تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: ثم جهَّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمنَ لجَبلة ما اشترَط به..

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي ثم جهَّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمنَ لجَبلة ما اشترَط به..

    "حدثني أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن الأجدع الكوفي بهيت، قال: حدثني إبراهيم بن علي مولى بني هاشم، قال: حدثنا ثقات شيوخنا: أن جبلة بن الأيهم بن أبي شمر الغساني، لَما أراد أن يُسلم، كتَب إلى عمر بن الخطاب من الشام يُعلمه بذلك، يستأذنه في القدوم عليه، فسُرَّ بذلك عمر والمسلمون، فكتب إليه: أن اقدَم، ولك ما لنا، وعليك ما علينا، فخرج جبلة في خمسمائة فارس من عك وجفنة، فلما دنا من المدينة، ألبسهم ثياب الوشي المنسوج بالذهب والفضة، ولبِس يومئذ جبلة تاجه، وفيه قرط مارية، وهي جدته، فلم يبق يومئذ بالمدينة أحد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان، وفرِح المسلمون بقدومه وإسلامه، حتى حضر الموسم من عامه ذلك مع عمر بن الخطاب، فبينما هو يطوف بالبيت، إذ وطئ على إزاره رجل من بني فزارة، فحلَّه، فالتفتَ إليه جبلة مغضبًا، فلطَمه فهشَّم أنفه، فاستعدى عليه الفزاري عمر بن الخطاب، فبعَث إليه، فقال: ما دعاك يا جبلة إلى أن لطَمت أخاك هذا الفزاري، فهشَّمت أنفه؟ فقال: إنه وطئ إزاري، فحلَّه، ولولا حُرمة هذا البيت، لأخذت الذي في عيناه، فقال له عمر: أما أنت، فقد أقررت، فإما أن تُرضيه، وإلا أقَدته منك، قال: أتُقيده مني وأنا مَلِك وهو سُوقة؟ قال: يا جبلة، إنه قد جمعك وإياه الإسلام، فما تَفضله بشيء إلا بالعافية، قال: والله لقد رجوت أن أكون في الإسلام أعزَّ مني في الجاهلية، قال عمر: دعْ عنك ذلك، قال: إذًا أتنصَّر، قال: إن تنصَّرت، ضرَبت عنقك، قال: واجتمع قوم جبلة وبنو فزارة، فكادت تكون فتنة، فقال جبلة: أخِّرني إلى غد يا أمير المؤمنين، قال: ذلك لك، فلما كان جُنح الليل، خرج هو وأصحابه، فلم يَئن حتى دخل القسطنطينية على هرقل، فتنصَّر وأقام عنده، وأعظمَ هرقل قدوم جبلة، وسُرَّ بذلك، وأقطعه الأموال والأراضي والرباع.فلما بعث عمر بن الخطاب رسولاً إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، أجابه إلى المصالحة على غير الإسلام، فلما أراد أن يكتب جواب عمر، قال للرسول: ألقيت ابن عمك هذا الذي ببلدنا (يعني جبلة)، الذي أتانا راغبًا في ديننا؟قال: ما لقيته.قال: الْقَه، ثم ائتني، أعطِك جواب كتابك.وذهب الرسول إلى باب جبلة، فإذا عليه من القهارمة والحُجَّاب، والبهجة وكثرة الجمع، مثل ما على باب هرقل، قال الرسول: فلم أزَل أتلطَّف في الإذن حتى أذِن لي، فدخلت عليه، فرأيت رجلاً أصهبَ اللحية ذا سبالٍ، وكان عهدي به أسمر أسودَ اللحية والرأس، فنظرت إليه فأنكرته، فإذا هو قد دعا بسحالة الذهب، فذرَّها في لحيته حتى عاد أصهبَ، وهو قاعد على سرير من قوارير، قوائمه أربعة أسود من ذهب، فلما عرَفني رفَعني معه في السرير، فجعل يسائلني عن المسلمين، فذكرت خيرًا، وقلت: قد أضعفوا أضعافًا على ما تعرف.فقال: كيف ترَكت عمر بن الخطاب؟قلت: بخير.فرأيت الغم قد تبيَّن فيه لما ذكرت له من سلامة عمر، قال: فانحدرت عن السرير، فقال: لِم تأبى الكرامة التي أكرمناك بها؟ قلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا، قال: نعم، صلى الله عليه وسلم، ولكن نقِّ قلبك من الدَّنس، ولا تُبالِ علامَ قعَدت، فلما سمِعته يقول: صلى الله عليه وسلم، طمِعت فيه، فقلت له: وَيْحك يا جَبلة، ألا تُسلِم وقد عرَفت الإسلام وفضله؟قال: أبعد ما كان مني؟قلت: نعم، قد فعل رجل من بني فزارة أكثر مما فعَلت، ارتدَّ عن الإسلام وضرَب وجوه المسلمين بالسيف، ثم رجع إلى الإسلام، وقُبِل ذلك منه، وخلَّفته بالمدينة مسلمًا.قال: ذرني من هذا، إن كنت تضمن لي أن يُزوِّجني عمر ابنته، ويُوليني الأمر من بعده، رجَعت إلى الإسلام.قلت: ضمِنت لك التزوج، ولم أضمن لك الإمرة.قال: فأومَأ إلى خادم بين يديه، فذهب مسرعًا، فإذا خدم قد جاؤوا يحملون الصناديق فيها الطعام، فوُضِعت ونُصِبت موائد الذهب وصحاف الفضة، وقال لي: كُلْ، فقبَضت يدي وقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الأكل في آنية الذهب والفضة، فقال: نعم، صلى الله عليه وسلم، ولكن نقِّ قلبك، وكُلْ فيما أحبَبت.قال: فأكل في الذهب والفضة، وأكلت في الخليج، فلما رُفِع الطعام، جيء بطساس الفضة وأباريق الذهب، وأومأ إلى خادم بين يديه، فمر مسرعًا، فسمعت حسًّا، فالتفتُّ، فإذا خدَمٌ معهن الكراسي مُرصعة بالجواهر، فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره، ثم سمعت حسًّا، فإذا عشر جوار قد أقبلنَ مطمومات الشعر، متكسرات في الحلي، عليهنَّ ثياب الديباج، فلم أر وجوهًا قطُّ أحسن منهن، فأقعَدهن على الكراسي عن يمينه، ثم سمِعت حسًّا، فإذا عشر جوار أُخر، فأجلسهنَّ على الكراسي عن يساره، ثم سمعت حسًّا، فإذا جارية كأنها الشمس حُسنًا، وعلى رأسها تاج، وعلى ذلك التاج طائر لم أرَ أحسن منه، وفي يدها اليمنى جام فيه مسك وعنبر، وفي يدها اليسرى جام فيه ماء ورد، فأومأت إلى الطائر، أو قال: فصفَّرت بالطائر، فوقع في جام ماء الورد، فاضطرَب فيه، ثم أومأت إليه، أو قال: فصفَّرت به، فطار حتى نزل على صليب في تاج جبلة، فلم يَزل يُرفرف حتى نفضَ ماء ريشه عليه، وضحِك جبلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه، ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يمينه، فقال: بالله أطْرِبْنَني، فاندفعْنَ يَقُلنَ:
    لله دَرُّ عصابة نادَمتهم
    يومًا بجِلَّقَ في الزمان الأوَّلِ

    يَسقون من وَرْد البَريص عليهم
    بَرَدَى يُصَفِّق بالرحيق السَّلْسلِ

    أَولاد جَفنةَ حول قبر أبيهم
    قبرِ ابن ماريةَ الكريم المُفْضلِ

    يُغْشَون حتى ما تَهِرُّ كلابُهم
    لا يَسألون عن السَّواد المُقبلِ

    بِيضُ الوجوه كريمةٌ أحسابُهم
    شُمُّ الأُنوف من الطِّراز الأوَّلِ
    قال: فضحِك حتى بدَت نواجذه، ثم قال: أتدري من قائل هذا؟قلت: لا.قال: قائله حسان بن ثابت، شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم.ثم التفت إلى الجواري اللاتي عن يساره، فقال: بالله أبْكيننا.اندفعن يَقلن:
    لِمَن الدارُ أقْفَرتْ بِمَعَانِ
    بَيْن أعلى اليَرموك فالخَمَّانِ؟

    ذاك مَغْنًى لآلِ جَفنةَ في الدَّهْ
    محلاًّ لحادث الأزْمانِ

    قَد أراني هناك دَهْرًا مَكينًا
    عِند ذي التاج مَقعدي ومكاني

    ودَنا الفِصح فالولائد يَنْظِمْ ]
    نَ سِراعًا أَكِلَّةَ المَرْجانِ

    لَم يُعَلَّلْنَ بِالمَغافير والصَّمْ
    غِ ولا نَقْفِ حَنظلِ الشَّرْيانِ
    قال: فبكى حتى جعَلت الدموع تسيل على لِحيته، ثم قال: أتدري من قائل هذا؟قلت: لا أدري.قال: حسان بن ثابت.ثم أنشأ يقول:
    تنصَّرتِ الأشراف من عارِ لَطْمةٍ
    وما كان فيها لو صبَرتُ لها ضَرَرْ

    تَكَنَّفَني منها لَجاجٌ ونَخْوَةٌ
    وبِعْتُ لها العينَ الصحيحة بالعَوَرْ

    فيا ليت أُمي لم تَلِدني وليتني
    رجَعت إلى الأمر الذي قال لي عُمرْ

    ويا لَيتني أرعى المَخاضَ بقَفْرةٍ
    وكنتُ أسيرًا في رَبيعةَ أو مُضَرْ

    ويا لَيت لي بالشام أَدنى مَعيشةٍ
    أُجالس قومي ذاهبَ السَّمع والبصرْ
    ثم سألني عن حسان: أحيٌّ هو؟قلت: نعم، تركته حيًّا.فأمَر لي بكسوة ومال ونوق موقرة برًّا، ثم قال لي: إن وجدته حيًّا، فادفَع إليه الهدية، وأقْرِئه سلامي، وإن وجدته ميتًا، فادفعها إلى أهله، وانْحَر الجِمال على قبره.فلما قدِمت على عمر، أخبَرته خبر جبلة وما دعوته إليه من الإسلام، والشرط الذي شرطه، وأني ضمِنت له التزوج، ولم أضمَن له الإمرة، فقال: هلا ضمِنت له الإمرة؟ فإذا أفاء الله به الإسلام، قضى عليه بحُكمه - عز وجل - ثم ذكرت له الهدية التي أهداها إلى حسان بن ثابت.فبعث إليه وقد كُفَّ بصرُه، فأُتِي به وقائد يقوده، فلما دخل، قال: يا أمير المؤمنين، إني لأجد رياح آل جَفنة عندك.قال: نعم، هذا رجل أقبل من عنده.قال: هات يا ابن أخي؛ إنه كريم من كِرام مَدحتهم في الجاهلية، فحلف ألا يلقى أحدًا يعرفني إلا أهدى إلي معه شيئًا، فدفَعت إليه الهدية: المال والثياب، وأخبرته بما كان أمَر به في الإبل إن وُجِد ميتًا، فقال: وَدِدت أني كنت ميتًا، فنُحِرت على قبري.قال الزبير: وانصرف حسان وهو يقول:
    إنَّ ابْن جَفْنةَ مَن بقيَّة مَعشرٍ
    لَم يَغْذُهم آباؤهم باللومِ

    لَم يَنْسني بالشام إذ هو رَبُّها
    مَلِكًا ولا مُتنصِّرًا بالرومِ

    يُعطي الجزيلَ ولا يَراه عِنده
    إلا كبعض عَطيَّة المذمومِ
    فقال له رجل كان في مجلس عمر: أتذكر ملوكًا كفرةً أبادهم الله وأفناهم؟ قال: ممن الرجل؟ قال: مُزني، قال: أمَا والله لولا سوابق قومك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطوَّقتك طوق الحمامة.قال: ثم جهَّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمنَ لجَبلة ما اشترَط به، فلما قدِمت القسطنطينية، وجَدت الناس منصرفين من جنازته، فعلِمت أن الشقاء غلب عليه في أمِّ الكتاب".

    ما صحة هذا الأثر؟



  2. #2

    افتراضي رد: ثم جهَّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمنَ لجَبلة ما اشترَط به..

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    قد تضافرت الروايات في قصة جبلة بن الأيهم فسأذكر رواية رواية ثم أعلق على إسناده، فقصته تمر على ثلاث مراحلة فيهن أرسل إليه مرتين من قبل النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وجيء به مرة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وذلك لما رأى من عزة المسلمين تظهر بعدما كان يجاور الروم وكان يخشى على ملكه لما رأى نفسه مهانًا، فارتدَّ.
    وقيل دعاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما ولى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى الإسلام أو جعله يدعوه.

    قال أبو عبد الله ابن عبد المنعم الحميري: "وكان آخر ملوك الشام من الغسانيين جبلة بن الأيهم بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو ممدوح حسان بن ثابت رضي الله عنه". اهـ. [الروض المعطار (1/169)]ـ.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة

    قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو يحكي ما حدث في اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم في اعتزال بعض أزواجه رضي الله عنهن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول:
    "وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالْخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ، وَنَحْنُ حِينَئِذٍ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّان". اهـ.
    متفقٌ عليه.
    المرحلة الأولى:
    إرسال النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي شجاع بن أبي وهب إليه:
    قلتُ: أخرجها ابن سعد عن الهيثم بن عدي بثلاث طرق في الطبقات الكبرى (1/202).
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة

    فقال ابن سعد: قال: أخبرنا الهيثم بن عدي قال:
    أخبرنا دلهم بن صالح وأبو بكر الهذلي عن عبد الله
    بن بريدة عن أبيه بريدة بن الحصيب الأسلمي:
    حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان والزهري قال:
    وحدثنا الحسن بن عمارة عن فراس عن الشعبي: دخل حديث بعضهم في حديث بعض:

    (قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام. فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهدى له هدية ولم يزل مسلما حتى كان في زمان عمر بن الخطاب ... إلخ).
    قلت وهذه رواية بريدة الأسلمي كما سيأتي بيانها..
    والطرق كلها واهية لضعف الهيثم بن عدي إلا أن رواية يزيد والزهري والشعبي كلها مراسيل إلا أن رواية الزهري من بينها وُصِّلَت من طريق ءاخر كما سيأتي.
    وهناك رواية عن الزهري مفادها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل شجاع بن أبي وهب إلى المنذر وهو غير جبلة بن الأيهم كما سيأتي.
    قلتُ: ومثل هذا الاضطراب صنعه ابن عساكر في تاريخ دمشق [72 : 28] في ترجمة جبلة بن الأيهم من خمس طرق:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة

    فقال ابن عساكر: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، أَنَا الْحَسَن بْن علي، أَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، أَنَا أَحْمَد بْن معروف، نا الحارث ابْن أَبِي أسامة، أَنَا مُحَمَّد بْن سعد، أَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر الأسلمي،
    قال: حَدَّثَني معمر بْن راشد، ومُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْد الله بْن عَبْد اللَّه بْن عتبة، عَن ابن عَبَّاس.
    قَالَ: ونا أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه ابْن أَبِي سبرة، عَن المسور بْن رفاعة.
    قَالَ: ونا عَبْد الحميد بْن جَعْفَر، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: ونا عُمَر بْن سُلَيْمَان ابْن أَبِي حثمة، عَنْ أَبِي بَكْر بْن سُلَيْمَان ابْن أَبِي حثمة، عَنْ جدّته الشفاء.
    قَالَ: ونا أَبُو بَكْر بْن عَبْد اللَّه ابْن أَبِي سبرة، عَنْ مُحَمَّد بْن يوسف، عَن السائب بْن يزيد، عَن العلاء بْن الحضرمي.
    قَالَ: ونا معاذ بْن مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، عَنْ جَعْفَر بْن عمرو بْن جَعْفَر بْن عمرو بْن أمية الضمري، عَنْ أهله، عَنْ عمرو بْن أمية الضمري دخل حديث بعضهم فِي حديث بعض قَالُوا:
    " وكتب رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلى جبلة بْن الأيهم يدعوه إلى الْإِسْلَام، فأسلم، وكتب بإسلامه إلى رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم وأهدى لَهُ هديه
    ،
    ثم لم يزل مسلمًا حتى كَانَ فِي زمن ابن عُمَر بْن الْخَطّاب، فبينا هُوَ فِي سوق دمشق إذا وطئ رجلًا من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ وانطُلق بِهِ إلى أَبِي عبيدة بْن الجراح، فقالوا: هذا لطم جَبَلة، قَالَ: " فيلطمه "، قَالُوا: أما يقتل؟ قَالَ: " لا "، فقالوا: فما تقطع يده؟ قَالَ: " لا، إنّما أمر اللَّه بالقَوَد...قَالَ جبلة: أترون أني جاعل وجهي ندًّا لوجه جدي جاء من عمق بئس الدين هذا ! ثم ارتدْ نصرانيًا، وترحّل بقومه حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذَلِكَ عُمَر، فشقّ عَلَيْهِ، وقال لحسان بْن ثابت: " أَبَا الوليد، أما علمت أن صديقك جبلة بْن الأيهم ارتدْ نصرانيًا؟ قَالَ: إنا لله وإنا إلَيْهِ راجعون، وَلِمَ؟ قَالَ: لطمه رَجُل من مُزَينة، قَالَ: وحُقّ لَهُ، فقام إلَيْهِ عُمَر بالدرة، فضربه بها "، قَالَ: عمق: موضع فِي ناحية المدينة، كذا فِي هذه الرواية.
    وهذه الأسانيد واهية أيضًا فيها محمد بن عمر الواقدي متروك الحديث.
    قلتُ: وروى بغير هذا الإسناد ابن عساكر في موضع ءاخر في ترجمة شجاع بن أبي وهب من طريق محمد بن عمر بأن شجاع بن أبي وهب أرسل إلى الْمُنْذِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ
    وهو غير جبلة بن الأيهم.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة

    قال ابن عساكر بعدما أخرجها (73/141).
    فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ بُعِثَ بِكِتَابِهِ مَعَ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ إِلَى قَيْصَرَ، وَبُعِثَ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ الأَسَدِيُّ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ.
    قلتُ: فضلًا عمن إليه أرسل، فهذا يدل على أن العدي بن هيثم ومحمد بن عمر الواقدي كلاهما قد اضطربا عنهما في الرواية اضطرابًا شديدًا مما يدل على أنهما لم يحفظا أو غيرهما الرواية.
    أما رواية الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة اختلف فيه فورد أنه أرسل إلى هرقل وهو غير المنذر بن الحارث ولكن إسنادها لا يصح ففيه ابن إسحاق قد عنعن وهو مدلس والراوي عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف في الرواية عن غير بلده وابن إسحاق ليس منهم.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    قال أبو نعيم الأصبهاني: وَرَوَى الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شُجَاعَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ إِلَى جَبَلَةَ بْنِ الأَيْهَمِ ". اهـ.
    أخرجها أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة [3793] هكذا معلقًا، ووصلها ابن عساكر في تاريخ دمشق [73 : 141] فقال:
    من طريق ابن منده: عن سَهْلُ بْنُ السَّرِيِّ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: أنبأنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: فذكره.وهذا إسناد موضوع، من فوق ابن منده مسلسل بالعلل إلى أبي بكر الهذلي.
    - فالإسناد إلى الهيثم بن عدي مظلم. - والهيثم بن عدي متروك الحديث قال عنه علي بن المديني: "أوثق عندي من الواقدي ولا أرضاه في الحديث ضعيف ولا في الأنساب ولا في شيء". اهـ.
    - وشيخه أبو بكر الهذلي قال عنه الحافظ ابن حجر: "أخباري متروك الحديث". اهـ.

    قال ابن عساكر بعد روايته:
    قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ:
    " وَرَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ الأَسَدِيَّ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ الْحَارِثِ الْغَسَّانِيِّ.
    وَخَالَفَهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، فَقَالَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ إِلَى جَبَلَةَ. اهـ.
    قلتُ: وهذه المخالفة أعني رواية ابن وهب معلقة لم أجد من وصلها، فقد ذكرها معلقة أيضًا أبو نعيم في المعرفة [3792]
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة

    فقال أبو نعيم: وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُجَاعِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ إِلَى جَبَلَةَ ". اهـ.
    وهذا إٍسناد رجاله ثقات وهو معلق.
    وقد ذكر السهيلي في الروض الأنف (7/522) ت الوكيل خلاف ذلك فقال:


    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    وَأَمّا شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا جَبَلَةُ إنّ قَوْمَك نَقَلُوا هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ مِنْ دَارِهِ إلَى دَارِهِمْ، يَعْنِي: الْأَنْصَارَ، فَآوَوْهُ، وَمَنَعُوهُ، وَإِنّ هَذَا الدّينَ الّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِدِينِ آبَائِك، وَلَكِنّك مَلَكْت الشّامَ وَجَاوَرْت بِهَا الرّومَ، وَلَوْ جَاوَرْت كِسْرَى دِنْت بِدِينِ الْفُرْسِ لملك العراق، وقد أفرّ بِهَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ مِنْ أَهْلِ دِينِك مَنْ إنْ فَضّلْنَاهُ عَلَيْك لَمْ يُغْضِبْك، وَإِنْ فَضّلْنَاك عَلَيْهِ لَمْ يُرْضِك، فَإِنْ أَسْلَمْت أَطَاعَتْك الشّامُ وَهَابَتْك الرّومُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا كَانَتْ لَهُمْ الدّنْيَا وَلَك الْآخِرَةُ، وَكُنْت قَدْ اسْتَبْدَلْت الْمَسَاجِدَ بِالْبِيَعِ، وَالْأَذَانَ بِالنّاقُوسِ، وَالْجُمَعَ بِالشّعَانِينِ، وَالْقِبْلَةَ بِالصّلِيبِ، وَكَانَ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى،
    فَقَالَ لَهُ جَبَلَةُ: إنّي وَاَللهِ لَوَدِدْت أَنّ النّاسَ أَجْمَعُوا عَلَى هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى خَلْقِ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَقَدْ سَرّنِي اجْتِمَاعُ قَوْمِي لَهُ، وَأَعْجَبَنِي قَتْلُهُ أَهْلَ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودَ، وَاسْتِبْقَاؤُه ُ النّصَارَى، وَلَقَدْ دَعَانِي قَيْصَرُ إلَى قِتَالِ أَصْحَابِهِ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فَأَبَيْت عَلَيْهِ، فَانْتَدَبَ مَالِكَ بْنَ نافلة مِنْ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ فَقَتَلَهُ اللهُ، وَلَكِنّي لَسْت أَرَى حَقّا يَنْفَعُهُ، وَلَا بَاطِلًا يَضُرّهُ وَاَلّذِي يَمُدّنِي إلَيْهِ أَقْوَى مِنْ الّذِي يَخْتَلِجُنِي عَنْهُ، وَسَأَنْظُرُ ". اهـ.
    وهذا لا إسناد عليه، ولم أقفُ عليه، وهذا خلاف ما ورد في إسلامه، ولكن فيه إفصاح عن سبب مجيئه فيما بعد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه طمعًا في مكانة أو سلطان ما ومع ذلك ورد أن عمر رضي الله عنه، استجاب لمطلبه ولكن قد مات حينئذ وورد أنه معاوية الذي استجاب له، والله أعلم.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة

    قال ابن عساكر:
    وروى غيره، عَن الواقدي: أنّهُ أقام عَلَى نصرانيته إلى أن شهد اليرموك فِي خلافة عُمَر بْن الْخَطّاب مَعَ الروم، ثم أسلم بعد ذَلِكَ، وكذا ذكر...
    أيضًا.
    وذكر عَن الواقدي فِي كتاب الصوائف أن جَبَلة لم يسلم..
    عُمَر أن لا يأخذ منه الجزية، ويقبل منه الصدقة فامتنع عَنْهُ، فلحق بالروم، فالله أعلم، والأظهر بأنه أسلم، ثم تنصّر ". اهـ.

    ثانيًا: إرسال أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
    أخرجه البيهقي في دلائل النبوة وأبو القاسم قوام السنة في دلائل النبوة واللفظ له قال:

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ، ثنا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ صَاحِبٍ الشَّاشِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:
    " بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرَجُلًا آخَرَ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى هِرْقَلَ صَاحِبِ الرُّومِ، يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْغَوْطَةَ، فَنَزَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيِّ، وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا بِرَسُولٍ نُكَلِّمُهُ، فَقُلْنَا: وَاللَّهِ، لَنْ نُكَلِّمُ رَسُولًا، وَإِنَّمَا بُعِثْنَا إِلَى الْمَلِكِ، فَإِنْ أَذِنَ لَنَا كَلَّمْنَاهُ وَإِلَّا لَمْ نُكَلِّمْهُ، فَرَجِعَ إِلَيْهِ رَسُولُهُ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَأَذِنَ لَنَا، فَقَالَ: تَكَلَّمُوا، فَكَلَّمَهُ هِشَامٌ وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ سَوَادٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذِهِ الَّتِي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: لَبِسْتُهَا وَحَلِفْتُ أَنْ لَا أَنْزَعَهَا حَتَّى أُخْرِجَكُمْ مِنَ الشَّامِ كُلِّهِ، قُلْنَا: مَجْلِسِكَ هَذَا فَوَاللَّهِ، لَنَأْخُذَنَّهُ مِنْكَ، وَمُلْكَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَسْتُمْ مِنْهُمْ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَصُومُونَ بِالنَّهَارِ وَيُفْطِرُونَ بِاللَّيْلِ، فَكَيْفَ صَوْمُكُمْ؟ فَأَخْبَرَنَاهُ ، فَعَلَا وَجْهَهُ سَوَادٌ، وقَالَ: قُومُوا، وَبَعَثَ مَعَنَا رَسُولًا إِلَى الْمَلِكِ، ... إلخ". اهـ. [وذكر قصة طويلة في لقائهم بهرقل].
    قلتُ: وهذا إسناد رجاله ثقات عدا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس مجهول لم أجد له ترجمة في كتب الترجمة.
    وقال ابن كثير تفسير القرآن ٣/٤٨١ :" إسناده لا بأس به ". اهـ.
    قلتُ: له شاهد أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة فقال:

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا مَسْعُودُ بْنُ يَزِيدَ الْقَطَّانُ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ الْقُرَشِيِّ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِ، وَنُعَيْمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَجُلا آخَرَ قَدْ سَمَّاهُ، بُعِثُوا إِلَى مَلِكِ الرُّومِ زَمَنَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: " فَدَخَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الأَيْهَمِ، وَهُوَ بِالْغُوطَةِ، فَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ، وَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ حَوْلَهُ أَسْوَدُ، فَقَالَ: يَا هِشَامُ، كَلِّمْهُ، فَكَلَّمَهُ وَدَعَاهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الثِّيَابُ السُّودُ؟، قَالَ: لَبِسْتُهَا نَذْرًا، وَلا أَنْزِعُهَا، حَتَّى أُخْرِجَكُمْ مِنَ الشَّامِ كُلِّهَا، قَالَ: فَقُلْنَا: فَوَاللَّهِ لَنَأْخُذَنَّهُ مِنْكَ، وَمُلْكَ الْمَلِكِ الأَعْظَمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَنْتُمْ إِذًا السَّمْرَاءُ؟، قُلْنَا: نَحْنُ السَّمْرَاءُ.
    قَالَ: لَسْتُمْ بِهِمْ.
    قُلْنَا: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ بِالنَّهَارِ، وَيَقُومُونَ اللَّيْلَ.
    قُلْنَا: نَحْنُ هُمْ وَاللَّهِ.
    قَالَ: فَكَيْفَ صَوْمُكُمْ؟ فَوَصَفْنَا لَهُ صَوْمَنَا، قَالَ: فَكَيْفَ صَلاتُكُمْ؟ فَوَصَفْنَا لَهُ صَلاتَنَا، قَالَ: فَاللَّهُ يَعْلَمُ لَقَدْ غَشِيَهُ سَوَادٌ، حَتَّى صَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ طَابِقٍ، قَالَ: قُومُوا، فَأَمَرَ بِنَا إِلَى الْمَلِكِ ... ". هـ، [ثم ذكر قصة طويلة].
    وهنا ظاهر أن جبلة بن الأيهم لم يسلم بعدُ، بدليل عندما كلمه هشام بن العاص دعاه إلى الإسلام، ولعل جبلة بن الأيهم ارتد مع الذين ارتدو ثم لما جاء عمر واستقرت الدولة وعظم شأنها عاد إلى الإسلام، والله أعلم.
    ولعله خفي على هشام بن العاص إسلامه أو علم فأراد تأكيد إسلامه بدعوته، ولكن أخطأ في السؤال بانتقاد لباسه السواد فجعله في المقابل يتعنت فتولى كبره يومئذ، والله أعلم.
    المرحلة الثالثة:
    مجيئه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    "حدثني أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن الأجدع الكوفي بهيت، قال: حدثني إبراهيم بن علي مولى بني هاشم، قال: حدثنا ثقات شيوخنا: أن جبلة بن الأيهم بن أبي شمر الغساني، لَما أراد أن يُسلم، كتَب إلى عمر بن الخطاب من الشام يُعلمه بذلك، يستأذنه في القدوم عليه، فسُرَّ بذلك عمر والمسلمون، فكتب إليه: أن اقدَم، ولك ما لنا، وعليك ما علينا، فخرج جبلة في خمسمائة فارس من عك وجفنة، فلما دنا من المدينة، ألبسهم ثياب الوشي المنسوج بالذهب والفضة، ولبِس يومئذ جبلة تاجه، وفيه قرط مارية، وهي جدته، فلم يبق يومئذ بالمدينة أحد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان، وفرِح المسلمون بقدومه وإسلامه، حتى حضر الموسم من عامه ذلك مع عمر بن الخطاب، فبينما هو يطوف بالبيت، إذ وطئ على إزاره رجل من بني فزارة، فحلَّه، فالتفتَ إليه جبلة مغضبًا، فلطَمه فهشَّم أنفه، فاستعدى عليه الفزاري عمر بن الخطاب، فبعَث إليه، فقال: ما دعاك يا جبلة إلى أن لطَمت أخاك هذا الفزاري، فهشَّمت أنفه؟ فقال: إنه وطئ إزاري، فحلَّه، ولولا حُرمة هذا البيت، لأخذت الذي في عيناه، فقال له عمر: أما أنت، فقد أقررت، فإما أن تُرضيه، وإلا أقَدته منك، قال: أتُقيده مني وأنا مَلِك وهو سُوقة؟ قال: يا جبلة، إنه قد جمعك وإياه الإسلام، فما تَفضله بشيء إلا بالعافية، قال: والله لقد رجوت أن أكون في الإسلام أعزَّ مني في الجاهلية، قال عمر: دعْ عنك ذلك، قال: إذًا أتنصَّر، قال: إن تنصَّرت، ضرَبت عنقك، قال: واجتمع قوم جبلة وبنو فزارة، فكادت تكون فتنة، فقال جبلة: أخِّرني إلى غد يا أمير المؤمنين، قال: ذلك لك، فلما كان جُنح الليل، خرج هو وأصحابه، فلم يَئن حتى دخل القسطنطينية على هرقل، فتنصَّر وأقام عنده، وأعظمَ هرقل قدوم جبلة، وسُرَّ بذلك، وأقطعه الأموال والأراضي والرباع.فلما بعث عمر بن الخطاب رسولاً إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، أجابه إلى المصالحة على غير الإسلام، فلما أراد أن يكتب جواب عمر، قال للرسول: ألقيت ابن عمك هذا الذي ببلدنا (يعني جبلة)، الذي أتانا راغبًا في ديننا؟قال: ما لقيته.قال: الْقَه، ثم ائتني، أعطِك جواب كتابك.وذهب الرسول إلى باب جبلة، فإذا عليه من القهارمة والحُجَّاب، والبهجة وكثرة الجمع، مثل ما على باب هرقل، قال الرسول: فلم أزَل أتلطَّف في الإذن حتى أذِن لي، فدخلت عليه، فرأيت رجلاً أصهبَ اللحية ذا سبالٍ، وكان عهدي به أسمر أسودَ اللحية والرأس، فنظرت إليه فأنكرته، فإذا هو قد دعا بسحالة الذهب، فذرَّها في لحيته حتى عاد أصهبَ، وهو قاعد على سرير من قوارير، قوائمه أربعة أسود من ذهب، فلما عرَفني رفَعني معه في السرير، فجعل يسائلني عن المسلمين، فذكرت خيرًا، وقلت: قد أضعفوا أضعافًا على ما تعرف.فقال: كيف ترَكت عمر بن الخطاب؟قلت: بخير.فرأيت الغم قد تبيَّن فيه لما ذكرت له من سلامة عمر، قال: فانحدرت عن السرير، فقال: لِم تأبى الكرامة التي أكرمناك بها؟ قلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا، قال: نعم، صلى الله عليه وسلم، ولكن نقِّ قلبك من الدَّنس، ولا تُبالِ علامَ قعَدت، فلما سمِعته يقول: صلى الله عليه وسلم، طمِعت فيه، فقلت له: وَيْحك يا جَبلة، ألا تُسلِم وقد عرَفت الإسلام وفضله؟قال: أبعد ما كان مني؟قلت: نعم، قد فعل رجل من بني فزارة أكثر مما فعَلت، ارتدَّ عن الإسلام وضرَب وجوه المسلمين بالسيف، ثم رجع إلى الإسلام، وقُبِل ذلك منه، وخلَّفته بالمدينة مسلمًا.قال: ذرني من هذا، إن كنت تضمن لي أن يُزوِّجني عمر ابنته، ويُوليني الأمر من بعده، رجَعت إلى الإسلام.قلت: ضمِنت لك التزوج، ولم أضمن لك الإمرة.قال: فأومَأ إلى خادم بين يديه، فذهب مسرعًا، فإذا خدم قد جاؤوا يحملون الصناديق فيها الطعام، فوُضِعت ونُصِبت موائد الذهب وصحاف الفضة، وقال لي: كُلْ، فقبَضت يدي وقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الأكل في آنية الذهب والفضة، فقال: نعم، صلى الله عليه وسلم، ولكن نقِّ قلبك، وكُلْ فيما أحبَبت.قال: فأكل في الذهب والفضة، وأكلت في الخليج، فلما رُفِع الطعام، جيء بطساس الفضة وأباريق الذهب، وأومأ إلى خادم بين يديه، فمر مسرعًا، فسمعت حسًّا، فالتفتُّ، فإذا خدَمٌ معهن الكراسي مُرصعة بالجواهر، فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره، ثم سمعت حسًّا، فإذا عشر جوار قد أقبلنَ مطمومات الشعر، متكسرات في الحلي، عليهنَّ ثياب الديباج، فلم أر وجوهًا قطُّ أحسن منهن، فأقعَدهن على الكراسي عن يمينه، ثم سمِعت حسًّا، فإذا عشر جوار أُخر، فأجلسهنَّ على الكراسي عن يساره، ثم سمعت حسًّا، فإذا جارية كأنها الشمس حُسنًا، وعلى رأسها تاج، وعلى ذلك التاج طائر لم أرَ أحسن منه، وفي يدها اليمنى جام فيه مسك وعنبر، وفي يدها اليسرى جام فيه ماء ورد، فأومأت إلى الطائر، أو قال: فصفَّرت بالطائر، فوقع في جام ماء الورد، فاضطرَب فيه، ثم أومأت إليه، أو قال: فصفَّرت به، فطار حتى نزل على صليب في تاج جبلة، فلم يَزل يُرفرف حتى نفضَ ماء ريشه عليه، وضحِك جبلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه، ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يمينه، فقال: بالله أطْرِبْنَني، فاندفعْنَ يَقُلنَ:
    لله دَرُّ عصابة نادَمتهم
    يومًا بجِلَّقَ في الزمان الأوَّلِ

    يَسقون من وَرْد البَريص عليهم
    بَرَدَى يُصَفِّق بالرحيق السَّلْسلِ

    أَولاد جَفنةَ حول قبر أبيهم
    قبرِ ابن ماريةَ الكريم المُفْضلِ

    يُغْشَون حتى ما تَهِرُّ كلابُهم
    لا يَسألون عن السَّواد المُقبلِ

    بِيضُ الوجوه كريمةٌ أحسابُهم
    شُمُّ الأُنوف من الطِّراز الأوَّلِ
    قال: فضحِك حتى بدَت نواجذه، ثم قال: أتدري من قائل هذا؟قلت: لا.قال: قائله حسان بن ثابت، شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم.ثم التفت إلى الجواري اللاتي عن يساره، فقال: بالله أبْكيننا.اندفعن يَقلن:
    لِمَن الدارُ أقْفَرتْ بِمَعَانِ
    بَيْن أعلى اليَرموك فالخَمَّانِ؟

    ذاك مَغْنًى لآلِ جَفنةَ في الدَّهْ
    محلاًّ لحادث الأزْمانِ

    قَد أراني هناك دَهْرًا مَكينًا
    عِند ذي التاج مَقعدي ومكاني

    ودَنا الفِصح فالولائد يَنْظِمْ ]
    نَ سِراعًا أَكِلَّةَ المَرْجانِ

    لَم يُعَلَّلْنَ بِالمَغافير والصَّمْ
    غِ ولا نَقْفِ حَنظلِ الشَّرْيانِ
    قال: فبكى حتى جعَلت الدموع تسيل على لِحيته، ثم قال: أتدري من قائل هذا؟قلت: لا أدري.قال: حسان بن ثابت.ثم أنشأ يقول:
    تنصَّرتِ الأشراف من عارِ لَطْمةٍ
    وما كان فيها لو صبَرتُ لها ضَرَرْ

    تَكَنَّفَني منها لَجاجٌ ونَخْوَةٌ
    وبِعْتُ لها العينَ الصحيحة بالعَوَرْ

    فيا ليت أُمي لم تَلِدني وليتني
    رجَعت إلى الأمر الذي قال لي عُمرْ

    ويا لَيتني أرعى المَخاضَ بقَفْرةٍ
    وكنتُ أسيرًا في رَبيعةَ أو مُضَرْ

    ويا لَيت لي بالشام أَدنى مَعيشةٍ
    أُجالس قومي ذاهبَ السَّمع والبصرْ
    ثم سألني عن حسان: أحيٌّ هو؟قلت: نعم، تركته حيًّا.فأمَر لي بكسوة ومال ونوق موقرة برًّا، ثم قال لي: إن وجدته حيًّا، فادفَع إليه الهدية، وأقْرِئه سلامي، وإن وجدته ميتًا، فادفعها إلى أهله، وانْحَر الجِمال على قبره.فلما قدِمت على عمر، أخبَرته خبر جبلة وما دعوته إليه من الإسلام، والشرط الذي شرطه، وأني ضمِنت له التزوج، ولم أضمَن له الإمرة، فقال: هلا ضمِنت له الإمرة؟ فإذا أفاء الله به الإسلام، قضى عليه بحُكمه - عز وجل - ثم ذكرت له الهدية التي أهداها إلى حسان بن ثابت.فبعث إليه وقد كُفَّ بصرُه، فأُتِي به وقائد يقوده، فلما دخل، قال: يا أمير المؤمنين، إني لأجد رياح آل جَفنة عندك.قال: نعم، هذا رجل أقبل من عنده.قال: هات يا ابن أخي؛ إنه كريم من كِرام مَدحتهم في الجاهلية، فحلف ألا يلقى أحدًا يعرفني إلا أهدى إلي معه شيئًا، فدفَعت إليه الهدية: المال والثياب، وأخبرته بما كان أمَر به في الإبل إن وُجِد ميتًا، فقال: وَدِدت أني كنت ميتًا، فنُحِرت على قبري.
    قال الزبير: وانصرف حسان وهو يقول:
    إنَّ ابْن جَفْنةَ مَن بقيَّة مَعشرٍ
    لَم يَغْذُهم آباؤهم باللومِ

    لَم يَنْسني بالشام إذ هو رَبُّها
    مَلِكًا ولا مُتنصِّرًا بالرومِ

    يُعطي الجزيلَ ولا يَراه عِنده
    إلا كبعض عَطيَّة المذمومِ
    فقال له رجل كان في مجلس عمر: أتذكر ملوكًا كفرةً أبادهم الله وأفناهم؟ قال: ممن الرجل؟ قال: مُزني، قال: أمَا والله لولا سوابق قومك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطوَّقتك طوق الحمامة.قال: ثم جهَّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمنَ لجَبلة ما اشترَط به، فلما قدِمت القسطنطينية، وجَدت الناس منصرفين من جنازته، فعلِمت أن الشقاء غلب عليه في أمِّ الكتاب".

    ما صحة هذا الأثر؟

    هذا ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد (1/130) وعزاه إلى العجلي فقال: حدّثني أبو الحسن عليّ بن أحمد بن عمرو بن الأجدع الكوفي بهيت، قال: حدّثني إبراهيم بن عليّ مولى بني هاشم، قال: حدّثنا ثقات شيوخنا أن فذكره.
    وهذا إسناد مظلم معضل، رواته مجاهيل مع إبهام الراوي.
    وقد روى بعضه أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني بإسناده ولكن الأصفهاني متهم، قال:
    وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ الْحَرَمِيُّ بْنُ أَبِي الْعَلاءِ عَنْهُ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الضَّحَّاكِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ فذكر نحو الحديث السابق بطوله.
    وهذا أيضًا إسناده ضعيف معضل.
    وقال أبو الفرج: أَخْبَرَنِي الْحَرَمِيُّ بْنُ أَبِي الْعَلاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ الرَّسُولُ الَّذِي بَعَثَ بِهِ إِلَى جَبَلَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّتَهُ مَعَ الْجَارِيَةِ الَّتِي جَاءَتْ بِالْجَامَيْنِ وَالطَّائِرِ الَّذِي تَمَعَّكَ فِيهِمَا، وَذَكَرَ قَوْلَ حَسَّانٍ: إِنَّ ابْنَ جَفْنَةَ مِنْ بَقِيَّةِ مَعْشَرٍ وَلَمْ يَذْكُر غَيْرَ ذَلِكَ هَكَذَا رَوَى أَبُو عَمْرٍو فِي هَذَا الْخَبَرِ". اهـ.
    وهذا إسناد فيه بون شاشع من الانقطاع.
    قلتُ: وقد ورد من طريق ءاخر بسند فيه الكلبي أخرجه ابن الجوزي في المنتظم فقال:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيُّوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ مُوسَى بْنِ هَارُونَ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ يزك، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
    " ذَكَرُوا أَنُّه لَمَّا أَسْلَمَ جَبَلَةُ بْنُ الأَيْهَمِ الْغَسَّانِيُّ، وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ جَفْنَةَ وَذَلِكَ فِي خِلافَةِ عُمَرَ وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بِإِسْلامِهِ، وَيَسْتَأْذِنُه ُ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ، فَسُرَّ عُمَرُ بِذَلِكَ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْقُدُومِ، فَخَرَجَ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ حَتَّى إِذَا قَارَبَ الْمَدِينَةَ عَمَدَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَحَمَلَهُمْ عَلَى الْخَيْلِ وَقَلَّدَهَا قَلائِدَ الْفِضَّةِ، وَأَلْبَسَهُمُ الدِّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ، وَلَبِسَ تَاجَهُ وَفِيهِ قُرْطُ مَارِيَةَ جَدِّتِهِ، وَبَلَغَ عُمَرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالنُّزُلِ هُنَالِكَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةِ فِي هَيْئَتِهِ، فَلَمْ تَبْقَ بِكْرٌ وَلا عَانِسٌ إِلا خَرَجَتْ تَنْظُرُ، فَدَخَلَ عَلَى عُمَرَ فَرَحَّبَ بِهِ، ثُمَّ أَقَامَ أَيَّامًا، وَأَرَادَ عُمَرُ الْحَجَّ، فَخَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ هَيْئَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَطِئَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إِزَارَهُ مِنْ خَلْفِهِ فَانْحَلَّ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَهَشَّمَ أَنْفَ الْفَزَارِيِّ، فَمَضَى يَسْتَعْدِي عُمَرَ عَلَيْهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَأَتَى، فَقَالَ: هَشَّمْتَ أَنْفَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، اعْتَمَدَ حَلَّ إِزَارِي، وَلَوْلا حُرْمَةُ الْكَعْبَةِ لَضَرَبْتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَقْرَرْتَ، فَإِمَّا أَنْ تُرْضِيَ الرَّجُلَ وَإِلا أَقَدْتُهُ مِنْكَ، قَالَ: أَوَ خَطَر هُوَ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ وَأَنَا مَلِكٌ وَهُوَ سُوقَةٌ؟ قَالَ عُمَرُ: الإِسْلامُ جَمَعَكُمَا، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنِّي أَكُون فِي الإِسْلامِ أَعَزَّ مِنِّي فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، قَالَ: هُوَ مَا تَرَى، فَقَالَ: إِذِنْ أَتَنَصَّرُ، قَالَ: إِنْ فَعَلْتَ قَتَلْتُكَ، وَاجْتَمَعَ مِنْ حَيِّ الْفَزَارِيِّ وَحَيِّ جَبَلَةَ عَلَى بَابِ عُمَرَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَقَالَ: أنا أَنْظُرُ فِي هَذَا الأَمْرِ لَيْلَتِي هَذِهِ، فَانْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا ادْلَهَمَّ اللَّيْلُ تَحَمَّلَ بِأَصْحَابِهِ إِلَى الشَّامِ فِي خَمْسِ مِائَةٍ حَتَّى دَخَلَ الْقُسْطَنْطِين ِيَّةَ فِي زَمَنِ هِرْقِلَ، فَتَنَصَّرَ وَقَوْمُهُ فَأَقْطَعَهُ هِرْقِلُ مَا شَاءَ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَجَعَلَهُ مِنْ سُمَّارِهِ. فَمَكَثَ دَهْرًا، ثُمَّ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى هِرْقِلَ كِتَابًا وَبَعَثَهُ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَجَابَ هِرْقِلُ بِمَا أَرَادَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ للرَّجُلِ: هَلْ لَقِيتَ ابْنَ عَمِّكَ جَبَلَةَ ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَالْقِهِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَمَا أَخَالَنِي رَأَيْتُ ثِيَابَ هِرْقِلَ مِنَ السُّرُورِ وَالْبَهْجَةِ مَا رَأَيْتُ مِنْ ثِيَابِ جَبَلَةَ، فَاسْتَأْذَنْتُ ، فَأَذِنَ وَقَامَ وَرَحَّبَ بِي عَانَقَنِي وَعَاتَبَنِي فِي تَرْكِ النُّزُولِ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ فِي بَهْوٍ عَظِيمٍ مِنَ التَّمَاثِيلِ وَالْهَوْلِ مَا لا أُحْسِنُ أَصِفُهُ وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، لَهُ أَرْبَعُ قَوَائِمَ، رَأْسُهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ أَصْهَبُ ذُو سِبَالٍ، وَإِذَا هُوَ قَدْ أَمَرَ بِالذَّهَبِ الأَحْمَرِ فَسُحِلَ فَذُرَّ فِي لِحْيَتِهِ، وَاسْتَقْبَلَ عَيْنَ الشَّمْسِ ثُمَّ أَجْلَسَنِي عَلَى كُرْسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُهُ انْحَدَرْتُ عَنْهُ، وَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ هَذَا، وَسَأَلَنِي عَنِ النَّاسِ، وَأَلْحَفَ فِي السُّؤَالِ عَنْ عُمَرَ، ثُمَّ عَرَفْتُ الْحُزْنَ فِيهِ، فَقُلْتُ: مَا يَمْنَعُكَ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى قَوْمِكَ وَالإِسْلامِ؟ قَالَ: بَعْدَ الَّذِي كَانَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ارْتَدَّ وَضَرَبَهُمْ بِالسُّيُوفِ وَمَنَعَهُمُ الزَّكَاةَ، ثُمَّ دَخَلَ فِي الإِسْلامِ، وَزَوَّجَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أُخْتَهُ، فَقَالَ: دَعْ هَذَا عَنْكَ، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى وَصِيفٍ قَائِمٍ عَلَى رَأْسِهِ فَوَلَّى، فَمَا شَعَرْنَا إِلا بِالصَّنَادِيقِ يَحْمِلُهَا الرِّجَالُ، فَوُضِعَتْ أَمَامَنَا مَائِدَةً مِنْ ذَهَبٍ فَاسْتَعْفَيْتُ مِنْهَا، فَأَتَى بِمَائِدَةِ خَلَنْجَ، فَوُضِعَتْ أَمَامِي وَسعي عَلَيْنَا مِنْ كُلِّ حَارٍّ وَبَارِدٍ فِي صِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَدَارَتْ عَلَيْنَا الْخَمْرُ فَاسْتَعْفَيْتُ مِنْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَبْرِيقٍ مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى وَصِيفٍ لَهُ، فَمَا كَانَ إِلا هُنَيْهَةً حَتَّى أَقْبَلَتْ عَشْرُ جَوَارٍ، فَقَعَدَ خَمْسٌ عَنْ يَمِينِهِ وَخَمْسٌ عَنْ يَسَارِهِ عَلَى كَرَاسِيِّ الْعَاجِ، وَإِذَا عَشْرٌ أُخَرُ أَحْسَنُ مِنَ الأُوَّلِ، فَقَعَدَ خَمْسٌ عَنْ يَمِينِهِ وَخَمْسٌ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ جَارِيَةٌ مِنْ أَحْسَن مَا تَكُونُ مِنَ الْجَوَارِي بِطَائِرٍ أَبْيَضَ، وَفِي يَدِهَا الْيُمْنَى جَامٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ مِسْكٌ وَعَنْبَرٌ سَحِيقَانِ، وَفِي يَدِهَا الْيُسْرَى جَامٌ مِنْ فِضَّةٍ فِيهِ مَاءُ وَرْدٍ مَا لَمْ أَشُمَّ مِثْلَهُ، فَنَقَرَتِ الطَّائِرَ فَوَقَعَ فِي الْجَامِ فَتَقَلَّبَ فِيهِ ثُمَّ فِي الْجَامِ الآخَرِ فَتَقَلَّبَ فِيهِ، ثُمَّ سَقَطَ عَلَى صَلِيبٍ فِي تَاجِ جَبَلَةَ، ثُمَّ حَرَّكَ جَنَاحَيْهِ فَنَثَرَ ذَلِكَ عَلَى رَأْسِ جَبَلَةَ وَلِحْيَتِهِ، ثُمَّ شَرِبَ جَبَلَةُ خَمْرًا ثُمَّ اسْتَهَلَّ وَاسْتَبْشَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْجَوَارِي: أَطْرِبْنَنِي، فَخَفَقْنَ بِعِيدَانِهِنَّ ، فَانْدَفَعْنَ يُغَنِّينَ:
    للَّهِ دَرُّ عِصَابَةٍ نَادَمْتُهُمْ يَوْمًا بِجِلقٍ فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ
    أَوْلادُ جَفْنَةَ عِنْدَ قَبْرِ أَبِيهِمْ قَبْرِ ابْنِ مَارِيَةَ الْكَرِيمِ الْمُفَضَّلِ
    بِيضُ الْوُجُوهِ كَرِيمَةٌ أَحْسَابُهُمْ شَمُّ الأُنُوفِ مِنَ الطِّرَازِ الأَوَّلِ
    يُغْشَوْنَ حَتَّى مَا تَهِرُّ كِلابُهُمْ لا يَسْأَلُونَ عَنِ السَّوَادِ الْمُقْبِلِ
    فَطَرِبَ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَعْرِفُ لِمَنْ هَذَا الشِّعْرُ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: قَالَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: هُوَ حَيٌّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَمَا إِنَّهُ ضَرِيرٌ كَبِيرٌ. ثُمَّ قَالَ: أَطْرِبْنَنِي، فَغَنَّيْنَ:
    لِمَنِ الدَّارُ أَقْفَرَتْ بمغَانِ بَيْنَ قَرْعِ الْيَرْمُوكِ وَالصَّمَّانِ
    ذَاكَ مُغْنٍ لآلِ جَفْنَة فِي الدَّهْرِ مَحَاهُ تَعَاقُبُ الأَزْمَانِ
    فقَالَ: أَتَعْرِفُ قَائِلَ هَذَا؟ ذَاكَ حَسَّانُ، ثُمَّ سَكَتَ طَوِيلا، ثُمَّ قَالَ: ابْكينَنِي، فَوَضَعْنَ عِيدَانَهُنَّ وَنَكَّسْنَ رُءُوسَهُنَّ، وَقُلْنَ:
    تَنَصَّرَتِ الأَشْرَافُ مِنْ عَارِ لَطْمَةٍ وَمَا كَانَ فِيهَا لَوْ صَبَرَتْ عَلَى ضَرَرْ
    تَكَنَّفَنِي فِيهَا لجَاجٌ وَنَخْوَةٌ وَبِعْتُ بِهَا الْعَيْنَ الصَّحِيحَةَ بِالْعورْ
    فَيَا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي وَلَيْتَنِي رَجَعْتُ إِلَى الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ عُمَرْ
    وَيَا لَيْتَنِي أَرْعَى الْمَخَاضَ بِقَفْرَةٍ وَكُنْتُ أَسِيرًا فِي رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرْ
    وَيَا لَيْتَ لِي بِالشَّامِ أَدْنَى مَعِيشَةٍ أُجَالِسُ قَوْمِي ذَاهِب السَّمْعِ وَالْبَصَرْ
    أدِينُ بِمَا دَانَوْا بِهِ مِنْ شَرِيعَةٍ وَقَدْ يَصْبِرُ الْعَودُ الْكَبِيرُ عَلَى الدّبرْ
    ثُمَّ انْصَرَفَ الْجَوَارِي، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَبْكِي حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى دُمُوعِهِ تَجُولُ كَأَنَّهَا اللُّؤْلُؤُ، وَبَكَيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ نَشَّفَ دُمُوعَهُ بِكُمِّهِ، وَمَسَحَ وَجْهَهُ، وَقَالَ: يَا جَارِيَةُ، هَاتِي، فَأَتَتْهُ بِخَمْسِ مِائَةِ دِينَارٍ هِرْقِلِيَّةٍ، فَقَالَ: ادْفَعْ هَذِهِ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: هَاتِي بِمِثْلِهَا، فَأَتَتْهُ، فَقَالَ: خُذْهَا صِلَّةً لَكَ، فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ: لا أَقْبَلُ صِلَّةَ رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَالَ: أَقْرِئْ عَلَى عُمَرَ وَالْمُسْلِمِين َ السَّلامَ. فَجِئْتُ إِلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: وَرَأَيْتَهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَبْعَدَهُ اللَّهُ، تَعَجَّلَ فَانِيَهُ بِبَاقِيهِ " اهـ.
    وهذا إسناد معضل، رجاله ثقات عدا الكلبي وأبيه فإنهما متهمان فضلا عن أن الرواية ذكرت بصيغة التمريض فقال: "وذكروا أن". اهـ.
    وقد أخرجها ابن عساكر وزاد فيه عن عوانة فقال: أَخْبَرَنَا أَبُو القاسم بْن السَّمَرْقَنْدي ، أَنَا أَبُو الفضل بْن خيرون، أَنَا أَبُو عَلِيّ بْن شاذان، أَنَا أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن يعقوب بْن يوسف الأصبهاني المعروف ببرذويه، قَالَ: فَحَدَّثَني أَبُو طَالِب مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن دعبل الخزاعي، عَن الْعَبَّاس بْن هشام بْن مُحَمَّد الكلبي، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عوانة، قَالَ: فذكر نحوه.
    وهذا إسناد فيه جهالة البعض، فلعل وهم من أحدهم في هذه الزيادة ولكن لا تدفع عن الانقطاع الحاصل.
    والذي حدث في هذه الرواية من تودد جبلة بن الأيهم إلى حسان بن ثابت فذلك لعلاقتهما في الجاهلية قديما.
    فأخرج ابن شبة في تارخ المدينة، ومن طريقه أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني فقال:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قال: أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ، عَنْ أَبِيهِ، قال: قال حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، رضي الله عنه: " أَتَيْتُ جَبَلَةَ بْنَ الأَيْهَمِ الْغَسَّانِيَّ وَقَدْ مَدَحْتُهُ، فَأَذِنَ لِي عَلَيْهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ رَجُلٌ ذُو ضَفِيرَتَيْنِ، وَهُوَ النَّابِغَةُ، وَعَنْ يَسَارِهِ رَجُلٌ لا أَعْرِفُهُ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فقال: أَتَعْرِفُ هَذَيْنِ؟ فَقُلْتُ: أَمَّا هَذَا فَأَعْرِفُهُ، هُوَ النَّابِغَةُ، وَأَمَّا هَذَا فَلا أَعْرِفُهُ، فقال: هُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدَةَ، إِنْ شِئْتَ اسْتَنْشَدْتُهُ مَا وَسَمِعْتَ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُنْشِدَ بَعْدَهُمَا أَنْشَدْتَ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ سَكَتَّ، قال: قلت: وَذَاكَ، فَاسْتَنْشَدَ النَّابِغَةَ، فَأَنْشَدَهُ:
    كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةُ نَاصِبِ وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الْكَوَاكِبِ
    قال: فَذَهَبَ يُصْغِي، ثم قال لِعَلْقَمَةَ: أَنْشِدْ، فَأَنْشَدَ:
    طَحَا بِكِ قَلْبٌ فِي الْحِسَانِ طَرُوبُ بُعَيْدَ الشَّبَابِ عَصْرٌ حَانَ مَشِيبُ
    قال: فَذَهَبَ يُصْغِي إِلَى الآخَرِ، ثم قال لِي: أَنْتَ الآنَ أَعْلَمُ، إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تُنْشِدَنَا بَعْدَمَا سَمِعْتَ فَأَنْشِدْ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تُمْسِكَ فَأَمْسِكْ، قال: فَتَشَدَّدْتُ وَقُلْتُ: لأُنْشِدُ، قال: هَاتِ، فَأَنْشَدْتُهُ الْقَصِيدَةَ الَّتِي أَقُولُ فِيهَا:
    أَبْنَاءُ جَفْنَةَ حَوْلَ قَبْرِ أَبِيهِمُ قَبْرُ ابْنِ مَارِيَةَ الْكَرِيمِ الْمُفْضِلِ
    يُغْشَوْنَ حَتَّى مَا تَهِرُّ كِلابُهُمْ لا يَسْأَلُونَ عَنِ السَّوَادِ الْمُقْبِلِ
    بِيضُ الْوُجُوهِ كَرِيمَةٌ أَحْسَابُهُمْ شُمُّ الأُنُوفِ مِنَ الطِّرَازِ الأَوَّلِ
    قال: ادْنُهْ، ادْنُهْ، لَعَمْرِي مَا أَنْتَ بِدُونِهِمَا، ثُمَّ أَمَرَ لِي بِثَلاثِمِائَةِ دِينَارٍ، وَبِعَشَرَةِ أَقْمِصَةٍ لَهَا جَيْبٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ: هَذَا لَكَ عِنْدَنَا فِي كُلِّ عَامٍ ". اهـ.
    وهذا إٍسناد معضل، وقد رواه أبو الفرج الأصفهاني بإسناد ءاخر فيه الواقدي في قصة أخرى معضلا.
    ولكن ورد خلاف في مجيئه فيما كان إلى أبي عبيدة أم إلى عمر رضي الله عنهما.
    قال الحميري: وقد اختلف في سبب تنصره، فقيل إنه مر في سوق دمشق فأوطأ رجلاً فرسه فوثب الرجل فلطمه، فأخذ الغسانيون ذلك الرجل ودخلوا به على أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فقالوا: إن هذا الرجل لطم سيدنا، فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: البينة أنه لطمك، قال له جبلة: وما تصنع بالبينة؟ قال: إن كان لطمك لطمته قال: ولا يقتل؟ قال: لا، قال: ولا تقطع يده؟ قال: لا إنما أمر الله تعالى بالقصاص فهي لطمة بلطمة، فخرج جبلة ولحق بأرض الروم وتنصر. وقيل كان سبب ذلك أنه وطئ رجل من بني فزارة على إزار جبلة فلطمه جبلة فأدخله الرجل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، .... إلخ". اهـ.
    أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة

    قرأت على أبي القاسم خلف بن إسماعيل بن أحمد عن عبد العزيز بن أحمد أنا أبو محمد بن ابي نصر نا خالد بن محمد بن خالد الحضرمي نا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة أنا محمد بن عائذ أنا محمد بن عبد الله الواقدي حدثني عمر بن عثمان الجحشي عن ابيه قال [وذكر حديثا طويلا منها ما قال]:
    "ومات ابن أبي شمر عام الفتح ووليهم جبلة بن الأيهم وكان ينزل الجابية وكان آخر ملوك غسان فأدركه عمر بن الخطاب فأسلم فلاحي رجلا من مزينة فلطم عينه فجاء به إلى عمر بن الخطاب فقال تأخذ لي بحقي فقال عمر الطم عينه فقال جبلة عيني وعينه سواء قال عمر نعم قال جبلة لا أقيم بهذا الدار أبدا فلحق بعمورية مرتدا حتى مات على ردته وكان الحارث بن أبي شمر نازلا لا بجلق".
    قال ابن عساكر: محمد بن عبد الله هذا هو محمد بن عمر الواقدي دلسه ابن عائذ ". اهـ.
    وهذا إسناد معضل، فيه الواقدي.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة

    وقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال:
    أَخْبَرَنَا أَبُو البركات أيضًا، أن طراد بْن مُحَمَّد، أَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن البنا، نا حامد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الهروي، قالا: أَنَا عَلِيّ بْن عَبْد العزيز بْن المرزبان، نا أَبُو عُبَيْد، نا أَبُو مسهر الدمشقي، نا سَعِيد بْن عَبْد العزيز، قَالَ: قَال عُمَر بْن الْخَطّاب لجَبَلة بْن الأيهم الغساني: " يا جُبَيلة "، فلم يجبه، ثم قَالَ: " يا جبلة "، فلم يجبه مرتين، ثم قَالَ: " يا جبلة "، فأجابه، قَالَ: " اختر مني إحدى ثلاث: إمّا أن تسلم، فيكون لك ما للمسلمين، وعليك ما عليهم، وإما أن تؤدي الخراج، وإما أن تلحق بالروم "، قَالَ: ولحق بالروم.
    وهذا معضل أيضًا.
    وأما ما جاء من قصة مجيئ جبلة إلى أبي عبيدة فهي رواية ابن سعد التي ذكرناها فتتمتها حيث قال:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة

    قَالُوا: " وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَبَلَةَ بْنِ الأَيْهَمِ مَلِكِ غَسَّانَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ، فَأَسْلَمَ وَكَتَبَ بِإِسْلامِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً وَلَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا حَتَّى كَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي سُوقِ دِمَشْقَ إِذْ وَطِئَ رَجُلا مِنْ مُزَيْنَةَ فَوَثَبَ الْمُزَنِيُّ فَلَطَمَهُ فَأُخِذَ وَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَقَالُوا: هَذَا لَطَمَ جَبَلَةَ، قَالَ: فَلْيَلْطِمْهُ، قَالُوا: وَمَا يُقْتَلُ؟ قَالَ: لا، قَالُوا: فَمَا تُقْطَعُ يَدُهُ؟ قَالَ: لا إِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْقَوَدِ، قَالَ جَبَلَةُ: أَوَتَرَوْنَ أَنِّي جَاعِلٌ وَجْهِي نِدًّا لِوَجْهِ جَدْيٍ جَاءَ مِنْ عُمْقٍ، بِئْسَ الدِّينُ هَذَا، ثُمَّ ارْتَدَّ نَصْرَانِيًّا وَتَرَحَّلَ بِقَوْمِهِ حَتَّى دَخَلَ أَرْضَ الرُّومِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَشَقَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: أَبَا الْوَلِيدِ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ صَدِيقَكَ جَبَلَةَ بْنَ الأَيْهَمِ ارْتَدَّ نَصْرَانِيًّا؟ قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَلِمَ؟ قَالَ: لَطَمَهُ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ قَالَ: وَحُقَّ لَهُ فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ فَضَرَبَهُ بِهَا ". اهـ.
    قد بينت ضعفها فيما سبق ففي أسانيدها الهيثم بن عدي، وهكذا تتمتها عند ابن عساكر من طريق ابن سعد عن الواقدي.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة

    وورد من طريق ءاخر أخرجه أبو الفرج في الأغاني فقال:
    وَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِيُّ: وَجَّهَنِي مُعَاوِيَةُ إِلَى مَلَكِ الرُّومِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ دُونَ مَجْلِسِهِ، فَكَلَّمَنِي بِالْعَرَبِيَّة ِ فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ غَلَبَ عَلَيْهِ الشَّقَاءُ، أَنَا جَبَلَةُ بْنُ الأَيْهَمِ، إِذَا صِرْتَ إِلَى مَنْزِلِي فَأَلْقِنِي.
    فَلَمَّا انْصَرَفَ وَانْصَرَفْتُ، أَتَيْتُهُ فِي دَارِهِ، فَأَلْفَيْتُهُ عَلَى شَرَابِهِ، وَعِنْدَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِهِ بِشِعْرِ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ
    قَدْ عَفَا جَاسِمٌ إِلَى بَيْتِ رَأْسٍ فَالْحَوَانِي فَجَانِبُ الْجُولانِ
    وَذَكَرَ الأَبْيَاتَ.
    فَلَمَّا فَرَغَتَا مِنْ غِنَائِهِمَا أَقْبَلَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ؟ قُلْتُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ عُمِيَ، فَدَعَا بِأَلْفِ دِينَارٍ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَتَرَى صَاحِبُكَ يَفِي لِي إِنْ خَرَجْتُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: قُلْ مَا شِئْتِ أَعْرِضُهُ عَلَيْهِ.
    قَالَ: يُعْطِينِي الثَّنِيَّةَ فَإِنَّهَا كَانَتْ مَنَازِلَنَا، وَعِشْرِينَ قَرْيَةً مِنَ الْغُوطَةِ مِنْهَا دَارِيَّا وَسَكَّاءَ، وَيَفْرِضُ لِجَمَاعَتِنَا وَيُحْسِنُ جَوَائِزَنَا.
    قَالَ: قُلْتُ: أُبْلِغُهُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ: وَدَدْتُ أَنَّكَ أَجَبْتَهُ إِلَى مَا سَأَلَ فَأَجَزْتُهُ لَهُ.
    وَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يُعْطِيهِ ذَلِكَ، فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ.
    قَالَ: وَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَقِيتُ حَسَّانًا، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ صَدِيقُكَ جَبَلَةُ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ.
    فَقَالَ: هَاتِ مَا مَعَكَ.
    قُلْتُ: وَمَا عِلْمُكَ أَنَّ مَعِيَ شَيْئًا، قَالَ: مَا أَرْسَلَ إِلَيَّ بِالسَّلامِ قَطُّ إِلا وَمَعَهُ شَيْءٌ.
    قَالَ: فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الْمَالَ أَخْبَرَنِي إبراهيم بْن مُحَمَّد بْن أيوب، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مسلم، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَنِ ابْن أخي الأصمعي، عن عمه، عن أهل الْمَدِينَة، قَالُوا: بعث جبلة إِلَى حسان بخمس مائة دينار وكسى، وَقَالَ للرسول: إن وجدته قد مات، فابسط هَذِهِ الثياب عَلَى قبره، فجاء فوجده حيا، فأخبره فَقَالَ: لوددت أنك وجدتني ميتا ". اهـ.
    ونحوه ذكره ابن الجوزي في المنتظم بلا إسناد.
    لم يدرك عمر بن شبة الصحابي عبد الله بن مسعدة ولا أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم
    والله أعلم.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: ثم جهَّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمنَ لجَبلة ما اشترَط به..

    جزاكم الله خيرا.

  4. #4

    افتراضي رد: ثم جهَّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمنَ لجَبلة ما اشترَط به..

    وجزاكم الله خيرًا.
    وقد وردت لشخص ءاخر اسمه الحارث بن سنان الأزدي مثل قصة جبلة بن الأيهم.
    أخرجها العاصمي في التهذيب بصيغة التمريض فقال:
    روي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدّه قال: لمّا ولّي عمر بن الخطّاب الخلافة كان رجل من أصحابه يقال له: الحارث بن سنان الأزدي جرى بينه و بين رجل من الأنصار كلام و منازعة فقام إليه الأنصاري فلطمه على حرّ وجهه فقدّمه الحارث بن سنان إلى عمر فقال:
    يا أمير المؤمنين إنّ هذا الأنصاري لطمني على حرّ وجهي.
    فقال [عمر]: يا حارث تريد قصاص الجاهليّة أم قصاص الإسلام؟ قال [الحارث*]: بل قصاص الجاهليّة! فقال عمر: نعوذ باللّه من الجهل و الجاهليّة بعد الإسلام إنّ اللّه تعالى محا بمحمّد صلى اللّه عليه و [ب] القرآن قصاص الجاهليّة- و كان في الجاهليّة من لطم حرّ وجه قطعت يده- قال عمر: يا حارث لا قطع إلّا في السرقة قم فالطمه كما لطمك فإنّ اللّه تعالى يقول: وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ* [194/ البقرة: 2].
    فغضب الحارث من ذلك و انطلق و ظنّ عمر و المسلمون أنّه يريد البادية فمضى إلى قيصر ملك الروم فتنصّر فأعجب قيصر دخوله في النصرانيّة و تركه دين الحنيفيّة، و كان [الحارث*] أوّل من ارتدّ، فأمّا أهل الردّة فكانوا لا يتنصّرون و لا يتهوّدون و لا يتمجّسون، إنّما قالوا: نصلّي و نصوم و لا نؤدّي الزكاة، فأمّا أوّل من تنصّر في الإسلام فإنّه الحارث بن سنان.
    فجمع قيصر بطارقته و أمرهم بالسجود له [فسجدوا له*] و أخذ للحارث سريرا مشبّكا بالذهب و أجرى عليه كلّ شهر ألف دينار، و كان عند قيصر ثلاث مائة رجل من أسارى المسلمين فعرض عليهم الحارث النصرانيّة و رغّبهم فيها وزهّدهم في الإسلام و قال لهم قيصر: من تنصّر منكم فافعل به*. ... إلخ". ثم [ذكر محاورة بين قيصر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه].
    قلتُ: فضلًا عن أنه معلق وأنه من المرويات الشيعية ففيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف جدًّا.
    الحارث بن سنان هذا الأزدي ترجمته توجد عند ابن دريد الأزدي في كتاب الاشتقاق قال:
    "وكان الحارث بن سنانٍ أدركَ الإسلامَ، وبَعَثَ النبي صلى الله عليه وسلم معه رجلاً من الأنصار ليدعُوَ أهلَه في جواره إلى الإسلام، فقتلَه رجلٌ من بني ثَعلبة، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال لحسّانٍ: قلْ فيه. فقال حسَّان:

    يا حارِ مَن يَغْدُر بذمَّةِ جارِه ... منكمْ فإنَّ محمَداً لم يَغدُرِ
    وأمانةُ المُرِّيِّ ما استَرعَيْتَه ... مثلُ الزجاجةِ صَدعُها لم يُجْبَرِ
    إن تغدُروا فالغَدرُ منكمْ عادةٌ ... والغَدرُ ينبُت في أصولِ السَّخْبرِ
    فبعث الحارثُ يعتذِر، وبعث بديةِ الرَّجُل، ففرَّقها النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أهله ". اهـ.

    وفي الأخير لكن ثبت بإسناد صحيح قصة مشابهة لرجل ءاخر اسمه ربيعة بن أمية بن خلف.
    فأخرج ابن شبة في تاريخ المدينة (1/382) فقال:
    [1198 ] حَدَّثَنَا عَارِمٌ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قال: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، غَرَّبَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الْخَمْرِ، أُرَاهُ، قال: إِلَى خَيْبَرَ، فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ، فقال عُمَرُ، رضي الله عنه: لا أُغَرِّبُ أَحَدًا بَعْدَهُ "
    [1199] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حَدَّثَنِي غَسَّانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، " أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، كَانَ قَدْ أَدْمَنَ الشَّرَابَ، فَشَرِبَ فِي رَمَضَانَ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ، رضي الله عنه، وَغَرَّبَهُ إِلَى ذِي الرِّدَّةِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ عُمَرُ، رضي الله عنه، وَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، رضي الله عنه، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ وَلَّى عُمَرُ وَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، فَلَوْ دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ مَا رَدَّكَ أَبَدًا، فقال: لا وَاللَّهِ لا أَدْخُلُ فَتَقُولُ قُرَيْشٌ: غَرَّبَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَتَنَصَّرَ، فَكَانَ قَيْصَرُ يُحِبُّهُ وَيُكْرِمُهُ، فَأَعْقَبَ بِهَا.
    قال: فَأَخْبَرَنِي أُبَيٌّ، قال: قَدِمَ رَسُولٌ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، رضي الله عنه، مِنْ بِلادِ الرُّومِ، فقال مُعَاوِيَةُ، رضي الله عنه: هَلْ كَانَ لِلنَّاسِ خَبَرٌ؟ قال: نَعَمْ، بَيْنَا نَحْنُ مُحَاصِرُو مَدِينَةِ كَذَا إِذْ سَمِعْتُ رَجُلا فَصِيحَ اللِّسَانِ مُشْرِفًا مِنْ بَيْنِ شُرْفَتَيْنِ مِنْ شُرَفِ الْحِصْنِ يُنْشِدُ:
    كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إِلَى الصَّفَا أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ
    بَلَى نَحْنُ كُنَّا أَهْلَهَا فَأَبَادَنَا صُرُوفُ اللَّيَالِي وَالْجُدُودُ الْعَوَاثِرُ
    فقال مُعَاوِيَةُ، رضي الله عنه: وَيْحَكَ ! ذَاكَ رَبِيعَةُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيِّ ". اهـ.
    والله أعلم.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: ثم جهَّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمنَ لجَبلة ما اشترَط به..


  6. #6

    افتراضي رد: ثم جهَّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمنَ لجَبلة ما اشترَط به..

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    نعم قد مر علي ذلك، وكنت استغربت أن يتواجد هنا، ولكن اتضح في الأخير أنه تشابه أسماء.
    وجزاك الله خيرًا.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: ثم جهَّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمنَ لجَبلة ما اشترَط به..

    نفع الله بكم وأثابكم على تواجدكم المستمر في التحقيق والتخريج .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: ثم جهَّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمنَ لجَبلة ما اشترَط به..


  9. #9

    افتراضي رد: ثم جهَّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمنَ لجَبلة ما اشترَط به..

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    قال الشيخ محمد بن آدم الاثيوبي:

    " هذا الأثر رجاله ثقات، إلا أن فيه انقطاعا؛ لأن الجمهور على أن ابن المسيب لم يسمع من عمر رضي الله عنه ... " انتهى من "ذخيرة العقبى" (40 / 299).

    والأثر: ضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف سنن النسائي" (5692).
    قلتُ: وتضعيفه غير صائب فقد روى البيهقي بسند متصل صحيح لغيره في السنن الكبرى [8 : 321] فقال:
    أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَرْدَسْتَانِ يُّ، أنبأ أَبُو نَصْرٍ الْعِرَاقِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ:
    " أُتِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِشَيْخٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ، وَنَفَاهُ إِلَى الشَّامِ، وَجَعَلَ يَقُولُ لِلْمَنْخَرَيْن ِ: أَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَوُلْدَانِنَا صِيَامٌ، أَوْ صِبْيَانُنَا صِيَامٌ؟ ". اهـ. [ورواه عبد الزاق في مصنفه عن الثوري].
    قلتُ: والشيخ هو المقصود به ربيعة بن أمية بن خلف كما جاء من طريق ءاخر:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحمن هاشم بيومي مشاهدة المشاركة

    فأخرج ابن شبة في تاريخ المدينة (1/382) فقال:
    [1199] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حَدَّثَنِي غَسَّانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، " أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، كَانَ قَدْ أَدْمَنَ الشَّرَابَ، فَشَرِبَ فِي رَمَضَانَ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ، رضي الله عنه، وَغَرَّبَهُ إِلَى ذِي الرِّدَّةِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ عُمَرُ، رضي الله عنه، وَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، رضي الله عنه، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ وَلَّى عُمَرُ وَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، فَلَوْ دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ مَا رَدَّكَ أَبَدًا، فقال: لا وَاللَّهِ لا أَدْخُلُ فَتَقُولُ قُرَيْشٌ: غَرَّبَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَتَنَصَّرَ، فَكَانَ قَيْصَرُ يُحِبُّهُ وَيُكْرِمُهُ، فَأَعْقَبَ بِهَا.
    والله أعلم.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •