تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 21

الموضوع: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    للمذاكرة:
    هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    للمذاكرة:

    نعم بارك الله فيك - فضل طلب العلم ومذاكرته وردت فيه احاديث كثيرة صحيحة ،
    - منها ما رواه الترمذي (2682) عن أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ العِلْمِ ) .
    صححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
    - ومنها ما رواه مسلم ( 2699 ) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ) . ----قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، فأسند الرفع إليه جل وعلا وتكفل به، والله تعالى لا يخلف وعده؛ فمن طلب العلم بنية صالحة حصل له من الرفعة -بإذن الله عز وجل- بقدر ما آتاه الله عز وجل من العلم.
    . وقال الله تعالى:
    {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.
    . وقال تعالى
    : {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
    . بل أمر الله عز وجل نبيه أن يسأله الزيادة من العلم كما قال تعالى:
    {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، وفي ذلك من التنبيه على فضل العلم وعظم شأنه ما هو ظاهر بيّن.
    . وفي الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)).
    والتفقه في الدين يشمل التفقه في جميع أبوابه: في الاعتقاد، والأحكام، والأخلاق، والآداب، والتزكية، والجزاء، وغيرها؛ فكل ذلك من الفقه في الدين.
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عَنْه أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((ومَن سَلَكَ طريقًا يَلْتَمِسُ فيه علمًا سَهَّلَ اللَّهُ لهُ طريقًا إِلى الجنَّةِ)) رواه مسلم.
    . وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
    ((مَثل مَا بَعَثَني اللَّهُ بهِ من الهدى والعِلمِ كمَثَلِ غَيْثٍ أصابَ أَرْضًا؛ فكانَتْ منها طائِفَةٌ طيّبَةٌ قَبِلَت المَاءَ؛ فأَنْبَتَت الكَلَأَ والعُشْبَ الكثِيرَ، وكانَ منْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَت الماءَ فنَفَعَ اللَّهُ بها النَّاسَ؛ فَشَرِبُوا منها وَسَقَوا وَزَرَعَوا وأَصَابَ طائفةً منها أخرى إِنَّمَا هيَ قِيعان، لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً؛ فذلك مَثَلُ مَن فَقُهَ في دِينِ اللَّهِ ونَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَن لمْ يرفعْ بذلكَ رَأْسًا، ولمْ يَقبلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ)) متفق عليه.
    .
    وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((منْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجنَّةِ، وَإِنَّ الملائكةَ لَتَضَعُ أجنحتَها لطالبِ العلمِ رِضًا بما يَصنعُ وإِنَّ العالِمَ لَيَسْتغفِرُ لَهُ مَن في السَّماواتِ ومن في الأرضِ حتَّى الحيتَانُ في الماءِ، وَفَضْل العالِم علَى العابِدِ كَفَضْلِ القمرِ على سَائرِ الكوَاكبِ وإِنَّ العلماءَ ورثةُ الأَنبياءِ، وَإِنَّ الأنبِيَاءَ لمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وإِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)) رواه أبو دواد والترمذي.
    وهذا الحديث الجليل العظيم فيه بيانٌ ظاهرٌ لفضل العلم والحث على طلبه، وقد ذكر ابن عبد البر في التمهيد أن استغفار الملائكة دليلٌ على أن الله يغفر له -إن شاء الله- وقال:
    (ألا ترى أن طلب العلم من أفضل الأعمال، وإنما صار كذلك -والله أعلم- لأن الملائكة تضع أجنحتها له بالدعاء والاستغفار). -----------------------
    ولأئمة الهدى من علماء هذه الأمة أقوال مأثورة، ووصايا مشهورة، في بيان فضل العلم والحثّ عليه ومذاكرته ، منها:
    . ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه قال:
    (ما عُبد الله بمثل الفقه)
    . وقال مُطّرف بن عبد الله بن الشخّير:
    (فضلُ العلمِ أحبُّ إليَّ من فضل ِالعبادةِ، وخيرُ دِينكم الورَعُ) رواه الإمام أحمد في الزهد.
    . وقال سفيان الثوري:
    (ما أعلم عملًا أفضل من طلب العلم وحفظه لمن أراد الله به خيرًا) رواه الدارمي.
    . وروى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله عن عبد الله بن المبارك أنه قال: قال لي سفيان الثوري:
    (ما يُراد الله عز وجل بشيء أفضل من طلب العلم، وما طلب العلم في زمان أفضل منه اليوم).
    وقد صدق رحمه الله؛ فنحن اليوم - بعد قرون متطاولة مضت دون قرنهم - إنما نتعلم العلم مما ورّثوه لنا من العلم رواية ودراية؛ فعنهم نتلقَّى مسائل الاعتقاد، وعنهم نتلقَّى مسائل الفقه، وعنهم نتلقَّى معرفة صحيح الحديث من ضعيفه، ومن تُقبل روايته ومن تُرد، وعنهم نتلقَّى العلم بالأخلاق الفاضلة والتزكية والسلوك،
    ومن صفات العلماء الربانيّين أن يجدهم طالب العلم فيما يحتاج إليه من أبواب الدين أئمة يقتدى بهم.
    . روى البيهقي بإسناده إلى الربيع بن سليمان المرادي أنه قال: سمعت الشافعي يقول:
    (ليس بعد أداء الفرائض شيء أفضل من طلب العلم، قيل له: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله).
    . وروى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله والقاضي عياض في الإلماع عن الربيع بن سليمان أنه قال: سمعت الشافعي يقول: « من حفظ القرآن عظمت حرمته، ومن طلب الفقه نبل قدره، ومن وعى الحديث قويت حجته، ومن نظر في النحو رقَّ طَبْعُه، ومن لم يصن نفسه لم يصنه العلم »
    . وقال مهنا بن يحيى السُلمي: قلت: لأحمد بن حنبل ما أفضل الأعمال؟

    قال:
    (طلب العلم لمن صحت نيته)
    قلت: وأي شيء تصحيح النية؟
    قال: (ينوي يتواضع فيه، وينفي عنه الجهل).

    . ونقل ابن هانئ في مسائله عن الإمام أحمد أنه قال:
    (العلم لا يعدله شيء).
    . وساق ابن بطال بسنده إلى يحيى بن يحيى الليثي -وهو تلميذ الإمام مالك-، أنه قال: (أوَّل ما حدثني مالك بن أنس حين أتيته طالبًا لما ألهمني الله إليه في أول يوم جلستُ إليه، قال لي: (اسمك؟)
    قلت: أكرمك الله يحيى.
    وكنتُ أحدثَ أصحابي سنًا ؛ فقال لي: (
    يا يحيى! اللهَ اللهَ، عليك بالجدّ في هذا الأمر، وسأحدّثك في ذلك بحديثٍ يرغّبك فيه، ويزهّدك في غيره).
    قال: (قدم المدينة غلامٌ من أهل الشامِ بحداثةِ سنّك، فكان معنا يجتهد ويطلب حتى نزلَ به الموت، فلقد رأيتُ على جنازته شيئًا لم أرَ مثله على أحدٍ من أهل بلدنا، لا طالبٍ ولا عالمٍ، فرأيت جميعَ العلماء يزدحمون على نَعْشه؛ فلمَّا رأى ذلك الأمير، أمسك عن الصلاة عليه، وقال: قدّموا منكم من أحببتم؛ فقدّم أهلُ العلم ربيعة، ثم نهض به إلى قبره).
    قال مالك: (فألحده في قبره ربيعةُ، وزيدُ بن أسلم، ويحيى بن سعيد، وابنُ شهاب، وأقرب الناس إليهم: محمد بن المنذر، وصفوان بن سليم، وأبو حازم وأشباههم، وبنى اللّبِن على لحده ربيعة، وهؤلاء كلهم يناولونه اللّبِن!).

    فهؤلاء علماء المدينة، وأشرافهم، وكبراؤهم من العلماء والعباد ازدحموا على جنازة هذا الغلام الشاب فما سرُّ هذا الغلام الذي مات وهو يطلب العلم؟!!
    قال الإمام مالك:
    (فلما كان اليوم الثالث من يوم دفنه، رآه رجلٌ من خيار أهل بلدنا في أحسن صورة غلام أمرد، وعليه بياض، متعمّم بعمامة خضراء، وتحته فرس أشهب نازل من السماء؛ فكأنه كان يأتيه قاصدًا ويسلّم عليه، ويقول: هذا بلّغني إليه العلم؛ فقال له الرجل: وما الذي بلّغك إليه؟
    فقال: أعطاني الله بكل باب تعلّمته من العلم درجةً في الجنة، فلم تبلغ بي الدرجات إلى درجة أهل العلم - لأنه مات صغيًرا-، فقال الله تعالى: زيدوا ورثة أنبيائي، فقد ضمنت على نفسي أنه من مات وهو عالم سنتي -أو سنة أنبيائي- أو طالب لذلك، أن أجمعهم في درجة واحدة؛ فأعطاني ربي حتى بلغت إلى درجة أهل العلم، وليس بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا درجتان، درجة هو فيها جالس وحوله النبيون كلهم، ودرجة فيها جميع أصحابه، وجميع أصحاب النبيين الذين اتبعوهم، ودرجة من بعدهم فيها جميع أهل العلم وطلبته، فسيرني حتى استوسطتهم، فقالوا لي: مرحبًا، مرحبًا، سوى ما لي عند الله من المزيد.
    فقال له الرجل: ومالك عند الله من المزيد؟!!
    قال: وعدني أن يحشر النبيين كلهم كما رأيتهم في زمرة واحدة، فيقول: يا معشر العلماء، هذه جنتي قد أبحتها لكم، وهذا رضواني قد رضيت عنكم، فلا تدخلوا الجنة حتى تتمنوا وتشفعوا، فأعطيكم ما شئتم، وأُشَفّعكم في من استشفعتم له، ليرى عبادي كرامتكم عليّ، ومنزلتكم عندي.
    فلما أصبح الرجل حدَّث أهل العلم، وانتشر خبره بالمدينة).
    قال مالك: (كان بالمدينة أقوام بدؤوا معنا في طلب هذا الأمر ثم كفّوا عنه، حتى سمعوا هذا الحديث؛ فلقد رجعوا إليه، وأخذوا بالحزم، وهم اليوم من علماء بلدنا، اللهَ اللهَ يا يحيى، جدّ في هذا الأمر).
    وهذه الرؤيا العجيبة ذكرها –كما أسلفت- ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري.
    . ونقل النووي في المجموع اتفاق السلف على أن الاشتغال بالعلم أفضل من الاشتغال بنوافل الصوم والصلاة والتسبيح ونحو ذلك من نوافل العبادات.

    فهذه الآثار عن السلف الصالح - وغيرها كثير - تدلُّ على معرفتهم بفضل العلم، وإدراكهم هذه الحقيقة الجليلة؛ فلذلك شمّروا عن ساعد الجد في طلب العلم حتى أدركوا ما أدركوا بفضل الله عز وجل من العلم النافع الذي وصلنا نفعه بفضل الله تعالى.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة

    هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟
    اختلف الفقهاء في حكم من حج، ثم ارتد، ثم تاب، فذهب المالكية، والحنفية إلى أنه ‏تجب عليه إعادة الحج، وكذا الحنابلة في رواية عندهم، ولا يجب عليه قضاؤه عند ‏الشافعية، وهو الصحيح عند الحنابلة، قالوا: لأن ذمته قد برئت بفعله قبل الردة، ولأن ‏الردة لو أسقطت حجه، وأبطلته؛ لأبطلت سائر عباداته المفعولة قبل ردته، ولأن الردة ‏وإن كانت تحبط ثواب العمل، فلا يلزم من سقوط ثواب العمل سقوط العمل؛ بدليل ‏أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة مسقطة للقضاء، ولا ثواب فيها عند أكثر ‏العلماء. ومنشأ الخلاف في مسألة وجوب قضاء حجة الفرض على المرتد، هو الخلاف ‏في المراد من قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ... [الزمر:65]، فمن حمل ‏الآية على الإطلاق، كمالك، ومن وافقه، رأى أن العمل قد بطل بمجرد الشرك، فكأنّ ‏المرتد الذي قد حج، أتى بما يبطل حجه، فيتبقى الحج في ذمته.
    أما الشافعي، ومن وافقه، ‏فقد حمل المطلق من الآية المتقدمة على المقيد من قوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة:217]‏، فحبوط العمل هنا معلق على حصول أمرين: الردة، والموت عليها. والمعلق ‏على أمرين لا يتم إلا بهما، ونظير ذلك قوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ {النساء:6}، فمن دفعها لهم بعد بلوغ النكاح وقبل ‏إيناس الرشد، كان مفرطًا ضامنًا، وكذلك قوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222]، فقد ‏علق الوطء على الطهر، أي: انقطاع الدم، وجفاف المحل، وعلى التطهر، أي: الاغتسال ‏بالماء، فلو طهرت ولم تتطهر، لم يجز أن توطأ.
    وبهذا يعلم أن الراجح في المسألة هو ما ‏ذهب إليه الشافعي، ومن وافقه من أن المرتد إذا عاد إلى الإسلام، لا يجب عليه إعادة ‏الحج؛ إن كان قد حج.‏[ المصدر الاسلام سؤال وجواب]

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    يقول السائل : حج شخص قبل مدة ثم ارتد عن الإسلام وبقي مرتداً مدة من الزمن ثم هداه الله وعاد الآن إلى الإسلام وندم على ما حصل منه ويسأل عن حجته التي حجها هل تعد مسقطة لحجة الإسلام أم يلزمه أن يحج مرة أخرى ؟

    الجواب : الردة هي خروج المسلم عن الإسلام وكفره به والعياذ بالله وقد اختلف أهل العلم في إحباط العمل بالردة واختلفوا في تفسير الآيات الواردة في ذلك . يقول الله تعالى :(ومن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) سورة البقرة الآية 217 . ويقول الله تعالى :( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) سورة المائدة الآية 5 . فمن العلماء من قال إن الردة التي تحبط الأعمال وتبطلها هي الردة المستمرة حتى الوفاة بأن يموت الشخص على الكفر لما في الآية الكريمة ( فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ) فإذا لم يمت على الكفر بأن عاد إلى الإسلام فإن ثواب عمله يحبط ولا يطالب بإعادة العمل .ومنهم من رأى أن الأعمال تبطل بمجرد الارتداد لقول الله تعالى :( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) . والمراد بحبوط الأعمال :[ أي صارت أعمالهم الحسنة التي عملوها في حالة الإسلام فاسدة بمنزلة ما لم تكن . قيل وأصل الحبط فساد يلحق الماشية بأكل الحباط وهو ضرب من الكلأ مضر وفي النهاية أحبط الله تعالى عمله أبطله ، يقال : حبط عمله وأحبط وأحبطه غيره وهو من قولهم حبطت الدابة حبطاً بالتحريك إذا أصابت مرعى طيباً فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت وقرء حبطت بالفتح وهو لغة فيه ] تفسير الألوسي 1/505 . قال الإمام النووي :[ ومن حج ثم ارتد ثم أسلم لم يلزمه الحج بل يجزئه حجته السابقة عندنا وقال أبو حنيفة وآخرون يلزمه الحج ومبنى الخلاف على أن الردة متى تحبط العمل ؟ فعندهم تحبطه في الحال سواء أسلم بعدها أم لا فيصير كمن لم يحج . وعندنا لا تحبطه إلا إذا اتصلت بالموت لقوله تعالى : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) ] المجموع 7/9 . وقال الإمام النووي أيضاً :[ إذا صلى المسلم ثم ارتد ثم أسلم ووقت تلك الصلاة باق لم يجب إعادتها وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه يجب والمسألة مبنية على أصل سبق وهو أن عندنا لا تبطل الأعمال بالردة إلا أن تتصل بالموت وعندهم يبطل بنفس الارتداد احتجوا بقول الله تعالى :( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) واحتج أصحابنا بقول الله تعالى :( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) فعلق الحبوط بشرطين الردة والموت عليها والمعلق بشرطين لا يثبت بأحدهما والآية التي احتجوا بها مطلقة وهذه مقيدة فيحمل المطلق على المقيد ، قال الشافعي والأصحاب يلزم المرتد إذا أسلم أن يقضي كل ما فاته في الردة أو قبلها وهو مخاطب في حال الردة بجميع ما يخاطب به المسلم وإذا أسلم لا يلزمه إعادة ما كان فعله قبل الردة من حج وصلاة وغيرهما والله أعلم ] المجموع 3/5 . وقال الإمام ابن العربي المالكي :[ اختلف العلماء رحمة الله عليهم في المرتد هل يحبط عمله نفس الردة أم لا يحبط إلا على الموافاة على الكفر ؟ فقال الشافعي : لا يحبط له عمل إلا بالموافاة كافراً وقال مالك يحبط بنفس الردة ويظهر الخلاف في المسلم إذا حج ثم ارتد ثم أسلم فقال مالك : يلزمه الحج لأن الأول قد حبط بالردة. وقال الشافعي : لا إعادة عليه لأن عمله باق ، واستظهر عليه علماؤنا بقول الله تعالى :( لَئِنْ أَشْرَكْتَ ليَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) وقالوا : هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته لأنه صلى الله عليه وسلم يستحيل منه الردة شرعاً ، وقال أصحاب الشافعي : بل هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على طريق التغليظ على الأمة وبيان أن النبي صلى الله عليه وسلم على شرف منزلته لو أشرك لحبط عمله فكيف أنتم ؟ لكنه لا يشرك لفضل مرتبته ، كما قال الله تعالى : ( يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ) وذلك لشرف منزلتهن وإلا فلا يتصور إتيان فاحشة منهن صيانة لصاحبهن المكرم المعظم ، قال ابن عباس حين قرأ :( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) والله ما بغت امرأة نبي قط ولكنهما كفرتا. وقال علماؤنا : إنما ذكر الموافاة شرطاً هاهنا لأنه علق عليها الخلود في النار جزاءً فمن وافى كافراً خلّده الله في النار بهذه الآية ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى ، فهما آيتان مفيدتان لمعنيين مختلفين وحكمين متغايرين وما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم فهو لأمته حتى يثبت اختصاصه به وما ورد في أزواجه صلى الله عليه وسلم فإنما قيل ذلك فيهن ليبين أنه لو تصور لكان هتكاً لحرمة الدين وحرمة النبي صلى الله عليه وسلم ولكل هتك حرمة عقاب وينزل ذلك منزلة من عصى في شهر حرام أو في البلد الحرام أو في المسجد الحرام فإن العذاب يضاعف عليه بعدد ما هتك من الحرمات والله الواقي لا رب غيره ] أحكام القرآن 1/147-148 ، وانظر تفسير القرطبي 3/48- 49 . وقال الألوسي :[ واستدل الشافعي بالآية على أن الردة لا تحبط الأعمال حتى يموت عليها وذلك بناءً على أنها لو أحبطت مطلقاً لما كان للتقييد بقوله سبحانه :( فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ) فائدة والقول بأن فائدته أن إحباط جميع الأعمال حتى لا يكون له عمل أصلاً موقوف على الموت على الكفر حتى لو مات مؤمناً لا يحبط إيمانه ولا عمل يقارنه وذلك لا ينافي إحباط الأعمال السابقة على الارتداد بمجرد الارتداد مما لا معنى له لأن المراد من الأعمال في الآية الأعمال السابقة على الارتداد إذ لا معنى لحبوط ما لم يفعل فحينئذ لا يتأتى هذا القول كما لا يخفى وقيل بناءً على أنه جعل الموت عليها شرطاً في الإحباط وعند انتفاء الشرط ينتفي المشروط واعترض بأن الشرط النحوي والتعليقي ليس بهذا المعنى بل غايته السببية والملزومية وانتفاء السبب أو الملزوم لا يوجب انتفاء المسبب أو اللازم لجواز تعدد الأسباب ولو كان شرطاً بهذا المعنى لم يتصور اختلاف القول بمفهوم الشرط . وذهب إمامنا أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه إلى أن مجرد الارتداد يوجب الإحباط لقوله تعالى :( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) المائدة الآية 5 . وما استدل به الشافعي ليس صريحاً في المقصود لأنه إنما يتم إذا كان جملة :( وأؤلئك ) الخ ، تذييلاً معطوفاً على الجملة الشرطية وأما لو كانت معطوفة على الجزاء وكان مجموع الإحباط والخلود في النار مرتباً على الموت على الردة فلا نسلم تماميته ومن زعم ذلك اعترض على الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه بأن اللازم عليه حمل المطلق على المقيد عملاً بالدليلين وأجيب بأن حمل المطلق على المقيد مشروط عنده بكون الإطلاق والتقييد في الحكم واتحاد الحادثة وما هنا في السبب فلا يجوز الحمل لجواز أن يكون المطلق سبباً كالمقيد ] تفسير الألوسي 1/505 . وبعد هذا العرض لأقوال العلماء يظهر أن حمل المطلق على المقيد وجيه جداً . قال الشوكاني :[ والواجب حمل ما أطلقته الآيات في غير هذا الموضع على ما في هذه الآية من التقييد ] تفسير فتح القدير 1/218 . وقال الشيخ الشنقيطي :[ ومقتضى الأصول حمل هذا المطلق على هذا المقيد فيقيد إحباط العمل بالموت على الكفر وهو قول الشافعي ومن وافقه خلافاً لمالك القائل بإحباط الردة العمل مطلقاً ] أضواء البيان 2/6 . ومع وجاهة هذا القول وقوته وهو أن الحج السابق على الردة معتبر ولا يلزم إعادته فأقول خروجاً من خلاف أهل العلم أرى أن يحج هذا الشخص مرة أخرى وقد صح في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم :( دع ما يريبك إلا ما لا يريبك ) رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال : حسن صحيح . وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي
    [شبكة ويسألونك]

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    وهنا مسئلة مهمة فى هذا السؤال
    شخص ارتد عن الإسلام ، وكان عليه قبل الردة قضاء صلوات وصوم ، ولم يقضها ، فإذا عاد للإسلام : هل يجب عليه القضاء ؟ أم إنه هدم كل شيء وأصبح بمثابة شخص جديد في الإسلام ؟
    نص الجواب
    الحمد لله
    أولا :
    ليس على المرتد إذا تاب قضاء ما تركه من صلاة أو صيام زمن الردة ؛ لأن التوبة تهدم ما قبلها .
    سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
    هل على المرتد قضاء الصلاة والصيام إذا عاد إلى الإسلام وتاب إلى الله ؟
    فأجاب : " ليس عليه القضاء ، ومن تاب : تاب الله عليه، فإذا ترك الإنسان الصلاة ، أو أتى بناقض من نواقض الإسلام ، ثم هداه الله وتاب : فإنه لا قضاء عليه .
    هذا هو الصواب من أقوال أهل العلم ؛ لأن الإسلام يجب ما قبله ، والتوبة تهدم ما كان قبلها ...
    قال الله سبحانه وتعالى: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) ؛ فبين الله سبحانه وتعالى أن الكافر إذا أسلم غفر الله له ما قد سلف .
    والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( التوبة تجب ما قبلها، والإسلام يهدم ما كان قبله ) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (29/ 196) .
    ثانيا :
    أما إن كان على المرتد قبل ردته صلاة فائتة أو صوم أو زكاة : فإنه يلزمه القضاء ، في قول جمهور أهل العلم .
    جاء في "الموسوعة الفقهية" (22 /201-202) :
    " فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُرْتَدِّ الَّذِي تَابَ صَلاَةٌ فَائِتَةٌ ، قَبْل رِدَّتِهِ أَوْ صَوْمٌ أَوْ زَكَاةٌ فَهَل يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ؟
    ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّ ةِ وَالْحَنَابِلَة ِ إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ ؛ لأِنَّ تَرْكَ الْعِبَادَةِ مَعْصِيَةٌ ، وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ " انتهى .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    " فَأَمَّا الْمُرْتَدُّ : فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ فِي الرِّدَّةِ مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصِيَامٍ فِي الْمَشْهُورِ ، وَلَزِمَهُ مَا تَرَكَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ فِي الْمَشْهُورِ " .
    انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 /10) .

    والله تعالى أعلم .[ المصدر الاسلام سؤال وجواب]

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    السؤال
    تنص سورة النساء على أن الله لن يقبل إسلام من يكفر أكثر من 3 مرات ، ولن يهديه ، فهل يشمل ذلك ترك الصلاة على سبيل المثال 3 مرات ؟
    نص الجواب
    الحمد للَّه
    القاعدة العظيمة التي يقررها الله سبحانه وتعالى في وحيه ، ويذكر أنها قاعدة الحساب ومبدأ الثواب والعقاب ، أن التوبة تَجُبُّ ما قبلها ، وأن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وأن باب التوبة مفتوح لكل عبد ، ولو وقع في الذنب والكفر مرّاتٍ ومرّاتٍ ، فإنَّ كرمه سبحانه وتعالى ورحمته بعباده اقتضت أن تقبل توبة التائب ويغفر له ذنبه .
    يقول الله عز وجل : ( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ ) الأنفال/38
    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ) رواه مسلم (121)
    كما جاءت الآيات تدل على قبول توبة المرتد إذا عاد إلى الإسلام وصدقت توبته :
    يقول سبحانه وتعالى : ( كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ )
    وبعد ذلك كله قال سبحانه : ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران/86-89

    أما من ارتد ثم ازداد كفرا وطغيانا ، ولم يتب ، ولم يرجع إلى الإسلام ، فهذا هو الذي جاءت الآية في سورة النساء – التي قصدها السائل الكريم – وجاءت آية آل عمران أيضا بعدم قبول توبته .
    يقول سبحانه وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) آل عمران/90-91
    وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ) النساء/137
    يقول ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (1/753) :
    " يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه ، ثم عاد فيه ، ثم رجع واستمر على ضلاله ، وازداد حتى مات ، فإنه لا توبة بعد موته ، ولا يغفر الله له ، ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى ، ولهذا قال : ( لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا ) قال ابن أبي حاتم .. عن ابن عباس في قوله تعالى : ( ثم ازدادوا كفرا ) قال : تمادوا على كفرهم حتى ماتوا . وكذا قال مجاهد " انتهى .
    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (16/28-29) :
    " وهؤلاء الذين لا تقبل توبتهم قد ذكروا فيهم أقوالا :
    قيل لنفاقهم ، وقيل : لأنهم تابوا مما دون الشرك ولم يتوبوا منه ، وقيل لن تقبل توبتهم بعد الموت ، وقال الأكثرون كالحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدى : لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت ، فيكون هذا كقوله ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) النساء/18
    و كذلك قوله ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ) النساء/137
    قال مجاهد وغيره من المفسرين : ( ازدادوا كفرا ) ثبتوا عليه حتى ماتوا .
    قلت ( هو ابن تيمية ) : وذلك لأن التائب راجع عن الكفر ، ومن لم يتب فإنه مستمر ، يزداد كفرا بعد كفر ، فقوله : ( ثم ازدادوا ) بمنزلة قول القائل : ثم أصروا على الكفر ، واستمروا على الكفر ، وداموا على الكفر ، فهم كفروا بعد إسلامهم ، ثم زاد كفرهم وما نقص ، فهؤلاء لا تقبل توبتهم ، وهي التوبة عند حضور الموت ؛ لأن من تاب قبل حضور الموت فقد تاب من قريب ، ورجع عن كفره ، فلم يزدد ، بل نقص ، بخلاف المصر إلى حين المعاينة " انتهى .
    ولم يختلف أهل العلم في أن المرتد إذا صدقت توبته ورجع إلى الإسلام ، فإن الله سبحانه وتعالى يقبله عنده ويغفر له ما قد مضى وسلف ، وإن تكررت ردته .
    هذا بالنسبة لما عند الله تعالى في الآخرة .
    وأما بالنسبة لأحكام الظاهر في الدنيا فقد قال بعض أهل العلم بأن من تكررت ردته فإننا نقتله ولا نقبل توبته ، فالخلاف بين أهل العلم هو في قبول التوبة من حيث أحكام الظاهر ، وليس بالنسبة لما عند الله سبحانه وتعالى .
    يقول ابن قدامة في "المغني" (12/271ط هجر ) :
    " وفي الجملة ، فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم في الظاهر من أحكام الدنيا وترك قتلهم وثبوت أحكام الإسلام في حقهم .
    وأما قبول الله تعالى لها في الباطن ، وغفرانه لمن تاب وأقلع باطنا وظاهرا ، فلا خلاف فيه " انتهى .
    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (16/30) :
    " والفقهاء إذا تنازعوا فى قبول توبة من تكررت ردته أو قبول توبة الزنديق ، فذاك إنما هو فى الحكم الظاهر ؛ لأنه لا يوثق بتوبته ، أما إذا قدر أنه أخلص التوبة لله فى الباطن ، فإنه يدخل فى قوله : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 " انتهى .

    على أن الصحيح من قولي أهل العلم أن توبة من تكررت ردته مقبولة في أحكام الظاهر أيضا ، وتجري عليه أحكام الإسلام ، وهو قول جماهير أهل العلم : الحنفية والشافعية والمشهور عند المالكية ، وآخر قولي أحمد بن حنبل .
    انظر حاشية تبيين الحقائق (3/284) ، فتح القدير (6/68) ، الإنصاف (10/332-335)
    تحفة المحتاج (9/96) ، كشاف القناع (6/177-178) ، "الموسوعة الفقهية" (14/127-128)
    وعزا في المبسوط (10/99-100) لعلي وابن عمر عدم قبول توبة من تكررت ردته .
    وعليه فإن توبة تارك الصلاة مقبولة إذا صدق ، ولو تكرر منه الترك مرات كثيرة ، ولكن على العبد أن يحذر ، فقد تأتيه المنية قبل أن يوفق للتوبة ، وقد يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا قبل الآخرة .
    نسأل الله تعالى أن يرحمنا وإياكم برحمته الواسعة .
    والله تعالى أعلم .[ المصدر الاسلام سؤال وجواب]

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    أحسنت، بارك الله فيك، وننتظر المزيد من النقولات.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    أسلمت على ما أسلفت من خير

    عن حَكِيم بن حِزَامٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيْ رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أُمُوراً كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَفِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ". وفي رواية: عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائة رَقَبَةٍ. وَحَمَلَ عَلَى مِائَة بَعِيرٍ. ثُمَّ أَعْتَقَ فِي الإِسْلاَمِ مِائَةَ رَقَبَةٍ. وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ. وفي رواية لمسلم: قال حكيم: قُلْتُ: فَوَالله! لاَ أَدَعُ شَيْئا صَنَعْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلاَّ فَعَلْتُ فِي الإِسْلاَمِ مِثْلَهُ.
    [البقرة: 275] 1. "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ"، هل يثاب الكافر إذا أسلم وحسن إسلامه على ما فعله من خير في حال كفره؟
    القول الأول: أن الكافر إذا أسلم لا يثاب على ما فعل من خير في حال كفره، وعللوا ذلك: بأن الكافر لا يصح منه التقرب، لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفاً بالمتقرب إليه، وهذا الكافر حين فعله للخير لم يحصل له العلم بالله بعد، وعليه فلا يثاب. وأصحاب هذا القول بعد التقرير السابق ذهبوا إلى تأويل حديث الباب عن ظاهره إلى عدة تأويلات: فقيل: معنى " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ " أي اكتسبت طباعاً جميلة وأنت تنتفع بتلك الطباع في الإسلام فتكون معينة لك على فعل الخير. وقيل: معناه أنك اكتسبت بذلك ثناءً جميلاً فهو باق عليك في الإسلام. وقيل: معناه أنها تزداد حسناتك التي تفعلها بعد الإسلام. وقيل: معناه أن الله هداك للإسلام ببركة ما سبق من الخير. [انظر شرح النووي (2/ 321)، والفتح (3/ 381 )، والمفهم (1/ 332)]. والقول الثاني: أن الكافر إذا أسلم يثاب على ما فعل من خير في حال كفره. واستدلوا: بحديث الباب حيث قال النبي صلى الله عليه و سلم لحكيم رضي الله عنه حينما سأله عن أجر ما فعل حال الكفر من الخير " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ " أي أسلمت على قبول ما سلف لك من خير. وأجابوا عن تعليل أصحاب القول الأول: بأن الكافر لا يصح منه الخير ولا يُعتد به في أحكام الدنيا، أما ثواب الآخرة فيما لو حسن إسلامه بعد ذلك فليس لأحد أن يمنع فضل الله تعالى، ورحمته التي وسعت كل شيء، وهذا القول هو الأظهر والله أعلم وهو الأوفق لسعة فضل الله ورحمته.
    واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث قال:" الحمد لله هذه نعمة، والإسلام كله بركة، فإذا أسلم الكافر فأعماله السيئة يمحوها الإسلام، كما قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38]، وأعماله الصالحة المتعدية من صدقة أو عتق أو صلة رحم تكتب له ولا تضيع، لقوله صلى الله عليه وسلم:" أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سْلَفْ مِنْ خَيْرٍ " في لفظ: " عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ " وهذا مقتضى قوله تعالى:" إن رحمتي سبقت غضبي"...وكذلك المرتد إذا رجع إلى الإسلام، فإنه يرجع إليه عمله الصالح لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217] فاشترط لحبوط الأعمال الموت على الكفر فإذا رجع إلى الإسلام رجعت إليه أعماله الصالحة". [شرح صحيح البخاري لشيخنا ابن العثيمين (5/ 34- 35)].
    ----------------------------------------وبناءً على ما سبق نقول أن للكافر مع أعمال الخير ثلاث أحوال: ------- الأولى: أعمال الخير في حال كفره لا تقبل فهي مردودة، قال تعالى: ﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 54]
    --------------الثانية: أعمال الخير بعد موته على الكفر لن تقيه من عذاب الله، بل حبطت أعماله، ويخلد في النار قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39] وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217].----------------
    الثالثة: أعمال الخير إذا أسلم وحسن إسلامه سيكتب له ما عمله من خير قبل الإسلام فضلاً من الله، وهذا القول هو الراجح .



  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    أحسنت، بارك الله فيك، وننتظر المزيد من النقولات.
    بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    ناقش العلامة ابن القيم رحمه الله هذه المسألة، ونحن ننقل من كلامه ما تدعو إليه الحاجة، قال رحمه الله في الوابل الصيب: ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه، فالرياء وإن دق محبط للعمل، وهو أبواب كثيرة لا تحصر، وكون العمل غير مقيد باتباع السنة أيضا موجب لكونه باطلا، والمن به على الله تعالى بقلبه مفسد له، وكذلك المن بالصدقة والمعروف والبر والاحسان والصلة مفسد لها كما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى}.
    وأكثر الناس ما عندهم خبر من السيئات التي تحبط الحسنات، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
    فحذر المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجهر بعضهم لبعض، وليس هذا بردة بل معصية تحبط العمل وصاحبها لا يشعر بها... فإن قيل: فإذا تاب هذا هل يعود إليه ثواب العمل؟
    قيل: إن كان قد عمله لغير الله تعالى وأوقعه بهذه النية فإنه لا ينقلب صالحا بالتوبة، بل حسب التوبة أن تمحو عنه عقابه فيصير لا له ولا عليه، وأما إن عمله لله تعالى خالصا ثم عرض له عجب ورياء أو تحدث به ثم تاب من ذلك وندم فهذا قد يعود له ثواب عمله ولا يحبط وقد يقال: إنه لا يعود إليه بل يستأنف العمل.
    والمسألة مبنية على أصل، وهو أن الردة هل تحبط العمل بمجردها أو لا يحبطه إلا الموت عليها؟ فيه للعلماء قولان مشهوران، وهما روايتان عن الإمام أحمد رضى الله عنه.. فالعبد إذا فعل حسنة ثم فعل سيئة تحبطها ثم تاب من تلك السيئة هل يعود إليه ثواب تلك الحسنة المتقدمة؟ يخرج على هذا الاصل. والذي يظهر أن الحسنات والسيئات تتدافع وتتقابل ويكون الحكم فيها للغالب وهو يقهر المغلوب، ويكون الحكم له حتى كأن المغلوب لم يكن، فإذا غلبت على العبد الحسنات رفعت حسناته الكثيرة سيئاته، ومتى تاب من السيئة ترتبت على توبته منها حسنات كثيرة قد تربى وتزيد على الحسنة التي حبطت بالسيئة، فإذا عزمت التوبة وصحت ونشأت من صميم القلب أحرقت ما مرت عليه من السيئات حتى كأنها لم تكن، فإن التائب من الذنب لا ذنب له.
    وقد سأل حكيم بن حزام رضى الله عنه النبي صلى الله عليه و سلم عن عتاقة وصلة وبر فعله في الشرك: هل يثاب عليه؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم أسلمت على ما أسلفت من خير، فهذا يقتضي أن الاسلام أعاد عليه ثواب تلك الحسنات التي كانت باطلة بالشرك فلما تاب من الشرك عاد إليه ثواب حسناته المتقدمة فهكذا إذا تاب العبد توبة نصوحا صادقة خالصة أحرقت ما كان قبلها من السيئات وأعادت عليه ثواب حسناته. انتهى بتصرف يسير.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
    آمين وإياكم
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    والذي يظهر أن الحسنات والسيئات تتدافع وتتقابل ويكون الحكم فيها للغالب وهو يقهر المغلوب، ويكون الحكم له حتى كأن المغلوب لم يكن، فإذا غلبت على العبد الحسنات رفعت حسناته الكثيرة سيئاته، ومتى تاب من السيئة ترتبت على توبته منها حسنات كثيرة قد تربى وتزيد على الحسنة التي حبطت بالسيئة، فإذا عزمت التوبة وصحت ونشأت من صميم القلب أحرقت ما مرت عليه من السيئات حتى كأنها لم تكن، فإن التائب من الذنب لا ذنب له. ....... فهكذا إذا تاب العبد توبة نصوحا صادقة خالصة أحرقت ما كان قبلها من السيئات وأعادت عليه ثواب حسناته.
    نعم بارك الله فيك -مهما ارتكب العبد من إثم ، واقترف من ذنب ، ثم تاب إلى الله توبة صادقة ، وأقبل على طاعة الله : فإن الله يتوب عليه ، ويكفر عنه سيئاته ، ويرفع له درجاته ، ويبدل سيئاته حسنات ، ويصير حاله بعد التوبة أفضل منه قبل فعل الذنب ؛ فإن التوبة تمحو ما قبلها من الذنوب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له . قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/ 68 – 70 .
    وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم إذا استيقظ على بعيره قد أضله بأرض فلاة ) رواه البخاري (5950) ومسلم (2747).
    قال ابن القيم رحمه الله :
    " هذا الفرح من الله بتوبة عبده - مع أنه لم يأْت نظيره في غيرها من الطاعات - دليل على عظم قدر التوبة وفضلها عند الله، وأن التعبد له بها من أشرف التعبدات، وهذا يدل على أن صاحبها يعود أكمل مما كان قبلها " انتهى من "طريق الهجرتين" (ص 244).
    وهؤلاء أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، وهم أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقومها هديا ، وأحسنها حالا ، كانوا على الكفر والشرك ، وكان من أكابرهم من يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد المعاداة ، ومع ذلك ، لما منّ الله عليهم بالإيمان به والتوبة إليه وصحبة نبيه ، صاروا أفضل الخلق وأكرم الناس ، وصاروا أفضل ممن أتى بعدهم ممن لم يتلبس بالشرك .
    ولا شك أن الشرك والكفر أعظم الذنوب والآثام ، وبالتوبة والإيمان والعمل الصالح ، يغفر الله الذنب ، ويكفر السيئات ، ويرفع الدرجات .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    " الذُّنُوبُ تُنْقِصُ الْإِيمَانَ، فَإِذَا تَابَ الْعَبْدُ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَقَدْ تَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُ بِالتَّوْبَةِ. فَمَنْ قُضِيَ لَهُ بِالتَّوْبَةِ كَانَ كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: " إنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا النَّارَ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا الْجَنَّةَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ وَيَعْجَبُ بِهَا، وَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إلَيْهِ مِنْهَا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/ 45).
    وقال أيضا :
    " التَّوْبَةُ النَّصُوحُ الَّتِي يَقْبَلُهَا اللَّهُ يَرْفَعُ بِهَا صَاحِبَهَا إلَى أَعْظَمَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ
    بَعْضُ السَّلَفِ: " لَوْ لَمْ تَكُنْ التَّوْبَةُ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إلَيْهِ لَمَا ابْتَلَى بِالذَّنْبِ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَيْهِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/ 293).
    وقال أيضا :
    " وَآدَمُ تَابَ وَأَنَابَ، وَقَالَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَاجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ وَأَنْزَلَهُ إلَى الْأَرْضِ لِيَعْمَلَ فِيهَا بِطَاعَتِهِ؛ فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِذَلِكَ دَرَجَتَهُ، وَيَكُونُ دُخُولُهُ الْجَنَّةَ بَعْدَ هَذَا أَكْمَلَ مِمَّا كَانَ، فَمَنْ أَذْنَبَ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ فَاقْتَدَى بِأَبِيهِ آدَمَ فِي التَّوْبَةِ كَانَ سَعِيدًا، وَإِذَا تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا بَدَّلَ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ، وَكَانَ بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ، كَسَائِرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/ 383).
    وروى مسلم (190) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَا هُنَا ) فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ .
    قال شيخ الإسلام :
    " إذَا رَأَى تَبْدِيلَ السَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ طَلَبَ رُؤْيَةَ الذُّنُوبِ الْكِبَارِ الَّتِي كَانَ مُشْفِقًا مِنْهَا أَنْ تَظْهَرَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَالَهُ هَذِهِ مَعَ هَذَا التَّبْدِيلِ أَعْظَمُ مِنْ حَالِهِ لَوْ لَمْ تَقَعْ السَّيِّئَاتُ وَلَا التَّبْدِيلُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/ 293).
    وقال ابن القيم رحمه الله :
    " سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: الصَّحِيحُ أَنَّ مِنَ التَّائِبِينَ مَنْ لَا يَعُودُ إِلَى دَرَجَتِهِ - يعني قبل الذنب -، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُودُ إِلَيْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُودُ إِلَى أَعْلَى مِنْهَا، فَيَصِيرُ خَيْرًا مِمَّا كَانَ قَبْلَ الذَّنْبِ .
    قَالَ: وَهَذَا بِحَسَبِ حَالِ التَّائِبِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ، وَجِدِّهِ وَعَزْمِهِ، وَحَذَرِهِ وَتَشْمِيرِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَ مِمَّا كَانَ لَهُ قَبْلَ الذَّنْبِ عَادَ خَيْرًا مِمَّا كَانَ وَأَعْلَى دَرَجَةً، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ عَادَ إِلَى مِثْلِ حَالِهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَمْ يَعُدْ إِلَى دَرَجَتِهِ، وَكَانَ مُنْحَطًّا عَنْهَا .
    وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ فَصْلُ النِّزَاعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ " انتهى من "مدارج السالكين" (1/ 302).
    وقال أيضا :
    " العبد بعد التوبة النصوح خير منه قبل الذنب " انتهى من "شفاء العليل" (ص 118).
    وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
    " ليس هناك ذنب أعظم من الشرك، والمشرك متى تاب تاب الله عليه، وغفر له، فعليك بالتوبة مما قد علمت أنك فعلته، وبعد التوبة ينتهي كل شيء " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (4/ 40).[ المصدر الاسلام سؤال وجواب]

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    جزاكم الله خيرا
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    محبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه
    نعم
    الكفر الاكبر محبط لجميع الاعمال
    من الأصول المقررة عند أهل السنة والجماعة أن الأعمال لا تُقبل مع الكفر ، ولا يبطلها كلَّها غيرُ الكفر .
    دل عليه قوله تعالى : ( قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ، وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ) التوبة/53-54
    قال ابن تيمية رحمه الله :
    " ولا يحبط الأعمال غير الكفر ؛ لأن من مات على الإيمان فإنه لا بد أن يدخل الجنة ، ويخرج من النار إن دخلها ، ولو حبط عمله كله لم يدخل الجنة قط ، ولأن الأعمال إنما يحبطها ما ينافيها ، ولا ينافي الأعمال مطلقًا إلا الكفر ، وهذا معروف من أصول السنة " انتهى . "الصارم المسلول" (ص/55)
    وقد خالف أهل البدعة من الخوارج والمعتزلة والمرجئة ، فغلا الخوارج والمعتزلة وقالوا : إن الكبائر تمحو وتبطل جميع الحسنات والطاعات ، وعاكستهم المرجئة فقالوا : إن حسنة الإيمان تمحو جميع السيئات .
    ثانيا :
    لما تبين أنه لا يمكن أن يحبط الحسنات كلها إلا ما يناقض الإيمان مناقضة تامة وهو الكفر ، فهل يمكن أن يحبط شيء من المعاصي بعض الحسنات ويمحوها ؟
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (10/638) :
    " فإذا كانت السيئاتُ لا تحبط جميع الحسناتِ ، فهل تحبط بقدرها ، وهل يحبط بعض الحسنات بذنب دون الكفر ؟
    فيه قولان للمنتسبين الى السنة ، منهم من ينكره ، ومنهم من يثبته " انتهى .

    القول الأول : أن السيئات لا تبطل الحسنات ، بل الحسنات هي التي تمحو السيئات ، وذلك بفضل الله سبحانه وكرمه وإحسانه .
    يقول القرطبي رحمه الله تعالى "الجامع لأحكام القرآن" (3/295) :
    " والعقيدة أن السيئاتِ لا تبطل الحسناتِ ولا تحبطها " انتهى .

    القول الثاني : أن المعاصي والبدع تحبط أجر ما يقابلها من الحسنات على سبيل الجزاء ، نسبه شيخ الإسلام ابن تيمية لأكثر أهل السنة . انظر "مجموع الفتاوى" (10/322)
    وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ، وقال في مدارج السالكين (1/278) :
    " وقد نص أحمد على هذا في رواية فقال : ينبغي للعبد أن يتزوج إذا خاف على نفسه ، فيستدين ويتزوج ؛ لا يقع في محظور فيحبط عمله " انتهى .

    قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان من صحيحه :
    بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ ؛ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ : مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ ، وَيُذْكَرُ عَنْ الْحَسَنِ مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ ، وَمَا يُحْذَرُ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) .
    وترجم الإمام مسلم ـ أيضا ـ بَاب مَخَافَةِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ .
    قال الإمام ابن رجب رحمه الله :
    وتبويب البخاري لهذا الباب يناسب أن يذكر فيه حبوط الأعمال الصالحة ببعض الذنوب ، كما قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) الحجرات2.
    قال الإمام أحمد حدثنا الحسن بن موسى قال : ثنا حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد ، عن الحسن قال : ما يرى هؤلاء أن أعمالا تحبط أعمالا ، والله عز وجل يقول لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ إلى قوله أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ .
    ومما يدل على هذا - أيضا - قول الله عز وجل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى الآية [ البقرة : 264 ]، وقال أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَاب الآية [ البقرة : 266] .
    وفي صحيح البخاري " أن عمر سأل الناس عنها فقالوا : الله أعلم فقال ابن عباس : ضربت مثلا لعمل ، قال عمر : لأي عمل ؟ قال ابن عباس : لعمل ، قال عمر : لرجل غني يعمل بطاعة الله ، ثم يبعث الله إليه الشيطان فيعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله .
    وقال عطاء الخراساني : هو الرجل يختم له بشرك أو عمل كبيرة فيحبط عمله كله .
    وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من ترك صلاة العصر حبط عمله " [ رواه البخاري (553)] .
    وفي " الصحيح " - أيضا - أن رجلا قال : والله لا يغفر الله لفلان فقال الله : " من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان ، قد غفرت لفلان وأحبطت عملك " [ مسلم (2621)] .
    وقالت عائشة رضي الله عنها : أبلغي زيدا أنه أحبط جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب . [ رواه الدارقطني (3/52) والبيهقي (5/330) ] .
    وهذا يدل على أن بعض السيئات تحبط بعض الحسنات ، ثم تعود بالتوبة منها . وخرج ابن أبي حاتم في " تفسيره " من رواية أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل صالح ، فأنزل الله عز وجل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم [ محمد : 33 ] فخافوا الكبائر بعد أن تحبط الأعمال .

    وبإسناده ، عن الحسن في قوله وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم قال : بالمعاصي . وعن معمر ، عن الزهري في قوله تعالى وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم قال الكبائر .
    وبإسناده ، عن قتادة في هذه الآية قال : من استطاع منكم أن لا يبطل عملا صالحا بعمل سيء فليفعل ولا قوة إلا بالله ؛ فإن الخير ينسخ الشر ، وإن الشر ينسخ الخير ، وإن ملاك الأعمال: خواتيمها ...

    قال ابن رجب رحمه الله : والآثار عن السلف في حبوط الأعمال بالكبيرة كثيرة جدا يطول استقصاؤها . حتى قال حذيفة قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة . ..
    وعن عطاء قال : إن الرجل ليتكلم في غضبه بكلمة يهدم بها عمل ستين سنة أو سبعين سنة . وقال الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد ، عنه : ما يؤمن أحدكم أن ينظر النظرة فيحبط عمله .
    وأما من زعم أن القول بإحباط الحسنات بالسيئات قول الخوارج والمعتزلة خاصة ، فقد أبطل فيما قال ولم يقف على أقوال السلف الصالح في ذلك . نعم المعتزلة والخوارج أبطلوا بالكبيرة الإيمان وخلدوا بها في النار . وهذا هو القول الباطل الذي تفردوا به في ذلك . [ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري (206-210) باختصار ] .

    قال ابن القيم رحمه الله : " ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر وليس الشأن في العمل إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه " [ الوابل الصيب (18) ] . الاسلام سؤال وجواب
    *******************

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    الشرك الاكبر محبط لجميع الاعمال
    قال السعدي في تيسيره: وَلَوْ أَشْرَكُواـ على الفرض والتقدير: لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ـ فإن الشرك محبط للعمل، موجب للخلود في النار، فإذا كان هؤلاء الصفوة الأخيار، لو أشركوا ـ وحاشاهم ـ لحبطت أعمالهم، فغيرهم أولى. اهـ.
    وقد خاطب الله تعالى أفضل رسله صلى الله عليه وسلم فقال: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {الزمر: 64ـ 65}.
    قال السعدي: وذلك لأن الشرك بالله محبط للأعمال، مفسد للأحوال، ولهذا قال: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ـ من جميع الأنبياء: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ـ هذا مفرد مضاف يعم كل عمل، ففي نبوة جميع الأنبياء: أن الشرك محبط لجميع الأعمال.. وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ـ دينك وآخرتك، فبالشرك تحبط الأعمال، ويستحق العقاب والنكال. اهـ.
    والشرك هو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله إن مات عليه صاحبه، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {النساء: 48}.
    وقال عز وجل: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا {النساء: 116}.

    ولذلك لا يكون لمن مات على الشرك خلاص من الهلاك المحقق، قال تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ* حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ {الحج: 30ـ 31}.





  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
    أما الشرك الأصغر:
    فهو أكبر من الكبائر، وصاحبه على خطر عظيم، لكن قد يمحى عن صاحبه برجحان الحسنات، وقد يعاقب عليه ببعض العقوبات، لكن لا يخلّد في النار خلود الكفّار، فليس هو مما يوجب الخلود في النار،
    وليس مما يحبط الأعمال،
    ولكن يحبط العمل الذي قارنه،
    فالشرك الأصغر يحبط العمل المقارن له،
    كمن يصلي يرائي فلا أجر له، بل عليه إثم، وهكذا من قرأ يرائي فلا أجر له، بل عليه إثم،
    بخلاف الشرك الأكبر، والكفر الأكبر فإنهما يحبطان جميع الأعمال،
    كما قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.....

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    وننتظر المزيد
    إليك مزيد فائدة
    سئل الشيخ ابن عثيمين
    ما هي الأشياء التي تحبط الأعمال ؟
    السؤال : بارك الله فيكم هذا عبد الرؤوف عبد الله من المدينة المنورة يقول:
    ما الأشياء التي تحبط العمل؟
    وهل تحبط جميع الأعمال منذ التكليف؟
    الجواب:
    الشيخ:
    محبطات الأعمال تنقسم إلى قسمين:
    قسمٌ عام، وقسمٌ خاص يبطل كل عملٍ بعينه.
    أما القسم العام المبطل لجميع الأعمال فهو الردة، فإذا ارتد الإنسان والعياذ بالله عن دين الله، ومات على الكفر، حبط جميع عمله؛ لقوله تعالى: ﴿ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾
    أما إذا ارتد ثم منَّ الله عليه فرجع إلى الإسلام، فإن عمله لا يحبط،
    ولهذا يسأل كثيرٌ من الناس يقول عن نفسه: إنه حج الفريضة وهو يصلي كما يصلي الناس، وقائمٌ بشعائر الإسلام،
    ثم أتاه وقت وارتد فيه عن الإسلام فترك الصلاة،
    ثم منَّ الله عليه برجوعه إلى الإسلام، فأقام الصلاة، وقام بشعائر الإسلام،
    فيسأل: هل بطل حجه الذي كان قبل ردته فوجب عليه أن يعيده أم لا؟
    فنقول:
    لا، لم يبطل حجك، وليس عليك إعادته؛
    لأن الله تعالى اشترط لحبوط العمل بالردة أن يموت الإنسان على الردة،
    هذا المبطل العام الذي يبطل جميع العبادات.
    أما المبطلات الخاصة فهي تختص في كل عملٍ بحسبه،
    فالوضوء مثلاً يبطله الحدث،
    والصلاة يبطلها ما تبطل به كالضحك والكلام وشبهه،
    والصدقة يبطلها المن والأذى،
    والصوم يبطله الأكل والشرب،
    والحج يفسده الجماع قبل التحلل الأول،
    فالمهم أن محبط الأعمال الخاص كثيرٌ لا حصر له، ويختلف باختلاف العبادات التي أبطلها.
    سلسلة: فتاوى نور على الدرب
    https://binothaimeen.net/content/9190

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    قال الشيخ عبد العزيز الراجحى فى شرح كتاب الايمان الاوسط لشيخ الاسلام ابن تيمية
    قال المصنف رحمه الله تعالى:
    [ الخامس: إن الله لم يجعل شيئاً يحبط جميع الحسنات إلا الكفر
    ، كما أنه لم يجعل شيئاً يحبط جميع السيئات إلا التوبة،
    والمعتزلة مع الخوارج يجعلون الكبائر محبطة لجميع الحسنات حتى الإيمان،
    قال الله تعالى وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
    وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217] فعلق الحبوط بالموت على الكفر،
    ، والمعلق بشرط يعدم عند عدمه،
    وقال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ
    ، وقال تعالى لما ذكر الأنبياء: وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِ مْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاه ُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
    وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:87-88]،
    وقال تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]،
    مطابق لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48]،
    فإن الإشراك إذا لم يغفر وأنه موجب للخلود في النار لزم من ذلك حبوط حسنات صاحبه.
    ولما ذكر سائر الذنوب غير الكفر لم يعلق بها حبوط جميع الأعمال.
    وقوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:28]؛ لأن ذلك كفر،
    وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2]؛ لأن ذلك قد يتضمن الكفر فيقتضي الحبوط وصاحبه لا يدري،
    والمعنى: كراهية أن يحبط أو خشية أن يحبط،
    فنهاهم عن ذلك لأنه يفضي إلى الكفر المقتضي للحبوط،
    ولا ريب أن المعصية قد تكون سبباً للكفر،
    كما قال بعض السلف رحمهم الله: المعاصي بريد الكفر، فينهى عنها خشية أن تفضي إلى الكفر المحبط،
    كما قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ [النور:63] وهي الكفر، أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]،
    وإبليس خالف أمر الله فصار كافراً وغيره أصابه عذاب أليم ].
    هذا هو الجواب الخامس من الأجوبة على الاعتراض على مسقط من مسقطات العقوبة،
    وهي الحسنة الماحية، والاعتراض هو:
    أن هذه الحسنات الماحية إنما تكون ماحية للصغائر دون الكبائر.
    فالجواب الخامس: أن الله لم يجعل شيئاً يحبط جميع الحسنات إلا الكفر،
    كما أنه لم يجعل شيئاً يحبط جميع السيئات إلا التوبة،
    وإذا فعل الكفر بطلت جميع الأعمال، وإذا مات على الكفر والعياذ بالله خلد في النار،
    لكن إذا فعل المعصية: كما إذا عق والديه، أو قطع رحمه، أو تعامل بالربا وهو يعلم أنه حرام، لا نقول له: بطلت صلاتك وصومك وحجك،
    لكن إذا دعا غير الله وذبح لغير الله ومات على ذلك بطلت جميع الأعمال.
    فالله تعالى لم يجعل شيئاً يحبط جميع الحسنات إلا الكفر،
    كما أنه لم يجعل شيئاً يحبط جميع السيئات إلا التوبة، حتى الكفر،
    فإذا تاب توبة نصوحاً من الشرك أو الكفر أو الزنا أو السرقة أو عقوق الوالدين أو التعامل بالربا بشروطها الثمانية
    فالتوبة تجب ما قبلها، وتزيل جميع المعاصي، ك
    ما أن الكفر يزيل جميع الحسنات.
    والمعتزلة مع الخوارج يخالفون النصوص، ويجعلون الكبيرة محبطة لجميع الحسنات حتى الإيمان،
    ويقولون:
    إذا زنا أو سرق أو شرب الخمر أو عق والديه أو تعامل بالربا بطلت جميع الأعمال حتى الإيمان،
    فخرج من الإيمان وخرج من الإسلام وبطلت جميع أعماله، وصار مخلداً في النار.
    وهذا من أبطل الباطل؛
    لأن الله تعالى بين في كتابه أن الذي يحبط الأعمال الكفر والشرك لا المعاصي،
    وبشرط: أن يموت على الكفر،
    فإذا منّ الله عليه بالإسلام لا تحبط أعماله بل تبقى له يخرجها الإيمان،
    فإن مات على الكفر بطلت جميع الأعمال،
    والدليل قول الله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، ووجه الدلالة قوله: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217]،
    فعلق الحبوط بالموت على الكفر.
    وقد ثبت أن مرتكب الكبيرة ليس بكافر، والمعلق بشرط يعدم عند عدمه،
    وحبوط العمل معلق بشرط وهو الموت على الكفر، فإذا لم يمت على الكفر بعد عن حبوط العمل.
    ومن الأدلة على أن الكفر يحبط الأعمال قوله تعالى:
    وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5]،
    ومنها:
    قوله تعالى لما ذكر الأنبياء: وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِ مْ وَإِخْوَانِهِمْ [الأنعام:87]
    إلى قوله: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88].
    ومن الأدلة على أن الشرك يحبط الأعمال قوله تعالى:
    لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].
    إذاً: الشرك يحبط الأعمال إذا مات على الكفر
    ، وهو مطابق لقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48]،
    فالشرك لا يغفر أبداً إذا مات صاحبه عليه،
    فإن الشرك إذا لم يغفر موجب للخلود في النار ويلزم من ذلك حبوط الحسنات وصاحبها،
    ولما ذكر الله سائر الذنوب غير الكفر لم يعلق بها حبوط جميع الأعمال.
    أما قول الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:28]،
    فلأن ذلك كفر، ومن كره شيئاً مما جاء عن الله وعن رسوله حبط عمله، وهو ردة وكفر،
    فمن كره التشريع الذي أنزله الله في كتابه أو أنزله على رسوله حبط عمله بردته نعوذ بالله.
    وأما قول الله تعالى: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2]، هذا قد يتضمن الكفر الذي يقتضي الحبوط وصاحبه لا يدري،
    والذي يرفع صوته فوق صوت النبي قد يحبط عمله وقد لا يحبط.
    فإذاً: نهي عن رفع الصوت خشية أن يؤدي إلى حبوط العمل،
    فنهاهم الله عن رفع الصوت؛ لئلا يفضي إلى الكفر الذي يقتضي الحبوط،
    ولا ريب أن المعصية قد تكون سبباً للكفر
    ، كما قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر، فينهى عن المعصية خشية أن تفضي إلى الكفر المحبط،
    كما قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]
    ، فهذا تخويف، للذي يخالف أمر الله وعليه أن يحذر، وقوله: أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ [النور:63] هو الشرك،
    ولهذا قال بعضهم: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، ولعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الفتنة فيهلك، وإبليس خالف أمر الله فصار كافراً، وغيره خالف أمر الله فأصابه عذاب أليم.إذاً: الذي يخالف أمر الله قد يكون كافراً كإبليس، وقد يكون عاصياً يعرض نفسه للعذاب الأليم كالعاصي.[شرح كتاب الايمان الاوسط]

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    الردة وأثرها على إبطال الحج
    اختلف الفقهاء في تأثير الردة على الأعمال الصالحة إذا رجع المرتد إلى الإسلام،
    فذهب جمهور الفقهاء عدا الشافعية إلى أن الردة تحبط جميع الأعمال الصالحة،
    وعلى هذا، فالمرتد إذا رجع إلى الإسلام يجب عليه الحج مرة أخرى،
    وذهب الشافعية إلى أن الردة لا تحبط العمل الصالح إلا إذا مات المرتد على كفره،
    أما لو رجع إلى الإسلام، فلا تأثير للردة على العمل الصالح،
    . يقول فضيلة الدكتور حسام عفانة
    : الردة هي خروج المسلم عن الإسلام وكفره به والعياذ بالله
    وقد اختلف أهل العلم في إحباط العمل بالردة
    واختلفوا في تفسير الآيات الواردة في ذلك.
    يقول الله تعالى :(ومن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) سورة البقرة الآية 217.
    ويقول الله تعالى: ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) سورة المائدة الآية 5 .
    فمن العلماء من قال إن الردة التي تحبط الأعمال وتبطلها هي الردة المستمرة حتى الوفاة بأن يموت الشخص على الكفر لما في الآية الكريمة ( فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ )
    فإذا لم يمت على الكفر بأن عاد إلى الإسلام فإن ثواب عمله يحبط ولا يطالب بإعادة العمل .
    ومنهم من رأى أن الأعمال تبطل بمجرد الارتداد
    لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) .
    والمراد بحبوط الأعمال: [أي صارت أعمالهم الحسنة التي عملوها في حالة الإسلام فاسدة بمنزلة ما لم تكن.
    قال النووي:
    [ومن حج ثم ارتد ثم أسلم لم يلزمه الحج بل يجزئه حجته السابقة عندنا،
    وقال أبو حنيفة وآخرون يلزمه الحج،
    ومبنى الخلاف على أن الردة متى تحبط العمل؟ فعندهم تحبطه في الحال سواء أسلم بعدها أم لا فيصير كمن لم يحج .
    وعندنا لا تحبطه إلا إذا اتصلت بالموت
    لقوله تعالى : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )] المجموع 7/9 .
    وقال النووي أيضاً:
    [إذا صلى المسلم ثم ارتد ثم أسلم ووقت تلك الصلاة باق لم يجب إعادتها وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه يجب والمسألة مبنية على أصل سبق وهو أن عندنا لا تبطل الأعمال بالردة إلا أن تتصل بالموت
    وعندهم يبطل بنفس الارتداد احتجوا بقول الله تعالى:
    (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ )
    واحتج أصحابنا بقول الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )
    فعلق الحبوط بشرطين الردة، والموت عليها
    والمعلق بشرطين لا يثبت بأحدهما والآية التي احتجوا بها مطلقة وهذه مقيدة
    فيحمل المطلق على المقيد.
    قال الشافعي والأصحاب يلزم المرتد إذا أسلم أن يقضي كل ما فاته في الردة، أو قبلها، وهو مخاطب في حال الردة بجميع ما يخاطب به المسلم، وإذا أسلم لا يلزمه إعادة ما كان فعله قبل الردة من حج وصلاة وغيرهما] المجموع 3/5.
    . قال الشوكاني: [والواجب حمل ما أطلقته الآيات في غير هذا الموضع على ما في هذه الآية من التقييد] تفسير فتح القدير 1/218 . وقال الشيخ الشنقيطي: [ومقتضى الأصول حمل هذا المطلق على هذا المقيد فيقيد إحباط العمل بالموت على الكفر وهو قول الشافعي ومن وافقه خلافاً لمالك القائل بإحباط الردة العمل مطلقاً] أضواء البيان 2/6

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل تحبط أعمال المرتد بمجرد ردته أم بموته؟

    حكم قضاء المرتد ما فاته من صلاة وصيام بعد عودته
    السؤال:
    هذه رسالة وردت من الأخ خالد ناصر أبو بكر ، من جمهورية اليمن الديمقراطية يقول أولاً: هل على المرتد قضاء الصلاة أو الصيام إذا عاد إلى الإسلام وتاب إلى الله؟

    الجواب:
    ليس عليه قضاء، من تاب تاب الله عليه، إذا ترك الإنسان الصلاة أو أتى بناقض من نواقض الإسلام ثم هداه الله وتاب
    فإنه لا قضاء عليه، هذا هو الصواب من أقوال أهل العلم، الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تهدم ما كان قبلها، قال الله سبحانه: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38] فبين سبحانه أن الكافر إذا أسلم غفر الله له ما قد سلف، والنبي ﷺقال: التوبة تجب ما قبلها والإسلام يهدم ما كان قبله، فالحمد لله. نعم.
    الموقع الرسمى للامام ابن باز

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •