التعليق على مقال الدكتور أمجد رشيد في رده على فتوى
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد فهذه بعض التعليقات السريعة على مقال الدكتور أمجد رشيد " رد مفصل على فتوى الشيخ ابن عثيمين في حكم صوم تارك الصلاة " وأردت أن تكون المناقشة معه من خلال مذهب الشافعي , والذي وقّع في آخر مقاله بالانتساب إليه , ليعلم مدى معرفته بمذهبه فضلا عن مذهب الحنابلة ! . وأود أن أشير أن شهادة ذي الغمر على أخيه غير مقبولة , وأمجد رشيد عرف عنه تحامله على مشايخ السلفيين وأئمتهم في القديم والحديث كشيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب, ومن المعاصرين خاصة : الشيخ ابن عثيمين رحمه الله , وإن كان لا يظهره إلا في مجالسه الخاصة , ومن استمع إلى محاضرته والتي كانت بعنوان : التأصيل العلمي للدواعش من أي بدأ !! , يعلم هذا الأمر , وقد بينت ذلك في ردي عليه : أمجد رشيد الوجه الآخر .
ولا يعدو مقاله هذا إلا من باب تنوع في الأساليب وتفنن في اللمز والقدح , فمرة تصريحا وتنصيصا , ومرة باسم الغيرة على الدين , وهذه منها وإلا فمسألة حكم تارك الصلاة قتلت بحثا , وتكلم عنها علماء الأمة في القديم والحديث , وهي على أقل الأحوال قول أحد المذاهب الذين يتغنون بالرجوع إليها والاعتماد عليها .
وقبل أن نتكلم على مقاله , نشير إلى بعض المسائل المهمة :
- مسألة حكم تارك الصلاة هي مسألة خلافية بين السلف والقول بكفر تاركها قول وجيه للسلف بل نقل فيه محمد بن نصر المروزي وهو شافعي المذهب, إجماع السلف على كفره في كتابه : تعظيم قدر الصلاة وكذلك نقل ابن حزم كما سيأتي بيانه .
- القول بكفر تارك الصلاة كسلا ذهب إليه بعض علماء الشافعية كمنصور الفقيه ومحمد بن نصر بل هو قول الشافعي في رواية كما نقله عنه غير واحد .
- نص الشافعي كما نقل البويطي عنه على تكفير من عرض على السيف فأبى الصلاة , وأنه يكفر بذلك .
- ما ذهب إليه الشافعية من قتل تارك الصلاة كسلا بعد عرض السيف عليه هو في الحقيقة مؤدى القول بكفره , لأن في الحقيقة مسألة كفر تارك الصلاة مسألة نظرية , وواقعها العملي في التعامل مع هذا التارك بعد استتابته وعرضه على السيف وكلا المذهبين اتفقا على وجوب استتابته وأن إقامة الحد عليه إلى السلطان .
- بيان أن أمجد رشيد على أحسن الوجوه أخطأ في قوله أن المعتمد من قول الحنابلة أنهم يشترطون في كفر تارك الصلاة دعوة الإمام أم نائبه لها , وأن هذا الذي عليه الأكثر والمعتمد , مع أن ما نقله لا يعدو أن تكون رواية عن الحنابلة , نقلها أحد المتأخرين وهو المرداوي , وهو مخالف لمنصوص الإمام أحمد الذي لم يشترط ذلك ونصوص من بعده من المحققين بل رده شيخ الإسلام .
- بيان أن الشيخ ابن عثيمين لا يكفر بترك صلاة ولا صلاتين بل ولا عدة صلوات بل لا يكفر إلا تارك الصلاة بالكلية !!, كما نص على ذلك , وهو مذهب الإمام أحمد على الأصح كما نقل ذلك شيخ الإسلام واختاره .
- معلوم عند صغار الطلبة قبل كباره أن الحكم الكلي لا يلزم منها الحكم على المعين , والشيخ ابن عثيمين قرر ذلك في عشرات المواضع في كتبه , فالحكم على المعين لا بد فيه من توفر الشروط وانتفاء الموانع .
- فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في عدم قبول صيام تارك الصلاة هو تحصيل حاصل للقول بكفر تارك الصلاة وهو من باب السياسة الشرعية لأن المقام مقام زجر وتخويف لأن من علم أن صيامه متعلق بالصلاة في الأغلب حمله ذلك على الصلاة , على أقل الأحوال في صيامه , وهذا شبيه بما نص عليه بعض الشافعية أن من امتنع عن الصلاة وقتل حدا لا يغسل ولا يكفن ولا يورث تغليظا لفعله مع أنهم يحكمون بإسلامه ! .


التعليق على المقال
- قال أمجد رشيد : وإنما يعرف صواب الجواب من عدمه فيها تكلم فيه الأئمة السابقون وبينوا حكمه بالوقوف على كلامهم، وتحقيق مذاهبهم، وتمييز الأقوال المعتبرة من الشاذة؛ إذ هم رضي الله عنهم أهل العلم بالشريعة ومآخذها و مدارها و مقاصدها، فما وافق كلامهم ونزل تحت قواعدهم قبلناه، وما خالفه نبذناه و طرحناه .
أقول : الأولى أن يقال وإنما يعرف صواب الجواب من عدمه بالتحاكم والرد إلى الكتاب والسنة وهو الذي ينبغي أن يقال أدبا وتعظيما للوحي كما قال تعالى { فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول } وخصوصا أن كثيرا من الأقوال المشار إليها هي أقوال كثير من المتأخرين والتي دخلها كثير من الرأي والقياس الفاسد .


قال المعترض : هذه الفتوى المذكورة أعلاه باطلة، وليست جارية على معتمدا ت فقه أهل السنة ، فيحرم اعتقاد ما فيها، كما يحرم نشرها وتداولها بين الناس.
أقول وبالله التوفيق : كان الأولى به أن يقدم وجه النقد قبل هذا التعميم ثم إنه وقع فيما عاب به الشيخ في مسألة عدم قبول صوم تارك الصلاة , فهو يجزم بحرمة اعتقاد ما في فتوى الشيخ وحرمة نشرها وتداولها ! , مع أن المسألة ظنية تحتمل الخطأ والصواب .
ثانيا : قوله : وليست جارية على معتمدا ت فقه أهل السنة . !
أقول : ومصطلح أهل السنة في مذهب أمجد رشيد وأمثاله , محدود ومقصور على فئة معينة كما لا يخفى , وقد اعتدنا الإقصاء والتحيز في كلامهم وكتاباتهم .
ثالثا : وقوله : معتمدا ت فقه أهل السنة ! . كلمة فضفاضة وكأن فقه الشيخ ابن عثيمين خارج عن منظومة أهل السنة والجماعة , مع انتساب الشيخ لمذهب الحنابلة وهم الذين صدعوا رؤوسنا بوجوب احترام المذاهب الأربعة , مع أن ذكر الحنابلة في كلامهم في الحقيقة إنما هو ذر للعيون ! , ولا أدل على ذلك خلو دورات الأوقاف من تدريس مذهب الحنابلة وكذا في جامعتهم الموقرة ! .


قال المعترض : وقال جماعة من الأئمة: بكفره، وهي الرواية المصححة عند أكثر الحنابلة عن الإمام أحمد، لكن لا يحكم بكفره بمجرد کونه تاركا للصلاة، بل للكفر في هذا المذهب شرطان:
الأول: أن يستتيبه الإمام أو نائبه فيدعوه إلى الصلاة، والمراد بالإمام حاكم البلاد وليس إمام المسجد ولا آحاد الناس.
الثاني: إن لم يتب، وأصر على ترك الصلاة تهدده الإمام أو نائبه وخوفه بالقتل , فإن أصر بعد ذلك على تركها حكم بكفره و قتله مرتدا من قبل الحاكم أو نائبه، وليس ذلك لآحاد الناس کما نبه عليه أئمة الإسلام وشددوا فيه.
أقول : أوهم كلامه أن الشيخ ابن عثيمين ينازع في مسألة الاستتابة, وهذا من التدليس لأن الشيخ أشار إلى استتابته بنص الفتوى التي نقلها أمجد رشيد !.
ثانيا : أن كلام الزركشي إنما هو لرفع الإشكال الذي قد يتصور من تركه للصلاة لعذر أو لغير عذر ولذلك قال الزركشي : فامتنع مصرا، من غير عذر، أما من تركها في وقتها ولم يدع إليها، وقضاها فيما بعد، أو كان في نفسه قضاؤها، فلا نزاع في عدم تكفيره وقتله .انتهى
وليس اشتراطا كما فهمه المعترض , فلا وجه للاستدلال به .
ثالثا: الشيخ ابن عثيمين يتفق في أن إقامة الحد واستتابته تكون من قبل السلطان , وهذا نص عليه الشيخ كثيرا , فقد قال في الشرح الممتع عند قول الماتن : «وإقامة الحدود» يعني الذي يتولى إقامة الحدود هو الحاكم الشرعي .
الشرح الممتع (15/266)
رابعا : بالنسبة لقول المرداوي , فهو من متأخري الحنابلة , وكثير من تقريرات المتأخرين تحتاج إلى تحرير , وهذه منه , وقد رد شيخ الإسلام من اشترط ذلك , وقال لا يعرف عن الإمام أحمد ,
وإليك بعض النصوص عن الإمام أحمد في هذه المسألة :
ففي مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابن أبي الفضل صالح (375) : قلت فَإِن تَركهَا وَلم يصل قَالَ إِذا كَانَ عَامِدًا استتبته ثَلَاثًا فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل .
فتأمل قول الإمام أحمد : استتبته ثلاثا فإن تاب وإلا قتل !.
فلم يذكر المسألة التي فرح بها أمجد رشيد وظن أنه ظفر بما ينقض به قول الحنابلة .
وفي مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبدالله (ص55) : قَالَ سَأَلت أبي رَحمَه الله عَن ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا؟
قَالَ يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين العَبْد وَبَين الْكفْر ترك الصَّلَاة . قَالَ أبي وَالَّذِي يَتْرُكهَا لَا يُصليهَا وَالَّذِي يُصليهَا فِي غير وَقتهَا . – قال: - ادعوهُ ثَلَاثًا فَإِن صلى وَإِلَّا ضربت عُنُقه هُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَة الْمُرْتَد يُسْتَتَاب ثَلَاثًا فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل على حَدِيث عمر.وقَالَ سَأَلت أبي عَن رجل ترك الْعَصْر حَتَّى غربت الشَّمْس تَركهَا عمدا قَالَ ادعوهُ إلى الصَّلَاة ثَلَاثًا فَإِن أبى وَإِلَّا ضربت عُنُقه .
أقول : هذا نص الإمام أحمد ! ولم يذكر إماما ولا نائبا , بل أقر ضرب عبد من سيده لأنه قصر في االصلاة .
. وقال الخرقي : ومن ترك الصلاة وهو بالغ عاقل جاحدا لها أو غير جاحد دعي إليها في وقت كل صلاة ثلاثة أيام فإن صلى وإلا قتل .
مختصر الخرقي (35)
وكذا لم يذكر الشرط ابن قدامة في المغني (2/339) ولا أشار إليه .
لتعلم إفلاس مثل هؤلاء الذين يتبجحون بمعرفتهم بالمذاهب ويزعمون أن الأكثرية عليه , وهذه نصوص إمام المذهب نفسه , والنقول كثيرة , فما نقله المرداوي المتأخر من اشتراط أن يعرض على الإمام أو نائبه للحكم بكفر تارك الصلاة لا يعدو أن يكون أحد الأقوال في المذهب تمشية وتجوزا وإلا فالمنقول عن الإمام أحمد ما قدمنا .
خامسا : أن شيخ الإسلام رد هذا الشرط المزعوم
قال رحمه الله : فمن لم يصل ولم ير أن يصلي قط ومات على ذلك من غير توبة فهذا تارك الصلاة مندرج في عموم الأحاديث وإن لم يظهر في الدنيا حكم كفره. ومن قال من أصحابنا لا يحكم بكفره إلا بعد الدعاء والامتناع فينبغي أن يحمل قوله على الكفر الظاهر فأما كفر المنافقين فلا يشترط له ذلك فإن أحمد وسائر أصحابنا لم يشترطوا لحقيقة الكفر هذا الشرط. .
شرح العمدة (2/92) فتأمل
أقول : ونقل المرداوي كان هو المعول عليه في كلام أمجد رشيد والدكتور وليد الشاويش , في ردودهم في هذه المسألة وما ذكرناه هنا ينسف البنيان والدعاوي الباطلة , والحمد لله وحده .


قال المعترض : وكل ما يمكن أن ينقل من إطلاق القول بكفر تارك الصلاة كسلا وعدم صحة عباداته فهو: إما شاذ في الأقوال، فلا يتبع، وإما محمول على ما بعد تحقق شروط الكفر فيه؛ مراعاة للإجماع الآتي نقله عن الأئمة.
أقول : وهذه دعوى عريضة , وكلام جزاف بغير برهان وإليك البيان :
- تأمل قول التابعي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ قال : " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " رواه الترمذي (2622) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
- وقال محمد بن نصر المروزي : سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
تعظيم قدر الصلاة (2/929)
- وقال ابن حزم المحلى: «ما نعلم لمن ذكرنا من الصحابة مخالفاً منهم. .. وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة : أن من ترك صلاة فرضٍ واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها، فهو كافر مرتد وَلَا نعلم لهَؤُلَاء من الصَّحَابَة مُخَالفا ».
المحلى (2/15)
- وقد نقله المنذري في "الترغيب والترهيب" (1|221) ثم قال : قد ذهب جمَاعَة من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ إِلَى تَكْفِير من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا لتركها حَتَّى يخرج جَمِيع وَقتهَا مِنْهُم عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عَبَّاس ومعاذ بن جبل وَجَابِر بن عبد الله وَأَبُو الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنْهُم وَمن غير الصَّحَابَة أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَعبد الله بن الْمُبَارك وَالنَّخَعِيّ وَالْحكم بن عتيبة وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب وَغَيرهم رَحِمهم الله تَعَالَى .
وقال ابن المنذر في الإقناع : وقد اختلف أهل العلم فيما يجب عَلَى من ترك صلاة متعمدا حَتَّى يخرج وقتها لغير عذر: فقالت طائفة: هو كافر هذا قول: النخعي، وأيوب السختياني، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، قَالَ أحمد: لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدا، فإن ترك صلاة إِلَى أن يدخل وقت صلاة أخرى يستتاب ثلاثا، وبه قَالَ: سُلَيْمَان بن داود، وأبو حية، وأبو بكر بن أبي شيبة.
الإقناع (2/690)
فهل يقال فيما ذهب إليه هؤلاء الصحابة والتابعين والعلماء أنه شاذ ! , فالإجماع المعتبر ما كان عليه الصحابة حتى عند من ينازع فيه , وهذه أقوالهم ولذلك قال شيخ الإسلام : ولأنّ هذا إجماع الصحابة. قال عمر لما قيل له وقد خرج إلى الصلاة: نعم ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وقصته في الصحيح، وفي رواية عنه قال: لا إسلام لمن لم يصل رواه النجاد، وهذا قاله بمحضر من الصحابة ! . شرح العمدة (1/75)


وقال ابن رجب: وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة، وكذلك قال سفيان بن عيينة... .
فتح الباري (1/23 ) لابن رجب
- ثانيا : دعوى الإجماع المزعوم منقوض بما نقلناه سابقا عن الإمام أحمد
- وقال محمد بن نصر المروزي الشافعي : ذكرنا الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إكفار تاركها، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها. ثم جاءنا عن الصحابة مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك. ثم اختلف أهل العلم بعد ذلك... .
تعظيم قدر الصلاة (2/924)
أقول : تأمل أن المروزي الشافعي يشير أن الخلاف وقع في إكفار تارك الصلاة بعد عهد الصحابة فتأمل .
ثالثا : بل تكفير تارك الصلاة مروي عن الشافعي في قول
- الطحاوي ينقل كفر تارك الصلاة عن الشافعي
قال الطحاوي : وَقَالَ بعض حفاظ قَول مَالك إِن من مَذْهَب مَالك أَن من ترك صَلَاة مُتَعَمدا لغير عذر حَتَّى خرج وَقتهَا فَهُوَ مُرْتَد وَيقتل إِلَّا أَن يُصليهَا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي .
مختصر اختلاف الفقهاء (4/293)
وقال أيضا : وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَجَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ مَنْ يُسْتَتَابُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ .
شرح مشكل الآثار (8/204)
والطحاوي كان شافعي المذهب وخاله هو المزني صاحب الشافعي .
وقد نقلها كذلك ابن كثير في تفسيره فقال : وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِإِضَاعَةِ الصَّلَاةِ هَاهُنَا، فَقَالَ قَائِلُونَ: الْمُرَادُ بِإِضَاعَتِهَا تَرْكُها بِالْكُلِّيَّةِ ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظي، وَابْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَالسُّدِّيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَلِهَذَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْأَئِمَّةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَوْلٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ إِلَى تَكْفِيرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ، لِلْحَدِيثِ : " بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ تَركُ الصَّلَاةِ" ، وَالْحَدِيثِ الْآخَرِ: "الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ" .
تفسير القرآن العظيم (5/243)
وابن كثير رحمه الله من علماء الشافعية كما لا يخفى ! .
- من علماء الشافعية الذين يرون تارك الصلاة كسلا
محمد بن نصر المروزي الشافعي يكفر تارك الصلاة تكاسلا
قال : وَلَقَدْ شَدَّدَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْوَعِيدَ فِي تَرْكِهَا وَوَكَّدَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ أَخْرَجَ تَارِكَهَا مِنَ الْإِيمَانِ بِتَرْكِهَا، وَلَمْ تُجْعَلْ فَرِيضَةٌ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ عَلَامَةً بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ إِلَّا الصَّلَاةُ، فَقَالَ: «لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ» فَأَخْبَرَ أَنَّهَا نِظَامُ لِلتَّوْحِيدِ، وَأَكْفَرَ بِتَرْكِهَا كَمَا أَكْفَرَ بِتَرْكِ التَّوْحِيدِ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ مَنْ عَاهَدَ مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادِ عَلَى الْإِيمَانِ فَقَالَ: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ».
تعظيم قدر الصلاة (1/131)
وقد عقد بابا في كتابه ذلك : باب ذكر إكفار تارك الصلاة
تعظيم قدر الصلاة (2/873)
وأورد بابا كذلك : باب ذكر النهي عن قتل المصلين وإباحة قتل من لم يصل
تعظيم قدر الصلاة (2/907)
- يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي ينقل عن بعض الشافعية تكفير تارك الصلاة
قال : وقال أحمد، وإسحاق، وبعض أصحابنا: (يكفر بذلك) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بين العبد والكفر ترك الصلاة، فمن تركها. . فقد كفر» .
البيان في مذهب الإمام الشافعي (2/18)
- ونقله النووي عن منصور الفقيه من الشافعية .
قال النووي : وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُكَفَّرُ وَيُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ فِي كُلِّ شئ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْن ِ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ مِنْ أَصْحَابِنَا .
المجموع (3/16)


قال المعترض : والواقع أن تاركي الصلاة لا تحصل استتابتهم فضلا عن تهديدهم بالقتل على تركها ممن تعتبر استتابته وتهديده، وعليه فلا يجوز الحكم عليهم بالكفر واستحقاق القتل حتى عند الحنابلة؛ لعدم تحقق شروطه .
أقول : وهذا الكلام مبني على ما سبق , في نقله عن المرداوي وإلا فكلام الإمام أحمد لا يقتضي ذلك كما قدمنا .


وثانيا : هذه الدعوى متصورة في مسائل كثيرة تبحث في باب الردة فهل يقال فيمن يسب الله لا يكفر حتى يعرض على الإمام ومسألة الاستهانة بالمصحف لا يكفر حتى يدعوه الإمام , هذا لا يقول به أحد من العلماء وحتى على على مذهب الشافعية , وهذه كتبهم تحكم بالكفر على مسائل أقل من ذلك , ولعل أمجد رشيد خفي عليه ما سطره ابن حجر الهيتمي في كتابه الإعلام بقواطع الإسلام أم هو التغافل !.
ثالثا : نعم لا يقيم الحدود إلا الإمام أو نائبه وهذا لا يخالف فيه أحد .


قال المعترض : وقد نقل جماعة من الأئمة الإجماع العملي من المسلمين على عدم كفر تارك الصلاة كسلا وإن كنا مجمعين على عظيم إثمه وفسقه .
أقول وبه أستعين
أولا : هذا الإجماع ليس محل اتفاق بين العلماء ! .
فهناك مسائل كثيرة استدل بها بالإجماع العملي وكان في هذا الإجماع المدعى مناقضة للنص كمسألة الإجماع المدعى في كشف المرأة لوجهها , وكما في مسألة الكتابة على القبر عند الأحناف مع أنه مخالف للنص , وأحيانا يدعى هذا الإجماع العملي ويكون الخلاف قائما بين أصحاب المذاهب في ذلك .


قال المعترض : والحاصل: أن الفتوى المذكورة مخالفة لمعتمد مذهب الإمام أحمد، بل مخالفة للإجماع العملي للأمة عبر القرون، فهي من الفتاوى الشاذة المعدودة في زلات العلماء، وما كان كذلك وجب طرحه وحرم الأخذ به ونشره وترتيب الأحكام عليه.
أقول : قوله : مخالفة لمعتمد مذهب الإمام أحمد . قدمنا سقوط هذا الكلام , وأن الراجح عند الحنابلة كفره , ومن تحدث في غير مذهبه أتى بالعجائب ! .
ثانيا : أما دعوى الإجماع العملي المستدل به في معاملة تاركي الصلاة عبر القرون فالجواب عنه :
- هذه المسألة المفترضة : أنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين على شخص لا يصلي هي من باب الحكم على المعين , ومعلوم أن الحكم على التعيين يختلف عن مسألة الحكم الكلي , والعلماء شددوا في مسألة التعيين ووضعوا الشروط الدقيقة فقالوا لا بد من توفر الشروط وانتفاء الموانع , ولما كان في الأصل معاملة المسلم على السلامة كان الواقع عدم البحث والتنقيب على سرائر الناس وأحوالهم في الأغلب , وهذا يتصور ليس في الصلاة ليستدل بهذا الإجماع المزعوم بل يتصور في مسائل كثيرة حكم العلماء على قائلها أو فاعلها بالكفر وخذ أمثلة كثيرة في هذا الواقع , فكم من ساب لله تعالى مستهزئ بدين الإسلام يموت ويقبر بين المسلمين بل وكم من ملحد نفث كفره وردته بين المسلمين وعومل معاملة المسلم , فالاستدلال بهذا الإجمال العملي منقوض بمثل هذه الأمثلة وهي كثيرة فلا يفرح بهذا الإجماع المزعوم .
- وهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم , فمع علمه بنفاق بعض القوم صلى عليه ابتداء قبل أن ينهى عنه .وفعل الصحابة كذلك , فكم من منافق عليم النفاق كان يموت بين ظهراني الصحابة , وكان يدفن بين قبور الصحابة وخيار الأمة ولم نسمع أن أحدا منع غسله أو تكفينه أو الصلاة عليه بل كان عمر يمتنع هو عن الصلاة عليه كما في سؤاله حذيفة عن المنافقين , فكان يمتنع عن الصلاة عليه ولكن لا يمنع غيره من ذلك , والنفاق العقدي أغلظ , فتأمل .
ثالثا : للمتأخرين توسع في إطلاق الإجماعات ولذلك قال شيخ الإسلام بن تيمية:" و إذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغا لم يخالف إجماعاً, لأن كثيرا من أصول المتأخرين محدث مبتدع في الإسلام مسبوق بإجماع السلف على خلافه, والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً.
الفتاوى (13/26)
وقد نص على إجماع الصحابة في مسألة كفر تارك الصلاة المروزي وابن حزم , وقد نص المروزي على أن الخلاف وقع بعدهم كما قدمنا .
قال المعترض : وجزم الفتوى بعدم قبول صوم تارك الصلاة كسلا وعدم براءة ذمته؛ لم يقله أحد من فقهاء السنة وأئمة الدين في مذاهبهم المعتبرة، فليست إقامة الصلاة عند فقهاء أهل السنة: شرط صحة للصوم، حتى يقال: لا تبرأ به ذمته! وقد علمت عدم كفر تارك الصلاة كسلا في الواقع حتى على ما اعتمده أكثر الحنابلة من كفر تارك الصلاة كسلا ؛ لعدم تحقق شرط التكفير .
أقول : أولا : القول بعدم قبول أعمال تارك الصلاة , هذا تحصيل حاصل لمآل الحكم بكفره , بل الصلاة لها خاصية في صلاح الأعمال وفسادها ولذلك جاء في الحديث عَن أنس ابْن مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ صَلُحَ سَائِرُ عَمَلِهِ وَإِنْ فَسَدَتْ صَلاتُهُ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ . وهو حديث صحيح رواه ابن خزيمة والطبراني في الأوسط .
ثانيا : أن الشافعي نص في رواية عنه أن من عرض على السيف وأبى أن يصلي يقتل ردة ونص على كفره , ومعلوم أن المرتد لا ينتفع بصيام ولا غيرها من الأعمال !.
قال : (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : يُقَالُ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا بِلَا عُذْرٍ: لَا يُصَلِّيهَا غَيْرُك، فَإِنْ صَلَّيْت وَإِلَّا اسْتَتَبْنَاك، فَإِنْ تُبْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك كَمَا يُكَفَّرُ فَنَقُولُ إنْ آمَنْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك وَقَدْ قِيلَ: يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ صَلَّى فِيهَا وَإِلَّا قُتِلَ وَذَلِكَ حَسَنٌ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَدْ قَالَ فِي الْمُرْتَدِّ إنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَلَمْ يُنْتَظَرْ بِهِ ثَلَاثًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» وَقَدْ جُعِلَ تَارِكُ الصَّلَاةِ بِلَا عُذْرٍ كَتَارِكِ الْإِيمَانِ فَلَهُ حُكْمُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِثْلُهُ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ ثَلَاثًا. .
مختصر المزني (8/128)
فتأمل قوله : كما يكفّر – بالفتح - !
ثالثا : كلام الشيخ ابن عثيمين واضح أنه من باب الغليظ وترهيب تارك الصلاة ليحمله على الصلاة ولو على أقل الأحوال في حال صيامه , وهذا من باب السياسة الشرعية , ولذلك قال الشيخ ابن عثيمين : لأنك لو قلت للناس على ما فيهم من ضعف الإيمان: إن ترك الصلاة ليس بكفر تركوها, والذي لا يصلي لا يغتسل من الجنابة و لا يستنجي إذا بال فيصبح الإنسان على هذا بهيمة ليس همه إلا أكل و شرب و جماع فقط .
الشرح الممتع (2/37)
رابعا : قدمنا أن الشيخ لا يرى كفر تارك الصلاة إلا على وجه تركها بالكلية , وليس ترك صلاة أو صلاتين , ومعلوم أن الصائم لا يعدم من خير ولا يتصور تركه للصلاة بالكلية إلا في آحاد الناس , ويكون صومه من باب الحياء والعادة في الأغلب .
قال ابن عثيمين رحمه الله : الذي يظهر لي أنه لا يكفر إلا بالترك المطلق بحيث لا يصلي أبداً ، وأما من يصلي أحيانا فإنه لا يكفر . مجموع فتاوى ابن عثيمين (12/55) .


قال المعترض : وقول الفتوى: «بل إنه ليس مطالبا به مادام لا يصلي»: عجيب ! ففي الوقت الذي ظنت فيه الفتوى أنها تحافظ على ركن من أركان الدين وهو الصلاة، ضيعت ركنا آخر منه وهو الصوم.
وهل ما نطقت به هذه الفتوى نطق به الحنابلة ؟! أم نطق به جمهور العلماء؟! كلا، بل أجمع المسلمون على أن من شهد الشهادتين فهو مسلم تلزمه الصلاة والصوم والزكاة والحج بشروطها .


أقول : قوله : ففي الوقت الذي ظنت فيه الفتوى أنها تحافظ على ركن من أركان الدين وهو الصلاة، ضيعت ركنا آخر منه وهو الصوم.انتهى
من باب رمتني بدائها وانسلت , فمن يسوغ لتارك الصلاة تركه للصلاة , ويقرر له الخلاف في المسألة يحمله على التهاون بها بل وعلى سائر الأعمال .
ثانيا : نص بعض الشافعية على مثل ذلك وأغلظ !
قال يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي : وإن كان ممن تقدم إسلامه، وهو مخالط للمسلمين. . حكم بكفره؛ لأن وجوبها معلوم من دين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطريق يوجب العلم الضروري. ويجب قتله لذلك.
وإذا قتل. . كان ماله فيئًا للمسلمين، ولا يرثه ورثته من المسلمين، ولا يدفن في مقابرهم.
البيان في مذهب الإمام الشافعي (2/16)
فهل يتصور ممن يجعل ماله فيئا ويمنع إرثه وميراثه وعدم دفنه أن يقول بصحة صومه ! .


قال المعترض : وقول الفتوى: «لأن الذي لا يصلي مثل اليهود والنصراني»: نعود بالله العظيم من المبادرة والتسرع في تكفير المسلمين وأهل الشهادتين، وقد علمت أن الإجماع العملي من المسلمين عبر القرون على عدم الحكم . ..
أقول : سبحان الله وكأن الدين يقاس باستثارة العواطف , وتحكيم العقول .
ثانيا : نص الشافعية على أن مسألة قتل تارك الصلاة بعد دعوته تقاس على مسألة الإيمان .
قال : (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : يُقَالُ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا بِلَا عُذْرٍ: لَا يُصَلِّيهَا غَيْرُك، فَإِنْ صَلَّيْت وَإِلَّا اسْتَتَبْنَاك، فَإِنْ تُبْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك كَمَا يُكَفَّرُ فَنَقُولُ إنْ آمَنْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك وَقَدْ قِيلَ: يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ صَلَّى فِيهَا وَإِلَّا قُتِلَ وَذَلِكَ حَسَنٌ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَدْ قَالَ فِي الْمُرْتَدِّ إنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَلَمْ يُنْتَظَرْ بِهِ ثَلَاثًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» وَقَدْ جُعِلَ تَارِكُ الصَّلَاةِ بِلَا عُذْرٍ كَتَارِكِ الْإِيمَانِ فَلَهُ حُكْمُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِثْلُهُ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ ثَلَاثًا. .
مختصر المزني (8/128)
فتأمل قول المزني : وَقَدْ جُعِلَ تَارِكُ الصَّلَاةِ بِلَا عُذْرٍ كَتَارِكِ الْإِيمَانِ !!.
وقال محمد بن نصر المزني الشافعي : قَالَ إِسْحَاقُ: وَلَقَدْ جَعَلُوا لِلصَّلَاةِ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الشَّرَائِعِ كَالْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ لِمَنْ يُعْرَفُ إِقْرَارُهُ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ قَالُوا: مَنْ عُرِفَ بِالْكُفْرِ ثُمَّ رَأَوْهُ مُصَلِّيًا الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا حَتَّى صَلَّى صَلَوَاتٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَعْلَمُوا مِنْهُ إِقْرَارًا بِاللِّسَانِ أَنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَحْكُمُوا لَهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلَا فِي الزَّكَاةِ، وَلَا فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بِمِثْلِ ذَلِكَ .
تعظيم قدر الصلاة (610)
فتأمل إقرار المروزي الشافعي قول إسحق في قياسه الصلاة على الإيمان .
وفي المبدع في شرح المقنع : وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِفِعْلِهَا فِي الْإِيمَانِ، فَيَخْرُجُ بِتَرْكِهَا مِنْهُ، كَالشَّهَادَتَي ْنِ، فَعَلَيْهَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ.
المبدع (1/ 271)
أقول : وتارك الإيمان حكمه حكم الكفار , وربما يكون أشد من كفر اليهود والنصارى .


قال المعترض : وكل ما قيل في بطلان هذه الفتوى في حق الصوم، يقال أيضا في فتوى أخرى يتداولها بعضهم: من عدم صحة أضحية تارك الصلاة كسلا.
أقول : ولعل أمجد رشيد غفل أن بعض الشافعية يغلظ أكثر من ذلك , وهم أولى بالإنكار عليهم على وجه المحاججة له .
ففي فتح العزيز : (أحداهما) أن تارك الصلاة يصلى عليه ويغسل لأنه مسلم مقتول حقا وعن صاحب التلخيص أنه لا يصلى عليه لأنه ترك الصلاة في حياته فترك الصلاة عليه وقال أيضا لا يغسل ولا يكفن ويطمس قبره تغليظا عليه .
فتح العزيز (5/156)
وقال النووي : وَفِي وَجْهٍ: لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُكَفَّنُ، وَيُطْمَسُ قَبْرُهُ تَغْلِيطًا عَلَيْهِ.
روضة الطالبين (2/119)
فتأمل وقارن , وهذا مع القول بإسلامه ! .


قال المعترض : والحاصل: أن تارك الصلاة كسلا مجمع على إثمه وفسقه، وتلزمه التوبة، لكنه ليس بكافر حتى عند الحنابلة بالنظر للواقع من عدم تحقق شرط الكفر عندهم، وأن صومه وزكاته و حجه
وأضحيته وسائر عباداته صحيحة مجزئة مبرئة للذمة، وليست ساقطة عنه، بل يطالب بها جميعا بشروطها، ومع هذا يجب نهيه عني ترك الصلاة وتخويفه من عاقبة تركها، وأمره بإقامتها، بل وأمره بقضاء ما فاته منها .


أقول : قوله : لكنه ليس بكافر حتى عند الحنابلة بالنظر للواقع من عدم تحقق شرط الكفر عندهم . انتهى هذا من قوله وفهمه وإلا فقد قدمنا أن الراجح عندهم الحكم بكفره , وهذا الحكم على تارك الصلاة مطلقا وكليا وليس على ترك صلاة أو صلاتين .
ثانيا : لا تعدو هذه المسألة أن تكون مسألة من المسائل الخلافية بين العلماء , ومحاولة أمجد رشيد استغلال هذه المسألة للمز الشيخ ابن عثيمين هي محاولة فاشلة , فالشيخ من علماء الأمة الذين كتب لهم الله القبول , ومحبة الشيخ والثناء عليه مشهورة ومعروفة حتى في نفوس العوام , وقد كان للشافعية تغليظ شديد في التعامل مع تارك الصلاة , ومنها :


- أنه يقتل بترك صلاة واحدة
قال النووي : وَإِذَا قُلْنَا يُقْتَلُ فَمَتَى يُقْتَلُ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ إذا ضاق وَقْتُهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التنبيه ولم يذكره هنا والثاني يقتل إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ وَالرَّابِعُ إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ وَالْخَامِسُ إذَا تَرَكَ مِنْ الصَّلَوَاتِ قَدْرًا يَظْهَرُ لَنَا بِهِ اعْتِيَادُهُ التَّرْكَ وَتَهَاوُنُهُ بِالصَّلَاةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ .
المجموع (3/15)
وقال الماوردي : فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي زَمَانِ وُجُوبِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَصْحَابِنَا: أَنَّ قَتْلَهُ يَجِبُ إِذَا تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً وَدَخَلَ وَقْتُ الْأُخْرَى وَضَاقَ حَتَّى لَمْ يُمْكِنْ إِيقَاعُ غَيْرِهَا فِيهِ.
الحاوي الكبير (2/527)
وفي فتح العزيز : وظاهر المذهب استحقاق القتل بترك صلاة واحدة.
فتح العزيز (5/294)
- يقتل في الحال عند الشافعية ولا يؤخر ثلاثة أيام
قال النووي : وَهَلْ يَكْفِي الِاسْتِتَابَةُ فِي الْحَالِ، أَمْ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَوْلَانِ. قَالَ فِي ( «الْعُدَّةِ» ) : الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ. وَالْقَوْلَانِ فِي الِاسْتِحْبَابِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: فِي الْإِيجَابِ.
روضة الطالبين (2/147)


- استشكال بعض أئمة الشافعية مسألة قتل تارك الصلاة بعد دعوته
قال الجويني : وأما الشافعي؛ فإنه رأى قتلَ تارك الصلاة، ومأخذ مذهبه الخبرُ، مع أنه لم يرد في هذا الخبر قتلٌ على التخصيص. والهجوم على قتل مسلمٍ عظيمٌ مشكل!! .
نهاية المطلب (2/651)


الجواب على الاستدال بحديث عبادة بن الصامت رضي الهُ عنه في مسألة عدم إكفار تارك الصلاة
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» .رواه مالك و أبو داود والنسائي وأحمد
أقول : والجواب أن الحديث لا يتحدث عن الإخلال بأصل الصلاة ولكن يتحدث عن الإخلال بأركان الصلاة بنص الرواية الأخرى : «خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» عند أبي داود في سننه وهي رواية تبين المراد بالإتيان وعدم الإتيان .
ويشهد لهذا المعنى حديث أبي قتادة بن ربعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : افْتَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِكَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَعَهِدْتُ عِنْدِي عَهْدًا أَنَّهُ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي .ابن ماجه في سننه وهو حسن .
قال شيخ الإسلام : وَإِذَا عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَدْخَلَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَا مَنْ تَرَكَ وَنَفْسُ الْمُحَافَظَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ صَلَّوْا وَلَمْ يُحَافِظُوا عَلَيْهَا وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ لَمْ يُحَافِظْ فَإِنَّهُ لَوْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ قُتِلُوا كُفَّارًا مُرْتَدِّينَ بِلَا رَيْبٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَادَةِ أَنَّ رَجُلًا يَكُونُ مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ مُقِرًّا بِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ مُلْتَزِمًا لِشَرِيعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ يَأْمُرُهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فَيَمْتَنِعُ حَتَّى يُقْتَلَ وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مُؤْمِنًا فِي الْبَاطِنِ قَطُّ لَا يَكُونُ إلَّا كَافِرًا .
مجموع الفتاوى (7/615) وقوله : ولا يتناول من لم يحافظ , صوابها : من لم يترك , كما يفهم من السياق .


وقال الشيخ ابن عثيمين : إنه يحتَمِلُ أن يكون المراد به: من لم يأتِ بهنَّ على هذا الوصف، وهو إتمام الركوع والسجود والخشوع.
ويحتمل أن يكون: لم يأتِ بهنَّ على هذا الوصف، وهو إتمام الركوع والسجود والخشوع.
ويحتمل أن يكون: لم يأتِ بهنَّ كلِّهنَّ؛ بل كان يُصلّي بعضاً ويترك بعضاً.
ويحتمل أن يكون: لم يأتِ بواحدةٍ منهنّ، بل كان يَتركهُنَّ كلَّهنَّ.
وإذا كان الحديث محتملاً لهذه المعاني كان من المتشابه، فيُحمل على الاحتمال الموافق للنُّصوص المحكمة.
الشرح الممتع (2/34)
هذا ما أردنا التعليق عليه في مقال الدكتور أمجد رشيد هدانا الله وإياه للحق , وأصلح قلوبنا وأعمالنا .


وكتبه / الدكتور عبدالباسط الغريب