قال الشيخ عبدالرحمن السعدي فى القول السديد
مَقْصودُ هذه الترجمةِ الحذرُ مِن الشرْكِ والخَوْفُ منه،
وأنَّه أَمْرٌ واقِعٌ في هذِه الأمةِ لا مَحَالةَ، والرَّدُّ على من زَعَمَ أنَّ مَن قالَ: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَتَسَمَّى بالإِسلامِ، أنَّه يَبْقَى عَلَى إِسْلاَمِه ولو فَعَلَ ما يُنافِيهِ مِن الاسْتِغاثَةِ بأهلِ القُبُورِ ودُعَائِهِم، وسَمَّى ذلك تَوَسُّلاً لا عبادةً؛ فإنَّ هذا باطلٌ.
فإنَّ الوَثَنَ اسْمٌ جَامِعٌ لكلِّ ما عُبِدَ من دونِ اللهِ،
لا فَرْقَ بَيْنَ الأشْجارِ والأحْجارِ والأبْنِيةِ، ولا بَيْنَ الأنبياءِ والصالحينَ والطالِحِينَ في هذا المَوْضِعِ وهو العبادةُ؛ فإنَّها حَقُّ اللهِ وحدَه.
فمَن دَعَا غَيْرَ اللهِ أو عَبَدَهُ فَقَد اتَّخذَه وثنًا وخَرَجَ بذلك عن الدِّينِ، ولَمْ يَنْفَعْهُ انْتِسابُه إلى الإِسلامِ، فكم انْتَسَبَ إلى الإِسلامِ مِن مشركٍ ومُلْحِدٍ وكافرٍ منافقٍ.
والعِبْرَةُ بِرُوحِ الدِّينِ وحَقِيقَتِه، لاَ بِمُجَرَّدِ الأسامِي، والألفاظِ التي لاَ حَقِيقَةَ لَهَا.-----------------------------------------------------------------قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن فى فتح المجيد -
قولُهُ: ((وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ حَيٌّ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِين َ))
وفي روايَةِ
أبي دَاوُدَ: ((حَتَّى يَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكينَ)) والمعنى: أنَّهُم يَكونونَ معهم ويَرْتَدُّونَ برَغْبَتِهم عنْ أَهْلِ الإِسلامِ ويَلحقونَ بأَهْلِ الشِّرْكِ.
قولُهُ: ((حَتَّى تَعْبُدَ فِئَامٌ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ))
وفي روايَةِ
أبي دَاوُدَ: ((وَحتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ)).
وهذا هوَ شاهِدُ الترجمةِ؛ ففيهِ الرَّدُّ على مَنْ قالَ بخِلافِهِ مِنْ عُبَّادِ القُبورِ الجاحدينَ لِمَا يَقَعُ منهم من الشِّرْكِ باللهِ بعِبادَتِهم الأوثانَ، وذلكَ لِجَهْلِهِم بحقيقةِ التوحيدِ وما يُنَاقِضُهُ من الشِّرْكِ والتنديدِ؛ فالتوحيدُ هوَ أَعْظَمُ مَطلوبٍ، والشِّرْكُ هوَ أَعظَمُ الذنوبِ.
وفي معنى هذا الحديثِ ما في (الصحيحيْنِ) عنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلْيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ)).
قَالَ: ((وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ)) ورَوَى ابنُ حِبَّانَ عنْ مَعْمَرٍ قالَ: إِنَّ عَلَيْهِ الآنَ بَيْتًا مَبْنِيًّا مُغْلَقًا.
قالَ العَلاَّمَةُ ابنُ الْقَيِّمِ في قِصَّةِ هَدْمِ اللاَّتِ لَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقيفٌ: فيهِ أنَّهُ لا يَجُوزُ إِبْقَاءُ مَواضِعِ الشِّرْكِ والطواغيتِ بعدَ القُدْرَةِ على هَدْمِها وإِبْطَالِها يَوْمًا واحدًا.
وكذلكَ حُكْمُ الْمَشَاهِدِ التي بُنِيَتْ على الْقُبُورِ، والتي اتُّخِذَتْ أوثانًا تُعْبَدُ منْ دُونِ اللهِ؛ والأحجارُ التي تُقْصَدُ للتَّبَرُّكِ والنَّذْرِ، لا يَجوزُ إبقاءُ شيءٍ منها على وَجْهِ الأرضِ معَ الْقُدْرَةِ على إِزالتِها، وكَثيرٌ منها بِمَنْزِلَةِ اللاَّتِ والْعُزَّى ومَناةَ، أوْ أَعظمَ شِرْكًا عندَها وَبِهَا.
فاتَّبَعَ هؤلاءِ سَنَنَ مَنْ كانَ قَبْلَهم، وسَلَكُوا سَبيلَهم حَذْوَ القُذَّةِ بالْقُذَّةِ، وغَلَبَ الشِّرْكُ على أَكثرِ النُّفُوسِ لظُهورِ الجَهْلِ وخَفاءِ العِلْمِ، وصارَ المعروفُ مُنْكَرًا والْمُنْكَرُ مَعروفًا، والسُّنَّةُ بِدْعَةً والْبِدْعَةُ سُنَّةً.
وطُمِسَت الأعلامُ،
واشْتَدَّتْ غُربةُ الإِسلامِ، وقَلَّ العُلماءُ، وغَلَبَ السُّفهاءُ، وتَفَاقَمَ الأَمْرُ، واشْتَدَّ البأسُ؛ وظَهَرَ الفَسادُ في الْبَرِّ والبَحْرِ بما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ.
ولكنْ لا تَزالُ طائفةٌ من العِصابةِ الْمُحَمَّدِيَّ ةِ بالحقِّ قَائِمِينَ؛ ولأهلِ الشرْكِ والبِدَعِ مُجاهِدِينَ، إلى أنْ يَرِثَ اللهُ الأَرْضَ ومَنْ عَلَيْهَا وهوَ خَيْرُ الوارثينَ، انتهى مُلَخَّصًا.
قُلْتُ: فإذا كانَ هذا في القرنِ السابعِ وقَبْلَهُ، فَمَا بَعدَهُ أَعظَمُ فَسادًا كما هوَ الوَاقعُ.
قولُهُ: ((وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلاَثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ)).
قالَ القُرطبيُّ: (وقدْ جاءَ عَدَدُهم مُعَيَّنًا في حديثِ حُذيفةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ؛ مِنْهُمْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ)) أخْرَجَهُ أبو نُعَيْمٍ.
وقالَ: هذا حَديثٌ غريبٌ) انتهى.
وحديثُ ثَوْبَانَ أَصَحُّ منْ هذا.
قالَ القاضي عِياضٌ: (عُدَّ مَنْ تَنَبَّأَ مِنْ زَمَنِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الآنَ مِمَّن اشْتُهِرَ بذلكَ وَعُرِفَ واتَّبَعَهُ جَماعةٌ على ضَلالةٍ، فَوُجِدَ هذا العَدَدُ فيهم، ومَنْ طالَعَ كُتُبَ الأخبارِ والتواريخِ عَرَفَ صِحَّةَ هذا).
وقالَ الحافظُ: (وقدْ ظَهَرَ مِصْدَاقُ ذلكَ في زَمَنِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ باليَمامةِ، والأسودُ العَنْسِيُّ باليَمَنِ.
وفي خِلافةِ أبي بَكْرٍ: طُلَيْحَةُ بنُ خُوَيْلِدٍ في بني أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ، وسَجَاحِ في بني تَميمٍ.
وَقُتِلَ الأسودُ قبلَ أنْ يَموتَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقُتِلَ مُسَيْلِمَةُ في خِلافةِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وتَابَ طُلَيْحَةُ وماتَ على الإِسلامِ في زَمَنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ونُقِلَ أنَّ سَجَاحِ تَابَتْ أيضًا.
ثمَّ خَرَجَ الْمُخْتَارُ بنُ أبي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ وغَلَبَ على الكُوفةِ في أَوَّلِ خِلافةِ ابنِ الزُّبَيْرِ.
فَأَظْهَرَ مَحَبَّةَ أهلِ البيتِ ودَعَا الناسَ إلى طَلَبِ قَتَلَةِ الْحُسينِ، فتَتَبَّعَهُم فقَتَلَ كثيرًا مِمَّنْ باشَرَ ذلكَ؛ وأَعانَ عليهِ، فأَحَبَّهُ الناسُ، ثمَّ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وزَعَمَ أنَّ جِبريلَ عليهِ السلامُ يَأْتِيهِ.
ومنهم الْحَارِثُ الكَذَّابُ، خَرَجَ في خِلافةِ عبدِ الْمَلِكِ بنِ مَرْوانَ فَقُتِلَ، وخَرَجَ في خِلافةِ بني العَبَّاسِ جَماعةٌ.
وليسَ الْمُرادُ بالحديثِ مَن ادَّعَى النُّبُوَّةَ مُطْلَقًا؛ فإنَّهُم لا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً؛ لكونِ غالِبِهم يَنْشَأُ عنْ جُنونٍ أوْ سَوْدَاءَ، وإنَّما المرادُ مَنْ قامَتْ لهُ شَوكةٌ، وبَدَا لهُ شُبْهَةٌ كمَنْ وَصَفْنَا.
وقدْ أَهْلَكَ اللهُ تعالى مَنْ وَقَعَ لهُ منهم ذلكَ، وبَقِيَ منهم مَنْ يُلْحِقُهُ بأصحابِهِ، وآخِرُهم الدَّجَّالُ الأَكْبَرُ.
قولُهُ: ((وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ)) قالَ الحسَنُ: (خاتَمُ: الذي خُتِمَ بهِ؛ أيْ: أنَّهُ آخِرُ النَّبِيِّينَ، كما قالَ تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَـكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[الأحزاب: 40] وإنَّما يَنْـزِلُ عِيسَى ابنُ مَريمَ في آخِرِ الزمانِ حاكِمًا بشريعةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَلِّيًا إلى قِبْلَتِهِ، فهوَ كأَحَدِ أُمَّتِهِ، بلْ هوَ أَفْضَلُ هذهِ الأُمَّةِ، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَنْزِلَنَّ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ)).
قولُهُ: ((وَلاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورَةً لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ)) قالَ يَزيدُ بنُ هَارونَ وأحمدُ بنُ حَنْبَلٍ: (إِنْ لَمْ يَكُونوا أهلَ الحديثِ، فلا أَدْرِي مَنْ هُمْ؟).
قالَ ابنُ الْمُبَارَكِ، وعليُّ بنُ الْمَدِينِيِّ، وأحمدُ بنُ سِنانٍ، والبخاريُّ، وغيرُهم: (إنَّهُم أهلُ الحديثِ).
وعن ابنِ الْمَدِينِيِّ روايَةٌ: (هُم الْعَرَبُ) واسْتَدَلَّ برِوايَةِ مَنْ رَوَى: ((هُمْ أَهْلُ الْغَرْبِ)) وَفَسَّرَ الغَرْبَ بِالدَّلْوِ العَظِيمَةِ؛ لأنَّ العَرَبَ هم الذينَ يَسْتَقُونَ بها.
قالَ النَّوَوِيُّ: (يَجوزُ أنْ تَكُونَ الطائفةُ جماعةً مُتَعَدِّدَةً منْ أنواعِ المؤمنينَ ما بينَ شُجاعٍ وبَصيرٍ بالْحَرْبِ، وفقيهٍ ومُحَدِّثٍ ومُفَسِّرٍ؛ وقائمٍ بالأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن الْمُنْكَرِ، وزاهِدٍ وعابِدٍ).
ولا يَلْزَمُ أن يكونوا مُجْتَمِعِينَ في بَلَدٍ واحدٍ؛ بلْ يَجوزُ اجْتِمَاعُهُم في قُطْرٍ واحدٍ، وافْتِرَاقُهم في أقطارِ الأرضِ، ويَجوزُ أنْ يَجْتَمِعُوا في البلَدِ الواحدِ وأنْ يكُونُوا في بعضٍ دونَ بعضٍ منهُ، ويَجوزُ إخلاءُ الأرضِ منْ بعضِهم أوَّلاً فأوَّلاً إلى أنْ لا يَبْقَى إلاَّ فِرقةٌ وَاحدةٌ ببَلَدٍ واحدٍ، فإذا انْقَرَضُوا جاءَ أَمْرُ اللهِ) انتهَى مُلَخَّصًا معَ زِيادةٍ فيهِ، قالَهُ الحافِظُ.
قالَ القُرْطُبِيُّ: (وفيهِ دَليلٌ على أنَّ الإجماعَ حُجَّةٌ؛ لأنَّ الأُمَّةَ إذا اجْتَمَعَتْ فقدْ دَخَلَ فيهم الطائفةُ المنصورةُ).
قالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: (وفيهِ الآيَةُ العَظيمةُ: أنَّهُم معَ قِلَّتِهِم لا يَضُرُّهُم مَنْ خَذَلَهم ولا مَنْ خَالَفَهم، والبِشارةُ بأنَّ الْحَقَّ لا يَزولُ بالْكُلِّيَّةِ) قُلْتُ: واحْتَجَّ بهِ الإمامُ أحمدُ على أنَّ الاجتهادَ لا يَنْقَطِعُ ما دَامَتْ هذهِ الطائفةُ مَوجودةً.
قولُهُ: ((حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ)) الظاهِرُ أنَّ المرادَ بهِ ما رُوِيَ مِنْ قَبْضِ مَنْ بَقِيَ مِن المؤمنينَ بالريحِ الطَّيِّبَةِ؛ ووُقوعِ الآياتِ العِظامِ، ثمَّ لا يَبْقَى إلاَّ شِرارُ الناسِ، كما رَوَى الحاكِمُ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ قالَ: (لاَ تَقُومُ الساعةُ إلاَّ على شِرارِ الْخَلْقِ، هُم شَرُّ أهلِ الْجَاهليَّةِ).
فقالَ عُقبةُ بنُ عامرٍ لعبدِ اللهِ: (أَعْلَمُ ما تَقولُ، وأمَّا أنا فسَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ:((لاَ تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ))).
قالَ عبدُ اللهِ: (وَيَبْعَثُ اللهُ رِيحًا رِيحُها الْمِسْكُ، ومَسُّها مَسُّ الحريرِ، فلا تَتْرُكُ أَحَدًا في قَلْبِهِ مِثقالُ ذَرَّةٍ منْ إيمانٍ إلاَّ قَبَضَتْهُ، ثمَّ يَبْقَى شِرارُ الناسِ، فعليهم تَقومُ الساعةُ).
وفي (صحيحِ مسلِمٍ): ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللهُ اللهُ)).
وعلى هذا؛ فالمرادُ بقولِهِ في حديثِ عُقبةَ وما أَشْبَهَهُ: ((حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ)) ساعتُهم، وهيَ وقتُ مَوْتِهم بِهُبوبِ الريحِ، ذَكَرَهُ الحافِظُ.
وقد اخْتُلِفَ في مَحَلِّ هذهِ الطائفةِ؛ فقالَ ابنُ بَطَّالٍ: (إنَّها تَكونُ في بيتِ الْمَقْدِسِ، كما رواهُ الطبرانيُّ مِنْ حديثِ أبي أُمامةَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ هُمْ؟
قَالَ:((بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ))).
وقالَ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (هُمْ بِالشَّامِ).
وفي كلامِ الطبريِّ ما يَدُلُّ على أنَّهُ لا يَجِبُ أن تَكونَ في الشامِ أوْ في بيتِ الْمَقْدِسِ دائمًا، بلْ قدْ تكونُ في مَوْضِعٍ آخَرَ في بعضِ الأَزْمِنَةِ.
قلتُ: ويَشهَدُ لهُ الواقعُ وحالُ أهلِ الشامِ وأهلِ بيتِ الْمَقْدِسِ، فإنَّهُم منْ أَزْمِنَةٍ طَويلةٍ لا يُعْرَفُ فيهم مَنْ قامَ بهذا الأَمْرِ بعدَ شيخِ الإِسلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ وأصحابِهِ في القَرنِ السابعِ وأَوَّلِ الثامنِ، فإنَّهُم كانوا في زَمانِهم على الحقِّ يَدْعُون إليهِ، ويُنَاظِرونَ عليهِ، ويُجَاهِدونَ فيهِ.
وقدْ يَجيءُ منْ أمثالِهم بَعْدُ بالشامِ مَنْ يَقومُ مَقامَهم بالدعوةِ إلى الحقِّ والتَّمَسُّكِ بالسُّنَّةِ. واللهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ.
ومِمَّا يُؤَيِّدُ هذا أنَّ أهلَ الْحَقِّ والسُّنَّةِ في زَمَنِ الأَئِمَّةِ الأربعةِ وتَوافُرِ العلماءِ في ذلكَ الزمانِ وقَبْلَهُ وبَعْدَهُ لمْ يكُونوا في مَحَلٍّ واحدٍ، بلْ هم في غَالبِ الأمصارِ؛ في الشامِ منهم أئِمَّةٌ، وفي الْحِجازِ وفي مِصْرَ، وفي العِراقِ واليَمَنِ، وكلُّهم على الحقِّ يُنَاضِلونَ، ويُجاهِدونَ أَهْلَ الْبِدَعِ، ولهم الْمُصَنَّفاتُ التي صارَتْ أَعلامًا لأَهْلِ السُّنَّةِ، وحُجَّةً على كُلِّ مُبْتَدِعٍ.
فعلى هذا؛ فهذهِ الطائفةُ قدْ تَجْتَمِعُ وقدْ تَفْتَرِقُ، وقدْ تكونُ في الشَّامِ، وقدْ تكونُ في غيرِهِ؛ فإنَّ حديثَ أبي أُمامةَ وقولَ مُعاذٍ لا يُفيدُ حَصْرَها بالشامِ، وإنَّما يُفيدُ أنَّها تَكونُ في الشامِ في بعضِ الأزمانِ لا في كُلِّها.
وكلُّ جُملةٍ منْ هذا الحديثِ عَلَمٌ منْ أعلامِ النُّبُوَّةِ؛ فإنَّ كُلَّ ما أَخْبَرَ بهِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديثِ وَقَعَ كما أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.