تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الرد على ما يتشبث به القبوريون من عدم وقوع الشرك فى الامة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الرد على ما يتشبث به القبوريون من عدم وقوع الشرك فى الامة

    هناك نصوص يتشبث بها القائلون بعدم وقوع الشرك في هذه الأمة، ويزعمون دلالتها على خلاف ما ذهبنا إليه مما دلت عليه الأدلة، ويؤكده الواقع من أن الشرك يقع في هذه الأمة.
    ومن أشهر هذه النصوص التي يستدلون بها ما يلي:
    1- قوله صلى الله عليه وسلم: ((والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها...)) (1) .
    وجه الاستدلال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما خاف علينا الشرك فكيف يقع الشرك في هذه الأمة؟ (2) .
    ويجاب عن هذه الشبهة بما أجاب به الحافظ ابن حجر في (الفتح)، حيث قال في شرح الحديث:
    أ- (أي على مجموعكم، لأن ذلك قد وقع من البعض، أعاذنا الله تعالى منها) (3) .
    ب- أو يقال: إنه في الصحابة خاصة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكم)). قال الحافظ في (الفتح): (فيه إنذار بما سيقع فوقع كما قال صلى الله عليه وسلم... وأن الصحابة لا يشركون بعده، فكان كذلك، ووقع ما أنذر به من التنافس في الدنيا) (4) .
    ج- أو يقال: (لعل النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم ويوحى إليه بأن طوائف من الأمة سوف يضلون ويشركون) (5) .
    ومن هذه الشبه أيضاً:
    2- قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)) (6) .
    وجه الاستدلال: (إن هذه البلاد بفضل الله طاهرة من كل رجس سالمة من كل شرك بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم) (7) .
    ويجاب عن هذه الشبهة: بأن هذا الفهم الذي ذكره هذا المفتون لم يفهمه المحدثون ولا السابقون الأولون، بل المعنى الذي فهموا منه هو النهي عن التمكين لدينين أن يجتمعا في جزيرة العرب، وليس المقصود به نفيه، ولا نفي وجوده عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ كيف يمكن حمله على النفي وقد كان هناك أديان – لا دينان فقط – عند موت النبي صلى الله عليه وسلم وحتى في صدر الخلافة الراشدة في جزيرة العرب.
    ثانيا: لو حملنا الحديث المنسوب إلى النبي بهذا اللفظ على النفي لكنا قد كذبنا الواقع؛ فإن جزيرة العرب في تحديدهم (جنوباً وشمالاً: من عدن إلى ديار بكر، وشرقاً وغرباً: من العراق إلى مصر، فتدخل فيها اليمن، والحجاز، ونجد، والعراق، والشام، ومصر) (8) ، فإن قلنا بحمل الحديث على النفي فإننا قد فتحنا لغير المسلمين بابا للضحك على عقولنا في رد الأحاديث، بدلالة كذب الواقع له، فإن في هذه الديار المذكورة كم من الأديان، وكم من الكنائس أيضاً، وهي مازالت معمورة من أول الإسلام حتى عصرنا الحاضر.
    ثالثاً: أن ما ذكره هذا الضال من الحديث الذي رواه الإمام مالك في الموطأ، وما ورد أيضاً بلفظ: ((لا يبقين دينان بأرض العرب)) (9) ، وما رواه الإمام أحمد في (المسند) بلفظ: ((لا يترك بجزيرة العرب دينان)) (10) ، كل هذه الأحاديث إنما جاءت في سياق رواية وصية النبي صلى الله عليه وسلم وآخر عهده في حياته، وهي تدل صراحة على أن المراد بالحديث إنما هو النهي لا النفي كما فهمه هذا المفتون.
    رابعاً: أن جميع من روى هذا الحديث من أصحاب الحديث كلهم ذكروه بعبارات تدل على أن المراد هو النهي، لا النفي، فمن هذه الروايات ما يلي:
    1- عن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب...)) (11) .
    2- عن عمر قال: (لئن عشت – إن شاء الله – لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب) (12) .
    وهناك روايات صريحة تدل على أن هذا إنما هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، منها:
    1- عن ابن عباس: في حديث طويل قال صلى الله عليه وسلم: ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)) (13) .
    وبعد هذه الروايات الواضحة لا يقول بحمل الحديث على النفي إلا الغبي الجاهل الذي ليس له أي مشاركة في هذا العلم الشريف. والله أعلم.
    ومما اشتبه عليهم أيضاً:
    3- قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرتكم – جزيرة العرب)) (14)
    هكذا ذكره بعضهم، وقال آخر (15) :
    قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)) (16) .
    وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود –رضي الله عنه-: ((إن الشيطان قد يئس أن تعبد الأصنام بأرض العرب، ولكن رضي منهم بما دون ذلك بالمحقرات وهي الموبقات)) (17) .
    وجه الدلالة: (أن الرسول أخبر أن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، وفي حديث ابن مسعود: أيس الشيطان أن تعبد الأصنام بأرض العرب، وهذا بخلاف مذهبكم؛ فإن البصرة ومن حولها والعراق من دون دجلة الموضع فيه قبر علي وقبر الحسين –رضي الله عنهما- كذلك اليمن كلها والحجاز كل ذلك من أرض العرب، ومذهبكم أن هذه المواضع كلها عبد الشيطان فيها، وعبدت الأصنام، وكلهم كفار، وهذه الأحاديث ترد مذهبكم) (18) .
    ويجاب عن هذه الشبهة بما يلي:
    أولاً: أن الرواية الأولى لم أجدها في كتب الحديث بهذا اللفظ، وأقرب ما وجدت مما يوافق هذه الرواية ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((أيها الناس! إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا آخر الزمان، وقد رضي منكم بمحقرات الأعمال، فاحذروه على دينكم)) (19) الحديث.
    والحديث ضعيف، فلا احتجاج فيه.
    أما الرواية الثانية: فهي ثابتة، ولكن هل الأحاديث الصحيحة تتناقض مع بعض؟ كلا، بل لابد أن يكون لكل واحد منها محمل غير ما للآخر، فالحديث الذي نحن بصدده يخالف ظاهراً – لدى البعض- الأحاديث الثابتة الصحيحة التي فيها خوف الرسول صلى الله عليه وسلم, وتحذيره من وقوع ألوان من الشرك في هذه الأمة، والعلماء قد ذكروا لهذا الحديث عدة احتمالات، فمما قالوا فيه:
    1- إن الشيطان أيس بنفسه –ولم ييأس- لما رأى عز الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وإقبال القبائل على الدخول في هذا الدين الذي أكرمهم الله به، فلما رأى ذلك يئس من أن يرجعوا إلى دين الشيطان، وأن يعبدوا الشيطان أي: يتخذوه مطاعاً.
    وهذا كما أخبر الله عن الذين كفروا في قوله: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ [المائدة: 3]، فهم يئسوا أن يراجع المسلمون مع عليه المشركون من الدين القائم على اتخاذ الأنداد مع الله، وصرف العبودية إلى أشياء مع الله أو دونه.
    فكما أن المشركين لما رأوا تمسك المسلمين بدينهم يئسوا من مراجعتهم، هكذا الشيطان يئس لما رأى عز المسلمين ودخولهم في الدين في أكثر نواحي جزيرة العرب.
    والشيطان – لعنه الله- لا يعلم الغيب، ولا يعلم أنه ستحين فرص يصد الناس بها عن الإسلام والتوحيد، وكانت أول أموره في صرف الناس لعبادته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أطاعه أقوام وقبائل فارتدت عن الإسلام إما بمنع الزكاة، أو باتباع مدعي النبوة، فنشط وكانت له جولة وصولة، ثم كبته الله.
    والمقصود: أن الشيطان ييأس إذا رأى التمسك بالتوحيد والإقرار به والتزامه، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو حريص على أن يصد الناس عن هذا، ولذا تمكن من هذا في فترات مختلفة، فعبده القرامطة عبادة طاعة وهم في الجزيرة، وأفسدوا ما أفسدوا، وعبده من بعدهم مما يعرفه أولو البصيرة (20) (21) .
    فالقول بأن الشرك منتف عن هذه الأمة مخالف للواقع، كما أنه مخالف للفهم الصحيح لنصوص الشرع.
    2- أو يقال: إن نبينا صلى الله عليه وسلم فصل ما بين الشرك والتوحيد وبينه أتم بيان، وترك الدين على بيضاء ليلها كنهارها، وهذه البيضاء هي مضمون لا إله إلا الله، وهي إفراد الله بالعبادة، وخلع الأنداد، والكفر بما يعبد من دون الله، والبراءة من الشرك وأهله، كما فسرها أهل العلم رحمهم الله، فإذا علم هذا يقيناً فمحال أن يكون الشرك بصورته التي نهى الله عنها موجوداً في بلاد كثيرة، ويحكم عليها بالشرك ويوجد في الجزيرة بصورته ولا يحكم عليها بالشرك. وهذا من التلاعب والهوى الصارخ (22) .
    3- وقال ابن رجب في شرح الحديث: إنه يئس أن يجتمعوا كلهم على الكفر الأكبر (23) .
    وأشار ابن كثير إلى هذا المعنى عند تفسيره قوله تعالى: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ حيث قال: (قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني يئسوا أن تراجعوا دينكم) (24) .
    4- ولا يبعد أن يقال: (مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن الشيطان...)) أن الشيطان لا يطمع أن يعبده المؤمنون في جزيرة العرب، وهم المصدَقون بما جاء به الرسول من عند ربه المذعنون له، والممتثلون لأوامره، ولا شك أن من كان على هذه الصفة فهو على بصيرة ونور من ربه، فلا يطمع الشيطان أن يعبده... ووجود مثل هذا في جزيرة العرب لا ينافي الحديث الصحيح كما لا يخفى على من له قلب سليم وعقل راجح، وإطلاق لفظ المصلين على المؤمنين كثير في كلام العارفين.
    5- ويحتمل أن يراد بالمصلين أناس معلومون بناء على أن تكون (أل) للعهد وأن يراد بهم الكاملون فيها... وهم خير القرون، يؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث-: ((ولكن في التحريش بينهم)). يقول الطيي: لعل المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده من التحريش الواقع بين صحبه رضوان الله عليهم أجمعين، أي أيس أن يعبد فيها، ولكن يطمع في التحريش... والدليل متى طرقه الاحتمال بطل به الاستدلال) (25) .
    6- أو يقال: كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بوقوع الشرك وحدوثه في هذه الأمة، ووقع، وحصل هذا الإخبار بما هو مشاهد عياناً، ولا ينكره إلا من أعمى الله بصره وطمس بصيرته. هكذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أناساً معلومين بأن الشيطان لا يسلط عليهم، وهم الذين قال عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق، منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله)) (26) .
    7- أو يقال: إن الحديث يقول: إن الشيطان أيس أن يعبد. وظاهر لفظه: أن أيس من أن يعبد هو نفسه، لا من أن يعبد غيره من المخلوقات كالأنبياء والملائكة والصالحين والأشجار والأحجار، والقبور. فإن الشيطان إن أطيع في عبادة بعض المخلوقات، وقد تضاف إليه هذه العبادة ولكنها إضافة غير حقيقية، والعلاقة في الإضافة كونه هو الآمر بها، وحقيقة عبادة الشيطان نفسه: أن توجه إليه العبادة كفاحاً مباشرة.
    8- أو يقال: المراد أن الشيطان قد أيس من أن يعبد أو تعبد الأصنام في بلاد العرب في كل وقت وزمان، فهذا لن يكون إن شاء الله، وقد يشهد لهذا لفظة (أبداً) المذكور في الرواية الأخرى (27) .
    وعلى كل حال: لا يمكن أن يدعى أنه لن يعبد غير الله في بلاد العرب في وقت من الأوقات، فإن هذا باطل كاذب بالإجماع والضرورة والنصوص المتواترة.
    ومما يستدل به القبوريون في هذا الباب:
    4- قوله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولا يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة، أو يأتي أمر الله تعالى....)) (28)
    وجه الاستدلال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أمر هذه الأمة لا يزال مستقيماً إلى آخر الدهر، ومعلوم أن هذه الأمة.. التي تكفرون بها، مازالت قديماً ظاهرة ملأت البلاد، فلو كانت هي الأصنام الكبرى، ومن فعل شيئاً من تلك الأفاعيل عابد الأوثان، لم يكن أمر هذه الأمة مستقيماً، بل منعكساً...) (29) .
    يجاب عن هذه الشبهة: بأن هذه الشبهة ناتجة عن قصور باعه في علم الحديث. فإن الأحاديث تأتي بروايات مختلفة بعضها يفسر البعض الآخر، فالذي ذكره جاء بعدة روايات، حتى إنه جاء في صحيح البخاري في خمسة مواضع عن معاوية رضي الله عنه.
    وقد جاء في كتاب العلم بلفظ: ((ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)) (30) ، وفي كتاب الاعتصام بلفظ: ((ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون)) (31) .
    وجاء في كتاب المناقب بلفظ: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله...)) (32) .
    كما جاء في كتاب الاعتصام بلفظ: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)) (33) .
    وفي كتاب التوحيد: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله...)) (34) .
    والحديث جاء عند مسلم بلفظ: ((لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)) (35) .
    والمقصود: أن الروايات المطلقة في بعض الأحاديث تحمل على الروايات المقيدة، فإن من قواعد أصول الفقه حمل المطلق على المقيد إذا اتحد المحل والحكم (36) ، وهنا هكذا، لهذا قال الحافظ ابن حجر عند شرح الحديث: (أن بعض هذه الأمة يبقى على الحق أبداً) (37) . ولا شك أن هؤلاء البعض هم المحدثون, ومتبعوا الآثار لا غيرهم من القبوريين كما نص عليه السلف.
    ومما يتشبث به القبوريون في هذا الباب:
    5- عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى)) فقلت: يا رسول الله! إن كنت لأظن حين أنزل الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ إن ذلك تام، قال: ((إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة من خردل إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم)) (38) .
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق... حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال)) (39) .
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن يبرح هذا الدين قائماً عليه عصابة المسلمين حتى تقوم الساعة)) (40) .
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك، فقال عبد الله بن عمرو: أجل، ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير، لا تترك إنساناً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة)) (41) .
    وجه الاستدلال: (في هذه الأحاديث الصحيحة أبين دلالة على بطلان مذهبكم؛ وهي أن جميع هذه الأحاديث مصرحة بأن الأصنام لا تعبد في هذه الأمة إلا بعد انخرام أنفس جميع المؤمنين آخر الدهر) (42) .
    ويجاب عن هذه الشبهة من عدة أوجه:
    أولاً: مراد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بيان وقت ظهور الشرك بصفة عامة بحيث يطغى على التوحيد, ويسيطر على حاملي لواء التوحيد ويستأصلهم، فذكر: أن هذا يحدث في أواخر أيام الدنيا، قبل انعقاد القيامة الكبرى، وبعد خروج الريح القابضة لأنفس جميع المؤمنين حتى لا تبقى هذه الطائفة المنصورة والناجية على ظهر الأرض (43) ، والذي يدل عليه فهم الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو حيث إنه عقب على قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال عصابة... الحديث)) بقوله: أجل، ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك... إلخ.
    فهذا الحديث إنما يبين التحديد الزمني لفشو الشرك في هذه الأمة حتى لا يبقى في ظهر الأرض إلا مشرك، وليس المراد منه عدم وقوع الشرك في هذه الأمة كما ظنه بعض مدعي العلم والمعرفة، وإلا يكون هذا الفهم مخالفاً للأحاديث الصحيحة الأخرى ومخالفاً للواقع.
    وأما استدلاله بهذا الحديث على عدم وقوع الشرك في هذه الأمة، فليس فيه ما يدل عليه، وقد بينا المراد من الحديث، ثم إن عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين كما هو معلوم لدى كل واحد من أهل العلم.
    ومما يتشبث به القبوريون أيضاً في إثبات شبهتهم:
    6- قوله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ... [آل عمران: 110].
    وقوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا... [البقرة: 143].
    وجه الاستدلال: (أن الأمة ليس فيها من يعمل الكفر، وأنها أمة صالحة كلها – من أولها إلى آخرها – ليس فيها شرك) (44) .
    ويجاب عن هذه الشبهة بما يلي:
    أولاً: أنهم تركوا من الآيتين ما هو دليل عليهم، وذلك: (أن الله وصف خير أمة أخرجت للناس بثلاث صفات وهي لأهل الإيمان خاصة، وليس لأهل الكفر والشرك، والنفاق والبدع والفسوق فيها نصيب، فقال: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ، فليس المشركون والمنافقون من خير أمة... بل هم شرار الأمة...) (45) .
    ثانياً: (كل أهل الملل من اليهود والنصارى والمجوس والصابئة من أمته أرسل إليهم وكلهم من أمة محمد، وهم أمة الدعوة... ومن لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يتبعه من هذه الملل الخمس فهو في النار، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِين َ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة: 6] فأخبر تعالى أنهم في النار مع كونهم من هذه الأمة.
    وأما استدلاله بقوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا، فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وهم المعنيون بهذه الأمة، ومن كان مثلهم من أهل الإيمان لحق بهم، وأما الكفار والمشركون والمنافقون فهم أعداء الأمة الوسط في كل زمان ومكان، ولا يمكن أحد أن يزعم أنهم من الأمة الوسط إلا مثل هذا الجاهل الذي يقول: ليس في الأمة كافر ولا مشرك...) (46) .
    ويبين الشيخ عبد الرحمن بن حسن جانباً من البدع والشرك والضلال الذي وقع في هذه الأمة،... (مثل المرتدين في عهد الصديق، والخوارج زمن علي بن أبي طالب، والقدرية، والجهمية الجبرية، ودولة القرامطة، الذين وصفهم شيخ الإسلام بأنهم أشد الناس كفراً، والبويهيين، والعبيديين وغيرهم) (47) .
    وبالجملة: (هذا المعترض مموه بلفظ الأمة ملبس، قال تعالى في ذم هذا الصنف من الناس وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 42].
    وهذا من أعظم اللبس والخلط والتمويه، والأمة تطلق ويراد بها عموم أهل الدعوة، ويدخل فيها من لم يستجب لله ورسوله، وتطلق أيضاً ويراد بها: أهل الاستجابة المنقادين لما جاءت به الرسل، ومن لم يفصل ويضع النصوص (في غير) مواضعها فهو من الجاهلين الملبسين) (48) .
    ويكشف الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن أصل هذه الشبهة وسبب حدوثها، فقال: (أعلم أن هذ المعترض لم يتصور حقيقة الإسلام والتوحيد، بل ظن أنه مجرد قول بلا معرفة ولا اعتقاد، وإلا فالتصريح بالشهادتين في هذه الأزمان والإتيان بهما ظاهرا هو نفس التصريح بالعداوة، ولأجل عدم تصوره أنكر هذا، ورد إلحاق المشركين في هذه الأزمان بالمشركين الأولين، ومنع إعطاء النظير حكم نظيره، وإجراء الحكم مع علته، واعتقد أن من عبد الصالحين، ودعاهم وتوكل عليهم، وقرب لهم القرابين مسلم من هذه الأمة، لأنه يشهد أن لا إله إلا الله) (49) .
    ويظهر جهل القائل بهذا القول حين لم يفرق بين أمة الإجابة، وأمة الدعوة، وقد رد الشيخ عبد اللطيف ذلك الاشتباه، فقال: (ليس كل من وصف بأنه من الأمة يكون من أهل الإجابة والقبلة، وفي الحديث: ((ما من أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار)) (50) ... وقال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا [النساء: 42] فدلت هذه الآية على أن هؤلاء الكافرين من الأمة التي يشهد عليهم صلى الله عليه وسلم... والأمة في مقام المدح والوعد يراد بها أهل القبلة وأهل الإجابة، وتطلق في مقام التفرق والذم ويراد بها غيرهم، فلكل مقام مقال) (51) .
    ومما يتشبث به القبوريون أيضاً في هذا الباب:
    7- قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)) (52) .
    وجه الاستدلال: (دعاؤه مستجاب) (53) ، يعني فلا يمكن أن يكون هناك شرك عند قبر الرسول.
    ويجاب عن هذه الشبهة: بأن دعاء الرسول مستجاب لا شك فيه، ولهذا قد أحاطه الله بأسوار وجدران (54) ، فلا أحد يستطيع أن يسجد لقبره مباشرة كائناً من كان، وليس فيه أي دليل على أن أحداً لا يشرك بالله جل وعلا بعبادة النبي مثلاً أو بإثبات خصائص الربوبية في الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن هذا واقع، والواقع خير دليل في هذا المجال، فكم من الغالين في الرسول مثلاً يدعي فيه خصائص الربوبية، ...
    وأيضا مما يتشبث به القبوريون في هذا الباب:
    8- بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن أخوف ما أتخوف على أمتي، الإشراك بالله، أما إني لست أقول: يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً، ولكن أعمالاً لغير الله وشهوة خفية)) (55) .
    وجه الاستدلال: أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما خاف علينا الشرك الأكبر، وإنما خاف علينا الشرك الأصغر (56) .
    ويجاب عن هذه الشبهة بما يلي:
    1- إن الحديث ضعيف (57) ، والحديث الضعيف لا احتجاج به عند من يعتد به من أهل العلم.
    2- ولو فرضنا صحته: يكون مراد النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث بيان خفاء هذا الشرك في أمته حتى يقع فيه بعض من يدعي العلم والتحقيق أيضاً، فمثلاً: عبادة الشمس والقمر والوثن من الظواهر التي لا يخفى ضلال مرتكبه، ولكن الشرك بأعمال القلوب؛ مثلاً المحبة لغير الله، والذل والخضوع لغير الله، واعتقاد أشياء مخصوصة لله جل شأنه لغير الله تعالى، هذه كلها من ضمن الأعمال لغير الله ومما تبقى خفياً، وهذا ظاهر، والحمد لله.[ الموسوعة العقدية
    ]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الرد على ما يتشبث به القبوريون من عدم وقوع الشرك فى الامة

    قال الشيخ بن باز - يقول رحمه الله: باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان، يعني باب ما جاء بالأدلة أن بعض هذه الأمة يسلك مسلك من كان قبله، وأنهم يعبدون الأوثان كما عبدها من قبلهم، قال جل وعلا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النساء: 51] وجد في الأمة من آمن بالجبت والطاغوت، فالجبت الشعر والطاغوت الشيطان، وقيل الجبت كل شيء لا خير فيه وكل بلاء يقال له جبت، الصنم جبت والطاغوت جبت، والشرك جبت، والطاغوت الشيطان، وقد وقع في هذه الأمة من بلي بالسحر وعبادة الطواغيت والتعلق بهم تقليدًا للأمة السابقة.
    وهكذا قوله جل وعلا: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة: 60] فكما أن من كان من قبلنا من عبد الطاغوت فهكذا يكون في هذه الأمة من يعبد الطاغوت فهو كل ما عبد من دون الله يقال له طاغوت.
    فإن كان لم يرض فالطاغوت الشيطان الذي دعا إلى عبادته كالأنبياء والصالحين ليسوا بطواغيت، وإنما الطواغيت الشيطان الذي دعتها إلى عبادتها وزينتها للناس، وهكذا الصنم يقال له: طاغوت، والمعبود من دون الله وهو راض كفرعون والمنمرود يقال له: طاغوت، والحاكم بغير ما أنزل الله يقال له: طاغوت.
    المقصود: أن دعاة الباطل يقال لهم طواغيت، فكما في الماضيين في اليهود والنصارى فهذا يوجد في هذه الأمة.
    قال تعالى: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف: 21] يعني قال رؤساؤهم وكبراؤهم لنتخذن عليهم مسجدًا، فهكذا في هذه الأمة من قلد المشركين وعبد القبور واتخذ المساجد عليها كما يوجد الآن في أمصار المسلمين التعلق بالقبور وعبادتها من دون الله عز وجل، وعبادة الأنبياء والصالحين، كل هذا تقليد لمن مضى واتباع لمن مضى، وسير على من مضى من المشركين.
    ويدل على هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، فكما وقع في الماضين يقع في هؤلاء المتأخرين: حذو القذة بالقذةقذة السهم بقذته الأخرى.
    حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموهيعني من شدة المبالغة في متابعتهم وتقليدهم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. وهذا ضرب لشدة التقليد والمتابعة للماضين، حتى لو فرضنا أنهم دخلوا جحر ضب لدخلتموه؛ يعني أنهم يبالغون في اتباع من مضى من الكفرة والظالمين حتى لو قدر أنهم دخلوا جحر ضب لدخلها هؤلاء المتأخرون.
    قالوا: تعني اليهود والنصارى، قال: فمن؟ وفي اللفظ الآخر: فارس والروم؟ قال: فمن الناس إلا أولئك؟!
    والمعنى أن هذه الأمة تقلد اليهود والنصارى وفارس في عبادة غير الله كعبادة القبور واتخاذ الآلهة من دون الله من الأنبياء والصالحين وهذا موجود الآن في مصر والشام وغير ذلك.
    وكثير من الناس يعبدون النبي ﷺ إذا جاؤوا إلى قبره دعوه واستغاثوا به وبعضهم يستغيث من بلاد بعيدة بالنبي ﷺ أو بالمسيح أو بعيسى أو بموسى أو بعبدالقادر الجيلاني في العراق أو بأبي حنفية في العراق، وهكذا ما يقع في مصر من عبادة الحسين والبدوي وغيرهم ممن بُلي بهم عامة الناس نسأل الله العافية.

    وهكذا في الشام يعبدون الداعية إلى الإلحاد ابن عربي وهكذا في أمصار كثيرة في إفريقية وفي المغرب وغير ذلك، كل هذا الذي أخبر به النبي ﷺ وقع، وقع في الناس الشرك، وكان في الجزيرة من يعبد زيد بن خطاب في جبيلة، عليه قبة في جبيلة حتى هدمها الشيخ رحمه الله ومن معه، وكانوا يعبدون جملة من الغيران والأشجار في الدرعية وفي الرياض وفي غيرها، حتى أزالها الله بهذه الدعوة المباركة.

    وهكذا حديث ثوبان يقول ﷺ: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وإن أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني دعوت الله لأمتي ألا يعذبها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدو من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وأن ربي قال: يا محمد، إني قضيت قضاء لا يرد، وإني أعطيت لأمتك ألا أهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم -يعني من غيرهم- فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا ويسبي بعضهم بعضًا يعني حتى يقع منهم الفتنة والشرك- والفتن فيما بينهم فيتسلط عليهم الأعداء، أما إذا اجتمعوا على الحق وتمسكوا به فإن الله ينصرهم كما قال في آخر الحديث: ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر اللهما دام أهل الحق متمسكين به، فإنه لا سلطان للعدو عليهم، فإذا اختلفوا وتنازعوا وتقاتلوا دخل العدو وتمكن من كثير من بلادهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    ويقول ﷺ: إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين يعني دعاة الباطل دعاة الشرك هم أصل البلاء، هم الذين تقع بهم الكوارث، دعاة الشر والفساد من أمراء ومن علماء نسأل الله العافية.
    وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، وهذا من أعلام النبوة وقد وقع السيف في عهد عمر وقتل عمر، ثم قتل عثمان ثم استمرت الفتن نسأل الله العافية.
    ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر اللههذا بشارة أن الله جل وعلا يبقي في هذه الأمة طائفة على الحق منصورة تكون قدوة لغيرها في الخير حتى تأتي الريح الطيبة التي يقبض الله بها أرواح المؤمنين والمؤمنات فلا يزال في هذه الأمة من يعبد الله ويستقيم على دينه حتى يأتي أمر الله بقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات فيبقى الأشرار فعليهم تقوم الساعة.
    وأخبر أنها لا تقوم الساعة حتى يلحق حي يعني قبيلة وفي اللفظ الآخر: قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان، والذي قبلها... لتتبعن سَنن من قبلكم، فأخبر ﷺ أنه لا تزال هذه الأمة بالخير ما لم تبتل بالأمة المضلين وما لم تختلف فيما بينها، فإذا اختلف بليت بالشر والتحق منها الكثير بالمشركين وعبدوا الأوثان وقلدوا غيرهم واتبعوا سنن من كان قبلهم بسبب اختلافهم وتقاتلهم وإضاعتهم أمر الله عز وجل.
    وفي الحديث هذا: أنه سيخرج في أمته كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وهذا وقد وقع وآخرهم الدجال يدعي أنه نبي ثم يدعي أنه رب العالمين وهو آخرهم قبحه الله!
    ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة، لا يضرها من خذلها ولا من خالفها حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الرد على ما يتشبث به القبوريون من عدم وقوع الشرك فى الامة

    قال الشيخ عبدالرحمن السعدي فى القول السديد

    مَقْصودُ هذه الترجمةِ الحذرُ مِن الشرْكِ والخَوْفُ منه،
    وأنَّه أَمْرٌ واقِعٌ في هذِه الأمةِ لا مَحَالةَ، والرَّدُّ على من زَعَمَ أنَّ مَن قالَ: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَتَسَمَّى بالإِسلامِ، أنَّه يَبْقَى عَلَى إِسْلاَمِه ولو فَعَلَ ما يُنافِيهِ مِن الاسْتِغاثَةِ بأهلِ القُبُورِ ودُعَائِهِم، وسَمَّى ذلك تَوَسُّلاً لا عبادةً؛ فإنَّ هذا باطلٌ.

    فإنَّ الوَثَنَ اسْمٌ جَامِعٌ لكلِّ ما عُبِدَ من دونِ اللهِ،
    لا فَرْقَ بَيْنَ الأشْجارِ والأحْجارِ والأبْنِيةِ، ولا بَيْنَ الأنبياءِ والصالحينَ والطالِحِينَ في هذا المَوْضِعِ وهو العبادةُ؛ فإنَّها حَقُّ اللهِ وحدَه.
    فمَن دَعَا غَيْرَ اللهِ أو عَبَدَهُ فَقَد اتَّخذَه وثنًا وخَرَجَ بذلك عن الدِّينِ، ولَمْ يَنْفَعْهُ انْتِسابُه إلى الإِسلامِ، فكم انْتَسَبَ إلى الإِسلامِ مِن مشركٍ ومُلْحِدٍ وكافرٍ منافقٍ.
    والعِبْرَةُ بِرُوحِ الدِّينِ وحَقِيقَتِه، لاَ بِمُجَرَّدِ الأسامِي، والألفاظِ التي لاَ حَقِيقَةَ لَهَا.-----------------------------------------------------------------قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن فى فتح المجيد -
    قولُهُ: ((وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ حَيٌّ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِين َ))
    وفي روايَةِ
    أبي دَاوُدَ: ((حَتَّى يَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكينَ)) والمعنى: أنَّهُم يَكونونَ معهم ويَرْتَدُّونَ برَغْبَتِهم عنْ أَهْلِ الإِسلامِ ويَلحقونَ بأَهْلِ الشِّرْكِ.
    قولُهُ:
    ((حَتَّى تَعْبُدَ فِئَامٌ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ))
    وفي روايَةِ
    أبي دَاوُدَ: ((وَحتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ)).
    وهذا هوَ شاهِدُ الترجمةِ؛ ففيهِ الرَّدُّ على مَنْ قالَ بخِلافِهِ مِنْ عُبَّادِ القُبورِ الجاحدينَ لِمَا يَقَعُ منهم من الشِّرْكِ باللهِ بعِبادَتِهم الأوثانَ، وذلكَ لِجَهْلِهِم بحقيقةِ التوحيدِ وما يُنَاقِضُهُ من الشِّرْكِ والتنديدِ؛ فالتوحيدُ هوَ أَعْظَمُ مَطلوبٍ، والشِّرْكُ هوَ أَعظَمُ الذنوبِ.
    وفي معنى هذا الحديثِ ما في
    (الصحيحيْنِ) عنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلْيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ)).
    قَالَ:
    ((وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ)) ورَوَى ابنُ حِبَّانَ عنْ مَعْمَرٍ قالَ: إِنَّ عَلَيْهِ الآنَ بَيْتًا مَبْنِيًّا مُغْلَقًا.
    قالَ العَلاَّمَةُ
    ابنُ الْقَيِّمِ في قِصَّةِ هَدْمِ اللاَّتِ لَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقيفٌ: فيهِ أنَّهُ لا يَجُوزُ إِبْقَاءُ مَواضِعِ الشِّرْكِ والطواغيتِ بعدَ القُدْرَةِ على هَدْمِها وإِبْطَالِها يَوْمًا واحدًا.
    وكذلكَ حُكْمُ الْمَشَاهِدِ التي بُنِيَتْ على الْقُبُورِ،
    والتي اتُّخِذَتْ أوثانًا تُعْبَدُ منْ دُونِ اللهِ؛ والأحجارُ التي تُقْصَدُ للتَّبَرُّكِ والنَّذْرِ، لا يَجوزُ إبقاءُ شيءٍ منها على وَجْهِ الأرضِ معَ الْقُدْرَةِ على إِزالتِها، وكَثيرٌ منها بِمَنْزِلَةِ اللاَّتِ والْعُزَّى ومَناةَ، أوْ أَعظمَ شِرْكًا عندَها وَبِهَا.
    فاتَّبَعَ هؤلاءِ سَنَنَ مَنْ كانَ قَبْلَهم، وسَلَكُوا سَبيلَهم حَذْوَ القُذَّةِ بالْقُذَّةِ، وغَلَبَ الشِّرْكُ على أَكثرِ النُّفُوسِ لظُهورِ الجَهْلِ وخَفاءِ العِلْمِ، وصارَ المعروفُ مُنْكَرًا والْمُنْكَرُ مَعروفًا، والسُّنَّةُ بِدْعَةً والْبِدْعَةُ سُنَّةً.

    وطُمِسَت الأعلامُ،
    واشْتَدَّتْ غُربةُ الإِسلامِ، وقَلَّ العُلماءُ، وغَلَبَ السُّفهاءُ، وتَفَاقَمَ الأَمْرُ، واشْتَدَّ البأسُ؛ وظَهَرَ الفَسادُ في الْبَرِّ والبَحْرِ بما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ.
    ولكنْ لا تَزالُ طائفةٌ من العِصابةِ الْمُحَمَّدِيَّ ةِ بالحقِّ قَائِمِينَ؛ ولأهلِ الشرْكِ والبِدَعِ مُجاهِدِينَ، إلى أنْ يَرِثَ اللهُ الأَرْضَ ومَنْ عَلَيْهَا وهوَ خَيْرُ الوارثينَ، انتهى مُلَخَّصًا.
    قُلْتُ: فإذا كانَ هذا في القرنِ السابعِ وقَبْلَهُ، فَمَا بَعدَهُ أَعظَمُ فَسادًا كما هوَ الوَاقعُ.
    قولُهُ:
    ((وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلاَثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ)).
    قالَ
    القُرطبيُّ: (وقدْ جاءَ عَدَدُهم مُعَيَّنًا في حديثِ حُذيفةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ؛ مِنْهُمْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ)) أخْرَجَهُ أبو نُعَيْمٍ.
    وقالَ: هذا حَديثٌ غريبٌ)
    انتهى.
    وحديثُ
    ثَوْبَانَ أَصَحُّ منْ هذا.
    قالَ القاضي
    عِياضٌ: (عُدَّ مَنْ تَنَبَّأَ مِنْ زَمَنِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الآنَ مِمَّن اشْتُهِرَ بذلكَ وَعُرِفَ واتَّبَعَهُ جَماعةٌ على ضَلالةٍ، فَوُجِدَ هذا العَدَدُ فيهم، ومَنْ طالَعَ كُتُبَ الأخبارِ والتواريخِ عَرَفَ صِحَّةَ هذا).
    وقالَ
    الحافظُ: (وقدْ ظَهَرَ مِصْدَاقُ ذلكَ في زَمَنِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ باليَمامةِ، والأسودُ العَنْسِيُّ باليَمَنِ.
    وفي خِلافةِ
    أبي بَكْرٍ: طُلَيْحَةُ بنُ خُوَيْلِدٍ في بني أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ، وسَجَاحِ في بني تَميمٍ.
    وَقُتِلَ
    الأسودُ قبلَ أنْ يَموتَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقُتِلَ مُسَيْلِمَةُ في خِلافةِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وتَابَ طُلَيْحَةُ وماتَ على الإِسلامِ في زَمَنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ونُقِلَ أنَّ سَجَاحِ تَابَتْ أيضًا.
    ثمَّ خَرَجَ
    الْمُخْتَارُ بنُ أبي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ وغَلَبَ على الكُوفةِ في أَوَّلِ خِلافةِ ابنِ الزُّبَيْرِ.
    فَأَظْهَرَ مَحَبَّةَ أهلِ البيتِ ودَعَا الناسَ إلى طَلَبِ قَتَلَةِ
    الْحُسينِ، فتَتَبَّعَهُم فقَتَلَ كثيرًا مِمَّنْ باشَرَ ذلكَ؛ وأَعانَ عليهِ، فأَحَبَّهُ الناسُ، ثمَّ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وزَعَمَ أنَّ جِبريلَ عليهِ السلامُ يَأْتِيهِ.
    ومنهم
    الْحَارِثُ الكَذَّابُ، خَرَجَ في خِلافةِ عبدِ الْمَلِكِ بنِ مَرْوانَ فَقُتِلَ، وخَرَجَ في خِلافةِ بني العَبَّاسِ جَماعةٌ.
    وليسَ الْمُرادُ بالحديثِ مَن ادَّعَى النُّبُوَّةَ مُطْلَقًا؛ فإنَّهُم لا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً؛ لكونِ غالِبِهم يَنْشَأُ عنْ جُنونٍ أوْ سَوْدَاءَ، وإنَّما المرادُ مَنْ قامَتْ لهُ شَوكةٌ، وبَدَا لهُ شُبْهَةٌ كمَنْ وَصَفْنَا.
    وقدْ أَهْلَكَ اللهُ تعالى مَنْ وَقَعَ لهُ منهم ذلكَ، وبَقِيَ منهم مَنْ يُلْحِقُهُ بأصحابِهِ، وآخِرُهم الدَّجَّالُ الأَكْبَرُ.
    قولُهُ:
    ((وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ)) قالَ الحسَنُ: (خاتَمُ: الذي خُتِمَ بهِ؛ أيْ: أنَّهُ آخِرُ النَّبِيِّينَ، كما قالَ تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَـكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[الأحزاب: 40] وإنَّما يَنْـزِلُ عِيسَى ابنُ مَريمَ في آخِرِ الزمانِ حاكِمًا بشريعةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَلِّيًا إلى قِبْلَتِهِ، فهوَ كأَحَدِ أُمَّتِهِ، بلْ هوَ أَفْضَلُ هذهِ الأُمَّةِ، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَنْزِلَنَّ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ)).
    قولُهُ:
    ((وَلاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورَةً لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ)) قالَ يَزيدُ بنُ هَارونَ وأحمدُ بنُ حَنْبَلٍ: (إِنْ لَمْ يَكُونوا أهلَ الحديثِ، فلا أَدْرِي مَنْ هُمْ؟).
    قالَ
    ابنُ الْمُبَارَكِ، وعليُّ بنُ الْمَدِينِيِّ، وأحمدُ بنُ سِنانٍ، والبخاريُّ، وغيرُهم: (إنَّهُم أهلُ الحديثِ).
    وعن
    ابنِ الْمَدِينِيِّ روايَةٌ: (هُم الْعَرَبُ) واسْتَدَلَّ برِوايَةِ مَنْ رَوَى: ((هُمْ أَهْلُ الْغَرْبِ)) وَفَسَّرَ الغَرْبَ بِالدَّلْوِ العَظِيمَةِ؛ لأنَّ العَرَبَ هم الذينَ يَسْتَقُونَ بها.
    قالَ
    النَّوَوِيُّ: (يَجوزُ أنْ تَكُونَ الطائفةُ جماعةً مُتَعَدِّدَةً منْ أنواعِ المؤمنينَ ما بينَ شُجاعٍ وبَصيرٍ بالْحَرْبِ، وفقيهٍ ومُحَدِّثٍ ومُفَسِّرٍ؛ وقائمٍ بالأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن الْمُنْكَرِ، وزاهِدٍ وعابِدٍ).
    ولا يَلْزَمُ أن يكونوا مُجْتَمِعِينَ في بَلَدٍ واحدٍ؛ بلْ يَجوزُ اجْتِمَاعُهُم في قُطْرٍ واحدٍ، وافْتِرَاقُهم في أقطارِ الأرضِ، ويَجوزُ أنْ يَجْتَمِعُوا في البلَدِ الواحدِ وأنْ يكُونُوا في بعضٍ دونَ بعضٍ منهُ، ويَجوزُ إخلاءُ الأرضِ منْ بعضِهم أوَّلاً فأوَّلاً إلى أنْ لا يَبْقَى إلاَّ فِرقةٌ وَاحدةٌ ببَلَدٍ واحدٍ، فإذا انْقَرَضُوا جاءَ أَمْرُ اللهِ) انتهَى مُلَخَّصًا معَ زِيادةٍ فيهِ، قالَهُ الحافِظُ.
    قالَ
    القُرْطُبِيُّ: (وفيهِ دَليلٌ على أنَّ الإجماعَ حُجَّةٌ؛ لأنَّ الأُمَّةَ إذا اجْتَمَعَتْ فقدْ دَخَلَ فيهم الطائفةُ المنصورةُ).
    قالَ
    الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: (وفيهِ الآيَةُ العَظيمةُ: أنَّهُم معَ قِلَّتِهِم لا يَضُرُّهُم مَنْ خَذَلَهم ولا مَنْ خَالَفَهم، والبِشارةُ بأنَّ الْحَقَّ لا يَزولُ بالْكُلِّيَّةِ) قُلْتُ: واحْتَجَّ بهِ الإمامُ أحمدُ على أنَّ الاجتهادَ لا يَنْقَطِعُ ما دَامَتْ هذهِ الطائفةُ مَوجودةً.
    قولُهُ:
    ((حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ)) الظاهِرُ أنَّ المرادَ بهِ ما رُوِيَ مِنْ قَبْضِ مَنْ بَقِيَ مِن المؤمنينَ بالريحِ الطَّيِّبَةِ؛ ووُقوعِ الآياتِ العِظامِ، ثمَّ لا يَبْقَى إلاَّ شِرارُ الناسِ، كما رَوَى الحاكِمُ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ قالَ: (لاَ تَقُومُ الساعةُ إلاَّ على شِرارِ الْخَلْقِ، هُم شَرُّ أهلِ الْجَاهليَّةِ).
    فقالَ
    عُقبةُ بنُ عامرٍ لعبدِ اللهِ: (أَعْلَمُ ما تَقولُ، وأمَّا أنا فسَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ:((لاَ تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ))).
    قالَ عبدُ اللهِ: (وَيَبْعَثُ اللهُ رِيحًا رِيحُها الْمِسْكُ، ومَسُّها مَسُّ الحريرِ، فلا تَتْرُكُ أَحَدًا في قَلْبِهِ مِثقالُ ذَرَّةٍ منْ إيمانٍ إلاَّ قَبَضَتْهُ، ثمَّ يَبْقَى شِرارُ الناسِ، فعليهم تَقومُ الساعةُ).
    وفي
    (صحيحِ مسلِمٍ): ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللهُ اللهُ)).
    وعلى هذا؛ فالمرادُ بقولِهِ في حديثِ
    عُقبةَ وما أَشْبَهَهُ: ((حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ)) ساعتُهم، وهيَ وقتُ مَوْتِهم بِهُبوبِ الريحِ، ذَكَرَهُ الحافِظُ.
    وقد اخْتُلِفَ في مَحَلِّ هذهِ الطائفةِ؛ فقالَ
    ابنُ بَطَّالٍ: (إنَّها تَكونُ في بيتِ الْمَقْدِسِ، كما رواهُ الطبرانيُّ مِنْ حديثِ أبي أُمامةَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ هُمْ؟
    قَالَ:
    ((بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ))).
    وقالَ
    مُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (هُمْ بِالشَّامِ).
    وفي كلامِ
    الطبريِّ ما يَدُلُّ على أنَّهُ لا يَجِبُ أن تَكونَ في الشامِ أوْ في بيتِ الْمَقْدِسِ دائمًا، بلْ قدْ تكونُ في مَوْضِعٍ آخَرَ في بعضِ الأَزْمِنَةِ.
    قلتُ: ويَشهَدُ لهُ الواقعُ وحالُ أهلِ الشامِ وأهلِ بيتِ الْمَقْدِسِ، فإنَّهُم منْ أَزْمِنَةٍ طَويلةٍ لا يُعْرَفُ فيهم مَنْ قامَ بهذا الأَمْرِ بعدَ شيخِ الإِسلامِ
    ابنِ تَيْمِيَّةَ وأصحابِهِ في القَرنِ السابعِ وأَوَّلِ الثامنِ، فإنَّهُم كانوا في زَمانِهم على الحقِّ يَدْعُون إليهِ، ويُنَاظِرونَ عليهِ، ويُجَاهِدونَ فيهِ.
    وقدْ يَجيءُ منْ أمثالِهم بَعْدُ بالشامِ مَنْ يَقومُ مَقامَهم بالدعوةِ إلى الحقِّ والتَّمَسُّكِ بالسُّنَّةِ. واللهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ.
    ومِمَّا يُؤَيِّدُ هذا أنَّ أهلَ الْحَقِّ والسُّنَّةِ في زَمَنِ الأَئِمَّةِ الأربعةِ وتَوافُرِ العلماءِ في ذلكَ الزمانِ وقَبْلَهُ وبَعْدَهُ لمْ يكُونوا في مَحَلٍّ واحدٍ، بلْ هم في غَالبِ الأمصارِ؛ في الشامِ منهم أئِمَّةٌ، وفي الْحِجازِ وفي مِصْرَ، وفي العِراقِ واليَمَنِ، وكلُّهم على الحقِّ يُنَاضِلونَ، ويُجاهِدونَ أَهْلَ الْبِدَعِ، ولهم الْمُصَنَّفاتُ التي صارَتْ أَعلامًا لأَهْلِ السُّنَّةِ، وحُجَّةً على كُلِّ مُبْتَدِعٍ.
    فعلى هذا؛ فهذهِ الطائفةُ قدْ تَجْتَمِعُ وقدْ تَفْتَرِقُ، وقدْ تكونُ في الشَّامِ، وقدْ تكونُ في غيرِهِ؛ فإنَّ حديثَ
    أبي أُمامةَ وقولَ مُعاذٍ لا يُفيدُ حَصْرَها بالشامِ، وإنَّما يُفيدُ أنَّها تَكونُ في الشامِ في بعضِ الأزمانِ لا في كُلِّها.
    وكلُّ جُملةٍ منْ هذا الحديثِ عَلَمٌ منْ أعلامِ النُّبُوَّةِ؛ فإنَّ كُلَّ ما أَخْبَرَ بهِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديثِ وَقَعَ كما أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •