِيَنّ هُ
حَيَاةً طَيِّبَةً}!
__________
(*) سقطت من أصل الشيخ رحمه الله تعالى ؛ ويقتضيها السياق .

الكتاب : سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة
المؤلف : محمد ناصر الدين الألباني