التحليل اللغوي في سورة الفاتحة
د. أيوب جرجيس العطية
سورة الفاتحة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
مقدمة ومدخل إلى فهم السورة :
سورة الفاتحة سورة مكية ، تتألف من سبع آيات ، نزلت بعد سورة المدثر، ومن المعلوم أنَّ السور المكية موضوعاتها في العقيدة والإيمان والجنة والنار، لذا فسورة الفاتحة موضوعها الرئيسي هو ( التوحيد ) . فالبسملة باسمه لا باسم غيره ، والثناء عليه ، والاعتراف بأنه ربّ العالمين ، هو توحيد خالص . ويستلزم التوحيد إفراده بالعبادة فيطلب منه العبد منه الاستعانة على ذلك بقوله : ( إياك نعبدُ وإياكَ نستعينُ ) .
فالقرآن كأنه قطعة واحدة ، أو نص واحد ، (( وقد كان حمزة بن حبيب الزيات أحد القراء السبعة المشهورين لا يبسمل بين سور القرآن إلا في أول الفاتحة ، لأنه يعد القرآن قطعةً واحدةً ونصاً واحداً ، فانظر إلى هذا المعنى الذي ذكره هذا الإمام الجليل قبل أكثر من 1200 سنة ) .
فسورة الفاتحة تبدأ بالتوحيد ، و ينتهي بسورة ( الناس ) و موضوعها التوحيد غير أن سورة الفاتحة لا تنغلق بموضوعها أو حديثها ، إنما تنفتح على السورة التي بعدها ( سورة البقرة ) .
التحليل :
أولاً / الفكرة أو الموضوع الذي يدور عليه نص السورة :
إن موضوع سورة الفاتحة ومحورها الرئيس هو التوحيد ، ثم اعتراف العبد بأنه لا يعبد إلا إياه و طلب الاستعانة منه على ذلك .
ثانياً : مستويات اللغة :
بمعنى أن التحليل سيظهر مكونات النص اللغوية ، ثم هل جاءت هذه المستويات في خدمة الموضوع أو الفكرة،وهل هي مترابطة أم لا ؟ وما آليات ذلك الرابط ؟
الآية الأولى : ( بسم الله الرحمن الرحيم )
المستوى اللغوي والصوتي :
1ـ بسم : الاسم هو العلامة ، وهو السمة . وفيه عدة لغات هي : سِم ، سَم ، سُم ، وغيرها .
2ـ الله : اسم علم لا يطلق إلاّ على المعبود أو الذات الإلهية لا يشاركه أحد ، وقيل : اسم جامد ، وقيل : اسم مشتق . [ ينظر كتب التفسير ومعاني القرآن وإعرابه ] .
3ـ الرحمن : الذي امتلأ رحمةً .
4ـ الرحيم : الذي يرحم غيره .
5ـ كلمات البسملة منسجمة صوتياً ، وتسير على نغمة صوتية متموجة من حيث الأداء والإيقاع ويزيدها جمالاً الفاصلة القرآنية ( رأس الآية ) التي انتهت بها البسملة ، بحرف شفوي هو الميم .
المستوى الصرفي :
1ـ الرحمن : صفة مشبّهة ، مثل ظمآن ، وغضبان تدل على وصف فعليّ ، فيها معنى المبالغة للصفات الطارئة أي ليست دائمة لصاحبها إنّما تزول بعد فترة . لأنَّ صيغة ( فعلان ) تدل على الامتلاء .
2ـ الرحيم : صفة مشبهة ، مثل عظيم ، وكحيل ، على وزن ( فَعيل ) ، ويمكن أن تكون صيغة مبالغة أي كثير الرحمة ، وفيها معنى المبالغة للصفات الثابتة ، وجيء بها للتوكيد فالأولى صفة متغيرة ، والأخرى صفة ثابتة ، فلا يستغنى بأحد الوصفين عن الآخر.
3ـ والبسملة : كلمة منحوتة من جملة : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . والنحت باب واسع في اللغة العربية .
فوائد علمية يحتاجها الطالب :
1ـ تكتب ( بسم الله ) بغير ألف في البسملة خاصّة بخلاف قوله تعالى ( إقرأ باسم ربّك الذي خلق ) فإنها لم تحذف . وقال العلماء : إن سبب الحذف هنا كثيرة الاستعمال .
2ـ تحذف الألف من الرحمن لدخول الألف و اللام عليها تخفيفاً . وهذه من خصائص الخط العربي .
3ـ يقال لمن قال (بسم الله) مُبسمل وهو ضرب من النحت اللغوي . قال الشاعر عمر بن أبي ربيعة :
لقد بسملتْ ليلى غداةَ لَقِيتُها فيا حَبذا ذاكَ الحبيبُ المُبسمِلُ
ومثله : حوقل إذا قال : لاحول ولا قوة الا بالله ، و سبحل اذا قال : سبحان الله ، و حمدك اذا قال : الحمد الله ، ودمعز إذا قال : أدام الله عزك .
المستوى النحوي : ( التركيبي )
ـ بسم : الباء حرف يفيد الاستعانة ، ( اسم ) مجرور و علامة جره الكسرة . و الجار و المجرور متعلقان بخبر محذوف وجوبا تقديره : (بسم الله أبدأ ) أو ( بسم الله ابتدئ ) و الجار و المجرور في محل نصب مفعول به مقدّم . وإذا قدرنا : بسم الله ابتدائي فالجار و المجرور خبر مقدّم ، و المحذوف مبتدأ مؤخر.
ـ الله :لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور.
ـ الرحمن : صفة أو نعت مجرور.
ـ الرحيم :صفة ثانية أو نعت مجرور .
ـ تقديم ( بسم الله ) على المتعلق المحذوف لإفادة الاختصاص و للتبرك و التعظيم .
والأولى في المتعلق المحذوف أن يكون فعلاً مضارعاً ، لأنه يفيد التجدد والاستمرار وحذف كثرة دوران المتعلق به على الألسنة .
المستوى الدلالي :
عرفت الدلالة المعجمية لكلمات البسملة في ما تقدم .
أما الدلالة السياقية للبسملة فهي : نبدأ ببسم الله الذي هو رحمن رحيم ، فقدم رحمته للمؤمنين ولغيرهم على رحمته للمؤمنين خاصة . وفي هذا دلالة عظيمة للبشرى التي يبشر الله تعالى بها عباده من أن رحمته سبقت عذابه ، ومغفرته سبقت عقابه ، ثم إنَّ الناس من شرقيين وغربيين يبدأون بأسماء عظمائهم وزعمائهم وأعمالهم ، فيقولون : باسم فلان ، وباسم الشعب ، وباسم الثورة ، وهكذا ... أما المسلم فهويته معروفة ، وهي أعظم من كل هوية ، إنه يبدأ أعماله وأقواله بسم الله ، وهو رب الجميع ، والقادر على كل شيء ، ومن أعظم من الله ؟ بل إن من شرف العبد أن يكون عبداً لله ، ويبدأ بسم الله ، كما قال الشاعر :
ومما زادني شرفاً وتِيهاً وكدتُ بأخمصي أطأُ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيَّرتَ أحمدَ لي نبيا
فالحمد لله على نعمة الإسلام ، والحمد لله على نعمة الإيمان .
الآية الثانية : ( الحمدُ للهِ رَبّ العالمين )
المستوى اللغوي :
1ـ الحمد : الثناء على الله بوصف الجميل في كل حال ، أما الشكر فهو الثناء على المنعم لأمر خاص كإسداء النعمة أو المعروف فالحمد عام و الشكر خاص ، و الحمد لا يليق الا بالله أما الشكر فيكون لله و لغيره , ومنه قوله تعالى : ( أن اشكر لي و لوالديك...... ).
2ـ ربّ:هو السيد و المالك و المعبود ، و الصاحب و المربي هو الذي يسوس الذي يربيه و يدبر أمره .
3ـ العالمين : جمع عالم و يراد به الكائنات وهو ملحق بجمع المذكر السالم لا فرد له فيقال : عالم الإنسان ، عالم الحيوان . فكل شيء غير الله عز وجل عالم .
المستوى الصرفي :
1ـ الحمد : مصدر من حمد حمداً .
2ـ ربّ :كذلك من رَبّ يَرُبُّ .
المستوى النحوي :
الحمدُ :مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة . و ( أل ) هنا جاءت لمعاني منها : استغراق الجنس ، أي كل أصناف الحمد يقدمها العبدُ لله ، ومنها : الاختصاص ، أي اختصاص الله تعالى وحده بالحمد كله ، ومنها : الاستحقاق : أي الله تعالى يستحق جميع أنواع الحمد .
وهناك قراءات قرآنية شاذة غير متواترة لهذه المفردة هي : ( الحمدِ للهِ ) و ( الحمدُ لُلهِ ) وهذا على الإتباع . ذكرها الفراء في كتابه معاني القرآن .
لله :الجار و المجرور بخبر محذوف وجوبا تقديره : موجود أو كائن وبتقدير : الحمد موجود لله . ويجوز أن نقول : الجار و المجرور في محل رفع خبر على مذهب بعض النحويين تخفيفاً وتيسيراً على الطلاب والمتعلمين .
ربّ : صفة أو بدل من لفظ الجلالة وهو مضاف .
العالمين : مضاف إليه مجرور و علامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم .
1ـ ( الحمد لله ....) جملة اسمية وهي تفيد الدوام و الثبوت بخلاف دلالة جملة الفعلية .
2ـ ( لله ) تفيد الاستحقاق و الاختصاص لأن جميع المحامد مختصة به .
3ـ إضافة ( ربّ ) الى العالمين تعظيم لله على أنه هو الذي خلق العالمين و ربّي و المالك أيضاً. واذا كان كذالك فهو الذي يستحق العبادة و لهذا يستحق الحمد وحده .
المستوى الدلالي :
تدل هذه الآية على أن الله تعالى وحده يستحق الثناء وجميع أنواع الحمد من الخلق ، لأنه خالقهم ومربيهم ورازقهم وحافظهم وسيدهم . انظر إلى الترابط الدلالي بين النتيجة والسبب :
النتيجة : الحمدُ لله . السبب : رَبِّ العالمين .
وكأنَّ قوله تعالى : ( رب العالمين ) جاء جواباً لمن سأل : لماذا : الحمدُ لله ؟ أي لماذا جعلتم كل أنواع الحمد لله ؟ فأجابه تعالى : رب العالمين . ومن غيره تعالى يستحق الحمد .
الآية الثالثة : ( الرحمن الرحيم )
المستوى اللغوي : مر سابقا .
المستوى الصرفي : مر سابقاً كذلك .
المستوى النحوي : مر سابقاً كذلك .
المستوى الدلالي :
ثم كرر صفتين ( الرحمن الرحيم ) توكيداً و تذكيراً بنعم الله على العباد و المخلوقات ، والله خلق الخلق و هداهم رحمة بهم و أنعم عليهم رحمة ، وحفظهم رحمة ، ورزقهم رحمة ، وأحياهم و أماتهم ثم يحييهم رحمة بهم ، فكل أفعال الله هي رحمة بالعباد و المخلوقات عامة و لهذا تكررت الصفتين مرتين في هذه السورة لتذكير العباد برحمته وهذا تلطف و تحبب أيضاً من ربّ الأرباب لعباده . وليكونوا رُحماء بينهم ، ورحماء بغيرهم من الإنسان و الحيوان .
الآية الرابعة :( مالك يوم الدين )
المستوى اللغوي :
1ـ المالك : كل من يملك ومالك هنا : أي يملك إقامة يوم الدين ( القيامة والجزاء ) .
2ـ الدّين : الجزاء ، ويوم الدين : يوم الجزاء ، ومنه قول العرب : ( كما تَدين تُدان ) والدين: الطاعة والدين : العادة و العرف .
المستوى الصرفي :
المالك : اسم فاعل يدل على الدوام و الثبوت .
المستوى النحوي :
المالك : صفة رابعة لله تعالى .
يوم :مضاف اليه وهو مضاف .
الدين : مضاف اليه .
- إضافة ( مالك ) الى ( يوم الدين ) تفيد الاختصاص لزوال المالكين و الأملاك عن سواه في ذلك اليوم .
المستوى الدلالي :
الدلالة المعجمية لمفردات الآية الكريمة تقدم ذكرها ، لذا سأذكر فقط الدلالة السياقية :
مالك يوم الدين : الذي يملك مقاليد الأمور والتصرف في شؤون العباد يوم القيامة ، يؤيده قوله تعالى : ( لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار ) . وليس معنى ذلك أن الله لم يكن مالكاً فصار بعد ذلك مالكاً . لا ، فهذا القول كفر ولا يجوز في العقيدة ، بل الله تعالى كان مالكاً وسيكون مالكاً .
وهناك قراءة قرآنية أخرى متواترة هي ( ملكِ ) بلا ألف ، وهي قراءة نافع المدني ومن وافقه من القراء ، فعلى هذه القراءة يكون المعنى : ملكِ يوم الدين بلا منازع .
الآية الخامسة :( إياك نعبد و إياك نستعين )
المستوى الصرفي :
ـ نستعين:أصلها نستعون بكسر الواو وسكون العين فاستثقلت الكسرة على الواو فأعلت إلى العين فأصبحت نستعين، لأن أصل العين واو فمصدره (العون).
المستوى النحوي :
1ـ إياك :ضمير نصب منفصل في محلّ نصب مفعول به مقدم.
2- نعبدك: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفع الضمة الظاهرة على آخره.
والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن، والكاف ضمير مبني على الفتح في محل نصب مفعول.
ـ تقديم المفعول به لإفادة الاختصاص. ، وقدم الإقرار باستحقاق العبودية لله وحده على الدعاء بالعون، لأنه:
أ-من باب تقديم الوسيلة على الحاجة، فقدم العبادة على الاستعانة وهو من باب تقديم الوسائل بين يدي المطالب.
ب- تقديم حق المعبود على حظ العبد.
ج- ولأن إياك نعبد متعلق بألوهيته واسمه الله وإياك نستعين متعلق بربوبيته واسمه الرب فقدم إياك نعبد على إياك نستعين كما قدم اسم الله على الرب في أول السورة.
د-ولأن العبادة المطلقة تتضمن الاستعانة من غير عكس فكل عابد لله عبودية تامة مستعين به ولا ينعكس لأن صاحب الأغراض والشهوات قد يستعين به على شهواته فكانت العبادة أكمل وأتم ولهذا كانت قسم الرب ولأن الاستعانة جزء من العبادة من غير عكس ولأن الاستعانة طلب منه والعبادة طلب له ولأن العبادة لا تكون إلا من مخلص والاستعانة تكون من مخلص ومن غير مخلص.
ه- ولأن العبادة حقه الذي أوجبه عليك والاستعانة طلب العون على العبادة وهو بيان صدقته التي تصدق بها عليك وأداء حقه أهم من التعرض لصدقته، ولأن العبادة شكر نعمته عليك والله يحب أن يشكر والإعانة فعله بك وتوفيقه لك فإذا التزمت عبوديته ودخلت تحت رقها أعانك عليها فكان التزامها والدخول تحت رقها سببا لنيل الإعانة وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم.
2-التعبير جاء بالجملة الفعلية لإفادة التجدد والحدوث، لأن أصلها نعبدك، ثم تقدم المفعول به،لإفادة الاختصاص.
3- عدل عن ضمير الغائب إلى الخطاب فقال: ( إياك...) بعد( الحمد لله..)،ولم يقل الحمد لك،لأن الحمد دون العبادة في المرتبة ألا ترى تحمد الآخربن ولا تعبدهم، فلما كانت الحال بهذه المنزلة عدل عن الغيبة إلى الخطاب .
المستوى الدلالي :
من استعان بغير الله ذل ، فلا عبادة إلا لله ، ولا عون إلا من الله ، ولا نصر إلا من الله ، هذا باختصار المعنى الذي تدل عليه هذه الآية . وهو حقيقة التوحيد وجوهره .
الآية السادسة و السابعة :
( اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم )
المستوى اللغوي :
1ـ الصراط : الطريق الواضح ، وفيه لغات : السراط بالسين في سرط الشيء اذا بلعه و سمّيَ الطريق سراطاً لجريان الناس فيه كما يجري شيء المبتلع ، و الصراط بالزاي ، و الإشمام .
2ـ غير المغضوب عليهم : اليهود لأنهم علموا ولم يعملوا به .
3ـ الضالين : النصارى لأنهم عبدوا الله على جهل أو على ما يريدون ، و تشمل كل من كان على شاكلة هاتين طائفتين .
المستوى الصرفي :
1ـ اهد : فعل أمر على وزن ( أفع ) و حذف لامه .
2ـ الصراط : اسم جامد ( مصدر ) على وزن ( فعال ) . وهو مشتق من قولهم : صرط الطريق المارة أي ابتلعهم ، وقرأ ابن كثير المكي ( سراط ) ، وهو من قولهم : سرط الطريق المارة . وقرأ خلاد عن حمزة ( زراط ) باشمام الصاد زاياً .
3ـ المستقيم : في الأصل اسم فاعل من ( استقام ) ثم أصبح وصفاً ( نعتاً ) .
4ـ المغضوب : اسم مفعول على وزن ( مفعول ) .
5ـ الضالين : جمع مذكر سالم لاسم الفاعل ( الضّال ) .
6ـ أنعمت : فعل ماضٍ على وزن ( أفعلت ) .
المستوى النحوي :
1ـ اهد : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة،والفاعل ضمير مسستر تقديره أنت
و(نا) ضمير مبني على السكون في محل نصب مفعول به
الصراط: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
المسقيم: صفة منصوبة
صراط: بدل منصوب وهو مضاف
الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.
أنعمت:فعل ماض مبني على السكون، والتاء ضمير في محل رفع فاعل.
عليهم : على حرف جرّ،والهاء ضمير في محل جر اسم مجرور، والميم للجماعة.
غير: نعت لـ( الذين) ، أو بدل من الضمير في (عليهم).وهو مضاف.
المغضوب :مضاف إليه مجرور.
ولا: الواو حرف عطف ، و(لا) زائدة لتأكيد النفي.
الضالين:معطوف على ( المغضوب) مجروروعلامة جره الياء لأنه جمع مذكرسالم.
المستوى البلاغي والدلالي :
1-الاستعارة التصريحية في قوله: (اهدنا الصراط) فقد شبه الدين بالسراط المستقيم الذي ليس فيه انحراف.
2- جاء التعبير على الأصل( اهدنا ) ولم يقل: إيانا اهدِ،ولو قال لأصبح طلب الهداية خاص به أي لا تهدي غيرنا،لأن التقديم يفيد الاختصاص.
فائدة : لفظة ( آمين ) ليست من القرآن ، بل هي دعاء بمعنى : اللهم استجب ، وفي ( آمين ) لغتان : هما المد والقصر .
التحليل النصيّ لسورة الفاتحة:
بُنى النصّ الكُبرى[18] :
تبين مما سبق أنّ سورة الفاتحة تتحدث عن(معرفة الله وتوحيده)، لذا هي تتكون من بُنَى ثلاث هي:
البنية الأولى: البسملة، وهي مقدمة وتهيئة للبنية التي بعدها . ولأن المقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب تعريفهم ربّ الأرباب وبما يرضيه ، وهو مقصود القرآن الذي انتظمته الفاتحة بالقصد الأول ، ولن يكون ذلك إلا بما ذكر علما وعملا ، ولما كان المقصود من جمعهم على الله تعالى معرفته لأجل عباداته وكان التزام اسمه تعالى في كل حركة وسكون قائدا إلى مراقبته وداعيا إلى مخافته واعتقاد أن مصادر الأمور ومواردها منه وإليه شرعت التسمية أول كل شيء فصدرت بها الفاتحة.
البنية الثانية: توحيد الربوبية:وتتمثل في قوله تعالى: (الحمد ... يوم الدين) .
وكلُّ جملة في هذه البنية تستلزم جملة أخرى، وعليه فلما كانت مرتبة الربوبية لا تستجمع الصلاح إلا بالرحمة اتبع ذلك بصفتي (الرحمن الرحيم ) ترغيباً في لزوم حمده ، وهي تتضمن تثنية تفصيل ما شمله الحمد أصلاً .
ولما كان الرب المنعوت بالرحمة قد لا يكون مالكاً ، وكانت الربوبية لا تتم إلا بالمِلك المفيد للعزة المقرون بالهيبة اتبع ذلك بقوله : ( مالك يوم الدين).
والرابط بين هذه البنية والبنية الأخرى قوله تعالى:( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لأنَّ (إياك نعبد) قسم الربّ، فعادت إلى البنية الثانية التي هي ثناء على الله تعالى لكونها أولى بها؛ و(إياك نستعين) قسم العبد ، فكانت من البنية الثالثة لها ، وهو( اهدنا الصراط المستقيم........ ).
البنية الثالثة: توحيد الإلوهية:وتتمثل في قوله تعالى: ( إياك نعبد... ولا الضالين).
فلما استجمع الأمر استحقاقاً وتحبيباً وترغيباً وترهيباً(في البنية التي قبلها) كان من شأن كل ذي لب الإقبال إليه تعالى، وقصر الهمم عليه ،فقال:( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) مقدماً للوسيلة على طلب الحاجة لأنه أجدُّ بالإجابة ( إياك ) أي يا من هذه الصفات صفاته( نعبد )، وأعقبه بقوله مكرراً للضمير حثاً على المبالغة في طلب العون ( وإياك نستعين ) إشارة إلى أن عبادته لا تتهيأ إلا بمعونته .
- والبنية الصُّغرى في داخل هذه البنية الكُبرى هي (اهدنا الصراط المستقيم.... ) .
فإفراده بالعبادة والاستعانة والدعاء استلزم التوجه اليه جلّ وعلا بطلب الهداية(اهدنا) الى الدين الحق والصراط المستقيم ، والتضرع اليه بالتثبيت على الايمان ونهج سبيل الصالحين ،وتجنب طريق المغضوب عليهم والضآلين.
ولما طلب أشرف طريق سأل أحسن رفيق فقال ( صراط الذين أنعمت عليهم ) ولما كانت النعمة قد تخص الدنيوية عينها واستعاذ من أولئك الذين شاهدهم في التيه سائرين وعن قصده حائرين فقال : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين) وإلى أن ملاك الهداية بيده: فانظر كيف ابتدأسبحانه بالذات ، ثم دل عليه بالأفعال ، ثم رقي إلى الصفات ، ثم رجع إلى الذات إيماء إلى أنه أول وآخر المحيط ، فلما حصل الوصول إلى شعبة من علم الفعال والصفات علم الاستحقاق للأفراد بالعبادة فعلم العجز عن الوفاء بالحق فطلب الإعانة .
وسائل الترابط الدلالي:
أولا:ترتيب الخطاب في الفاتحة:
معاني الفاتحة متناسبة ومتقابلة وبعضها مبتنٍ على بعض ومتعلق به أوثق وأشد أنواع التعلق؛ فكل معنى في الفاتحة مرتبط بما بعده وما قبله ودالّ عليه، أو مستدلّ عليه به؛ وفيما يلي بيان أمثلة من ذلك .
1- ابتدأت السورة بعد البسملة ب (الحمد )لأنه في الحقيقة أنسب ما يبتدأ به؛ فليس في الكلام كلام أصدق ولا أعظم ولا أهم ولا أشمل ولا أنسب في مثل هذا المقام وهو افتتاح كتاب الله، بل كل كلام ذي بال، من الحمد لله؛ ولذلك أدلة كثيرة؛ منها أن الحمد إذا انفرد عن بقية الأذكار شمل كل معانيها؛ فمثلاً إذا اجتمع التسبيح والتحميد والتوحيد والتكبير فثم تدرج؛ فالتسبيح تنزيه عن النقص وكل ما لا يليق بالله تبارك وتعالى؛ والتحميد إثبات لصفات الكمال المطلق؛ والتوحيد فيه توكيد لتنزيهه عن النقص وإثبات لتفرده بصفات الكمال المطلق بحيث يستحق أن يعبد وحده، بل كل ما سواه يجب أن يخضع له ويعبده لأنه ناقص عن منزلته محتاج إلى تدبيره ومعونته بل هو الذي أوجده؛ والتكبير إقرار من العبد بأنه مهما عظم الله وكبره وأثنى عليه فالله أكبر من ذلك؛ فلا يعلم عظمة الله على الحقيقة إلا هو تبارك وتعالى؛ وهذا كما كان النبي يقول في سجوده: لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
فإن قيل: السورة لم تفتتح بالتكبير وقد ذكرت أنه أعلى رتبة؟ قلت: العلو المذكور مقيد بالاجتماع مع الأذكار الأخرى كما تقدم؛ وأما عند الانفراد فالتحميد هو الأكمل الأشمل لأن الحمد هو إثبات صفات الكمال المطلق ومنها الوحدانية في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات؛ ومن الكمال المطلق انتفاء النقص وهو معنى التسبيح؛ ومن مقتضى إثبات الكمال المطلق ثبوت صفات عظمة وكمال أكبر مما تدركه عقول البشر، وهو معنى التكبير.
يتبع