توقير الكبير
حسن إبراهيم



الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فيقول الحبيب المصطفى: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا)) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
أولاً: توقير الوالدين:
لقوله - تعالى -: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ) لقمان، وقوله - تعالى -: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان، ولقوله - تعالى - : (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) الإسراء، والجد مثل الوالد؛ لقوله - تعالى -على لسان يوسف - عليه السلام -: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) يوسف، كذلك فإن العم مثل الوالد؛ لقوله - تعالى -على لسان أولاد يعقوب - عليه السلام -: (قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) البقرة، والمعلوم أن إسماعيل - عليه السلام - هو عم يعقوب - عليه السلام -، ولقوله ((عم الرجل صنو أبيه)) رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني
والخال مثل العم، وكذلك الأخ الأكبر ووالد الزوجة وزوج الأم وكل من له عليك حق حتى وإن كان أصغر منك سنًا، وبالمثل فإن الجدة مثل الأم، وكذلك الخالة؛ لقوله ((الخالة بمنزلة الأم)) رواه البخاري
والعمة مثل الخالة، وكذلك الأخت الكبرى وزوجة الأب وزوجة الجد وأم الزوجة وكل من لها حق عليك وكلهن من المحارم
ثانيًا: توقير كبار السن:
حتى وإن كانوا أقل منك مالاً أو جاهًا أو علمًا؛ لعموم قوله ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا)) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني
ولقوله ((كَبِّر كَبِّر)) يعني الكبار أولاً متفق عليه
ولقوله ((إن من إجلال الله - تعالى -إكرام ذي الشيبة المسلم)) رواه أبو داود وحسنه الألباني
ثالثًا: توقير العلماء:
حتى وإن كانوا أصغر منك سنًا أو أقل منك مالاً أو جاهًا؛ لقوله - تعالى -قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ الزمر
ولقوله - تعالى - : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ) المجادلة، ولقوله: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)) متفق عليه، ولقوله ((إن العلماء ورثة الأنبياء)) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني، ولعموم قوله ((إن من إجلال الله - تعالى -إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه)) رواه أبو داود وحسنه الألباني.
يقول العلماء -عليهم رحمة الله-: إن توقير العلماء هو توقير للشريعة التي يحملونها، ويدخل في عداد العلماء حملة كتاب الله - تعالى -وأئمة المساجد، يقول: ((فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم)) رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
رابعًا: توقير الأمراء والرؤساء:
لقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) النساء، قال العلماء عليهم رحمة الله ((أولو الأمر هم العلماء والأمراء والرؤساء)) ولعموم قوله ((إن من إجلال الله - تعالى -إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) رواه أبو داود وحسنه الألباني، ويدخل في هذا رئيسك في العمل، وقائدك في الجيش، وأستاذك في الدراسة، وما إلى ذلك حتى تستقيم الأمور، حتى وإن رأيت شيئًا تكرهه فإنك مخيرٌ بين إحدى ثلاث، النصح له؛ لقوله ((الدين النصيحة)) قيل لمن؟ قال ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) رواه مسلم، إذا لم تتيسر النصيحة أو إذا لم يستجب، فعليك بالصبر، ولك أجر الصابر، والله - تعالى -يقول إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ الزمر، إذا ضاقت بك السبل فما عليك إلا أن تلجأ إلى الله أن يفرج عنك.
موقف أهل الغفلة من توقير غيرهم
ومما يؤسِفُ أن طلاب الدنيا في زماننا هذا تجردوا من المروءة، فتراهم لا يوقرون إلا من يرجون النفع منه أو يخافون بطشه، فإذا زال السبب انعدم التوقير، وهم بذلك غافلون ومخطئون لأن الله - تعالى -هو وحده الذي يملك النفع ويدفع الضر، يقول - تعالى -: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) يونس
ويقول - تعالى -: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) فاطر، ويقول العلماء -عليهم رحمة الله-: لا يعرف الفضل لذوي الفضل إلا ذوو الفضل، ولكن هؤلاء الغافلين يُرضون من لهم عنده حاجة ولا يُرضون الله - تعالى -مع أن حاجتهم في الحقيقة عند الله وحده، وما الناس إلا جند من جنود الله يسخرهم لخدمة من يشاء من عباده أو لإنفاذ قضائه فيمن يشاء.
نسأل الله العفو والعافية، في الدين والدنيا والآخرة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين