تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: كيف يكون الداعية شخصية محبوبة؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي كيف يكون الداعية شخصية محبوبة؟

    كيف يكون الداعية شخصية محبوبة؟


    يتناول الدرس كيفية الوصول لجعل الداعية شخصية محبوبة، فتحدث عن المحبة ثم وسائل تحصيلها وما ينبغي على الداعية الاتصاف به حتى يلقى محبة وقبولا من المدعوين وتحدث عن معوقات هذه المحبة وبينها ليجتنبها الداعية، ثم تناول محبة الله للداعية وإذا نالها الداعية ضمنت له محبة الخلق أجمعين .
    ما هي المحبة وأنواعها : المحبة ميل النفوس إلى ما تراه أو تظنه خيرًا، وذلك ضربان:
    طبيعي: وذلك في الإنسان والحيوان، وقيل: قد يكون بين الجمادات، كالألفة بين الحديد وحجر المغناطيس.
    اختياري: وذلك يختص به الإنسان، وهو أضرب، ومنها: ما يكون للفضيلة كمحبة المتعلم للعالم، وهذه المحبة باقية على مرور الأوقات، وهي المستثناة بقوله تعالى:} الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ[67]{ “سورة الزخرف” .
    فضيلة المحبة :
    أحد أسباب نظام أمور الناس المحبة، ثم العدالة، فلو تحاب الناس، وتعاملوا بالمحبة؛ لاستغنوا عن العدالة، فقد قيل: العدالة خليفة المحبة تستعمل حيث لا توجد المحبة، ولذلك عظَّم الله المنة بإيقاع المحبة بين أهل الملة، فقال:} لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ[63]{ “سورة الأنفال” }إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا[96]{ “سورة مريم” ، أي محبة في القلوب، وتنبيهًا على أن ذلك أجلب للعقائد وهو أفضل من المهابة؛ فإن المهابة تنفر، والمحبة تؤلف. وكل قوم إذا تحابوا تواصلوا، وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا، وإذا عملوا عمروا.
    حاجة الداعية إلى أن يجعل من نفسه شخصية محبوبة:
    من الجوانب التي تعين الأخ على أن يجعل من نفسه شخصية محبوبة: الألفة، ذلك أن الإنسان مقصود بالأذية، محسود بالنعمة، فإذا لم يكن آلفًا مألوفًا؛ تخطفته أيدي حاسديه، وتحكمت فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تصف له مدة، فإذا كان آلفًا مألوفًا؛ انتصر بالألفة على أعاديه، وامتنع من حاسديه، فسلمت نعمته منهم، وصفت مدته عنهم. وقد روى جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله علي وسلم، أنه قال: [الْمُؤْمِنُ آَلِفٌ مَأْلُوفٌ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ وَخَيْر النَاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَاسِ] رواه الدارقطني في الأفراد، والضياء في المختارة، وحسنه الألباني في الصحيحة 427 .
    والمؤاخاة في الناس قد تكون على وجهين:
    أخوة مكتسبة بالاتفاق الجاري مجرى الاضطرار.
    أخوة مكتسبة بالقصد والاختيار.
    فأما الأخوة المكتسبة بالاتفاق: فأول أسبابها التجانس، فإن قوي؛ قوي الائتلاف. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ]رواه البخاري معلقا مجزوما به من حديث عائشة ، ورواه مسلم وأبوداود وأحمد من حديث أبي هريرة.
    وأما الأخوة الثانية وهي المكتسبة بالقصد: فلابد لها من داع يدعو إليها، وباعث يبعث عليها، وهذا ما يعنينا بهذا البحث، وقد يكون الداعي إليها من وجهين: رغبة وفاقة.
    فأما الرغبة: فهي أن يظهر من الإنسان فضائل تبعث على إخائه، ويتوسم بجميل يدعو إلى اصطفائه. وهذه الحالة أقوى من التي بعدها لظهور الصفات المطلوبة، من غير تكلف لطلبها، وإنما يخاف عليها من الاغترار بالتصنع لها، فليس كل من أظهر الخير كان من أهله، ولا كل من تخلق بالحسنى كانت من طبعه، والتكلف للشيء مناف له، إلا أن يدوم عليه، مستحسنًا له في العقل، أو متدينًا به في الشرع، فيصير متطبعًا به، مطبوعًا عليه.
    وأما الفاقة: فهي أن يفتقر الإنسان لوحشة انفراده، ومهانة وحدته ، إلى اصطفاء من يأنس بمؤاخاته، ويثق بنُصرته وموالاته. وقد قالت الحكماء: من لم يرغب في ثلاث بُلي بست: من لم يرغب بالإخوان بُلي بالعداوة والخذلان. ومن لم يرغب في السلامة، بُلي بالشدائد والامتهان، ومن لم يرغب في المعروف بُلي بالندامة والخسران. وقيل لمعاوية: أيما أحب إليك؟ قال:'صديق يُحَبِّبني إلى الناس'.
    الإغضاء عن هفوات من تريد مصاحبته:
    يقول الماوردي في كتابه' أدب الدنيا والدين: [ ثم لا ينبغي أن يُزهد فيه، لخُلق أو خلقين ينكرهما منه، إذا رضي سائر أخلاقه، حمد أكثر شيمه؛ لأن اليسير مغفور، والكمال مُعوز، وقد قال: أبو الدرداء رضي الله عنه:' ومعاتبة الأخ خير من فقده، ومن لك بأخيك كله'. وقال رضي الله عنه: [إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى].
    أخلاقيات تلزم الداعية ليكون شخصية محبوبة:
    }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ[31]{ “سورة آل عمران” هذا ولا شك هو الطريق الذي يقود الداعية فيه نفسه؛ ليجعلها محبوبة عند إخوانه خاصة، وعند الناس عامة، وهذا الطريق هو طريق القيم والأخلاق التي منها: التسامح.. المحبة في الله.. صلة الرحم.. إفشاء السلام.. التواضع.. الإيثار.. إبرار القسم.. التبسم في الوجه.وسنتعرض للأخلاقيات الحميدة السابقة بشيء من التفصيل والتوضيح:
    التسامح : قال تعالى: }وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[22]{ “سورة النور” وهذا الصفح الجميل؛ يرقق القلب المتعلق بالله حين يغفر الأخ لأخيه، ويسامحه على زلته وعثرته. وفي هذا الموضوع قيل: [إن الإسلام يجعل العفو والصفح سبيلاً من سبل التربية، التي تنظف القلب من الحقد، وتطهره من نزعات السوء، وبذلك يرتفع يقين المسلم، ويزيد إيمانه وكماله، فتعلو منزلته عند الله ويعظم ثوابه...إن المسلم يعلم أن الحلم والعفو منزلة من منازل الإيمان، وليس علامة ضعف ولا أمارة جبن، ولكنه أمارة اليقين بأن الله صاحب الحساب والجزاء، وبأن ثوابه الذي أعده للعافين عن الناس خير من لذة الانتصار والانتقام] “شخصية المسلم كما يصورها القرآن ص137-138”.
    [غير أن تلك السماحة تحتاج إلى قلب كبير يعطف ويسمح وهو قادر على الإساءة والرد، وهذه القدرة ضرورية لتؤتي السماحة أثرها حتى لا يصور الإحسان في نفس المسيء ضعفًا، وإذا أحس أنه ضعف لم يحترمه، ولم يكن للحسنة أثرها إطلاقًا، وهذه السماحة قاصرة على حالات الإساءة الشخصية لا العدوان على العقيدة وفتنة المؤمنين عنها]” .
    وهذا يحتاج إلى توازن: [والتوازن الذي يعرف متى تكون السماحة؟ ومتى يكون الدفع بالحسنى؟ درجة عظيمة لا يلقاها كل إنسان، فهي في حاجة إلى الصبر، وهي كذلك حظ موهوب يتفضل الله به على عباده الذين يحاولون فيستحقون] “ طريق الدعوة في ظلال القرآن ص193”. } وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[34]وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ[35]{ “سورة فصلت”.وقال ابن المبارك:' المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب العثرات'. [والداعي ينظر إلى العصاة نظرة إشفاق ورحمة، فهو يراهم كالواقفين على حافة واد عميق سحيق في ليلة ظلماء، يخاف عليهم من السقوط، ويعمل جهده لتخليصهم من الهلاك، وهو في سبيل هذه الغاية يتجاوز عن تجاوزهم على حقه إن كانت معصيتهم في حقه، ولا يعيّرهم ولا يشمت بهم ولا يحتقرهم، ولكن له أن يستصغرهم لمعصيتهم وتجوزهم حدود الشرع، وأن يغضب لهذا التجاوز، قالت عَائِشَة: [وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ انْتُهِكَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةٌ هِيَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا]رواه البخاري ومسلم وأبوداود ومالك وأحمد]”أصول الدعوة ص394”.
    المحبة في الله : عَنْ أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: [ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا الرَّجُلَ قَالَ: [ هَلْ أَعْلَمْتَهُ ذَلِكَ] قَالَ لَا فَقَالَ: [ قُمْ فَأَعْلِمْهُ] قَالَ فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا هَذَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ قَالَ أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ]رواه أبوداود وأحمد، وصححه الألباني. وهذه المحبة، يجب أن تكون في الله، ولله، فمن ورائها الرحمة، ومن حسن ثوابها: أن المتحابين في الله يكونون يوم القيامة على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك..وحين يخبر المحب أخاه بحبه إياه تكون صورة هذا المحب ناصعة في قلب أخيه دائمًا، وحين يتذكره، يردّد ويقول:اللهم اغفر لأخي. وحين يريد المحب أن يخبر أخاه بحبه إياه عليه أن يغتنم الوقت المناسب؛ ليكون وقع الكلمة أجمل، وأكثر تأثيرًا. وعليه ألا يتصنع ما ليس من سجيته وعادته، ولا يتكلف ما لا يشعر به.
    صلة الرحم : قال تعالى: }وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ[21]{ “سورة الرعد”.هذا وإن الله تبارك وتعالى يأمرنا أن نصل أرحامنا- وإن لم يصلوا، وإن قاطعوا وهجروا- لأن من وصل رحمه فقد وصله الله، ويا للأجر العظيم الذين يناله المسلم حين يصل أرحامه! ويا للبركة التي تحل عليه في دنياه قبل آخرته! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ مَهْ قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ قَالَ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَذَاكِ] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ:} فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ[22]{ “سورة محمد” . رواه البخاري ومسلم وأحمد . وإن لزيارة الرحم فوائد عديدة:منها التعرف على أحوال الأهل، فتتعرف بذلك على مشاكلهم، فتساعدهم في حلها، وتقف على ما بهم من ضيق وتوسع عليهم.
    السلام : قال تعالى: }فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً[61]{ “سورة النور”. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ]رواه مسلم والترمذي وأبوداود وابن ماجه وأحمد.. والسلام تحية من عند الله طيبة مباركة، تقود إلى الجنة التي أعدها لعباده المؤمنين الذين يحبون أن تكون كلماتهم ربانية وأفعالهم يحبها الرب جل وعلا؛ فهي عبادة في كل شيء: عبادة في الحركة، وعبادة في القول والكلمة. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ: [ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ] رواه البخاري ومسلم وأبوداود وابن ماجه والنسائي وأحمد.. وحين يفشي المسلم السلام على من عرف ومن لم يعرف؛ فإنه يبذر بذور الخير والرحمة والسلام في قلوب الناس، ومن ثَمَّ فإن هذه البذور تتفتح عن ثمار المحبة والمودة.. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ] رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد، وصححه الألباني.
    التواضع : قال تعالى: }وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ[88]{ “سورة الحجر” والتواضع صفة طيبة يحبها الله لعباده الصالحين، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ] رواه مسلم والترمذي ومالك والدارمي وأحمد.
    وتشرق روح قتادة، فيقول:'من أعطى مالاً أو جمالاً أو ثيابًا أو علمًا، ثم لم يتواضع فيه؛ كان عليه وبالاً يوم القيامة'..والمسل إذ يتواضع فلا يعني ذلك أن يحسبه الناس ذليلاً، ولكنه عزيز وكريم، وهذه العزة والكرامة جاءته لكونه يحمل كتاب الله بين أضلعه، ويترجم ذلك عمليًا بتعامله وسلوكه الطيب مع الناس، فيكون بذلك محبوبًا مرغوبًا عندهم.
    الإيثار وحبك لأخيك ما تحب لنفسك : قال تعالى: } وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[9]{“سورة الحشر”.
    فياله من خلق طيب أن يؤثر الأخ أخاه فيما يحب ويحتاج إليه، فانظر إلى وقع هذا الجرس الطيب في نفس من تتعامل معه بهذا السلوك، وإن الله تبارك وتعالى يبارك فيمن تخلّق بهذا الخلق الطيب، ويبشر صاحبه بأنه من المفلحين في الدنيا والآخرة..[ومحبة الخير لكل مسلم أمر واجب في الإسلام، ولازم لصدق الإيمان، وأثر للعقيدة السليمة النقية]”السلوك الاجتماعي 1/143” ولذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ] رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه والنسائي والدارمي وأحمد.
    إبرار القسم : [يسن للمسلم ألا يوقع أخاه في الحنث بل يوافقه وينفذ له يمينه. وقال بعضهم: إن إبرار القسم واجب] “السلوك الاجتماعي 3/211-212”. [وعلى المسلم أن يكون هيّنًا ليّنًا مع أخيه بغير قسم، فإن أقسم أخوه؛ فلا يشق عليه في الحنث، ويوقعه في الحرج والتكفير عن اليمين، فإن ذلك مشقة عليه]. والمثل العربي يقول:'إذا عزّ أخوك فهن' أي حينما يعزم عليك أخوك لأمر ما في نفسه؛ فألن الجانب له، وأعنه على إبرار قسمه، وكن أمامه هيّنًا ليّنًا.
    التبسّم في الوجه : [إنها لا تستغرق أكثر من لمح البصر، ولكن ذكراها تبقى إلى آخر العمر، لن تجد أحدًا من الغنى بحيث يستغني عنها..إنها تشيع السعادة في البيت، وتطيب الذكر في العمل، وهي التوقيع على ميثاق المحبة بين الأصدقاء] “كيف تكسب الأصدقاء ص73”.
    [وهناك حديث يرويه لنا أبو ذر رضي الله عنه فيه ميزات وخصائص جميلة، حين يمارسها الداعية المسلم؛ تكون دعوة إلى محبته وتقديره واحترامه، منها: التبسم في الوجه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس] قيل: يا رسول الله:ومن أين لنا صدقة ? فقال: [إن أبواب الخير لكثيرة : التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتميط الأذى عن الطريق, وتسمع الأصم, وتهدي الأعمى, وتدل المستدل على حاجته, وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث, وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف, فهذا كله صدقة منك على نفسك] رواه ابن حبان في 'صحيحه' والبيهقي-مختصرا- وزاد : [وتبسمك في وجه أخيك صدقة, وإماطة الحجر والشوك والعظم عن طريق الناس صدقة، وهدايتك الرجل في أرض الضالة صدقة] [وإن لهذا الحديث لإيماءات شتى، يدق بعضها ويلطف حتى يصل إلى أعماق النفس، إلى قرار الوجدان، فيهزه هزًا، ويوقع على أوتار القلوب لحنًا صافيًا، مشرقًا، جميلاً، يأخذ بالألباب] “قبسات من الرسول ص115”. [والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يلفتنا في حديثه عنها، يلفتنا إلى هذه الحقيقة النفسية الواحدة التي تكمن وراء كل عمل من أعمال الخير؛ لنعرف أنه الخير في منبعه وإن تعددت صوره وزواياه. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريدنا أن نعرف فحسب! فالمعرفة ينبغي أن تكون لغاية، وغاية الغايات في الأرض أن يكون الخير هو المسيطر على حياة البشرية؛ فالخير هو كلمة الله، وكلمه الله هي العليا، ومن هنا تلتقي السماء والأرض، والدنيا والآخرة في رصيد الإسلام. والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يريد أن يعودنا على الخير لا أن يعرفنا إياه فحسب] “قبسات من الرسول ص119”. ولنعلم أن الابتسامة تبعد الوحشة عن الناس، وتزيل الغربة عنهم، وتفتح القلوب من أجل صداقة جديدة، إن لم تكن معرفة عابرة لها في الذاكرة صورة طيبة، يرتاح لها عند رؤيتها، وتطيب نفسه في تذكرها.
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: كيف يكون الداعية شخصية محبوبة؟

    كيف يكون الداعية شخصية محبوبة؟

    صفات يبتعد عنها الداعية ليكون شخصية محبوبة :
    الداعية إذا أراد أن يجعل من نفسه شخصية محبوبة، فعليه أن يبتعد عن صفات لا يرجى من ورائها الخير، إنما تؤدي إلى تنفير الناس منه، وهي كالتالي:
    الغضب : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ] رواه البخاري ومسلم وأحمد ومالك. [إن الغضب شعلة من نار مستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، ويستخرجها الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد كما تستخرجها أسباب أخرى]”السلوك الاجتماعي في الإسلام1/143”.
    الكبر: قال تعالى:} وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ[18]وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ[19]{ “سورة لقمان” ومن هذه الآية الكريمة نستل استلالة لطيفة، وهي أن الله لا يكرم إلا من أحبه ورضي عنه حين يكون هذا الإنسان المسلم متواضعًا في مشيه مع الناس وفي نفسه، لا يحمل ذرة من كبر، وذو هدف في تحركه أي لا يسعى في هذه الأرض على وجهه حيران، ولا يؤذي الآخرين بصوته في أي مكان كان، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاء ُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ] رواه مسلم وأبوداود وابن ماجه وأحمد. وقال النعمان بن بشير على المنبر: إن للشيطان مصالي وفخوخًا، وإن في مصالي الشيطان وفخوخه البطر بأنعم الله، والفخر بإعطاء الله، والكبر على عباد الله واتباع الهوى في غير ذات الله.
    السخرية والاحتقار: قال تعالى: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ[11]{ “سورة الحجرات” والمسلم لا يصدر منه إلا خير، وإن تكلم تكلم بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن تسامر وضحك لا يجرح الآخرين، وهنا مقالة للمهلب بن أبي صفرة يقول فيها:'يعجبني أن أرى عقل الكريم زائدًا على لسانه، ولا يعجبني أن أرى لسانه زائدًا على عقله. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا[ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ] بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ] رواه مسلم وأحمد.
    كيف تكسب ود الناس ؟
    هناك وسائل كثيرة يستطيع الأخ الداعية من خلالها أن يكسب ود الآخرين، والتي منها:
    الالتزام بحسن الخلق :قال أبو حاتم رضي الله عنه:' الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق، وترك سوء الخلق؛ لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا، كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيئ ليفسد العمل، كما يفسد الخلُّ العسل، وقد يكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها، وخلق سيئ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الصالحة كلها... قال الفضيل بن عياض: [إذا خالطت، فخالط حسن الخلق، فإنه لا يدعو إلا إلى خير، وصاحبه منه في راحةٍ، ولا تخالط سيئ الخلق؛ فإنه لا يدعو إلا إلى شر، وصاحبه منه في عناء، ولأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحبُّ إليَّ من أن يصحبني قارئ سيئ الخلق؛ إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله، وخف على الناس وأحبوه، وإن العابد إذا كان سيئ الخلق ثقل على الناس ومقتوه].
    قال أبو حاتم رضي الله عنه: حسن الخلق بذر اكتساب المحبة، كما أن سوء الخلق بذر استجلاب البغضة، ومن حسن خلقه؛ صان عرضه، ومن ساء خلقه هتك عرضه؛ لأن سوء الخلق يورث الضغائن، والضغائن إذا تمكنت في القلوب أورثت العداوة، والعداوة إذا ظهرت من غير صاحب الدين أهوت صاحبها إلى النار، إلا أن يتداركه المولى بتفضل منه وعفو.
    ومن أعظم ما يُتوسل به إلى الناس، ويستجلب به محبتهم: البذلُ لهم مما يملك المرء من حُطام هذه الدُّنيا، واحتماله عنهم ما يكونُ منهم من الأذى. فمن عدم المال فليبسط وجهه للناس؛ فإنَّ ذلك يقوم مقام بذل المعروف، إذ هو أحد طرفيه، وقد سُئل ابن المبارك عن حسن الخلق، فقال: [هو بسط الوجه، وبذل المعروف].
    استعمال المداراة وترك المداهنة مع الناس :قال أبو حاتم رضي الله عنه:' الواجب على العاقل أن يلزم المداراة مع من دُفع إليه في العشرة من غير مقارفة المداهنة، إذ المداراة من المداري صدقة له، والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عليه، والفصل بين المداراة والمداهنة: هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم بلزوم المداراة من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات، فمتى ما تخلَّق المرء بخلق وشابه بعض ما كره الله منه في تخلقه، فهذا هو المداهنة؛ لأن عاقبتها تصير إلى قلّ. ويلازم المداراة: لأنها تدعو إلى صلاح أحواله، ومن لم يدار الناس ملَّوه، كما أنشدني علي بن محمد البسامي :
    دار من الناس ملالاتهم من لم يدار الناس ملُّوه
    ومُكرمُ الناس حبيب لهم من أكرم الناس أحبوه
    ... وعن ابن الحنفية قال: [ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدًّا، حتى يأتيه الله منه بالفرج أو المخرج].
    قال أبو حاتم رضي الله عنه: من التمس رضى جميع الناس التمس مالا يُدرك، ولكن يقصد العاقل رضى من لا يجد من معاشرته بُدًّا، وإن دفعه الوقت إلى استحسان أشياء من العادات كان يستقبحها، واستقباح أشياء كان يستحسنها، ما لم يكن مأثمًا، فإن ذلك من المداراة، وما أكثر من دارى فلم يسلم، فكيف توجد السلامة لمن لا يداري؟!.
    قال أبو حاتم رضي الله عنه: من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه، وترك التوقع لما يأتون من المحبوب، كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه إلى أن ينال منهم الوداد، وترك الشحناء، ومن لم يدار صديق السوء كما يداري صديق الصدق ليس بحازم.
    إفشاء السلام ، وإظهار البشر والتبسم : عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [السلام اسم من أسماء الله وضعه الله في الأرض, فأفشوه بينكم, فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه, كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم السلام, فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم و أطيب] رواه البزار والطبراني والبيهقي، وقال المنذري في الترغيب 3/428:وأحد إسنادي البزار جيد قوي. قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل أن يلزم إفشاء السلام على العام؛ لأن من سلَّم على عشرة كان له عتق رقبة، والسلام مما يذهبُ إفشاؤه بالمكتن من الشحناء، وما في الخَلَد من البغضاء، ويقطع الهجران، ويصافي الإخوان. والبادئ بالسلام بين حسنتين، تفضيل الله عز وجل إياه على المسلّم عليه بفضل درجة، لتذكيره إياهم بالسلام، وبين ردّ الملائكة عليه عند غفلتهم عن الرد... قال زبيد اليامي:[إن أجود الناس من أعطى مالاً لايريد جزاءه ، وإن أحسن الناس عفوًا من عفا بعد قدرة، وإن أفضل الناس من وصل من قطعه، وإن أبخل الناس من بخل بالسلام]...وَعَنْ عَمَّار بْن يَاسِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: [ ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ] رواه البخاري- تعليقا- .
    قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على المسلم إذا لقي أخاه المسلم أن يسلم عليه مبتسمًا إليه، فإن من فعل ذلك تحات عنهما خطاياهما كما تحات ورق الشجر في الشتاء إذا يبس، وقد استحق المحبة من أعطاهم بشر وجهه.
    وعن سعيد بن الخمس أنه قيل له:ما أبشّك؟ قال :' إنه يقوم عليّ برخيص'.
    قال أبو حاتم : البشاشة إدام العلماء ، وسجية الحكماء، لأن البشر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المبغضة، وفيه تحصينٌ من الباغي، ومنجاة من الساعي، ومن بشَّ للناس وجهًا لم يكن عندهم بدون الباذل لهم ما يملك... ولسعيد بن عبيد الطائي:
    الق بالبشر مـن لقيت مـن الناس جميعًا ولاقِهم بالطلاقه
    تجن منهم أجنى ثمار، فخذها طيبـًا طعـمهُ لذيـد المذاقه
    ... وعن حبيب بن أبي ثابت قال: [من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو يتبسم].
    الإقلال من المزاح : عَنْ أَنَس بْن مَالِكٍ قَال:َ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَادٍ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ لَا تَكْسِرْ الْقَوَارِيرَ] قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ .رواه البخاري ومسلم والدارمي وأحمد.
    قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل أن يستميل قلوب الناس إليه بالمزاح، وترك التعبُّس.
    والمزاح على ضربين: فمزاح محمود ، ومزاح مذموم.
    فأما المزاح المحمود: فهو الذي لا يشوبه ما كره الله عز وجل، ولا يكون بإثم ولا قطيعة رحم.
    وأما المزاح المذموم: فالذي يثير العداوة، ويُذهب البهاء، ويقطع الصداقة ويُجرِّئ الدنيء عليه، ويحقد الشريف به... قال ربيعة:'إياكم والمزاح، فإنه يُفسد المودة، ويُغِلُّ الصدر'. وعن عبد الله بن حُبيق قال:'لا تمازح الشريف، فيحقد عليك، ولا تمازح الوضيع، فيجترئ عليك'.
    قال أبو حاتم رضي الله عنه: المزاح في غير طاعة الله مسلبة للبهاء، مقطعة للصداقة، يورث الضغن، وينبت الغِلَّ. وإنما سمي المزاح مزاحًا لأنه زاح عن الحق، وكم من افتراق بين أخوين، وهجران بين متآلفين، كان أول ذلك المزاح، عن الحكم قال: كان يقال:'لا تمار صديقك ولا تمازحه، فإن مجاهدًا كان له صديق، فمازحه، فأعرض كل واحدٍ منهما عن صاحبه، فما زاده عن السلام حتى مات'.
    قال أبو حاتم رضي الله عنه: وإن من المزاح ما يكون سببًا لتهييج المراء، والواجب على العاقل اجتنابه؛ لأن المراء مذموم في الأحوال كلها، ولا يخلو المماري من أن يفوته أحد رجلين في المراء: إما رجلٌ هو أعلم منه، فكيف يجادل من هو دونه في العلم؟! أو يكون ذلك أعلم منه، فكيف يماري من هو أعلم منه؟! ... وعن الأوزاعي قال: قال بلال بن سعد:'إذا رأيت الرجل لجوجًا مماريًا معجبًا برأيه؛ فقد تمت خسارته'... عن محمد بن المنكدر قال: قالت لي أمي وأنا غلام: 'لا تمازح الغلمان، فتهون عليهم، أو يجترئوا عليك'. وقال عمر بن الخطاب:'من كثر ضحكه؛ قلت هيبته، ومن مزح؛ استخف به، ومن أكثر من شيء؛ عُرف به].
    وصايا ونصائح للداعية في هذا الباب:
    1 - يجب على الأخ اللبق أن يُحسن الإنصات إلى محدثه مع حسن الاستماع: وهناك قول لطيف، وهو:'إذا أردت أن يحبك الناس، فكن مستمعًا طيبًا وشجع محدثك على الكلام عن نفسه'.
    2 - إكرام الضيف يكون بطلاقة الوجه وحسن اللقاء وطيب الكلام والطعام : قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ] رواه البخاري ومسلم وأبوداود وابن ماجه والدارمي وأحمد.
    3 - الدعاء : وذلك بأن تدعو الله تبارك وتعالى أن يجعلك محبوبًا بين إخوانك، وتدعوه سبحانه أن يجعل هؤلاء الفتية الذين آمنوا بالله ربًا وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً أن يكونوا متحابين متزاورين متباذلين في الله، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّون َ بِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي] رواه مسلم وأحمد والدارمي ومالك.
    4- الدقة في المواعيد والالتزام بها مع الناس.
    5- تبادل الأخ الهدايا مع إخوانه وأرحامه: فإن الهدية تجلب المحبة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: [ تَهَادَوْا .. تَحَابُّوا] رواه البخاري في 'الأدب المفرد' وأبو يعلى والبيهقي .
    6 ـ بث الحماس والتشجيع في محدثك : إن عمل عملاً طيبًا يستحق الثناء والتشجيع [فإننا نتعهد بالغذاء أجساد أبنائنا وذوينا، ولكننا قلما نطفئ ولو جزءًا يسيرًا من ظمئهم إلى أن يكونوا شيئًا مذكورًا، وبينما نغدق عليهم الطعام والشراب ألوانًا وأشكالاً، ترانا نبخل عليهم بكلمات التقدير والتشجيع، فلو أنها استخدمت؛ فإنها تختزن في ذاكرتهم، وتتجاوب أصداؤها في صدورهم على مر السنين نغمًا حلوًا لا ينسى]”كيف تكسب الأصدقاء ص29”.
    7 ـ لا تكثر الجدل في أي شأن من الشئون أيًا كان، فإن المراء لا يأتي بخير.
    8 ـ قدر الأخ الذي أمامك وحدثه بما يهتم به: فيسر لذلك، وينفتح بالحديث عن نفسه ورغباته ومشاكله، وهنا ترسم في قلبه صورة طيبة عنك تكون أوضح في لقاء آخر، ولا تنس أن تكثر من ترديد اسمه أثناء محادثتك إياه.
    9 ـ أن يكون تعاملك وحبك للناس مندرجا تحت هذه القاعدة [الحب في الله والبغض في الله].
    الخلاصة:
    نصل بعد كل ما ذكرناه [إن من حببه الله إلى الناس؛ فقد أنعم عليه نعمة وسيعة، كما أن من بغضه إليهم فقد جعل له نقمة فظيعة، والسبب فيمن يكون محبًا إلى الخلق أن من رعاه الله، فصفا جوهره، وطاب حسن عمله له نور في مشاعر من يراه فيحبه، وإياه قصد تعالى بقوله لموسى عليه السلام: }وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي[39]{“سورة طه”. قال الإمام القرطبي في هذه الآية:[قال ابن عباس:' أحبه الله وحببه إلى خلقه']. وقال ابن عطية: [جعل عليه مسحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه]. وقال قتادة: كانت في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه وعشقه، وقال عكرمة: المعنى: جعلت فيك حسنًا وملاحة فلا يراك أحد إلا أحبك، وقال القرطبي: المعنى وألقيت عليك رحمتي. وقال ابن زيد: جعلت من رآك أحبك حتى أحبك فرعون؛ فسلمت من شره، وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك].
    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ]رواه البخاري ومسلم وأحمد ومالك.يقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث: [...وحب جبريل والملائكة يحتمل وجهين: أحدهما: استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم . والثاني: أن محبتهم على ظاهرها المعروف من المخلوقين، وهو ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه. وسبب حبهم إياه كونه مطيعًا لله تعالى، محبوبًا له، ومعنى: [ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ] أي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه؛ فتميل إليه القلوب وترضى عنه، وقد جاء في رواية: [ فَتُوضَعُ لَهُ المَحَبَةُ] . فنسأل الله تبارك وتعالى أن تكون أعمالنا خالصة لوجهه سبحانه، فيرضى عنا، ثم يكتب لنا القبول في الأرض، فيحبنا الناس، فينفتح بذلك باب من أبواب الخير للدعوة الإسلامية، وللإسلام عمومًا.. والحمد لله رب العالمين .
    ــــــــــــــ

    من سلسلة رسائل فتيان الدعوة:'كيف يكون الداعية شخصية محبوبة' بإشراف /
    الشيخ / جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين.. الشيخ / أحمد بن عبد العزيز القطان .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •