بعد طول انتظار لا زوج ولا وظيفة!
د. فاتن أحمد مبارز

السؤال
عمري أربع وعشرون سنة، قد يكون عمري صغيراً على ما يحمله قلبي، وقد يكون عمري كبيراً على الاحتمال والانتظار أكثر. لا تهونوا مما سأقول فأنا أتألم وأبكي، ولا يمنعني شيء من أن أترك هذه الحياة سوى أني أحب ربى.. تخرجت منذ ثلاثة أعوام وأنا كلي طموح، فماذا وجدت!! طموحي يتهشم يوماً بعد يوم! لماذا؟! لأني –للأسف- لا أملك إلا شهادة تفوق تقول: إني من الأوائل على الدفعة، يل وشهادة الدراسات العليا التي تقول أيضا بأني من الأوائل على كل المعيدين في الجامعة، للأسف أنا لا ملك سوى هذا، لا أملك واسطة، وليس أهلي أصحاب نفوذ، ولا أجرؤ على دفع رشوة؛ حتى لا أُغضب ربي.. سألت الكثيرين وقالوا لي اصبري إن فرج الله لآت، واستمررت في البحث ولكن مللت الفشل في كل وظيفة أرسل لها، وكل من هم في مثل عمري اشتغلوا وهم أقل كفاءة وأقل تقديراً مني، ولا يتوقف الإحباط على هذا وحسب، بل خسرت الكثيرين من الأصدقاء، لا لسوء مني، ولكن لا أعرف لم الناس تحب أن تجرح بعضها بعضا.. يتصل بي أصدقائي حتى يتعجبوا على حالي أني إلى الآن قاعدة في البيت بلا عمل أو زواج، ويذكرون لي ما حصلوا عليه هم مما يزيد إحباطي وألمي.. رفضت الكثير من الأزواج لأني لم أجد من أربد، لم أجد الشخص المتكافئ ولا الملائم لطموحي وأهدافي، وكانت النتيجة أني لم أجد هدفاً ولا زواجاً.. ماذا أفعل.. أحببت العلم والعمل وكرهته من كثرة إحباطي، وأريد أن أتركه لأهله وهم أصحاب الواسطة والنفوذ والحظوظ.. لم أرغب في الزواج إلا عن اقتناع حتى لا ابتلى من سوء تصرفي بزوج سيئ.. فهل سيكون البشر سبباً في الضغط عليّ حتى أوافق على أي شخص لأتخلص من معايرتهم لي بالفشل، وأن مثلي هم من يعنسون في المستقبل، ويتساءلون ماذا جنيت بالتزامي وطلبي للعلم. وقد لجأت إلى ربي بالدعاء وكثرة الاستغفار والصدقة، ولكن مازال الإحباط يتوالى، ولا توجد بجسدي الآن طاقة لا للبحث عن عمل آخر، ولا لطلب العلم، ولا أتكلم مع أي أحد حتى أهلي، لا أرى سوى أن أبقى في غرفتي أعبد ربى إلى أن تنتهي حباتي، وأذهب إلى ربي الرحيم.. أرشدوني ماذا أفعل؟

الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الفاضلة .. سلام الله عليك..
(قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) هذا هو الأساس في كل ما يمر به الإنسان المسلم، إنه الرضا الذي يجب أن يوطن المسلم نفسه عليه بحيث تصير أقدار الله عز وجل أحب إليه من هوى نفسه، واعلمي أختنا الفاضلة أن من وطَّن نفسه على الرضا عاش في الدنيا حياة طيبة، ولم تعرف الهموم والأكدار إلى قلبه سبيلاً، كيف وقد رضي الله عنه ورضي هو عن الله؟ إن الله عز وجل يقول: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة..) وقد فسرها بعض السلف بأنها حياة الرضا والقناعة. حتى قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما لي هوى في شيء سوى ما قضى الله عز وجل. وكان السلف رضي الله عنهم يتواصون بالرضا وتربية النفس عليه لعلمهم بعلو منزلته، فهذا عمر الفاروق رضي الله عنه يكتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فيقول: "أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر".
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ذروة سنام الإيمان أربع خلال: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز وجل"..
وكان من وصايا لقمان عليه السلام لولده: " أوصيك بخصال تقربك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت". قال سفيان الثوري رحمه الله: منعه عطاء. ولعمر بن الخطاب كلمة مشهورة: "ما من مصيبة إلا وأحمد الله عليها لأمور: أنها لم تكن في ديني، وأنها أهون من سابقتها، وأن لي الأجر فيها عند الله.."..
فإن مع العسر يسرا، ورب ضاره نافعة ولعله خير، وهذا لا ينفي بالتأكيد الأخذ بالأسباب للوصول إلى ما يريده الإنسان طالما أن الأسباب مشروعة وحلال هذا أمر، الأمر الثاني وهو موضوع الزواج بالتحديد اعلمي أختي الفاضلة إن:
- العلاقة بين الالتزام والنصيب هي علاقة طردية وليست عكسية، أي كلما زادت التقوى والعفاف والالتزام كلما زاد توفيق الله وفتح أبواب الرزق والنصيب وليس العكس، "ومن يتق الله يجعل له مخرجا".... "ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا"..
- خلق الله القلم كأول ما خلق من المخلوقات فقال له اكتب ما جرت به المقادير منذ الساعة وحتى قيام الساعة، فجرى ذلك القلم يسطر كل صغيرة وكبيرة على سائر المخلوقات، ومن ضمنها: من هو زوجك، وأين ستتزوجين، وهل ستتزوجين أم لا، ومن هم أبناؤك وأحفادك وذريتك إلى يوم القيامة.. بالضبط مثل الرزق والأجل وبلد الإقامة. يقول تعالى "... وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت "، إذن هي قضية مسلمة ليس لك أن تضيعى فيها جزءاً من وقتك أو جهدك في التفكير والقلق من أجلها.. يقول صلى الله عليه وسلم: "إن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطاك لم يكن ليصيبك"..
- عليك بــ:
• واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين.
• الدعاء بـ:اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال..
• اجعلي لسانك رطبا بذكر الله تعالى، وكثرة الاستغفار، والدعاء.
• اغتنمي وقت فراغك.
• فك الحصار الذي فرضته على نفسك.
• اهربي من الوحدة والعزلة وحين نقول "اهربي"، فهذا يعني أن تحطمي كل ما يبعدك عن الناس ويشعرك وكأنك تعيشين وحدك في جزيرة معزولة، فحياتك دائماً مرتبطة بالآخرين فتؤثر فيهم وتتأثر بهم، حتى لو كان التأثير غير مباشر، اخرجي لتري الناس من حولك وتري مشكلاتهم، وكيف يتعاملون معها وكيف يعيشون يومهم، وليس بالضرورة أن تكوني راضية عن أسلوب الناس في التعامل، ولكن إحساسك بالناس من حولك وتعاطفك معهم واحترامك لهم، سيغير في حياتك، ويجنبك الإحساس بالوحدة والانعزال..
• ثقي في نفسك وفي قدراتك، يقول العالم الألماني جوته: أشر الأضرار التي من الممكن أن تصيب الإنسان هو ظنه السيئ بنفسه.
حقق الله لك ما فيه صالحك وحسن خاتمتك...