صور ظلم الدعوة
حمزة بن فايع الفتحي


يتجلّى كمشهد قاتم، في حديقة غانية خصيبة، فتختفي رياض الحسن، ويبزغ ذلك المشهد الكئيب، فلا يرى الخلق سواه، لأنه بروز سيطر على المشهد، وأنسى ما بعده!.
فمن ظلم النفس، إلى ظلم الآخرين، فظلم الدعوة؛ لأننا قد نظلم الدعوة ونحن لا نشعر، ونظن أننا نحسن صنعا! وهو لا يقل فداحة عن تلك؛ لأنه تشويه للدعوة، وإزراء لأهلها، وتقليص لثمارها، بل تتسع نقدات الناس وتوبيخهم إلى درجة البخس والتطاول كما قيل:
ومَن دعا الناس إلى ذمهِ *** ذموه بالحق وبالباطلِ!
ولذلك صور مشهورة منها:
- تصدير الجهلة والسطحيين.
- تجريدها من العلم وأخذها بعفوية.
- تراجعها تطويريا وتجديديا.
- الامتنان بنشاط محدود.
- العطاء الجزئي لها.
- تفعيلها في إطار حزبي، أو مذهبي أو فكري، وحرمان الكفاءات من المشاركة.
- الاعتناء بالكم على حساب الكيف والنوعية.
- أداؤها في شكل مؤسسي فوضوي، أو مترهل، لا يراعي أولوياتها وفقهها الرفيع، في صور أخرى كثيرة لا تنقضي، والمهم هنا أن الدعوة نحتاج إليها، وليس هي من تحتاج إلينا؛ لأنها نعمة الله علينا، ونوره وهدايته؛ كما قال -تعالى-: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم).
وقال: (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين).
وكما قال رجل للإمام أحمد -رحمه الله-: "جزاك الله عن الإسلام خيرا، فقال: بل جزى الله الإسلام عني خيرا".
والدعوة كمفازة وسيعة لا حد لها، إذا سار فيها المرء بلا دليل أو برهان، ضل وزادت حيرته، واشتدت متاعبه! والوالج للدعوة بلا علم وأنوار، لا يبرح يزيد تخبطه،، وتتعاظم أخطاؤه! ومن ثم يقع في ظلمها!.
ولذلك كان العلم الشرعي المتين كالنور الوضاء في الدياجي الملتبسة، والأحوال المختلطة، والحائل دون الوقيعة في الأخطاء الدعوية، التي هي تجسيد لصور الظلم الدعوي، فعلمك ووعيك يجعلك بعينين بصيرتين، تميز وتعي وتتقي!.
وإلا فما قيمة العلم حينئذ؟!
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره *** إذا استوت عنده الأنوار والظلمُ!.
العلم المستنير، والمستقى من مصادر سليمة، وعلى أيدي أشياخ معتبرين، ضمان الحراك الدعوي الصحيح، الذي يوقر الدعوة، ويحفظ لها مساراتها وممارساتها،، فلا ضيق أو تخلف أو تحزب! بل وعي وإدراك وتجديد!.
تنتهي إلى ديمومة دعوية وإصلاحية، لا تزال تسمو وترتقي، وتأبى كل صور التخلف والرجوع والسخف!.
لأن الدعوة يصدق عليها كممارسة جمالية لآداب الإسلام، وأي إساءة أو تشويه وتسطيح، من شأنه أن يصد عن سبيل الله، ويعكس صورة لا يرتضيها جميع العقلاء!.
وهنا اجلي بعض الصور الجمالية العادلة للدعوة في الإسلام نحو:
1- اللغة الحانية في البلاغ الإسلامي.
2- التحلي بالخلق والصبر والحلم.
3- احتواء العصاة والمقصرين.
4- كظم الغيظ والدفع بالتي هي أحسن.
5- تأدية البلاغ وعدم استعجال الثمرات، بل عدم التعويل عليها أحيانا.
6- تجلي الفقه الصحيح تجاه كل موقف دعوي، عبر تأمل ودراسة دقيقة.
7- التعامل مع موقف بحسبه، فلا غلو أو جفاء.
والمتعين تعلمه هنا، أن الدعوة علم عتيق أصيل، مثله مثل التفسير والحديث واللغة، يجب تعلمه والسهر عليه، وليس كلأ مباحا يطرقه كل الناس كما هو شائع للأسف الشديد، فلا بد له من كليات ومراجع ودورات للتأهيل والتدريب، تفعل للتعليم والتزكية، وليس للترويح والاستمتاع.