الخوف والخجل والكسل.. ثلاثي قتل الإبداع
عبير النحاس


في مقارنة سريعة، بين قصصي، التي احتوتها مجموعتي القصصية الأولى، ومجموعتي الثانية، كان الفرق يتجلى بوضوح, لست أدري، أهي مهارة اكتسبتها في ذلك الفن فقط.. أم هو كسر لحاجز الخوف من ممارسة الكتابة فيه.. أم هي علوم وقراءات مدتني بالثقة.. أم هي ثقتي بألا حق لأحد أن يعترض من يعرف، كيف وإلى أين يسير؟
في تلك الرحلة الممتعة، كان هناك الكثير من المحطات.. والوقفات.. والقراءات.. التي تستحق التدوين، وأظنها نافعة، لمن أحب المضي في هذا الطريق، والوصول به إلى مكان أثير، محبب نافع بعون الله, وفي هذه السلسلة من المقالات سآتي على ذكر ما انتفعت به، و أسأل الله أن ينتفع بها من يقرأها أيضا.
نعرف جميعا، أن هاجس الكتابة يدق بقوة وعنف, ويتبعه سرور وسعادة، بانسكاب الحبر على الورق, وأن كثيراً ممن يمتلكون هذا الهاجس، هم مشاريع كتَّاب رائعين, ولكن الكثير من تلك المواهب، تتحطم على صخور الشاطئ, ولهذا الشاطئ صخور كثيرة، سأتعرض لبعضها تباعا، في المقالات القادمة، ليعرفها من يشعر بوجود هذا الهاجس الحلو، في طيات روحه، يجتنبها في رحلته, ويحمي سفنه من أثرها المدمر، ولنبدأ من أكبر و أضخم الصخور، ألا وهي الخوف والخجل والكسل:
نعاني في مجتمعاتنا العربية وفي بعض المجتمعات غير المتقدمة, والتي لا تعطي للحرف حقه، وللموهوب مكانته، من ذلك الخوف، الذي يقتل فينا بذرة الموهبة, وهذا الخوف ينبع، من عدم امتلاكنا، للجرأة الكافية، للإعلان عن طموحاتنا وأهدافنا، واستصغار أنفسنا، مقارنة بمن هم في القمة، وما هؤلاء إلا بشر مثلنا، امتلكوا الموهبة، ولم يخجلوا من رغباتهم وطموحاتهم الكبيرة.
وهو خوف، نابع أيضا، من عدم رغبتنا في التعرض للسخرية والاستهزاء، ممن حولنا, وقد يكون الجرح القاسي، بيد أقرب المقربين.
فكم من كلمة سحقت موهبة، وكم من لفتته أحيتها, و كم ناديت ونادى الكثيرون، أن أعينوا أولادكم، وأحيوا مواهبهم بالتشجيع أولا، وبمختلف الوسائل المتاحة بعد ذلك, وكم حذرت وحذر الكثيرون، من كلمة، أو نظرة تبيد وتسحق تلك الجوهرة الثمينة النادرة.
مواجهة المعوقات
ولكن أمر الموهبة، لا يتعلق بالآخرين بشكل كامل، وهذا من فضل الله ونعمه علينا، نحن معاشر الكتاب، ومن امتلك الموهبة, فالأمر منوط بالأمور التالية:
- الموهبة و الرغبة.
- ومن ثم الإصرار..
- والعمل الدؤوب..
- والمثابرة على القراءة و الكتابة..
- والبحث عن أبواب النشر الفعالة..
- وتحسين الأداء بشكل متواصل..
- والابتعاد عن المحرمات التي تغضب الله، وتقطع طرق الإمداد، عن قلوبنا وعقولنا و محابرنا..
- والاستعداد لمواجهة المحبطين، وعدم الالتفات لهمسات الساخرين..
ومن هنا، على كل من امتلك تلك الرغبة، أن يدرك، أنه لا بد من ملاقاة المحبطين والمستهزئين، في البدايات فقط, وأنهم سيكونون أول المصفقين له، عندما يضع قدمين راسختين، له على الطريق, وأن يعلم تماما، أن طريقه يمهده هو وحده بعمله، وعلمه ومثابرته، وتلك الرغبة الأكيدة في الاستمرار.
والذي علينا فعله، هو عدم الالتفات, والعمل بجد دون انشغال، والثقة بما نملكه، وأنه نواة غالية، علينا الاهتمام بها، وتلميعها ومداراتها, بل وأنصح بتسجيل تلك اللفتات، وأعني تلك الساخرة والمستهزئة والمحبطة منها، لرؤيتها بعد مدة من الزمان، فسوف يكون لها طعم رائع.
بقيت صخرة الكسل المقيت، وعدم القدرة على المثابرة والجد والاجتهاد، فالكتابة فن، طريقه يحتاج صبرا ونشاطا، وهمة عالية، ومتابعة للقراءة المستمرة والدائمة، وكشف أسرار الجمال، في أقلام الكبار من الكتاب والمتميزين منهم.. و من ثم صقل وشحذ القلم باستمرار.. واستحضار الدافع على الكتابة، من خلال القراءة, أو الاهتمام بقضايا العامة والخاصة، للخلق من حولنا.
هذه هي أول المعوقات، وسنلحقها بالبقية بعون الله، وريثما نسطرها. أقول: اكتبوا على صفحة الأمجاد "أن لا مكان هنا، للخجل ولا للخوف ولا للكسل".