تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: " الدكتور وليد الشاويش إذ يؤصل للبدعة"

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2019
    المشاركات
    11

    افتراضي " الدكتور وليد الشاويش إذ يؤصل للبدعة"

    " الدكتور وليد الشاويش إذ يؤصل للبدعة"
    مناقشة مقاله :
    مدى حجية مقولة (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم )وتساؤلات في أصول السنة
    الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم :
    فهذه مناقشة لمقالة الدكتور وليد الشاويش : مدى حجية مقولة (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم )وتساؤلات في أصول السنة , والتي أنكر فيها على من يستدل بهذه القاعدة : ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله , والتي زعم أن هذه القاعدة لا أصل لها , وهي قاعدة في نظره تهدم الكتاب والسنة , مع أن العكس هو الصحيح ؛ فالقول بجواز الإحداث في الدين – العبادات - ما دام أنها تندرج تحت أصل عام أو نص مطلق هو تشريع وتأصيل للبدعة في دين الله , وفتح لباب البدعة والعمل بما لم يشرعه الله ولا رسوله , بل هو هدم لدين الله وشريعة الإسلام التي أكمل الله لها الدين وأتم بها النعمة والتي تركها نبينا عليها الصلاة والسلام : بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك , ومن العجب أن الدكتور الفاضل ينكر هذه القاعدة وهو ينتسب لمذهب المالكية ؛ وللإمام مالك عشرات الأقوال في إنكار ما أحدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من بدع العبادات , ومقولته المشهورة معلومة لطلبة العلم ( ليس عليه عمل الناس ) , وقد أحصيت للإمام مالك عشرات المسائل التي يقول فيها تلك المقولة , وقوله : بأن الترك لا يعتبر سنة , مخالف لقول الأصوليين الذين عدوا الترك فعلا, مع أنه هو الصحيح والمرجح عند المالكية بل والأعجب أن صاحب المراقي أشار إليه في منظومته التي كان الدكتور الفاضل يترنم بها في محاضراته ! وسيأتي الحديث عليها في مكانها , إلى غير ذلك من المسائل المهمة المتعلقة في هذا الباب.
    وقد قمت بالتعليق على مقاله ومناقشته , وقد قدمت قبل ذلك بمقدمة نقلت فيها ما يتعلق في هذه المسألة من أدلة وأقوال من آثار الصحابة والتابعين وأقوال الأئمة المحققين , وهذه القاعدة مع كثرة من قال بها وتتابع العلماء على نقلها , لم ينقل الدكتور عن إمام معتبر واحد ينقض هذه القاعدة أو بردها , وإنما هي الدعاوي والمجازفات .
    مقدمة بين يدي الرد
    سنة الترك مبنية على مقدمات ثابتة راسخة ينبغي لطالب العلم أن يتصورها قبل الحديث عن هذه المسألة .
    المقدمة الأولى: كمال هذه الشريعة واستغناؤها التام عن زيادات المبتدعين واستدراكات المستدركين، قال تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] .
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - «وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء» .
    المقدمة الثانية: بيانه - صلى الله عليه وسلم - لهذا الدين وقيامه بواجب التبليغ خير قيام، فلم يترك أمرًا من أمور هذا الدين صغيرًا كان أو كبيرًا إلا وبلغه لأمته.
    قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] ، وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل، في خطبته يوم حجة الوداع .
    المقدمة الثالثة: حفظ الله لهذا الدين وصيانته من الضياع، فهيأ الله له من الأٍسباب والعوامل التي يسرت نقله وبقاءه حتى يومنا هذا , قال تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ().
    المسألة الأولى : التحذير من البدعة في الدين ؛ تدعيم لقاعدة (ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ) .
    مما يتعلق بمسألة ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله . مسألة تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من البدع , وإخباره : أن كل بدعة ضلالة .
    عنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ»، وَيَقُولُ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ»، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». أخرجه مسلم
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : مسألة أن كل بدعة في الدين ضلالة محرمة، هذا مما أجمع عليه الصحابة والسلف الصالح، ولم تنتشر البدع إلا بعد القرون الثلاثة الفاضلة حين صارت للروافض والقرامطة دولة، وكثرت الطرق الصوفية النكدة.
    اقتضاء الصراط المستقيم (1/64)
    وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» . أخرجه البخاري , وفي رواية لمسلم : «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .
    قال النووي : فَهُوَ رَدٌّ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ : الرَّدُّ هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُودِ وَمَعْنَاهُ فَهُوَ بَاطِلٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ , وَهَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كُلِّ الْبِدَعِ وَالْمُخْتَرَعَ اتِ .
    شرح النووي (12/16)


    تعريف البدعة
    تكاد تتوافق تعاريف العلماء للبدعة , ويمكن صوغ ذلك بأنه : ما أحدث على غير مثال سابق , فلم تظهر البدع أصلا إلا بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم , فكان التأصيل لقاعدة ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ؛ متناسبا مع منع البدع في الدين .
    قال الإمام الشاطبي المالكي : أصل مادة بَدَعَ لِلِاخْتِرَاعِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، وَمِنْهُ قول الله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، أي مخترعهما مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ مُتَقَدِّمٍ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} ، أَيْ مَا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ جَاءَ بِالرِّسَالَةِ مِنَ اللَّهِ إِلَى الْعِبَادِ، بَلْ تَقَدَّمَنِي كَثِيرٌ مِنَ الرُّسُلِ. وَيُقَالُ: ابْتَدَعَ فَلَانٌ (بِدْعَةً يَعْنِي ابْتَدَأَ) طَرِيقَةً لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهَا سَابِقٌ.
    الاعتصام (1/45)
    وقال أبو بكر الطرطوشي المالكي (): فإن قيل لنا: فما أصل البدعة؟ قلنا: أصل هذه الكلمة من الاختراع، وهو الشيء يحدث من غير أصل سبق، ولا مثال احْتُذِيَ، ولا ألف مثله , ومنه قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، وقوله: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} ؛ أي: لم أكن أول رسول إلى أهل الأرض. وهذا الاسم يدخل فيما تخترعه القلوب، وفيما تنطق به الألسنة، وفيما تفعله الجوارح.
    الحوادث والبدع (30-40)
    وعرفها العلامة الشمني : بأنها ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم أو عمل أو حال بنوع شبهة أو استحسان .. .
    الإبداع في مضار الابتداع(32)
    ولما كانت هذه الأحاديث يفهم منها العموم , وهو عموم النهي عن كل محدث , وكانت المحدثات منها الشرعية وغير الشرعية وضع العلماء ضابطا للبدعة, وهو أن البدعة – المذمومة والمنهي عنها - ما تعلقت بأمر الدين في العبادات , وعلى ذلك قسم العلماء البدعة إلى قسمين :
    البدعة بدعتان لغوية وشرعية :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ولهذا كان الأصل الذي بنى الإمام أحمد وغيره من الأئمة عليه مذاهبهم أن أعمال الخلق تنقسم إلى:
    عبادات يتخذونها دينا، ينتفعون بها في الآخرة، أو في الدنيا والآخرة .
    وإلى عادات ينتفعون بها في معايشهم .
    فالأصل في العبادات: أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله.
    والأصل في العادات: أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله.
    اقتضاء الصراط (2/86)
    وهذه قاعدة تكاد أن تكون اتفاقا بين العلماء , وهي أصل أصيل للتفريق بين ما أحدث من أمور الدنيا التي احتاج إليها البشر والتي لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ,و مبناها على الإباحة والجواز وبين ما كان من أمر التعبدات والتي مبناها على التوقيف والحظر .
    بيان أن البدعة اللغوية أعم من الشرعية
    قال شيخ الاسلام : ثم ذلك العمل الذي يدل عليه الكتاب والسنة: ليس بدعة في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة، فلفظ البدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة. وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام، بل كل دين جاءت به الرسل فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد: ما ابتدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم.
    اقتضاء الصراط (2/96)
    قلت : وقد كان مقال الدكتور موهما للقارئ أن من يقول بقاعدة ( لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ) يجري ذلك على العادات والعبادات , مع أن هذا خلاف الصحيح كما في هذا النقل عنهم .
    قال ابن دقيق العيد – ممثلا للبدعة اللغوية - : فأما تفريع الأصول التي لا تخرج عن السنة فلا يتناولها هذا الرد ؛ ككتابة القرآن العزيز في المصاحف , وكالمذاهب التي عن حسن نظر الفقهاء المجتهدين الذين يردون الفروع إلى الأصول التي هي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وكالكتب الموضوعة في النحو والحساب والفرائض , وغير ذلك من العلوم مما مرجعه ومبناه على أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوامره ؛ فإن ذلك لا يدخل في هذا الحديث.- يعني حديث: من أحدث في أمرنا هذا ... .
    شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (42)
    ضابط البدعة :
    الأصل في ذلك أن كل عبادة اتفق على تَرْكِها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسلف الأمة من بعده فهي بلا شك بدعة ضلالة، ليست من الدين , فإذا تواطأ النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلف الأمة من بعده على تَرْكِ عبادة فهذا دليل قاطع على أنها بدعة.
    قال شيخ الإسلام : «فأما ما تركه [أي النبي - صلى الله عليه وسلم -] من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعًا لفعله أو أذن فيه، ولفعله الخلفاء بعده والصحابة؛ فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة، ويمتنع القياس في مثله» .
    مجموع الفتاوى (26/172)
    وسئل تقي الدين السبكي عن بعض المحدثات فقال: الحمد لله، هذه بدعة لا يشك فيها أحد، ولا يرتاب في ذلك، ويكفي أنها لم تُعرف في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا في زمن أصحابه، ولا عن أحد من علماء السلف .
    فتاوى السبكي (2/ 549)
    ضابط آخر : وهو اتخاذ عبادات معينة تتكرر كالعبادات المشروعة ؛ بحيث تصير سننا ورواتب مثلها .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع أو الشهور أو الأعوام، غير الاجتماعات المشروعة، فإن ذلك يضاهي الاجتماع للصلوات الخمس، وللجمعة، وللعيدين وللحج. وذلك هو المبتدع المحدث.
    ففرق بين ما يتخذ سنة وعادة، فإن ذلك يضاهي المشروع. وهذا الفرق هو المنصوص عن الإمام أحمد، وغيره من الأئمة. فروى أبو بكر الخلال، في كتاب الأدب، عن إسحاق بن منصور الكوسج، أنه قال لأبي عبد الله: تكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم؟ قال: "ما أكرهه للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد إلا أن يكثروا" .
    قال إسحاق بن راهويه كما قال , وإنما معنى أن لا يكثروا: أن لا يتخذوها عادة حتى يكثروا .
    اقتضاء الصراط المستقيم (2/140-141)
    وقال شيخ الإسلام : وأصل هذا: أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات، حتى تصير سننا ومواسم، قد شرع الله منها ما فيه كفاية العباد، فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد، كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه. ....
    فكما أن تطوع الصلاة فرادى وجماعة مشروع، من غير أن يتخذ جماعة عامة متكررة، تشبه المشروع من الجمعة، والعيدين والصلوات الخمس، فكذلك تطوع القراءة والذكر والدعاء، جماعة وفرادى، وتطوع قصد بعض المشاهد، ونحو ذلك، كله من نوع واحد، يفرق بين الكثير الظاهر منه، والقليل الخفي، والمعتاد وغير المعتاد .
    اقتضاء الصراط (2/144)
    غالب البدع تندرج تحت أصل عام أو مطلق , وتمثيل العلماء على ذلك :
    قال شيخنا الالباني رحمه الله :غالب البدع تندرج تحت أصل عام , ومع ذلك هي غير مشروعة وهي التي يسميها الإمام الشاطبي بالبدع الإضافية صحيح الترغيب (1/54-55).
    قال الشاطبي :وَمِنَ الْبِدَعِ الإِضافية الَّتِي تَقْرُبُ مِنَ الْحَقِيقِيَّةِ : أَن يَكُونَ أَصل الْعِبَادَةِ مَشْرُوعًا، إِلا أَنها تُخْرَج عَنْ أَصل شَرْعِيَّتِهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ، توهُّماً أَنها بَاقِيَةٌ عَلَى أَصلها تَحْتَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَذَلِكَ بأَن يُقَيَّد إِطلاقها بالرأْي، أَو يُطْلَق تقييدُها، وَبِالْجُمْلَةِ فَتَخْرُجُ عَنْ حَدِّها الَّذِي حُدَّ لَهَا.
    الاعتصام (2/309) وذكر أمثلة على ذلك .
    قال العلامة الشيخ علي محفوظ : وعلمت أن التمسك بالعمومات مع الغفلة عن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم وتركه ؛ هو اتباع المتشابه الذي نهى الله عنه , ولو عولنا على العمومات وصرفنا النظر عن البيان, لانفتح باب كبير من أبواب البدعة لا يمكن سده ,ولا يقف الاختراع في الدين عند حد .
    الإبداع في مضار الابتداع (47)
    ثم قال :وإليك أمثلة في ذلك على ما تقدم:
    الأول : جاء في حديث الطبراني : الصلاة خير موضوع .
    قال رحمه الله : لو تمسكنا بعموم هذا ؛ كيف تكون صلاة الرغائب بدعة مذمومة؟.. وكيف تكون صلاة شعبان بدعة مذمومة ...مع دخولهما في عموم الحديث؟ وقد نص العلماء على أنهما بدعتان قبيحتان مذمومتان كما يأتي . قال النووي في صلاة الرغائب : ليس لأحد أن يستدل على شرعيتها بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الصلاة خير موضوع . فإن ذلك يختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه , وقد صح النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة .
    الثاني: قال تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا} وقال عز وجل: {اذكروا الله ذكرا كثيرا} إذا استحب لنا إنسان الأذان للعيدين والكسوفين والتراويح وقلنا كيف ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها ولم يأمر بها وتركها طول حياته فقال لنا: إن المؤذن داع إلى الله وإن المؤذن ذاكر لله كيف تقوم عليه الحجة وكيف تبطل بدعته؟
    الثالث: قال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية
    لو صح الأخذ بالعمومات لصح أن يتقرب إلى الله تعالى بالصلاة والسلام [عليه صلى الله عليه وسلم] في قيام الليل وركوعها واعتدالها وسجودها إلى غير ذلك من الأمكنة التي لم يضعا الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ومن الذي يجيز التقرب إلى الله تعالى بمثل ذلك وتكون الصلاة بهذه الصفة عبادة معتبرة؟ وكيف هذا مع حديث " صلوا كما رأيتموني أصلي " رواه البخاري؟
    الرابع: ورد في صحيح الحديث " فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر " رواه النسائي وأبو داود وابن ماجة , لو أخذ بعموم هذا لوجبت الزكاة في الخضر والبقول مع إجماع العلماء إلا الإمام الأعظم على عدم وجوب الزكاة فيها , ولا مستند لهم في عدم وجوب الزكاة سوى هذا الأصل وهو أن ما تركه مع قيام المقتضي على فعله فتركه هو السنة وفعله هو البدعة .
    الإبداع (47-49) وتأمل أن المؤصل لهذه المسائل الشيخ علي محفوظ أحد كبار علماء الأزهر , وقدم لكتابه الإبداع علماء أيضا من علماء الأزهر .
    المسألة الثالثة : هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة في الدين , وما مدى صحة هذا التقسيم .
    ذهب بعض العلماء إلى تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة وممن ذهب إلى ذلك العز بن عبد السلام وتلميذه القرافي .
    قال الشيخ علي محفوظ : وعلى هذا الاصطلاح بنى شيخ الإسلام عز الدين بن عبدالسلام وتلميذه الإمام شهاب الدين القرافي مذهبهما في تقسيم البدعة إلى الأقسام الخمسة , وهما مسبوقات في هذا التقسيم بالإمام الشافعي
    الابداع (36)
    وكلام الشافعي كما نقله عنه الحافظ ابن حجر : قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْبِدْعَةُ بِدْعَتَانِ مَحْمُودَةٌ وَمَذْمُومَةٌ فَمَا وَافَقَ السُّنَّةَ فَهُوَ مَحْمُودٌ , وَمَا خَالَفَهَا فَهُوَ مَذْمُومٌ . أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْجُنَيْدِ عَنِ الشَّافِعِيِّ . وَجَاءَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ قَالَ: الْمُحْدَثَاتُ ضَرْبَانِ مَا أُحْدِثُ يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ أَثَرًا أَوْ إِجْمَاعًا فَهَذِهِ بِدْعَةُ الضَّلَالِ , وَمَا أُحْدِثُ مِنَ الْخَيْرِ لَا يُخَالِفُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ؛ فَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ انْتَهَى
    فتح الباري (13/253)
    والجواب على هذا التقسيم :
    أولا : أنكر وعاب بعض العلماء هذا التقسيم – بدعة حسنة وبدعة سيئة – قال المحقق الشاطبي : وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ أَمْرٌ مُخْتَرَعٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، بَلْ هو في نَفْسُهُ مُتَدَافِعٌ، لِأَنَّ مِنْ حَقِيقَةِ الْبِدْعَةِ أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَا مِنْ نُصُوصِ الشَّرْعِ، وَلَا مِنْ قَوَاعِدِهِ ..ثم قال : فما ذكره الْقَرَافِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى إِنْكَارِ الْبِدَعِ صَحِيحٌ، وَمَا قَسَّمَهُ فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ. ومن العجب حكايته الِاتِّفَاقِ مَعَ الْمُصَادَمَةِ بِالْخِلَافِ، وَمَعَ مَعْرِفَتِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي خَرْقِ الْإِجْمَاعِ، وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا اتَّبَعَ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ شَيْخَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ .
    الاعتصام (1/327-328)
    وأقره الشيخ علي محفوظ في كتابه الإبداع (79)
    وهذا الإنكار كان في مقابل من استند إلى هذا التقسيم في جواز الإحداث في الدين بما لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم .
    ثانيا : أن تحمل البدعة الحسنة على البدعة اللغوية , وعليها يحمل كلام الشافعي بالمراد من البدعة المحمودة ؛ البدعة اللغوية لا الشرعية التي تكون في العبادات .
    وإليك كلام أهل العلم في ذلك :
    قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية (200) : ومن قسمها من العلماء إلى حسن وغير حسن فإنما قسم البدعة اللغوية ومن قال كل بدعة ضلالة فمعناه البدعة الشرعية .
    وقال ابن حجر العسقلاني : وَأَمَّا الْبِدَعُ فَهُوَ جَمْعُ بِدْعَةٍ وَهِيَ كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ مِثَالٌ تَقَدَّمَ ؛ فَيَشْمَلُ لُغَةً مَا يُحْمَدُ , وَيُذَمُّ وَيَخْتَصُّ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ بِمَا يُذَمُّ , وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْمَحْمُودِ فَعَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ .
    فتح الباري (13/278)
    والدليل على أن قول الإمام الشافعي يحمل على ذلك ما يلي :
    ثالثا : للشافعي نص ورد عنه في منع الاستحسان في الدين بما لم يشرعه الرسول الله صلى الله عليه وسلم .
    قال الشيخ علي محفوظ : وقد عرفت أن الإمام الشافعي ممن ينكر الاستحسان , ولقد بالغ في إنكاره إذ نقل عنه أنه قال : من استحسن فقد شرع , ومعناه كمال قال الروياني : أنه نصب من جهة نفسه شرعا غير الشرع . وقال في الرسالة : والاستحسان تلذذ ولو جاز لأحد الاستحسان في الدين لجاز ذلك لأهل العقول من غير أهل العلم ولجاز أن يشرع في الدين في كل باب وأن يخرج كل واحد لنفسه شرعا .
    الإبداع (137)
    وعلى ذلك يوجه كلام الشافعي بما جاء عن ابن حجر الهيتمي وابن حجر العسقلاني أنه أراد بالمحمودة البدعة اللغوية .


    الفرق بين البدعة والمصالح المرسلة
    وربما يستدل البعض على جواز إحداث البدع في الدين إذا اندرجت تحت أصل عام بالمصالح المرسلة , وهذا استدلال في غير مكانه فالعلماء فرقوا بين البدعة والمصالح المرسلة :
    قال الشيخ علي محفوظ - من علماء الأزهر - : وهذا ما يسمى في عرف الفقهاء بالمصالح المرسلة , وقاعدتها أن يناط الأمر باعتبار مناسب لم يدل الشرع على اعتباره ولا إلغائه إلا أنه ملائم لتصرفات الشرع بأن يوجد لذلك المعنى جنس اعتبره الشارع في الجملة . ثم إن من الناس من تشتبه عليه البدع بالمصالح المرسلة , ومنشأ الغلط أن المصالح المرسلة يرجع معناها إلى اعتبار المناسب الذي لا يشهد له أصل معين فليس له شاهد شرعي على الخصوص؛ فلما كان ههنا موضع الاشتباه لأن البدع والمصالح المرسلة يجريان من واد واحد , وهو أن كلا منهما لم يقم على خصوصه دليل شرعي وجب الفرق بينهما
    الإبداع (87-88)
    ثم قال الشيخ علي محفوظ : فحاصل المصالح المرسلة يرجع إلى حفظ أمر ضروري أو رفع حرج لازم في الدين ؛ فجمع المصحف حفظ للشريعة بحفظ أصلها وكتابته هو سد لباب الاختلاف فيه ... ومن ذلك تعرف أن البدع كالمضادة للمصالح المرسلة لأن البدع تكون في التعبدات ومن شأنها أن تكون غير معقولة المعنى على التفصيل بخلاف المصالح المرسلة فإنها تكون في معقول المعنى على التفصيل وهي المعاملات .
    وهناك فرق آخر وهو أن البدع تكون في المقاصد بخلاف المصالح المرسلة فإنها تكون في الوسائل .
    ثم قال : والسر في اعتبار المصلحة المرسلة في المعاملات دون العبادات أن العبادات حق الشارع خاص به , ولا يمكن معرفة حقه كما وكيفا وزمانا ومكانا إلا من جهته .
    الإبداع (95)


    المسألة الرابعة : سنة الترك أو ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يسمى سنة ؟
    وهذه من المسائل التي كرر الدكتور الفاضل الحديث عنها , وشدد النكير فيها مع أن للعلماء من شتى المذاهب تقريرا لذلك , وهذا من العجب أن يصدر من الدكتور وليد .
    والقول بسنية الترك مبني على قول العلماء بان الترك فعل ؛ وهذه أقوال العلماء التي تبين سنية الترك :
    قال الشيخ محمد الجيزاني في كتابه سنة الترك :
    التَّرْكُ معدود من الأفعال المُكلَّف بها؛ خلافًا لمن زعم أن التَّرك أمر عدمي لا وجود له، والعدم عبارة عن لا شيء.
    والدليل على أن الترك فعل من القرآن قوله - تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79] فسمَّى الله عدم تناهيهم عن المنكر فعلا وذمهم على هذا الفعل، فقال - سبحانه: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} , ومن السُّنَّة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «المُسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» فَسُمِّيَ تَرْكُ الأذى إسلامًا وهو يدل على أن التُّرْك فعل.
    سنة الترك (24)
    وقال : تَرْك بعض السُّنَّة سُدًا للذريعة؛ لئلا يُظن الوجوب وهذا خاص بمن كان من الناس في مظنة الاقتداء به، وهو منقول عن السلف؛ كَتَرْكِ بعض الصحابة - رضي الله عنهم - الأُضحية؛ خشية أن يظن الناس أنها واجبة؛ نُقِلَ ذلك عن أبي بكر وعمر وابن عباس - رضي الله عنهما - وقال أبو مسعود البدري - رضي الله عنه: «إني لأترك أضحيتي وإني لمن أيسركم؛ مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة» .
    والأصل في ذلك: تَرْك النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل المنافقين , وتَرْكه - صلى الله عليه وسلم - هدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - .
    سنة الترك (26)
    وإليك بعض أقوال العلماء التي ذكرها الشيخ محمد الجيزاني وغيره :
    بوَّب الإمام ابن خزيمة في صحيحه فقال: "باب ترك الصلاة في المصلي قبل العيدين وبعدها اقتداء بالنبي واستنانًا به" .
    قال ابن حجر : وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا بِأَنَّا لَمْ نَدَّعِ اسْتِلَامَهُمَا هَجْرًا للبيت وَكَيْفَ يَهْجُرُهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِهِ وَلَكِنَّا نَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا .
    فتح الباري (3/475)
    وقال السمعاني: "إذا ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من الأشياء وجب علينا متابعته فيه .
    قواطع الأدلة (1/311)
    وسئل تقي الدين السبكي عن بعض المحدثات فقال: "الحمد لله هذه بدعة لا يَشُكُ فيها أحد، ولا يرتاب في ذلك ويكفي أنها لم تُعرف في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في زمن أصحابه ولا عن أحد من علماء السلف" .
    فتاوى السبكي (2/549)
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والترك الراتب سنة كما أن الفعل الراتب: سنة.
    مجموع الفتاوى (26/172)
    وقال ابن القيم: "فإن تَرْكَه - صلى الله عليه وسلم - سُنَّة كما أن فعله سُنَّة، فإذا استحببنا فعل ما تَرَكه كان نظير استحبابنا تَرك ما فعله، ولا فرق" .
    إعلام الموقعين (2/281)
    وقال الشاطبي: "لأن تَرْك العمل به من النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع عمره، وتَرْك السَّلف الصالح له على توالي أزمنتهم قد تقدم أنه نص في التَّرك، وإجماع مِنْ كل مَنْ ترك؛ لأن عمل .
    الاعتصام (2/288)
    وقال الزركشي: "لأن المتابعة كما تكون في الأفعال تكون في التُّروك .
    البحر المحيط (6/41)
    وقال ابن النجار: "وإذا نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تَرَك كذا كان - أيضًا - من السُّنَّة الفعلية" .
    مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (2/ 165)
    وقال أيضا: وأمَّا التَّأسي في التَّرْك: فهو أنّه تترك ما تركه لأجل أن تَرَكَه .
    مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (2/ 196)
    وقال الشوكاني: "تَرْكه - صلى الله عليه وسلم - للشيء كفعله له في التأسي به فيه" (4).
    إرشاد الفحول (1/119)
    وقال الشيخ علي محفوظ – من علماء الأزهر -: إن سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما تكون بالفعل تكون بالترك ؛ فكما كلفنا الله تعالى باتباع النبي في فعله الذي يتقرب به إذا لم يكن من باب الخصوصيات كذلك طالبنا باتباعه في تركه فيكون الترك سنة
    الإبداع (40)
    وهذه النصوص كافية لطالب العلم في إثباتها لمن يبحث عن الحق .
    المسألة الخامسة : ضابط ذلك وما ذكره العلماء من المقتضى في ذلك .
    أقول : وقد وضع العلماء ضابطا لما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ,مما أحدث بعده , وهو ما يسمى بقيام المقتضى لفعله
    وهذه المسألة هي التي يدور عليها مقال الدكتور وليد , وحاول أن يظهر كأن هذه القاعدة بدعا من القول , وأنها قاعدة غريبة على العلماء مع أنها منقولة عن الفقهاء من الأئمة الأربعة كما ذكر الشيخ علي محفوظ رحمه الله , وتتابع العلماء على نقلها في القديم والحديث بدون نكير , وإليك البيان :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والترك الراتب سنة كما أن الفعل الراتب: سنة، بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض، أو فوات شرط، أو وجود مانع، وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ، كجمع القرآن في الصحف، وجمع الناس على إمام واحد في التراويح، وأسماء النقلة للعلم، وغير ذلك مما يحتاج إليه في الدين، وبحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به، وإنما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لفوات شرط أو وجود مانع، فأما ما تركه من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعا لفعله، أو أذن فيه وفعله الخلفاء بعده والصحابة، فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة.
    مجموع الفتاوى (26/172)
    وقال أيضا :و أما ما لم يحدث سبب يحوج إليه أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد، فهنا لا يجوز الإحداث، فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودا، لو كان مصلحة ولم يفعل، يعلم أنه ليس بمصلحة. وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخالق فقد يكون مصلحة.
    ثم هنا للفقهاء طريقان: أحدهما: أن ذلك يفعل ما لم ينه عنه، وهذا قول القائلين بالمصالح المرسلة.
    والثاني: أن ذلك لا يفعل إن لم يؤمر به: وهو قول من لا يرى إثبات الأحكام بالمصالح المرسلة، وهؤلاء ضربان:
    منهم من لا يثبت الحكم، إن لم يدخل في لفظ كلام الشارع، أو فعله، أو إقراره، وهم نفاة القياس. ومنهم من يثبته بلفظ الشارع أو بمعناه وهم القياسيون .
    فأما ما كان المقتضي لفعله موجودا لو كان مصلحة، وهو مع هذا لم يشرعه، فوضعه تغيير لدين الله، وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدين، من الملوك والعلماء والعباد، أو من زل منهم باجتهاد.. .
    فمثال هذا القسم: الأذان في العيدين، فإن هذا لما أحدثه بعض الأمراء، أنكره المسلمون لأنه بدعة، فلو لم يكن كونه بدعة دليلا على كراهته، وإلا لقيل: هذا ذكر لله ودعاء للخلق إلى عبادة الله، فيدخل في العمومات. كقوله تعالى: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] (5) وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: 33] (6) أو يقاس على الأذان في الجمعة، فإن الاستدلال على حسن الأذان في العيدين، أقوى من الاستدلال على حسن أكثر البدع. بل يقال: ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود ما يعتقد مقتضيا، وزوال المانع، سنة، كما أن فعله سنة. فلما أمر بالأذان في الجمعة، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة، كان ترك الأذان فيهما سنة، فليس لأحد أن يزيد في ذلك، بل الزيادة في ذلك كالزيادة في أعداد الصلوات أو أعداد الركعات، أو صيام الشهر، أو الحج .
    اقتضاء الصراط المستقيم (2/101-103)
    وقال الشاطبي – مؤكدا نفس القاعدة- وهو مالكي المذهب :
    وَالْجِهَةُ الرَّابِعَةُ: مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ مَقْصِدُ الشَّارِعِ: السُّكُوتُ عَنْ شَرْعِ التَّسَبُّبِ، أَوْ عَنْ شَرْعِيَّةِ الْعَمَلِ مَعَ قِيَامِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لَهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ سكوت الشارع عن الحكم على ضربين:
    أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا دَاعِيَةَ لَهُ تَقْتَضِيهِ، وَلَا مُوجِبَ يُقَدَّرُ لِأَجْلِهِ؛ كَالنَّوَازِلِ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً ثُمَّ سُكِتَ عَنْهَا مَعَ وُجُودِهَا، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَاحْتَاجَ أَهْلُ الشَّرِيعَةِ إِلَى النَّظَرِ فِيهَا وَإِجْرَائِهَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كُلِّيَّاتِهَا، وَمَا أَحْدَثَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَاجِعٌ إِلَى هَذَا الْقِسْمِ؛ كَجَمْعِ الْمُصْحَفِ، وَتَدْوِينِ الْعِلْمِ، وَتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ نَوَازِلِ زَمَانِهِ، وَلَا عَرَضَ لِلْعَمَلِ بِهَا مُوجِبٌ يَقْتَضِيهَا؛ فَهَذَا الْقِسْمُ جَارِيَةٌ فُرُوعُهُ عَلَى أُصُولِهِ الْمُقَرَّرَةِ شَرْعًا بِلَا إِشْكَالٍ؛ فَالْقَصْدُ الشَّرْعِيُّ فِيهَا مَعْرُوفٌ مِنَ الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ.
    وَالثَّانِي:أَن يَسْكُتَ عَنْهُ وَمُوجِبُهُ الْمُقْتَضِي لَهُ قَائِمٌ، فَلَمْ يُقَرَّرْ فِيهِ حُكْمٌ عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ زَائِدٌ عَلَى مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؛ فَهَذَا الضَّرْبُ السُّكُوتُ فِيهِ كَالنَّصِّ عَلَى أَنَّ قَصْدَ الشَّارِعِ أَنْ لَا يُزَادَ فِيهِ وَلَا يُنْقَصَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِشَرْعِ الْحُكْمِ الْعَمَلِيِّ مَوْجُودًا ثُمَّ لَمْ يُشْرَعِ الْحُكْمُ دَلَالَةً4 عَلَيْهِ؛ كَانَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى مَا كَانَ هُنَالِكَ بِدْعَةٌ زَائِدَةٌ، وَمُخَالَفَةٌ لِمَا قَصَدَهُ الشارع؛ إذا فُهِمَ مِنْ قَصْدِهِ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حَدٍّ هُنَالِكَ، لَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلَا النُّقْصَانُ مِنْهُ.
    وَمِثَالُ هَذَا : سُجُودُ الشُّكْرِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ،() وَهُوَ الَّذِي قَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي "الْعُتْبِيَّ ِ" مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ، قَالَ فِيهَا: "وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ يُحِبُّهُ فَيَسْجُدُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرًا. فَقَالَ: لَا يَفْعَلُ، لَيْسَ هَذَا مِمَّا مَضَى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ. قِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فِيمَا يَذْكُرُونَ سَجَدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شُكْرًا لِلَّهِ؛ أَفَسَمِعْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ ذَلِكَ، وَأَنَا أَرَى أَنْ قَدْ كَذَبُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا مِنَ الضَّلَالِ أَنْ يَسْمَعَ الْمَرْءُ الشَّيْءَ فَيَقُولَ: هَذَا شَيْءٌ لَمْ أَسْمَعْ لَهُ خِلَافًا. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّمَا نَسْأَلُكَ لِنَعْلَمَ رَأْيَكَ فَنَرُدَّ ذَلِكَ بِهِ. فَقَالَ: نَأْتِيكَ بِشَيْءٍ آخَرَ أَيْضًا لَمْ تَسْمَعْهُ مِنِّي: قَدْ فُتِحَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ؛ أَفَسَمِعْتَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا؟ إِذَا جَاءَكَ مِثْلُ هَذَا مِمَّا قَدْ كَانَ فِي النَّاسِ وَجَرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ لَا يُسْمَعُ عَنْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ؛ فَعَلَيْكَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الَّذِي قَدْ كَانَ فِيهِمْ؛ فَهَلْ سَمِعْتَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَجَدَ؟ فَهَذَا إِجْمَاعٌ، إِذَا جَاءَكَ أَمْرٌ لَا تَعْرِفُهُ فَدَعْهُ"، هَذَا تَمَامُ الرِّوَايَةِ، وقد احتوت على فَرْضِ سُؤَالٍ وَالْجَوَابِ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ.
    الموافقات (3/156-158)
    ثم نقل عن ابن رشد قوله , : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: "الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مِمَّا شُرِعَ فِي الدِّينِ -يَعْنِي سُجُودَ الشُّكْرِ- لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا؛ إِذْ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا فعله، ولا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اخْتِيَارِ فِعْلِهِ، وَالشَّرَائِعُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ".
    قَالَ: "وَاسْتِدْلَالُ ُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَا الْمُسْلِمُونَ بعده بأن ذلك لو كان لَنُقِلَ صَحِيحٌ؛ إِذْ لَا يَصِحُّ أَنْ تَتَوَفَّرَ دَوَاعِي الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَرْكِ نَقْلِ شَرِيعَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ، وَقَدْ أُمِرُوا بِالتَّبْلِيغِ".
    قَالَ: "وَهَذَا أَصْلٌ مِنَ الْأُصُولِ، وَعَلَيْهِ يَأْتِي إِسْقَاطُ الزَّكَاةِ مِنَ الْخُضَرِ وَالْبُقُولِ، مَعَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا بِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ" لِأَنَّا نَزَّلْنَا تَرْكَ نَقْلِ أَخْذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ مِنْهَا كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ فِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهَا؛ فَكَذَلِكَ نُنَزِّلُ تَرْكَ نَقْلِ السُّجُودِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشُّكْرِ كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ فِي أَنْ لَا سُجُودَ فيها"، ثُمَّ حَكَى خِلَافَ الشَّافِعِيِّ وَالْكَلَامَ عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ تَوْجِيهُ مَالِكٍ لَهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا بِدْعَةٌ، لَا تَوْجِيهُ أَنَّهَا بِدْعَةٌ عَلَى الإطلاق.
    الموافقات (3/161-162)
    قلت : جاء في الحاشية : وليس غرض المؤلف العناية ببيان أن سجود الشكر بدعة، بل الذي يعنيه هو طريقة مالك في بيان بدعيتها .
    أقول : كيف استدل على عدم جواز فعلها بما عرفه ( من عمل الناس ) , وقارن بين هذا الدليل وبين قول الدكتور المالكي !
    وقال الشاطبي : وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ جَرَى بَعْضُهُمْ فِي تَحْرِيمِ نكاح المحلل أنها بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ، مِنْ حَيْثُ وُجِدَ فِي زَمَانِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّرْخِيصِ لِلزَّوْجَيْنِ، بِإِجَازَةِ التَّحْلِيلِ لِيُرَاجِعَا كَمَا كَانَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَشْرَعْ ذَلِكَ مَعَ حِرْصِ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ عَلَى رُجُوعِهَا إِلَيْهِ؛ دَلَّ عَلَى أَنَّ التَّحْلِيلَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ لَهَا وَلَا لِغَيْرِهَا، وَهُوَ أَصْلٌ صَحِيحٌ، إِذَا اعْتُبِرَ وَضَحَ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُوَ مِنَ الْبِدَعِ وَمَا لَيْسَ مِنْهَا، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُجُودَ المعنى المتقضي مَعَ عَدَمِ التَّشْرِيعِ دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ الشَّارِعِ إِلَى عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا قَبْلُ، فَإِذَا زَادَ الزَّائِدُ ظَهَرَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لقصد الشارع؛ فبطل.
    الموافقات (3/163)
    وقد نقل الشيخ علي محفوظ هذه القاعدة أيضا عن فقهاء الأحناف والشافعية كذلك
    نقل عن : الشيخ ملا أحمد رومي الحنفي صاحب (مجالس الأبرار) ما ملخصه: لا تكون البدعة في العبادات البدنية كالصلاة والصوم والذكر والقراءة إلا سيئة ؛ لأن عدم وقوع الفعل في الصدر الأول إما لعدم الحاجة إليه أو لوجود مانع أو لعدم تنبه أو لتكاسل أو لكراهة أو لعدم مشروعيته , والأولان منفيان في العبادات البدنية المحضة لأن الحاجة في التقرب إلى الله تعالى لا تنقطع وبعد ظهور الإسلام لم يكن منها مانع ولا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم عدم التنبه والتكاسل فذاك أسوأ الظن المؤدي إلى الكفر ؛ فلم يبق إلا كونها سيئة غير مشروعة , وكذلك يقال لمن أتى في العبادات البدنية المحضة بصفة لم تكن في زمن الصحابة إذ لو كان وصف العبادة في الفعل المبتدع يقتضي كونها بدعة حسنة لما وجد في العبادات بدعة مكروهة , ولما جعل الفقهاء مثل صلاة الرغائب والجماعة فيها , ومثل أنواع النغمات الواقعة في الخطب وفي الأذان وقراءة القرآن وفي الركوع مثلا والجهر بالذكر أمام الجنازة ونحو ذلك من البدع المنكرة. فمن قال بحسنها قيل له : ما ثبت حسنه بالأدلة الشرعية فهو إما غير بدعة فلا يتناوله ذم الشارع ويبقى عموم حديث كل بدعة ضلالة وحديث كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد على حاله لا تخصيص فيه , وأما بدعة ويكون مخصوصا من هذا العام وخارجا منه ؛ فمن ادعى الخصوص فيما أحدث وأنه خارج من عموم الذم احتاج إلى دليل يصلح للتخصيص من كتاب أو سنة أو إجماع مختص بأهل الاجتهاد .
    الإبداع (45-46)
    وقال العلامة القسطلاني الشافعي في المواهب ما نصه : ولقد صلى- صلى الله عليه وسلم- أكثر من ثلاثين ألف صلاة فلم ينقل عنه أنه قال: نويت أصلى صلاة كذا وكذا، وتركه سنة، كما أن فعله سنة، فليس لنا أن نسوى بين ما فعله وتركه، فنأتي من القول في الموضع الذي تركه بنظير ما أتى به في الموضع الذي فعله .
    المواهب اللدنية (3/196) والإبداع (44)
    ونقل كذلك عن ابن حجر الهيتمي في الفتاوي الحديثية ما حاصله: وَفسّر بَعضهم الْبِدْعَة بِمَا يعم جَمِيع مَا قدمنَا وَغَيره فَقَالَ هِيَ مَا لم يقم دَلِيل شَرْعِي على أَنه وَاجِب أَو مُسْتَحبّ سَوَاء أفعل فِي عَهده - صلى الله عليه وسلم - أَو لم يفعل كإخراج الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب وقتال التّرْك لما كَانَ مَفْعُولا بأَمْره لم يكن بِدعَة , وَإِن لم يفعل فِي عَهده وَكَذَا جمع الْقُرْآن فِي الْمَصَاحِف والاجتماع على قيام شهر رَمَضَان وأمثال ذَلِك مِمَّا ثَبت وُجُوبه أَو اسْتِحْبَابه بِدَلِيل شَرْعِي , وَقَول عمر رَضِي الله عَنهُ فِي التَّرَاوِيح نعمت الْبِدْعَة هِيَ أَرَادَ الْبِدْعَة اللُّغَوِيَّة , وَهُوَ مَا فعل على غير مِثَال كَمَا قَالَ تَعَالَى {قل مَا كنت بدعا من الرُّسُل} وَلَيْسَت بِدعَة شرعا ؛ فَإِن الْبِدْعَة الشَّرْعِيَّة ضَلَالَة كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم - وَمن قسمهَا من الْعلمَاء إِلَى حسن وَغير حسن فَإِنَّمَا قسم الْبِدْعَة اللُّغَوِيَّة , وَمن قَالَ كل بِدعَة ضَلَالَة فَمَعْنَاه الْبِدْعَة الشَّرْعِيَّة؛ أَلا ترى أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان أَنْكَرُوا غير الصَّلَوَات الْخمس كالعيدين وَإِن لم يكن فِيهِ نهي , وكرهوا استلام الرُّكْنَيْنِ الشاميين وَالصَّلَاة عقيب السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة قِيَاسا على الطّواف , وَكَذَا مَا تَركه - صلى الله عليه وسلم - مَعَ قيام الْمُقْتَضى فَيكون تَركه سنة وَفعله بِدعَة مذمومة وَخرج بقولنَا مَعَ قيام الْمُقْتَضى فِي حَيَاته تَركه إِخْرَاج الْيَهُود من جَزِيرَة الْعَرَب وَجمع الْمُصحف وَمَا تَركه لوُجُود الْمَانِع كالاجتماع للتراويح فَإِن الْمُقْتَضى التَّام يدْخل فِيهِ الْمَانِع
    الفتاوى الحديثية (200) و الإبداع (44)
    أقول : لاحظ التعبير بالقاعدة التي أنكرها الدكتور !




    ضابط المقتضى في منع الإحداث في العبادات
    حاول الدكتور الفاضل أن يجعل هذه النقطة دليلا لهدم هذه القاعدة ؛ فكرر السؤال عن ضابط هذا المقتضى , ونقول إليك الجواب المحقق من أحد علماء المالكية الذين تنتسب إليهم :
    قال الشاطبي في الاعتصام : لأَن السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا أَحقَّ بالسَّبْق إِلى فَضْلِهِ؛ لِجَمِيعِ مَا ذُكر فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ، وَلِذَلِكَ قَالَ مالك بن أنس فِيهَا: أَترى النَّاسَ الْيَوْمَ كَانُوا أَرغبَ فِي الْخَيْرِ مِمَّنْ مَضَى؟ وَهُوَ إِشارة إِلى الأَصل الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَن الْمَعْنَى المُقْتَضي للإِحداث ـ وَهُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْخَيْرِ ـ كَانَ أَتمَّ فِي السَّلَفِ الصالح، وهم لم يفعلوه، فدل أَنَّهُ لَا يُفْعَل.
    الاعتصام (2/291)
    المسألة السادسة: هل كان الصحابة يتعبدون الله بما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وهنا نذكر الأدلة التي تدل على أن الصحابة كان يتعبدون بما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم و هذه بعض الأحاديث والآثار التي وقفت عليها :
    عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ».
    البخاري ومسلم
    أقول : تأمل قول عمر الصريح :لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . أليس هذا نصا واضحا صريحا في التعبد بما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يفعله .
    وعنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ فِي هَذَا المَسْجِدِ، قَالَ: جَلَسَ إِلَيَّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِكَ هَذَا، فَقَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ المُسْلِمِينَ»، قُلْتُ: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ، قَالَ: «لِمَ؟»، قُلْتُ: لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاكَ، قَالَ: «هُمَا المَرْءَانِ يُقْتَدَى بِهِمَا» .
    البخاري
    قال ابن حجر : وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِ يِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَذَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ : وَلِمَ ذَاكَ قُلْتُ : لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَأَى مَكَانَهُ وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا أَحْوَجُ مِنْكَ إِلَى الْمَالِ فَلَمْ يحركاه .
    وقال : وَدَارَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ بَيْنَ عُمَرَ أَيْضًا وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ: أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فَيُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ : قَدْ سَبَقَكَ صَاحِبَاكَ فَلَوْ كَانَ فَضْلًا لَفَعَلَاهُ .
    فتح الباري (3/456)
    أقول : وهذه أدلة قاطعة لما كان عليه الصحابة من التعبد بالترك وهم القوم الذين يقتدى بهم .
    عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ قَالَ: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا، قَالَ: وَمَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ: رَأَيْتُكَ لاَ تَمَسُّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلَّا اليَمَانِيَّيْن ِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَّا الأَرْكَانُ: فَإِنِّي لَمْ «أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلَّا اليَمَانِيَّيْن ِ» .. .
    البخاري ومسلم
    أقول : وهذه نصوص من المنطوق وليس المفهوم ؛ لله در السلف ما أعظم اتباعهم .
    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ طَافَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بِالْبَيْتِ، فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ؟ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُمَا » ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا [ص:370]، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقْتَ .
    البخاري
    قال ابن حجر : وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا بِأَنَّا لَمْ نَدَّعِ اسْتِلَامَهُمَا هَجْرًا للبيت وَكَيْفَ يَهْجُرُهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِهِ وَلَكِنَّا نَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا .
    فتح الباري (3/475)
    أقول : وهذا نص صريح من الإمام الشافعي ذكره ابن حجر مقرا له .
    وعن عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَصَلَّيْنَا الْفَرِيضَةَ، فَرَأَى بَعْضَ وَلَدِهِ يَتَطَوَّعُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يُصَلُّوا قَبْلَهَا، وَلَا بَعْدَهَا " قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " وَلَوْ تَطَوَّعْتُ لَأَتْمَمْتُ "
    أحمد في مسنده (8/379)
    عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ عِيدٍ فَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، فَذَكَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ»
    الترمذي(538) وقال : حسن صحيح .
    فعله : أي لم يصل قبلها ولا بعدها .
    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَمَ الْعَبَّاسُ عَلِيًّا فِي أَشْيَاءَ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَصَمَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمَا فَأَبَى وَقَالَ: شَيْئًا تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كُنْتُ لِأُحْدِثَ فِيهِ ."
    رواه أحمد (1/239) وإسناده صحيح .
    وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي وَأَبُو طَلْحَةَ جُلُوسًا فَأَكَلْنَا لَحْمًا وَخُبْزًا ثُمَّ دَعَوْتُ بِوَضُوءٍ فَقَالَا لِمَ تَتَوَضَّأُ فَقُلْتُ لِهَذَا الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْنَا فَقَالَا أَتَتَوَضَّأُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك.
    رَوَاهُ أَحْمد(35/112)
    هذا بعض ما وقفت عليه , ولو تتبعت كتب الحديث زيادة لخرجت بالمئات من الأحاديث والآثار .
    المسألة السابعة : الرد على ما استدلوا به من عمل بعض الصحابة بما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    صلاة التراويح
    قال شيخ الإسلام : وإذا كان كذلك: فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى؛ وقد قال لهم في الليلة الثالثة، أو الرابعة لما اجتمعوا: "إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن تفرض عليكم، فصلوا في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة" . فعلّل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم.
    فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه جمعهم على قارئ واحد، وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد مع الإسراج عملا لم يكونوا يعملونه من قبل؛ فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، ولم يكن بدعة شرعية؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم فانتفى المعارض.
    اقتضاء الصراط المستقيم 02/96-97)
    وقال الشيخ علي محفوظ : قال في شرح المختار : روى أسد بن عمر عن أبي يوسف رحمه الله قال : سألت أبا حنيفة عن التراويح وما فعله عمر فقال : التراويح سنة مؤكدة , ولم يتخرصه عمر من تلقاء نفسه ولم يكن فيه مبتدعا ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولقد سن عمر هذا وجمع الناس على لأبي بن كعب فصلاها جماعة والصحابة متوافرون منهم عثمان وعلي وابن مسعود .. وما رد عليه واحد منهم بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك ..
    الإبداع (83-84)
    جمع القرآن
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهكذا جمع القرآن، فإن المانع من جمعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أن الوحي كان لا يزال ينزل، فيغير الله ما يشاء ويحكم ما يريد، فلو جمع في مصحف واحد لتعسر أو تعذر تغييره كل وقت، فلما استقر القرآن بموته صلى الله عليه وسلم واستقرت الشريعة بموته صلى الله عليه وسلم أمن الناس من زيادة القرآن ونقصه، وأمنوا من زيادة الإيجاب والتحريم، والمقتضي للعمل قائم بسنته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فعمل المسلمون بمقتضى سنته، وذلك العمل من سنته، وإن كان يسمى في اللغة بدعة.
    اقتضاء الصراط المستقيم (2/97-98)
    وقال الشاطبي : وَالْجَوَابُ عَنِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي : أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، لَا مِنْ قَبِيلِ الْبِدْعَةِ الْمُحْدَثَةِ. وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ قَدْ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَهِيَ مِنَ الْأُصُولِ الْفِقْهِيَّةِ الثَّابِتَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَإِنْ كَانَ فيها خلاف بينهم ، ولكن لا يعود ذلك بقدح على ما نحن فيه. أَمَّا جَمْعُ الْمُصْحَفِ، وَقَصْرُ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَهُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، إِذْ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهُا شَافٍ كَافٍ، تَسْهِيلًا عَلَى الْعَرَبِ الْمُخْتَلِفَات ِ اللُّغَاتِ ، فَكَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرَةً ... إلى آخر كلامه .
    الاعتصام (1/316)
    المسألة السابعة : أمثلة مما أنكره الصحابة والتابعون والعلماء مما أحدث من العبادات مع أنه يندرج تحت أصل عام أو مطلق .
    أقول : وهنا سنذكر الأمثلة الكثيرة من أقوال الصحابة التابعين في ذلك وما ورد عن الإمام مالك في ذلك ؛ فهو كان رحمه الله من أكثر الناس اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ورفضه للبدع والمحدثات, ولذلك كان كثيرا ما يرد كثيرا مما أحدثه الناس بقوله : ليس عليه عمل الناس .
    ما جاء عن الصحابة والتابعين
    أقول : من تعظيم الصحابة لمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنهم كانوا ينكرون ما يتم إحداثه من العبادات بعد النبي صلى الله عليه وسلم, وإليك بعض الآثار في ذلك :
    عَنِ الزُّهْرِيَّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكَ فَقَالَ لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ.
    أخرجه البخاري.
    وعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا أَبُو الدَّرْدَاءِ، مُغْضَبًا، فَقَالَتْ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: " وَاللهِ مَا أَعْرِفُ فِيهِمْ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا .
    أخرجه البخاري .
    وروى مالك في " الموطإ " عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: " ما أعرف شيئا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة ".
    قال أبو بكر الطرطوشي : - الناس - يعني: الصحابة , وذلك أنه أنكر أكثر أفعال أهل عصره، ورآها مخالفة لما أدرك من أفعال الصحابة.
    وكذلك أبو الدرداء أنكر ما أدرك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرفه من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الحوادث والبدع (41)
    تأمل معي أيها القارئ الكريم قول أبي بكر الطرطوشي ؛ تأكيدا لإنكار الصحابة والتابعين لما أحدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
    أما الأحاديث والآثار فإليك بعضها ! :
    عن عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ. فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا. قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ. قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ. قَالَ: «أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ»، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: «فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ». قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: «وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ» قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ "، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ .
    سنن الدارمي (1/286) وهو صحيح .
    أقول : تأمل أيها القارئ الكريم إنكار ابن مسعود رضي الله عنه على هؤلاء مع أن فعلهم يندرج تحت أصل عام, ولذلك قال أبو موسى : لم أر إلا خيرا ! في ابتداء الأمر .
    عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَنَا أَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»
    الترمذي (2738) وحسنه شيخنا الألباني رحمه الله .
    أقول : لو كان كل ما اندرج تحت أصل عام أن نص مطلق جاز فعله لما أنكر ابن عمر رضي الله عنه على الرجل فعله .
    عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ , فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ , فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ زَادَ شَيْئًا مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا، فقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، مَنْ هَذَا؟ فقَالُوا: هَذَا الْيَمَانِي الَّذِي يَغْشَاكَ , فَعَرَّفُوهُ إِيَّاهُ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ السَّلاَمَ انْتَهَى إِلَى الْبَرَكَةِ.
    الموطأ (2/959)
    أقول : تأمل قول ابن عباس : إِنَّ السَّلاَمَ انْتَهَى إِلَى الْبَرَكَةِ . لتعلم حرص الصحابة على الاتباع .
    عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْمَدَنِيِّ , قَالَ: " اجْتَمَعَ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ بَعْدَ الْعَصْرِ , فَخَرَجَ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ مِنْ دَارِ آلِ عُمَرَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ , إِنَّ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ , إِنَّا أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَلَا يَصْنَعُونَ مِثْلَ هَذَا , ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَجْلِسْ , ثُمَّ خَرَجَ الثَّانِيَةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا , ثُمَّ رَجَعَ»
    البدع لابن وضاح (93)
    أقول : مع أن الدعاء يندرج تحت أصل عام !
    روى مالك فِي الْمُوَطَّأ عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ عَن ربيعَة بن عبد الله بن الْهُذيْل أَنه رأى رجلا مُجَردا بالعراق فَسَأَلَ عَنهُ النَّاس فَقيل أَنه أَمر بهديه أَن يُقَلّد فَلذَلِك تجرد قَالَ ربيعَة فَلَقِيت : عبد الله بن الزبير فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ بِدعَة وَرب الْكَعْبَة .
    قال أبو شامة : فوصف ذَلِك عبد الله بِأَنَّهُ بِدعَة لما كَانَ موهما أَنه من الدّين لِأَنَّهُ قد ثَبت أَن التجرد مَشْرُوع فِي الْإِحْرَام بنسك الْحَج وَالْعمْرَة ؛ فَإِذا فعل فِي غير ذَلِك أوهم من لَا يعلم من الْعَوام أَنه مَشْرُوع فِي هَذِه الْحَالة الْأُخْرَى لِأَنَّهُ قد ثَبت شرعته فِي صُورَة ؛ فَرُبمَا يقْتَدى بِهِ فيتفاقم الْأَمر فِي انتشار ذَلِك ويعسر الْفِطَام عَنهُ كَمَا قد وَقع فِي غَيره من الْبدع.
    الباعث على إنكار البدع والحوادث (21)
    عن سعيد بن المسيب: أنه راى رجلاً يصلى بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين , يكثر فيها الركوع والسجود , فنهاه , فقال: يا أبا محمد! يعذبنى الله على الصلاة؟ ! قال: لا , ولكن يعذبك على خلاف السنة.
    السنن الكبرى للبيهقي (2/654)
    أقول : الله أكبر ؛ تأمل في قول هذا التابعي , يعذبك على مخالفة السنة , مع أن فعله صلاة , أعظم العبادات !! .
    عَنْ أُسَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: رَأَيْتُ مَكْحُولًا سَلَّمَ عَلَى رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ بِدَابِقٍ وَهُوَ رَاجِلٌ رَاكِبٌ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَجَاءٌ السَّلَامَ كَأَنَّهُ كَرِهَ خِلَافَ السُّنَّةِ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَاشِي عَلَى الرَّاكِبِ .
    مسند الشاميين (3/205)
    أقول : لماذا لم يرد عليه لأنه فعل فعلا يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
    عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , قَالَ: " كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فَأَتَاهُمُ الْحَسَنُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: " يَا أَبَا سَعِيدٍ , مَا تَرَى فِي مَجْلِسِنَا هَذَا؟ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَا يَطْعنَونَ عَلَى أَحَدٍ , نَجْتَمِعُ فِي بَيْتِ هَذَا يَوْمًا , وَفِي بَيْتِ هَذَا يَوْمًا , فَنَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ , وَنَدْعُو رَبَّنَا , وَنُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنَدْعُو لِأَنْفُسِنَا وَلِعَامَةِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ الْحَسَنُ أَشَدَّ النَّهْيِ " .
    البدع لابن وضاح (42)
    أقول : تأمل فعل الحسن البصري الذي خشي من الإحداث في الدين , والبدعة فيه .
    قَالَ سَعِيدُ بْنُ حَسَّانَ: " كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى ابْنِ نَافِعٍ كُتُبَهُ , فَلَمَّا مَرَرْتُ بِحَدِيثِ التَّوْسِعَةِ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ قَالَ لِي: حَوِّقْ عَلَيْهِ , قُلْتُ: وَلِمَ ذَلِكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: خَوْفًا مِنْ أَنْ يُتَّخَذَ سُنَّةً قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: «لَقَدْ كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ أَيَّامَ مَالِكٍ وَدريه , وَبِمِصْرَ أَيَّامَ اللَّيْثِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ , وَأَدْرَكَتْنِي تِلْكَ اللَّيْلَةُ مَعَهُمْ , فَمَا سَمِعْتُ لَهَا عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذِكْرًا , وَلَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ لَأَجْرَوْا مِنْ ذِكْرِهَا مَا أَجْرَوْا مِنْ سَائِرِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ» .
    البدع لابن وضاح (91)
    أقول : هؤلاء أئمتنا وهؤلاء سلفنا ؛ أين هم أصحاب الدواعي العريضة , والأقلام الجريئة التي تؤصل للبدعة , من هذه النقول .
    عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: «لَيْسَتْ عَرَفَةُ إِلَّا بِمَكَّةَ , لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَمْصَارِ عَرَفَةُ»
    البدع لابن وضاح (94)
    أقول : وسفيان من أئمة السلف .
    ما جاء من الأقوال عن الإمام مالك
    وأما ما جاء عن الإمام مالك فهو كثير جدا وهو إمام في اتباع السنة وترك البدعة , وهو من المؤصلين والمقعدين لأهل السنة في ذلك , ويعتبر مرجعا أساسيا في هذه المسألة , والعجب أن الدكتور وليد ينتسب إلى مذهبه , وهو في الحقيقة مخالف له حتى في أصوله , بل ويغلو أحيانا ويتعصب في غير المكان الصحيح ؛ فلمقولة الإمام مالك ( أخذ عن ألف عن ألف ) والتي المراد بها ( ما عليه عمل الناس ) هي أصل من الأصول عنده لرد الأحاديث ولو بلغت حد التواتر كما في حديث رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام , والإخوة الذين حضروا المحاضرات يشهدوا على ذلك , والأمثلة كثيرة !. مع أن من باب أولى رد ما أحدث في الدين .
    روى محمد بن أحمد في " المستخرجة " عن ابن القاسم؛ قال: " سئل مالك عن الذي يقرأ القرآن فيختمه ثم يدعو؟ فقال: ما سمعت أنه يدعى عند ختم القرآن، وما هو من عمل الناس "
    الحوادث والبدع للطرطوشي (65)
    وروى ابن القاسم أيضا؛ قال: " سئل مالك عما يعمل الناس من الدعاء حين يدخلون المسجد وحين يخرجون ووقوفهم عند ذلك؟ فقال: هذا من البدع، وأنكر ذلك إنكارا شديدا ".
    الحولدث والبدع للطرطوشي (66)
    أقول : مع أن الدعاء يندرج تحت أصل عام , ورحم الله الإمام مالك : كيف لو أدرك الصوفية الذين يؤصل لهم دكتورنا الفاضل ما يفعلونه في المساجد من الذكر البدعي والرقص المخزي ! .


    قال ابن وهب: " وسمعت مالكا يسأل عن جلوس الناس في المسجد عشية عرفة بعد العصر، واجتماعهم للدعاء؟ فقال: ليس هذا من أمر الناس، وإنما مفاتيح هذه الأشياء من البدع ".
    وقال مالك في " العتبية ": " وأكره أن يجلس أهل الآفاق يوم عرفة في المساجد للدعاء، ومن اجتمع إليه الناس للدعاء؛ فلينصرف، ومقامه في منزله أحب إلي، فإذا حضرت الصلاة؛ رجع فصلى في المسجد ".
    الحوادث والبدع للطرطوشي (126)
    وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَفُوتُهُ حِزْبُهُ أَوْ يَتْرُكُهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ فَيُصَلِّيَهُ فِيمَا بَيْنَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، قَالَ مَالِكٌ: مَا هُوَ عِنْدِي مِنْ عَمَلِ النَّاسِ .
    المدونة (1/211)
    قال أشهب: وسئل مالك عن قراءة القرآن عند رأس الميت بـ {يس} [يس: 1] . فقال: ما سمعت بهذا، وما هو من عمل الناس؛ قيل له: أفرأيت الإجمار عند رأسه - وهو في الموت يجود بنفسه؟ فقال أيضا: ما سمعت شيئا من هذا، وما هذا من عمل الناس.
    البيان والتحصيل (2/234)
    وقال مالك في " المدونة ": " الأمر في رمضان الصلاة، وليس بالقصص بالدعاء ".
    قال أبو بكر الطرطوشي : فتأملوا - رحمكم الله -، فقد نهى مالك أن يقص أحد في رمضان بالدعاء، وحَكَى أن الأمر المعمول به في المدينة إنما هو الصلاة من غير قصص ولا دعاء.
    الحوادث والبدع (65)
    قال ابن وهب: " وسمعت مالكا يسأل عن جلوس الناس في المسجد عشية عرفة بعد العصر، واجتماعهم للدعاء؟ فقال: ليس هذا من أمر الناس، وإنما مفاتيح هذه الأشياء من البدع ".
    أقول : كم دخلت على هذه الأمة من بدع ومحدثات , لما تركت ما كان عليه والصحابة والتابعون من تمسك واتباع .
    وسئل مالك: هل يقول عند أضحيته: اللهم منك وإليك؟ فقال: " لا، وهذه بدعة ".
    المدونة (1/544) والحوادث والبدع (144)
    قال مالك : " ويكره السجع في الدعاء وغيره، وليس من كلام الماضين ".
    الحوادث والبدع (155)
    حَدثنَا مُوسَى بن مُحَمَّد الزبيرِي ثَنَا الزبير ثَنَا مُحَمَّد بن الضَّحَّاك وَغَيره أَن رجلا جَاءَ الى مَالك بن أنس فَقَالَ: من أَيْن احرم؟ فَقَالَ : من الْمِيقَات الَّذِي وَقت رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَأحرم مِنْهُ فَقَالَ الرجل: فَإِن أَحرمت من أبعد مِنْهُ فَقَالَ مَالك : لَا أرى ذَلِك فَقَالَ: مَا تكره من ذَلِك قَالَ: أكره عَلَيْك الْفِتْنَة قَالَ وَأي فتْنَة فِي ازدياد الْخَيْر؟ فَقَالَ مَالك: فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم} سُورَة النُّور أَيَّة 63 وَأي فتْنَة أكبر من من أَنَّك خصصت بِفضل لم يخْتَص بِهِ رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَفِي رِوَايَة ..ا قَالَ مَالك : وَأي فتْنَة أعظم من أَن ترى أَن اختيارك لنَفسك خير من اخْتِيَار الله وَرَسُوله .
    الباعث على إنكار البدع والحوادث (22)
    والأمثلة والشواهد كثيرة ومن طالع كتب الحديث والآثار وما ألف في السنة والتحذير من البدع أضعاف أضعاف ما ذكرنا , وفيما ذكرناه كفاية للمنصف , وحجة على المخالف , والله نحمده على التوفيق والسداد , ونسأله الهداية لكل العباد .
    تعقيب سريع لمقالة الدكتور وليد الشاويش
    قال الدكتور وليد : كثيرا ما تتردد هذه المقولة اليوم في مساجد المسلمين، وأحيانا يدور نقاش في حلقة مفرغة تؤدي إلى الجدل وعدم الظفر بطائل من ورائها .
    أقول : ما أكثر الدعاوي التي يلقيها الدكتور جزافا بغير دليل , لماذا دائما الضرب على وتر فرض الخلافات في المساجد , ولماذا في كل مقال تقحم ذكر المساجد ؟ أهي دائما المدخل لتهيئة نفسية القارئ ليقبل الدعاوي , وإذا كانت عندك هذا الغيرة على المساجد , أين أنت من المساجد التي يقام فيها الطنطنات والرقصات والهمهمة والتمايل باسم الدين أم هذه سنة حسنة على رأيك ومذهبك ؟
    قال : كما أصبحت هذه المقولة تستخدم دليلا على رد أصول الشريعة الثابتة بالكتاب والسنة بحجة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل ذلك، بالرغم من أن الفعل قد يكون ثابتا بنص عام أو مطلق، أو الأصول الأخرى مثل: المصالح المرسلة، سد الذرائع، البراءة الأصلية..
    أقول : هذا والله من العجب في كلام الدكتور ؛ مع أن العكس هو الصحيح فمن يؤصل لجواز إحداث عبادة في الدين ما دام أنها تندرج تحت أصل عام أو مقيد هو من يهدم الشريعة ويريد أن يفتح بابا للبدعة وتغيير السنة .
    قال : يـُحتج أحيانا بهذه المقولة (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم) بشرط قيام المقتضي للفعل في حياته عليه الصلاة والسلام، مع إمكانه، وانتفاء الموانع التي تحول دون القيام بالفعل .
    أقول : وهذه قاعدة أصيلة وأصل منضبط قرره وأكده علماء من المذاهب الأربعة في القديم والحديث , كما تقدم ,ونقله محققون شهد لهم العلماء بالتحقيق والتدقيق كشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الشاطبي , وأقر ذلك الشيخ على محفوظ – أحد كبار علماء الأزهر – والذي قدم لكتابه جملة من علماء الأزهر في زمانه , وهذا يكفينا كدليل .
    قال : مناقشة ركن المقولة (لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم):
    قال :لماذا عرَّف أهل الحديث السنة بأنها ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو صفه، ولم يجعلوا الترك في التعريف على أنه سنة من سننه -صلى الله عليه وسلم..
    أقول : وهذا من إلقاء الدعاوي جزافا , وقد تقدم الأدلة الكثرة من أقوال العلماء في القديم والحديث , وأعرضنا عن عشرات أقوال المعاصرين حتى لا يقال أنها وليدة العصر .
    قال : ورد في الكتاب العزيز الأمر بالاقتداء بما آتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير، أمرا أو نهيا، ولم يَرِد الترك في قوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، فمن أين جاء الترك حجة من حجج الشرع، خصوصا وأن الترك عدم، ولا حجة في العدم.
    أقول : للرد على ذلك؛ إليك كلام المحققين في ذلك :قال الشنقيطي المالكي صاحب كتاب أضواء البيان : وأما دلالة الكتاب على أن الترك فعل ففي آيات من القرآن العظيم كقوله تعالى: { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون } ، فسمى الله جل وعلا عدم نهى الربانيين والأحبار لهم صنعاً والصنع أرخص مطلقاً من الفعل ؛ فدل على أن ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فعل بدليل تسمية الله له صنعاً.
    وكقوله تعالى:{ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } فسمى عدم تناهيهم عن المنكر فعلا وهو واضح .
    وقال السبكى فى طبقاته: إن قوله تعالى :{ وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً }. يدل على أن الترك فعل، قال لأن الأخذ التناول والمهجور المتروك .
    مذكرة أصول الفقه (45-46)
    قال الدكتور : قالها أبو بكر رضي الله عنه في جمع المصحف ثم جمع المصحف، ولكنه فعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمع المصحف، ولم يستمر الصديق في الاحتجاج بالعدم.
    أقول : وهذا مع أنه دليل لنا , لا يصلح أن يكون شاهدا لما استدل به , وتقدم كلام العلماء في رد ذلك , وثانيا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ .
    قال ابن رجب : وَفِي أَمَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَ أَمْرِهِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ عُمُومًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُتَّبَعَةٌ، كَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ.
    جامع العلوم والحكم (2/121)


    قال الدكتور : إذا كان الذي تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- عَدَما، فكيف نثبت العدم، وما المصادر التي سنعتمد عليها في إثبات العدم، والتي نقلت لنا العدم، مما يعني أن أحد الأركان للمقولة غير موجود، وإحالتنا على العدم هو إحالة على العدم،وهو عَبَث.
    قلت : القول بأنه عدم ؛ بني على أساس أن الترك ليس بسنة ولم يتعبدنا الله به , قال الشنقيطي: اعلم أن لله جل وعلا إنما يكلف بالأفعال الاختيارية وهى باستقراء الشرع أربعة أقسام:.. الثالث: الترك والتحقيق أنه فعل وهو كف النفس وصرفها عن المنهي عنه، خلافاً لمن زعم أن الترك أمر عدمي لا وجود له، والعدم عبارة عن لا شيء والدليل على أن الترك فعل الكتاب والسنة واللغة. ثم ساق الأدلة
    مذكرة أصول الفقه (45-46)
    قلت : وتقدم التدليل على أن الترك سنة من أقوال العلماء المحققين وفعل الصحابة , وما أسهل الدعاوي بدون تحقيق! .
    قال : إذا كان العدم حجة فهذا يعني أن فجوة في التشريع يكملها العدم غير الموجود أصلا، والله تعالى يقول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فليس في تشريعنا الإسلامي عدم يملأه العقل الذي هو “المقتضي للفعل وتركه النبي صلى الله عليه وسلم” ..
    قلت : عجبا من دكتورنا الفاضل , يقعد ويؤصل على لسان الخصم ثم يجيب نفسه بنفسه !.
    أقول : الترك سنة , وأدلتها أكثر من أن تحصر , وتقدم ذكر بعضها وهي كافية للمنصف .
    قال : لماذا لم يضع الأصوليون الترك النبوي أنه من مصادر الشرع، و لم يجعلوه جزءا من السنة، بل اتفقوا مع المحدثين على أن الترك ليس من السنة، لأنه عدم لا يدخل في السنة المنقولة ولا المعقولة، ولم يضعوا الترك أصلا من أصول الشريعة أصلا..
    قلت : دكتورنا الفاضل المالكي دائما يترنم في محاضراته بألفية مراقي السعود , ومن العجب أن صاحب المراقي أشار إلى أن الترك فعل , وسنية الترك مبني عليها بل وذكر أن هذا هو الصحيح في المذهب .
    قال الناظم المالكي في مراقي السعود :
    ولا يكلف بغير الفعل باعث ... الأنبيا ورب الفضل
    فكفنا بالنهى مطلوب النبي ... والكف فعل فى صحيح المذهب
    قال الشارح في نشر البنود : قال أبو عبد الله المقري: قاعدة اختلف المالكية في الترك هل هو فعل أو ليس بفعل والصحيح أن الكف فعل وبه كلفنا في النهي عند المحققين .
    نشر البنود (1/70)
    قلت : أي مذهب ينتسب إليه الدكتور وأي أصول يعتمد عليها , وهذه أصول مذهبه التي جهلها , أقاموا الدنيا ولم يقعدوها في دورات الأوقاف على من يخالف أصول المذاهب الأربعة ! ثم هم أبعد الناس عنها .
    قال : كيف يمكن تطبيق (لم يفعله رسول الله) على ميراث الجد والإخوة، حيث لم ينص شرع على ميراثهم، مع أنه قام المقتضي لإعطائهم وهو حقهم الشرعي، وانتفى المانع وكان الإعطاء ممكنا ، فمقتضى المقولة أن لا يعطى الجد ولا الإخوة من الميراث، وقد وقع الإجماع من الصحابة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على توريثهم...
    قلت : أما قوله أن فيها إجماع فغير مسلم له فقد اختلف الصحابة في ذلك , قال ابن القيم رحمه الله : عن زيد بن ثابت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما : لما استشار في ميراث الجد والإخوة، قال زيد: وكان رأَيي [يومئذٍ أن الإخوة أحق بميراث أخيهم من الجد، وعمر بن الخطاب يرى يومئذٍ أن الجد أولى بميراث ابن ابنه من إخوته، فتحاورتُ أنا وعمر محاروةً شديدةً .. ورَأْيُ الصديق أولى من هذا الرأي وأصح في القياس، لعشرة أوجه .
    إعلام الموقعين (2/376-377)
    وقال ابن حزم لما نقل خلاف الصحابة في ذلك : وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ تُكَذِّبُ قَوْلَ مَنْ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ بِالْإِجْمَاعِ.
    المحلى بالآثار (8/308)
    ثانيا : أن هذه ليست متعلقة ببحثنا لأن حديثنا متعلق بشأن الإحداث في العبادات .
    ثالثا : : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ .
    فما أخذ به الخلفاء الراشدون لا يعد مخالفا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن رجب : وَفِي أَمَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَ أَمْرِهِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ عُمُومًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُتَّبَعَةٌ، كَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ.
    جامع العلوم والحكم (2/121)
    رابعا : دعواك أن فيها إجماعا نسف لقولك من الأساس؛ لأن إجماع الصحابة حجة عند الجميع حتى عند من يقول بقصره على إجماع الصحابة .
    خامسا : أن هذه المسألة تندرج تحت باب المصالح المرسلة , والمصالح المرسلة تختلف عن البدعة من وجوه كما تقدم بيانه .
    قال : ما تاريخ هذه المقولة ومتى نشأت، إذا كان أول الخلفاء والصحابة والتابعون لهم بإحسان من أئمة السلف لم يعملوا بها، فأرجو من العالم بتطبيقات هذه المقولة أن يحيلنا إلى سلفنا الصالح ..
    قلت : وقد فعلت ما طلبت , وأحلتك على ملئ , وهم سلفنا الصالح, و نقلت لك شيئا من تطبيقات السلف – الصحابة والتابعين – وعن الإمام مالك بالذات في تدعيم مقالة ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله وكيف أنهم لم يدعوا محدثة أو بدعة في عصرهم إلا وأنكروها وردوها .
    قال : إن صح تخصيص الشريعة بالترك، فهذا يعني أنها أصبحت قاصرة على وقت النبوة فقط، ومن هنا تتفق هذه الدعوى مع دعوى تاريخية الشريعة التي ينادي بها اللادينيون لتعطيل الشريعة واصطدموا مع عموم النص في الزمان إلى قيام الساعة وحاولوا تخصيصه بالسبب الذي ورد عليه النص..
    قلت : وهذه حيدة من الدكتور الفاضل ومصادرة منه , فمبحثنا واضح وهو ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور المتعلقة بالعبادات , وأما ما يندرج تحت البدع الإضافية كما سماها الإمام الشاطبي أو اللغوية كما أطلق عليها شيخ الإسلام ابن تيمية فالأمر فيها واسع كما قرروا ذلك وتدخل تحتها العاديات والمصالح المرسلة , فلا يصح إيهام القارئ أن هذه القاعدة تجري على النوعين عند الخصم .
    قال الدكتور : شرط قيام المقتضي :
    1-أن يعرِّف المقتضي تعريفا جامعا مانعا.
    2-أن يحدد نوع المقتضي هل هو عقلي أو شرعي أو عادي، فإن كان المقتضي عقليا، فهو من الأحكام العقلية وليس الشرعية..
    3-ما ضوابط المقتضي وشروطه، وذلك حتى لا يتحكم الناس على الشريعة، فعلى فرض صحتها لا بد أن تكون هناك ضوابط يضعها المتبني لهذه المقولة..
    أقول : المسألة ليست بهذا التعقيد والمبالغ فيه , والأمر باختصار :
    القاعدة : أي عبادة نقول : فعلها النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يفعلها , فإن فعلها , فهي السنة المتبعة , وإن لم يفعلها ؛ فإن كان لسبب أو مانع زال بعد حياته واحتاج الناس إلى فعلها , فنعم , وإن لم يفعلها مع توفر الداعي ( المقتضى ) لفعلها , فهي غير سنة .
    ثانيا: نستطيع أن نقابلك بنفس الأسلوب :
    فتح باب الإحداث والتعبد بما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو على إطلاقه ؟
    ما هي الشروط والضوابط لذلك ؟
    وهل هذا الجواز عقلي أم شرعي أم عادي ؟
    وإذا كان عقليا , هل هو بإطلاق أم له حد لذلك ؟
    وهذا العام أو المطلق يكون في كل العبادات حتى ولو كانت على وجه مخصوص وقيد معين كالأذان للصلوات الخمس .
    وهكذا نستطيع أن نسوق ونضع القيود ونفتعل الإشكالات , ونلزم الخصم بنفس الطريقة .
    قال : كيف يثبت المقتضي للعدم، وهو يعني إثبات سبب لغير مسبَّب، والمعروف أن السبب لا يؤدي إلى عدم بل يؤدي إلى وجود..
    أقول : هذا من تكرار الكلام , وقد قدمنا أن العدم بني على قول أن الترك ليس بسنة وكلام المحققين بخلافه كما تقدم .
    قال : إذا ثبت الحكم الشرعي بنص عام أو مطلق وعلى فرض قام المقتضي لفعله -صلى الله عليه وسلم- وإمكانه، فهذا يعني أن فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- شرط لجواز العمل بالنص ..
    أقول : أقول إذا قام المقتضي لفعله ولم يفعله لا هو ولا أصحابه بتتابع السنين وهم أحرص الناس على كل خير , فلا وجه لفعله .
    قال الشاطبي في الاعتصام : لأَن السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا أَحقَّ بالسَّبْق إِلى فَضْلِهِ؛ لِجَمِيعِ مَا ذُكر ..، وَلِذَلِكَ قَالَ مالك بن أنس فِيهَا: أَترى النَّاسَ الْيَوْمَ كَانُوا أَرغبَ فِي الْخَيْرِ مِمَّنْ مَضَى؟ وَهُوَ إِشارة إِلى الأَصل الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَن الْمَعْنَى المُقْتَضي للإِحداث ـ وَهُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْخَيْرِ ـ كَانَ أَتمَّ فِي السَّلَفِ الصالح، وهم لم يفعلوه، فدل أَنَّهُ لَا يُفْعَل.
    الاعتصام (2/291)
    قال : وقد اتفق الأصوليون أن العام والمطلق يعمل بهما ولا يُـنْـتَـظر المخصص ولا المقيد، واشتراط عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع القيود السابقة، يعني رد الكتاب والسنة باشتراط عمل النبي صلى الله عليه وسلم بهما.
    أقول : وهذه دعوى من الدكتور الفاضل , فقد اختلف الأصوليون في هذه المسألة .
    قال الزركشي : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِ يّ فِي كِتَابِهِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ فِي الْحَالِ عِنْدَ سَمَاعِهِ وَالْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ , وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيّ ُ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ: يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ، حَتَّى يَنْظُرَ فِي الْأُصُولِ الَّتِي يَتَعَرَّفُ فِيهَا الْأَدِلَّةَ، فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَخْصِيصِهِ خَصَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ دَلِيلًا يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ اعْتَقَدَ عُمُومَهُ، وَعَمِلَ بِمُوجَبِهِ.
    البحر المحيط (4/47-48)
    بل نقل بعضهم عكس دعوى الدكتور !
    قال الشوكاني : هل يجوز العمل بالعام قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ؟
    نَقَلَ الْغَزَالِيُّ، وَالْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قبل البحث على الْمُخَصِّصِ.
    إرشاد الفحول (1/345)
    قال : من هو الذي يتقي ربه ويستطيع أن يقدر ما هو المقتضي لفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم، ويجعل عقل الإنسان الذي يجب أن يسترشد بالنبوة، يجعل ذلك العقل مبينا للمقتضي للنبوة، وهذا نصب للإنسان فوق منصب النبوة ما دام الإنسان قادرا على تحديد المقتضي لعمل النبي -صلى الله عليه وسلم.
    أقول : من جعل العقل هو المقتضي والميزان الذي توزن به النبوة , هم الأشاعرة – أصحابك - , الذين جعلوا حكم العقل من القواطع الذي يقدم على النص النبوي الذي جعلوه من الظني , وقدموه عليه عند التعارض .
    قول الرازي : نصوص الكتاب والسنة ظنية الدلالة، ولا تفيد اليقين إلا إذا سلمت من عشرة عوارض قال : منها: الإضمار والتخصيص والنقل والاشتراك والمجاز ... إلخ، وسلمت بعد هذا من المعارض العقلي، بل قالوا: من احتمال المعارض العقلي! .
    قال : لقد بين أهل السنة والجماعة عَوَار مقولة المعتزلة أنه يجب الأصلح على الله تعالى، وسقطت هذه الدعوى تحت مطارق السنة، ولكن مع الأسف يبدو أن هذه المقولة السابقة بالشروط السابق ذكرها، هي تسلل للعقل المعتزلي ..
    أقول : نعم بين أهل السنة عوار قول المعتزلة , والتي تفرخ من مذهبهم مذهب الأشاعرة , والذين قالوا : لا يجب على الله شئ , ولا يفعل لغاية وحكمة بل يتصور عندهم إثابة العاصي وعقاب المطيع !
    والقول الحق الوسط في المسألة : هو لأهل الحديث الذين قرروا أنه لا يجب على الله إلا ما أوجبه على نفسه , وأن أفعاله كلها صادرة عن حكمة وغاية , وليس هذا موطن بحث المسألة .
    قال : ماذا يعني أنه قام المقتضي لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يفعل مع إمكان الفعل، وليس ثَمَّة مانع من الفعل غير معنى كتِمان الرسالة، وهنا يكون العقل الضعيف قد وقع في الشَّرَك الثاني بعد أن تجرأ على الرسالة والنبوة، وحدد المقتضي لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم، ثم ارتكب خطيئة أخرى وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل مع إمكان أن يفعل، ولم يكن ثَمَّة مانع يمنع من الفعل.
    أقول : لا مجال للعقل عند أهل السنة في أمر العبادات , فالعقل ليس مشرعا عند أهل السنة وإنما هو مقود بالشرع , وإنما يصدق كلامك في حق من يقدم العقل على النقل كما هو مذهب الأشاعرة .
    وثانيا : وما وجه الكتمان , وهو الذي بين سبب المانع من فعلها إما رحمة بأمته كما في شأن الاجتماع لصلاة التراويح أو لسبب آخر اقتضاه عدم فعله , كما في نقض الكعبة وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة : لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة وجعلت لها بابين ... .
    أو لعدم الحاجة لها في عهده , واحتاج الصحابة لفعلها بعده كما في جمع المصحف وغيرها .
    قال : ولو بحثتَ أخي القاريء عن معنى كتمان الشريعة المستحيل على الرسل –عليهم السلام- لم تجد أفضل من هذه المقولة، وهي:( ما قام المقتضي للفعل...
    أقول : ما وجه الكتمان في هذه القاعدة التي تعتبر من أصول الإسلام وقواعده العظمى في غلق باب الهوى والبدعة والتغيير والجرأة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي أضحت غريبة تزداد غربتها كلما تقارب الزمان .
    عَنِ الزُّهْرِيَّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكَ فَقَالَ لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ.
    أخرجه البخاري.
    وعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا أَبُو الدَّرْدَاءِ، مُغْضَبًا، فَقَالَتْ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: " وَاللهِ مَا أَعْرِفُ فِيهِمْ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا .
    أخرجه البخاري .
    وهذا في عصرهم فما بالك بالعصور المتأخرة .
    قال : بالرغم من أن هذا المعنى مرفوض من كل مسلم، حتى من أولئك المرددين لهذه المقولة التي ظاهرها الرحمة وباطنها من قِـبَـله تعطيل الكتاب، وأن هذا المعنى غير مراد لهم، بل ظاهر الحال السلامة من استلزامات هذه المقولة، إلا أنني أكون سعيدا لمن يزعم أن هذه المقولة لها أصل في الشرع ..
    أقول : وهنا الدكتور نقض مقاله ؛ واعترف أن هذه الإلزامات لا يقول بها من يقول بهذه القاعدة ولا تلزمه , وإنما هي فرضيات لا طائل وراءها إلا التكثر على الخصم بكثرة الكلام .
    وما دمت أنك تسعد بمن يعطيك وجه وأدلة هذه القاعدة , فقد فعلنا ؛ إبراء للذمة ودفاعا عن السنة ونصرة لكلام السلف .
    قال : وربما تكون هذه المقالة فيها مشقة على من سار بهذه المقولة ردحا من الزمن، ولكن أرجو أن يقف ملِيّا أمام هذه الأسئلة، وأن يتحمل مسؤوليته تجاه الشريعة وفقه السلف، بعد أن أصبحت هذه المقولة ذريعة لرد عموم الكتاب والسنة والأصول الشرعية الإجمالية الأخرى ووقف العمل بها ..
    أقول : هذه محاولة يائسة من الدكتور الفاضل ليظهر أن هذه القاعدة وليدة هذه الأيام , يكررها شباب متحمس لا أصل لها عند العلماء , مع أن هذه القاعدة وتفريعاتها جرى ذكرها على ألسنة العلماء والمحققين من لدن القرون المفضلة إلى زماننا هذا , فتخيل كم من هضم وتقليل وإصغار لم ذهب إليه أجلة كبار ومحققون عظام . والله المستعان


    وكتبه / أبو عبدالرحمن عبدالباسط الغريب

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2019
    المشاركات
    11

    افتراضي حوار مع وليد الشاويش حول المولد النبوي

    حوار مع أخي حول المولد النبوي



    حوار مع أخي حول المولد النبوي

    في مقاله
    هل المولد النبوي بدعة ؟ حوار في ضوء دلالة النص المطلق
    الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :فهذا حوار مع شيخنا الدكتور الفاضل وليد الشاويش فيما ذهب إليه من جواز الاحتفال بالمولد النبوي , وهذه المسألة قتلت بحثا في القديم والحديث , وقد عرضها الدكتور الفاضل في صورة حوار مفترض بينه وبين تلامذته , وسوف أناقش الدكتور الفاضل من خلال هذا الحوار بالحجة والدليل والبرهان , وما كان بخط عريض فهو من كلامه في مقاله , وقد سردت في آخر المقال بعضا من علماء المالكية الذين قالوا ببدعية المولد , وتخصيصي بالمالكية لأن دكتورنا الفاضل ينتسب إليهم , والله الموفق .
    خالد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ما حكم المولد النبوي؟ فقد تشعب بنا الخلاف في هذا الأمر؟
    أقول : من كانت أصوله صحيحة في الاستدلال لا يتشعب به الخلاف , فالخلاف إنما يتشعب فيمن تذبذب في أصوله , وأصول المالكية من أضبط الأصول في مسألة السنة والبدعة , وكثر التأليف في ذلك عندهم , وقد تميزوا في ذلك , وألفوا الكتب الكثيرة كالشاطبي وأبو بكر الطرطوشي وابن وضاح وغيرهم بل ألفوا في المولد النبوي خاصة ؛ فأبوا الوليد الباجي له تأليف خاص به , وشيخنا الفاضل وإن كان ينتسب لمذهب المالكية - ونعم الانتساب- إلا أنه خرج عن أصول المذهب المنضبطة في هذه المسألة أعني – ضابط البدعة - .
    خالد: ولكن الأمر أصبح شيئا واقعا، وهنا اضطراب في هذه المسألة وتبديع وتفسيق ونحن نريد أن نبرأ لديننا وعرضنا.
    أقول : أما الاضطراب فليس في منهجنا وإنما هو في منهج المخالف , وأما التبديع والتفسيق , فنحن من أبعد الناس عنه , وهذا ما تعلمناه من مشايخنا , ومن الأصول التي تعلمناها التفريق بين الحكم على الشئ أو على اللفظ وبين تنزيلها على المعين , فالحكم على المعين لا بد فيه من توفر الشروط : كالعلم والقصد والاخنيار إلخ وانتفاء الموانع : من الجهل والتأويل والإكراه وغيرها .
    سعيد: قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم)، والمولد بدعة وإضافة إلى الدين، ولم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه.
    أقول : هذا كلام يفترضه الدكتور على لسان بعض طلبته , وهذا أصل صحيح للانطلاق في الحكم على هذه المسألة ؛ فالاحتفال بالمولد النبوي هل هو من العاديات أو العبادات ؟ لو كان من العاديات لم يختلف أحد في جوازه ولم يكتب الدكتور الفاضل في جوازه ورد على المانعين , وهذا دليل أنه من العبادات , والعبادات مبناها على التوقيف كما لا يخفى على طلبة العلم , والاستدلال بالعموميات والمطلقات سبب الحدوث في الدين كما سيأتي .
    خالد: ما حكم المولد النبوي؟
    وليد: لا حكم له أصلا، لأن الحكم الشرعي يتعلق بفعل المكلف! عرف الحكم الشرعي يا سعيد!
    سعيد: هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا أو وضعا.
    وليد: هل المولد اسم أم فعل؟
    خالد: هو اسم، ولا تتعلق الأحكام الشرعية بالأسماء، وعليه؛ فإن المولد من حيث هو اسم لا تعلق للحكم الشرعي به، لأن الحكم الشرعي يتعلق بفعل المكلف، وليس بالأسماء، وهذا حسب تعريف الأصوليين للحكم الشرعي.
    أقول وبالله أستعين :
    - السؤال قطعا ليس على الألفاظ ؛ حتى يجيب شيخنا : بأنه لا حكم له , وهذا عجيب من شيخنا : لأن الكلام مفهوم لأصغر طالب علم لما تقول له : ما حكم المولد النبوي ؟ فيفهم أن ها هنا تقدير وهو : الاحتفال ! والمفهوم : ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي ؟
    - من الحيدة والمصادرة إخراج المسألة عن سياقها إلى مجرد البحث عن لفظ مع تجريده من المعنى المراد منه .
    - فالأصوليون يقولون : الألفاظ قوالب المعاني . ولولا المعنى ما فهم لفظ من الألفاظ , فخروج الدكتور عن أصل المسألة بالبحث عن لفظ ؛ افترضه مجردا عن المعنى !.
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : وَاللَّفْظُ إنَّمَا يَدُلُّ إذَا عُرِفَ لُغَةُ الْمُتَكَلِّمِ الَّتِي بِهَا يَتَكَلَّمُ وَهِيَ عَادَتُهُ وَعُرْفُهُ الَّتِي يَعْتَادُهَا فِي خِطَابِهِ، وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى دَلَالَةٌ قَصْدِيَّةٌ إرَادِيَّةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ ، فَالْمُتَكَلِّم ُ يُرِيدُ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى؛ فَإِذَا اعْتَادَ أَنْ يُعَبِّرَ بِاللَّفْظِ عَنْ الْمَعْنَى كَانَتْ تِلْكَ لُغَتَهُ .
    مجموع الفتاوى (7/115)
    - المسألة الثانية :قال : فإن المولد من حيث هو اسم لا تعلق للحكم الشرعي به، لأن الحكم الشرعي يتعلق بفعل المكلف، وليس بالأسماء.
    أقول وبالله التوفيق :
    - وهذا ليس على إطلاقه , فبعض الألفاظ أو الأسماء لها تعلق بالأحكام الشرعية , فلو قيل لأحد : الكذب ! لبادرك مباشرة : حرام. ولو قلت له : الربا لأجابك مباشرة حرام حرمه الله ورسوله .
    لأن لغة العرب متسعة الأساليب , ومن أساليب العرب : تقدير السياق . فأنت عندما تقول : المولد النبوي ؛ فإن سياق الكلام هو الذي يحدد المعنى , فالسؤال المفترض والذي قال فيه الدكتور الفاضل : لا تعلق للحكم شرعي به . هو مفهوم من سياقه : فالسؤال عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي , وفعل المكلف وهو الاحتفال مقدر من سياق الكلام , ولا يحتاج إلى كبير جهد لفهمه .
    - ولا يخفى على شيخنا وهو الأصولي , أنواع الدلالات , وهي دلالة الألفاظ على معانيها , ومنها دلالة الالتزام , فلفظ المولد النبوي : يلزم منه ما يصاحبه من أعراف الناس , ومن أعراف بعض الناس في ذلك : الرقص , والحداء والنشيد وتوزيع الحلوى كما أشار الدكتور الفاضل إلى ذلك بعد .
    - ومن الدلالات : الدلالة الاستعمالية: وهي دلالةُ اللفظ على معناه الحقيقي، أو معانيه المجازية بقرينة ما، يوضحها السياق؛ لأَنَّ الألفاظَ المفردة لا تستعمل لإفادتها مدلولاتها، إلاَّ عند التركيب.
    فالأحكام الشرعية إنما تستفاد من الألفاظ إما بطريق الدلالة المباشرة، أو بطريق الإشارة والإيماء , وسميت الألفاظ الدالة على المعاني عبارات لأنها تفسر ما في الضمير الذي هو مستور، ويدخل فيها؛
    وفي ذلك يقول صاحب المراقي :
    معنى له في القصد قل: تأصل ... وهو الذي اللفظ به يستعمل
    ومعلوم لدى العام والخاص ما يستعمل له لفظ : المولد النبوي فتأمل .
    وليد: إذن لا نتكلم في حكم المولد، وعلينا أن نتحدث في حكم أفعال المكلفين في المولد، أما المولد فليس محلا للحكم الشرعي؛ لأنه اسم معنى، والحكم متعلق بفعل المكلف، مثل ما حكم التلفزيون؟ نقول لا حكم له، وإنما يتعلق الحكم باستخدام المكلف للتلفزيون، ولا يعنينا التلفزيون خارج نطاق فعل المكلف، وإن محل البحث هو ما الذي يحدث في المولد؟
    أقول : والمعنى واحد , لأن المبحث ليس للفظ مجرد عن معناه وسياقه كما قدمنا ؛ فسواء قلنا حكم المولد أو فعل المكلف في المولد ؛ فالمؤدى واحد وهو ما يصاحب هذا المولد من أعمال كما قدمنا , فمبحثنا ليس لفظيا مجردا حتى يفصل عن معناه ومحتواه .
    - ثم قد يتعلق باللفظ بعض الأحكام , فمنها : ما حكم إطلاق العيد على المولد النبوي , وهل لفظ المولد النبوي من الألفاظ الشرعية , ومتى دخلت هذه التسمية كمصطلح في الشريعة ؟ وهل ينطبق مسمى العيد على المولد النبوي من حيث الاحتفال به في كل عام ؟
    - وكذا لما يقال ما حكم التلفزيون ؟ فالسائل بدهي لا يسأل عن اللفظ المجرد حتى يقال لا حكم له , وإنما يفهم المسؤول حكم استعماله وهذا أوضح من أن يبين .
    سعيد: يحدث في مناسبة المولد توزيع الحلوى، والمدائح النبوية، والأناشيد الدينية، وهناك مقالات في غلو في شخص النبي وتخرجه عن طور النبوة وتصفه بصفات الألوهية، وهذا الاجتماع لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه -رضي الله عنهم.
    أقول : الحمد لله وهذه الكلمات التي تحدث بها الدكتور على لسان تلميذه : هي مكنون الفطرة الصحيحة الكامنة في النفس , فقد أفصح الدكتور عن مكنون نفسه وهي بعض المخالفات التي يعلمها من واقع الاحتفال بالمولد النبوي , وما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله .
    وليد: حسنا، هل مدْح النبي -صلى الله عليه وسلم- والصلاة عليه بلا مولد مشروع أم ممنوع؟
    سعيد: بل مشروع!
    وليد: هل يوجد على ذلك دليل من الكتاب والسنة؟
    سعيد: نعم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)) سورة الأحزاب.
    أقول : مدح النبي صلى الله عليه وسلم ليس مشروعا على إطلاقه بل هو مقيد بما لا يستلزم غلوا وإفراطا , ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» رواه البخاري
    والأمر الثاني : أن لا يخصص هذا المدح بزمان أو مكان أو هيئة وصفة تتكرر كل عام , فهذه من صفات الأعياد والعيد من العبادات والعبادات مبناها على التوقيف .
    وقد اعترف الدكتور بأنه يقع الغلو في المدح بما يقتضي المخالفة الشرعية كما في قصيدة البردة للبوصيري .
    - ثالثا : إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أكرم وأرفع من أن تسمى مدحا , فمدلول المدح في اللغة لا يستلزم المحبة والتعظيم كما هو معلوم في لغة العرب , والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي المحبة والتعظيم والإجلال والفرق بينهما عظيم .
    وليد: في الآية الكريمة أمر بالصلاة والتسليم (صلوا، وسلموا)، ومعلوم أن الفعل نكرة، وقد جاء في سياق الإثبات، فإنه يدل على فرد شائع غير محدد لا في وقت ولا زمان ولا مكان ولا حال، يعني الصلاة والسلام على الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا تتقيد بزمان ولا مكان ولا حال معينة بل هو أمر مطلق.
    أقول : وهذا هو الأصل الذي دخل على الدكتور في تأصيله وتشريعه للبدعة وهو الأخذ بالعموم والمطلق .
    - قال الشاطبي :وَمِنَ الْبِدَعِ الإِضافية الَّتِي تَقْرُبُ مِنَ الْحَقِيقِيَّةِ : أَن يَكُونَ أَصل الْعِبَادَةِ مَشْرُوعًا، إِلا أَنها تُخْرَج عَنْ أَصل شَرْعِيَّتِهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ، توهُّماً أَنها بَاقِيَةٌ عَلَى أَصلها تَحْتَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَذَلِكَ بأَن يُقَيَّد إِطلاقها بالرأْي، أَو يُطْلَق تقييدُها، وَبِالْجُمْلَةِ فَتَخْرُجُ عَنْ حَدِّها الَّذِي حُدَّ لَهَا.
    الاعتصام (2/309) وذكر أمثلة على ذلك .
    وقال العلامة الشيخ علي محفوظ : وعلمت أن التمسك بالعمومات مع الغفلة عن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم وتركه ؛ هو اتباع المتشابه الذي نهى الله عنه , ولو عولنا على العمومات وصرفنا النظر عن البيان, لانفتح باب كبير من أبواب البدعة لا يمكن سده ,ولا يقف الاختراع في الدين عند حد .
    الإبداع في مضار الابتداع (47)
    - المسألة الثانية : تخصيص يوم للاحتفال أو للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بكيفية معينة وهيئة معينة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام دليل على بدعيته .
    قال شيخ الإسلام : وأصل هذا: أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات، حتى تصير سننا ومواسم، قد شرع الله منها ما فيه كفاية العباد، فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد، كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه. ....
    فكما أن تطوع الصلاة فرادى وجماعة مشروع، من غير أن يتخذ جماعة عامة متكررة، تشبه المشروع من الجمعة، والعيدين والصلوات الخمس، فكذلك تطوع القراءة والذكر والدعاء، جماعة وفرادى، وتطوع قصد بعض المشاهد، ونحو ذلك، كله من نوع واحد، يفرق بين الكثير الظاهر منه، والقليل الخفي، والمعتاد وغير المعتاد .
    اقتضاء الصراط (2/144)
    سعيد: ولكن المولد لم يفعله رسول الله –صلى الله عليه وسلم.
    وليد: إذن ما زلت تعلق الحكم بمعنى المولد، واتفقنا أن الحكم الشرعي يتعلق بفعل المكلف، لا بالأسماء والمعاني.
    أقول : قد قدمنا أن المبحث ليس في لفظ مجرد , وقوله : ليس بالأسماء ولا المعاني . فذكره للمعاني : لعله سهو وإلا فالقاعدة المعروفة أن العبرة بالمعاني والمقاصد وليس بالألفاظ المجردة .
    - القاعدة الأصيلة : عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وتتابع الصحابة والتابعون على عدم فعله مع قيام المقتضى دليل على عدم مشروعيته , وقد ذكرنا في مبحثنا : وليد الشاويش إذ يؤصل للبدعة – في مناقشته لمسألة : ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم . ذكرنا أن هذه القاعدة قال بها أئمة من المذاهب الأربعة وعلى رأسهم المالكية , وليست كما يدعي الدكتورأنها قاعدة محدثة لم يقل بها أحد , وارجع إلى كتاب الشيخ علي محفوظ - أحد علماء الأزهر- في كتابه : الإبداع في مضار الابتداع, فقد دلل على هذه القاعدة ونقل نقولا نفيسة عن العلماء فيها .
    سعيد: أليس الاجتماع فعل المكلف، وهل اجتمع الصحابة رضي الله عنهم للصلاة عليه؟!
    وليد: بالتأكيد لم يرِدنا أن الصحابة اجتمعوا على ذلك، ولكن لا يعني عدم العلم بالشيء العلم بالعَدَم، فلا يعني أنه لم يُنقل إلينا أنه لم يحدث فعلا، لأن العدم ليس حجة أصلا، ولكن العبرة بالنصوص الشرعية الواردة في الأمر بالصلاة والسلام عليه، ومدحه بما هو أهل له، ولكن الدليل هو في الآية الآمرة مطلقا بالصلاة عليه سواء في الزمان والمكان والحال يعني على أي حال.
    أقول : قوله : ولكن لا يعني عدم العلم بالشيء العلم بالعَدَم، فلا يعني أنه لم يُنقل إلينا أنه لم يحدث فعلا، لأن العدم ليس حجة أصلا .
    : هذا الأصل الثاني الذي يعتمده الدكتور في التأصيل للبدعة وهي مسألة السنة التركية , فالدكتور الفاضل لا يعتبر ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مشروعا خلافا لما يقرره علماء الأصول .
    قال السمعاني: "إذا ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من الأشياء وجب علينا متابعته فيه .
    قواطع الأدلة (1/311)
    سعيد: لو كان خيرا لسبقنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمع بأصحابه وعملوا احتفالا ولكنهم لم يفعلوا.
    وليد: هل من شرط العموم في المطلق كالآية الكريمة السابقة أو العام، أن يعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    أقول : نعم من شرط تخصيص العبادة بزمان أو مكان أو هيئة معينة الدليل الخاص , ولا يصلح الاستدلال بالعموم في ذلك , فالترك سنة كما أن الفعل سنة .
    قال الشاطبي: "لأن تَرْك العمل به من النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع عمره، وتَرْك السَّلف الصالح له على توالي أزمنتهم قد تقدم أنه نص في التَّرك، وإجماع مِنْ كل مَنْ ترك؛ لأنه عمل .
    الاعتصام (2/288)
    وقال الناظم المالكي في مراقي السعود :
    ولا يكلف بغير الفعل باعث ... الأنبيا ورب الفضل
    فكفنا بالنهى مطلوب النبي ... والكف فعل فى صحيح المذهب
    قال الشارح في نشر البنود : قال أبو عبد الله المقري: قاعدة اختلف المالكية في الترك هل هو فعل أو ليس بفعل والصحيح أن الكف فعل وبه كلفنا في النهي عند المحققين .
    نشر البنود (1/70)
    والأدلة على ذلك كثيرة وراجع بحثنا : وليد الشاويش إذ يؤصل للبدعة فقد ذكرنا أمثلة كثيرة .
    وليد: هل تجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنت خارج من المنزل، وعندما تدخل مكتبك، وقاعة الدراسة، وأثناء ركوب السيارة، وأنت مستلق على فراشك؟
    سعيد: نعم.
    أقول : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بلا تخصيص زمان أو مكان أو هيئة معينة جائز , وبحثنا في تخصيص العبادة بزمان أو مكان أو هيئة معينة , وهذا وجه المنع .
    والأدلة على ذلك كثيرة : تأمل معي أن الذكر مشروع في كل وقت من ليل أو نهار , ولكن لما اجتمع بعض الناس في زمن ابن مسعود رضي الله عته بكيفية معينة وزمان مخصوص أنكر عليهم ابن مسعود رضي الله عنه , والأثر مشهور .
    وعن سعيد بن المسيب: أنه راى رجلاً يصلى بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين , يكثر فيها الركوع والسجود , فنهاه , فقال: يا أبا محمد! يعذبنى الله على الصلاة؟ ! قال: لا , ولكن يعذبك على خلاف السنة.
    السنن الكبرى للبيهقي (2/654)
    أقول : تأمل في قول هذا التابعي , يعذبك على مخالفة السنة , مع أن فعله صلاة , أعظم العبادات .
    وليد: بناء على كلامك تحرم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أي حالة غير الأحوال التي وردت من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم، وهذا قَصْرٌ لعمومات الشريعة على التاريخ، وتعطيل لها عن النزول في محالها في الواقع إلى يوم القيامة، وهذا التعطيل للنصوص الشرعية، يلتقي مع دعاوى اللادينيين بقصر الشريعة على أسباب نزولها، وتحويل النصوص الشرعية إلى تاريخ، بتعطيل عموم النصوص الشرعية ومطلقاتها، وقال في المراقي .. .
    أقول : الخلاف في تخصيص العبادة بزمان أو مكان كما قدمنا , وهذه نقطة الخلاف كما قدمنا , فالعمل المطلق والقول المطلق من غير تخصيص لا إشكال فيه .
    - قوله : وهذا قَصْرٌ لعمومات الشريعة على التاريخ، وتعطيل لها عن النزول في محالها في الواقع إلى يوم القيامة .
    : غير صحيح لأنه لا قياس في العبادات ؛ لأن العبادات مبناها على المنع والتوقيف .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فالأصل في العبادات: أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله , والأصل في العادات: أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله.
    اقتضاء الصراط (2/86)
    - قوله : وهذا التعطيل للنصوص الشرعية، يلتقي مع دعاوى اللادينيين بقصر الشريعة على أسباب نزولها، وتحويل النصوص الشرعية إلى تاريخ .
    : كلام خطابي وحماسي , وتهويل واضح في غير مكانه ولو عكسنا عليه الأمر : لقلنا هذه الأصول التي ينطلق منها الدكتور فتح لباب تشريع البدع والإحداث في الدين بما لم يأذن به الله .
    وليد: أخي سعيد، بالتأكيد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أعلم منا، فليس لنا مزيد علم بالشرع على ما هو عندهم قطعا، ولكن ما نتحدث عنه هو أفراد النص المطلق الآمر بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- من حيث جميع المسلمين إلى قيام الساعة، في جميع الأزمنة إلى قيام الساعة، والأمكنة في كل الأرض، وفي جميع الأحوال دخولا وخروجا ومستلقيا راكبا وماشيا فردا أو جماعة، فهذه أفراد غير محصورة أصلا، ولكنها مشمولة بالنص العام أو النص المطلق الآمر بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم، يعني .. ونعوذ بالله تعالى أن نزيد على الشرع بأن نقيد مطلق أو نخصص عاما من غير نص شرعي..
    أقول : اتخاذ يوم معين للاحتفال وجعله عيدا – بتكرره وعوده كل عام - نوع من التخصيص الذي ينفيه الدكتور ويتبرأ منه .
    وهذا من التناقض فتخصيص يوم للاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أو تخصيص عبادة بزمان أو مكان كما قدمنا ينافي العمل المطلق أو الاستدلال بالعموم .
    خالد: لو كان المولد خيرا لدلنا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
    أقول : وهذه شهادة صدق , وما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على فلتات لسانه .
    وليد: لقد دلنا رسول الله صلى الله على كل خير، وبين لنا بنصوص الشرع من كتاب وسنة على كل خير، وقد بينت لك أن اجتماع المسلمين للصلاة عليه والسلام، والثناء عليه بما هو أهله مشمول بنص الآية الآمرة بالصلاة عليه لأنه عامة في الحال والأفراد والمكان والزمان، فقد دلنا على الخير بهذه النصوص العامة، أما إذا كنت تتوقع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سيعدد لك أفراد العام إلى يوم الدين فهذا مستحيل، وطريقتك هذه تريد من النبي النص على أفراد العام والمطلق غير المتناهية، وهذا يعني أنه لو كانت البحار حبرا لجفت وهي تكتب أفراد العام والمطلق غير المتناهية، وهذا يفترض وقوع الحَشْو الذي لا فائدة منه في نصوص الشرع، ويجب تنزيه النصوص الشرعية عنه.
    أقول : وهذا تكرار لما سبق , وقوله : أما إذا كنت تتوقع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سيعدد لك أفراد العام إلى يوم الدين فهذا مستحيل، وطريقتك هذه تريد من النبي النص على أفراد العام والمطلق غير المتناهية .
    : غير مسلم له لأن الضابط في ذلك قيام المقتضى لفعله أو عدم قيام المقتضى وهذه المسألة كما ذكرنا بحثت في المقال الذي أشرنا له سابقا .
    خالد: ولكن أليس اجتماعهم هو تخصيص للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك يصبح الاجتماع للاحتفال بالمولد بدعة.
    وليد: الاجتماع نفسه فِعْل، والفعل لا صيغة له أصلا تبين عموما أو خصوصا، فالفعل وتكراره لا يدلان على اعتقاد أنه يُتعبد بخصوص الاحتفال أصلا، ولا يعُمُّ لأنه لا توجد فيه صيغة تدل على أفراد غير محصورين، بل الفعل نفسه وهو الاجتماع للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أحد أفراد العام في الآية الكريمة؛ لأنها عامة في الأحوال كما بينتُ لك، فكيف تجعل أحد أفراد العام في النص الشرعي في الأحوال كالصلاة عليه في المولد بدعة، وتفرض التناقض على الأدلة الشرعية، مع أن الفعل مندرج تحت عموم النص، ثم تقول هو زيادة في الدين فهذا تناقض صريح، يجب أن يُنـــزَّه عنه الكتاب والسنة.
    أقول : قوله : الفعل لا صيغة له ؛ غير مسلم له فيه , فالفعل وهو الاجتماع في وقت معين نوع من التخصيص بدليل إنكار ابن مسعود كما تقدم في الحديث .
    وتأمل معي هذا الأثر :
    عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْمَدَنِيِّ , قَالَ: " اجْتَمَعَ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ بَعْدَ الْعَصْرِ , فَخَرَجَ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ مِنْ دَارِ آلِ عُمَرَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ , إِنَّ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ , إِنَّا أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَلَا يَصْنَعُونَ مِثْلَ هَذَا , ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَجْلِسْ , ثُمَّ خَرَجَ الثَّانِيَةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا , ثُمَّ رَجَعَ»
    البدع لابن وضاح (93)
    أقول : مع أن الدعاء يندرج تحت أصل عام , ومع ذلك أنكر اجتماعهم .
    وليد: ما قلناه في عموم الأحوال في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم، نقوله في أكل الحلوي فما دامت حلالا فهي حلال في كل الأحوال سواء في اجتماع المولد أم في اجتماع غيره، ومن أراد أن يخصص العموم أو يقيد المطلق بعدم فعل النبي -صلى الله عليه وسلم فإنه يريد أن يقْصُر عمومات الشريعة ومطلقاتها في الأحوال والأفراد والأزمنة والأمكنة على التاريخ؛ لأنه يشترط أن يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- جميع أفراد العام، حتى تُـعَدَّ أفراد العام والمطلق مشروعة، وهذا تعطيل للنصوص الشرعية، يتفق مع مقولة اللادينيين بقصر النص الشرعي على التاريخ....
    أقول : وهذا كلام مكرر , وقد قدمنا أن الترك فعل , وأقوال العلماء في ذلك كثيرة .
    وقال ابن القيم: "فإن تَرْكَه - صلى الله عليه وسلم - سُنَّة كما أن فعله سُنَّة، فإذا استحببنا فعل ما تَرَكه كان نظير استحبابنا تَرك ما فعله، ولا فرق" .
    إعلام الموقعين (2/281)
    وقال الزركشي: "لأن المتابعة كما تكون في الأفعال تكون في التُّروك .
    البحر المحيط (6/41)
    وقال الشيخ علي محفوظ – من علماء الأزهر -: إن سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما تكون بالفعل تكون بالترك ؛ فكما كلفنا الله تعالى باتباع النبي في فعله الذي يتقرب به إذا لم يكن من باب الخصوصيات كذلك طالبنا باتباعه في تركه فيكون الترك سنة
    الإبداع (40)
    وفي الختام : أقول : إن أصول المالكية في ضابط السنة والبدعة من أصح الأصول , وحتى في تمثيلهم لها , وتكاد تتفق أقوال الماكية والذي ينتسب إليهم الدكتور الفاضل في إنكار ما يسمى ببدعة الاحتفال بالمولد النبوي .
    فق اتفق المحققون على أن أول من احتفل بهذه البدعة هم العبيديون المنتسبون زورا و بهتانا لفاطمة رضي الله عنها , و ذلك في سنة 361ه على يد المعز لدين الله. وظل هذا عند بني عبيد في مصر و بعض الشام إلى أن انتهت دولتهم , و كان الهدف الرئيس من إحداث هذه الموالد هدفا سياسيا لتثبيت حكم بني عبيد و لم يكن لمحبة النبي صلى الله عليه و سلم و لا لمحبة بيته فيه أي نصيب.
    هذه بعض أقوال علماء المالكية في ذلك :
    1-أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي المالكي المتوفى سنة474 ه ألف رسالة سماها "حكم بدعة الاجتماع في مولد النبي صلى الله عليه و سلم" و قد نشرت هذه الرسالة في مجلة الإصلاح المجلد الأول/العدد الخامس/ص278 أنكر فيه الاحتفال بالمولد النبوي و حكم عليه بالبدعة.
    والباجي من علماء الأشاعرة .
    2- أبو حفص تاج الدين عمر بن علي الفاكهاني المالكي المتوفى سنة731ه صنف "المورد في عمل المولد" و قد طبع بتحقيق الشيخ علي حسن الحلبي .
    3- العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي الشهير بابن الحاج المتوفى سنة737ه قال في كتابه المدخل (2/312) «فإن خلا - أي عمل المولد- منه - أي من السماع - وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان ,وسلم من كل ما تقدم ذكره - أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس إتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له ولسنته صلى الله عليه وسلم ، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم... الخ» .
    4-العلامة أبو العباس القباب أحمد بن قاسم الجذامي المتوفى مابعد 780ه جاء في" المعيار المعرب" للونشريسي (12/49) و قد سئل عن أشياء تقام في هذا اليوم كوقد الشمع و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و مدحه و غيرها فأجاب رحمه الله ": جميع ما وصفت من محدثات البدع التي يجب قطعها , و من قام بها أو أعان عليها أو سعى في دوامها فهو ساع في بدعة و ضلالة و يظن بجهله أنه بذلك معظم لرسول الله صلى الله عليه و سلم قائم بمولده و هو مخالف سنته مرتكب لمنهيات نهى عنها صلى الله عليه و سلم متظاهر بذلك محدث في الدين ما ليس منه و لو كان معظما له حق التعظيم لأطاع أوامره فلم يحدث في دينه ما ليس منه .
    5- أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المتوفى سنة 790ه قال كما في " المعيار المعرب" (9/252) ": إقامة المولد على الوصف المعهود بين الناس بدعة محدثة و كل بدعة ضلالة و الانفاق على إقامة البدعة لا يجوز".
    6- الشيخ العلامة أبو عبد الله محمد الحفار الغرناطي المتوفى سنة 811ه قال كما في" المعيار المعرب" للونشريسي (7/99-100) ": ليلة المولد لم يكن السلف الصالح وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم يجتمعون فيها للعبادة, ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة ,لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعظم إلا بالوجه شرع فيه تعظيمه,وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله ,لكن يتقرب إلى الله جل جلاله بما شرع .. .
    7- أبو العباس أحمد بن يحى الونشريسي المتوفى سنة 914 ه قال رحمه الله في " المعيار المعرب " (8/255) : " قيل و إن كان معظما عند المسلمين لكن و قعت فيه قضايا أخرجته إلى ارتكاب بعض البدع من كثرة الاجتماع فيه أي اجتماع آلات اللهو إلى غير ذلك من البدع غير المشروعة و التعظيم له صلى الله عليه و سلم إنما هو باتباع السنن و الاقتداء بالآثار لا بإحداث بدع لم تكن للسلف الصالح" .
    هذا السرد للعلماء : مستفاد من مقال : إلياس الهاني في ملتقى أهل الحديث .
    والله الموفق والهادي للصواب والحمد لله رب العالمين .
    وكتبه / أبو عبدالرحمن الغريب .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2019
    المشاركات
    11

    افتراضي تعقيب على مقال الدكتور وليد الشاويش

    تعقيب على مقال الدكتور وليد الشاويش
    "بين قص الشعر وصاع الشعير ضاعت الشعائر "
    الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد : يقول الله تبارك وتعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} .
    أقول : الدكتور وليد الشاويش من المشايخ الذين يسرك الاستماع إليهم ؛ لما له من حسن عرض للمحاضرة وحسن إلقاء والتي يزينها بتلك النكت والفوائد من الأشعار واللغة والنحو ؛ فتسمع خلال المحاضرة استشهادا ببيت من شعر العرب وبتوجيه لغوي وربما استشهادا بألفية ابن مالك وأحيانا بألفية مراقي السعود في الأصول أو لامية الأفعال وغيرها .
    مع سعة صدر - إذا قورن بغيره - ؛ لسماع القول المخالف ومناقشة الأقوال والمسائل , , وهذا لمسته من المحاضرات التي حضرتها في دورات الأوقاف في جامعة العلوم الإسلامية ؛ فمحاضراته تتسم بالطابع العلمي والنقاش المفيد .
    وحقيقة : أني لما وقفت على المقال المذكور للدكتور ظننت أني سأرى تحقيقا علميا وبحثا أصوليا أو حديثيا للأدلة التي تبحث في هذه المسألة , فإذا بي أفاجأ بمقال خلا من التحقيق العلمي وكان أقرب إلى الصناعة الخطابية والفلسفة الفكرية – وخصوصا أن مقالات الدكتور وكتاباته ترقى فوق مستوى العوام ؛ فهي أقرب للمتخصصين في اللغة والأصول والفقه .
    وسوف أقدم بين يدي التعقيب بمقدمة – سائلا المولى أن يسع صدره لكلامي – واعتذر عن طول المقال لأن المسألة إذا لم تأخذ من كل جوانبها تبقى قاصرة .
    أقول : لما تستمع للدكتور الفاضل لأول مرة ترى أنه من المعظمين للسنة والمدافعين عنها ؛ فهو من الذين يحملون بشدة في الرد على الذين يتطاولون على الصحيحين أو على كتب السنة بالرد أو التشكيك من العقلانيين وغيرهم من المنتسبين للعلم من المتعالمين , وترى غيرة على ذلك , وتسمع ما يسرك أن تسمعه حول ذلك على وجه العموم .
    ولكن عند التطبيق , وعند الواقع العملي – وأقصد بذلك المسائل التي تبحث في الفقه – ترى عكس ذلك , وترى خلف هذا الواقع النظري الذي يقرره (الدفاع عن السنة ) أنه متعصب لمذهب المالكية حتى النخاع كما يقال , وليس ولو خالف حديثا واحدا - ولا عبرة أن يكون في الصحيحين أو غيرهما - بل ولو ترتب على ذلك رد سنة متواترة كما سيأتي بيانه , وترى منه ترتيبا عجيبا في ذلك وسوف اضرب على ذلك أمثلة من المسائل التي نوقشت في دورات الأوقاف وكان شاهدا عليها جمع من الأئمة .
    من ذلك : مسألة إسبال اليدين في الصلاة وما جاء عن الإمام مالك في ذلك فقد نوقش في ذلك بأن الأحاديث والآثار تتجاوز الخمسة في وجوب وضع اليمين على الشمال في الصلاة , ومنها ما رواه مالك في الموطأ في ذلك وهو حديث سهل بن سعد رضي الله عنه , وأنه لا صارف لهذه الأحاديث ؛ فيكون الجواب على ترتيب عجيب وقاعدة يكررها دائما : الإمام مالك أخذ عن ألف عن ألف من أهل المدينة , وهم أعلم بمنسوخ الأقوال الأول فالأول !
    وإذا قيل له: إن هذا ربما يكون في جملة من المسائل وليس في كل مسألة خولف فيها . فيكون الجواب : ألف عن ألف .. والذي يفهم من قوله العموم .
    ومن جملة المسائل التي بحثت ؛ رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام وما ورد عن ابن عمر كما في الصحيحين من رفع اليدين عند الركوع والرفع منه , فيكون الجواب المعتاد : أخذ الإمام مالك عن ألف عن ألف .. وقد روجع أن الإمام البخاري ألف كتابه " رفع اليدين في الصلاة " وأورد فيه الآثار الكثيرة عن الصحابة والتابعين والتي بلغت مبلغ التواتر , والجواب : لا قيمة لذلك ما دام الإمام مالك لم يأخذ به – مع أن الإمام له في ذلك روايتين ولكن لما كان هذا هو المشهور فلا التفات لغيره .
    مسألة الزواج من الزانية , فقد نقل عن المالكية ؛ جواز الزواج منها وقد نوقش في أن الآية صريحة في سبب نزولها : {وحرم ذلك على المؤمنين } , و سبب النزول كان واضحا وهو استئذان مرثد بن أبي مرثد النبي صلى الله عليه وسلم في نكاح امرأة يقال لها عناق وقول الني صلى الله عليه وسلم له: لا تنكحها . فيكون الجواب كالعادة . وكنا لو اعتذرنا للإمام مالك لعله لم يبلغه الحديث , فيغضب أشد الغضب لهذا الاعتذار , وكأن الإمام مالك قد جمع كل الحديث .
    ومرة قال : لمن يستدل بالحديث مباشرة : أنتم أشبه بمارتن لوثر الذي خرج على الكنيسة والذي أراد أن يكون تفسير نصوص التوراة والإنجيل مستباحا لكل الناس ! ونسي أن قوله أشبه بالكنيسة التي كانت تقصر قراءة نصوص التوراة والإنجيل على كهنتها .
    المسألة الثانية : إن الدكتور من الحفظة للمتون كما قدمنا ولا عجب في ذلك فهو تلميذ درس عند الشناقطة , وهم من هم في الحفظ للمتون , وكم أتحفنا بأبيات من الشعر والنظم . نعم نشهد بذلك ! ولكن في المقابل - ومعذرة للدكتور في ذلك – أنه قليل البضاعة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا يلقي لذلك بالا لأنه يرى أن العلم انتهى بأقوال أصحاب المذاهب , ولا حاجة للحديث , ولذلك تجد استدلاله بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قليل وضعيف , وإذا نقله ربما ينقله بالمعنى أو قريبا منه مع أن الأصل لمن يملك ملكة حفظ ؛ أن يتوجه لحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة والتابعين ؛ فهي الأدلة بعد كتاب الله . وسبب ذلك كما قدمت تعصبه للمذاهب ولمذهب مالك بالذات , وهذا قلل عنده الأهمية في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وحتى أقوال الإمام مالك لا يصح أن تأخذ منها مباشرة ؛ فأنكر مرة الاهتمام بالمدونة وترك كتب المتأخرين من المالكية ولما ذكر له أن كتب المتأخرين تخلو من الاستدلال بالأحاديث وأن المدونة على صغر حجمها فيها أكثر من ثلاثين ألف بين أثر وحديث وقول تابعي ؛ قلل من هذا الأمر .
    المسألة الثالثة :إن مثاله في الأغلب للجرأة على الفتيا ومخالفة الأئمة وتفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛هم السلفيون , فكأن مشكلة التلاعب بالدين والفتاوى المميعة هي من هؤلاء , ولذلك أحيانا يعرض بهم ؛ تارة بالتصريح وتارة بالتلميح , وهو يهول الأمر في مسائل وقع فيه الخلاف منذ القرن الأول , ويحاول أن يظهر السلفية بمظهر المتعصب الإلغائي الإقصائي – ولا أنكر أن يكون بعض الإخوة كذلك – ولكن كذلك في المقابل لم التغافل عن المتعصبين في المساجد وهم من المنتسبين إلى المذاهب الفقهية كالأحباش أصحاب الفتن أينما راحوا وأينما حلوا , ومن بعض المتصوفة الذين يدافع عنهم وتلامذة بعض المتمشعرين أعني ( صاحب كرسي الرازي ) أو كرفيقه الدكتور في الغرفة المجاورة المتعصب الحنفي الذي درس في دورات الأوقاف , والذي كان ضيق العطن , قليل البضاعة حتى في مذهبه مع شراسة وحدة في إسكات الأخوة وطردهم من المحاضرة إذا حاول أحدهم المحاورة أو المراجعة .
    أقول :أحببت أن أقدم بين يدي تعقيبي بهذه المقدمة ليعرف منهج الشيخ الدكتور قبل الحديث في المسألة , وهل للأدلة التي يستدل بها المخالف من وزن , أو قيمة عند من يجعل قول المذهب أصلا وقول إمام مذهبه ؛ هو الحكم .
    التعقيب
    قال في موضوع العنوان : بين قص الشعر وصاع الشعير ضاعت الشعائر .
    أقول : هذا من باب قلب الحقائق وانقلاب الموازين ؛ فمن ضيع الشعائر وساهم في هدم الدين هم من تجرؤا على رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واجترؤوا على ذلك وجرؤا المتمذهبين أتباعهم على ذلك واضرب على ذلك أمثلة من أئمة المالكية وعلمائهم الذين ينتسب إليهم الدكتور المفضال .
    فهذا: أحمد بن محمد الخلوتي المالكي الشهير بالصاوي
    يقول :" ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة , ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية !؟
    فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل وربما أداه ذلك للكفر لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر" .
    حاشية الصاوي على تفسير الجلالين (3/9)
    مثال آخر : أصبغ بن خليل القرطبي: الذي كان شديد التعصب للمذهب المالكي حتى أنه اختلق حديثا في ترك رفع اليدين في الركوع والرفع منه , وكشف الله أمره للناس , وكان يعادي أهل الحديث وعلمهم ولم تكن له معرفة بهذا الفن , وكان يقول : لئن يكون في تابوتي رأس خنزير أحب إلى أن يكون فيه مسند ابن أبي شيبة , وكان ينهى أتباعه عن الاجتماع بالحافظ بقي بن مخلد الحافظ المعروف الأندلسي .
    انظر ترتيب المدارك (4/252) وسير أعلام النبلاء (13/202)


    فهذه بعض الأمثلة لتعلم من أضاع الشعائر , ولا يخفى على الدكتور ما أثاره مفتي تونس قبل أيام من مخالفة صريحة للقرآن من الدعوة للمساواة بين الرجل والأنثى في الميراث وهو من مدرسة المذاهب الفقهية بل ومن مدرسة الفقه المالكي , ولا يخفاك تخبط المدعو :علي جمعة وهو من مدرسة المذاهب الفقهية ومن قبله الذي أحل الربا !, وأنت بلسانك اشتكيت مرارا وتكرارا من لجنة المصارف الإسلامية وهم من مدرسة المذاهب وتلاعبهم بالفتاوى وضعف الاستدلال وغير ذلك , وإن أحببت أن أزيدك فانظر ما سطره الكوثري الحنفي المتعصب للقاع ؛ الذي لم يسلم من طعنه حتى أئمة المذاهب كالشافعي ومالك وأحمد وغيرهم و لم يسلم منه الصحابة ناهيك عن ضياع الأمانة ولي الحديث تطويعا لمذهبه , وارجع إلى كتاب التنكيل للعلامة المعلمي رحمه الله لتعرف مدى التعصب والإلغاء والإقصاء الذي خرج من مدرسة المذاهب لفرد واحد من مدرسة المذاهب !.
    قال : توضيح موضوع هذه المقالة ؛هو حكم تلك الفتاوى الفردية التي تبطل اجتهاد السلف بكراهة الأخذ من الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي وليس مناقشة الخلاف الفقهي والترجيح .
    أقول : كان الأولى بالدكتور والأجدر بمستواه العلمي أن يناقش المسألة علميا وليس مجرد التهويش أو كما يقال في علم المنطق استخدام الأسلوب الخطابي ؛ بل كان عليك البحث والترجيح وعرض الصناعة الحديثية والأصولية لأنك تكتب لطلبة العلم وليس للعوام والحديث العام يحسنه صغار الطلبة بل وحتى العوام .
    ولو ناقشت المسألة علميا بحثيا , ما ظننت أن أحدا سيعترض عليك , وكان لك الترجيح كطالب علم , ولكن مع استعمال الظلم لمخالفك واستعمال ما رميت به مخالفك من الأسلوب الاستفزازي والاستهزائي فلا يسعنا السكوت .
    -وقولك تلك الفتاوى الفردية التي تبطل اجتهاد السلف : وكأن القول بمنع الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد التضحية ليس قولا للسلف مع أنه مذهب الشافعية والحنابلة وبعض المالكية والذين قالوا باستحباب المنع كما سيأتي بيانه , وهذا إن دل يدل على التحقيق والمعرفة العميقة بمذاهب الفقهاء !.
    الصراع الموسمي في الفتاوى قال : لا يكاد يمر موسم ديني ولا شعيرة من شعائر الإسلام إلا ونشهد آراء وفتاوى تعكر صفو المشاعر الدينية .
    أقول :هذه الكلام الذي يقوله الدكتور وهذه الخلافات المزعومة التي يدعيها الدكتور هنا؛ إنما هي محاولة للتصدر والظهور على حساب هذه المسألة الفقهية ولا أدل على ذلك أن الأوقاف في الجمعة الماضية أقرت في الخطبة الموحدة على الأئمة ؛ التحدث عن فضل ذي الحجة وآدابها , وأجزم وأنا واحد منهم أن تسعين بالمائة تحدث عن هذه المسألة – مسألة الأخذ من الشعر والأظفار – ولم نسمع ضجيجا ولا خلافا ولا قتالا كما يصوره دكتورنا الفاضل , وهذه وزارة الأوقاف وبالإمكان الحصول على الشكاوى وإتحافنا بالإحصائية التي تذكر عدد المشاكل والاقتتال الذي حدث في المساجد كما يوهمه كلام الدكتور .
    قال : وأصبح الناس يتساءلون حول كراهة أو منع الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي وهل ما كنا نعمل طوال تلك السنين باطلا !
    أقول : ومن قال إن الميزان في معرفة الحق ما عليه عمل الناس ومتى كانت الأضحية شعيرة يأخذ بها الجم الغفير من الناس ؛ سيما القول المشهور هو القول بسنيتها , ولو فتشت عمل الناس لرأيت أن الدين غريب وأن شعائر الدين لا تخفى على العوام فقط ؛ بل وتخفى على كثير من الدكاترة أصحاب الشهادات العليا .


    قال : وما معركة عيد الفطر السعيد منكم ببعيد .
    وتذكرنا فتاوى إبطال كراهة الأخذ من الظفر والشعر بموسع الصراع في الصاع ومعركة الدنانير والشعير التي حدثت في عيد الفطر ونعيش الآن غزوة ذات الشعر.
    أقول : عجبي , وهل هذا التهكم يليق بطالب علم ينادي بالرجوع لمنهج التأصيل والاستدلال , وهل قوله هذا يناسب مع ما يدعو إليه من وجوب الأخذ بما عليه أهل المذاهب وهل هذا الأسلوب الاستهزائي يدل على طلب الحق والبحث عن الراجح أم أنه التصيد ومحاولة التهويش والتلبيس ! ومن الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها على هذه المسألة مع أن الحديث على هذه المسألة أصبح وللأسف مما يستحيا من الحديث عنه من الإخوة لكثرة المعارضين والمهاجمين والمتربصين وهل المراد من إقحام هذه المسألة إلا التكثر من الاعتراضات والمغالطات .


    قال :فإنه لا يعكر صفو عيدنا سوى حالة من التعصب تصيب بعض الإخوة الذين لا يطيب لهم إلا أن يبطلوا بعض اجتهاد السلف تحت دعاية الترجيح .
    أقول : تالله وبالله إن هذا من الاستخفاف بالقارئ فهلا ضربت على ذلك أمثلة وأين هي تلك الصراعات والخلافات ونحن أئمة مساجد وخبر مثل هذه الشقاقات المزعومة والنزاعات تسرى سري النار في الهشيم أم هو التصدر ومحاولة التسلق على حساب مسائل الدين وشرائعه ؟
    قال : ليس الإشكال في ترجيح كراهة الأخذ من الشعر أو عدمه ..وتظهر فتاوى تؤدي إلى الاستنزاف الفكري والإلهاء الاستراتيجي وتقوم على نصرة رأي اجتهادي ما , وإبطال الاجتهاد المعتبر المخالف والتوجه إلى المجتمع بخطاب إلغائي إقصائي لاجتهادات السلف .
    أقول وبالله أستعين : والله هذا من العجب فهذا المنهج الإقصائي والإلغائي وجدناه في محاضراتكم في دورات الأوقاف حتى ترتب على ذلك شكاية على هذه الدورات مرات ومرات , وتظلم منها في بعض الجرائد والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي ,وماذا تقصد بالاستراتيجي أن هدفهم أكبر أو أنهم مدفوعون من الخارج ! .
    لم هذه المصادرة ومحاولة الظهور الذي يقصم الظهور وإظهار النفس بمظهر الناصح الأمين .
    وهل مثل هذا المقال ينمي الجانب العلمي أم هو في الحقيقة يصدق عليه ما ادعيته في مخالفيك من الاستنزاف الفكري والإلهاء الاستراتيجي , وهل قول المخالف الذي يستند إلى السنة الصحيحة وقال به أئمة كبار كما سيأتي بيانه إلغائي إقصائي ماذا تركت للعقلانيين والطاعنين في السنة المشغبين عليها ! .
    قال : الإشكال في إبطال اجتهادات السلف ( النظرية الآحادية ) فقال : مع أن الأخذ من الظفر والشعر أو عدمه لا يؤثر في صحة الأضحية إنما هو لكمال العمل وليس شرطا في صحته .
    أقول : وهذا القول مصادرة للمسألة وأتحدى أن تأتي بقول من أحد مشايخ السلفيين قال بإبطال أضحية من أخذ من شعره وأظفاره , هذا نوع من الإقصاء والإلغاء الذي رميت به مخالفك ؛ فأين الفتاوى المزعومة من مشايخنا وطلبة العلم؛ ألا أظهرته أو أشرت إليه؟ .


    عجيبة من عجائب الدكتور ( الخلط في نقل مذاهب الفقهاء )
    قال : ولكن الإشكال هو طرح المسألة بطريقة الإلغاء والقهر لثلاثة مذاهب معتبرة .. .
    و قال :من الغريب أن يبطل عمل الحنفية في إخراج صدقة الفطر نقدا وأن يعد قولا فاسدا ..أما في مسألة قص الشعر والأظفار هنا ؛ فيجب العمل بمذهب الحنفية ويبطل العمل بالمذاهب الثلاثة الأخرى .
    أقول : لعل الدكتور خانته الذاكرة أو تحدث في المسألة من غير مراجعة أو اقتبسها من حنفي متعصب يظن أنه عالم الأرض وهو قليل البضاعة حتى في مذهبه !.
    فقد جعل الدكنور المسألة : بين الجمهور المجوزين للأخذ من الشعر وبين الأحناف المانعين .
    أقول : وهذا من الغلط في العزو لمذاهب العلماء وسوف أبين ذلك في آخر المقال وسترى مدى تبحر دكتورنا الفاضل في معرفة المذاهب .!


    قال : ضرورة الخروج من حرب الاستنزاف وإستراتيجية الإلهاء قال : وخلاصة الأمر إذا جرى المسلمون على سنة معتبرة كترك الأخذ من الشعر والأظفار في التسع من ذي الحجة فلا يشوش عليهم .. وينبغي ربطهم بمهمات الأمور كترك الكبائر والقيام بالفرائض .
    أقول : جميل هذا الكلام – وهو القيام بالفرائض – على أن يكون جماعة - فقد صلينا ثلاثة أشهر إبان دورات الأوقاف جماعة في مسجد الجامعة أو في المصلى مع إخواننا الأئمة ولم نجد أحدا من الدكاترة الأفاضل معنا ! .
    أقول :و لعل عذرهم أن يصلي الرجل مع الرجل منهم أو يصلي لوحده مع أن صلاة الرجل من الرجل أحب من صلاته وحده وكلما زاد فهو أحب إلى الله كما جاء في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه .
    قال : وهجر العصبية المنتنة
    أقول : نعم نوافقك الرأي ونبصم على ذلك , ولكن يحتاج المخالف كذلك إلى تأكيده بالواقع العملي وليس بمجرد الكلام ! – انظر المقدمة -.
    قال :صراع اجتماع العيد والجمعة
    قال : ناهيك عن قصة إذا اجتمع العيد والجمعة فستظهر خصومات لا مسوغ لها وهي أصلا من باب الاجتهاد المعتبر ..
    أقول : الحمد لله أنك أقررت في هذه المسألة بالاجتهاد المعتبر ؛ خلاف عادتك الذي تظهر المخالف دائما بمظهر المخالف لأقوال السلف وما عليه الراجح من العلماء , مع أن هذه المسألة من باب التكثر على المخالف بالمسائل مع حشر كلمات التعصب والفرقة والخصومات والإقصاء والإلغاء التي كررتها في كل حديث عن مسألة من المسائل .


    قال : تعرض الفتاوى مؤصلة علميا ولا يكون بعرض النصوص حسب وجهات نظر أصحابها .
    أقول : هذا هو الخلاف بينا وبينكم وأصل المسألة , فالتقليل من شأن نصوص الوحي هذا هو جوهر الخلاف! فلا وزن للنصوص الشرعية إذا خالفت المذهب ولو كانت في أعلى درجات الصحة , فكم رأينا من رد للنصوص على حساب قول الإمام المتبوع لديكم , ورحم الله الإمام مالك الذي قال : كل يأخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر .


    توضيح مسألة حكم الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي


    كلمة أخيرة : هذه المسألة التي أظهرها دكتورنا الفاضل في أنها مسألة حديثة العهد والتي لا يعرفها العوام إليك بعض تبويبات العلماء وتنصيصهم عليها .
    قال الإمام مسلم في صحيحه : بَابُ نَهْيِ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ مُرِيدُ التَّضْحِيَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ، أَوْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا .
    ثم ساق بإسناده ..عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»
    وفي رواية : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَمَّارٍ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: كُنَّا فِي الْحَمَّامِ قُبَيْلَ الْأَضْحَى، فَاطَّلَى فِيهِ نَاسٌ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَمَّامِ: إِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَكْرَهُ هَذَا، أَوْ يَنْهَى عَنْهُ، فَلَقِيتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، هَذَا حَدِيثٌ قَدْ نُسِيَ وَتُرِكَ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ، زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ .. الحديث .


    قلت : وتأمل دكتورنا الفاضل إن هذا الحديث مخرجه مدني , وسعيد معلوم أنه من كبار التابعين من أهل المدينة . فمخرج الحديث مدني !؟
    وعليه بوب ابن ماجة : بَابُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَأْخُذْ فِي الْعَشْرِ، مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ .
    والترمذي : بَابُ تَرْكِ أَخْذِ الشَّعْرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ
    والبيهقي : بَابُ سُنَّةٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ ظُفُرِهِ إِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحَجَّةِ حَتَّى يُضَحِّيَ .


    الكلام عن المسألة بإجمال :
    حديث أم سلمة اختلف العلماء في رفعه ووقفه؛ فذهب الإمام أحمد ومسلم والترمذي وابن حبان وابن حزم إلى صحة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
    وذهب الدارقطني إلى القول بوقفه على أم سلمة .
    والقول بأن الحديث مرفوع أقوى فقد رفعه أئمة ثقات سفيان وغيره كما في رواية مسلم , ولو فرض أنه موقوف ؛ فله حكم الرفع لأن مثله لا يقال بالرأي .
    وأما من أفتى بجواز الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضح فقد استدل بحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «فَتَلْتُ قَلاَئِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَأَهْدَاهَا، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ» . أخرجه البخاري ومسلم .
    وقد أجاب العلماء عن ذلك :أن هذا الحديث في الهدي وليس له تعلق تعلق بالأضحية , والعلماء المحققون عملوا بالحديثين كالشافعي وأحمد ويحيى بن سعيد وغيرهم .
    قال ابن القيم رحمه الله : وهذا مثل حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد أحدكم أن يضحى ودخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئا" مع حديث عائشة: "كنت أفتل قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم نبعث به وهو مقيم لا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم " والناس في هذا على ثلاثة أقوال: منهم من يسوى بين الهدى والأضحية في المنع .. ومنهم من يسوى بينهما في الأذن ويقول بل المضحى لا يمنع عن شيء كما لا يمنع باعث الهدى فيقيسون على أحد النصين ما يعارض الآخر. وفقهاء الحديث كيحيى بن سعيد وأحمد بن حنبل وغيرهما عملوا بالنصين ولم يقيسوا أحدهما على الآخر .
    بدائع الفوائد (4/125)
    ومن المرجحات لحديث أم سلمة أن حديث أم سلمة خاص وحديث عائشة عام والخاص مقدم على العام كما لا يخفى على الدكتور .
    ومن المرجحات أن حديث أم سلمة قول , وحديث عائشة حكاية فعل والقول مقدم على الفعل .
    والمسألة فيها الأبحاث الكثيرة , وقل كتاب فقهي إلا وتحدث عنها .


    وأما مذاهب الفقهاء :
    نسب الدكتور مذهب جواز الأخذ من الشعر والظفر إلى الأئمة الثلاثة وعدم الجواز إلى مذهب الأحناف , وهذا من الخلط في مذاهبهم وإليك البيان :
    مذهب الأحناف
    هذه المسألة تبحث عند الأحناف عند قول صاحب الهداية : وجه السنة قوله عليه الصلاة والسلام: "من أراد أن يضحي منكم فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئا" والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب، ولأنها لو كانت واجبة على المقيم لوجبت على المسافر .
    الهداية (4/355)
    جاء في البناية شرح الهداية : (وجه السنة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أراد منكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئا» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري، عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من رأى هلال ذي الحجة منكم وأراد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره» " انتهى.
    أراد لا يحلق شعره ولا ينتف إبطه ولا يقلم أظافره إلى يوم النحر تشبيها بالمحرمين، وإليه ذهب بعض العلماء.
    م: (والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب) ش: التعليق بالإرادة وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من أراد " فإن " من " شرطية وأراد فعلها.
    وكذا قول الشافعي، وفي هذا الحديث دليل على عدم وجوب الأضحية لأنه علقه بالإرادة وهو ينافي الوجوب .
    البناية شرح الهداية (12/5)
    ومن عدم القول بوجوب الأضحية الذي قال به بعض الأحناف قالوا بعدم وجوب الإمساك عن الشعر والظفر .
    ففي الدر المختار : قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَفِي الْمُضْمَرَاتِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْعَشْرِ أَيْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ قَالَ لَا تُؤَخَّرُ السُّنَّةُ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ التَّأْخِيرُ اهـ وَمِمَّا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ بَعْضُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يُقَلِّمَنَّ ظُفُرًا» فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ دُونَ الْوُجُوبِ .
    الدر المختار (2/181)
    فالقول بوجوب الإمساك عن الشعر والظفر ليس القول المشهور عند الأحناف وهذا أكده عدة علماء كالطحاوي الذي رد عليهم كما سيأتي , وابن حزم وابن قدامة المقدسي .
    قال الطحاوي : وَقَدْ شَدَّ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَصِّ الْأَظْفَارِ، وَمِنْ حَلْقِ الشَّعْرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ مِمَّنْ لَهُ مَا يُضَحِّي بِهِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ .
    مشكل الآثار (14/141)
    وقال الطحاوي: عَنْ كَثِيرٍ , أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ كَانَ يُفْتِي بِخُرَاسَانَ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا اشْتَرَى أُضْحِيَّتَهُ وَسَمَّاهَا، وَدَخَلَ الْعَشْرُ أَنْ يَكُفَّ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ. قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: عَمَّنْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ وَأَصْحَابُهُ، وَمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
    مشكل الآثار (14/143)
    وتأمل قوله : وهو خلاف ما يقوله أبو حنيفة وأصحابه , وتأمل إنصافه في مخالفة قول إمامه اتباعا للدليل !.
    وقال ابن حزم : كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يَكْرَهَ أَنْ يَحْلِقَ الصِّبْيَانُ فِي الْعَشْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ ، وَخَالَفَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمَا حُجَّةً أَصْلًا .
    المحلى (6/28)
    مذهب المالكية
    وقال مالك: بلغني أن أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت تقول: إذا استهل ذو الحجة فلا يأخذ أحد من شعره ولا من أظفاره. قال مالك: لا بأس بذلك.
    قال محمد بن رشد: وإنما لم ير بهذا بأسا لأنه عارضه عنده حديث عائشة إذ قالت ردا لقول ابن عباس: «من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي: ليس كما قال ابن عباس: أنا قلدت قلائد هدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي ثم قلدها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده [ثم بعث بها] فلم يحرم عليه شيء مما أحله الله له حتى نحر الهدي» .
    البيان والتحصيل (18/166-167)
    هذا المشهور من مذهب المالكية .
    وقال بعض المالكية باستحباب ترك الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي :
    جاء في مواهب الجليل عند قول الماتن - مختصر خليل- :(وَتَرْكُ حَلْقٍ وَقَلْمٍ لِمُضِيِّ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ)
    .. وَدَلِيلُنَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، فَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ» .
    مواهب الجليل (3/244)
    وفي التاج والإكليل (4/372) : (وَتَرْكُ حَلْقٍ وَقَلْمٍ لِمُضَحٍّ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ) الْبَاجِيُّ: عَنْ مَالِكٍ وَالْمَازِرِيِّ عَنْ رِوَايَةِ الْأَبْهَرِيِّ وَابْنِ الْقَصَّارِ. يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ إذَا رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ أَنْ لَا يَقُصَّ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ وَلَا يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ حَتَّى يُضَحِّيَ قَالَا: وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ.
    فتأمل معي في أشهر متن للمالكية بيان لاستحباب ترك الحلق والتقصير لمن أراد أن يضح !
    مذهب الشافعية :
    قال النووي في المجموع : (وَالصَّحِيحُ) كَرَاهَةُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ مِنْ حِينِ تَدْخُلُ الْعَشْرِ فَالْحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْجُهٌ (الصَّحِيحُ) كَرَاهَةُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (وَالثَّانِي) كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ (وَالثَّالِثُ) الْمَكْرُوهُ الْحَلْقُ دُونَ الْقَلْمِ (وَالرَّابِعُ) لَا كَرَاهَةَ إنَّمَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى (الْخَامِسُ) لَا يُكْرَهُ إلَّا لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْعَشْرُ وَعَيَّنَ أُضْحِيَّةً وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ .
    المجموع شرح المهذب (8/391-392)
    وفي أسنى المطالب : (وَمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ فَدَخَلَ) عَلَيْهِ (عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ كُرِهَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ بَدَنِهِ وَشَعْرِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ» وَيُكْرَهُ مُخَالَفَةُ ذَلِكَ وَمَنَعَ مِنْ تَحْرِيمِهِ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُقَلِّدُهَا هُوَ بِيَدِهِ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ» .
    أسنى المطالب (1/541)
    وفي مغني المحتاج (6/124) : (وَيُسَنُّ لِمُرِيدِهَا) إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا (أَنْ لَا يُزِيلَ شَعْرَهُ وَلَا ظُفْرَهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يُضَحِّيَ) بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شَعْرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ وَالْإِبِطِ وَالْعَانَةِ وَغَيْرِهَا، بَلْ سَائِرُ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ كَالشَّعْرِ .
    قارن بين قول أئمة الشافعية وما نسبه الدكتور المتخصص في المذهبية !
    مذهب الحنابلة
    وقال ابن قدامة : وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ وَاللِّبَاسُ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ حَلْقُ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُضَحِّيَ. وَلَنَا مَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا، حَتَّى يُضَحِّيَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمُقْتَضَى النَّهْيِ التَّحْرِيمُ .
    المغني (9/437)
    وفي مسائل الإمام أحمد (262) رواية ابنه عبدالله : قَالَ سَمِعت أبي يَقُول إِذا دخل الْعشْر فَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي فَلَا يقصر من شعره شَيْئا.
    قَالَ سَأَلت أبي عَن رجل أراد أَن يُضحي ؟ قَالَ: لَا يَأْخُذ من شعره وَلَا من أظفاره .
    وفي الموسوعة الكويتية : ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : إِلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَدَخَل الْعَشْرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ قَصِّ الشَّعْرِ وَالأَْظْفَارِ، وَهُوَ قَوْل إِسْحَاقَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.
    وَقَال الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّ ةُ، وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَة ِ: يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ قَصِّ الشَّعْرِ وَالأْظْفَارِ. لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: إِذَا دَخَل الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلاَ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ، وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ .
    الموسوعة (5|170)
    فالأحناف القول المشهور لديهم جواز الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي وقد نقلنا قولهم وتأكيد العلماء لمذهبهم في ذلك بل ورد الطحاوي عليهم في ذلك , خلافا لما أوهمه قول الدكتور ! وكان الأجدر به أن ينقل الخلاف عنهم في هذه المسألة , وخصوصا أنه ذكرها في مقام الاستهزاء والاستخفاف بالمخالف .
    وأما مذهب الشافعية فالمرجح لديهم كما ذكر النووي كراهة قص الشعر والأظفار خلافا لما قرره الدكتور .
    وأما مذهب الحنابلة فعلى روايتين ومنها تحريم الأخذ . وقولهم على الروايتين هو خلاف ما قرره في مقاله .
    وحتى مذهب المالكية الذي يدعي التخصص فيه , من روايات المذهب كما قدمنا استحباب ترك الأخذ من الشعر والأظفار , فأين دعوى التحقيق والتدقيق !؟
    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا بالحق وأن يحبب إلينا العمل بالكتاب والسنة وأن يؤلف بين القلوب , ونقول لدكتورنا الفاضل : والله ما أحببنا التعقيب على مقالك ولكن كما قال بعض السلف : قول الحق لم يترك لي من صديق .


    وكتبه :أبو عبدالرحمن
    الأول من ذي الحجة لعام 1438

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2019
    المشاركات
    11

    افتراضي التعليق على مقال الدكتور وليد الشاويش حول كلمة : يسعد ربك

    التعليق على مقال الدكتور وليد الشاويش
    حول كلمة : يسعد ربك
    الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد ,فقد أرسل لي بعض الإخوة رابط مقال للدكتور وليد الشاويش وفقه الله بعنوان : أهمية علم الصرف في استنباط الحكم الفقهي هل كلمة (يِسْعِد الله) كفر أكبر ؟
    وقد حمل فيها على من يمنع من قول هذه الكلمة , وأنها من حيث التصريف اللغوي لا إشكال فيها على شاذ لغة كلب !! , وأن لها مستندا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم في كلمات التلبية : لبيك وسعديك .. .
    ثم تكلم على مسألة الغلو في التنسك والتعبد ولمز كعادته من غير تصريح منهج السلفيين ووصفه بألفاظ , أعجب أن الدكتور يتفوه بمثل ذلك , وقد رأيت أن الدكتور تعجل في تجويز هذه الكلمة وأنه جانب الصواب في تأصيله لجواز هذه الكلمة , وهذا تعليق سريع على كلامه .
    أقول وبالله أستعين :
    - أولا : العنوان واضح فيه التهويل , فمشايخنا الكرام , في منعهم لهذه الكلمة : يسعد ربك , لا يقولون أنها من الشرك الأكبر بل يعدونه خطأ لفظيا لا يصح في حق الله , وهو سوء أدب في مخاطبة الرب سبحانه ونوع من القول عليه بلا علم , وأبلغ ما يقال في الكلمة ما يقال في أمثالها : من الحلف بغير الله وقول الإنسان: ما شاء الله وشئت .
    وكان الواجب للأمانة العلمية أن ينقل الكلام بنصه وحرفيته , ولا يلقي الكلام جزافا أنهم يكفرون بهذه الكلمة , وليس مجرد وجود كلام في مطوية توزع كما زعم حجة في زعمه , وإلا سينسب قائل ذلك ومدعيه إلى الكذب والتدليس ! مع أنه أقر بعد ذلك على نفسه بتهويله ومجازفته فقال : رأيت هذه المقولة تتكرر فيما يسمى المناهي اللفظية، بين قول بأنها كفر أكبر أو أنها قبيحة أو لم يرد بها الشرع ! , وكأنه أراد أن يحتاط إذا روجع في ذلك .


    - ثانيا : نص العلماء على أن من القواعد العقدية في التعامل في الألفاظ التي تضاف إلى الرب سبحانه , قاعدة التوقف في الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة والاستفصال عن معناها استنادا لقول الله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فليس كل لفظ أجازته اللغة أو تكلم به الناس يصح استعماله في حق الرب سبحانه , فهناك ضابط في ذلك ذكره أهل السنة وهو : وجوب التوقف في الألفاظ والصفات التي تضاف إلى الرب سبحانه ولذلك يقولون : أسماء الله وصفاته توقيفية ! .
    - ثالثا : قدم على جواز كلمة المذكورة , بما قدمه من التعليق على قوله تعالى :{ والله أنبتكم من الأرض نباتا } { وأنبتها نباتا حسنا } فقال : أي وقع فعل الإنبات ثم حصل أثر الإنبات وهو النبات، أي صار المعنى حصل فعل الإنبات ثم حصل أثره وهو النبات .
    وقال : { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَها نباتا حسنا } والتقبل هنا وقع ثم وقع أثره وهو القبول .. .
    ثم ربط بين استدلاله بهذه الآيات وبين كلمة : يسعد ربك بقوله : وهذا يعني أن السَّعْد ومشتقاته مثل الفعل يِسعِد حاصلة في الدعاء الثابت شرعا يردده عامة المسلمين في حجهم وعمرتهم ، وأن المعنى أُسعِدك يارب فيحصل السَّعد، كما هو الحال في (وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا)، فحصل النبات من أثر الإنبات، وفي مثالنا حصل السعد من أثر الإسعاد.انتهى
    أقول وبالله أستعين : هذا التأصيل الذي ذكره لجواز هذه الكلمة نوع من التلفيق والتأليف والتخليط وبيان ذلك :
    - القائل في إثبات لفظة الإنبات لله هو الله سبحانه , فإسناد هذا الفعل لله وإثباته له ؛ مستنده الشرع , فقد ذكره الله في كتابه , أما كلمة يسعد ربك بكسر العين لا دليل عليها وإنما تجري على ألسنة العوام بل سوقة العوام ! .
    - ظن دكتورنا الفاضل أن قوله : لبيك وسعديك من الإسعاد بمعنى الفرح والبهجة على ما تحويه كلمة : سعد وسعيد وما تصرف منها وهذا فهم مغلوط !! , وقع في الدكتور الفاضل لأنه لم يرجع في معناها لمعاجم اللغة على الأقل , وهو الذي أتحفنا بعنوانه الفريد : أهمية علم الصرف في استنباط الحكم الفقهي !! .
    قال الأزهري : وأصل الإسعاد والمساعدة مُتَابعَة العَبْد أَمر ربّه. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: كَلَام الْعَرَب على المساعدة والإسعاد، غير أَن هَذَا الْحَرْف جَاءَ مثنَّى على سَعْديك وَلَا فعل لَهُ على سَعَد. قلت: وَقد قرىء قَول الله جلّ وعزَّ: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ} (هود: 108) وَهَذَا لَا يكون إلاّ من سَعَده الله لَا من أسعده، وَبِه سُمّي الرجل مسعوداً. وَمعنى سَعَده الله وأسعده أَي أَعَانَهُ ووفَّقه. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي طَالب النحويّ أَنه قَالَ: معنى قَوْلك لبَّيك وَسَعْديك أَي أسعدني الله إسعاداً بعد إسعاد. قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاس وَابْن السّكيت، لِأَن العَبْد يُخَاطب ربَّه وَيذكر طَاعَته لَهُ ولزومه أمره، فَيَقُول: سعديك كَمَا يَقُول: لبَّيك أَي مساعدة لأمرك بعد مساعدة. وَإِذا قيل: أسعد الله العبدَ وسَعَده فَمَعْنَاه: وفَّقه الله لما يرضيه عَنهُ فيَسْعد بذلك سَعَادَة.
    تهذيب اللغة (2/43)
    فتأمل أن كلمة : سعديك , تدور على الإعانة والتوفيق والمساعدة لا على السعادة التي فهمها الدكتور من كلام العوام ! , فكان بودنا لو أن الدكتور تأنى ورجع إلى ما نصح به من العنوان من الرجوع للغة العرب , ولو فعل لكفانا مؤنة البحث والكتابة ! .
    وتأمل قول الأزهري : وَلَا فعل لَهُ على سَعَد .
    أقول : وتأمل ما في هذا المعنى من قبح على قياس ما ذكره الدكتور من القياس على كلمة : لبيك وسعديك , أي : يعين ربك ويساعد ربك !!! , ولا تقل لي أن الدكتور قصد ما يقصده العوام من الفرح والبهجة , فإنه طلب التحاكم للغة العرب وهي الحكم في ذلك .
    - في الحديث لما كان الصحابة يقولون في التشهد : السلام على الله , أنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم هذا الكلام , وقال : لا تقولوا السلام على الله إن الله هو السلام ..
    والمعنى : أن الله هو واهب السلام ومعطيه , فلا يدعى له بالسلام وإنما يطلب السلامة منه على عباده , وقس على ذلك كلمة : يسعد ربك بكسر العين لتعلم وجه الخطأ من جهة أخرى .
    - أمر آخر عقدي , خفي على الدكتور وهو الذي ينتسب للأشاعرة , فأفعال الله مردها إلى الإرادة أو القدرة في مذهب الأشاعرة , فكلمة الإنبات ليس لها أثرا حقيقيا وإنما تتعلق بالإرادة أو القدرة الأزلية كما هو معلوم في مذهبهم , فلا إنبات حقيقي ولا تقبل حقيقي .
    وأمر آخر يا دكتور : فالأشاعرة يرون الفعل هو المفعول , وعلى ذلك فالإنبات هو المنبوت , فقولك : أي وقع فعل الإنبات ثم حصل أثر الإنبات وهو النبات، أي صار المعنى حصل فعل الإنبات ثم حصل أثره وهو النبات . انتهى مخالف لمذهبك الأشعري ! .
    وقد أتحفتنا بشرحك عند قول الماتن :
    في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك
    - وأعجب من ذلك محاولة الدكتور توجيه مبنى الكلمة , على شاذ اللغة , وهم الذين صدعوا رؤوسنا بترك الشذوذ من الأقوال ومفاريد أقوال العلماء .
    - وكلمة : يسعد ربك , دارجة على ألسنة العوام في بلاد الشام , وهي كلمة ممجوجة عند صاحب الفطرة السوية , وهي لا تجري إلا على ألسنة سوقة العوام , ولا تسمعها من عقلاء العوام أو مثقفيهم ومتعلميهم ولا أدل على ذلك أن من سمعها من غير أهل الشام , استغربها واستقبحها .
    - وأما قول الدكتور : وقد ثبت أيضا فرح ربنا بتوبة عبده في صحيح البخاري من قول النبي صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة عبده ..انتهى
    فهو استدلال في غير مكانه , لأنه يخالف مذهب الدكتور , فالأشاعرة لا يثبتون فرحا حقيقيا وإنما يؤولونه للرضى أو الإحسان وهذا أيضا لا يستقيم على هذا المعنى كذلك لأنه سيكون المعنى : يحسن إلى ربك , فتأمل .
    - رابعا : قولك : الغلو في ظاهره التنسُّك وفي باطنه التهتُّك !
    قال الدكتور تحت هذه العنوان : إن الغلاة أسرفوا في الجرأة على الشهادتين وعلى دين المسلمين، وأفسدوا على المسلمين مواسمهم الدينية، فالكفر والإيمان عندهم وضعية نفسية لا قواعد فيها، ولو أنك صادرت منهم كلمة كافر ومبتدع لتحولوا إلى عاطلين عن العمل، بمعنى أن هدم المجتمعات الإسلامية السنية أصبحت حالة نمطية، جعلت من الإسلام والإيمان محل شك، وأصبحا من الرأي والرأي الآخر، وهذا مع الأسف وفر فراغا وعدما في التفكير، يكون مقدمة لفشو الإلحاد، مما يؤكد أن الغلو في الدين هو مقدمة للإلحاد فيه وأن الغلو والتحلل يتخادمان، وأن الغلو في ظاهره التنسُّك وفي باطنه التهتُّك..انتهى
    أقول : أبانت هذه الكلمات عن مكنون النفس , والغاية من المقال { وما تخفي صدورهم أكبر } فهل هي الغيرة على دين الله أم هو استعطاف العوام بل سوقة العوام , ولمز أهل السنة بالغلو والدعوة إلى الإلحاد والتستر بالتدين وتحته التهتك .
    وتأمل هذه الكلمات : الغلاة - أسرفوا - الجرأة – أفسدوا - كافر ومبتدع - مقدمة لفشو الإلحاد - الغلو والتحلل - باطنه التهتُّك .. !!.
    عن من يتكلم الدكتور , هل يتكلم عن ملاحدة لا يؤمنون بالله أم يتكلم عن فئة من أهل السنة منهجهم الكتاب والسنة ويدعون الناس للتمسك بهما ونبذ البدع وتصحيح ما علق باعتقادات الناس من مفاهيم مغلوطة وأخطاء شرعية .
    وهذا الدكتور كنا نقول هو من أمثل هؤلاء , ولكن كما قال بعض السلف : ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على فلتات لسانه .
    والله المستعان .
    وكتبه / الدكتور عبد الباسط الغريب
    13- رمضان - 1440

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2019
    المشاركات
    11

    افتراضي تعقيب على مقال : مقولة: هل عَلِمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ للدكتور وليد الشاويش

    تعقيب على مقال : مقولة: هل عَلِمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    للدكتور وليد الشاويش
    الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم : فهذا تعليق سريع على مقال الدكتور وليد الشاويش , مقولة: هل عَلِمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    وأنا لا أتقصد الرد على مقالات الدكتور وليد الشاويش إلا إذا طلب بعض الإخوة ردا على مقاله أو استشكلوا بعض كلامه .
    أصل مقولة : هل عَلِمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    وردت هذه الجملة في مناظرة لأحد أئمة السنة في مناظرة لابن أبي دؤاد القاضي المعتزلي بين يدي الخليفة الواثق وقد ساقها العلماء في كتب التاريخ والعقائد , وهي كانت إلزاما لابن أبي دؤاد في مسألة خلق القرآن .
    قال الذهبي : وعن المهتدي بالله محمد بْن الواثق قال: كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلًا أحضرنا ذلك إلى المجلس. فَأُتِيَ بشيخٍ مخضوبٍ مقيَّد، فقالَ أبي: ائذنوا لابن أبي دؤاد وأصحابه. فأُدْخِلَ الشيخُ، فقالَ: السلامُ عليك يا أمير المؤمنين.
    فقال له: لاسلم الله عليك. قال: بئس ما أدبك مؤدبك. قلتُ في رُواتها غير مجهول. فقال له ابن أبي دؤاد: يا شيخ ما تقول في القرآن؟ فقال: لَمْ تُنْصِفْنِي، وُلِّيَ السّؤال. قال: سَلْ. قال: ما تقول في القرآن؟ قال: مخلوق. قال: هذا شيءٌ عَلِمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، وعمر، والخلفاء الراشدون، أم شيء لَم يعلموه؟ فقال -يعني ابن أبي دؤاد: شيء لم يعلموه.
    فقال: سبحان الله، شيء لَم يعلمه رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ولا أبو بكر ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت.
    فخجل ابن أبي دؤاد فقال: أقِلْنِي. قال: أَقَلْتُك. ما تقول في القرآن؟ قال ابن أبي دؤاد: مخلوق. قال: هذا شيء علمه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- والخلفاء؟ قال: علموه، ولِم يَدْعوا النّاس إليه. قال: أفلا وَسِعَكَ ما وَسِعَهُم؟
    فقام أبي الواثق ودخل خُلْوَته، واستلقى على ظهره وهو يقول: هذا شيء لم يعلمه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا أَبُو بَكْرٍ، ولا عثمان، ولا عليّ، ولَم يدعوا إليه، أفلا وسِعك مَا وَسِعَهم.
    ثُمَّ دعا عمّارًا الحاجب، وأمره أن يرفع عنه القيود، ويُعطيه أربعمائة دينار، وسقط من عينه ابن أبي دؤاد. ولم يمتحن بعدها أحدًا.
    تاريخ الإسلام (17/21)
    أقول : فتأمل أن أصل هذه المقولة ,التي لم يشر الدكتور وليد الشاويش إليها ,! , لأنها تظهره بمظهر المدافع عن خلق القرآن , ولا مثل لها بمثال ولا شك أنه اطلع على أصل هذه المقولة , فما الهدف من إسقاط الاستدالال بهذه المقولة أهو الحمية ..أو الهوى أو التكثر من الرد على الخصم .
    ثانيا : هذه المقولة ليست من أدلة الشريعة كما يدعيه الدكتور وليد الشاويش على الخصم وإنما مبلغ الأمر فيها إلزام صحيح على من يدعي أمرا باطلا في الشريعة لا دليل عليه من الكتاب أو من السنة , ولا أدل على صحته أن العلماء ساقوه في معرض صحة الاحتجاج بهذا الإلزام في كتب العقائد والتاريخ والتراجم , فقد ذكره الخطيب في تاريخ بغداد وابن الجوزي والذهبي وابن كثير ويوسف بن تغري وسبط بن الجوزي وغيرهم , وذكرها أيضا ابن الوزير اليماني في العواصم والقواصم وغيرهم , ولم يتعقب واحد منهم هذه الإلزامات أو هذه المقولة .
    ثالثا : إن المحققين من العلماء استدلوا بهذا الإلزام وهذه المقولة , فهذا ابن قدامة المقدسي رحمه الله بعد أن ساق هذه القصة , قال رحمه الله في كتابه لمعة الاعتقاد : وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان والأئمة من بعدهم والراسخين في العلم من تلاوة آيات الصفات وقراءة أخبارها ولإمرارها كما جاءت، فلا وسع الله عليه. انتهى
    وهكذا ترى أن هذه المقولة وهذا الإلزام يذكر في باب المناظرة وليس من أدلة الشريعة كما ادعاه الدكتور الفاضل .
    تعقيب سريع على مقال الدكتور وليد
    قال الدكتور : كثيرا ما يستدل بعض الإخوة بهذه المقولة ويظن أنها من أدلة الشريعة.
    أقول : نعم يستدل الإخوة بهذه المقولة في باب المناظرة لإلزام الخصم على أنها دليل عقلي لا على أنها من أدلة الشريعة , فمن رام إحداث أمر في اعتقاد الناس لا دليل له عليه يلزم على بطلان إحداثه بهذا الإلزام الصحيح .
    قال الدكتور : وهذا السؤال مبني على فرضية أن المسؤول قد أحاط بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه فرضية باطلة وما بني على باطل فهو باطل.
    أقول وبالله أستعين : ومن ذا الذي يدعي ذلك , ومن ذا الذي يدعي أنه أحاط بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم , وحتى كبار علماء الحديث وحفاظهم لم يدعوا ذلك .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فَإِنَّ الْإِحَاطَةَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدِ مِنْ الْأُمَّةِ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ؛ أَوْ يُفْتِي؛ أَوْ يَقْضِي؛ أَوْ يَفْعَلُ الشَّيْءَ فَيَسْمَعُهُ أَوْ يَرَاهُ مَنْ يَكُونُ حَاضِرًا وَيُبَلِّغُهُ أُولَئِكَ أَوْ بَعْضُهُمْ لِمَنْ يُبَلِّغُونَهُ فَيَنْتَهِي عِلْمُ ذَلِكَ إلَى مَنْ يَشَاءُ اللَّهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ثُمَّ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَدْ يُحَدِّثُ أَوْ يُفْتِي أَوْ يَقْضِي أَوْ يَفْعَلُ شَيْئًا وَيَشْهَدُهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَيُبَلِّغُونَه ُ لِمَنْ أَمْكَنَهُمْ فَيَكُونُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ أَوْ جَوْدَتِهِ. وَأَمَّا إحَاطَةُ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهَذَا لَا يُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُ قَطُّ ,
    مجموع الفتاوى (20/234) وقد قال الشافعي بمثل كلامه أيضا .
    قال الدكتور : فهناك أمور خفيت علينا وعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَاللهِ. لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً»، ولكنها لا تتعلق بأمر تشريعي للأمة، ولا ينبني عليه تكليف شرعي
    أقول : وهذا لا ننازع فيه , فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم للأمة ما تحتاجه , فقد قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا } وقال أبو ذر : تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وذكر لنا منه علمًا .
    قال الدكتور : أولا: إجابات مفترضة على السؤال الخطأ:
    1-هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم علم مصطلح الحديث ،
    فرضية نعم : أين البينة، لا توجد بينة إذن هو حرام.
    فرضية لا: لم يعلمه، إذن لن يكون علماء المصطلح أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولو كان خيرا لبينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    أقول : أولا : لا نسلم أن المقولة أو الإلزام خطأ ! , فقد قبل به علماء الأمة وساقوه في كتبهم إقرارا له , فتأمل .
    ثانيا : أن الدكتور الفاضل لم يفرق بين الوسائل المعتبرة وبين غيرها , فهذه العلوم التي رتبها العلماء ووضعوا قواعدها , هي من باب الوسائل الصحيحة لتحقيق حفظ الشريعة وهذا مقصد معتبر شرعا , ولم يقل أحد أن هذه الوسائل محرمة أو لا تجوز , ولا قال أحد أن هذه الوسائل أدلة شرعية , بل كل ما وان وسيلة لحفظ الدين والشريعة فهو معتبر شرعا .
    فعلم المصطلح وعلم أصول الفقه وغيرها من العلوم المنوطة بالشريعة هي وسائل لحفظ الدين , وهي نوع من التسهيل والترتيب التي تدل على أصله القواعد الشرعية , وما قام به العلماء إنما هو استنباط وترتيب ووضع قواعد مستنبطة من أدلة الشريعة , فمثلا : علم المصطلح الذي مثل به الدكتور , له أصل يدل عليه من الشريعة , فالتحذير من الكذب في الحديث النبوي له أصل , وطلب التثبت من الأخبار قبل قبولها، واشتراط التقوى فيمن تقبل روايته والتحذير من نقل ما لا يعرف الراوي صحته والتشديد في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم لها أصل في الشريعة .
    فالمثال الذي مثل به الدكتور ليس في مكانه .
    ثانيا : سادتكم من علماء الأشاعرة ادعوا أن في كتاب الله علم الأوليين والآخرين !! .
    قال الغزالي : فتفكر في القرآن والتمس غرائبه لتصادف فيه مجامع علم الأولين والآخرين وجملة أوائله وإنما التفكر فيه للتوصل من جملته إلى تفصيله وهو البحر الذي لا شاطئ له.
    جواهر القرآن (47)
    وقال الزركشي : وَكُلُّ عِلْمٍ مِنَ الْعُلُومِ مُنْتَزَعٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ بُرْهَانٌ.
    البرهان في علوم القرآن (1/8)
    وقال السيوطي : فَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حِكْمَةَ وُقُوعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ حَوَى عُلُومَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَنَبَأَ كُلِّ شَيْءٍ .
    الإتقان (2/127)
    بل قال ابن العربي المالكي الأشعري : "علوم القرآن خمسون علماً وأربع مئة علم، وسبعة آلاف وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة، إذ لكل منها ظاهر وباطن وحد ومطلع، هذا مطلق دون اعتبار تركيبه، و نضم بعضها إلى بعض وما بينها من روابط على الاستيفاء في ذلك كله، وهذا مما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله تعالى".
    ذكره في كتابه قانون التأويل
    وعلى هذا القول ؛ يبطل كل استدلالاتك وإلزامتك , ما دام في القرآن علم الأوليين والآخرين .


    قال الدكتور : ثانيا: المستجدات هل يعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    لقد جددت هذه الأمة علوما وأسست علوما أخرى، فلم يسأل أحد هذا النمط من الأسئلة في علم النحو والأصول والحديث، هل علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا، لأن الشريعة لا تعلم بهذه الأسئلة، بل لها أصولها في الاستدلال ليس هذا السؤال منها في شيء ، لذلك لا يجوز إبطال عمومات نصوص الشريعة وأصولها العامة كالمصالح سد الذرائع والأقيسة بمثل هذا اللون من الأسئلة، التي يراد لها أن تحل مكان أصول الشريعة ونصوصها العامة.
    أقول : وهذا من السفسطة والفلسفة وتقويل الخصم ما لم يقل , فأين ما استدل به أهل السنة في إبطال عمومات نصوص الشريعة وأصولها العامة كالمصالح سد الذرائع والأقيسة ! بهذا السؤال وهذل الإلزام ؟ أم أن المسألة مجرد تسويد الصفحات بما يجري به القلم ؟!


    قال الدكتور وليد : رابعا: السؤال يلغي امتداد الشريعة في الزمان والمكان: ومن الملاحظ من خلال المثال أنه على كلا الإجابتين نعم، أو لا، يترتب هدم علوم شرعية، ثابتة بأصول عامة، كالمصلحة وسد الذريعة، والإطلاق في العاديات والوسائل، ومثل هذه الأسئلة تفرض حالة التاريخ على الشريعة، وتحاصر نصوصها العامة، وأصولها التي تحفظ استمرارها واستجابتها للمتغيرات، وسعتها للمستجدات، وهذه الأسئلة تؤدي بدولها إلى الحجر على الشريعة في التاريخ.
    أقول : وهذا تفخيم للمسألة , وحيدة عن الموضوع , فلا تعدو المقولة أن تكون إلزاما صحيحا استخدم في رد مقولة باطلة في باب الاعتقاد كما تقدم في مسألة خلق القرآن وتستخدم في ذلك , وكان بودنا لو ذكر الدكتور الفاضل أمثلة على هدم الشريعة بهذه المقولة أو وثق هذا الكلام الذي يدعيه على السلفية – وهم المعنون بهذا الرد - من كتبهم وهي في متناول الجميع , ولا أراه يستطيع , لأنه لو وجد ذلك لبادر إلى ذكره .


    قال الدكتور : خامسا: السؤال مغالبة كلامية وليس من أدلة الشريعة:
    وبناء على ما سبق فإن هذه السؤال هو مغالبات كلامية ومبارزات لسانية لا تثبت به الشريعة، وليس من مصادرها البتة، بل هو إحالة الأمة في شريعتها على أمر لا يعرف، وهذا يتنافى مع شهد به الشرع من كمال الشريعة في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) 3، سورة المائدة
    أقول : والحمد لله لم نجد هذا الذي يدعيه الدكتور في كلام علمائنا ولا حتى في طلبة العلم , وهذه المغالبات الكلامية والمبارزات اللسانية وجدناها في مقالات الدكتور الفاضل , من باب التكثر في الردود والمبالغة في السفسطة , والله الهادي والموفق للصواب .
    وكتبه الدكتور / عبدالباسط الغريب

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Dec 2019
    المشاركات
    11

    افتراضي " الدكتور وليد الشاويش إذ يؤصل للبدعة"

    مناقشة مقاله :
    مدى حجية مقولة (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم )وتساؤلات في أصول السنة
    الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم :
    فهذه مناقشة لمقالة الدكتور وليد الشاويش : مدى حجية مقولة (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم )وتساؤلات في أصول السنة , والتي أنكر فيها على من يستدل بهذه القاعدة : ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله , والتي زعم أن هذه القاعدة لا أصل لها , وهي قاعدة في نظره تهدم الكتاب والسنة , مع أن العكس هو الصحيح ؛ فالقول بجواز الإحداث في الدين – العبادات - ما دام أنها تندرج تحت أصل عام أو نص مطلق هو تشريع وتأصيل للبدعة في دين الله , وفتح لباب البدعة والعمل بما لم يشرعه الله ولا رسوله , بل هو هدم لدين الله وشريعة الإسلام التي أكمل الله لها الدين وأتم بها النعمة والتي تركها نبينا عليها الصلاة والسلام : بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك , ومن العجب أن الدكتور الفاضل ينكر هذه القاعدة وهو ينتسب لمذهب المالكية ؛ وللإمام مالك عشرات الأقوال في إنكار ما أحدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من بدع العبادات , ومقولته المشهورة معلومة لطلبة العلم ( ليس عليه عمل الناس ) , وقد أحصيت للإمام مالك عشرات المسائل التي يقول فيها تلك المقولة , وقوله : بأن الترك لا يعتبر سنة , مخالف لقول الأصوليين الذين عدوا الترك فعلا, مع أنه هو الصحيح والمرجح عند المالكية بل والأعجب أن صاحب المراقي أشار إليه في منظومته التي كان الدكتور الفاضل يترنم بها في محاضراته ! وسيأتي الحديث عليها في مكانها , إلى غير ذلك من المسائل المهمة المتعلقة في هذا الباب.
    وقد قمت بالتعليق على مقاله ومناقشته , وقد قدمت قبل ذلك بمقدمة نقلت فيها ما يتعلق في هذه المسألة من أدلة وأقوال من آثار الصحابة والتابعين وأقوال الأئمة المحققين , وهذه القاعدة مع كثرة من قال بها وتتابع العلماء على نقلها , لم ينقل الدكتور عن إمام معتبر واحد ينقض هذه القاعدة أو بردها , وإنما هي الدعاوي والمجازفات .
    مقدمة بين يدي الرد
    سنة الترك مبنية على مقدمات ثابتة راسخة ينبغي لطالب العلم أن يتصورها قبل الحديث عن هذه المسألة .
    المقدمة الأولى: كمال هذه الشريعة واستغناؤها التام عن زيادات المبتدعين واستدراكات المستدركين، قال تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] .
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - «وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء» .
    المقدمة الثانية: بيانه - صلى الله عليه وسلم - لهذا الدين وقيامه بواجب التبليغ خير قيام، فلم يترك أمرًا من أمور هذا الدين صغيرًا كان أو كبيرًا إلا وبلغه لأمته.
    قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] ، وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل، في خطبته يوم حجة الوداع .
    المقدمة الثالثة: حفظ الله لهذا الدين وصيانته من الضياع، فهيأ الله له من الأٍسباب والعوامل التي يسرت نقله وبقاءه حتى يومنا هذا , قال تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ().
    المسألة الأولى : التحذير من البدعة في الدين ؛ تدعيم لقاعدة (ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ) .
    مما يتعلق بمسألة ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله . مسألة تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من البدع , وإخباره : أن كل بدعة ضلالة .
    عنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ»، وَيَقُولُ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ»، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». أخرجه مسلم
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : مسألة أن كل بدعة في الدين ضلالة محرمة، هذا مما أجمع عليه الصحابة والسلف الصالح، ولم تنتشر البدع إلا بعد القرون الثلاثة الفاضلة حين صارت للروافض والقرامطة دولة، وكثرت الطرق الصوفية النكدة.
    اقتضاء الصراط المستقيم (1/64)
    وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» . أخرجه البخاري , وفي رواية لمسلم : «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .
    قال النووي : فَهُوَ رَدٌّ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ : الرَّدُّ هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُودِ وَمَعْنَاهُ فَهُوَ بَاطِلٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ , وَهَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كُلِّ الْبِدَعِ وَالْمُخْتَرَعَ اتِ .
    شرح النووي (12/16)


    تعريف البدعة
    تكاد تتوافق تعاريف العلماء للبدعة , ويمكن صوغ ذلك بأنه : ما أحدث على غير مثال سابق , فلم تظهر البدع أصلا إلا بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم , فكان التأصيل لقاعدة ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ؛ متناسبا مع منع البدع في الدين .
    قال الإمام الشاطبي المالكي : أصل مادة بَدَعَ لِلِاخْتِرَاعِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، وَمِنْهُ قول الله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، أي مخترعهما مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ مُتَقَدِّمٍ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} ، أَيْ مَا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ جَاءَ بِالرِّسَالَةِ مِنَ اللَّهِ إِلَى الْعِبَادِ، بَلْ تَقَدَّمَنِي كَثِيرٌ مِنَ الرُّسُلِ. وَيُقَالُ: ابْتَدَعَ فَلَانٌ (بِدْعَةً يَعْنِي ابْتَدَأَ) طَرِيقَةً لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهَا سَابِقٌ.
    الاعتصام (1/45)
    وقال أبو بكر الطرطوشي المالكي (): فإن قيل لنا: فما أصل البدعة؟ قلنا: أصل هذه الكلمة من الاختراع، وهو الشيء يحدث من غير أصل سبق، ولا مثال احْتُذِيَ، ولا ألف مثله , ومنه قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، وقوله: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} ؛ أي: لم أكن أول رسول إلى أهل الأرض. وهذا الاسم يدخل فيما تخترعه القلوب، وفيما تنطق به الألسنة، وفيما تفعله الجوارح.
    الحوادث والبدع (30-40)
    وعرفها العلامة الشمني : بأنها ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم أو عمل أو حال بنوع شبهة أو استحسان .. .
    الإبداع في مضار الابتداع(32)
    ولما كانت هذه الأحاديث يفهم منها العموم , وهو عموم النهي عن كل محدث , وكانت المحدثات منها الشرعية وغير الشرعية وضع العلماء ضابطا للبدعة, وهو أن البدعة – المذمومة والمنهي عنها - ما تعلقت بأمر الدين في العبادات , وعلى ذلك قسم العلماء البدعة إلى قسمين :
    البدعة بدعتان لغوية وشرعية :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ولهذا كان الأصل الذي بنى الإمام أحمد وغيره من الأئمة عليه مذاهبهم أن أعمال الخلق تنقسم إلى:
    عبادات يتخذونها دينا، ينتفعون بها في الآخرة، أو في الدنيا والآخرة .
    وإلى عادات ينتفعون بها في معايشهم .
    فالأصل في العبادات: أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله.
    والأصل في العادات: أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله.
    اقتضاء الصراط (2/86)
    وهذه قاعدة تكاد أن تكون اتفاقا بين العلماء , وهي أصل أصيل للتفريق بين ما أحدث من أمور الدنيا التي احتاج إليها البشر والتي لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ,و مبناها على الإباحة والجواز وبين ما كان من أمر التعبدات والتي مبناها على التوقيف والحظر .
    بيان أن البدعة اللغوية أعم من الشرعية
    قال شيخ الاسلام : ثم ذلك العمل الذي يدل عليه الكتاب والسنة: ليس بدعة في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة، فلفظ البدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة. وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام، بل كل دين جاءت به الرسل فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد: ما ابتدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم.
    اقتضاء الصراط (2/96)
    قلت : وقد كان مقال الدكتور موهما للقارئ أن من يقول بقاعدة ( لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ) يجري ذلك على العادات والعبادات , مع أن هذا خلاف الصحيح كما في هذا النقل عنهم .
    قال ابن دقيق العيد – ممثلا للبدعة اللغوية - : فأما تفريع الأصول التي لا تخرج عن السنة فلا يتناولها هذا الرد ؛ ككتابة القرآن العزيز في المصاحف , وكالمذاهب التي عن حسن نظر الفقهاء المجتهدين الذين يردون الفروع إلى الأصول التي هي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وكالكتب الموضوعة في النحو والحساب والفرائض , وغير ذلك من العلوم مما مرجعه ومبناه على أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوامره ؛ فإن ذلك لا يدخل في هذا الحديث.- يعني حديث: من أحدث في أمرنا هذا ... .
    شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (42)
    ضابط البدعة :
    الأصل في ذلك أن كل عبادة اتفق على تَرْكِها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسلف الأمة من بعده فهي بلا شك بدعة ضلالة، ليست من الدين , فإذا تواطأ النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلف الأمة من بعده على تَرْكِ عبادة فهذا دليل قاطع على أنها بدعة.
    قال شيخ الإسلام : «فأما ما تركه [أي النبي - صلى الله عليه وسلم -] من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعًا لفعله أو أذن فيه، ولفعله الخلفاء بعده والصحابة؛ فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة، ويمتنع القياس في مثله» .
    مجموع الفتاوى (26/172)
    وسئل تقي الدين السبكي عن بعض المحدثات فقال: الحمد لله، هذه بدعة لا يشك فيها أحد، ولا يرتاب في ذلك، ويكفي أنها لم تُعرف في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا في زمن أصحابه، ولا عن أحد من علماء السلف .
    فتاوى السبكي (2/ 549)
    ضابط آخر : وهو اتخاذ عبادات معينة تتكرر كالعبادات المشروعة ؛ بحيث تصير سننا ورواتب مثلها .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع أو الشهور أو الأعوام، غير الاجتماعات المشروعة، فإن ذلك يضاهي الاجتماع للصلوات الخمس، وللجمعة، وللعيدين وللحج. وذلك هو المبتدع المحدث.
    ففرق بين ما يتخذ سنة وعادة، فإن ذلك يضاهي المشروع. وهذا الفرق هو المنصوص عن الإمام أحمد، وغيره من الأئمة. فروى أبو بكر الخلال، في كتاب الأدب، عن إسحاق بن منصور الكوسج، أنه قال لأبي عبد الله: تكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم؟ قال: "ما أكرهه للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد إلا أن يكثروا" .
    قال إسحاق بن راهويه كما قال , وإنما معنى أن لا يكثروا: أن لا يتخذوها عادة حتى يكثروا .
    اقتضاء الصراط المستقيم (2/140-141)
    وقال شيخ الإسلام : وأصل هذا: أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات، حتى تصير سننا ومواسم، قد شرع الله منها ما فيه كفاية العباد، فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد، كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه. ....
    فكما أن تطوع الصلاة فرادى وجماعة مشروع، من غير أن يتخذ جماعة عامة متكررة، تشبه المشروع من الجمعة، والعيدين والصلوات الخمس، فكذلك تطوع القراءة والذكر والدعاء، جماعة وفرادى، وتطوع قصد بعض المشاهد، ونحو ذلك، كله من نوع واحد، يفرق بين الكثير الظاهر منه، والقليل الخفي، والمعتاد وغير المعتاد .
    اقتضاء الصراط (2/144)
    غالب البدع تندرج تحت أصل عام أو مطلق , وتمثيل العلماء على ذلك :
    قال شيخنا الالباني رحمه الله :غالب البدع تندرج تحت أصل عام , ومع ذلك هي غير مشروعة وهي التي يسميها الإمام الشاطبي بالبدع الإضافية صحيح الترغيب (1/54-55).
    قال الشاطبي :وَمِنَ الْبِدَعِ الإِضافية الَّتِي تَقْرُبُ مِنَ الْحَقِيقِيَّةِ : أَن يَكُونَ أَصل الْعِبَادَةِ مَشْرُوعًا، إِلا أَنها تُخْرَج عَنْ أَصل شَرْعِيَّتِهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ، توهُّماً أَنها بَاقِيَةٌ عَلَى أَصلها تَحْتَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَذَلِكَ بأَن يُقَيَّد إِطلاقها بالرأْي، أَو يُطْلَق تقييدُها، وَبِالْجُمْلَةِ فَتَخْرُجُ عَنْ حَدِّها الَّذِي حُدَّ لَهَا.
    الاعتصام (2/309) وذكر أمثلة على ذلك .
    قال العلامة الشيخ علي محفوظ : وعلمت أن التمسك بالعمومات مع الغفلة عن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم وتركه ؛ هو اتباع المتشابه الذي نهى الله عنه , ولو عولنا على العمومات وصرفنا النظر عن البيان, لانفتح باب كبير من أبواب البدعة لا يمكن سده ,ولا يقف الاختراع في الدين عند حد .
    الإبداع في مضار الابتداع (47)
    ثم قال :وإليك أمثلة في ذلك على ما تقدم:
    الأول : جاء في حديث الطبراني : الصلاة خير موضوع .
    قال رحمه الله : لو تمسكنا بعموم هذا ؛ كيف تكون صلاة الرغائب بدعة مذمومة؟.. وكيف تكون صلاة شعبان بدعة مذمومة ...مع دخولهما في عموم الحديث؟ وقد نص العلماء على أنهما بدعتان قبيحتان مذمومتان كما يأتي . قال النووي في صلاة الرغائب : ليس لأحد أن يستدل على شرعيتها بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الصلاة خير موضوع . فإن ذلك يختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه , وقد صح النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة .
    الثاني: قال تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا} وقال عز وجل: {اذكروا الله ذكرا كثيرا} إذا استحب لنا إنسان الأذان للعيدين والكسوفين والتراويح وقلنا كيف ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها ولم يأمر بها وتركها طول حياته فقال لنا: إن المؤذن داع إلى الله وإن المؤذن ذاكر لله كيف تقوم عليه الحجة وكيف تبطل بدعته؟
    الثالث: قال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية
    لو صح الأخذ بالعمومات لصح أن يتقرب إلى الله تعالى بالصلاة والسلام [عليه صلى الله عليه وسلم] في قيام الليل وركوعها واعتدالها وسجودها إلى غير ذلك من الأمكنة التي لم يضعا الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ومن الذي يجيز التقرب إلى الله تعالى بمثل ذلك وتكون الصلاة بهذه الصفة عبادة معتبرة؟ وكيف هذا مع حديث " صلوا كما رأيتموني أصلي " رواه البخاري؟
    الرابع: ورد في صحيح الحديث " فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر " رواه النسائي وأبو داود وابن ماجة , لو أخذ بعموم هذا لوجبت الزكاة في الخضر والبقول مع إجماع العلماء إلا الإمام الأعظم على عدم وجوب الزكاة فيها , ولا مستند لهم في عدم وجوب الزكاة سوى هذا الأصل وهو أن ما تركه مع قيام المقتضي على فعله فتركه هو السنة وفعله هو البدعة .
    الإبداع (47-49) وتأمل أن المؤصل لهذه المسائل الشيخ علي محفوظ أحد كبار علماء الأزهر , وقدم لكتابه الإبداع علماء أيضا من علماء الأزهر .
    المسألة الثالثة : هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة في الدين , وما مدى صحة هذا التقسيم .
    ذهب بعض العلماء إلى تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة وممن ذهب إلى ذلك العز بن عبد السلام وتلميذه القرافي .
    قال الشيخ علي محفوظ : وعلى هذا الاصطلاح بنى شيخ الإسلام عز الدين بن عبدالسلام وتلميذه الإمام شهاب الدين القرافي مذهبهما في تقسيم البدعة إلى الأقسام الخمسة , وهما مسبوقات في هذا التقسيم بالإمام الشافعي
    الابداع (36)
    وكلام الشافعي كما نقله عنه الحافظ ابن حجر : قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْبِدْعَةُ بِدْعَتَانِ مَحْمُودَةٌ وَمَذْمُومَةٌ فَمَا وَافَقَ السُّنَّةَ فَهُوَ مَحْمُودٌ , وَمَا خَالَفَهَا فَهُوَ مَذْمُومٌ . أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْجُنَيْدِ عَنِ الشَّافِعِيِّ . وَجَاءَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ قَالَ: الْمُحْدَثَاتُ ضَرْبَانِ مَا أُحْدِثُ يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ أَثَرًا أَوْ إِجْمَاعًا فَهَذِهِ بِدْعَةُ الضَّلَالِ , وَمَا أُحْدِثُ مِنَ الْخَيْرِ لَا يُخَالِفُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ؛ فَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ انْتَهَى
    فتح الباري (13/253)
    والجواب على هذا التقسيم :
    أولا : أنكر وعاب بعض العلماء هذا التقسيم – بدعة حسنة وبدعة سيئة – قال المحقق الشاطبي : وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ أَمْرٌ مُخْتَرَعٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، بَلْ هو في نَفْسُهُ مُتَدَافِعٌ، لِأَنَّ مِنْ حَقِيقَةِ الْبِدْعَةِ أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَا مِنْ نُصُوصِ الشَّرْعِ، وَلَا مِنْ قَوَاعِدِهِ ..ثم قال : فما ذكره الْقَرَافِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى إِنْكَارِ الْبِدَعِ صَحِيحٌ، وَمَا قَسَّمَهُ فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ. ومن العجب حكايته الِاتِّفَاقِ مَعَ الْمُصَادَمَةِ بِالْخِلَافِ، وَمَعَ مَعْرِفَتِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي خَرْقِ الْإِجْمَاعِ، وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا اتَّبَعَ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ شَيْخَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ .
    الاعتصام (1/327-328)
    وأقره الشيخ علي محفوظ في كتابه الإبداع (79)
    وهذا الإنكار كان في مقابل من استند إلى هذا التقسيم في جواز الإحداث في الدين بما لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم .
    ثانيا : أن تحمل البدعة الحسنة على البدعة اللغوية , وعليها يحمل كلام الشافعي بالمراد من البدعة المحمودة ؛ البدعة اللغوية لا الشرعية التي تكون في العبادات .
    وإليك كلام أهل العلم في ذلك :
    قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية (200) : ومن قسمها من العلماء إلى حسن وغير حسن فإنما قسم البدعة اللغوية ومن قال كل بدعة ضلالة فمعناه البدعة الشرعية .
    وقال ابن حجر العسقلاني : وَأَمَّا الْبِدَعُ فَهُوَ جَمْعُ بِدْعَةٍ وَهِيَ كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ مِثَالٌ تَقَدَّمَ ؛ فَيَشْمَلُ لُغَةً مَا يُحْمَدُ , وَيُذَمُّ وَيَخْتَصُّ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ بِمَا يُذَمُّ , وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْمَحْمُودِ فَعَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ .
    فتح الباري (13/278)
    والدليل على أن قول الإمام الشافعي يحمل على ذلك ما يلي :
    ثالثا : للشافعي نص ورد عنه في منع الاستحسان في الدين بما لم يشرعه الرسول الله صلى الله عليه وسلم .
    قال الشيخ علي محفوظ : وقد عرفت أن الإمام الشافعي ممن ينكر الاستحسان , ولقد بالغ في إنكاره إذ نقل عنه أنه قال : من استحسن فقد شرع , ومعناه كمال قال الروياني : أنه نصب من جهة نفسه شرعا غير الشرع . وقال في الرسالة : والاستحسان تلذذ ولو جاز لأحد الاستحسان في الدين لجاز ذلك لأهل العقول من غير أهل العلم ولجاز أن يشرع في الدين في كل باب وأن يخرج كل واحد لنفسه شرعا .
    الإبداع (137)
    وعلى ذلك يوجه كلام الشافعي بما جاء عن ابن حجر الهيتمي وابن حجر العسقلاني أنه أراد بالمحمودة البدعة اللغوية .


    الفرق بين البدعة والمصالح المرسلة
    وربما يستدل البعض على جواز إحداث البدع في الدين إذا اندرجت تحت أصل عام بالمصالح المرسلة , وهذا استدلال في غير مكانه فالعلماء فرقوا بين البدعة والمصالح المرسلة :
    قال الشيخ علي محفوظ - من علماء الأزهر - : وهذا ما يسمى في عرف الفقهاء بالمصالح المرسلة , وقاعدتها أن يناط الأمر باعتبار مناسب لم يدل الشرع على اعتباره ولا إلغائه إلا أنه ملائم لتصرفات الشرع بأن يوجد لذلك المعنى جنس اعتبره الشارع في الجملة . ثم إن من الناس من تشتبه عليه البدع بالمصالح المرسلة , ومنشأ الغلط أن المصالح المرسلة يرجع معناها إلى اعتبار المناسب الذي لا يشهد له أصل معين فليس له شاهد شرعي على الخصوص؛ فلما كان ههنا موضع الاشتباه لأن البدع والمصالح المرسلة يجريان من واد واحد , وهو أن كلا منهما لم يقم على خصوصه دليل شرعي وجب الفرق بينهما
    الإبداع (87-88)
    ثم قال الشيخ علي محفوظ : فحاصل المصالح المرسلة يرجع إلى حفظ أمر ضروري أو رفع حرج لازم في الدين ؛ فجمع المصحف حفظ للشريعة بحفظ أصلها وكتابته هو سد لباب الاختلاف فيه ... ومن ذلك تعرف أن البدع كالمضادة للمصالح المرسلة لأن البدع تكون في التعبدات ومن شأنها أن تكون غير معقولة المعنى على التفصيل بخلاف المصالح المرسلة فإنها تكون في معقول المعنى على التفصيل وهي المعاملات .
    وهناك فرق آخر وهو أن البدع تكون في المقاصد بخلاف المصالح المرسلة فإنها تكون في الوسائل .
    ثم قال : والسر في اعتبار المصلحة المرسلة في المعاملات دون العبادات أن العبادات حق الشارع خاص به , ولا يمكن معرفة حقه كما وكيفا وزمانا ومكانا إلا من جهته .
    الإبداع (95)


    المسألة الرابعة : سنة الترك أو ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يسمى سنة ؟
    وهذه من المسائل التي كرر الدكتور الفاضل الحديث عنها , وشدد النكير فيها مع أن للعلماء من شتى المذاهب تقريرا لذلك , وهذا من العجب أن يصدر من الدكتور وليد .
    والقول بسنية الترك مبني على قول العلماء بان الترك فعل ؛ وهذه أقوال العلماء التي تبين سنية الترك :
    قال الشيخ محمد الجيزاني في كتابه سنة الترك :
    التَّرْكُ معدود من الأفعال المُكلَّف بها؛ خلافًا لمن زعم أن التَّرك أمر عدمي لا وجود له، والعدم عبارة عن لا شيء.
    والدليل على أن الترك فعل من القرآن قوله - تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79] فسمَّى الله عدم تناهيهم عن المنكر فعلا وذمهم على هذا الفعل، فقال - سبحانه: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} , ومن السُّنَّة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «المُسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» فَسُمِّيَ تَرْكُ الأذى إسلامًا وهو يدل على أن التُّرْك فعل.
    سنة الترك (24)
    وقال : تَرْك بعض السُّنَّة سُدًا للذريعة؛ لئلا يُظن الوجوب وهذا خاص بمن كان من الناس في مظنة الاقتداء به، وهو منقول عن السلف؛ كَتَرْكِ بعض الصحابة - رضي الله عنهم - الأُضحية؛ خشية أن يظن الناس أنها واجبة؛ نُقِلَ ذلك عن أبي بكر وعمر وابن عباس - رضي الله عنهما - وقال أبو مسعود البدري - رضي الله عنه: «إني لأترك أضحيتي وإني لمن أيسركم؛ مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة» .
    والأصل في ذلك: تَرْك النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل المنافقين , وتَرْكه - صلى الله عليه وسلم - هدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - .
    سنة الترك (26)
    وإليك بعض أقوال العلماء التي ذكرها الشيخ محمد الجيزاني وغيره :
    بوَّب الإمام ابن خزيمة في صحيحه فقال: "باب ترك الصلاة في المصلي قبل العيدين وبعدها اقتداء بالنبي واستنانًا به" .
    قال ابن حجر : وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا بِأَنَّا لَمْ نَدَّعِ اسْتِلَامَهُمَا هَجْرًا للبيت وَكَيْفَ يَهْجُرُهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِهِ وَلَكِنَّا نَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا .
    فتح الباري (3/475)
    وقال السمعاني: "إذا ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من الأشياء وجب علينا متابعته فيه .
    قواطع الأدلة (1/311)
    وسئل تقي الدين السبكي عن بعض المحدثات فقال: "الحمد لله هذه بدعة لا يَشُكُ فيها أحد، ولا يرتاب في ذلك ويكفي أنها لم تُعرف في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في زمن أصحابه ولا عن أحد من علماء السلف" .
    فتاوى السبكي (2/549)
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والترك الراتب سنة كما أن الفعل الراتب: سنة.
    مجموع الفتاوى (26/172)
    وقال ابن القيم: "فإن تَرْكَه - صلى الله عليه وسلم - سُنَّة كما أن فعله سُنَّة، فإذا استحببنا فعل ما تَرَكه كان نظير استحبابنا تَرك ما فعله، ولا فرق" .
    إعلام الموقعين (2/281)
    وقال الشاطبي: "لأن تَرْك العمل به من النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع عمره، وتَرْك السَّلف الصالح له على توالي أزمنتهم قد تقدم أنه نص في التَّرك، وإجماع مِنْ كل مَنْ ترك؛ لأن عمل .
    الاعتصام (2/288)
    وقال الزركشي: "لأن المتابعة كما تكون في الأفعال تكون في التُّروك .
    البحر المحيط (6/41)
    وقال ابن النجار: "وإذا نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تَرَك كذا كان - أيضًا - من السُّنَّة الفعلية" .
    مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (2/ 165)
    وقال أيضا: وأمَّا التَّأسي في التَّرْك: فهو أنّه تترك ما تركه لأجل أن تَرَكَه .
    مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (2/ 196)
    وقال الشوكاني: "تَرْكه - صلى الله عليه وسلم - للشيء كفعله له في التأسي به فيه" (4).
    إرشاد الفحول (1/119)
    وقال الشيخ علي محفوظ – من علماء الأزهر -: إن سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما تكون بالفعل تكون بالترك ؛ فكما كلفنا الله تعالى باتباع النبي في فعله الذي يتقرب به إذا لم يكن من باب الخصوصيات كذلك طالبنا باتباعه في تركه فيكون الترك سنة
    الإبداع (40)
    وهذه النصوص كافية لطالب العلم في إثباتها لمن يبحث عن الحق .
    المسألة الخامسة : ضابط ذلك وما ذكره العلماء من المقتضى في ذلك .
    أقول : وقد وضع العلماء ضابطا لما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ,مما أحدث بعده , وهو ما يسمى بقيام المقتضى لفعله
    وهذه المسألة هي التي يدور عليها مقال الدكتور وليد , وحاول أن يظهر كأن هذه القاعدة بدعا من القول , وأنها قاعدة غريبة على العلماء مع أنها منقولة عن الفقهاء من الأئمة الأربعة كما ذكر الشيخ علي محفوظ رحمه الله , وتتابع العلماء على نقلها في القديم والحديث بدون نكير , وإليك البيان :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والترك الراتب سنة كما أن الفعل الراتب: سنة، بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض، أو فوات شرط، أو وجود مانع، وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ، كجمع القرآن في الصحف، وجمع الناس على إمام واحد في التراويح، وأسماء النقلة للعلم، وغير ذلك مما يحتاج إليه في الدين، وبحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به، وإنما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لفوات شرط أو وجود مانع، فأما ما تركه من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعا لفعله، أو أذن فيه وفعله الخلفاء بعده والصحابة، فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة.
    مجموع الفتاوى (26/172)
    وقال أيضا :و أما ما لم يحدث سبب يحوج إليه أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد، فهنا لا يجوز الإحداث، فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودا، لو كان مصلحة ولم يفعل، يعلم أنه ليس بمصلحة. وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخالق فقد يكون مصلحة.
    ثم هنا للفقهاء طريقان: أحدهما: أن ذلك يفعل ما لم ينه عنه، وهذا قول القائلين بالمصالح المرسلة.
    والثاني: أن ذلك لا يفعل إن لم يؤمر به: وهو قول من لا يرى إثبات الأحكام بالمصالح المرسلة، وهؤلاء ضربان:
    منهم من لا يثبت الحكم، إن لم يدخل في لفظ كلام الشارع، أو فعله، أو إقراره، وهم نفاة القياس. ومنهم من يثبته بلفظ الشارع أو بمعناه وهم القياسيون .
    فأما ما كان المقتضي لفعله موجودا لو كان مصلحة، وهو مع هذا لم يشرعه، فوضعه تغيير لدين الله، وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدين، من الملوك والعلماء والعباد، أو من زل منهم باجتهاد.. .
    فمثال هذا القسم: الأذان في العيدين، فإن هذا لما أحدثه بعض الأمراء، أنكره المسلمون لأنه بدعة، فلو لم يكن كونه بدعة دليلا على كراهته، وإلا لقيل: هذا ذكر لله ودعاء للخلق إلى عبادة الله، فيدخل في العمومات. كقوله تعالى: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] (5) وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: 33] (6) أو يقاس على الأذان في الجمعة، فإن الاستدلال على حسن الأذان في العيدين، أقوى من الاستدلال على حسن أكثر البدع. بل يقال: ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود ما يعتقد مقتضيا، وزوال المانع، سنة، كما أن فعله سنة. فلما أمر بالأذان في الجمعة، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة، كان ترك الأذان فيهما سنة، فليس لأحد أن يزيد في ذلك، بل الزيادة في ذلك كالزيادة في أعداد الصلوات أو أعداد الركعات، أو صيام الشهر، أو الحج .
    اقتضاء الصراط المستقيم (2/101-103)
    وقال الشاطبي – مؤكدا نفس القاعدة- وهو مالكي المذهب :
    وَالْجِهَةُ الرَّابِعَةُ: مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ مَقْصِدُ الشَّارِعِ: السُّكُوتُ عَنْ شَرْعِ التَّسَبُّبِ، أَوْ عَنْ شَرْعِيَّةِ الْعَمَلِ مَعَ قِيَامِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لَهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ سكوت الشارع عن الحكم على ضربين:
    أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا دَاعِيَةَ لَهُ تَقْتَضِيهِ، وَلَا مُوجِبَ يُقَدَّرُ لِأَجْلِهِ؛ كَالنَّوَازِلِ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً ثُمَّ سُكِتَ عَنْهَا مَعَ وُجُودِهَا، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَاحْتَاجَ أَهْلُ الشَّرِيعَةِ إِلَى النَّظَرِ فِيهَا وَإِجْرَائِهَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كُلِّيَّاتِهَا، وَمَا أَحْدَثَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَاجِعٌ إِلَى هَذَا الْقِسْمِ؛ كَجَمْعِ الْمُصْحَفِ، وَتَدْوِينِ الْعِلْمِ، وَتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ نَوَازِلِ زَمَانِهِ، وَلَا عَرَضَ لِلْعَمَلِ بِهَا مُوجِبٌ يَقْتَضِيهَا؛ فَهَذَا الْقِسْمُ جَارِيَةٌ فُرُوعُهُ عَلَى أُصُولِهِ الْمُقَرَّرَةِ شَرْعًا بِلَا إِشْكَالٍ؛ فَالْقَصْدُ الشَّرْعِيُّ فِيهَا مَعْرُوفٌ مِنَ الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ.
    وَالثَّانِي:أَن يَسْكُتَ عَنْهُ وَمُوجِبُهُ الْمُقْتَضِي لَهُ قَائِمٌ، فَلَمْ يُقَرَّرْ فِيهِ حُكْمٌ عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ زَائِدٌ عَلَى مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؛ فَهَذَا الضَّرْبُ السُّكُوتُ فِيهِ كَالنَّصِّ عَلَى أَنَّ قَصْدَ الشَّارِعِ أَنْ لَا يُزَادَ فِيهِ وَلَا يُنْقَصَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِشَرْعِ الْحُكْمِ الْعَمَلِيِّ مَوْجُودًا ثُمَّ لَمْ يُشْرَعِ الْحُكْمُ دَلَالَةً4 عَلَيْهِ؛ كَانَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى مَا كَانَ هُنَالِكَ بِدْعَةٌ زَائِدَةٌ، وَمُخَالَفَةٌ لِمَا قَصَدَهُ الشارع؛ إذا فُهِمَ مِنْ قَصْدِهِ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حَدٍّ هُنَالِكَ، لَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلَا النُّقْصَانُ مِنْهُ.
    وَمِثَالُ هَذَا : سُجُودُ الشُّكْرِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ،() وَهُوَ الَّذِي قَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي "الْعُتْبِيَّ ِ" مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ، قَالَ فِيهَا: "وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ يُحِبُّهُ فَيَسْجُدُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرًا. فَقَالَ: لَا يَفْعَلُ، لَيْسَ هَذَا مِمَّا مَضَى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ. قِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فِيمَا يَذْكُرُونَ سَجَدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شُكْرًا لِلَّهِ؛ أَفَسَمِعْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ ذَلِكَ، وَأَنَا أَرَى أَنْ قَدْ كَذَبُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا مِنَ الضَّلَالِ أَنْ يَسْمَعَ الْمَرْءُ الشَّيْءَ فَيَقُولَ: هَذَا شَيْءٌ لَمْ أَسْمَعْ لَهُ خِلَافًا. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّمَا نَسْأَلُكَ لِنَعْلَمَ رَأْيَكَ فَنَرُدَّ ذَلِكَ بِهِ. فَقَالَ: نَأْتِيكَ بِشَيْءٍ آخَرَ أَيْضًا لَمْ تَسْمَعْهُ مِنِّي: قَدْ فُتِحَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ؛ أَفَسَمِعْتَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا؟ إِذَا جَاءَكَ مِثْلُ هَذَا مِمَّا قَدْ كَانَ فِي النَّاسِ وَجَرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ لَا يُسْمَعُ عَنْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ؛ فَعَلَيْكَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الَّذِي قَدْ كَانَ فِيهِمْ؛ فَهَلْ سَمِعْتَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَجَدَ؟ فَهَذَا إِجْمَاعٌ، إِذَا جَاءَكَ أَمْرٌ لَا تَعْرِفُهُ فَدَعْهُ"، هَذَا تَمَامُ الرِّوَايَةِ، وقد احتوت على فَرْضِ سُؤَالٍ وَالْجَوَابِ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ.
    الموافقات (3/156-158)
    ثم نقل عن ابن رشد قوله , : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: "الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مِمَّا شُرِعَ فِي الدِّينِ -يَعْنِي سُجُودَ الشُّكْرِ- لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا؛ إِذْ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا فعله، ولا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اخْتِيَارِ فِعْلِهِ، وَالشَّرَائِعُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ".
    قَالَ: "وَاسْتِدْلَالُ ُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَا الْمُسْلِمُونَ بعده بأن ذلك لو كان لَنُقِلَ صَحِيحٌ؛ إِذْ لَا يَصِحُّ أَنْ تَتَوَفَّرَ دَوَاعِي الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَرْكِ نَقْلِ شَرِيعَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ، وَقَدْ أُمِرُوا بِالتَّبْلِيغِ".
    قَالَ: "وَهَذَا أَصْلٌ مِنَ الْأُصُولِ، وَعَلَيْهِ يَأْتِي إِسْقَاطُ الزَّكَاةِ مِنَ الْخُضَرِ وَالْبُقُولِ، مَعَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا بِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ" لِأَنَّا نَزَّلْنَا تَرْكَ نَقْلِ أَخْذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ مِنْهَا كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ فِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهَا؛ فَكَذَلِكَ نُنَزِّلُ تَرْكَ نَقْلِ السُّجُودِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشُّكْرِ كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ فِي أَنْ لَا سُجُودَ فيها"، ثُمَّ حَكَى خِلَافَ الشَّافِعِيِّ وَالْكَلَامَ عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ تَوْجِيهُ مَالِكٍ لَهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا بِدْعَةٌ، لَا تَوْجِيهُ أَنَّهَا بِدْعَةٌ عَلَى الإطلاق.
    الموافقات (3/161-162)
    قلت : جاء في الحاشية : وليس غرض المؤلف العناية ببيان أن سجود الشكر بدعة، بل الذي يعنيه هو طريقة مالك في بيان بدعيتها .
    أقول : كيف استدل على عدم جواز فعلها بما عرفه ( من عمل الناس ) , وقارن بين هذا الدليل وبين قول الدكتور المالكي !
    وقال الشاطبي : وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ جَرَى بَعْضُهُمْ فِي تَحْرِيمِ نكاح المحلل أنها بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ، مِنْ حَيْثُ وُجِدَ فِي زَمَانِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّرْخِيصِ لِلزَّوْجَيْنِ، بِإِجَازَةِ التَّحْلِيلِ لِيُرَاجِعَا كَمَا كَانَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَشْرَعْ ذَلِكَ مَعَ حِرْصِ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ عَلَى رُجُوعِهَا إِلَيْهِ؛ دَلَّ عَلَى أَنَّ التَّحْلِيلَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ لَهَا وَلَا لِغَيْرِهَا، وَهُوَ أَصْلٌ صَحِيحٌ، إِذَا اعْتُبِرَ وَضَحَ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُوَ مِنَ الْبِدَعِ وَمَا لَيْسَ مِنْهَا، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُجُودَ المعنى المتقضي مَعَ عَدَمِ التَّشْرِيعِ دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ الشَّارِعِ إِلَى عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا قَبْلُ، فَإِذَا زَادَ الزَّائِدُ ظَهَرَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لقصد الشارع؛ فبطل.
    الموافقات (3/163)
    وقد نقل الشيخ علي محفوظ هذه القاعدة أيضا عن فقهاء الأحناف والشافعية كذلك
    نقل عن : الشيخ ملا أحمد رومي الحنفي صاحب (مجالس الأبرار) ما ملخصه: لا تكون البدعة في العبادات البدنية كالصلاة والصوم والذكر والقراءة إلا سيئة ؛ لأن عدم وقوع الفعل في الصدر الأول إما لعدم الحاجة إليه أو لوجود مانع أو لعدم تنبه أو لتكاسل أو لكراهة أو لعدم مشروعيته , والأولان منفيان في العبادات البدنية المحضة لأن الحاجة في التقرب إلى الله تعالى لا تنقطع وبعد ظهور الإسلام لم يكن منها مانع ولا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم عدم التنبه والتكاسل فذاك أسوأ الظن المؤدي إلى الكفر ؛ فلم يبق إلا كونها سيئة غير مشروعة , وكذلك يقال لمن أتى في العبادات البدنية المحضة بصفة لم تكن في زمن الصحابة إذ لو كان وصف العبادة في الفعل المبتدع يقتضي كونها بدعة حسنة لما وجد في العبادات بدعة مكروهة , ولما جعل الفقهاء مثل صلاة الرغائب والجماعة فيها , ومثل أنواع النغمات الواقعة في الخطب وفي الأذان وقراءة القرآن وفي الركوع مثلا والجهر بالذكر أمام الجنازة ونحو ذلك من البدع المنكرة. فمن قال بحسنها قيل له : ما ثبت حسنه بالأدلة الشرعية فهو إما غير بدعة فلا يتناوله ذم الشارع ويبقى عموم حديث كل بدعة ضلالة وحديث كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد على حاله لا تخصيص فيه , وأما بدعة ويكون مخصوصا من هذا العام وخارجا منه ؛ فمن ادعى الخصوص فيما أحدث وأنه خارج من عموم الذم احتاج إلى دليل يصلح للتخصيص من كتاب أو سنة أو إجماع مختص بأهل الاجتهاد .
    الإبداع (45-46)
    وقال العلامة القسطلاني الشافعي في المواهب ما نصه : ولقد صلى- صلى الله عليه وسلم- أكثر من ثلاثين ألف صلاة فلم ينقل عنه أنه قال: نويت أصلى صلاة كذا وكذا، وتركه سنة، كما أن فعله سنة، فليس لنا أن نسوى بين ما فعله وتركه، فنأتي من القول في الموضع الذي تركه بنظير ما أتى به في الموضع الذي فعله .
    المواهب اللدنية (3/196) والإبداع (44)
    ونقل كذلك عن ابن حجر الهيتمي في الفتاوي الحديثية ما حاصله: وَفسّر بَعضهم الْبِدْعَة بِمَا يعم جَمِيع مَا قدمنَا وَغَيره فَقَالَ هِيَ مَا لم يقم دَلِيل شَرْعِي على أَنه وَاجِب أَو مُسْتَحبّ سَوَاء أفعل فِي عَهده - صلى الله عليه وسلم - أَو لم يفعل كإخراج الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب وقتال التّرْك لما كَانَ مَفْعُولا بأَمْره لم يكن بِدعَة , وَإِن لم يفعل فِي عَهده وَكَذَا جمع الْقُرْآن فِي الْمَصَاحِف والاجتماع على قيام شهر رَمَضَان وأمثال ذَلِك مِمَّا ثَبت وُجُوبه أَو اسْتِحْبَابه بِدَلِيل شَرْعِي , وَقَول عمر رَضِي الله عَنهُ فِي التَّرَاوِيح نعمت الْبِدْعَة هِيَ أَرَادَ الْبِدْعَة اللُّغَوِيَّة , وَهُوَ مَا فعل على غير مِثَال كَمَا قَالَ تَعَالَى {قل مَا كنت بدعا من الرُّسُل} وَلَيْسَت بِدعَة شرعا ؛ فَإِن الْبِدْعَة الشَّرْعِيَّة ضَلَالَة كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم - وَمن قسمهَا من الْعلمَاء إِلَى حسن وَغير حسن فَإِنَّمَا قسم الْبِدْعَة اللُّغَوِيَّة , وَمن قَالَ كل بِدعَة ضَلَالَة فَمَعْنَاه الْبِدْعَة الشَّرْعِيَّة؛ أَلا ترى أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان أَنْكَرُوا غير الصَّلَوَات الْخمس كالعيدين وَإِن لم يكن فِيهِ نهي , وكرهوا استلام الرُّكْنَيْنِ الشاميين وَالصَّلَاة عقيب السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة قِيَاسا على الطّواف , وَكَذَا مَا تَركه - صلى الله عليه وسلم - مَعَ قيام الْمُقْتَضى فَيكون تَركه سنة وَفعله بِدعَة مذمومة وَخرج بقولنَا مَعَ قيام الْمُقْتَضى فِي حَيَاته تَركه إِخْرَاج الْيَهُود من جَزِيرَة الْعَرَب وَجمع الْمُصحف وَمَا تَركه لوُجُود الْمَانِع كالاجتماع للتراويح فَإِن الْمُقْتَضى التَّام يدْخل فِيهِ الْمَانِع
    الفتاوى الحديثية (200) و الإبداع (44)
    أقول : لاحظ التعبير بالقاعدة التي أنكرها الدكتور !




    ضابط المقتضى في منع الإحداث في العبادات
    حاول الدكتور الفاضل أن يجعل هذه النقطة دليلا لهدم هذه القاعدة ؛ فكرر السؤال عن ضابط هذا المقتضى , ونقول إليك الجواب المحقق من أحد علماء المالكية الذين تنتسب إليهم :
    قال الشاطبي في الاعتصام : لأَن السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا أَحقَّ بالسَّبْق إِلى فَضْلِهِ؛ لِجَمِيعِ مَا ذُكر فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ، وَلِذَلِكَ قَالَ مالك بن أنس فِيهَا: أَترى النَّاسَ الْيَوْمَ كَانُوا أَرغبَ فِي الْخَيْرِ مِمَّنْ مَضَى؟ وَهُوَ إِشارة إِلى الأَصل الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَن الْمَعْنَى المُقْتَضي للإِحداث ـ وَهُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْخَيْرِ ـ كَانَ أَتمَّ فِي السَّلَفِ الصالح، وهم لم يفعلوه، فدل أَنَّهُ لَا يُفْعَل.
    الاعتصام (2/291)
    المسألة السادسة: هل كان الصحابة يتعبدون الله بما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وهنا نذكر الأدلة التي تدل على أن الصحابة كان يتعبدون بما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم و هذه بعض الأحاديث والآثار التي وقفت عليها :
    عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ».
    البخاري ومسلم
    أقول : تأمل قول عمر الصريح :لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . أليس هذا نصا واضحا صريحا في التعبد بما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يفعله .
    وعنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ فِي هَذَا المَسْجِدِ، قَالَ: جَلَسَ إِلَيَّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِكَ هَذَا، فَقَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ المُسْلِمِينَ»، قُلْتُ: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ، قَالَ: «لِمَ؟»، قُلْتُ: لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاكَ، قَالَ: «هُمَا المَرْءَانِ يُقْتَدَى بِهِمَا» .
    البخاري
    قال ابن حجر : وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِ يِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَذَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ : وَلِمَ ذَاكَ قُلْتُ : لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَأَى مَكَانَهُ وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا أَحْوَجُ مِنْكَ إِلَى الْمَالِ فَلَمْ يحركاه .
    وقال : وَدَارَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ بَيْنَ عُمَرَ أَيْضًا وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ: أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فَيُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ : قَدْ سَبَقَكَ صَاحِبَاكَ فَلَوْ كَانَ فَضْلًا لَفَعَلَاهُ .
    فتح الباري (3/456)
    أقول : وهذه أدلة قاطعة لما كان عليه الصحابة من التعبد بالترك وهم القوم الذين يقتدى بهم .
    عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ قَالَ: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا، قَالَ: وَمَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ: رَأَيْتُكَ لاَ تَمَسُّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلَّا اليَمَانِيَّيْن ِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَّا الأَرْكَانُ: فَإِنِّي لَمْ «أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلَّا اليَمَانِيَّيْن ِ» .. .
    البخاري ومسلم
    أقول : وهذه نصوص من المنطوق وليس المفهوم ؛ لله در السلف ما أعظم اتباعهم .
    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ طَافَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بِالْبَيْتِ، فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ؟ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُمَا » ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا [ص:370]، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقْتَ .
    البخاري
    قال ابن حجر : وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا بِأَنَّا لَمْ نَدَّعِ اسْتِلَامَهُمَا هَجْرًا للبيت وَكَيْفَ يَهْجُرُهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِهِ وَلَكِنَّا نَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا .
    فتح الباري (3/475)
    أقول : وهذا نص صريح من الإمام الشافعي ذكره ابن حجر مقرا له .
    وعن عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَصَلَّيْنَا الْفَرِيضَةَ، فَرَأَى بَعْضَ وَلَدِهِ يَتَطَوَّعُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يُصَلُّوا قَبْلَهَا، وَلَا بَعْدَهَا " قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " وَلَوْ تَطَوَّعْتُ لَأَتْمَمْتُ "
    أحمد في مسنده (8/379)
    عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ عِيدٍ فَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، فَذَكَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ»
    الترمذي(538) وقال : حسن صحيح .
    فعله : أي لم يصل قبلها ولا بعدها .
    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَمَ الْعَبَّاسُ عَلِيًّا فِي أَشْيَاءَ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَصَمَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمَا فَأَبَى وَقَالَ: شَيْئًا تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كُنْتُ لِأُحْدِثَ فِيهِ ."
    رواه أحمد (1/239) وإسناده صحيح .
    وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي وَأَبُو طَلْحَةَ جُلُوسًا فَأَكَلْنَا لَحْمًا وَخُبْزًا ثُمَّ دَعَوْتُ بِوَضُوءٍ فَقَالَا لِمَ تَتَوَضَّأُ فَقُلْتُ لِهَذَا الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْنَا فَقَالَا أَتَتَوَضَّأُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك.
    رَوَاهُ أَحْمد(35/112)
    هذا بعض ما وقفت عليه , ولو تتبعت كتب الحديث زيادة لخرجت بالمئات من الأحاديث والآثار .
    المسألة السابعة : الرد على ما استدلوا به من عمل بعض الصحابة بما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    صلاة التراويح
    قال شيخ الإسلام : وإذا كان كذلك: فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى؛ وقد قال لهم في الليلة الثالثة، أو الرابعة لما اجتمعوا: "إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن تفرض عليكم، فصلوا في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة" . فعلّل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم.
    فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه جمعهم على قارئ واحد، وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد مع الإسراج عملا لم يكونوا يعملونه من قبل؛ فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، ولم يكن بدعة شرعية؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم فانتفى المعارض.
    اقتضاء الصراط المستقيم 02/96-97)
    وقال الشيخ علي محفوظ : قال في شرح المختار : روى أسد بن عمر عن أبي يوسف رحمه الله قال : سألت أبا حنيفة عن التراويح وما فعله عمر فقال : التراويح سنة مؤكدة , ولم يتخرصه عمر من تلقاء نفسه ولم يكن فيه مبتدعا ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولقد سن عمر هذا وجمع الناس على لأبي بن كعب فصلاها جماعة والصحابة متوافرون منهم عثمان وعلي وابن مسعود .. وما رد عليه واحد منهم بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك ..
    الإبداع (83-84)
    جمع القرآن
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهكذا جمع القرآن، فإن المانع من جمعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أن الوحي كان لا يزال ينزل، فيغير الله ما يشاء ويحكم ما يريد، فلو جمع في مصحف واحد لتعسر أو تعذر تغييره كل وقت، فلما استقر القرآن بموته صلى الله عليه وسلم واستقرت الشريعة بموته صلى الله عليه وسلم أمن الناس من زيادة القرآن ونقصه، وأمنوا من زيادة الإيجاب والتحريم، والمقتضي للعمل قائم بسنته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فعمل المسلمون بمقتضى سنته، وذلك العمل من سنته، وإن كان يسمى في اللغة بدعة.
    اقتضاء الصراط المستقيم (2/97-98)
    وقال الشاطبي : وَالْجَوَابُ عَنِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي : أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، لَا مِنْ قَبِيلِ الْبِدْعَةِ الْمُحْدَثَةِ. وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ قَدْ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَهِيَ مِنَ الْأُصُولِ الْفِقْهِيَّةِ الثَّابِتَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَإِنْ كَانَ فيها خلاف بينهم ، ولكن لا يعود ذلك بقدح على ما نحن فيه. أَمَّا جَمْعُ الْمُصْحَفِ، وَقَصْرُ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَهُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، إِذْ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهُا شَافٍ كَافٍ، تَسْهِيلًا عَلَى الْعَرَبِ الْمُخْتَلِفَات ِ اللُّغَاتِ ، فَكَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرَةً ... إلى آخر كلامه .
    الاعتصام (1/316)
    المسألة السابعة : أمثلة مما أنكره الصحابة والتابعون والعلماء مما أحدث من العبادات مع أنه يندرج تحت أصل عام أو مطلق .
    أقول : وهنا سنذكر الأمثلة الكثيرة من أقوال الصحابة التابعين في ذلك وما ورد عن الإمام مالك في ذلك ؛ فهو كان رحمه الله من أكثر الناس اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ورفضه للبدع والمحدثات, ولذلك كان كثيرا ما يرد كثيرا مما أحدثه الناس بقوله : ليس عليه عمل الناس .
    ما جاء عن الصحابة والتابعين
    أقول : من تعظيم الصحابة لمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنهم كانوا ينكرون ما يتم إحداثه من العبادات بعد النبي صلى الله عليه وسلم, وإليك بعض الآثار في ذلك :
    عَنِ الزُّهْرِيَّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكَ فَقَالَ لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ.
    أخرجه البخاري.
    وعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا أَبُو الدَّرْدَاءِ، مُغْضَبًا، فَقَالَتْ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: " وَاللهِ مَا أَعْرِفُ فِيهِمْ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا .
    أخرجه البخاري .
    وروى مالك في " الموطإ " عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: " ما أعرف شيئا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة ".
    قال أبو بكر الطرطوشي : - الناس - يعني: الصحابة , وذلك أنه أنكر أكثر أفعال أهل عصره، ورآها مخالفة لما أدرك من أفعال الصحابة.
    وكذلك أبو الدرداء أنكر ما أدرك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرفه من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الحوادث والبدع (41)
    تأمل معي أيها القارئ الكريم قول أبي بكر الطرطوشي ؛ تأكيدا لإنكار الصحابة والتابعين لما أحدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
    أما الأحاديث والآثار فإليك بعضها ! :
    عن عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ. فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا. قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ. قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ. قَالَ: «أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ»، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: «فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ». قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: «وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ» قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ "، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ .
    سنن الدارمي (1/286) وهو صحيح .
    أقول : تأمل أيها القارئ الكريم إنكار ابن مسعود رضي الله عنه على هؤلاء مع أن فعلهم يندرج تحت أصل عام, ولذلك قال أبو موسى : لم أر إلا خيرا ! في ابتداء الأمر .
    عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَنَا أَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»
    الترمذي (2738) وحسنه شيخنا الألباني رحمه الله .
    أقول : لو كان كل ما اندرج تحت أصل عام أن نص مطلق جاز فعله لما أنكر ابن عمر رضي الله عنه على الرجل فعله .
    عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ , فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ , فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ زَادَ شَيْئًا مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا، فقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، مَنْ هَذَا؟ فقَالُوا: هَذَا الْيَمَانِي الَّذِي يَغْشَاكَ , فَعَرَّفُوهُ إِيَّاهُ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ السَّلاَمَ انْتَهَى إِلَى الْبَرَكَةِ.
    الموطأ (2/959)
    أقول : تأمل قول ابن عباس : إِنَّ السَّلاَمَ انْتَهَى إِلَى الْبَرَكَةِ . لتعلم حرص الصحابة على الاتباع .
    عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْمَدَنِيِّ , قَالَ: " اجْتَمَعَ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ بَعْدَ الْعَصْرِ , فَخَرَجَ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ مِنْ دَارِ آلِ عُمَرَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ , إِنَّ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ , إِنَّا أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَلَا يَصْنَعُونَ مِثْلَ هَذَا , ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَجْلِسْ , ثُمَّ خَرَجَ الثَّانِيَةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا , ثُمَّ رَجَعَ»
    البدع لابن وضاح (93)
    أقول : مع أن الدعاء يندرج تحت أصل عام !
    روى مالك فِي الْمُوَطَّأ عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ عَن ربيعَة بن عبد الله بن الْهُذيْل أَنه رأى رجلا مُجَردا بالعراق فَسَأَلَ عَنهُ النَّاس فَقيل أَنه أَمر بهديه أَن يُقَلّد فَلذَلِك تجرد قَالَ ربيعَة فَلَقِيت : عبد الله بن الزبير فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ بِدعَة وَرب الْكَعْبَة .
    قال أبو شامة : فوصف ذَلِك عبد الله بِأَنَّهُ بِدعَة لما كَانَ موهما أَنه من الدّين لِأَنَّهُ قد ثَبت أَن التجرد مَشْرُوع فِي الْإِحْرَام بنسك الْحَج وَالْعمْرَة ؛ فَإِذا فعل فِي غير ذَلِك أوهم من لَا يعلم من الْعَوام أَنه مَشْرُوع فِي هَذِه الْحَالة الْأُخْرَى لِأَنَّهُ قد ثَبت شرعته فِي صُورَة ؛ فَرُبمَا يقْتَدى بِهِ فيتفاقم الْأَمر فِي انتشار ذَلِك ويعسر الْفِطَام عَنهُ كَمَا قد وَقع فِي غَيره من الْبدع.
    الباعث على إنكار البدع والحوادث (21)
    عن سعيد بن المسيب: أنه راى رجلاً يصلى بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين , يكثر فيها الركوع والسجود , فنهاه , فقال: يا أبا محمد! يعذبنى الله على الصلاة؟ ! قال: لا , ولكن يعذبك على خلاف السنة.
    السنن الكبرى للبيهقي (2/654)
    أقول : الله أكبر ؛ تأمل في قول هذا التابعي , يعذبك على مخالفة السنة , مع أن فعله صلاة , أعظم العبادات !! .
    عَنْ أُسَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: رَأَيْتُ مَكْحُولًا سَلَّمَ عَلَى رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ بِدَابِقٍ وَهُوَ رَاجِلٌ رَاكِبٌ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَجَاءٌ السَّلَامَ كَأَنَّهُ كَرِهَ خِلَافَ السُّنَّةِ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَاشِي عَلَى الرَّاكِبِ .
    مسند الشاميين (3/205)
    أقول : لماذا لم يرد عليه لأنه فعل فعلا يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
    عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , قَالَ: " كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فَأَتَاهُمُ الْحَسَنُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: " يَا أَبَا سَعِيدٍ , مَا تَرَى فِي مَجْلِسِنَا هَذَا؟ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَا يَطْعنَونَ عَلَى أَحَدٍ , نَجْتَمِعُ فِي بَيْتِ هَذَا يَوْمًا , وَفِي بَيْتِ هَذَا يَوْمًا , فَنَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ , وَنَدْعُو رَبَّنَا , وَنُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنَدْعُو لِأَنْفُسِنَا وَلِعَامَةِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ الْحَسَنُ أَشَدَّ النَّهْيِ " .
    البدع لابن وضاح (42)
    أقول : تأمل فعل الحسن البصري الذي خشي من الإحداث في الدين , والبدعة فيه .
    قَالَ سَعِيدُ بْنُ حَسَّانَ: " كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى ابْنِ نَافِعٍ كُتُبَهُ , فَلَمَّا مَرَرْتُ بِحَدِيثِ التَّوْسِعَةِ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ قَالَ لِي: حَوِّقْ عَلَيْهِ , قُلْتُ: وَلِمَ ذَلِكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: خَوْفًا مِنْ أَنْ يُتَّخَذَ سُنَّةً قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: «لَقَدْ كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ أَيَّامَ مَالِكٍ وَدريه , وَبِمِصْرَ أَيَّامَ اللَّيْثِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ , وَأَدْرَكَتْنِي تِلْكَ اللَّيْلَةُ مَعَهُمْ , فَمَا سَمِعْتُ لَهَا عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذِكْرًا , وَلَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ لَأَجْرَوْا مِنْ ذِكْرِهَا مَا أَجْرَوْا مِنْ سَائِرِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ» .
    البدع لابن وضاح (91)
    أقول : هؤلاء أئمتنا وهؤلاء سلفنا ؛ أين هم أصحاب الدواعي العريضة , والأقلام الجريئة التي تؤصل للبدعة , من هذه النقول .
    عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: «لَيْسَتْ عَرَفَةُ إِلَّا بِمَكَّةَ , لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَمْصَارِ عَرَفَةُ»
    البدع لابن وضاح (94)
    أقول : وسفيان من أئمة السلف .
    ما جاء من الأقوال عن الإمام مالك
    وأما ما جاء عن الإمام مالك فهو كثير جدا وهو إمام في اتباع السنة وترك البدعة , وهو من المؤصلين والمقعدين لأهل السنة في ذلك , ويعتبر مرجعا أساسيا في هذه المسألة , والعجب أن الدكتور وليد ينتسب إلى مذهبه , وهو في الحقيقة مخالف له حتى في أصوله , بل ويغلو أحيانا ويتعصب في غير المكان الصحيح ؛ فلمقولة الإمام مالك ( أخذ عن ألف عن ألف ) والتي المراد بها ( ما عليه عمل الناس ) هي أصل من الأصول عنده لرد الأحاديث ولو بلغت حد التواتر كما في حديث رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام , والإخوة الذين حضروا المحاضرات يشهدوا على ذلك , والأمثلة كثيرة !. مع أن من باب أولى رد ما أحدث في الدين .
    روى محمد بن أحمد في " المستخرجة " عن ابن القاسم؛ قال: " سئل مالك عن الذي يقرأ القرآن فيختمه ثم يدعو؟ فقال: ما سمعت أنه يدعى عند ختم القرآن، وما هو من عمل الناس "
    الحوادث والبدع للطرطوشي (65)
    وروى ابن القاسم أيضا؛ قال: " سئل مالك عما يعمل الناس من الدعاء حين يدخلون المسجد وحين يخرجون ووقوفهم عند ذلك؟ فقال: هذا من البدع، وأنكر ذلك إنكارا شديدا ".
    الحولدث والبدع للطرطوشي (66)
    أقول : مع أن الدعاء يندرج تحت أصل عام , ورحم الله الإمام مالك : كيف لو أدرك الصوفية الذين يؤصل لهم دكتورنا الفاضل ما يفعلونه في المساجد من الذكر البدعي والرقص المخزي ! .


    قال ابن وهب: " وسمعت مالكا يسأل عن جلوس الناس في المسجد عشية عرفة بعد العصر، واجتماعهم للدعاء؟ فقال: ليس هذا من أمر الناس، وإنما مفاتيح هذه الأشياء من البدع ".
    وقال مالك في " العتبية ": " وأكره أن يجلس أهل الآفاق يوم عرفة في المساجد للدعاء، ومن اجتمع إليه الناس للدعاء؛ فلينصرف، ومقامه في منزله أحب إلي، فإذا حضرت الصلاة؛ رجع فصلى في المسجد ".
    الحوادث والبدع للطرطوشي (126)
    وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَفُوتُهُ حِزْبُهُ أَوْ يَتْرُكُهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ فَيُصَلِّيَهُ فِيمَا بَيْنَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، قَالَ مَالِكٌ: مَا هُوَ عِنْدِي مِنْ عَمَلِ النَّاسِ .
    المدونة (1/211)
    قال أشهب: وسئل مالك عن قراءة القرآن عند رأس الميت بـ {يس} [يس: 1] . فقال: ما سمعت بهذا، وما هو من عمل الناس؛ قيل له: أفرأيت الإجمار عند رأسه - وهو في الموت يجود بنفسه؟ فقال أيضا: ما سمعت شيئا من هذا، وما هذا من عمل الناس.
    البيان والتحصيل (2/234)
    وقال مالك في " المدونة ": " الأمر في رمضان الصلاة، وليس بالقصص بالدعاء ".
    قال أبو بكر الطرطوشي : فتأملوا - رحمكم الله -، فقد نهى مالك أن يقص أحد في رمضان بالدعاء، وحَكَى أن الأمر المعمول به في المدينة إنما هو الصلاة من غير قصص ولا دعاء.
    الحوادث والبدع (65)
    قال ابن وهب: " وسمعت مالكا يسأل عن جلوس الناس في المسجد عشية عرفة بعد العصر، واجتماعهم للدعاء؟ فقال: ليس هذا من أمر الناس، وإنما مفاتيح هذه الأشياء من البدع ".
    أقول : كم دخلت على هذه الأمة من بدع ومحدثات , لما تركت ما كان عليه والصحابة والتابعون من تمسك واتباع .
    وسئل مالك: هل يقول عند أضحيته: اللهم منك وإليك؟ فقال: " لا، وهذه بدعة ".
    المدونة (1/544) والحوادث والبدع (144)
    قال مالك : " ويكره السجع في الدعاء وغيره، وليس من كلام الماضين ".
    الحوادث والبدع (155)
    حَدثنَا مُوسَى بن مُحَمَّد الزبيرِي ثَنَا الزبير ثَنَا مُحَمَّد بن الضَّحَّاك وَغَيره أَن رجلا جَاءَ الى مَالك بن أنس فَقَالَ: من أَيْن احرم؟ فَقَالَ : من الْمِيقَات الَّذِي وَقت رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَأحرم مِنْهُ فَقَالَ الرجل: فَإِن أَحرمت من أبعد مِنْهُ فَقَالَ مَالك : لَا أرى ذَلِك فَقَالَ: مَا تكره من ذَلِك قَالَ: أكره عَلَيْك الْفِتْنَة قَالَ وَأي فتْنَة فِي ازدياد الْخَيْر؟ فَقَالَ مَالك: فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم} سُورَة النُّور أَيَّة 63 وَأي فتْنَة أكبر من من أَنَّك خصصت بِفضل لم يخْتَص بِهِ رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَفِي رِوَايَة ..ا قَالَ مَالك : وَأي فتْنَة أعظم من أَن ترى أَن اختيارك لنَفسك خير من اخْتِيَار الله وَرَسُوله .
    الباعث على إنكار البدع والحوادث (22)
    والأمثلة والشواهد كثيرة ومن طالع كتب الحديث والآثار وما ألف في السنة والتحذير من البدع أضعاف أضعاف ما ذكرنا , وفيما ذكرناه كفاية للمنصف , وحجة على المخالف , والله نحمده على التوفيق والسداد , ونسأله الهداية لكل العباد .
    تعقيب سريع لمقالة الدكتور وليد الشاويش
    قال الدكتور وليد : كثيرا ما تتردد هذه المقولة اليوم في مساجد المسلمين، وأحيانا يدور نقاش في حلقة مفرغة تؤدي إلى الجدل وعدم الظفر بطائل من ورائها .
    أقول : ما أكثر الدعاوي التي يلقيها الدكتور جزافا بغير دليل , لماذا دائما الضرب على وتر فرض الخلافات في المساجد , ولماذا في كل مقال تقحم ذكر المساجد ؟ أهي دائما المدخل لتهيئة نفسية القارئ ليقبل الدعاوي , وإذا كانت عندك هذا الغيرة على المساجد , أين أنت من المساجد التي يقام فيها الطنطنات والرقصات والهمهمة والتمايل باسم الدين أم هذه سنة حسنة على رأيك ومذهبك ؟
    قال : كما أصبحت هذه المقولة تستخدم دليلا على رد أصول الشريعة الثابتة بالكتاب والسنة بحجة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل ذلك، بالرغم من أن الفعل قد يكون ثابتا بنص عام أو مطلق، أو الأصول الأخرى مثل: المصالح المرسلة، سد الذرائع، البراءة الأصلية..
    أقول : هذا والله من العجب في كلام الدكتور ؛ مع أن العكس هو الصحيح فمن يؤصل لجواز إحداث عبادة في الدين ما دام أنها تندرج تحت أصل عام أو مقيد هو من يهدم الشريعة ويريد أن يفتح بابا للبدعة وتغيير السنة .
    قال : يـُحتج أحيانا بهذه المقولة (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم) بشرط قيام المقتضي للفعل في حياته عليه الصلاة والسلام، مع إمكانه، وانتفاء الموانع التي تحول دون القيام بالفعل .
    أقول : وهذه قاعدة أصيلة وأصل منضبط قرره وأكده علماء من المذاهب الأربعة في القديم والحديث , كما تقدم ,ونقله محققون شهد لهم العلماء بالتحقيق والتدقيق كشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الشاطبي , وأقر ذلك الشيخ على محفوظ – أحد كبار علماء الأزهر – والذي قدم لكتابه جملة من علماء الأزهر في زمانه , وهذا يكفينا كدليل .
    قال : مناقشة ركن المقولة (لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم):
    قال :لماذا عرَّف أهل الحديث السنة بأنها ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو صفه، ولم يجعلوا الترك في التعريف على أنه سنة من سننه -صلى الله عليه وسلم..
    أقول : وهذا من إلقاء الدعاوي جزافا , وقد تقدم الأدلة الكثرة من أقوال العلماء في القديم والحديث , وأعرضنا عن عشرات أقوال المعاصرين حتى لا يقال أنها وليدة العصر .
    قال : ورد في الكتاب العزيز الأمر بالاقتداء بما آتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير، أمرا أو نهيا، ولم يَرِد الترك في قوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، فمن أين جاء الترك حجة من حجج الشرع، خصوصا وأن الترك عدم، ولا حجة في العدم.
    أقول : للرد على ذلك؛ إليك كلام المحققين في ذلك :قال الشنقيطي المالكي صاحب كتاب أضواء البيان : وأما دلالة الكتاب على أن الترك فعل ففي آيات من القرآن العظيم كقوله تعالى: { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون } ، فسمى الله جل وعلا عدم نهى الربانيين والأحبار لهم صنعاً والصنع أرخص مطلقاً من الفعل ؛ فدل على أن ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فعل بدليل تسمية الله له صنعاً.
    وكقوله تعالى:{ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } فسمى عدم تناهيهم عن المنكر فعلا وهو واضح .
    وقال السبكى فى طبقاته: إن قوله تعالى :{ وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً }. يدل على أن الترك فعل، قال لأن الأخذ التناول والمهجور المتروك .
    مذكرة أصول الفقه (45-46)
    قال الدكتور : قالها أبو بكر رضي الله عنه في جمع المصحف ثم جمع المصحف، ولكنه فعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمع المصحف، ولم يستمر الصديق في الاحتجاج بالعدم.
    أقول : وهذا مع أنه دليل لنا , لا يصلح أن يكون شاهدا لما استدل به , وتقدم كلام العلماء في رد ذلك , وثانيا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ .
    قال ابن رجب : وَفِي أَمَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَ أَمْرِهِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ عُمُومًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُتَّبَعَةٌ، كَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ.
    جامع العلوم والحكم (2/121)


    قال الدكتور : إذا كان الذي تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- عَدَما، فكيف نثبت العدم، وما المصادر التي سنعتمد عليها في إثبات العدم، والتي نقلت لنا العدم، مما يعني أن أحد الأركان للمقولة غير موجود، وإحالتنا على العدم هو إحالة على العدم،وهو عَبَث.
    قلت : القول بأنه عدم ؛ بني على أساس أن الترك ليس بسنة ولم يتعبدنا الله به , قال الشنقيطي: اعلم أن لله جل وعلا إنما يكلف بالأفعال الاختيارية وهى باستقراء الشرع أربعة أقسام:.. الثالث: الترك والتحقيق أنه فعل وهو كف النفس وصرفها عن المنهي عنه، خلافاً لمن زعم أن الترك أمر عدمي لا وجود له، والعدم عبارة عن لا شيء والدليل على أن الترك فعل الكتاب والسنة واللغة. ثم ساق الأدلة
    مذكرة أصول الفقه (45-46)
    قلت : وتقدم التدليل على أن الترك سنة من أقوال العلماء المحققين وفعل الصحابة , وما أسهل الدعاوي بدون تحقيق! .
    قال : إذا كان العدم حجة فهذا يعني أن فجوة في التشريع يكملها العدم غير الموجود أصلا، والله تعالى يقول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فليس في تشريعنا الإسلامي عدم يملأه العقل الذي هو “المقتضي للفعل وتركه النبي صلى الله عليه وسلم” ..
    قلت : عجبا من دكتورنا الفاضل , يقعد ويؤصل على لسان الخصم ثم يجيب نفسه بنفسه !.
    أقول : الترك سنة , وأدلتها أكثر من أن تحصر , وتقدم ذكر بعضها وهي كافية للمنصف .
    قال : لماذا لم يضع الأصوليون الترك النبوي أنه من مصادر الشرع، و لم يجعلوه جزءا من السنة، بل اتفقوا مع المحدثين على أن الترك ليس من السنة، لأنه عدم لا يدخل في السنة المنقولة ولا المعقولة، ولم يضعوا الترك أصلا من أصول الشريعة أصلا..
    قلت : دكتورنا الفاضل المالكي دائما يترنم في محاضراته بألفية مراقي السعود , ومن العجب أن صاحب المراقي أشار إلى أن الترك فعل , وسنية الترك مبني عليها بل وذكر أن هذا هو الصحيح في المذهب .
    قال الناظم المالكي في مراقي السعود :
    ولا يكلف بغير الفعل باعث ... الأنبيا ورب الفضل
    فكفنا بالنهى مطلوب النبي ... والكف فعل فى صحيح المذهب
    قال الشارح في نشر البنود : قال أبو عبد الله المقري: قاعدة اختلف المالكية في الترك هل هو فعل أو ليس بفعل والصحيح أن الكف فعل وبه كلفنا في النهي عند المحققين .
    نشر البنود (1/70)
    قلت : أي مذهب ينتسب إليه الدكتور وأي أصول يعتمد عليها , وهذه أصول مذهبه التي جهلها , أقاموا الدنيا ولم يقعدوها في دورات الأوقاف على من يخالف أصول المذاهب الأربعة ! ثم هم أبعد الناس عنها .
    قال : كيف يمكن تطبيق (لم يفعله رسول الله) على ميراث الجد والإخوة، حيث لم ينص شرع على ميراثهم، مع أنه قام المقتضي لإعطائهم وهو حقهم الشرعي، وانتفى المانع وكان الإعطاء ممكنا ، فمقتضى المقولة أن لا يعطى الجد ولا الإخوة من الميراث، وقد وقع الإجماع من الصحابة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على توريثهم...
    قلت : أما قوله أن فيها إجماع فغير مسلم له فقد اختلف الصحابة في ذلك , قال ابن القيم رحمه الله : عن زيد بن ثابت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما : لما استشار في ميراث الجد والإخوة، قال زيد: وكان رأَيي [يومئذٍ أن الإخوة أحق بميراث أخيهم من الجد، وعمر بن الخطاب يرى يومئذٍ أن الجد أولى بميراث ابن ابنه من إخوته، فتحاورتُ أنا وعمر محاروةً شديدةً .. ورَأْيُ الصديق أولى من هذا الرأي وأصح في القياس، لعشرة أوجه .
    إعلام الموقعين (2/376-377)
    وقال ابن حزم لما نقل خلاف الصحابة في ذلك : وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ تُكَذِّبُ قَوْلَ مَنْ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ بِالْإِجْمَاعِ.
    المحلى بالآثار (8/308)
    ثانيا : أن هذه ليست متعلقة ببحثنا لأن حديثنا متعلق بشأن الإحداث في العبادات .
    ثالثا : : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ .
    فما أخذ به الخلفاء الراشدون لا يعد مخالفا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن رجب : وَفِي أَمَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَ أَمْرِهِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ عُمُومًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُتَّبَعَةٌ، كَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ.
    جامع العلوم والحكم (2/121)
    رابعا : دعواك أن فيها إجماعا نسف لقولك من الأساس؛ لأن إجماع الصحابة حجة عند الجميع حتى عند من يقول بقصره على إجماع الصحابة .
    خامسا : أن هذه المسألة تندرج تحت باب المصالح المرسلة , والمصالح المرسلة تختلف عن البدعة من وجوه كما تقدم بيانه .
    قال : ما تاريخ هذه المقولة ومتى نشأت، إذا كان أول الخلفاء والصحابة والتابعون لهم بإحسان من أئمة السلف لم يعملوا بها، فأرجو من العالم بتطبيقات هذه المقولة أن يحيلنا إلى سلفنا الصالح ..
    قلت : وقد فعلت ما طلبت , وأحلتك على ملئ , وهم سلفنا الصالح, و نقلت لك شيئا من تطبيقات السلف – الصحابة والتابعين – وعن الإمام مالك بالذات في تدعيم مقالة ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله وكيف أنهم لم يدعوا محدثة أو بدعة في عصرهم إلا وأنكروها وردوها .
    قال : إن صح تخصيص الشريعة بالترك، فهذا يعني أنها أصبحت قاصرة على وقت النبوة فقط، ومن هنا تتفق هذه الدعوى مع دعوى تاريخية الشريعة التي ينادي بها اللادينيون لتعطيل الشريعة واصطدموا مع عموم النص في الزمان إلى قيام الساعة وحاولوا تخصيصه بالسبب الذي ورد عليه النص..
    قلت : وهذه حيدة من الدكتور الفاضل ومصادرة منه , فمبحثنا واضح وهو ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور المتعلقة بالعبادات , وأما ما يندرج تحت البدع الإضافية كما سماها الإمام الشاطبي أو اللغوية كما أطلق عليها شيخ الإسلام ابن تيمية فالأمر فيها واسع كما قرروا ذلك وتدخل تحتها العاديات والمصالح المرسلة , فلا يصح إيهام القارئ أن هذه القاعدة تجري على النوعين عند الخصم .
    قال الدكتور : شرط قيام المقتضي :
    1-أن يعرِّف المقتضي تعريفا جامعا مانعا.
    2-أن يحدد نوع المقتضي هل هو عقلي أو شرعي أو عادي، فإن كان المقتضي عقليا، فهو من الأحكام العقلية وليس الشرعية..
    3-ما ضوابط المقتضي وشروطه، وذلك حتى لا يتحكم الناس على الشريعة، فعلى فرض صحتها لا بد أن تكون هناك ضوابط يضعها المتبني لهذه المقولة..
    أقول : المسألة ليست بهذا التعقيد والمبالغ فيه , والأمر باختصار :
    القاعدة : أي عبادة نقول : فعلها النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يفعلها , فإن فعلها , فهي السنة المتبعة , وإن لم يفعلها ؛ فإن كان لسبب أو مانع زال بعد حياته واحتاج الناس إلى فعلها , فنعم , وإن لم يفعلها مع توفر الداعي ( المقتضى ) لفعلها , فهي غير سنة .
    ثانيا: نستطيع أن نقابلك بنفس الأسلوب :
    فتح باب الإحداث والتعبد بما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو على إطلاقه ؟
    ما هي الشروط والضوابط لذلك ؟
    وهل هذا الجواز عقلي أم شرعي أم عادي ؟
    وإذا كان عقليا , هل هو بإطلاق أم له حد لذلك ؟
    وهذا العام أو المطلق يكون في كل العبادات حتى ولو كانت على وجه مخصوص وقيد معين كالأذان للصلوات الخمس .
    وهكذا نستطيع أن نسوق ونضع القيود ونفتعل الإشكالات , ونلزم الخصم بنفس الطريقة .
    قال : كيف يثبت المقتضي للعدم، وهو يعني إثبات سبب لغير مسبَّب، والمعروف أن السبب لا يؤدي إلى عدم بل يؤدي إلى وجود..
    أقول : هذا من تكرار الكلام , وقد قدمنا أن العدم بني على قول أن الترك ليس بسنة وكلام المحققين بخلافه كما تقدم .
    قال : إذا ثبت الحكم الشرعي بنص عام أو مطلق وعلى فرض قام المقتضي لفعله -صلى الله عليه وسلم- وإمكانه، فهذا يعني أن فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- شرط لجواز العمل بالنص ..
    أقول : أقول إذا قام المقتضي لفعله ولم يفعله لا هو ولا أصحابه بتتابع السنين وهم أحرص الناس على كل خير , فلا وجه لفعله .
    قال الشاطبي في الاعتصام : لأَن السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا أَحقَّ بالسَّبْق إِلى فَضْلِهِ؛ لِجَمِيعِ مَا ذُكر ..، وَلِذَلِكَ قَالَ مالك بن أنس فِيهَا: أَترى النَّاسَ الْيَوْمَ كَانُوا أَرغبَ فِي الْخَيْرِ مِمَّنْ مَضَى؟ وَهُوَ إِشارة إِلى الأَصل الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَن الْمَعْنَى المُقْتَضي للإِحداث ـ وَهُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْخَيْرِ ـ كَانَ أَتمَّ فِي السَّلَفِ الصالح، وهم لم يفعلوه، فدل أَنَّهُ لَا يُفْعَل.
    الاعتصام (2/291)
    قال : وقد اتفق الأصوليون أن العام والمطلق يعمل بهما ولا يُـنْـتَـظر المخصص ولا المقيد، واشتراط عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع القيود السابقة، يعني رد الكتاب والسنة باشتراط عمل النبي صلى الله عليه وسلم بهما.
    أقول : وهذه دعوى من الدكتور الفاضل , فقد اختلف الأصوليون في هذه المسألة .
    قال الزركشي : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِ يّ فِي كِتَابِهِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ فِي الْحَالِ عِنْدَ سَمَاعِهِ وَالْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ , وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيّ ُ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ: يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ، حَتَّى يَنْظُرَ فِي الْأُصُولِ الَّتِي يَتَعَرَّفُ فِيهَا الْأَدِلَّةَ، فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَخْصِيصِهِ خَصَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ دَلِيلًا يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ اعْتَقَدَ عُمُومَهُ، وَعَمِلَ بِمُوجَبِهِ.
    البحر المحيط (4/47-48)
    بل نقل بعضهم عكس دعوى الدكتور !
    قال الشوكاني : هل يجوز العمل بالعام قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ؟
    نَقَلَ الْغَزَالِيُّ، وَالْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قبل البحث على الْمُخَصِّصِ.
    إرشاد الفحول (1/345)
    قال : من هو الذي يتقي ربه ويستطيع أن يقدر ما هو المقتضي لفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم، ويجعل عقل الإنسان الذي يجب أن يسترشد بالنبوة، يجعل ذلك العقل مبينا للمقتضي للنبوة، وهذا نصب للإنسان فوق منصب النبوة ما دام الإنسان قادرا على تحديد المقتضي لعمل النبي -صلى الله عليه وسلم.
    أقول : من جعل العقل هو المقتضي والميزان الذي توزن به النبوة , هم الأشاعرة – أصحابك - , الذين جعلوا حكم العقل من القواطع الذي يقدم على النص النبوي الذي جعلوه من الظني , وقدموه عليه عند التعارض .
    قول الرازي : نصوص الكتاب والسنة ظنية الدلالة، ولا تفيد اليقين إلا إذا سلمت من عشرة عوارض قال : منها: الإضمار والتخصيص والنقل والاشتراك والمجاز ... إلخ، وسلمت بعد هذا من المعارض العقلي، بل قالوا: من احتمال المعارض العقلي! .
    قال : لقد بين أهل السنة والجماعة عَوَار مقولة المعتزلة أنه يجب الأصلح على الله تعالى، وسقطت هذه الدعوى تحت مطارق السنة، ولكن مع الأسف يبدو أن هذه المقولة السابقة بالشروط السابق ذكرها، هي تسلل للعقل المعتزلي ..
    أقول : نعم بين أهل السنة عوار قول المعتزلة , والتي تفرخ من مذهبهم مذهب الأشاعرة , والذين قالوا : لا يجب على الله شئ , ولا يفعل لغاية وحكمة بل يتصور عندهم إثابة العاصي وعقاب المطيع !
    والقول الحق الوسط في المسألة : هو لأهل الحديث الذين قرروا أنه لا يجب على الله إلا ما أوجبه على نفسه , وأن أفعاله كلها صادرة عن حكمة وغاية , وليس هذا موطن بحث المسألة .
    قال : ماذا يعني أنه قام المقتضي لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يفعل مع إمكان الفعل، وليس ثَمَّة مانع من الفعل غير معنى كتِمان الرسالة، وهنا يكون العقل الضعيف قد وقع في الشَّرَك الثاني بعد أن تجرأ على الرسالة والنبوة، وحدد المقتضي لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم، ثم ارتكب خطيئة أخرى وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل مع إمكان أن يفعل، ولم يكن ثَمَّة مانع يمنع من الفعل.
    أقول : لا مجال للعقل عند أهل السنة في أمر العبادات , فالعقل ليس مشرعا عند أهل السنة وإنما هو مقود بالشرع , وإنما يصدق كلامك في حق من يقدم العقل على النقل كما هو مذهب الأشاعرة .
    وثانيا : وما وجه الكتمان , وهو الذي بين سبب المانع من فعلها إما رحمة بأمته كما في شأن الاجتماع لصلاة التراويح أو لسبب آخر اقتضاه عدم فعله , كما في نقض الكعبة وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة : لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة وجعلت لها بابين ... .
    أو لعدم الحاجة لها في عهده , واحتاج الصحابة لفعلها بعده كما في جمع المصحف وغيرها .
    قال : ولو بحثتَ أخي القاريء عن معنى كتمان الشريعة المستحيل على الرسل –عليهم السلام- لم تجد أفضل من هذه المقولة، وهي:( ما قام المقتضي للفعل...
    أقول : ما وجه الكتمان في هذه القاعدة التي تعتبر من أصول الإسلام وقواعده العظمى في غلق باب الهوى والبدعة والتغيير والجرأة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي أضحت غريبة تزداد غربتها كلما تقارب الزمان .
    عَنِ الزُّهْرِيَّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكَ فَقَالَ لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ.
    أخرجه البخاري.
    وعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا أَبُو الدَّرْدَاءِ، مُغْضَبًا، فَقَالَتْ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: " وَاللهِ مَا أَعْرِفُ فِيهِمْ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا .
    أخرجه البخاري .
    وهذا في عصرهم فما بالك بالعصور المتأخرة .
    قال : بالرغم من أن هذا المعنى مرفوض من كل مسلم، حتى من أولئك المرددين لهذه المقولة التي ظاهرها الرحمة وباطنها من قِـبَـله تعطيل الكتاب، وأن هذا المعنى غير مراد لهم، بل ظاهر الحال السلامة من استلزامات هذه المقولة، إلا أنني أكون سعيدا لمن يزعم أن هذه المقولة لها أصل في الشرع ..
    أقول : وهنا الدكتور نقض مقاله ؛ واعترف أن هذه الإلزامات لا يقول بها من يقول بهذه القاعدة ولا تلزمه , وإنما هي فرضيات لا طائل وراءها إلا التكثر على الخصم بكثرة الكلام .
    وما دمت أنك تسعد بمن يعطيك وجه وأدلة هذه القاعدة , فقد فعلنا ؛ إبراء للذمة ودفاعا عن السنة ونصرة لكلام السلف .
    قال : وربما تكون هذه المقالة فيها مشقة على من سار بهذه المقولة ردحا من الزمن، ولكن أرجو أن يقف ملِيّا أمام هذه الأسئلة، وأن يتحمل مسؤوليته تجاه الشريعة وفقه السلف، بعد أن أصبحت هذه المقولة ذريعة لرد عموم الكتاب والسنة والأصول الشرعية الإجمالية الأخرى ووقف العمل بها ..
    أقول : هذه محاولة يائسة من الدكتور الفاضل ليظهر أن هذه القاعدة وليدة هذه الأيام , يكررها شباب متحمس لا أصل لها عند العلماء , مع أن هذه القاعدة وتفريعاتها جرى ذكرها على ألسنة العلماء والمحققين من لدن القرون المفضلة إلى زماننا هذا , فتخيل كم من هضم وتقليل وإصغار لم ذهب إليه أجلة كبار ومحققون عظام . والله المستعان


    وكتبه / أبو عبدالرحمن عبدالباسط الغريب

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2019
    المشاركات
    11

    افتراضي تعليق على مقال الدكتور وليد الشاويش : الجزء الثالث عودة إلى مقولة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم

    تعليق على مقال الدكتور وليد الشاويش :
    الجزء الثالث عودة إلى مقولة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
    الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم : فهذا تعليق على مقال الدكتور وليد الشاويش , الجزء الثالث : عودة إلى مقولة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم , والدكتور وليد في مقاله هذا يؤصل لعمل المحدثات , ويحاول أن ينقض قاعدة , لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهي قاعدة العمل بالمقتضى والتي قال بها أئمة من المذاهب الأربعة , وإن حاول أن يجعلها من أقوال المتأخرين , وقد حاول الدكتور وليد أن يدلل على جواز إحداث بعض العبادات التي تندرج تحت أصل عام ,بالاستدلال بجواز اتخاذ ورد من القرآن معين يقرؤه الإنسان كل يوم ,- وهو استدلال في غير مكانه , لأن التحزيب ورد عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أو بالمداومة على بعض الأذكار المطلقة وتقيدها بعدد أو زمان , وهذا جواب لما ذكره من استدلال في هذا المقال , وأنا لا أتقصده بالرد , إلا إذا طلب بعض المشايخ أو الإخوة , الجواب على الإشكالات التي يوردها والله نسأله الإخلاص والقبول .
    قال الدكتور وليد الشاويش :
    ذكرت سابقا أمثلة على أصل الحقيقة الشرعية الذي يحمي العبادات من تدخُّل يد العبث والابتداع فيها، وهي ثابتة بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله، ومنضبطة غاية الانضباط، بخلاف مقولة العدم “لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم”...
    أقول وبالله التوفيق والإعانة : مقولة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم , قاعدة أصيلة عند السلف ؛ أهل السنة والجماعة , فهي مبنية على مقدمتين صحيحتين :
    الأولى : كل عبادة قام المقتضى لفعلها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها هو ولا أصحابه , ففعلها ليس من السنة !! .
    وهذه قاعدة قال بها أئمة من المذاهب الأربعة ليس كما يصورها الدكتور وليد أنها من قواعد المتأخرين فقد قال بها :
    الحنابلة وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم .
    الشاطبي : من علماء المالكية .
    ابن حجر الهيتمي من علماء الشافعية
    الشيخ ملا أحمد رومي الحنفي صاحب (مجالس الأبرار) من علماء الحنفية .
    وقد أشار إلى ذلك الشيخ على محفوظ في كتابه الإبداع (44-46) ونقلت نصوصهم في مقالي قبل سنتين : وليد الشاويش إذ يؤصل للبدعة. وسيأتي إيراد نصوصهم أيضا .
    ثانيا : المقدمة الثانية : ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم يفعله هل نحن متعبدون بتركه وعدم فعله ؟ وهذه المقدمة مبنية على الأولى , وقد نقلت عن أكثر من عشرة علماء ومنهم الشافعية والمالكية وغيرهم , أننا متعبدون بما تركه النبي صلى الله عليه وسلم بل كما أننا متعبدون بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فنحن متعبدون بما تركه النبي صلى الله عليه وسلم .
    قال ابن حجر : وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا بِأَنَّا لَمْ نَدَّعِ اسْتِلَامَهُمَا هَجْرًا للبيت وَكَيْفَ يَهْجُرُهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِهِ وَلَكِنَّا نَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا .
    فتح الباري (3/475)
    وقال السمعاني: "إذا ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من الأشياء وجب علينا متابعته فيه .
    قواطع الأدلة (1/311)
    والنصوص في تقرير ذلك بالعشرات , وقد نقلت بعضها في مقالي القديم : وليد الشاويش إذ يؤصل للبدعة .
    ومن علماء المالكية كذلك :
    قال الشنقيطي – وهو من علماء المالكية - : اعلم أن لله جل وعلا إنما يكلف بالأفعال الاختيارية وهى باستقراء الشرع أربعة أقسام:.. الثالث: الترك والتحقيق أنه فعل وهو كف النفس وصرفها عن المنهي عنه، خلافاً لمن زعم أن الترك أمر عدمي لا وجود له، والعدم عبارة عن لا شيء والدليل على أن الترك فعل الكتاب والسنة واللغة. ثم ساق الأدلة
    مذكرة أصول الفقه (45-46)
    وقال صاحب المراقي أشار إلى أن الترك فعل , وسنية الترك مبني عليها بل وذكر أن هذا هو الصحيح في المذهب .
    قال الناظم المالكي في مراقي السعود :
    ولا يكلف بغير الفعل باعث ... الأنبيا ورب الفضل
    فكفنا بالنهى مطلوب النبي ... والكف فعل فى صحيح المذهب
    قال الشارح في نشر البنود : قال أبو عبد الله المقري: قاعدة اختلف المالكية في الترك هل هو فعل أو ليس بفعل والصحيح أن الكف فعل وبه كلفنا في النهي عند المحققين .
    نشر البنود (1/70)
    أقول : من تصور هاتين المقدمتين , سهل عليه التأصيل الفاسد في رد قاعدة: لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم , وعلم أن قواعد السلف منضبطة في تحرير البدعة وضابطها , فليس الأمر من محدثات العصر , حتى يأتي من الخلوف من يريد أن ينقضها أو يؤصل لها من جديد .


    قال الدكتور وليد الشاويش :
    أما اليوم فسأعرض أمرا حدثت ويحدث بسببه جدل في مساجدنا، وهو: ماذا لو حدد مسلم لنفسه وِردا من القرآن الكريم يراجعه كل يوم، جزءا أو جزأين أو غير ذلك، وأقدِّم مثالا على الأمر المطلق عن القيد، وكيف يمكن فهمه في ضوء أصول أهل السنة والجماعة، الذين ألزمهم الله كلمة التقوى، وكانوا أحق بها وأهلها.
    أقول : لا أعلم أن جدلا يحدث في مساجدنا ,- ونحن ألصق وأقرب إليها بحكم الوظيفة - , في مسألة من اتخذ وردا لنفسه من القرآن يقرؤه كل يوم , بل هي من افتراضات الدكتور الفاضل , أو من تهويلاته التي يحاول أن يلزم بها المخالف له في فهمه .


    قال الدكتور وليد الشاويش :
    أولا: ما معنى الأمر المطلق:
    1-إذا قلتَ لأحدهم اشرب ماء، فهذا يعني أنه يتحقق الامتثال للأمر بشرب جرعة واحدة، أو جرعتين، أو كأسا أو كأسين،فيكون المأمور عندئذ قد امتثل الأمر شرب قليلا أم كثيرا، وكذلك لو قلت له كل، فأكل لقمة أو لقمتين أو ثلاثة، فإنه يكون قد أتى بالمأمور به على الوجه المطلوب.
    2-ومثال آخر، لو أن والدا أمر أبناءه بأن يحضروا لها كتابا،فبادر الأبناء إلى أمر أبيهم، فجاء ولد بكتاب فقه، والثاني بكتاب تفسير، والثالث: بكتاب أدب ولغة، فكلُّ ولد من الأولاد الثلاثة مطيع ومبادر إلى إجابة أبيه وممتثل لأمره، وعليه؛ فإن الأمر بالشرب والأكل والإتيان بالكتاب في الأمثلة السابقة، يتحقق بأي فرد من أفراده غير المحدودين، وهذا يعني أن الأمر المطلق يتنوع تحققه في الواقع، ولا يقتصر على شربة أو شربتين ولا لقمة ولا لقمتين، ولا كتاب فقه أو تفسير، وكل من الممتثلين للأمر في الأوامر السابقة مطيعون بالرغم من اختلافهم عن بعضهم في تطبيق الأمر الموجه إليهم.
    أقول : جميل هذا التمثيل , ولكن لا بد من التنويه حتى لا يفهم غير المراد , أن العبادات لا تقاس على العاديات , فمبنى العبادات على التوقيف , ثم إن نقطة الخلاف الافتراضية , فيما لو فهم من هذا الأمر المطلق , أمر مقيد في زمن معين ووقت معين ومكان معين وعدد معين يتخذه عادة وسنة , بل , ويتهم مخالفه بقصور الفهم وربما الإثم ! .


    قال الدكتور وليد الشاويش :
    ثانيا: مثال الأوامر الشرعية المطلقة:
    1- أمرنا الله تعالى بتلاوة القرآن الكريم، فقال تعالى: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ) سورة النمل، والأمر بتلاوة القرآن ثابت بالنص الشرعي، دون تحديد قدْر معين، بل كل امريء له أن ينتخِب من الذكر المطلق قرآنا أواستغفارا أو تسبيحا وِردا يوميا له، وبما أن الأمر مطلق، فإن المطلق يتحقق بأي فرد من أفراده، لأن الشرع لم يـَحُدّ له حدًّا، بل جعله مطلقا، وأكمل الله تعالى لنا الدين، فلا يجوز لأحد أن يقيد ما أطلقه الشرع إلا بدليل من الشرع نفسه.
    2-ومثال آخر على المطلق أمْر الشرع بالاستغفار والتسبيح وسائر الأذكار المطلقة فهذه جميعا لم يحد لها الشرع حدا بل أطلقها عن العد والحد، وندب للإكثار منها، فمن استغفر في اليوم مائة مرة فحسن، ومائتين فأحسن، وإن زاد فـنِـعِـمّـا ما هي، وكلما زاد كان أحسن، وينتخب المسلم من هذه الأذكار ما كان أصلح له عددا ووقتا ونوعا، بناء على أن الشرع أطلق في ذلك للمسارعين والمتنافسين على طريق السنة.
    أقول : وهذا الترتيب , لا يخالف به , وتأمل , وضع, تحت كلمة المطلق , خطا ! . لأن القاعدة الشرعية عند السلف في مطلق الأذكار والدعاء , هو على إطلاقها , لأن الشارع هو الذي ندب لهذا العمل والزيادة فيها , ولم يحدها بحد ! .
    فمثلا قال عليه الصلاة والسلام في الذكر المطلق : عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:"مَن قال دُبُرَ صلاةِ الغَداةِ: (لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قدير -مئةَ مرة-)، قَبل أنْ يَثنيَ رجليه؛ كان يومئذ من أفضل أهلِ الأرضِ عملاً، إلا مَن قال مثلَ ما قال، أو زاد على ما قال".
    رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيد.
    مثال آخر: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قال حين يُصبحُ وحين يُمسي: (سبحانَ الله وبحمده) مئة مرة، لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضلَ مما جاء به، إلاَّ أحدٌ قال مثلَ ما قال، أو زاد عليه".
    رواه مسلم -واللفظ له- والترمذي والنسائي. وأبو داود
    فتأمل : أن الذي أذن بهذا الإطلاق وهذه الزيادة هو المشرع ! .


    ثانيا : قيد العلماء ذلك بالمطلق لأن الذكر المخصوص , نص العلماء على عدم جواز الزيادة عليه .
    قال ابن حجر : وَاسْتُنْبِطَ مِنْ هَذَا أَنَّ مُرَاعَاة الْعَدَد الْمَخْصُوص فِي الْأَذْكَار مُعْتَبَرَة وَإِلَّا لَكَانَ يُمْكِن أَنْ يُقَال لَهُمْ : أَضِيفُوا لَهَا التَّهْلِيل ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ .
    فتح الباري (2/330)
    و قَال الْقَرَافِيّ فِي الْقَوَاعِد : مِنْ الْبِدَع الْمَكْرُوهَة الزِّيَادَة فِي الْمَنْدُوبَات الْمَحْدُودَة شَرْعًا ، لِأَنَّ شَأْن الْعُظَمَاء إِذَا حَدُّوا شَيْئًا أَنْ يُوقَف عِنْده وَيُعَدّ الْخَارِج عَنْهُ مُسِيئًا لِلْأَدَبِ .
    فتح الباري (2/330)


    قال الدكتور وليد الشاويش :
    ثالثا: ماذا يترتب على الأمر المطلق؟
    هذا يعني أن المسلم إذا اختار جزءا يتلوه يوميا أنه قد أتى بأحد أفراد المطلق، ومن اتخذ وردا من القرآن قدْر جزأين قد أتى بأحد أفراد المطلق المأمور به شرعا، وكلهم آت بأحد أفراد المطلق وكلهم مستمسك بكلام ربه ومتشبث بكلام نبيه، وكلهم في طاعة ورضا الله تعالى، وبما أن هذا الأمر سنة في يومه، ولو التزمه شهرا أو سنة، يكون قد التزم الأمر الشرعي وهو متبع ما دام أنه يأتي بأحد أفراد المطلق، ولو داوم على هذه الطاعة فهو مستمسك بالسنة مدوام عليها، وهو أمر طلبه الشارع، وحث عليه ففي الحديث الصحيح عند مسلم عن سعد بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت:قال رسول الله: ” أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل “، فثبت بذلك أن من التزم ذكرا من الأذكار المطلق كتلاوة القرآن الكريم، أو التسبيح، أو التهليل التي لم يحد لها الشارع حدا، فإنه أتى بالسنة ابتداء، فإن داوم عليها والتزمها، فيكون قد أتى بسنة أخرى وهي المداومة على الصالحات، كما هو ثابت في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
    أقول : وهذا تأصيل ليس في مكانه , بل هذه نقطة الخلاف ! .
    فإن من اتخذ من الذكر المطلق,- دون مسألة الورد القرآني كما سيأتي - وردا مقيدا , قيده في زمان أو مكان أو عدد , واتخذه سنة , يكررها ويواظب عليها , فهذا الذي أنكره العلماء .
    قال الشاطبي – وهو من علماء المالكية كما لا يخفى - : ومن البدع الإضافية التي تقرب من الحقيقة أن يكون أصل العبادة مشروعاً إلا أنها تخرج عن أصل شرعيتها بغير دليل ، توهما بأنها باقية على أصلها تحت مقتضى الدليل ، وذلك بأن يقيد إطلاقها بالرأي ، أو يطلق تقييدها ، وبالجملة فتخرج عن حدها الذي حد لها ،- وذكر أمثلة لذلك - : كتخصيص الجمعة أو الأربعاء أو السابع أو الثامن في الشهر بالصيام ، وكتخصيص الأيام الفاضلة بأنواع العبادات التي لم تشرع لها تخصيصا ، كتخصيص اليوم الفولاني بكذا وكذا من الركعات ، أو بصدقة كذا وكذا .
    الاعتصام (2/309)
    وقال الشاطبي أيضا : فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة ، تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ...
    ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة ، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا ، وما أشبه ذلك .
    ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة ، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة ، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان ، وقيام ليلته " .
    الاعتصام (1/47-51)
    فتأمل قوله : ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة ! .
    ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة ! .
    مع أن هذه التي ذكرها تندرج تحت عبادات مطلقة أو عامة .


    أقول : فالأمر فيه مخالفة من وجهين :
    تحديد هذا المطلق بزمان أو مكان أو عدد معين يكرره كل يوم
    دعوة الناس إلى فعله واتخاذه سنة وعادة .
    وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
    " الأصل في الأذكار والعبادات التوقيف وألا يعبد الله إلا بما شرع، وكذلك إطلاقها أو توقيتها وبيان كيفياتها ، وتحديد عددها فيما شرعه الله من الأذكار والأدعية ، وسائر العبادات ، مطلقا عن التقييد بوقت أو عدد أو مكان أو كيفية، لا يجوز لنا أن نلتزم فيه بكيفية أو وقت أو عدد، بل نعبده به مطلقا كما ورد.انتهى


    قال الدكتور وليد الشاويش :
    رابعا: متى تقع البدعة في الأمر المطلق؟
    بما أن البدعة هي طريقة في الدين مخترعة ويقصد بها صاحبها زيادة التقرب إلى الله، فإن القصد له مدخل كبير في البدعة، فمن اعتقد أن قراءة جزء من القرآن يوميا هو سنة بخصوصه، فهذا يعني أنه قيد المطلق الذي أطلقه الشرع، وتصبح الزيادة على الجزء في نظر المبتدع غلوّا في الدين، مما يعني أنه أحدث في الشرع ما ليس منه، أما لو سئل الثاني المتبع للسنة الذي جعل ورده جزءا من القرآن لِـم فعلت ذلك؟ فيقول: هذا ما يسمح به وقتي وعملي، ولا أعتقد أن هذا الالتزام سنة بعينه، فعندئذ يكون متبعا للسنة، وآتيا بأحد أفراد المطلق، لأنه لم يقيد ما أطلقه الشرع كما فعل الأول المبتدع، ولا يكون الثاني محدِثا في الدين بل هو متبع وعلى خير وسنة، لأنه يأتي بأحد أفراد المطلق، مثل الأبناء المطيعين والآكلين والشاربين الذين مر ذكرهم.
    أقول : وهذا القيد صحيح , ولا يخالفه علماؤنا , وفيه إلزام للدكتور في المسألة الأخرى , فإن قوله : إن هذا الفعل سنة , هو في الحقيقة مؤدى تكرار تقييد هذا الفعل بزمان أو مكان أو عدد معين , لأن هذا من معاني أن الشئ سنة , أن يكرر ويقيد بزمان أو مكان أو عدد , فلا فرق بينهما .
    قال شيخ الإسلام : وأصل هذا: أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات، حتى تصير سننا ومواسم، قد شرع الله منها ما فيه كفاية العباد، فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد، كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه. ....
    فكما أن تطوع الصلاة فرادى وجماعة مشروع، من غير أن يتخذ جماعة عامة متكررة، تشبه المشروع من الجمعة، والعيدين والصلوات الخمس، فكذلك تطوع القراءة والذكر والدعاء، جماعة وفرادى، وتطوع قصد بعض المشاهد، ونحو ذلك، كله من نوع واحد، يفرق بين الكثير الظاهر منه، والقليل الخفي، والمعتاد وغير المعتاد .
    اقتضاء الصراط (2/144)


    قال الدكتور وليد الشاويش :
    خامسا: ماذا لو جئنا إلى مقولة لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟
    على افتراض تطبيق هذه المقولة على أنها مصدر أو منهج في فهم السنة، فسيترتب على القول بها ما يأتي:
    1-يصبح التزام ورد يومي من تلاوة القرآن ممنوعا شرعا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتقيد بجزء أو جزأين أو ثلاثة أو عشرة، ثم بناء على هذه المقولة تتحول السنة التي أحد أفراد الأمر الشرعي المطلق، إلى بدعة مذمومة، وانقلبت الطاعة إلى معصية، ويصبح النهي عن السنة طاعة، ورُدَّت بهذه المقولة الأحكام الثابتة بالعموم والمطلق، وأصول الاستدلال الشرعية.


    أقول :لم يقل أحد أن هذه القاعدة مصدر تشريع .. فهذه مصادرة على الموضوع بل هي قاعدة شرعية , قال بها السلف ليضبطوا البدعة
    ثانيا : لا يصح الاستدلال بمسألة الورد اليومي , على مسألة مطلق الأذكار , لأن النبي صلى الله عليه وسلم , ندب إلى قراءة القرآن بإطلاق ,كما في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص , وهذا لا اختلاف فيه مع الدكتور .
    ثانيا : مسألة تحزيب القرآن , وهي اتخاذ وردا من القرآن معينا له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن فعل الصحابة , فلا يصح التمثيل به , لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن بذلك وفعله الصحابة .
    ورد في السنة استعمال هذه المصطلحات : الحزب , والورد وما شابه ذلك .
    في قوله-صلى الله عليه وسلم- : من نام عن حزبه .
    مسلم في صحيحه (747)
    وقوله: إنه طرأ على حزبي من القرآن .
    ابن ماجه (1345)
    وقـد بـوب غـيـر واحد من الأئمة بتحزيب القرآن كمالك في الموطأ وأبو داود في سننه .
    ورد في كلامه-صلى الله عليه وسلم-:قرأت جزءاً من القرآن
    أبو داود في سننه (1392)
    واستعمل لفظ الوِرد ، كما في حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ وِرْدِهِ - أَوْ قَالَ: مِنْ حِزْبِهِ - مِنَ اللَّيْلِ ... أحمد في مسنده (1/344) وأصل الحديث في مسلم (747)


    التحزيب ورد عن الصحابة .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال أوس بن حذيفة ‏:‏سألت أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ كيف تحزبون القرآن‏؟‏ قالوا‏:‏ ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشره، وثلاث عشرة، وحزب المفصل واحد‏‏.‏ رواه أبو داود وهذا لفظه وأحمد وابن ماجه، وفي رواية للإمام أحمد قالوا‏:‏ نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل من ‏(‏ق‏)‏ حتى يختم‏.‏
    ورواه الطبراني في معجمه‏:‏ فسألنا أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ كيف كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يحزب القرآن‏؟‏ فقالوا‏:‏ كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يحزبه ثلاثًا، وخمسًا، فذكره‏‏‏.‏
    مجموع الفتاوى (13/408)
    ونقل صالح بن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن الإمام أحمد جواز ذلك , فقد جاء في بعض مسائله ما نصه: سألت أبي عن رجل عنده مصحف جامع يريد أن ينقضه فيجعله أثلاثاً ليكون أخف عليه، فإيش ترى في ذلك؟ قال: لا أعلم به بأساً .
    مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح (246)


    أقول : من هذه الأدلة والأقوال , علم أنه لا يقاس تحزيب القرآن , الذي له أصل في السنة وعن الصحابة على غيرها من الأذكار المطلقة في تقييدها .


    قال الدكتور وليد الشاويش :
    2-إذا توهم أحدهم أن هذا الالتزام للورد اليومي من القرآن الكريم، أو التزام ألف تسبيحة مثلا، أو خمس مائة استغفار يوميا، هو بدعة لم يفعله رسو الله -صلى الله عليه وسلم، فإن المداومة تتحول من مداومة على طاعة إلى مدوامة على بدعة، وهي بالتالي بدعة على بدعة.
    أقول : نعم قد نص العلماء على أن من ضوابط البدعة , تكرارها والمداومة عليها بعدد معين أو زمان أو مكان .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع أو الشهور أو الأعوام، غير الاجتماعات المشروعة، فإن ذلك يضاهي الاجتماع للصلوات الخمس، وللجمعة، وللعيدين وللحج. وذلك هو المبتدع المحدث.
    ففرق بين ما يتخذ سنة وعادة، فإن ذلك يضاهي المشروع. وهذا الفرق هو المنصوص عن الإمام أحمد، وغيره من الأئمة. فروى أبو بكر الخلال، في كتاب الأدب، عن إسحاق بن منصور الكوسج، أنه قال لأبي عبد الله: تكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم؟ قال: "ما أكرهه للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد إلا أن يكثروا" .
    قال إسحاق بن راهويه كما قال , وإنما معنى أن لا يكثروا: أن لا يتخذوها عادة حتى يكثروا .
    اقتضاء الصراط المستقيم (2/140-141)
    طبعا دون مسألة تحزيب القرآن كما قدمنا .
    قال الدكتور وليد الشاويش :
    3-وعليه؛ بعد تحويل السنة المندرجة تحت أمر مطلق إلى بدعة، وزيدت عليها بدعة المداومة على البدعة، مما يعني أن المتبع للسنة أصبح مبتدعا ومصِرًّا على بدعته المذمومة شرعا، ويترتب على ذلك تفسيق أهل الذكر والطاعة، وكان الأحق بالذم شرعا هو مَن يرد السنة النبوية المأمور بها شرعا بالنصوص الثابتة، أما مقولة البشر–لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم – أصبحت بديلا للسنة، ترد بها السنة، وهي مقولة اجتثت من فوق الأرض ما لها قرار في أصول الاستدلال، بل هي مِعوَل تهدم به السنن وتُـحوَّل إلى بدع، وردت بذلك أوامر الله تعالى وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم.
    أقول : وهذا خلط , وكلام إنشائي لا يعول عليه , وما ذكره على سبيل السخرية , هي قواعد نص عليها أئمة كبار كشيخ الإسلام ابن تيمية والشاطبي وغيرهما .
    والسنة لا تسمى سنة , إلا بورودها بالنص الشرعي , وإنشاء عبادة لم يأت بها الشرع , تحت مسمى الاندراج تحت أصل عام , أصل وقوع البدع والمحدثات في دين الإسلام .
    قال العلامة الشيخ علي محفوظ : وعلمت أن التمسك بالعمومات مع الغفلة عن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم وتركه ؛ هو اتباع المتشابه الذي نهى الله عنه , ولو عولنا على العمومات وصرفنا النظر عن البيان, لانفتح باب كبير من أبواب البدعة لا يمكن سده ,ولا يقف الاختراع في الدين عند حد .
    الإبداع في مضار الابتداع (47)
    ثانيا : قوله : أما مقولة البشر–لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم – أصبحت بديلا للسنة، ترد بها السنة .. انتهى
    أقول : ومتى كانت السنة لها اعتبار أمام قواعد أئمتكم وأصولهم كما تنادون بذلك ليل ونهار ولا تخجلون من تقديمكم القواعد البشرية !! على كلام خير البرية , والأمثلة تملأ الجعبة , من دورات الأوقاف فقط !.
    قال الدكتور وليد الشاويش :
    وربما يقول أحدهم ليست بدعة لأن المقتضي للفعل غير موجود، وهو شرط لوصف العمل بأنه بدعة، وهنا ندخل في كلمة المقتضي التي ما زلت أنتظر تعريفها وتعيين المقتضي هل هو عقلي أم شرعي، فإن كان عقليا فإن العبادات لا تثبت بهذه العقول، وليس العقل مصدرا من مصادر الأحكام الشرعية، بل هو ناظر في أدلة الشرع وكاشف عن الأحكام فيها، وإن كان المقتضي شرعيا فلا بد أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بينه فإن بينه فإنها يكون مما بينه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يصح أن يدخل في الترك، بل هو إما سنة قولية أو فعلية أو تقريرية، هو البيان الشافي الوافي والمحجة البيضاء فكيف يقال عما بينه قولا فعلا أنه قد قام المتقضي على تركه وتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إمكان الفعل وعدم المانع؟!
    أقول : الحمد لله تحدثنا في بداية الرد على المقدمتين : العمل بالمقتضى وسنية الترك , فلا نكرره .
    ثانيا : قوله : وهنا ندخل في كلمة المقتضي التي ما زلت أنتظر تعريفها وتعيين المقتضي هل هو عقلي أم شرعي ..انتهى
    أقول : عجيب أن يصدر هذا الكلام , من دكتور ينتسب إلى أحد المذاهب وينادي بالرجوع إلى قواعد المذاهب , وهذه القاعدة قال بها أئمة من المذاهب الأربعة .
    وأنا أحيلك على ملئ في هذه المسألة : قاعدة العمل بالمقتضي , فارجع إلى كتاب الإبداع (44-46) للشيخ على محفوظ
    ثالثا : قطعا أن دليل قاعدة العمل بما قام به المقتضى وسنية التعبد بما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وتركه , شرعيا وليس عقليا .


    قال الدكتور وليد الشاويش :
    سادسا: المداومة على السنة ليست بدعة:
    من الواضح أن من التزم ذكرا من الأذكار المطلقة التي دعا إليها الشرع كالأمثلة السابقة، آخذ بكلام ربه وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم، فقد يقول قائل: إن هذا الالتزام الدائم بالورد هو البدعة وليس العمل نفسه بدعة، وأن على الذاكر أن يفعل ويترك حتى لا تكون سنة متبعة وتصبح بدعة، وهذا -مع الأسف- يعني أنّ على الذاكر أن يذكر الله تعالى ويترك السنة، حتى لا يقع في البدعة!! وهذا منتهى التلبيس على المسلم بسبب تلك المقولة : لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وسوَّلت لهم أنفسهم بهذه المقولة ترك السنة حتى لا يقعوا في البدعة، وهذا من عجائب الخلَف في هَجْر السنة خوفا من البدعة، ولو أنهم استمسكوا بالسلف ومنهجهم، ما وقعوا في حمأة هجر السنة خَوْفَ البدعة.
    أقول : وما أسهل إلقاء الدعاوي , وإليك أقوال بعض أصحاب المذاهب في مسألة : لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم وقيام المقتضى لفعله :
    قال الشاطبي وهو مالكي المذهب !! :
    وَالْجِهَةُ الرَّابِعَةُ: مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ مَقْصِدُ الشَّارِعِ: السُّكُوتُ عَنْ شَرْعِ التَّسَبُّبِ، أَوْ عَنْ شَرْعِيَّةِ الْعَمَلِ مَعَ قِيَامِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لَهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ سكوت الشارع عن الحكم على ضربين:
    أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا دَاعِيَةَ لَهُ تَقْتَضِيهِ، وَلَا مُوجِبَ يُقَدَّرُ لِأَجْلِهِ؛ كَالنَّوَازِلِ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً ثُمَّ سُكِتَ عَنْهَا مَعَ وُجُودِهَا، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَاحْتَاجَ أَهْلُ الشَّرِيعَةِ إِلَى النَّظَرِ فِيهَا وَإِجْرَائِهَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كُلِّيَّاتِهَا، وَمَا أَحْدَثَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَاجِعٌ إِلَى هَذَا الْقِسْمِ؛ كَجَمْعِ الْمُصْحَفِ، وَتَدْوِينِ الْعِلْمِ، وَتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ نَوَازِلِ زَمَانِهِ، وَلَا عَرَضَ لِلْعَمَلِ بِهَا مُوجِبٌ يَقْتَضِيهَا؛ فَهَذَا الْقِسْمُ جَارِيَةٌ فُرُوعُهُ عَلَى أُصُولِهِ الْمُقَرَّرَةِ شَرْعًا بِلَا إِشْكَالٍ؛ فَالْقَصْدُ الشَّرْعِيُّ فِيهَا مَعْرُوفٌ مِنَ الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ.
    وَالثَّانِي:أَن يَسْكُتَ عَنْهُ وَمُوجِبُهُ الْمُقْتَضِي لَهُ قَائِمٌ، فَلَمْ يُقَرَّرْ فِيهِ حُكْمٌ عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ زَائِدٌ عَلَى مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؛ فَهَذَا الضَّرْبُ السُّكُوتُ فِيهِ كَالنَّصِّ عَلَى أَنَّ قَصْدَ الشَّارِعِ أَنْ لَا يُزَادَ فِيهِ وَلَا يُنْقَصَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِشَرْعِ الْحُكْمِ الْعَمَلِيِّ مَوْجُودًا ثُمَّ لَمْ يُشْرَعِ الْحُكْمُ دَلَالَةً4 عَلَيْهِ؛ كَانَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى مَا كَانَ هُنَالِكَ بِدْعَةٌ زَائِدَةٌ، وَمُخَالَفَةٌ لِمَا قَصَدَهُ الشارع؛ إذا فُهِمَ مِنْ قَصْدِهِ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حَدٍّ هُنَالِكَ، لَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلَا النُّقْصَانُ مِنْهُ.
    وَمِثَالُ هَذَا : سُجُودُ الشُّكْرِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ،() وَهُوَ الَّذِي قَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي "الْعُتْبِيَّ ِ" مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ، قَالَ فِيهَا: "وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ يُحِبُّهُ فَيَسْجُدُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرًا. فَقَالَ: لَا يَفْعَلُ، لَيْسَ هَذَا مِمَّا مَضَى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ. قِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فِيمَا يَذْكُرُونَ سَجَدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شُكْرًا لِلَّهِ؛ أَفَسَمِعْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ ذَلِكَ، وَأَنَا أَرَى أَنْ قَدْ كَذَبُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا مِنَ الضَّلَالِ أَنْ يَسْمَعَ الْمَرْءُ الشَّيْءَ فَيَقُولَ: هَذَا شَيْءٌ لَمْ أَسْمَعْ لَهُ خِلَافًا. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّمَا نَسْأَلُكَ لِنَعْلَمَ رَأْيَكَ فَنَرُدَّ ذَلِكَ بِهِ. فَقَالَ: نَأْتِيكَ بِشَيْءٍ آخَرَ أَيْضًا لَمْ تَسْمَعْهُ مِنِّي: قَدْ فُتِحَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ؛ أَفَسَمِعْتَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا؟ إِذَا جَاءَكَ مِثْلُ هَذَا مِمَّا قَدْ كَانَ فِي النَّاسِ وَجَرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ لَا يُسْمَعُ عَنْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ؛ فَعَلَيْكَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الَّذِي قَدْ كَانَ فِيهِمْ؛ فَهَلْ سَمِعْتَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَجَدَ؟ فَهَذَا إِجْمَاعٌ، إِذَا جَاءَكَ أَمْرٌ لَا تَعْرِفُهُ فَدَعْهُ"، هَذَا تَمَامُ الرِّوَايَةِ، وقد احتوت على فَرْضِ سُؤَالٍ وَالْجَوَابِ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ.
    الموافقات (3/156-158)
    فهذا كلام إمام من أئمة المالكية في مسألة قيام المقتضي , التي ينتسب الدكتور وليد لمذهبه !! .
    فأي علم مدعى ؟!
    وقال الشيخ ملا أحمد رومي الحنفي صاحب (مجالس الأبرار) ما ملخصه: لا تكون البدعة في العبادات البدنية كالصلاة والصوم والذكر والقراءة إلا سيئة ؛ لأن عدم وقوع الفعل في الصدر الأول إما لعدم الحاجة إليه أو لوجود مانع أو لعدم تنبه أو لتكاسل أو لكراهة أو لعدم مشروعيته , والأولان منفيان في العبادات البدنية المحضة لأن الحاجة في التقرب إلى الله تعالى لا تنقطع وبعد ظهور الإسلام لم يكن منها مانع ولا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم عدم التنبه والتكاسل فذاك أسوأ الظن المؤدي إلى الكفر ؛ فلم يبق إلا كونها سيئة غير مشروعة , وكذلك يقال لمن أتى في العبادات البدنية المحضة بصفة لم تكن في زمن الصحابة إذ لو كان وصف العبادة في الفعل المبتدع يقتضي كونها بدعة حسنة لما وجد في العبادات بدعة مكروهة , ولما جعل الفقهاء مثل صلاة الرغائب والجماعة فيها , ومثل أنواع النغمات الواقعة في الخطب وفي الأذان وقراءة القرآن وفي الركوع مثلا والجهر بالذكر أمام الجنازة ونحو ذلك من البدع المنكرة. فمن قال بحسنها قيل له : ما ثبت حسنه بالأدلة الشرعية فهو إما غير بدعة فلا يتناوله ذم الشارع ويبقى عموم حديث كل بدعة ضلالة وحديث كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد على حاله لا تخصيص فيه , وأما بدعة ويكون مخصوصا من هذا العام وخارجا منه ؛ فمن ادعى الخصوص فيما أحدث وأنه خارج من عموم الذم احتاج إلى دليل يصلح للتخصيص من كتاب أو سنة أو إجماع مختص بأهل الاجتهاد .
    الإبداع (45-46)
    وهذا إمام من أئمة الأحناف على مسألة قيام المقتضى !!
    وقال العلامة القسطلاني الشافعي في المواهب ما نصه : ولقد صلى- صلى الله عليه وسلم- أكثر من ثلاثين ألف صلاة فلم ينقل عنه أنه قال: نويت أصلى صلاة كذا وكذا، وتركه سنة، كما أن فعله سنة، فليس لنا أن نسوى بين ما فعله وتركه، فنأتي من القول في الموضع الذي تركه بنظير ما أتى به في الموضع الذي فعله .
    المواهب اللدنية (3/196) والإبداع (44)
    ونقل كذلك عن ابن حجر الهيتمي في الفتاوي الحديثية ما حاصله: وَفسّر بَعضهم الْبِدْعَة بِمَا يعم جَمِيع مَا قدمنَا وَغَيره فَقَالَ هِيَ مَا لم يقم دَلِيل شَرْعِي على أَنه وَاجِب أَو مُسْتَحبّ سَوَاء أفعل فِي عَهده - صلى الله عليه وسلم - أَو لم يفعل كإخراج الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب وقتال التّرْك لما كَانَ مَفْعُولا بأَمْره لم يكن بِدعَة , وَإِن لم يفعل فِي عَهده وَكَذَا جمع الْقُرْآن فِي الْمَصَاحِف والاجتماع على قيام شهر رَمَضَان وأمثال ذَلِك مِمَّا ثَبت وُجُوبه أَو اسْتِحْبَابه بِدَلِيل شَرْعِي , وَقَول عمر رَضِي الله عَنهُ فِي التَّرَاوِيح نعمت الْبِدْعَة هِيَ أَرَادَ الْبِدْعَة اللُّغَوِيَّة , وَهُوَ مَا فعل على غير مِثَال كَمَا قَالَ تَعَالَى {قل مَا كنت بدعا من الرُّسُل} وَلَيْسَت بِدعَة شرعا ؛ فَإِن الْبِدْعَة الشَّرْعِيَّة ضَلَالَة كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم - وَمن قسمهَا من الْعلمَاء إِلَى حسن وَغير حسن فَإِنَّمَا قسم الْبِدْعَة اللُّغَوِيَّة , وَمن قَالَ كل بِدعَة ضَلَالَة فَمَعْنَاه الْبِدْعَة الشَّرْعِيَّة؛ أَلا ترى أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان أَنْكَرُوا غير الصَّلَوَات الْخمس كالعيدين وَإِن لم يكن فِيهِ نهي , وكرهوا استلام الرُّكْنَيْنِ الشاميين وَالصَّلَاة عقيب السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة قِيَاسا على الطّواف , وَكَذَا مَا تَركه - صلى الله عليه وسلم - مَعَ قيام الْمُقْتَضى فَيكون تَركه سنة وَفعله بِدعَة مذمومة وَخرج بقولنَا مَعَ قيام الْمُقْتَضى فِي حَيَاته تَركه إِخْرَاج الْيَهُود من جَزِيرَة الْعَرَب وَجمع الْمُصحف وَمَا تَركه لوُجُود الْمَانِع كالاجتماع للتراويح فَإِن الْمُقْتَضى التَّام يدْخل فِيهِ الْمَانِع
    الفتاوى الحديثية (200) و الإبداع (44)
    وهذه النصوص , قاطعة , ليعلم من يهرف بما لا يعرف , وينفي العمل بهذه القاعدة جزافا , مع الإصرار على ردها , وقد قال بها هؤلاء الأئمة , ألا يخجل من تكرار نفيها , وادعاء زيفها !! .


    قال الدكتور وليد الشاويش :
    سابعا: المداومة لا تعني اعتقاد الورد المعين سُنّـة بنفسه:
    يتوهم بعض الإخوة أن التزام الطاعة والمداومة عليها تجعلها بدعة، بمعنى أنه ما داوم على قراءة جزء في اليوم، فهذا يعني أنه قد اعتقد أن قراءة جزء من القرآن يوميا هي سنة بعينها، وليست أحد أفراد المطلق، ولو سئل هذا الذاكر لله تعالى لكان أحسن، ولكن نسمع المحافظ على الورد المشروع يقول: هذا ما يناسب وقتي وطاقتي وعملي، ولا أعتقد أن المداومة على الجزء اليومي هي سنة بعينها، ومن هنا فإن صاحب الورد اليومي لا يضيف شيئا للشريعة، فكيف يتهم المداوم على الطاعة، بأنه قد أحدث في الشرع ما ليس منه: ثم يُشهر في وجهه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، ويوظف الحديث لرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدلا من رد البدع في الدين، بسبب التوظيف الخاطيء للحديث.
    أقول : قدمنا أن مسألة تحزيب القرآن ورد فيها نصوص خاصة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه , فلا يقاس عليها غيرها .


    قال الدكتور وليد الشاويش :
    ثامنا: ما الحكمة الشرعية من الأمر المطلق؟ (الخصوصية تحت سقف الشريعة):
    شرع الله تعالى لنا عبادات قائمة على الامتثال الكامل، كأداء الصلوات المفروضات في أوقاتها، فلا بد أن تكون كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- صحة وكمالا، وهذه لا اختيار فيها للناس، وهي جزء من نظام الحياة المشترك لتجانس المجتمع، وهي دعائم المجتمع الإسلامي، ولكن الذي خلق النفس الإنسانية أعلم بها، وترك لها مجالا للخصوصية والاختيار في الطاعات المطلقة التي مر التمثيل بها، فذاك مقبل على الكتاب تلاوة وحفظا، وذاك فتح الله عليه باب الاستغفار، وآخر قسم الله تعالى له من التهليل والتحميد ما شاء، وهنا تتحقق الخصوصية للعبد السائر على درب السنة، بحيث يستطيع أن ينتخب من عبادات التطوع ما هو أصلح له في دنياه وآخرته، ويتنوع صلاح كل منهم بذكر مشروع، أما في حالة معارضة هذه السنن المطلقة في الشرع بمقولة: لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم، تتعطل الحكمة والسنة والرحمة وصلاح الناس بالمداومة على العبادات المشروعة، ويصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا.
    أقول : الذي شرع هذه العبادات هو الذي قيدها , بسنية الاتباع والتحذير من الابتداع فقال عليه الصلاة والسلام : كل بدعة ضلالة , وقال عليه الصلاة والسلام : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد .
    قال شيخ الإسلام : «فأما ما تركه [أي النبي - صلى الله عليه وسلم -] من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعًا لفعله أو أذن فيه، ولفعله الخلفاء بعده والصحابة؛ فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة، ويمتنع القياس في مثله» .
    مجموع الفتاوى (26/172)
    ثانيا : لو كان ما ذكره الدكتور صحيحا , لما ورد عن السلف في ذم البدع التي تندرج تحت أصل عام ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم :
    عن عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ. فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا. قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ. قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ. قَالَ: «أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ»، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: «فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ». قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: «وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ» قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ "، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ .
    سنن الدارمي (1/286) وهو صحيح .
    أقول : تأمل أيها القارئ الكريم إنكار ابن مسعود رضي الله عنه على هؤلاء مع أن فعلهم يندرج تحت أصل عام, ولذلك قال أبو موسى : لم أر إلا خيرا ! في ابتداء الأمر .
    عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَنَا أَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»
    الترمذي (2738) وحسنه شيخنا الألباني رحمه الله .
    والأمثلة كثيرة .


    قال الدكتور وليد الشاويش :
    تاسعا: مقولات خطيرة على الشريعة:
    من هذه المقولات، تخصيص الشريعة بالعقل، أو نسخها بها، أو قصرها على التاريخ، ولكن هذه المقولات واضحة العَوَر من الناحية الشرعية، ولكن أخشى أن تكون مقولة (لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم) وجعلها مصدرا للشريعة ومنهجا فيها، فتنة زبَّاء ذات وَبَر، فقد جاء في تهذيب اللغة للأزهري: وَيُقَال للدّاهية المنكَرة: زَبَّاءُ ذاتُ وَبَر، …وَسُئِلَ الشعبيُّ عَن مَسْأَلَة غامضة فَقَالَ: زَباءُ ذاتُ وبر، لَو وَرَدَتْ على أهل بَدْرٍ لأعضَلَت بهم، أَرَادَ أَنَّهَا مُشكِلة، شَبّهها بالناقة الشّرود لغموضها ا.هـ ولا شك في خفاء هذه المقولة وخطورتها على كثير من الشباب المسلم، الذين نعرف حرصهم على السنة، ولكنهم وقعوا فيما خافوا منه، وأصبح حالهم كمُجِير أم عامر، وهي أنثى الضَّبُـع تؤويها إليك وتحسن إليها، ثم تأكلُك.
    أقول : قول الدكتور : تخصيص الشريعة بالعقل، أو نسخها بها !! .
    من العجب , فالدكتور الفاضل ينتسب لمذهب الأشاعرة , والذي ردوا بعقولهم السنة النبوية , فهذا الرازي يقول : نصوص الكتاب والسنة ظنية الدلالة، ولا تفيد اليقين إلا إذا سلمت من عشرة عوارض قال : منها: الإضمار والتخصيص والنقل والاشتراك والمجاز ... إلخ، وسلمت بعد هذا من المعارض العقلي، بل قالوا: من احتمال المعارض العقلي! .
    فمن الذي يتلاعب في الشرع بعقله !! .
    ثانيا : قول الدكتور : ولكن أخشى أن تكون مقولة (لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم) وجعلها مصدرا للشريعة ومنهجا فيها، فتنة زبَّاء ذات وَبَر . انتهى
    أقول : ما أصدق هذه الفتنة , على أدعياء , أرادوا هدم أصول قام على تأصيلها , أئمة من السلف , قبل قرون , وكأن الدين لم يحفظ حتى ظهر من يريد أن يصحح هذه الأصول والقواعد بزخرف من القول في عصر الدجال الأكبر الذي هو على الأبواب ! .
    ثالثا : قول الدكتور : وخطورتها على كثير من الشباب المسلم، الذين نعرف حرصهم على السنة، ولكنهم وقعوا فيما خافوا منه، وأصبح حالهم كمُجِير أم عامر...
    أقول : وهذا يتصور في كل قائل لقول يريد به أن يعيد تأصيل الأصول والقواعد , التي قعدها السلف , كأنه يظن أن الدين لم يحفظ من العبث , حتى احتاج إلى من يقعد له في آواخر القرون , القرن الخامس عشر !!؟ .
    وكتبه / الدكتور عبدالباسط الغريب .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •