الاجتهاد ومدى الحاجة إليه في الشرع الإسلامي



علي عباس عثمان الحكمي




ملخص الرسالة

مقدمة البحث


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين المخصوص بظهور طائفة من أمته على الحق إلى يوم الدين صلى الله وعلى آله وصحبه أجمعين.



أما بعد:

فإن من القضايا المسلمة والحقائق الثابتة لدى كل مسلم أن الشريعة الإسلامية خاتمة الشرائع السماوية وعامة لجميع البشر وشاملة لكل الحوادث والتصرفات.



ومعلوم أنها لم تنص على حكم كل واقعة من الوقائع بل قيل : أن ذلك غير مقصود عقلًا[1]، وإنما جاءت بالنص والتفصيل على الأمور التي تحتاج إلى التنصيص كأصول العقيدة والعبادة وأسس المعاملات وبعض العقوبات المقدرة تلك الأمور التي لا تتغير بتغير الزمان أو تختلف باختلاف العرف والمكان.



وما عدا ذلك مما هو قابل للختلاف بينت مبادئه الأساسية، وأصوله الكلية، وقواعده العامة، ثم تركت التفصيلات فيه للاجتهاد، الذي فتح بابه لكل من استوفى شروطه ومؤهلاته.



ومن هنا كان الاجتهاد ضروريًا من ضروريات هذه الشريعة وعنصرًا حيويًا من عناصر بقائها وخلودها، وهو سر مرونتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان.



ولهذا حث الشارع الحكيم عليه، فجعل الفقه في الدين من إرادة الخير للمؤمنين "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" بل جعله فرض كفاية شأنه شأن الجهاد في سبيل الله ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].



وجعل المجتهدين هم المرجع للسؤال عن كل ما ينوب المسلمين في حياتهم مما يتطلب أحكامًا شرعية: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].



ووعد سبحانه وتعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها ويعملها إياه، كما أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام - ببقاء طائفة من أمته ظاهرة على الحق إلى يوم القيامة.



ولقد شعر المسلمون منذ عصورهم المبكرة بالحاجة إلى الاجتهاد، فاستعمله الصحابة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته، وأخذ به التابعون وأتباعهم والأئمة أصحاب المذاهب المشهورة فمن بعدهم، وغطوا بمجهوداتهم كل الوقائع والتصرفات التي وجدت في أزمنتهم المختلفة، وبرهنوا بذلك على صلاحبة الشريعة الإسلامية لكل زمان، وملاءمتها لكل جنس ومكان، تلك الحقيقة التي ما زلنا نرددها في ثقة واطمئنان بالغين.



ولكن طرأ على بعض الفقهاء بعد ظهور المذاهب المتبعة حب التقليد للأئمة السابقين، وعدم الجرأة على ممارسة الاجتهاد، وادعى خول الأزمنة عن المجتهدين وانتشر ذلك بين الناس، حتى حكم بسد باب الاجتهاد، بل قال بعضهم: إنه مستحيل في العصور المتأخرة[2].



واتخذ أعداء الدين من ذلك ذريعة إلى اتهام الشريعة بالقصور والعجز عن معالجة مشاكل هذا العصر فتنادوا داعين إلى استبدالها بقوانين وضعية أجنبية.



ولقد لفتت هذه الظاهرة انتباهي مذ كنت في أول المرحلة الجامعية، فكانت هناك أسئلة عدة تدور بخاطري: ترى متى نشأ على وجه التحديد القول بسد باب الاجتهاد، ومن قال به، وما هي الأسباب والدوافع الحقيقية إليه، وهل حقًا انعدم المجتهدون؟، إلى غير ذلك من علامات الاستفهام التي تلح في طلب الجواب، ولا أجد لها جوابًا شافيًا.



ولما التحقت بقسم الدراسات الإسلامية العليا بمكة المكرمة، وبدأت أفكر في اختيار موضوع لرسالة الماجستير، كان أول المواضيع خطورًا بالبال هو الاجتهاد، ثم تلته مواضيع كثيرة بعضها مثله في الأهمية وأيسر منه في البحث، ولكني عزمت على انتقائه من بين سائر الموضوعات وآثرته بذلك لسببين:

أحدهما: تلك الدعوة إلى سد باب الاجتهاد، وادعاء انعدام المجتهدين، منذ قرون طويلة، ومناقضة ذلك لما هو معروف من بقاء الشريعة وخلودها لارتباط ذلك البقاء والخلود في كثير من مسائل الاجتهاد.



ثانيهما: وجود مشاكل ومسائل معاصرة جديدة لم يسبق للمجتهدين الأولين بحثها، وهي مسائل مهمة وخطيرة، تحتاج إلى النظر فيها، واستنباط أحكامها من صلب التشريع، مع وجود بعض المتفقهين الذين يحاولن ممارسة الاجتهاد وهم لم يستكملوا شروطه، مما جعلهم يشككون في صحة تلك الشروط، وفي لزومها.



يضاف إلى هذين السببين أن الأصوليين قد اختلفوا في كثير من مباحث الاجتهاد بسبب تقابل الأدلة، الأمر الذي يدعو الباحث إلى استقراء أدلتهم والنظر فيها لتوصل إلى ما يراه راجحًا في كل مسألة من مسائله.



وقد جعلت لهذا البحث عنوانًا هو: "الاجتهاد ومدى الحاجة إليه في الشرع الإسلامي" تعرضت فيه لبيان معنى الاجتهاد، ومجالاته، وأقسامه، وشروطه، وتجزئه، وأقسام المجتهدين، وبيان حكم الاجتهاد التكليفي، وحكمه بمعنى آثاره المترتبة عليه، ثم تحدثت عن الاجتهاد في العصور الإسلامية الأولى منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى نهاية عصر الأئمة المشهورين، وخلصت بعد ذلك إلى الخلاف في بقاء الاجتهاد وانقطاعه، وبيان الحاجة إليه في هذا العصر.



منهج وخطة:

كان منهجي في البحث هو أن أجمع المذاهب والآراء في كل مسألة تعرضت لبحثها منمراجعها الموثوقة، وأبين أدلة كل مذهب منتلك المذاهب، والاعتراضات الواردة عليها من قبل المخالفين، والجواب عن تلك الاعتراضات، ثم أقارن بين المذاهب المختلفة، وأختار منها ما يعضده الدليل القوي السالم من المعارض.



وقد توخيت الإيجاز مع الحرص على إعطاء الموضوع حقه وإيراد ما يكفي من الأمثلة قدر الاستطاعة، وحسب ما تسمح به ظروف الكتابة، وحاولت توضيح وجهة النظر التي اختارها في المسألة مبتعدًا عن الميل والتحيز لأي مذهب من المذاهب.



وكان جل انتفاعي في الموضوع بكتب الأصول المعتبرة في المذاهب المختلفة، ورجعت بين الحين والآخر إلى كتب الفقه المعتمدة، لاستخراج الأمثلة منها، وأيضًا رجعت كثيرًا غلى دوواين السنة المشهورة، لتخريج بعض الأحاديث التي يستدل بها الفقهاء، والأصوليون من غير ذكر سندها، كما استفدت الكثير من كتب الطبقات والتراجم وتاريخ الفقه.



والهدف من وراء ذلك كله هو إبراز مكانة الاجتهاد، ومدى الحاجة إليه في الشرع، واهتمام سلفنا الصالح به في نختلف عصورهم، وتسليط الأضواء على دعوى خلو الأزمنة عن المجتهدين، وبيان عدم صحة تلك الدعوى، بإيراد نماذج من المجتهدين في كل عصر.



وقد حصرت على عرض ذلك كله في أسلوب سهل، وصورة واضحة مرتبة ترتيبًا منطقيًا حسب الخطة التالية:

قسمت الموضوع إلى ستة أبواب وخاتمة:

الباب الأول وتحته ثلاثة فصول:

الفصل الأول: في معنى الاجتهاد لغة واصطلاحًا.



الفصل الثاني: في مجالاته.



الفصل الثالث: في أقسامه.



ولما كان للاجتهاد بمعناه الاصطلاحي شروط ومؤهلات يجب توفرها في القائمين به، جاء الباب الثاني، لذكر تلك الشروط، وما يتعلق بها من تجزء الاجتهاد وعدم تجزئه، وأقسام المجتهدين.



وحيث أن الاجتهاد عمل من أعمال المكلفين، لابد له من حكم شرعي تكليفي، كان الباب الثالث في بيان ذلك الحكم، والمناصب الشرعية المؤكدة له.



وبعد هذا جاء الباب الرابع لتفصيل الآثار المترتبة على الاجتهاد، وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول: حجية قول المجتهد.



الفصل الثاني: التصويب والتخطئة في باب الاجتهاد.



الفصل الثالث: تغير الاجتهاد ونقضه، وما يتعلق بذلك عمليًا.



ثم اتجه البحث للناحية التاريخية.



فاختص الباب الخامس بالاجتهاد في العصور الإسلامية المبكرة، ما قبل القرن الرابع، وهو يضم ثلاثة فصول:

أولها: الاجتهاد في عد النبي - صلى الله عليه وسلم -، منه ومن غيره.



ثانيها: اجتهاد الصحابة بعد وفاته.



ثالثها: الاجتهاد في عصر التابعين وأتباعهم لنهاية عصر الأئمة أصحاب المذاهب المشهورة اليوم.



وجعل الباب السادس: للاجتهاد بين البقاء والانقطاع، وهو في فصول ثلاثة:

الفصل الأول: الخلاف في جواز خلو الزمان عن المجتهدين وعدمه.



الفصل الثاني: دعوى وقوع انعدام المجتهدين: نشأتها- القائلون بها - أسبابها - ومناقشتها.



الفصل الثالث: نماذج من المجتهدين بعد تلك الدعوى.



وأخيرًا جاءت الخاتمة لتؤكد ما توصل إليه البحث، من ضرورة الاجتهاد في كل عصر، وفي هذا العصر بالذات.



أرجو أن ينفع الله بهذه الرسالة، وأن يجعلها نواة طيبة لبحوث أخرى أكمل وأشمل.. إنه سميع مجيب.



خاتمة البحث


الاجتهاد ضرورة العصر الحاضر





تبين ما سبق ان الاجتهاد وجد منذ مطلع فجر الإسلام، وأنه عنصر حيوي في الشريعة الإسلامية الغراء، بل هو عنصرها المحرك الذي تستمد منه نشاطها وملاءمتها لكل عصر وبيئة ومكان.



وقد رأينا في مقدمة هذه الرسالة أن الله - سبحانه وتعالى - وهو العالم بكل شيء قد جعل هذا التشريع في وضع قابل للتطور ولمعالجة كل ما يجد من أحداث، وما يعترض الناس في حياتهم من مشكلات، فقد جاء أصلاه الأساسيان القرآن والسنة، مفصلان لما هو بحاجة إلى التفصيل، وموضحان لما لابد من توضيحه، كأصول العقيدة والعبادات، وبعض المعاملات التي لا يمكن أن تتغير على مر السنين، او تختلف باختلاف البيئات والأجناس.



أما الأمور الفرعية التي ليست من ضروريات الدين، ولا يترتب على الاختلاف فيها ضرر ديني أو اجتماعي ونحوهما، فقد اكتفى الشارع الحكيم بتأسيس قواعدها العامة، وأدلتها الإجمالية التي يمكن أن يندرج تحتها جميع ما سيحصل إلى قيام الساعة، ثم شرع الاجتهاد، وجعله الوسيلة العظمى لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية وتطبيقها.



ومن هنا كانت أهمية الاجتهاد بالغة، ومكانته عالية، والحاجة إليه لازمة، ووجوده ضروريًا في كل عصر وزمان، فاستعمله الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واستعمله الصحابة في حياته وبعد مماته، وأخذ به التابعون وأتباعهم، ثم الأئمة أصحاب المذاهب المشهورة، فمن بعدهم، ولم يخل زمان عن مجتهد، كما رأينا.



وإذا كان الاجتهاد واجبًا وضروريًا في كل عصر لوجود الحاجة إليه، فهو في عصرنا الحاضر أشد وجوبًا، وأكثر أهمية، لتميز هذا العصر بمشاكله المعقدة، وحوادثه الكثيرة التي لم يسبق لفقهائنا الأقدمين بحثها، حيث لم توجد في أزمنتهم، فقد نشأت حقوق لم تكن معروفة من قبل، ووجدت عقود لم يتعامل الناس بها في الزمن الماضي، وطرأت على بعض العقود والشروط السابقة إضافات أصبحت ضرورية لابد منها.



ومن أمثلة ذلك:

الحقوق المعنوية، أو ما يسمى بحقوق الملكية الأدبية للمخترعين في الاستفادة من مخترعاتهم العلمية الجديدة، وللمؤلفين في طبع مؤلفاتهم ونشرها وامتياز إصدار الصحف الدورية من جرائد ومجلات، وأسماء هذه الصحف.



ومن العقود الجديدة، عقد التأمين على البضائع، وعقود التوريد، وعقود الشركات المساهمة، والتوسع في عقود الاستصناع.



ومن الشروط المحدثة: الشرط الجزائي كما يسمى في الفقه الأجنبي وذلك كاشتراط ضمانات مالية في العقود على الطرف الذي يتأخر عن تنفيذ التزامه في حينه، إذ أصبح للزمن أثره القوي على التجارة الحاضرة.



ومن الأمور المهمة في هذا العصر المعاملات المصرفية، التي يدور عليها معظم اقتصاد العالم اليوم، والتي جاءت في صور كثيرة، تحتاج إلى النظر فيها، والحكم عليها بما تستحقه شرعًا من جواز أو حرمة أو صحة وبطلان.



هذه بعض الأمثلة، وغيرها كثير من الحقوق والعقود والشروط التي سادت العالم، وأصبح أكثر الناس مضطرين للتعامل بها أو ببعضها، الأمر الذي يستدعى الدراسة العميقة للفقه الإسلامي، والنظر في أدلته التي أسس عليها، وهي القرآن والسنة والإجماع والقياس وغيرها، وكذلك معرفة قواعد الفقه الكلية، ليمكن بذلك استنباط أحكام هذه المعاملات الجديدة، وتصحيح ما يقوم الدليل على تصحيحه، وتزييف ما لا يحل منها، والعمل على إيجاد بديل عنه مستفاد من طلب التشريع.



إذا فالاجتهاد ضرورة هذا العصر، ولابد من وجود المجتهدين بمختلف درجاتهم، لكي تغطي كل طبقة ما يحتاج إلى تغطيته من وقائع ومسائل.



وإنني إذا أقرر ذلك فلست سابقًا إليه، بل قد ادعى له نخبة من كبار مفكري هذا لاعصر، وعلمائه الذين أعلنوا بكل صراحة أنه يجب فتح باب الاجتهاد - على فرض علاقته في الماضي - بل إنهم يقررون أن ذلك الباب لم يقفل ولا يحق لأحد إقفاله، ومن هؤلاء المفكرين السيد محمد رشيد رضا، الذي كان في بحوثه يدعو إلى كسر نير التعصبات المذهبية، والتحرر من الجمود على مجتهدات، وتخريجات متأخري أتباع المذاهب.



ومنهم أيضًا: الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر سابقًا، فقد نطق حقًا حيث قال في الرد على مدعي استحالة الاجتهاد في هذا الزمان:

" إن الزمن لم يغير خلقة الإنسان، والعقول لم تضمر، والطبيعة باقية في الإنسان كما كانت في العصور الماضية، وهاهم علماء الأمم يحدوهم الأمل إلى بلوغ أقصى ما يتصوره العقل البشري ويصلون إليه بجدهم واجتهادهم، وقد كان أسلافهم في عماية وجهل، وكان أسلافنا في نور العلم وضياء المدنية.. وإني مع احترامي لرأي القائلين باستحالة الاجتهاد، أخالفهم في رأيهم وأقول: إن من علماء المعاهد الدينية في مصر من توفرت لديهم شروط الاجتهاد، ويحرم عليهم التقليد"[3].



وهذا الشيخ محمد أبوزهرة يرى ما يراه الحنابلة ومن معهم القائلون بوجوب الاجتهاد في كل عصر، وأنه لم ينقطع، ولن ينقطع إلى قيام الساعة فهو يقول:

"وقبل أن نترك هذا الموضوع نقرر ما أسلفنا من رأي الفقهاء الذين قرروا أن باب الاجتهاد الكامل لم يغلق، وخصوصًا رأي الحنابلة إذ قالوا: لا يصح أن يخلو عصر من مجتهد، لقد استوفى شروط الاجتهاد الكامل، فإنه بذلك يصان الدين، ويحمى من افتراء المفترين، ويكون في الإمكان بيان جوهره صافيًا نقيًا في كل عصر من العصور بالرجوع إلى مصادره الأولى من غير حواجز تحول دون ذلك، ويمكن بذلك تطبيق أصوله من غير انحراف عن منهاجها، ولا تزيد على أحكامها، ولا خلع للربقة الدينية، ولا يسوغ لأحدأن يغلق بابًا فتحه الله تعالى للمقول، فإن قال قائل ذلك فمن أي دليل أخذ.."[4].



وفي نهاية مطافنا في هذا البحث يجدر التنبيه إلى أن القول بفتح باب الاجتهاد لا يعني الخروج كلية عن تراثنا الفقهي العظيم، وعدم الالتفات إليه، وطرح مذاهب الأئمة السابقين، الذين خدموا الشريعة، واستخلصوا منها فقهًا لم يكن لأمة من أمم الأرض مثله.



ليس هذا هو معنى فتح باب الاجتهاد، أو استمراره مفتوحًا كما يتصور الأدعياء، الذينليس لهم علم الشرع الإسلامي، والذين هم غرباء عنه بتفكيرهم وثقافتهم.



ولكن الاجتهاد الذي ينبغي أن يبقى ويستمر، هو إمعان النظر ممن تتوفر لديه شروط الاجتهاد في أصول الشريعة المعتبرة بعد معرفة مناهج الأئمة، وطرقهم في الاستنباط، والاستفادة من تلك المناهج، وهي بحق مناهج وافية، وصالحة لأن تكون نبراسًا يستضئ به كل من أراد الحق واهتدى إليه.



ولضمان سلامة تراثنا من عبث العابثين من أدعياء الاجتهاد، ينبغي أن يكون الاجتهاد في هذا العصر في المسائل الخطيرة اجتهادًا جماعيًا، بحيث تتكون هيئات من كبار العلماء المخلصين، ولو في كل قطر من الأقطار الإسلامية على حدة، إذا لم يكن جميعهم في مكان واحد، فيتدارسون المشكلات الجديدة، ويتناقشون فيها، حتى يتوصلوا إلى رأي متفق عليه أو مقبول من غالبيتهم، ثم يعملون على نشره، وتطبيقه، وبهذا نكون قد جمعنا بين القيام بفرض الاجتهاد، وحل مشاكل العصر من صلب شريعتنا، وبين الحفاظ على ذلك التراث العظيم، الذي خلفه لنا الصفوة من أعلام أمتنا ومجتهديهم، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.







[1] الملل والنحل ج 1 ص199.




[2] الاجتهاد في الإسلام.




[3] الاجتهاد في الإسلام ص19.




[4] تاريخ المذاهب الإسلامية ج2، ص122.