تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 42

الموضوع: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الامام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فى رسالة كشف الشبهات

    فَإِنَّ أعْداءَ اللهِ لَهُمُ اعْتِرَاضاتٌ كَثيرةٌ عَلى دِينِ الرُّسُل يَصُدُّونَ بِها النَّاسَ عَنْهُ.

    مِنْهَا:
    [الشبهة الأولى]
    قَولُهُم:نَحْنُ لا نُشْرِكُ بِاللهِ شيئاً، بَلْ نَشْهَدُ أنَّهُ لا يَخْلُقُ وَلا يَرْزُقُ ولا يحُيْي ولا يُمِيْتُ وَلا يُدَبِّرُ الأمْرَ وَلا يَنْفعُ ولا يَضُرُّ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعاً وَلا ضَرّاً، فَضْلاً عن عَبْدِ القَادِرِ أَوْ غَيْرِهِ.
    وَلَكِنْ أَنا مُذْنِبٌ، وَالصَّالِحُونَ لَهُم جاهٌ عِنْدَ اللهِ، وَأَطْلُبُ مِنَ اللهِ بِهِمْ.

    فَجَاوِبْهُ بِما تَقَدَّمَ وَهُوَ:أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقِرُّونَ بِمَا ذَكَرْتَ لِي أَيُّهَا المُبْطِلُ، وَمُقِرُّونَ أَنَّ أَوْثَانَهُم لا تُدَبِّرُ شَيْئاً، وَإِنَّمَا أَرَادُوا ممن قصدوا الجاهَ وَالشَّفَاعَةَ، واَقْرَأْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ اللهُ في كِتَابِهِ وَوَضَّحَهُ.----------

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ فى رد الشبهه الاولى
    (وَأَمَّا الجَوَابُ المُفَصَّلُ) وَهُوَ الَّذِي يُجَابُ بِهِ عَنْ كُلِّ شُبْهَةٍ بِجَوَابٍ يَخُصُّهَا (فَإِنَّ أَعْدَاءَ اللهِ) - المُشْرِكُونَ عَبَدَةُ غَيْرِ اللهِ- (لَهُمْ اعْتِرَاضَاتٌ كَثِيرَةٌ عَلَى دِينِ الرُّسُلِ يَصُدُّونَ بِهَا النَّاسَ عِنْهُ مِنْهَا قَوْلُهُم) مَعَ شِرْكِهِم باللهِ: (نَحْنُ لاَ نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا) وَهُمْ قَدْ وَقَعُوا فِيهِ لَكِنْ نَفَوْهُ عَنْ أَنْفُسِهِم جَهْلاً وَضَلاَلاً.

    (بَلْ نَشْهَدُ أَنَّهُ لاَ يَخْلُقُ وَلاَ يَرْزُقُ ولاَ يَنْفَعُ وَلاَ يَضُرُّ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا فَضْلاً عَنْ عَبْدِ القَادِرِ) الجِيلاَنِيِّ (أَوْ غَيْرِهِ) مِمَّنْ لَهُ جَاهٌ ومَنْـزِلَةٌ ومَقَامٌ كَبِيرٌ (وَلَكِنْ أَنَا مُذْنِبٌ) وَلَمْ أُؤَهَّلْ إِلَى الطَّلَبِ مِن الجَانِبِ الأَعْلَى (والصَّالِحُونَ لَهُم جَاهٌ عِنْدَ اللهِ وَأَطْلُبُ مِن اللهِ بِهِمْ) فَأَطْلُبُ مِنْهُم وَهُم يَسْأَلُونَ ويَطْلُبُونَ لي وَيُقَرِّبُونِي إِلَى اللهِ زُلْفَى، لاَ أَطْلُبُهُم ذَوَاتَهُم.

    (فجَاوِبْهُ بِمَا تَقَدَّمَ؛ وَهُوَ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِرُّونَ بِمَا ذَكَرْتَ، ومُقِرُّونَ أَنَّ أَوْثَانَهُم لاَ تُدَبِّرُ شَيْئًا) وَأَنَّ اللهَ هو النَّافِعُ الضَّارُّ وَحْدَه (وَإِنَّمَا أَرَادُوا الجَاهَ والشَّفَاعَةَ) فَقَطْ تَعَلَّقُوا عَلَيْهِم لأَِجْلِ جَاهِهِم عِنْدَ اللهِ؛ فَإِنَّ المُشْرِكَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ القُرْآنُ هو هَذَا: دُعَاءُ مَنْ يَشْفَعُ لَهُم عِنْدَ اللهِ؛ لاَ أَنَّهُ يَخْلُقُ ويَرْزُقُ (وَاقْرَأْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ ووَضَّحَهُ) اقْرَأْ عَلَيْهِ الآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى هَذَا وهَذَا.
    فَمِن الآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى إِقْرَارِهِم بالرُّبُوبِيَّة ِ:
    -قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}.
    -وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} إلى قَوْلِهِ: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}.
    -وَقَوْلُه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} .
    -وَقَوْلُهُ: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} وَغَيْرُ ذَلِكَ مِن الآيَاتِ.
    واقْرَأْ عَلَيْهِ الآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ اللهَ كَفَّرَهُم بِشِرْكِهِم في الإِلَهِيَّةِ،وَأَنَّهُم مَا أَرَادُوا إِلاَّ شَفَاعَتَهُم وتَقْرِيبَهُم، وَأَنَّ هؤلاء مَا زَادُوا عَلَى مَا فَعَلَهُ المُشْرِكُونُ الأَوَّلُونَ، لَيَتَبَيَّنَ أَنَّهُ في عَمَايَةٍ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ ومُعَاكَسَةٍ لِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ:
    -كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ}.
    - وَقَوْلِه تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ}.
    -وَقَولِهِ تَعَالَى: {وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونَ}.
    -وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}.
    وَنَظَائِرِهَا مِن الآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُم مَا أَرَادُوا مِمَّنْ قَصَدُوا إِلاَّ الجَاهَ والشَّفَاعَةَ
    فحَاصِلُ جَوَابِ هَذِه الشُّبْهَةِ: أَنَّكَ مَا زِدْتَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ المُشْرِكُونَ الأَوَّلُونَ، وَلاَ زَادَ فِعْلُكَ عَنْ فِعْلِهِم، بَلْ أَنْتَ وَهُمْ سَوَاءٌ.------------------------قال الشيخ صالح الفوزان فى رد الشبهه الاولى
    ذَكَرَ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ- في هذا المَقْطَعِ ثَلاَثَ شُبُهاتٍ للمُشْرِكِينَ هي مِن أَهَمِّ مَا عِنْدَهُم، فإذا عَرَفْتَ الإِجَابَةَ الصَّحِيحَةَ عنها فما بَعْدَها مِن الشُّبُهاتِ أَيْسَرُ مِنْهَا:
    الشُّبْهَةُ الأُولَى: أنَّهم يَقُولُونَ: نَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-، ونَعْلَمُ أنَّه لاَ يَنْفَعُ ولاَ يَضُرُّ إلاَّ اللهُ سُبْحَانَه وتَعَالَى، وأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- لاَ يَمْلِكُ نَفْعًا ولاَ ضَرًّا فَضْلاً عن عَبْدِ القَادِرِ -يَعْنِي: عَبْدَ القَادِرِ الجِيلاَنِيَّ- لَكِنْ هؤلاء لَهُم جَاهٌ عِنْدَ اللهِ، فَنَطْلُبُ مِن اللهِ بِهِم -يَعْنِي: نَجْعَلُهُم وَسَائِطَ بَيْنَنَا وبَيْنَ اللهِ- لِمَا لَهُم مِن الفَضْلِ.

    فالجَوَابُ سَهْلٌ جِدًّا مِن كِتَابِ اللهِ بِأَنْ تَقُولَ:إنَّ المُشْرِكِينَ مَعَ أَصْنَامِهِم مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فيها أَنَّها تَخْلُقُ وتَرْزُقُ وتَنْفَعُ وتَضُرُّ، وإِنَّمَا اتَّخَذُوهَا وسَائِطَ بَيْنَهُم وبَيْنَ اللهِ، وهَذَا واضِحٌ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
    نَزَّهَ نَفْسَهُ عن فِعْلِهِم وسَمَّاهُ شِرْكًا،مَعَ أنَّهم يَقُولُونَ: هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ، ويَعْتَقِدُونَ أنَّهم لاَ يَنْفَعُونَ ولاَ يَضُرُّونَ، وإنَّما قَصْدُهُم التَّعلُّقُ بالجَاهِ فَقَطْ، فالآيَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ المُشْرِكِينَ مُعْتَرِفُونَ بأنَّه لاَ يَخْلُقُ ولاَ يَرْزُقُ ولاَ يُدَبِّرُ الأَمْرَ إلاَّ اللهُ سُبْحَانَه وتَعَالَى، وأَنَّ أَصْنَامَهُم ومَعْبُودَاتِهِ م لاَ تَخْلُقُ ولاَ تَرْزُقُ ولاَ تُدَبِّرُ مَعَ اللهِ، وإنَّما اتَّخَذُوها وَسَائِطَ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُم.
    وإِذَا كُنْتَ مُذْنِبًا فَلِمَاذَا لاَ تَسْتَغْفِرُ اللهَ وتَطْلُبُ مِن اللهِ، واللهُ -جَلَّ وَعَلاَ- أَمَرَكَ بالاسْتِغْفَارِ ووَعَدَكَ التَّوْبَةَ، وأَنْ يَقْبَلَ مِنْكَ ويَغْفِرَ ذُنُوبَكَ، ولَمْ يَقُلْ: إِذَا أَذْنَبْتَ فاذْهَبْ إِلَى قَبْرِ الوَلِيِّ الفُلاَنِيِّ أو العَبْدِ الصَّالِحِ الفُلاَنِيِّ وتَوَسَّلْ بِهِ واجْعَلْهُ واسِطَةً بَيْنِي وبَيْنَكَ.

    وتَقُولُ أَيْضًا:هَؤُلاَءِ إِذَا كَانَ لَهُم جَاهٌ عِنْدَ اللهِ فإِنَّ جَاهَهُم لَهُم، وصَلاَحَهُم لَهُم، وأَنْتَ لَيْسَ لَكَ إلاَّ عَمَلُكَ، وصَلاَحُ الصَّالِحِينَ لَهُم وجَاهُهُم عِنْدَ اللهِ لَهُم، مَا عَلاَقَتُكَ بِعَمَلِ فُلاَنٍ وصَلاَحِ فُلاَنٍ؟ كُلٌّ لَهُ عَمَلُهُ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}{وَل اَ تُجْزَوْنَ إلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فَجَاهُهُم وصَلاَحُهُم لَهُم، ولاَ يَنْفَعُكَ إِذَا كُنْتَ مُذْنِبًا، حتَّى والِدُكَ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْكَ، ووَلَدُكَ لاَ يَسْتَطِيعُ ولو كَانَ مِن أَصْلَحِ النَّاسِ أَنْ يَنْفَعَكَ {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَومَئِذٍ لِّلَّه}.
    - {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}.
    - {وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا} .
    - {يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} --------------قال الشيخ صالح آل الشيخ
    لما ذكر إمام الدعوة -رحمه الله تعالى- ورفع درجته، أن جواب أهل الباطل من طريقين:
    مجمل ومفصل، ذكر المجمل ثم ذكر المفصل.
    ومن المعلوم في فن التأليف أن التقاسيم إذا وردت، فإنه يناسب أن يقَدَّم ما كان الكلام عليه مختصراً، وما كان الكلام عليه مطولاً فإنه يؤخر.
    ولهذا الشيخ -رحمه الله- قدم المجمل على المفصل لاعتبارات:
    منها: أن الكلام على المجمل قليل، والكلام على المفصل كثير، ولو أخر الكلام القليل لذهب الذهن في المفصل، ونسي أنه سيأتي المجمل.
    ومن فوائد تقديم المجمل على المفصل:
    أن المجمل يفهمه كل أحد، يحتاجه كل موحد، وسَهْل الفهم إذا عَلِم عقيدة التوحيد، وفهم بعض أدلتها؛ فإنه يمكنه أن يجعل ذلك محكماً، فإذا أتى من يشبّه عليه دينه، ومن يجعله يتردد في بعض هذه أو يشككه أو يورد عليه الشبه فإنه يحتج عليه بالمحكم، فلا يجد ذلك صعباً.
    وأما المفصل فيحتاج إلى علم،يحتاج إلى مقدمات، تارة لغوية وتارة أصولية، وتارة من واقع حال العرب.
    فقال -رحمه الله تعالى- ابتداءً بالمفصل بعد المجمل، ابتداءً برد شبهة، وهي شبهة تحتاج إلى نوع تأمل؛ لأن أكثر الذين يكون عندهم نوع قرب أو قبول للتوحيد ربما تروج عليهم هذه أكثر من غيرها، فقال: (وأما الجواب المفصل: فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل، يصدون بها الناس عنه) هذه الكلمة (وأما الجواب المفصل) ليست موجودة في كثير من النسخ المطبوعة، ولم أر النسخ الخطية حتى نتثبت هل هي موجودة أم لا؟
    وعلى العموم فإن الشبهة على الجواب المفصل، الشبهة التي سيجيب عليها بالمفصل هي قولهم: (نحن لا نشرك بالله) إلى آخره.

    فقوله إذاً: (وأما الجواب المفصل: فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس عنه) هو إيراد لهذه الاعتراضات الكثيرة على التفصيل، ويلزم من إيراد الاعتراضات إيراد الأجوبة.
    فقوله: (فإن أعداء الله لهم اعتراضات) هذا لأجل أنه سيورد بعد الاعتراضات الأجوبة، وهذا من ناحية الأسلوب ومن ناحية التأليف، ولكن المعنى ظاهر.

    قال: (منها قولهم: نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فضلاً عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله، وأطلب من الله بهم).

    قال: (فجاوبه بما تقدم وهو: أن الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقرون بما ذكرت، ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة، واقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه ووضحه) هذه الشبهة يمكن تقسيمها إلى أقسام:

    القسم الأول: قولهم، أو الجملة الأولى: قولهم: (نحن لا نشرك بالله).

    وهذا القول منهم - نحن لا نشرك بالله -يريدون به الإشراك بالله في الربوبية،ولهذا قالوا بعده:(بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق) إلى آخره.
    وقولهم: (نحن لا نشرك بالله) راجع إلى أن الشرك له حقيقة شرعية جاءت في النصوص؛ ولكن حُرِّفت هذه الحقيقة وصرفت عن وجهها.
    ففي النصوص: الإشراك والشرك هو اتخاذ الند مع الله -جل وعلا- في المحبة والعبادة.
    الإشراك أو الشرك: هو أن يجعل لله شريك إما في ربوبيته، أو في ألوهيته، أو في أسمائه وصفاته، يعني: أن يُعتقد أن له مماثلاً في اتصافه وفي أسمائه.

    هذا معنى الشرك، ولهذا فالشرك في النصوص تارة يتوجه إلى الشرك في الإلهية، وتارة يتوجه إلى الشرك في الربوبية.

    أما الشرك في الربوبية: فكقوله -جل وعلا- في سورة سبأ مثلاً: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} يعني: من شرك في التدبير والتصريف.

    وتارة يكون نفي الشرك أو النهي عنه لأجل الألوهية، كقوله -جل وعلا- في آخر سورة الكهف: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} هذا شرك في الألوهية - في العبادة - والآيات في هذا أيضاً كثيرة.
    والشرك الثالث: في الأسماء والصفات:
    -كقوله جل وعلا: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً}.
    -وكقوله: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ}.
    -وكقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
    -وكقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}.
    هذا هو الذي يعلمه أهل العلم بما دلت عليه - بالتنصيص - الآيات، فكان ذلك معلوماً عند العرب تفهمه بلغتها.
    لما أتى اليونان إلى بلاد المسلمين بكتبهم، يعني: استقدم بعض المسلمين كتب اليونان - في قصة معلومة، ولا بأس أن نذكرها:
    وهو أن أحد ولاة العباسيين أرسل وفداً إلى ملك الروم، وطلب منه أن يرسل إليه بكتب الأوائل التي عنده - كتب الأوائل المقصود بها كتب الروم واليونان، وكتب من يسمونهم الحكماء والفلاسفة - فعرضوا هذا على الملك، مُوفَدين من الوالي المسلم من ولاة العباسيين.
    فقال:(أمهلوني) فاستشار علماء النصرانية، وعلماء بلده.
    فقالوا له:هذه - وكانت موجودة في بيت للكتب - هي زينة مملكتنا، فكيف تعطيهم إياها؟* فأجبه بالنفي، فإن هذه لا يجوز أن تخرج من بلدنا.وسكت واحد منهم، فقال له: ما لك سكتَّ؟ وكان من حكمائهم وحذاق علماء نحلتهم وملتهم.
    فقال:يا عظيم قومنا، أرى أن ترسل بالكتب إليهم، ولا تمنعهم منها.فقال له:ولم؟ قال:لأن هذه الكتب ما دخلت إلى أمة إلا أفسدت عليها دينها، ووافقه عليه البقية، فحصل أنها أُرسلت الكتب - كتب اليونان - وترجمت إلى آخر ذلك.
    اليونان فلاسفة، الذين أُرسلت كتبهم، أرسطو، إلى آخره، وأفلاطون.
    هذه الفلسفة غايتها توحيد الربوبية، غايتها أن ينظر في الملكوت، وينظر في الوجود فيثبت أن هذا الكون له صانع؛ لأن هذا غاية الحكمة، يثبت أن هذا الكون معلول عن علة، وهذه العلة عاقلة، فيسمونها علة العلل أو العقل الأول، في كلام فلسفي، يعني له تفاصيل.
    فدخل هذا على المسلمين، فلما دخل رأى من قرأ تلك الكتب بعد ترجمتها أن هذه هي كتب الحكمة، وكتب الحكماء، وكتب الفلسفة - يعني: طلب الحكمة - قالوا: إن هذه هي الغاية، فكيف نوجد وسيلة للجمع مابين الشريعة، ما بين الإسلام -القرآن- وما بين هذه الكتب، وفلسفة اليونان؟
    فأخرجوا ما يسمى بعلم الكلام، وهو خليط من الشريعة - من النصوص - وما بين عقل الفلاسفة.
    وهذا الخليط جُعلت فيه الشريعة والعقل، هذا يقارن هذا، وهذه تقارن ذاك، يعني: ما قدموا الشريعة على العقل، ولا العقل على الشريعة، فنظروا في هذا ونظروا في هذا، لكن ينظرون في الشريعة بالعقل، وينظرون في العقلانيات بالشريعة.
    هنا نظروا إلى أن غاية الغايات: هو النظر في الملكوت، فلهذا أجمع المتكلمون على أن أول واجب على العبد أن ينظر في الملكوت، ويثبت وجود الله جل وعلا.
    هذا الأصل صار مستغرقاً عندهم لا محيد عنه، وخاصة بعد مرور عقيدة جهم وأن الغاية عنده: إثبات وجود الله أيضاً في مناظرته مع طائفة السُّمنِيَّة، كما ذكرت لكم فيما سبق.
    هذا الخليط الذي نتج صار هو الغاية عند كثير من الناس، فبالتالي نظروا في تفسير كلمة التوحيد.
    الشريعة فيها: (لا اله إلا الله) هذه أصل التوحيد، وكلام الحكماء - كما يقولون - فيه: (أن الغاية هو إثبات وجود الله، والنظر في علة العلل، والنظر في الملكوت حتى يطلب الحكمة فيما وراء الطبيعة).
    فقالوا: إذاً: معنى هذا - لأن ذاك عقل صحيح وهذه شريعة صحيحة - معناه أن يفسر (الإله) بالعلة، علة العلل.
    - لأن أول واجب في الشريعة:(لا إله إلا الله).
    - وأول واجب في الفلسفة:
    أن ينظرَ في الملكوت، فيثبت أن لهذا الملكوت، أو لهذا الكون علة نتج عنها، فخلطوا ما بين هذا وهذا.
    فقالوا: ولا يمكن للعقل أن يكون مخطئا؛ لأن عندهم نتاج الفلاسفة عقل قطعي، ولا يمكن أن تكون الشريعة فاسدة، فهذا صحيح وهذا صحيح، فقالوا: إذاً نفسر الإله بأنه الخالق، بأنه القادر على الاختراع.
    قالوا: لكن (إله) في اللغة ليس معناه الخالق، فتأملوا فيما جاء في كتب اللغة فوجدوا أن هناك من قال: (إله) هذا بمعنى: (آلِه) إذا جَعَل غيره متحيراً، فأَلَه الرجل: تحير وتردد.وهذه مادة ربما تكون موجودة في بعض استعمالات العرب، أَلَه الرجل، يعني: تحير وتردد.
    فقالوا: إذاً (لا اله إلا الله) إذا كان معنى (الإله) هو الخالق القادر على الاختراع، فهو الذي فيه تتحير الأفهام؛ لأن قصدهم هناك أن ينظر وهم إذا نظروا وتأملوا تحيرت الأفهام حتى يثبت الوجود، فقالوا: هنا التقت اللغة مع الشريعة مع العقل.

    وهذا قرروه في كتبهم، فحصل منه أن معنى (لا إله إلا الله) عندهم يعني: لا قادر على الاختراع إلا الله، لا خالق إلا الله، وإذا كان كذلك فيكون الشرك الذي يخرج من كلمة التوحيد هو أن يقول: ثمَّ قادر على الاختراع، ثمَّ رازق، ثمَّ من تحيرت الأفهام في حقيقته غير الله جل وعلا، فمتى يكون مشركاً عندهم؟.

    إذا لم يثبت (لا إله إلا الله) ومتى لا يثبت (لا إله إلا الله)؟

    إذا قال: إنه ثَم خالق غير الله جل وعلا، هذا الخليط من العقل واللغة الضعيفة التي نقلوها أو القليلة، والشرع فيما نظروا فيه - يعني في بعض النصوص - أنتج لهم أن الشرك هو الشرك في الربوبية- يعني: اعتقاد أن ثَم خالقاً مع الله جل جلاله، ودُوّن هذا في كتب المتكلمين الأوائل، ونقله عنهم الأشاعرة وأثبتوا ذلك في كتبهم، ولهذا الأشاعرة يقولون، والماتريدية: أول واجب على العبد: النظر، وبعضهم يقول: الشك، وبعضهم يقول: القصد إلى النظر، فهذا أول واجب.
    و(الإله) من هو؟
    (الإله)منهم من يقول: (الإله) هو القادر على الاختراع.




    ومنهم من يقول: (الإله) هو المستغني عما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه.
    ومنهم من يقول:(الإله) بمعنى آله وهو المُحَيِّرُ، فلا يوصل إلى حقيقته، وهو الله جل وعلا.
    فنتج من هذا - وهو موجود في كتب المتكلمين وكتب الأشاعرة والماتريدية إلى يومنا هذا - نتج من هذا انحراف خطير في الأمة، وهو أن (الإله) ليس هو المعبود، وأن (لا إله إلا الله) معناها: لا قادر على الاختراع إلا الله، لا مستغنياً عما سواه ولا مفتقراً إليه كل ما عداه إلا الله، لا متحيراً في حقيقته إلا الله.
    -فنتج من ذلك إخراج العبودية عن أن تكون في كلمة التوحيد.
    - ونتج من ذلك الانحراف الخطير: أن (لا اله إلا الله) ليست نفياً لاستحقاق أحد العبادة مع الله جل جلاله، فنتج - وهي النتيجة التي قدم لها الشيخ هنا - أن طوائف كثيرة من المؤمنين - يعني من المسلمين - فشا فيهم كلام الأشاعرة هذا، وكلام المتكلمين، وكلام المبتدعة هذا، في معنى كلمة التوحيد.
    فيكون معنى الشرك عندهم، راجعاً إلى واحد مما دلت عليه النصوص، وهو الإشراك في الربوبية، الذي جاء -مثلاً- في سورة سبأ وفي غيرها.
    أما الإشراك في العبادة: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} فهذا عندهم لا ينقض كلمة التوحيد. نظروا بعد ذلك فيما فعلته العرب -وستأتي الشبهة التي تليها- بم أشركت العرب؟قالوا: أشركت بعبادتها الأصنام، وبأنها ما وحدت الله في ربوبيته، ولم تقل (لا اله إلا الله) بل قالت: إن الأصنام لها نصيب من الإلهية، يعني لها نصيب من الربوبية.

    ولهذا من أعظم ما راج على كثير من المفسرين، من المتقدمين والمتأخرين، وراج على كثير من علماء الأمصار؛ أن الألوهية تفسر بالربوبية، وأن (لا إله إلا الله) تفسر بالربوبية أو بمقتضيات الربوبية، هذا نتيجة لهذا الانحراف.
    لهذا: هذا المشرك الذي قال في شبهته - قد يكون عالماً وقد يكون غير عالم - يقول: (نحن لا نشرك بالله) هو قال هذه بحسب اعتقاده، هو لا يشرك بالله بحسب اعتقاده أن الشرك إنما هو الشرك في الربوبية وليس في الإلهية، وهذا نتيجة لما ذكرت لكم.
    فإذاً: هذه الكلمة (لا نشرك بالله) ردك عليها، كشف هذه الشبهة - كما ذكر الشيخ رحمه الله في آخر الكلام، وبما أوضحت لك - في أنه:
    أولاً:توضح موارد الشرك في القرآن، ما الذي نفي من الإشراك بالله؟ نفي الثلاثة التي ذكرت لك، وكل واحدة عليها أدلة، حبذا تجمع هذه الأدلة في كل نوع وتحفظ ذلك، هذا نوع.
    الثاني: معنى الإشراك في النصوص.
    الثالث: أن تبين أن الانحراف وقع، فصُرف الإشراك - معنى الإشراك - عن معناه في النصوص إلى المعنى الباطل، ونتج عنه أن كلمة التوحيد فهمت أيضاً غلطاً، ففهم منها أنها نفي لربوبية غير الله جل وعلا، وهذا باطل.
    فإذاً: قولهم (نحن لا نشرك بالله) هذه جملة يمكن أن تردها تفصيلاً، وهذه الشبهة التي أوردوها لها ردٌ بما أورده الشيخ رحمه الله.
    الشيخ ما أجاب عن كل جملةٍ جملة، لكن أجاب عن النتيجة التي وصلوا إليها بهذه المقدمات الباطلة.
    قالوا: (نحن لا نشرك بالله).لم لا تشركون بالله؟ قالوا: لأننا (نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له) يعني: لا يخلق ولا يرزق استقلالاً، ولاينفع ولا يضر استقلالاً، إلا الله وحده لا شريك له.(وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً) كما جاء في النصوص، يقولون: نحن نقول ذلك، فهو -عليه الصلاة والسلام- لا يملك نفعاً ولا ضراً استقلالاً، ما يمكن أن يعطينا شيئاً، ولكن هو -عليه الصلاة والسلام- يمكن أن يعطينا عن طريق الوساطة، عن طريق التقريب، عن طريق التزلف، يعنى أن يقربنا زلفى.
    وهذه الشبهة أول من أوردها- فيما أعلم في كتابه - إخوان الصفا في كتابهم ورسائلهم المشهورة (رسائل إخوان الصفا) الرسائل الخمسين المعروفة، فإنهم قرروا: أن التوحيد هو الربوبية، وأن هؤلاء الأموات من الأنبياء والصالحين أنهم لا يملكون نفعاً ولا ضراً - كما قال هنا هذا الذي أورد الشبهة - ولكن نتوسط بهم، لم تتوسط بهم ؟ عللوا لأن أرواحهم عند الله؛ لأن الله قال عن أرواح الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} والعندية: معناها أنهم لهم القربى عند الله، فلهم الجاه، ولهم الزلفى عند الله جل وعلا، فإذا سألتهم، إذا دعوتهم فإنما تتوسط بهم؛ لا تسألهم استقلالاً.
    فيقول هؤلاء: نحن لا نعتقد أن هذا ينفع ويضر بنفسه، ينفع ويضر استقلالاً، يخلق استقلالاً، يرزق استقلالاً، حاشا وكلا، ولكن يمكن أن يخلق الله بواسطته الولد في رحم الأم، إذا سألناه يمكن أن يرزق الله بواسطة شفاعته؛ لأنه مقرب عند الله جل جلاله.
    هذا التقريب عند الله -جل جلاله- وصفوه بقولهم: (ولكن أنا مذنب، والصالحون لهم جاه عند الله) فقدموا هاتين المقدمتين، يقول: أنا مذنب، والمذنب لا يمكن أن يكون ولياً لله أو مقرباً عند الله، فعلى اعتقاده لا يمكن أن يصل إلى الله مباشرة.
    وأولئك قالوا: والصالحون لهم جاه عند الله، هذا الجاه ماذا يفعل؟
    قالوا: هذا الجاه بمعنى أنه لو سأل لم يُرد ((وإن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)).

    فأتى من هذه الشبهة، ورد التوحيد باعتبار أن هذا الصالح الذي هو عند الله -جل وعلا- مقرب، وهذا الصالح الذي هو عند الله له الزلفى والمقام الأعظم، بحيث إنه لو سأل لم يرد.

    قالوا: (وأطلب من الله بهم) أطلب من الله؛ لا منهم، يعني: أنا لا أسألهم، ولكن أطلب من الله بهم.

    كلمة (بهم)هنا ليس معناه التوسل بهم، يعني بجاههم، يقول: أسأل الله بالنبي، أسأل الله بالولي، أسأل الله بـأبي بكر وعمر؛ لأن سؤال الله بالصالحين هذا بدعة ووسيلة إلى الشرك، وليس شركاً أكبر، لكن القصد من قولهم: (وأطلب من الله بهم) يعني: أطلب من الله بوساطتهم وبشفاعتهم وبتقريبهم إياي عند الله زلفى.
    فإذاً كلمة (بهم) لا يقصد بها التوسل بالجاه؛ لأن هذا بدعة وليس شركاً، وإنما يقصدون بها الشفاعة والتقريب زلفى.
    قال: (فجاوبه بما تقدم) هذه الشبهة تلحظ: شكلها مركبة، لا شك أنها شبهة، وهي التي تروج عند الجميع، كيف واحد يؤمن بالله، ويقول: إن الله واحد في ربوبيته، لاينفع إلا هو، ولا يخلق إلا هو، ولا يرزق إلا هو، إلى آخر ذلك، ويقول: أنا مذنب، ولكن أتوسل، يعني: أتقرب إلى الله بالصالحين بشفاعتهم، أسألهم أن يدعوا الله لي، أتقرب إليهم بالدعاء ،حتى يشفعوا لي عند الله جل وعلا، هذا لا يجعلني مشركاً، فأنا - على حد قولهم- يقول: هو لا يشرك بالله، وهذا ليس شركاً بالله، فما الجواب؟
    قال: (فجاوبه بما تقدم، وهو أن الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مقرون بما ذكرت) فهذا الآن الدرجة الأولى من الجواب.
    نقول الآن له: نحن معك فيما ذكرت، لكن ننظر إلى حال المشركين الذين قاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وحكم عليهم بالكفر والشرك ما حالهم؟ ننظر إلى القرآن ماذا فيه؟
    القرآن فيه أنهم مقرون بأن الله هو الخالق وحده، وهو الرازق وحده، وهو الذي ينفع وحده، وهو الذي يضر وحده.
    إذا قال:ما الدليل على هذا؟ هل المشرك كان يعتقد هذا؟

    نقول:نعم، مشركو العرب كانوا يعتقدون ذلك:
    -كما قال الله جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
    -{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وفي الآية الأخرى: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}.
    - وقال جل وعلا: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ}.
    - وفي آية سورة يونس: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}.
    إذاً:في آيات كثيرة هذا الاعتقاد الذي وصفت أنك لست مشركاً باعتقاده، نقول: هذا وصف الله -جل وعلا- به مشركي العرب، ومشركي أهل الجاهلية، فهذا الدرجة الأولى من جواب هذه الشبهة
    الدرجة الثانية: (ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً) الأوثان: جمع وثن، وهو المتجَه إليه بالعبادة، وفي غالبه لا يكون على هيئة صورة، والأصنام ما كان على هيئة صورة، وقد يقال للأصنام: أوثاناً، باعتبار أنها معبودة من دون الله جل وعلا؛ كما قال -جل وعلا- في سورة العنكبوت، في قصة إبراهيم: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} وفي الآيات الأخر في قصة إبراهيم قال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} فإذاً: هي أصنام وأوثان، فالأوثان: ما لم يكن على هيئة صورة.
    فإذاً:نذهب إلى شرك المشركين ونقول له: المشركون مقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئا.
    إذاً:المشرك مقر بأن الوثن ليس له نصيب في التدبير.
    فإذاً:ما رفضه من كلمة (لا اله إلا الله) وصار به مشركاً، ليس من جهة اعتقاده أن ثم مدبراً غير الله جل جلاله؛ لأن الله -جل وعلا- قال: {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}.
    هذا الآن المقدمة الثانية.
    المقدمة الأولى: اعتقاد المشركين في الربوبية في الله -جل وعلا- أنه هو المتفرد بالأمر، كما قال ذلك عن نفسه، يعني: كما قال المشرك عن نفسه أنه يشهد هذه الشهادة.
    الخطوة الثانية: اعتقاد أولئك في الأوثان، بم؟
    قالوا: اعتقدوا في الأوثان - العرب - أنها لا تدبر شيئاً، إذا استدللت بالآيات وبحال العرب يأتي النتيجة وهي: (وإنما أرادوا الجاه والشفاعة).لماذا أرادوا الجاه والشفاعة فقط؟
    لأن الله -جل وعلا- قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ومن المتقرر في اللغة أن كلمة (ما) النافية التي يأتي بعدها (إلا) هذه تفيد الحصر، فكأنه قال عن قولهم: لا نعبدهم لشيء ولا لعلة من العلل، لا لأنهم يملكون الرزق ولا يملكون الموت والحياة، ولا لأنهم يدبرون الأمر، ولا نعبدهم إلا لشيءٍ واحد، وهو أن يقربونا إلى الله زلفى.
    فإذاً: ينتج من ذلك، أن المشركين كان شركهم باعتقاد أن هذه الأوثان تقرب إلى الله زلفى، باعتقاد أن هذه الأوثان لأجل أن لها منـزلة عند الله، وأن لها جاهاً عند الله فهي تقرب.
    ما هذه الأوثان التي عبدت؟الملائكة، أليس كذلك؟ {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ}.
    وقال -جل وعلا- في الأولياء: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}.
    وقال -جل وعلا- في قصة عيسى عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.

    وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}.

    إذاً:نوعت المعبودات المنفية، ولما نزل قول الله جل وعلا: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} فرح المشركون، قالوا إذاً سنكون مع الصالحين، سنكون مع اللاتَّ، وسنكون مع عيسى، وسنكون مع عزير، وسنكون مع كذا وكذا، مع من عبدنا، فأنزل الله -جل وعلا- قوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} الآيات.

    فإذاً:ترتب على ما ذكرنا أن ما قاله صاحب الشبهة هي دعوى.
    لا تجابهه بأن تقول: هذه دعوى بل أنت مشرك، لا، تقول له نأخذها واحدة واحدة، أنت الآن تقول: أنا لا أشرك بالله، وأنك تشهد كذا وكذا.
    فنقول: ننظر إلى حال المشركين في الآيات، فإذا تأملت حال المشركين، وقصصت عليه وتلوت عليه الآيات وأفهمته إياها، كيف كانت حالة المشركين، وأنهم مقرون بما أقر هذا به.
    فإذاً:تنقله إلى الخطوة الثانية، وهي أن المشركين كانوا لا يعتقدون في أوثانهم أنها تدبر شيئاً.
    تنقله بعد ذلك للخطوة الثالثةفيما قدمت لك سالفاً في معنى الشرك، ما معنى الشرك، ومعنى كلمة (لا إله إلا الله) ثم تنقله إلى أن أولئك لم يرضوا بـ (لا إله إلا الله) لأنهم إنما أرادوا الزلفى، بنص الآية، وأرادوا الشفاعة، بنص آية الزمر أيضاً: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}.
    فهي له وحده دون ما سواه، يعني مِلكاً: هو الذي يخبرك عن حكمها جل وعلا، لا تبتدئ أنت بتصريف أمرك في الشفاعة كما تريد، لا، هي لله -جل وعلا- سبحانه استحقاقاً، وله -جل وعلا- مِلكاً، ومُلكاً، وأمراً ونهياً.
    قال: (واقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه ووضحه).بهذا يتبين لك أن هذه الشبهة - وهي من الشبه التي قد تواجهها - كثيرٌ من الناس تروج عليه، يقول: (كيف؟ أنا مؤمن وأناكذا وكذا، يعني: لأجل أني ذهبت إلى رجل من الصالحين، من الأولياء عند قبره، وقلت له: اشفع لي فإن لك جاهاً عند الله، ولك مقاماً عند الله، فاسأل الله لي أن يرزقني ولداً، اسال الله لي أن يعطيني وظيفة، اسأل الله لي أن ييسر أمري، أكون مشركاً كـأبي جهل وكذا؟)
    هذه تروج على كثير من جهة العاطفة،ومن جهة التقرير، يقول: (أنا أصلي، وأنا أزكي، وأنا كذا، وأعتقد أن الله هو الخالق الرازق، وأنا لا أشرك بالله جل وعلا) فينفي شيئاً، هو في حقيقته واقع فيه.
    لهذا قال الصنعاني في رسالته: (تطهير الاعتقاد) وكذلك الشوكاني في رسالته (توحيد العبادة) المعروفة، قالوا فيما جابهوه في اليمن، قالوا: (إن الأسماء لا تغير الحقائق) يعني: إن غيَّر المشركون وعلماء المشركين الأسماء فإن الحقائق لا تتغير، إذا سموا طلب الشفاعة وطلب الزلفى توسلاً، فإن هذا لا يغير الحقيقة، إذا سموه سؤالاً بهم، كما قال الشيخ هنا عنهم.
    قالوا: (وأطلب من الله بهم) فهذا لا يغير حقيقة الأمر، وهو أنهم يطلبون من الله صحيح، ولكن متوسلين بشفاعة أولئك لا بذواتهم، والتوسل بشفاعتهم: اشفع لي واسأل الله لي، واطلب من الله لي، واسأل الله لي، وأشباه ذلك: هذا كله هو طلب الزلفى، أو يتقرب إليهم ليشفعوا من دون التنصيص على الشفاعة، يقول: أنا أتقرب إليه، أذبح - صحيح للولي- لكن أنا أقصد الذبح لله لكن للولي، حتى ينعطف قلب هذا العبد الصالح عليّ لأني ذبحت، فيسأل الله لي.
    فإذاً: مقصود من عبد غير الله،من عبد الأوثان، من عبد الأصنام، من عبد القبور، من عبد الأولياء، من عبد الموتى، مقصودهم أن يشفع أولئك لهم، ليس مقصود أولئك أن يتخذوا هذه أرباباً أو آلهة استقلالاً، ما هذا مقصود أحد ممن أشرك، ولكن هذا مقصود أولئك من أنهم يريدون القربى والزلفى.
    فإذاً: تحتاج في رد الشبه إلى: أن تتدرج في المقدمات،أولاً.
    الثاني: أن تفهم كيف ترد الشبهة بعمومها، وكيف تفصل جمل الشبهة فترد عليها بخصوصها.
    الثالث: أن تقدم الرد المجمل أو الرد الإجمالي على ما أورده من الشبهة، برد مفصل على تفصيل كل جملة جملة، مثل ما ذكر الشيخ -رحمه الله- هنا، هنا قال: حالتهم، اذكر لهم حالة المشركين، لا تجادله: أنت مشرك؛ لأنه كذا وكذا أولاً، لا.
    ولكن صف له حال المشركين، على تفصيل الكلام الذي ذكرنا، ثم انتقل بعد ذلك إلى معنى كونه مشركاً، إلى معنى كونه نافى كلمة التوحيد، إلى آخر ما ذكرنا.
    هذه من المهمات في أن تتصور كيف تتدرج في رد الشبهة، واحذر من أن تنساق في رد الشبهة مع العاطفة فتجبهه بكلام قد يقوي الشبهة عنده، فلا بد أن يكون الانتقال - كما عليه قواعد إقامة البرهان وإقامة الحجاج مع المخالف - أن تنتقل في شأنه من المتفق عليه إلى ما هو أقل اختلافاً، ثم إلى ما هو أكثر، وهكذا.
    المسألة التي يقوى الاختلاف فيها لا تبتدئ بها،ابتدئ بالواضح جداً، ثم انتقل بعده درجة إلى الأقل وضوحاً ثم إلى الأقل وضوحاً، وهكذا.
    أما إذا ابتدأت بما هو أكثر إشكالاً، فإنَّه لن يقتنع؛ لأن ما هو أكثر إشكالاً يحتاج إلى مقدمات كثيرة.
    فإذاً:تبتدئ معه بما هو أكثر وضوحاً، والأكثر وضوحاً: وصف حال المشركين - مشركي العرب - من جهة إقرارهم بالربوبية، واحد.
    الثاني: إقرارهم بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً.
    الثالث:بأنهم إنما أرادوا الزلفى والشفاعة، بنصوص القرآن في ذلك.
    لكن لو ابتدأت معه بمعنى العبادة ربما يأتيك بمخالفات، يقول لك: لا، العبادة هي كذا، إذا أتيت معه في التكفير هنا يخالفك يقول لك: لا، هي كذا وكذا وكذا.
    فتبتدئ معه بتقرير شرك المشركين،وترد عليه شبهته هذه بأن أولئك ما أرادوا إلا الزلفى.
    فالتدرج إذاً مهم، وبعض الذين دعوا إلى التوحيد - مع الأسف - أوقعوا المدعو في شبهة أعظم مما كانت عنده؛ لأنه جاء للمستغلِق من المسائل فأراد أن يجيب عليها بما عنده واضح، لكن ذاك عنده ليست بواضحة، فأراد أن يجيبه فزاد الإشكال إشكالا.


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    كشف الشبهة الثانية: وهي زعمهم أن المشركين إنما هم عُبَّاد الأصنام
    فَإِنْ قَالَ: إن هَؤلاءِ الآياتِ نَزَلَتْ فِيمَنْ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَحْنُ لا نَعْبُدُ الأصْنَامَ، كَيْفَ تَجْعَلُونَ الصَّالحِينَ مِثْلَ الأَصْنَامِ؟ أَمْ كَيْفَ تَجْعَلُونَ الأَنْبِيَاءَ أصْنَاماً؟
    فَجاوِبْهُ بِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ إِذا أَقَرَّ أَنَّ الكُفَّارَ يَشْهَدُونَ بِالرُّبُوبيَّة ِ كُلِّها للهِ، وَأَنَّهُم مَا أَرَادُوا مما قَصَدُوا إِلاَّ الشَّفَاعَةَ، وَلَكِنْ أرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ فِعْلِهِمْ وَفِعْلِهِ بِمَا ذَكَرَ.
    فَاذْكُرْ لَهُ أَنَّ الْكُفَّارَ مِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الأَصْنامَ، وَمِنْهُمْ مَن يَدْعُو الأَوْلياءَ الَّذِينَ قالَ اللهُ فِيهِمْ: {أُوْلَئِكَ الَّذينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوْراً}[الإسراء: 57].
    وَيَدْعُونَ عيسى ابنَ مَرْيمَ وَأُمَّهُ وَقَدْ قالَ تَعالى: {مَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} الآية [المائدة: 75].
    وَاذْكُرْ لَهُ قَوْلَهُ تَعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ} الآية [سبأ: 40، 41].
    وَقَوْلَهُ تَعالى: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى اْبنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} الآية [المائدة: 116].
    فَقُلْ لَهُ: عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ كَفَّرَ مَنْ قَصَدَ الأَصْنَامَ، وَكَفَّرَ أَيْضاً مَنْ قَصَدَ الصَّالِحِينَ، وَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. [رسالة كشف الشبهات للامام محمد بن عبد الوهاب]

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
    (فَإِنْ قَالَ) المُشَبِّهُ: (هَؤُلاَءِ الآيَاتُ)- يَعْنِي: آيَةَ: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} ونَحْوَهَا- (نَزَلَتْ فِيمَنْ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ) إِن انْتَقَلَ إلَى هَذِه الشُّبْهَةِ وهي حَصْرُ عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ في الأَصْنَامِ، يَعْنِي وَما سِوَاهُ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ، فَلَيْسَ مِثْلَهُم، هو يَدْعُو الصَّالِحِينَ وَلَيْسَ بِمُشْرِكٍ! (كيف تَجْعَلُونَ الصَّالِحِينَ مِثْلَ الأَصْنَامِ؟) حَصَرَ عِبَادَةَ غَيْرِ اللهِ في الأَصْنَامِ (أَمْ كَيْفَ تَجْعَلُونَ الأَنْبِيَاءَ أَصْنَامًا؟) مِن شَأْنِ أَهْلِ البَاطِلِ وأَشْبَاهِهِم نِسْبَتُهُم مَن نَزَّلَ الصَّالِحِيَن مَنَازِلَهُم أَنْ يَقُولُوا: تَنَقَّصُوهُم وَهَضَمُوهُم.
    وفي الحَقِيقَةِ هُمُ النَّاقِصُونَ المَتَنَقِّصُون َ للرُّسُلِ وَأَرَادُوا أَنْ يُعْطَوْا بَاطِلاً.
    وَأَهْلُ الحَقِّ نَزَّلُوهُم مَنَازِلَهُم الحَقَّ اللاَّئِقَةَ بِهِم وَمَا جَاءُوا بِهِ، وَلاَ زَادُوا وَلاَ نَقَصُوا؛ أَعْطَوْهُم حَقَّهُم الوَاجِبَ ونَزَّهُوهُم عَمَّا لاَ يَصْلُحُ لَهُم مِن البَاطِلِ.(فجَاوِبْهُ بِمَا تَقَدَّمَ) وهو أَنَّ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ مُقِرُّونَ بالرُّبُوبِيَّة ِ؛ أَنَّ اللهَ تَعَالَى الخَالِقُ وَحْدَه لاَ شَرِيكَ لَهُ الرَّازِقُ، وإِنَّمَا كَانُوا مُشْرِكِينَ باتِّخَاذِهِم الوَسَائِطَ… إلخ.
    لَكِنَّهُم مَا أَعْطَوُا الرُّبُوبِيَّةَ حَقَّهَا فَإِنَّ تَوْحِيدَ الأُلُوهِيَّةِ هو نَتِيجَةُ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنَّهُ إِذَا أَقَرَّ أَنَّ الكُفَّارَ يَشْهَدُونَ بالرُّبُوبِيَّة ِ كُلِّهَا للهِ، وَأَنَّهُم مَا أَرَادُوا مِمَّنْ قَصَدُوا إِلاَّ الشَّفَاعَةَ) والمُشَبِّهُ مُقِرٌّ بِذَلِكَ (وَلَكِنْ أَرَادَ) المُشَبِّهُ (أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ فِعْلِهِم وَفِعْلِهِ بِمَا ذَكَرَ) وهو أَنَّ المُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ أَصْنَامًا وهو لاَ يَعْبُدُ صَنَمًا.

    (فَاذْكُرْ لَهُ أَنَّ الكُفَّارَ مِنْهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ) وَالأَوْثَانَ كَمَا ذَكَرَ اللهُ عَنْهُم:
    -{قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}.
    -{إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}.
    -{مَا هَـذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}.

    (وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الأَوْلِيَاءَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} الآيةَ) فَمَعْبُودَاتُه ُم مُتَنَوِّعَةٌ؛ لَيْسَت الأَصْنَامَ وَحْدَهَا، مِن دَلِيلِ تَنَوُّعِهَا هَذِهِ الآيَةُ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ في أُنَاسٍ يَعْبُدُونَ الجِنَّ فَأَسْلَمَ الجِنُّ وبَقِيَ الإِنْسُ عَلَى عِبَادَتِهِم.
    وَقِيلَ:نَزَلَتْ فِيمَنْ يَعْبُدُ العُزَيْرَ والمَسِيحَ كَمَا هو قَوْلُ أَكْثَرِ المُفَسِّرِينَ.
    وَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَ القَوْلَيْنِ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ يَدْعُو مَدْعُوًّا وَذَلِكَ المَدْعُوُّ صَالِحٌ في نَفْسِهِ يَرْجُو رَحْمَةَ الرَّبِّ ويَخَافُ عِقَابَهُ، فَكَأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَالَ في الرَّدِّ عَلَيْهِم: إِنَّ مَنْ تَدْعُونَهُ عَبِيدِي كَمَا أَنَّكُمْ عَبِيدِي، يَرْجُونَ رَحْمَتِي ويَخَافُونَ عَذَابِي، فَيَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلُوا مِثْلَمَا تَفْعَلُ تَلْكَ الآلِهَةُ.
    فَصَارُوا عَبِيدَهُ بِثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ: بِعِبَادَتِه وَحْدَهُ، ورَجَائِهِ وَحْدَهُ، وَخَوْفِهِ وَحْدَهُ، هَذَا هو المُوصِلُ لَهُمْ والوَسِيلَةُ والسَّبَبُ المُوصِلُ، لاَ عِبَادَةُ سِوَاهُ مِن الأَوْلِيَاءِ ونَحْوِهِم.
    فَهَذِه الآيَةُ مِن جُمْلَةِ الأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ مِن مَعْبُودَاتِهِم الأَوْلِيَاءَ.

    (وَيَدْعُونَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ) وَهُو صَرِيحٌ في شِرْكِ النَّصَارَى بالرُّسُلِ؛ عِيسَى رَسُولٌ (وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ}) يَعْنِي عَظِيمَةَ التَّصْدِيقِ بالحَقِّ {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فَهَذَا بَعْضُ أَنْوَاعِ شِرْكِ الأَوَّلِينَ أَهْلِ الكِتَابِ.

    (وَاذْكُرْ لَهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ (40) قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ}) هَذِه الآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مِن المُشْرِكِينَ مَن يَعْبُدُ المَلاَئِكَةَ.
    فَعَرَفْتَ مِن هذه الآيَاتِ أَنَّ مِن المُشْرِكِينَ مَن يَدْعُو الأَوْلِيَاءَ والصَّالِحِينَ، وَمِنْهُم مَن يَدْعُو الأَنْبِيَاءَ، وَمِنْهُم مَن يَدْعُو المَلاَئِكَةَ، وأَنَّ الآيَاتِ مِنْهَا مَا نَزَلَ فِيمَنْ يَعْبُدُ الأَوْلِيَاءَ، وَبَعْضَهَا فِيمَنْ يَعْبُدُ الأَنْبِيَاءَ، وبَعْضَهَا فِيمَنْ يَعْبُدُ المَلاَئِكَةَ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مُنْحَصِرَةً فِيمَنْ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ فَقَطْ؛ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ المَعْبُودَاتِ، بَل الكُلُّ تَسْوِيَةُ المَخْلُوقِ بالخَالِقِ، والكُلُّ عَدَلَ بِهِ تَعَالَى سِوَاهُ في العِبَادَةِ، فالكُلُّ شِرْكٌ، والكُلُّ مُشْرِكُونَ.
    فَعَرَفْتَ مِن الآيَاتِ أَنَّهُ مِثْلُهُم فَبِذَلِكَ انْكَشَفَتْ شُبْهَتُهُ وانْدَحَضَتْ حُجَّتُهُ.

    وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ} وهو تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ عِيسَى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، ولَكِنَّ المُرَادَ نُطْقُهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ وبَيَانُ بُطْلاَنِ عِبَادَتِهِم لَهُ، وَأَنَّه لَمْ يَرْضَ بذلك.
    وهَذَا الخَبَرُ مِن اللهِ ذَمٌّ وَعَيْبٌ لِمَن اتَّخَذَ المَسِيحَ وأُمَّهُ إِلَهَيْنِ مِن دونِ اللهِ {قَالَ سُبْحَانَكَ} أي: تَنْـزِيهًا لَكَ عمَّا لاَ يَلِيقُ بِجَلاَلِكَ وعَظَمَتِكَ {مَا يَكُونُ لِي} يَعْنِي: مَا يَنْبَغِي لِي {أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} أَنْ أَجْعَلَ حَقَّ رَبِّ العَالَمِينَ الَّذِي لاَ يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُه لِي: {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} وأَنْتَ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنِّي ذَلِكَ {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}.

    (فَقُلْ) للمُشَبِّهِ الشُّبْهَةَ السَّابِقَةَ: (عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ كَفَّرَ مَنْ قَصَدَ الأَصْنَامَ وَكَفَّرَ أَيْضًا مَنْ قَصَدَ الصَالِحِينَ) بَلْ لاَبُدَّ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ تَكْفِيرُهُم واعْتِقَادُ ذَلِكَ، فَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُم دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَرَى عَمَلَهُم كُفْرًا (وَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمْ) بَلْ جَعَلَ سَبِيلَهُمْ واحِدًا، وإِنْ تَفَرَّقَتْ مَعْبُودَاتُهُم ، فَكُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وهو عِبَادَةُ غَيْرِ اللهِ مَعَ اللهِ.
    وبِذَلِكَ انْكَشَفَتْ شُبْهَتُهُ وانْدَحَضَتْ حُجَّتُهُ وَأَنَّهُ في غَايَةِ الجَهَالَةِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين
    قولُهُ: (فإنْ قالَ: هؤلاءِ) - يَعْنِي: أهلُ الشِّركِ - هذهِ الآياتُ نَزَلَتْ في المشركينَ الَّذينَ يَعْبُدونَ الأصنامَ، وهؤلاءِ الأولياءُ ليْسُوا بِأصنامٍ.
    فَجاوِبْهُ بِما تَقَدَّمَ، أيْ: بأنَّ كلَّ مَنْ عبَدَ غيرَ اللهِ فقدْ جعَلَ مَعْبودَهُ وَثَنًا، فأيُّ فَرْقٍ بينَ مَنْ عبَدَ الأصنامَ وعبَدَ الأنبياءَ والأولياءَ؟! إذْ إنَّ الجميعَ لا يُغْنِي شيئًا عنْ عابِدِيهِ.

    يَقولُ: (فَإِنَّهُ) أيْ: هذا القائلَ، يَعْلَمُ أنَّ المُشرِكِينَ قدْ أَقَرُّوا بالرُّبوبيَّةِ، وأنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى هوَ رَبُّ كلِّ شيءٍ وخالِقُهُ ومالِكُهُ، ولكنَّهم عَبَدُوا هذهِ الأصنامَ مِنْ أجْلِ أنْ تُقَرِّبَهم إلى اللهِ زُلْفَى، وتَشْفَعَ لهم، فقدْ أَقَرَّ بأنَّ مَقْصودَهم كَمقصودِهِ، ومعَ ذلكَ لم يَنْفَعْهم هذا الاعْتِقادُ كما سبَقَ.

    قولُهُ: (فاذْكُرْ لهُ...) إلخ، جوابُ قولِهِ: (فإنَّهُ إذا أقَرَّ أنَّ الكُفَّارَ...) إلخ، يَعْنِي: فاذْكُرْ لهُ أنَّ هؤلاءِ المشركينَ:
    - مِنهم:مَنْ يَدْعو الأصنامَ لطلبِ الشَّفاعةِ كما أَنْتَ كذلكَ مُوافِقٌ لهم في المقصودِ.
    - ومنهم:مَنْ يَعْبُدُ الأولياءَ كما أنتَ كذلكَ مُوافِقٌ لهم في المقصودِ والمعبودِ، ودَليلُ أنَّهم يَدْعُونَ الأولياءَ قولُهُ تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}، وكذلكَ يَعْبُدُونَ الأنبياءَ كِعبادةِ النَّصارَى المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، وكذلكَ يَعْبُدُونَ الملائكةَ كقولِهِ تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}[ سبأٌ: 40 ] الآيةَ.
    فتَبَيَّنَ بذلكَ الجوابُ عنْ تَلْبِيسِهِ بِكَوْنِ المشرِكِينَ يَعْبُدونَ الأصنامَ وهو يَعْبُدُ الأولياءَ والصَّالحينَ مِنْ وجْهَيْنِ:
    الوجهُ الأوَّلُ: أنَّهُ لا صِحَّةَ لتَلْبِيسِهِ؛ لأنَّ مِنْ أولئكَ المشركينَ مَنْ يَعْبُدُ الأولياءَ والصَّالحينَ(2).
    الوجهُ الثَّاني: لوْ قَدَّرْنا أنَّ أولئكَ المشركينَ لا يَعْبُدُونَ إلاَّ الأصنامَ، فلا فَرْقَ بينَهُ وبينَهم؛ لأنَّ الكلَّ عَبَدَ مَنْ لا يُغْنِي عنهُ شيئًا(3).

    قولُهُ: (واذْكُرْ لهُ قولَهُ تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ}) الآيتَيْنِ. هذهِ معطوفةٌ على قولِهِ سابِقًا: (فاذْكُرْ لهُ أنَّ الكفَّارَ منهم مَنْ يَدْعُو الأصنامَ...) إلخ، والمقصودُ مِنْ هذا أنْ يَتَبَيَّنَ لهُ أنَّ مِن الكفَّارِ مَنْ يَعْبُدُ الملائكةَ وهمْ مِنْ خِيارِ خَلْقِ اللهِ وأوليائِهِ، فيَبْطُلُ تَلْبِيسُهُ بأنَّ الفَرْقَ بينَهُ وبينَ الكُفَّارِ أنَّهُ هوَ يَدْعُو الصَّالحينَ والأولياءَ، والكفَّارُ يَعْبُدونَ الأصنامَ مِن الأحْجارِ ونَحْوِها.

    قولُهُ: (وقوْلَهُ تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ}) الآيةَ، أيْ: واذْكُرْ لهُ قولَهُ تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى …} لِتُلْقِمَهُ حَجَرًا في أنَّ الكفَّارَ كانوا يَعْبُدونَ الأولياءَ والصَّالِحِينَ، فلا فَرْقَ بينَهُ وبينَ أُولئِكَ الكفَّارِ.

    قولُهُ: (فقُلْ لهُ...) إلخ، أيْ: قُلْ ذلكَ مُبَيِّنًا لهُ أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى كَفَّرَ مَنْ عَبَدَ الصَّالِحِينَ ومَنْ عبَدَ الأصنامَ، والنبيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاتَلَهم على هذا الشِّركِ ولم يَنْفَعْهم أنْ كانَ المَعْبودونَ مِنْ أولياءِ اللهِ وأنبيائِهِ. ---------------- قال الشيخ صالح الفوزان
    الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا قَرَأْتَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} وقَوْلَهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} وَقَالَ لَكَ: هذه الآياتُ نَزَلَتْ في الَّذِينَ يَعْبُدونَ الأَصْنَامَ، وأَنَا لَسْتُ أَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وإِنَّما أَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ بالصَّالِحِينَ، فكيف تَجْعَلُ الصَّالِحِينَ أَصْنَامًا؟!
    والجَوابُ عن هذا وَاضِحٌ جِدًّا:وهو أَنَّ اللهَ ذَكَرَ أَنَّ المُشْرِكِينَ مِنْهُم مَن يَعْبُدُ الأَصْنَامَ، ومِنْهُم مَن يَعْبُدُ الأَوْلِيَاءَ والصَّالِحِينَ، وسَوَّى اللهُ بَيْنَهُم في الحُكْمِ، ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُم، وأَنْتَ فَرَّقْتَ بَيْنَهُم في ظَنِّكَ أَنَّ عِبَادَةَ الأَصْنَامِ لاَ تَجُوزُ، وأَنَّ عِبَادَةَ الصَّالِحِينَ تَجُوزُ بِقَصْدِ التَّوَسُّطِ، والدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ اللهَ ذَكَرَ أَنْوَاعًا مِن المُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ الصَّالِحِينَ، مِنْهُم مَن يَعْبُدُ المَلاَئِكَةَ.
    والمَلاَئِكَةُ مِن أَصْلَحِ الصَّالِحِينَ، قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ}.

    وفي يَوْمِ القِيَامَةِ يَسْأَلُ اللهُ -جَلَّ وَعَلاَ- المَلاَئِكَةَ وهو أَعْلَمُ -سُبْحَانَه وَتَعَالَى- لَكِنْ لأَِجْلِ إِبْطَالِ حُجَّةِ هَؤُلاءِ: {أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مِنْهُم مَن يَعْبُدُ المَلاَئِكَةَ، لكنَّ المَلاَئِكَةَ تَتَبَرَّأُ مِنْهُم يَوْمَ القِيَامَةِ، وتَقُولُ: نَحْنُ مَا أَمَرْنَاهُم بِذَلِكَ ولاَ رَضِينَا بذلك {سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ} -يَعْنِي الشَّيَاطِينَ- فالشَّياطِينُ هي الَّتِي أَمَرَتْهُم بِعِبَادَةِ المَلاَئِكَةِ؛ لأَِنَّ المَلاَئِكَةَ لاَ تَأْمُرُ إلاَّ بِعِبَادَةِ اللهِ {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِين} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مِنْهُم مَن يَعْبُدُ المَلاَئِكَةَ، والمَلاَئِكَةُ أَصْلَحُ الصَّالِحِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِم: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} ومنهم مَن يَعْبُدُ الأَنْبِيَاءَ والصَّالِحِينَ كالمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ وأُمِّه.
    وإِذَا بَطَلَ التَّوَسُّلُ بالمَلاَئِكَةِ والأَنْبِيَاءِ؛ ودُعَاؤُهُم مِن دونِ اللهِ، بَطَلَ التَّوَسُّلُ بِغَيْرِهِم مِن الصَّالِحِينَ ودُعَاؤُهُم مِن دونِ اللهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}لأَِنَّ الوَاجِبَ إِخْلاَصُ العِبَادَةِ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا مِن الدُّعَاءِ والذَّبْحِ والنَّذْرِ وغَيْرِ ذَلِكَ.
    فَمَنْ ذَبَحَ لغَيْرِ اللهِ وَدَعَا غَيْرَ اللهِ كَانَ مُشْرِكًا خَارِجًا مِن الدِّينِ.


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ صالح آل الشيخ
    (فإن قال: هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصناماً؟!).
    قال: (فجاوبه بما تقدم، فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها): إلى آخر كلامه.

    يعني بقوله: (فجاوبه بما تقدم) ما قدمه في المقدمات فيما سبق.
    وقوله: (فإنه) هذا تفصيل لذلك الجواب.
    قال: (إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله).

    فأول إبطال لقولهم أن يقام عليه حال الكفار مع الربوبية، والله -جل وعلا- بين لنا أن أفراد توحيد الربوبية، كان الكفار يقرون بها، فلما كان الكفار مقرين بتوحيد الربوبية كان شركهم جائياً من جهة توحيد الإلهية، وقد بين ذلك -جل وعلا- في آيات كثيرة:
    - كقوله جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}.
    -وكقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
    -وكقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء} الآية.
    - وكقوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} الآيات، وكقوله في الآيات التي في أول الجزء، في النمل، والآيات ذكرناها وهي كثيرة في بيان إقرار المشركين بالربوبية، إذا كان كذلك وأقر بهذا، فإن جزءاً من شبهته قد زال، حتى يعلم أن شرك مشركي العرب لم يكن من جهة اعتقادهم أن هذه الأصنام تخلق، أو قادرة على الاختراع، أولها نصيب في الملك.
    فإذا كان كذلك نقول: هم - من هذه الجهة - أرادوا من الأصنام هذه الشفاعة؛ كما قال جل وعلا: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}.
    - وكقوله جل وعلا: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}.
    - وكقوله جل وعلا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}.
    فإذاً: المشركون لهم اعتقاد في إلهية هذه الأصنام، ويرون أنهم إنما يتقربون إليها لأجل التوسط، لأجل الشفاعة، فهذا برهان ثانٍ.
    فالبرهان الأول على هذه الشبهة: حال المشركين مع إقرار الربوبية.
    والبرهان الثاني في الرد على هذه الشبهة: بيان أنهم مع الأصنام ما قصدوا إلا التوسط والشفاعة؛ لأن الله -جل وعلا- بين لنا أنهم لا يعتقدون في الأصنام أنها تخلق وترزق وتأتي بالمطر وتسير الرياح إلى آخر ذلك، بل إنما قصدوا منها الشفاعة واتخاذ الأصنام وسائط.
    البرهان الثالث: ما ذكره الشيخ بعد ذلك بقوله: (ولكن إذا أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره، فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو الأولياء) كما أسلفنا أن عبادة المشركين لغير الله، كانت متجهة إلى أربعة أنواع، ذكرناها لكم فيما سبق، وتلخيصها: -أنهم عبدوا الأصنام المصورة، وعبدوا الملائكة، وعبدوا الأنبياء والأولياء، وعبدوا الأشجار، والأحجار، يعني اعتقدوا فيها وعبدوها.
    فهذه جملة الأنواع، ويدخل في الأشجار والأحجار عبادة الشمس والقمر والكواكب؛ لأن لها نصيباً من كونها أحجاراً، ويدخل في عبادة النوع الثاني أصناف، ويدخل في النوع الأول أصناف، إلى آخره.
    فإذاً:لم تكن عبادة العرب منصبة على نوع واحد.
    إذا أراد الدليل فنقول له: من جهة أن العرب وغير العرب من المشركين والكفار عبدوا أنبياء وعبدوا صالحين، فالآيات في هذا كثيرة:
    -كقوله جل وعلا: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ}.
    -وكقوله جل وعلا: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ}.
    -وكقوله جل وعلا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}.
    -وكقوله جل وعلا: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
    -وكقوله جل وعلا: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} على القراءة: {اللَّاتَ وَالْعُزَّى}وهو رجل صالح كان يلت السويق، فمات فعكفوا على قبره.
    إذاً: فنجمع لهم الآيات التي هي صريحة في أن الصالحين عُبِدوا.
    ثم الدرجة الثانية من هذا البرهان الثالث: أن نقول: في القرآن أيضاً بيَّن -جل وعلا- أن الذين عبدهم المشركون كانوا أمواتاً غير أحياء، كما قال -جل وعلا- في سورة النحل، في ذكر الحجاج مع المشركين، قال في وصف الآلهة: {لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} فهذه الآية فيها بيان أن الذين عبدهم المشركون والكفار من العرب كانوا لا يخلقون شيئاً؛ وهم يخلقون، وأنهم أموات غير أحياء.
    ومعنى قوله: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} أنهم الآن ليسوا على وصف الحياة بل هم على وصف الموت، وهذا يعني: أنهم كانوا قبل هذا الوصف أحياء؛ لأن الذي يوصف بأنه ميت هو من كان حياً، قال -جل وعلا- هنا: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} ثم أكد ذلك بقوله: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} يعني: ما يشعرون متى يبعث، والذي يبعث هو الميت الذي يوصف بأنه كان حياً فمات.
    وهذا واضح في خروج الجمادات والأصنام عنها، الذي يُبعث ذووا النفوس، الجن والإنس والحيوان، وهنا معلوم أن المقصود من عُبد منَ الإنس، فإذا كان كذلك بطل ادعاء أن العرب إنما عبدت أصناماً لها وصف الحجارة فقط، وقد ذكرنا لكم لِمَ تعلقَ العربُ ومن قبلهم بالأصنام؟.
    لأنهم يعتقدون أن هذا الصنم الذي هو مصور على هيئة صورة ما، تحله روح-أو كما يقولون- روحانية تلك الصورة، فإذا كانت الصورة صورة بشرٍ حلت فيه حين الخطاب، وإذا كانت الصورة صورة كوكبٍ، حلت فيه روحانية الكوكب حين الخطاب، وإذا كانت الصورة صورة ملك، حضر الملك حين الخطاب، وهكذا فيما يزعمون.
    وكل الذين يحضرون ويخاطبونهم -وهم صادقون- حين يقولون: خاطبنا الصنم فخاطبنا، وكلمناه فكلمنا، وسألناه فأجابنا، ولكن لم تجبهم الأرواح الطيبة، وإنما أجابتهم الأرواح الخبيثة، أرواح الشياطين والجن.
    ولهذا قال -جل وعلا- في آية سبأ: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} يعني: أن الحقيقة أن الذي خاطبهم وأوقعهم في هذا إنما هم شياطين الجن، وقد قال جل وعلا: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} وكان إضلال الشيطان ليس من جهة الشهوات فحسب؛ بل هو في أعظم إضلال، وهو في عبادة غير الله جل وعلا.
    إذاً: جواب هذه الشبهة ترتب على - ثلاثة أنواع من البراهين مرتبة:
    الأول:في أن إقرار المشركين بالربوبية على وجه التفصيل، وتسوق الآيات.
    الثاني:أنهم ما أرادوا ممن عبدوهم - ولو كانت الأصنام - إلا التوسط والشفاعة، كما هي الآيات.
    الثالث:أن الآيات فيها ذكر أن تلك المعبودات لم تكن أصناماً فحسب، بل كانت تلك المعبودات من البشر والملائكة والجن، يعني أن غير الله -جل وعلا- عبد بجميع أنواع غير الله، فعبدت الملائكة، وعبد الصالحون، وعبد الأولياء، وعبد الأنبياء.
    إذا تبين ذلك واتضح، فنأتي إلى خاتمة هذا البرهان، قبل أن نمشي مع كلام الإمام رحمه الله تعالى.
    فنقول: إن هذا البرهان، ورَدَّ هذه الشبهة بما ذكرنا واضح، ولكن يبقى نتيجته، وهو فهم معنى التوسط، وفهم معنى التوسل، وفهم معنى الشفاعة، وهذا سيأتي في جواب الشيخ، أو في تكملة كلام الشيخ رحمه الله.
    لكن المقدمة قبل هذا: أنه إن سلّم بهذه البراهين الثلاثة مرتبة، فانتقل معه إلى الكلام على الشفاعة، ولا تتكلم في الشفاعة قبل هذه البراهين؛ لأن الكلام في الشفاعة الشبهُ القوليةُ فيه والعملية والنقلية كثيرة، فيحتاج إلى محكم، وإلى واضح، حتى يُرْجَع إليه عند الاختلاف.
    فإذاً:حين الحجاج مع المشركين، يقدم لهم إذا قالوا إن الأولين ماعبدوا إلا الأصنام، البراهين الثلاثة ولا يُتكلم في الشفاعة إلا بعدها.
    ما معنى الشفاعة؟ وكيف توسلوا هم ؟ ومعنى التوسل ؟ وماشابه ذلك.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    كشف الشبهة الثالثة: وهي أنهم مقرون بأن الله هو النافع الضار وإنما يسألونهم الشفاعة
    فَإِنْ قَالَ:
    الكُفَّارُ يُريدُونَ مِنْهُمُ النَّفْعَ والضُّرَّ، وَأنَا أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ المُدَبِّرُ لاَ أُرِيدُ إِلاَّ مِنْهُ، وَالصَّالِحُون لَيْسَ لَهُمْ مِن الأَمْرِ شَيْءٌ وَلَكِنْ أَقْصِدُهُم أَرْجُو من اللهِ شَفَاعَتَهُم.
    فَالجَوابُ:
    أَنَّ هَذا قَوْلُ الكُفَّارِ سَواءً بسَواءٍ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلى اللهِ زُلْفَى}[الزُّمر: 3]، وَقَوْلَهُ تَعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}[يونس: 18].
    وَاعْلَمْ: أَنَّ هَذِهِ الشُّبَهَ الثَّلاثَ هِيَ أَكْبَرُ ما عِنْدَهُمْ، فَإذا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ وَضَّحَها في كِتَابِهِ وَفَهِمْتَها فَهْماً جَيِّداً فَما بَعْدَها أَيْسَرُ مِنْها.


  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
    (فَإِنْ قَالَ: الكُفَّارُ) الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِم القُرْآنُ؛ أَبُو جَهْلٍ وأَضْرَابُهُ: (يُرِيدُونَ مِنْهُمْ) يُرِيدُونَ مِن الآلِهَةِ الَّتِي يَدْعُونَ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُمْ؛ لأَِنَّهُمْ أَبْوابُ حَوَائِجِهم إِلَى اللهِ؛ فَهُم يُبَاشِرُونَهُم بالعِبَادَاتِ (وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ هو النَّافِعُ الضَّارُّ لاَ أُرِيدُ إِلاَّ مِنْهُ، والصَّالِحُونَ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ أَقْصِدُهُم أَرْجُو مِنَ اللهِ شَفَاعَتَهُم) والمَالِكُ لَهُمْ والمطْلُوبُ هو اللهُ وَأَقْصِدُهُم ليَطْلُبُوا لي مِن اللهِ الشَّفَاعَةَ.
    إِذَا انْتَقَلَ بَعْدَ كَشْفِ الشُّبْهَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ وشَبَّهَ بِهَذِه الشُّبْهَةِ.

    (فالجَوَابُ) عَن هَذِه الشُّبْهَةِ (أَنَّ هَذَا قَوْلُ الكُفَّارِ) بِعَيْنِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ (سَوَاءً بِسَوَاءٍ) مَا وُجِدَ شَيْءٌ مُخَفَّفٌ بَلْ وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ أَعْظَمُ مِنْهُم؛ فَإِنَّهُم مُقِرُّونَ بالرُّبُوبِيَّة ِ؛ أَنَّ اللهَ هو المُدَبِّرُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَت الإِشَارَةُ إِلَيْهِ أَوَّلَ الكِتَابِ، اقْرَأْ عَلَيْهِ الآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى إِقْرَارِهِم بالرُّبُوبِيَّة ِ المُتَقَدِّمَةِ ، (وَاقْرَأْ عَلَيْهِ) الآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُم مَا أَرَادُوا إِلاَّ الشَّفَاعَةَ، مِنْهَا (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}) فَإِنَّ في هَذِه الآيَةِ حَصْرَ مَطْلُوبِهِم وهو شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ يَقُولُونَ: لَيْسَ لَنَا صَلاَحِيَةُ السُّؤَالِ مِن اللهِ فنَطْلُبَ مِنْهُم وَهُمْ يَطْلُبُونَ لَنَا مِن اللهِ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى.
    (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ هَـؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ}) فَفِي هَذِه الآيَةِ بَيَانُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُم قَصْدٌ إِلاَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ وهو طَلَبُ الشَّفَاعَةِ إِلَى رَبِّ الجَمِيعِ.

    (واعْلَمْ أَنَّ هَذِه الشُّبَهَ الثَّلاَثَ هي أَكْبَرُ مَا عِنْدَهُم) هَذِه، والشُّبْهَتَانِ قَبْلَهَا: شُبْهَةُ انْتِفَاءِ الشِّرْكِ مَعَ الإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَشُبْهَةُ حَصْرِ الشِّرْكِ في عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وشُبْهَةُ أَنَّ الكُفَّارَ يُرِيدُونَ مِنْهُم وَأَنَّهُ لاَ يُرِيدُ مِنْهُم إِلاَّ الشَّفَاعَةَ (فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ وَضَّحَهَا فِي كِتَابِهِ وفَهِمْتَهَا فَهْمًا جَيِّدًا فَمَا بَعْدَهَا أَيْسَرُ مِنْهَا) يَعْنِي: إِذَا صَارَ هَذِه سُهُولَةَ رَدِّ أَعْظَمِ شُبَهِهِم فَغَيْرُهَا بِطَرِيقِ الأَوْلَى أَسْهَلُ وأَسْهَلُ؛ تَجِدُ في النُّصُوصِ أَسْهَلَ شَيْءٍ الرَّدَّ عَلَيْهِم.------------------------- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين
    قولُهُ: (فإن قالَ) يَعْنِي: هذا المشركُ: الكُفَّارُ يُرِيدونَ مِنهم؛ أيْ: يُرِيدونَ أنْ يَنْفَعوهم أوْ يَضُرُّوهم، وأنا لا أُرِيدُ إلاَّ مِن اللهِ، والصَّالِحونَ ليسَ لهم مِن الأمْرِ شيءٌ، وأنا لا أَعْتَقِدُ فيهم، ولكنْ أتَقَرَّبُ بهم إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لِيَكونوا شُفعاءَ.
    فقُلْ لهُ: وكذلكَ المشرِكونَ الَّذين بُعِثَ فيهم رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، هم لا يَعْبُدونَ هؤلاءِ الأصنامَ لاعْتِقادِهم أنَّها تَنْفَعُ وتَضُرُّ، ولكنَّهم يَعْبُدونها لِتُقَرِّبَهم إلى اللهِ زُلْفَى، كما قالَ تعالى عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}، وقالَ: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفُعَاؤُنَا عِندَ اللهِ}، فتَكونُ حالُهُ كِحالِ هؤلاءِ المشرِكينَ سَوَاءً بسَوَاءٍ.

    قولُهُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (هذهِ الشُّبَهَ الثَّلاثَ).
    الشُّبْهةُ الأُولَى: قولُهم: (إنَّنا لا نَعْبُدُ الأصنامَ، إنَّما نَعْبُدُ الأولياءَ).
    الشُّبْهةُ الثَّانيةُ: قولُهم: (إنَّنا ما قَصَدْناهُم، وإنَّما قَصَدْنا اللهَ عزَّ وجلَّ في العبادةِ).
    الشُّبْهةُ الثَّالثةُ: قولُهم: (إنَّنا ما عَبَدْناهُم لِيَنْفَعونا أوْ يَضُرُّونا؛ فإنَّ النَّفعَ والضَّرَرَ بِيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولكنْ لِيُقَرِّبُونَا إلى اللهِ زُلْفَى، فنحنُ قَصَدْنا شَفاعتَهم بذلكَ، يَعْنِي: فنحنُ لا نُشْرِكُ باللهِ سُبحانَهُ وتعالى). فإذا تَبَيَّنَ لكَ انْكِشافُ هذهِ الشُّبَهِ، فانكشافُ ما بعدَها مِن الشُّبَهِ أَهْوَنُ وأَيْسَرُ؛ لأَِنَّ هذهِ مِنْ أقْوَى الشُّبَهِ الَّتي يُلَبِّسونَ بها.----------------------- قال الشيخ صالح الفوزان
    الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا سَلَّمَ بأنَّ الدُّعاءَ لغَيْرِ اللهِ شِرْكٌ، ولَكِنَّه قَالَ: أَنَا لاَ أَدْعُو النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- ولاَ غَيْرَه، وهَذَا الَّذي أَفْعَلُهُ لَيْسَ دُعَاءً وإِنَّما هو طَلَبٌ لِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وهل تُنْكِرُ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-؟!
    فإنَّك حينَئذٍ تَدْخُلُ مَعَهُ في خُصُومَةٍ أُخْرَى، وشُبْهَةٍ أُخْرَى وهي: أَنَّه سَمَّى دُعَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- والاسْتِغَاثَةَ بِهِ طَلَبًا للشَّفاعَةِ، ولَمْ يُسَمِّهِ دُعَاءً، ويَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ فَأَنَا أَطْلُبُ مِنْهُ الشَّفَاعَةَ.

    فتَقُولُ لَهُ: أَنَا لاَ أُنْكِرُ الشَّفَاعَةَ، وأُقِرُّ أَنَّ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- حَقٌّ، وأَنَّه شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، أَنَا لاَ أُنْكِرُ هَذَا، ولكنَّ الشَّفَاعَةَ لاَ تُطْلَبُ مِن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وهو ميِّتٌ، وإنَّما تُطْلَبُ مِن اللهِ؛ لأَِنَّ الشَّفَاعَةَ مُلْكٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}فَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الشَّفَاعَةِ مُلْكٌ للهِ، ومَادَامَتْ مُلْكًا للهِ فَإِنَّها لاَ تُطْلَبُ إلاَّ مِمَّن يَمْلِكُهَا وهو اللهُ سُبْحَانَه وتَعَالَى.
    والنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- لاَ يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ ولاَ أَحَدٌ يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ إلاَّ بإِذْنِ اللهِ، وإنَّما هي مُلْكٌ للهِ عَزَّ وجَلَّ، وأَيْضًا الشَّفَاعَةُ لاَ تَنْفَعُ كُلَّ أَحَدٍ وإنَّما تَنْفَعُ أَهْلَ التَّوْحِيدِ، وأَنْتَ لَسْتَ مِن أَهْلِ التَّوْحِيدِ؛ لأَِنَّك تَدْعُو غَيْرَ اللهِ.

    فالشَّفَاعَةُ لَهَا شَرْطَانِ:
    الشَّرْطُ الأَوَّلُ: أَنْ تُطْلَبَ مِن اللهِ -سُبْحَانَه وتَعَالَى- ولاَ تُطْلَبَ مِن غَيْرِه.

    الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ المَشْفُوعُ فيه مِن أَهْلِ التَّوْحِيدِ، لاَ مِن أَهْلِ الشِّرْكِ والكُفْرِ.
    والدَّلِيلُ عَلَى الشَّرْطِ الأَوَّلِ: قَوْلُه: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إلاَّ بِإِذْنِهِ} لاَ المَلاَئِكَةُ ولاَ الرُّسُلُ ولاَ الأَوْلِيَاءُ ولاَ الصَّالِحُونَ، لاَ أَحَدَ يَشْفَعُ عِنْدَ اللهِ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى}.

    ودَلِيلُ الشَّرْطِ الثَّانِي: قَوْلُه تَعَالَى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}وهو لاَ يَرْضَى إلاَّ عن أَهْلِ التَّوْحيدِ.
    فَلاَ تُطْلَبُ الشَّفَاعَةُ مِن المَخْلُوقِ، وإِنَّمَا تُطْلَبُ الشَّفَاعَةُ مِن اللهِ، فَتَقُولُ: اللهُمَّ شَفِّعْ فِيَّ نَبِيَّكَ، لاَ تَطْلُبْهَا مِن الأَمْوَاتِ.

    وهذا الَّذي تَقُولُ: إنَّه طَلَبٌ للشَّفَاعَةِ هو الَّذي كَفَّرَ اللهُ بِهِ المُشْرِكِينَ، فإنَّ المُشْرِكِينَ حِينَمَا لَجَؤُوا إلى الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ، وإِلَى المَلاَئِكَةِ وإلى الأَنْبِيَاءِ، حِينَمَا لَجَؤُوا إلى هَؤُلاَءِ وطَلَبُوا منهم الشَّفَاعَةَ كَفَّرَهُمُ اللهُ بِذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} فَهَذَا الَّذِي تَقُولُه هو الَّذي كَفَّرَ اللهُ بِهِ المُشْرِكِينَ، وهو عِبَادَةُ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ طَلَبًا لشَفَاعَتِهِم.




  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ صالح آل الشيخ
    وهذه الشبهة وأنهم ما قصدوا إلا الشفاعة، تحتاج إلى شيءٍ من التقرير، فإن المشركين وأشباه المشركين والمدافعين عن المشركين، يقولون: إن الأسباب جعلها الله -جل وعلا- منتجة لمسبباتها، فجعل الأكسية سبباً في دفع الحر، في دفع البرد، وجعل القلم سبباً للكتابة، وجعل الطعام سبباً لدفع الجوع، وجعل الشراب والماء سبباً لدفع الظمأ، إلى آخر ذلك، وجعل بيتك سبباً، وجعل العصا التي تحملها سبباً، وجعل كذا وكذا سبباً.
    قالوا: فكيف يعقل أن تكون هذه الأسباب نافعة والأنبياء والأولياء والصالحون بعد الموت لا ينفعون؟ فلا شك أنهم أعظم قدراً، وسببيتهم أعظم من هذه الأشياء.
    فكيف يقال: إن الطعام ينفع، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينفع؟ كما يقولون، وكيف يقال: إن الأكسية تنفع والنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد مماته لا ينفع، أو الأولياء والصالحون لا تنفع، فيدخلون لك في تقرير الشفاعة والتوسل من جهة الأسباب والارتباط بالمسببات.

    وجواب هذا يكون بمعرفة حال المشركين،فإن المشركين حين أشركوا ما أرادوا إلا أن يتخذوا هذه الأسباب مسبِّبات، حينما توجهوا إلى عيسى عليه السلام، وإلى أمه، وإلى اللاتِّ، وإلى الصالحين، وإلى القبور، لم توجهوا؟ هل يعتقدون فيها الاستقلالية؟ إنما اعتقدوها أسباباً.
    فإذاً: شبهة السببية هي مقدمة شبهة الشفاعة، فإنهم يقررون السببية، حتى يصلوا منها إلى أنه لا بأس أن تتشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تتشفع بالأولياء والصالحين.
    فإذاً: فهمك لعبادة المشركين، يقضي على هذه الشبهة من أساسها،وتستطيع بفهمك لعبادة المشركين أن ترد على من أتى بهذه الشبهة، التي هي مقدمة للقول بالشفاعة.
    الأسباب - كما هو معلوم - في الشرع نوعان:

    1- أسباب مأذون بها.
    2-وأسباب محرمة.
    فليس كل سبب جائز في الشرع أن يتعاطى، وكون النبي -صلى الله عليه وسلم- سبباً بعد موته، أو كون الصالحين أسباباً بعد موتهم، هذا عند الجدال والبرهان نقول: هذا احتمال، احتمال أن يكونوا أسباباً، واحتمال أن لا يكونوا أسباباً؛ لأن السبر والتقسيم ومقتضى الجدل الصحيح يقضي أن نقسم، بأنهم احتمال أن يكونوا كذلك، واحتمال ألا يكونوا كذلك.

    فننظر في حال الأولين:

    1-نقول: الله -جل وعلا- بين لناأن أرواح الشهداء عنده في مقام عظيم، وأنه لا يجوز لنا أن نقول: إن الشهيد ميت، كما قال جل وعلا: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}.


    وقال -جل وعلا- في آية آل عمران: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.

    وأولهم شهداء بدر، وشهداء أحد وهم كثير، ففي زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- من السنة الثانية إلى وفاته -عليه الصلاة والسلام- ننظر في هذا السبب، هل كان شيء من النبي -عليه الصلاة والسلام- أو فيما تنزل من القرآن وجهنا إلى الانتفاع بهذا السبب على فرض أنه سبب نافع؟ فهذا باليقين لا يقول أحد: إن ثمة آية أو حديثاً أو سلوكاً للصحابة بأنهم توجهوا إلى أرواح الشهداء وهم أحياء بنص القرآن للانتفاع بهذا السبب.

    وحال الصالحين والأولياء الذين توجه لهم المشركون - غير الأنبياء - لا شك أنهم أقل حالاً من هؤلاء الشهداء الذين شهد الله -جل وعلا- لهم بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون؛ لأن أولئك ما شاركوهم في وصف الشهادة، الأنبياء أعظم وأرفع درجة من الشهداء.

    فإذا كان كذلك، صار هذا إجماعاً قطعياً في زمن النبوة، وهو أعلى أنواع الإجماع، أن هذا السبب ولو فرض أنه ينفع فإنهم تركوه قصداً ولم ينزل فيه شيء، فدل على أنه سبب غير نافع، وأنه سبب غير مأذون به.
    والدرجة الثانية: أنه بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- وكونه عليه الصلاة والسلام في الرفيق الأعلى، أو مع الرفيق الأعلى، واضحاً كان هذا عند الصحابة، ومع ذلك لم يتوجه الصحابة ولا التابعون، قطعاً إلى روح النبي عليه الصلاة والسلام، يطلبون منها أو يجعلونها سبباً، فهذا إجماع ثانٍ توالت عليه أعصر.

    والإجماع الثالث: في حادثة نقلت، أن عمر -رضي الله عنه- لما أصاب الناس في عام الرمادة سنة سبعة عشر، لما أصاب الناس الضيق، والكرب، والجفاف، والجوع، كان يستسقي -كما في الحديث المعروف في البخاري وفي غيره- فلما دعا، أو فلما خطب قال: (إنا كنا نستسقي برسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني في حياته - والآن نستسقي بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا عباس قم فادع) فقام العباس ودعا، وأمّنَ الناس على دعائه.
    وهذا يدل دلالة قطعية على أنهم انتفعوا بسبب دعاء العباس، ولم يطلبوا الانتفاع بسبب دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، لعلمهم بأن ذلك السبب غير مشروع، وأنه من توجه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- طالباً منه أن يدعو، أنه مخالف للشريعة، وأنه شرك؛ لأنه لا يمكن أن يتوجهوا إلى المفضول ويتركوا الفاضل، لا يمكن أن يتوجهوا إلى الأقل ويتركوا الأعلى، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هذا لو كان لغير المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وهم في حياته كانوا يستغيثون به فيما يقدر عليه، ويستشفعون به فيما يقدر عليه، عليه الصلاة والسلام، إلى آخر ذلك، وهذا إجماع ثالث؛ لأن الحديث صحيح.
    إذا تقرر هذا، فنقول:هذا كله على فرض أن السبب نافع؛ ولكنه لم يؤذن بالسبب، فقد تكون الخمرة نافعة لكن لم يؤذن بها، والله -جل وعلا- قال في الخمر والميسر: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}ومع ذلك حرمها، وقال عليه الصلاة والسلام: ((تداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام)) وقال: ((إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها))الحديث في أبي داود وفي غيره.
    إذا تبين ذلك فنقول: إذاً: على فرض أن هذا السبب ينفع؛ فإنه سبب محرم غير مأذون به في الشرع؛ لتلك الأنواع الثلاثة من الإجماعات.
    ثم ننتقل إلى درجة ثانية من الحجاج معهم، فنقول:في الحقيقة هذا السبب غير نافع في الدنيا، وهو ما تعلقوا به من جهة الشفاعة أيضاً، نقول: تقرر أنه ـ أن هذا السبب - غير مأذون به، وأنه مردود في الشريعة؛ لأنه شرك المشركين.
    نقول:الدرجة الثانية: هذا السبب في الحقيقة غير نافع، لمَ؟
    نقول للآتي: أولاً: أن الله -جل وعلا- بين أن روح عيسى -عليه السلام- وروح أمه، لا تنفعهم ولا تضرهم، بنص القرآن فقال جلّ وعلا: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ} يعني: عيسى وأمه {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

    فإذاً: في هاتين الآيتين من سورة المائدة، والتي ساقها الشيخ رحمه الله، في الأولى بيان التوجه إلى أرواح الأنبياء والصالحين؛ لأن عيسى -عليه السلام- من أولي العزم من الرسل؛ ولأن أمه من عباد الله الصالحين، ومن القانتات، فتوجهوا إلى روح نبي وإلى روح أَمَةٍ صالحة، وأم نبي وأم أحد أولي العزم من الرسل، بين -جل وعلا- أن توجههم لتلك الأرواح تعلق بسبب غير نافع، ما الدليل؟ قال {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً} وهذا يدل على أن هذا السبب غير نافع.

    وقال -جلّ وعلا- في الآية الأخرى في سورة الجن، في وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي الأمر له بأن يقول: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً} بين -جل وعلا- أن محمداً -عليه الصلاة والسلام- لا يملك لهم ضراً ولا رشداً، إلا فيما جعله الله -جل وعلا- سبباً نافعاً في حياته؛ وهو أعظم عليه الصلاة والسلام، أعظم سبب نفع الناس وأعظم الأسباب النافعة في حياته، حيث هداهم إلى الإيمان وأنقذهم من الضلالة إلى الهدى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور.

    وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام السبب ـ هذا الذي هو سبب الهداية، وما أقدره الله عليه في الدنيا - أصبح باطلاً؛ لأنه -جلّ وعلا- بين أن الأنبياء والصالحين لا يملكون ضراً ولا نفعاً لمن عبدوهم، وقد قال -جلّ وعلا- في أول سورة الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} اربطها بمن اتخذ ولداً بمن اعتقد أن لله -جل وعلا- ولداً قال: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً}
    إذاً: فهذه كلها تبين أن هذه الأسباب غير نافعة، وإنما هي نافعة في حياتها أو يوم القيامة، تنفع لأن الله -جل وعلا- جعلها أسباباً نافعة في هذين النوعين من الحياة.


    هذا تدرج في البرهان وإيضاح فيما ذكره الإمام رحمه الله تعالى، وهو الذي فتح هذه المعاني فيما ذكر بعد توفيق الله جل وعلا.

    قال: (فإن قال: الكفار يريدون منهم، وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر، لا أريد إلا منه، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم.

    فالجواب: أن هذا قول الكفار سواءً بسواء) لأنهم ما عبدوهم إلا ليشفعوا، ما توجهوا إليهم إلا للشفاعة، ما قصدوهم إلا لاعتقاد أنهم أسباب تنفع، الصنم سبب ينفع، والروح سبب ينفع، وروح النبي سبب ينفع، والوثن والقبر سبب ينفع، والجني سبب ينفع، فيما حرم الله جلّ وعلا، وهذا من الشرك الذي يبنه الله -جلا وعلا- في القرآن.

    قال: (فاقرأ عليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}) ثم قال: (واعلم أن هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم، فإذا عرفت أن الله وضحها في كتابه، وفهمتها فهماً جيداً، فما بعدها أيسر منها).

    ورحمه الله رحمةً واسعةً، كم كان بصيراً بشبه المشركين؛ وبالحجاج عنها والجدال؛ وبيان الصواب ووجه الحجة في ردها ودحضها، فكانت واضحة - كانت الشبه واضحة - عند إمام الدعوة رحمه الله، وكان فقه الكتاب والسنة والرد عليها أوضح وأبين عنده، فشرح الله صدره لذلك، وإلا فإن كثيرين إذا جاءتهم الشبه وراجت عليهم فإنهم يترددون، ولكن الله -جلّ وعلا- شرح صدره للقيام بهذه الدعوة وبيان التوحيد فضلاً من الله -جلّ وعلا- ونعمة.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    كشف الشبهة الرابعة: وهي زعمهم أن دعاء الأولياء الصالحين والذبح لهم ليس عبادة
    قال الامام محمد بن عبد الوهاب فى رسالة كشف الشبهات
    فَإِنْ قَالَ:
    أَنَا لاَ أعْبُدُ إِلاَّ اللهَ، وَهَذا الالْتِجَاءُ إِليهم وَدُعاؤُهُمْ لَيْسَ بِعِبادَةٍ.
    فَقُلْ لَهُ: أَنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْكَ إِخْلاصَ الْعِبَادةِ وَهُوَ حَقُّهُ عَلَيْكَ.
    فإذا قال: نَعَم.
    فقل له: بين لي هذا الفرضَ الذي فرضه اللهُ عليكَ، وهو إخلاصُ العبادةِ للهِ، وهو حقُّه عليكَ، فإنه لا يَعْرفُ العِبادَةَ، وَلا أنْوَاعَهَا، فَبَيِّنْها لَهُ بِقَوْلِكَ: قالَ اللهُ تَعَالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} الآية [الأعراف: 55].
    فَإِذَا أَعْلَمْتَهُ بِهَذا، فَقُلْ لَهُ: هَلْ هو عِبَادَةٌ لله تعالى؟
    فَلا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ، وَالدُّعاءُ من العِبَادَةِ.
    فَقُلْ لَهُ: إِذَا أَقْرَرْتَ أَنَّه عِبَادَةٌ، وَدَعَوْتَ اللهَ لَيْلاً وَنَهَاراً، خَوْفاً وَطَمَعاً، ثُمَّ دَعَوْتَ في تِلْكَ الحَاجَةِ نَبِيّاً أَوْ غَيْرَهُ هَلْ أَشْرَكْتَ في عِبَادةِ اللهِ غَيْرَهُ؟ فلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
    فَقُلْ لَهُ: قال الله تَعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر: 2]، فإذا أَطَعْتَ اللهَ وَنَحَرْتَ لَهُ، هَلْ هَذِه عِبَادَةٌ؟
    فَلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
    فَقُلْ لَهُ: إِذَا نَحَرْتَ لِمَخْلُوقٍ؛ نَبِيٍّ، أَوْ جِنِّيٍّ، أَوْ غَيْرِهِما، هَلْ أَشْرَكْتَ في هَذِهِ العِبَادَةِ غَيْرَ اللهِ؟ فَلابُدَّ أَنْ يُقِرَّ وَيَقُولَ: نَعَمْ.
    وَقُلْ لَهُ أَيْضاً: المُشْرِكُون الَّذِينَ نَزَلَ فِيهمُ القُرآنُ، هَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ المَلائِكَةَ وَالصَّالِحِينَ وَالَّلاتَ وغَيْرَ ذَلِكَ؟
    فَلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
    فَقُل لَهُ:وَهَلْ كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ إِلاَّ في الدُّعَاءِ وَالذَّبْحِ وَالالْتِجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُمْ عبيدٌ تحتَ قهرِ اللهِ، وَأَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُدَبِّرُ الأَمْرَ، وَلَكنْ دَعَوْهُمْ وَالتَجَؤُوا إِلَيْهِمْ لِلْجَاهِ وَالشَّفَاعَةِ، وَهَذا ظاهِرٌ جِدّاً.


  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
    (فَإِنْ قَالَ: أَنَا لاَ أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ وَهَذَا الالْتِجَاءُ إِلَيْهِم وَدُعَاؤُهُم لَيْسَ بِعِبَادَةٍ) جَحَدَ أَنَّهُ صَادِرٌ مِنْهُ شِرْكٌ (فَقُلْ لَهُ) مُجِيبًا: (أَنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْكَ إِخْلاَصَ العِبَادَةِ للهِ؟) فَلاَ يُمْكِنُهُ جَحْدُ ذَلِكَ، وَإِنْ جَحَدَ ذَلِكَ كَفَانَا مَؤُونَةَ الرَّدِّ عَلَيْهِ (فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ. فَقُلْ لَهُ: بَيِّنْ لِي هَذَا الذي فَرَضَهُ عَلَيْكَ وهو إِخْلاَصُ العِبَادَةِ للهِ وهو حَقُّهُ عَلَيْكَ) فَإِنْ سَأْلْتَهُ عَنْ حَقِيقَةِ مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِ، وهو يَعْلَمُ وَيُقِرُّ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِ إِخْلاَصَهَا (فَإِنَّهُ لاَ يَعْرِفُ العِبَادَةَ ولاَ أَنْوَاعَهَا) إِذْ لو عَرَفَهَا وأَنْوَاعَهَا لَمَا نَفَاهَا عن نَفْسِهِ ولَمَا قَدَّمَ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ غَيْرَهُ؟ لَكِنَّهُ مِن أَجْهَلِ الجَاهِلِينَ وأَضَلِّ الضَّالِّينَ؛ فَإِنَّ الجَهْلَ أَنْوَاعٌ أَعْظَمُهَا الجَهْلُ باللهِ تَعَالَى وأَسْمَائِهِ وصِفَاتِهِ، وهو أَعْظَمُ مِن الجَهْلِ بِشَرْعِهِ ودِينِهِ، فهو مُتَغَلِّظٌ جَهْلُهُ بِأَمْرَيْنِ:
    أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَهْلٌ بالتَّوْحِيدِ الَّذِي هو أَسَاسُ المِلَّةِ،
    والثَّانِي: أَنَّه جَهْلٌ بِشَيْءٍ مُسْتَفِيضٍ وَاضِحٍ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ، والجَهْلُ بالشَّيْءِ المَعْلُومِ الوَاضِحِ أَعْظَمُ مِن الجَهْلِ بالشَّيْءِ الخَفِيِّ (فَبَيِّنْهَا لَهُ) يَعْنِي: بَيِّنْ لَهُ أَنَّ الدُّعَاءَ والطَّلَبَ عِبَادَةٌ، وأَحَدُ تَعَارِيفِ العِبَادَةِ: أَنَّهُ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ ولاَ اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ.
    وَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى بِدُعَائِهِ وَحْدَهُ (بِقَوْلِكَ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}) وَهَذِه الآيَةُ تُفِيدُ ذَلِكَ؛ أَنَّهُ يُحِبُّه وَيْرَضَاهُ، والأَمْرُ عِبَادَةٌ.

    (فَإِذَا أَعْلَمْتَهُ بِهَذَا) إِذَا أَعْلَمْتَهُ أَنَّ الآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِبَادَةٌ (فَقُلْ لَهُ: هَلْ عَلِمْتَ هَذَا عِبَادَةً للهِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ) لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْحَدَ، فَإِنْ جَحَدَ سَقَطَ الكَلاَمُ مَعَهُ، وعُرِفَ أَنَّهُ مُكَابِرٌ وانْتَقِلْ مَعَهُ إلى الجَلاَّدِ، إِنْ أَمْكَنَ.(والدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ) كَمَا في الحَدِيثِ: ((الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ)) (فَقُلْ لَهُ: إِذَا أَقْرَرْتَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ ودَعَوْتَ اللهَ لَيْلاً وَنَهَارًا، خَوْفًا وَطَمَعًا، ثُمَّ دَعَوْتَ في تَلْكَ الحَاجَةِ نَبِيًّا أَو غَيْرَهُ) يَعْنِي بِعِبَادَةِ الدُّعَاءِ (هَلْ أَشْرَكْتَ في عِبَادَةِ اللهِ غَيْرَهُ؟ فَلاَبُدَّ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ) إِنْ كَانَ عِنْدَه الْتِفَاتٌ إِلَى الدَّلِيلِ؛ فَإِنَّ مَن لاَزِمِ إِقْرَارِهِ بالأُولَى إِقْرَارَهِ بالثَّانِيَةِ فبِذَلِكَ انْكَشَفَتْ شُبْهَتُهُ.

    (فَقُلْ لَهُ: فَإِذَا عَمِلْتَ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وَأَطَعْتَ اللهَ وَنَحَرْتَ لَهُ، هَلْ هَذَا عِبَادَةٌ؟) ودَلِيلُهُ وَاضِحٌ وبُرْهَانُه قَاطِعٌ (فَلاَبُدَّ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ) لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْحَدَهُ.(فَقُلْ لَهُ: فَإِنْ نَحَرْتَ لِمَخْلُوقٍ نَبِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ أو غَيْرِهِمَا هَلْ أَشْرَكْتَ في هَذِه العِبَادَةِ) يَعْنِي: عِبَادَةِ النَّحْرِ (غَيْرَ اللهِ؟ فَلاَبُدَّ أَنْ يُقِرَّ وَيَقُولَ نَعَمْ) مَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْحَدَ الثَّانِيَ بَعْدَ الأَوَّلِ، بَلْ إِقْرَارُهُ بالأَوَّلِ يُلْزِمُهُ الإِقْرَارَ بالثَّانِي، يَعْنِي: وَكَذَلِكَ سائرُ العباداتِ إمَّا أن يُقِرَّ أنها عبادةٌ أو لا، فإن أَنْكَرَ كَوْنَهَا عِبَادَةً، أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ، فَإِنْ أَقَرَّ خُصِمَ.
    فَبِهَذَا ظَهَرَ واتَّضَحَ جَهْلُهُ وضَلاَلُهُ وَانْكَشَفَتْ شُبْهَتُهُ وَأَنَّ قَوْلَهُ: أَنَا لاَ أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ… إلخ، مَحْضُ جَهْلٍ مِنْهُ، وأَنَّ هَذَا عِبَادَةٌ لِغَيْرِ اللهِ، وتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَابِدٌ غَيْرَ اللهِ، وَأَنَّ مَا يَصْنَعُهُ مَعَهُم عِبَادَةٌ لَهُم وَأَنَّه عَابِدٌ اللهَ وَعَابِدٌ مَعَهُ غَيْرَهُ.

    (وَقُلْ لَهُ أَيْضًا) تَقَدَّمَ الجَوَابُ الأَوَّلُ وهو جَوَابٌ كَافٍ وَافٍ، وَأَرْدِفْهُ بِهَذَا الجَوَابِ الثَّانِي عَن شُبْهَتِهِ السَّابِقَةِ -كَمَا هو شَأْنُهُ رَحِمَهُ اللهُ؛ يَذْكُرُ جَوَابَ الشُّبْهَةِ وَافِيًا، ثُمَّ يَزِيدُهُ الجَوَابَ والجَوَابَيْنِ والثَّلاَثَةَ -وهي قَوْلُهُ: أَنَا لاَ أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ، وَهَذَا الالْتِجَاءُ إِلَيْهِم ودُعَاؤُهُم لَيْسَ بِعِبَادَةٍ.

    (المُشْرِكُونَ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِم القُرْآنُ هَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ المَلاَئِكَةَ والصَّالِحِينَ واللاَّتَ وغَيْرَ ذَلِكَ؟ فَلاَبُدَّ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ) لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْكِرَ شَيْئًا أَثْبَتَهُ القُرْآنُ واذْكُرْ لَهُ النُّصُوصَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُم كَانُوا يَدْعُونَ المَلاَئِكَةَ والصَّالِحِينَ واللاَّتَ:
    -كَقَوْلِهِ: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} الآيَتَيْنِ.
    -وقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} الآيَةَ.
    - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} الآيَاتِ.

    (فَقُلْ لَهُ: وَهَلْ كَانَتْ عِبَادَتُهُم إِيَّاهُمْ إِلاَّ فِي الدُّعَاءِ والذَّبْحِ والالْتِجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟) يَعْنِي: أَنَّها مَا كَانَتْ عِبَادَتُهُم إِلاَّ هَكَذَا، هَلْ هو هَذَا أو غَيْرُه؟ فَإِنَّهُ لاَ يَجِدُ دَلِيلاً غَيْرَ هَذَا، فَقُلْ لَهُ: أَنَا عِنْدِي دَلِيلٌ وهي أَنَّ عِبَادَتَهُم هي هَذِه {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} (وَإِلاَّ فَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُم عَبِيدُهُ وَتَحْتَ قَهْرِهِ وَأَنَّ اللهَ هو الذِي يُدَبِّرُ الأَمْرَ، وَلَكِنْ دَعَوْهُمْ والْتَجَأُوا إِلَيْهِم للجَاهِ والشَّفَاعَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا) في كَشْفِ شُبْهَتِهِ.--------------- قال الشيخ صالح الفوزان
    يَعْنِي: إِذَا كَانَ يَعْتَرِفُ أنَّ العِبَادَةَ حقٌّ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَنَّه لاَ يَجُوزُ عِبَادَةُ غَيْرِ اللهِ، ولَكِنَّه يَقُولُ: الالْتِجَاءُ لَيْسَ مِن العِبَادَةِ فهو جَائِزٌ.
    فإنَّك تَقُولُ لَهُ:الالْتِجَاءُ إِلَى اللهِ عِبَادَةٌ، والالْتِجَاءُ إِلَى غَيْرِ اللهِ فِيمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلاَّ اللهُ شِرْكٌ؛ لأَِنَّ مَن الْتَجَأَ إلى غَيْرِ اللهِ في الشَّدَائِدِ فَقَدْ أَشْرَكَ مَعَ اللهِ فِيمَا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلاَّ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى؛ لأَِنَّه هو الَّذِي يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ، وهو المَلْجَأُ -سُبْحَانَه- ولِذَا لَجَأَ إليه النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- حَيْثُ يَقُولُ: ((لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا وَلاَ مُلْتَجَا مِنْكَ إلاَّ إِلَيْكَ)) {قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ} وقَوْلُه تَعَالَى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ}.

    يَعْنِي: تَسْأَلُهُ أوَّلاً عن حُكْمِ العِبَادَةِ مَا هو؟ وما الفَرْقُ بَيْنَها وبَيْنَ الالْتِجَاءِ؟
    وقُلْ له:هل العِبَادَةُ واجِبَةٌ أو مُسْتَحَبَّةٌ؟ فَلاَبُدَّ أَنْ يَعْتَرِفَ أنَّ العِبَادَةَ أَمْرٌ واجِبٌ، وحَتْمٌ عَلَى العِبَادِ، وأَنَّها حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ.
    فإِذَا اعْتَرَفَ بِهَذَا فَقُلْ لَهُ: فَسِّرْ لِيَ العِبَادَةَ ما مَعْنَاهَا، وبَيِّنْ لي ما أَنْواعُها مَا دُمْتَ أَنَّكَ اعْتَرَفْتَ أَنَّ العِبَادَةَ للهِ وأَنَّها واجِبَةٌ عَلَى العَبْدِ؟
    فإِنَّه يَجِبُ عَلَيْكَ أنْ تَعْرِفَ مَعْنَاها وأَنْ تَعْرِفَ أَنْوَاعَهَا وإِلاَّ فكيف يُوجِبُ اللهُ عَلَيْكَ شَيْئًا وأَنْتَ تَجْهَلُهُ ولاَ تَعْرِفُهُ، فإنَّه لاَ يَعْرِفُ العِبَادَةَ ولاَ يَعْرِفُ أَنْوَاعَهَا، وهذه آفَةُ الجَهْل.

    ومِن هنا يَتَعَيَّنُ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِم، وَمَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِم حَتَّى يُؤَدُّوهُ عَلَى وجْهِهِ الصَّحِيحِ، ويَتَجَنَّبُوا مَا يُخِلُّ بِهِ ومَا يُبْطِلُهُ.
    أمَّا أَنْ تَعْبُدَ اللهَ عَلَى جَهْلٍ؛ فإنَّ هذه طَرِيقَةُ النَّصَارَى الضَّالِّينَ يَعْبُدُونَ اللهَ عَلَى جَهْلٍ وضَلاَلٍ، واللهُ أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَه أَنْ يُجَنِّبَكَ طَرِيقَهُم فَتَقُولَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}فالضَّالُّونَ هُم الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللهَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ، وَعَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بالعِبَادَةِ، وإنَّمَا يَعْبُدُونَ اللهَ بالعَادَاتِ والتَّقَالِيدِ وما وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُم وأَجْدَادَهُم، دونَ أنْ يَرْجِعُوا إِلَى مَا جَاءَتْ به الرُّسُلُ ونَزَلَتْ به الكُتُبُ، وهَذَا هو سَبَبُ الضَّلاَلِ.

    والالْتِجَاءُ: هو طَلَبُ الحِمَايَةِ مِن أَمْرٍ مَخُوفٍ لاَ يَدْفَعُهُ إلاَّ اللهُ، فهو نَوْعٌ مِن أَنْواعِ العِبَادَةِ، واللهُ -سُبْحَانَهُ- يُجِيرُ ولاَ يُجَارُ عَلَيْهِ، ويُعِيذُ مَن اسْتَعَاذَ بِهِ، فَمَن الْتَجَأَ إلى مَيِّتٍ فَقَدْ عَبَدَهُ مِن دونِ اللهِ، وكذلك مِن أَعْظَمِ أَنْواعِ العِبَادَةِ: الدُّعاءُ، حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} وَأَنْتَ بالْتِجَائِكَ إِلَى غَيْرِ اللهِ قَدْ دَعَوْتَ غَيْرَ اللهِ، وهَذَا شِرْكٌ.

    أي: لاَبُدَّ إِذَا تَلَوْتَ عَلَيْهِ الآياتِ والأَحَادِيثَ بأَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ لاَبُدَّ أَنْ يَعْتَرِفَ، فَتَقُولُ لَهُ: لَوْ دَعَوْتَ اللهَ في اللَّيْلِ والنَّهارِ لَكِنَّكَ في بَعْضِ الأَحْيَانِ تَدْعُو غَيْرَ اللهِ، هَلْ تَكُونُ مُشْرِكًا؟ فَلاَبُدَّ أَنْ يَعْتَرِفَ، ويَقُولَ: إنَّه مُشْرِكٌ؛ لأَِنَّه دَعَا غَيْرَ اللهِ، ومَن دَعَا غَيْرَ اللهِ فهو مُشْرِكٌ.
    فإذا كَانَ مَن دَعَا غَيْرَ اللهِ ولو مَرَّةً واحِدَةً في العُمُرِ يَكُونُ مُشْرِكًا مَعَ أنَّه يَدْعُو اللهَ في اللَّيْلِ والنَّهارِ، فَكَيْفَ بالَّذي يَلْهَجُ دَائِمًا بِذَلِكَ ويَقُولُ: يَا حُسَيْنُ، يَا بَدَوِيُّ، يا عَبْدَ القَادِرِ، يا فُلاَنُ، فيَصْدُرُ منه الشِّرْكُ كَثِيرًا؟!!

    فَإِذَا كَانَ مَن ذَبَحَ لغَيْرِ اللهِ، أو صَلَّى لغَيْرِ اللهِ يَكُونُ مُشْرِكًا فكيف بِمَن يَلْجَأُ إِلَى غَيْرِ اللهِ في كَشْفِ الشَّدَائِدِ أَلاَ يَكُونُ مُشْرِكًا؟! بَلَى؛ لأَِنَّ البَابَ واحِدٌ، وأَنْواعُ العِبَادَاتِ كُلِّهَا بَابُهَا واحِدٌ، لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْلِصَ للهِ في بَعْضِهَا ويُشْرِكَ باللهِ في البَعْضِ الآخَرِ.

    أي: أَنَّ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ مَا كَانَ شِرْكُهُم إلاَّ في هَذِه الأُمُورِ، وَقَدْ نَزَلَ القُرْآنُ في الإِنْكَارِ عَلَيْهِم، والأَمْرِ بِقِتَالِهِم وإِبَاحَةِ أَمْوَالِهِم ودِمَائِهِم، مَا كَانُوا مَعَ أَصْنَامِهِم يَعْتَقِدُونَ أنَّها تَخْلُقُ وتَرْزُقُ وتُحْيِي وتُمِيتُ، ومَا كَانُوا يَدْعُونَها إلاَّ مِن أَجْلِ الشَّفَاعَةِ، فكذلك عُبَّادُ القُبُورِ اليَوْمَ يَدْعُونَ الأَضْرِحَةَ والأَوْلِيَاءَ والصَّالِحِينَ، ولاَ يَعْتَقِدُونَ فيهم أَنَّهُم يَخْلُقُونَ ويَرْزُقُونَ، وأَنَّهم خَلَقُوا السَّماواتِ والأَرْضَ، وإِنَّما اتَّخَذُوهُم لِقَضَاءِ الحَاجَاتِ والتَّوَسُّلِ بِهِم إِلَى اللهِ لِيَشْفَعُوا لَهُم، ويُقَرِّبُوهُم إِلَيْهِ زُلْفَى، والالْتِجَاءِ إِلَيْهِم في كَشْفِ الكُرَبِ والشَّدَائِدِ.


  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ صالح آل الشيخ
    (فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إليهم ودعاؤهم ليس بعبادة) [هكذا في الأصل] وهذه صلة للكلام على ما قرره إمام هذه الدعوة، رحمه الله تعالى، في كشف شبهات المشركين، فإن المشركين لهم شبهات متنوعة، وقد مر معنا أعظم شبهاتهم، وأكثرها تأصيلاً، ثم يأتي الآن من شبهاتهم ما انتشر فيهم، لكنه عن طريق المكابرة والجهل، فقال طائفة منهم: إنهم لا يعبدون إلا الله، وإن الالتجاء إلى الصالحين وسؤال الصالحين ودعائهم والاستغاثة بهم ليس بعبادة، وهذا هو الذي ذكره الإمام -رحمه الله- بقوله: (فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله).
    وإذا قال الشيخ في هذا الكتاب: (فإن قال) فلا يُستحضر أن الذي يقول بهذه الشبهة، هو الذي قال بالشبه التي قبلها، بل هو يَستحضر جنس المدلين بالشبه.
    فقال: (فإن قال) يعني: الذي يورد الشبهة، أو الذي يقع في الشرك، وقد يكون من الأولين وقد لا يكون.
    قال: (فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة) وهذه يقولها كل مشرك، فإنه ما من مشرك يقر على نفسه بالشرك، وبأنه يعبد غير الله جلّ وعلا؛ لأن هذه الأمة ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- أُنقذت من الشرك إلى التوحيد، ومن عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده دون ما سواه.
    فكل أحد من هذه الأمة يقول:
    (أنا لا أعبد إلا الله) وقد يكون مصيباً في قوله، وفعلُهُ يحقق قوله، وقد يكون ضالاً، يقول شيئاً وهو يخالفه إلى غيره.
    وهذه المخالفة ناتجة عن أنه يظن أن ما يفعله من صرف العبادة لغير الله أنه ليس بشرك، وليس بعبادة، فعنده أن الدعاء - دعاء غير الله - ليس بعبادة، وأن الالتجاء إلى الصالحين وسؤال الأولياء الأموات كشف الكرب، ورفع الضر، والشفاعة وأشباه ذلك، أنه ليس من العبادة، وكذلك يزعمون أن النحر لهم، والذبح ليس بعبادة، وأن النذر لهم ليس بعبادة، وهكذا.
    فما من صورة شركية يفعلها أهل الشرك إلا وإذا احتججت عليهم بأن فعلهم شرك، قالوا: (نحن لا نعبد إلا الله) وهذه الأشياء التي نفعلها ليست بعبادة، وإنما هي للوسيلة، وأما العبادة فإنما هي لله وحده دون ما سواه.
    وهذا القول منهم دعوى بلا برهان، ولا دليل بل هم المشركون الذين عبدوا مع الله -جل وعلا- غيره.

    قال -رحمه الله- مقرراً لشبهتهم، ومستحضراً الجدال والحجاج مع رجل منهم، قال: (فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس عبادة) فترتبت هذه الشبهة على مرتبتين:

    الأولى: زعمه أنه لا يعبد إلا الله.
    المرتبة الثانية: زعمه أن الالتجاء إلى الصالحين، ودعاء الصالحين بأنواع الدعاء من الاستغاثة والاستعانة والاستشفاع إلى آخره أنه ليس بعبادة.
    والثانية هي التي قادتهم إلى الأولى، لأجل عدم وضوح الثانية قالوا إنهم لا يعبدون إلا الله، فلهذا الشيخ -رحمه الله- ابتدأ بالثانية؛ لأنها هي وسيلة إثبات صحة الأولى أو خطأ المرتبة الأولى.

    قال: (فقل له: أنت تقر أن الله فرض عليك إخلاص العبادة، وهو حقه عليك) فتسأله وتقول له: هل تقر بأن الله فرض عليك إخلاص العبادة؟ وأن العبادة حق الله عليك؟ لأن الله أمر بها في القرآن في قوله: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}وفي قوله -جل وعلا- في سورة الزمر: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} وكذلك في آية البينة، وغير ذلك من الآيات الكثيرة، التي فيها إثبات وجوب الإخلاص لله جلّ وعلا، وهذا نوع من الأدلة التي فيها الأمر بالإخلاص.
    والنوع الثاني من الأدلة الذي فيه الأمر بالإخلاص:
    بيان أن المشرك الذي لم يخلص لله -جلّ وعلا- أنه كافر، وأنه من أهل النار:
    - كقول الله جل وعلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.
    -وكقول الله جل وعلا: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} ونحو ذلك من الآيات التي فيها بيان مصير المشرك الذي جعل مع الله في العبادة غيره، يعني: لم يخلص دينه لله.
    فتقول له: أنت تقر بأن الله فرض عليك إخلاص العبادة، وهو حق الله عليك؟
    فكل مؤمن أو كل منتسب للقبلة يقول: نعم، أنا مقر بأن الله -جلّ وعلا- فرض علينا الإخلاص - إخلاص العبادة - وأن إخلاص العبادة حق الله علينا.

    قال الشيخ: (فإذا قال: نعم، فقل له: بين لي الذي فُرض عليك، وهو إخلاص العبادة لله وحده) تسأله عن بيان هذا الذي يقر أن الله فرض عليه، كثير بل الأكثر من المشركين جهال، لا يعلمون معنى العبادة، ولا يعلمون معنى الإخلاص، ولا يعلمون معنى الذي فرض الله -جلّ وعلا- عليهم، ولهذا فإذا سألته عن هذه فإنه لن يجيب، بل سيقول: لا أعرف معنى العبادة، أو لا أعرف جواب هذا، بل إخلاص العبادة لله أن أصلي لله وأزكي لله وأشباه ذلك، فإنه يجعل الإخلاص في بعض الصور.

    ولهذا قال الشيخ رحمه الله: (فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها، فبينها له بقولك:...) إلى آخره.

    فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها فبينها له، وهذا خلوص منه في الحجاج إلى تعليم الجاهل، فإن المحتج على الخصم لا يسوغ أن يُنزله دائماً منزلة المعاند؛ أو أن يجعله معانداً فيغلظ له في القول ويغلظ له في الحجة؛ لأنه ربما نفر من ذلك وانتصر لنفسه وترك سماع الحجة، فإنك تستدرجه حتى يقر بأنه جاهل، فإذا أقر بأنه جاهل، لا يعرف معنى العبادة، ولا يعرف معنى الإخلاص، ولا يعرف معنى الدعاء، وأشباه ذلك، فإنك تبين له ذلك حتى تقوم الحجة على أفراد واضحة في قلبه وفي عقله وذهنه.

    لهذا: هذا الحوار الذي ذكره إمام الدعوة فيه فائدة عظيمة ذكرتها لك الآن، وهي أنه من أقوى وأنفع وسائل الحجاج: أن تنُزل من أمامك منزلة الجاهل، حتى تنقلب معه إلى مُعلِّم غير مناظر؛ لأن المعلم دائماً أعلى من المتعلم، أعلى من جهة الحجة، وأعلى من جهة قبول المتعلم لما يقول، فإن المقابل لك إذا أحس أن عندك علماً ليس عنده فإنه سيصير إلى الاستفادة منك، وهذا يثير كثيراً من النفوس في قبول الحق إذا علم أنه جاهل بما أوجب الله -جلّ وعلا- عليه، وهو يدَّعي شيئاً يجهله، فهذه وسيلة من الوسائل العظيمة في الحجة وفي جواب الشبهة.

    فإذاً: نستفيد من هذا أننا إذا رأينا من هو مشرك بالله جل وعلا، أو من جادل عن نفسه بأنه ليس بمشرك، فإنه لا يحسن أن يُنزل دائماً منزلة المعاند، الذي تقام عليه الحجة بنوع من الشدة والغلظة، بل يُنظر في أمره ويُستدرج حتى يُجعل في منزلة الجاهل، وإذا كان كذلك فإنك تقيم عليه الحجة، وتعلمه دين الله جلّ وعلا.

    قال: (فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها فبينها له) وأن العبادة تحصل معرفتها في الأدلة من الكتاب والسنة، بنوعين من الاستدلال:
    أما النوع الأول من الاستدلال: فالنصوص التي فيها الأمر بالعبادة، بعبادة الله وحده دون ما سواه، وأن من صرف العبادة لغير الله فهو كافر مشرك، كقول الله -جلّ وعلا- في الأول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} الآية في أول البقرة.
    ومن الثاني:قول الله -جل وعلا- في آخر سورة المؤمنون: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة)).
    فإذا بينت له هذه الأدلة بعامة، فتقول له: نعلم أن هذا الشيء عبادة، بأن الله -جل وعلا- أمر به، أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا الشيء مأموراً به علمنا أنه عبادة؛ لأن الله -جل وعلا- لم يأمرنا إلا للتعبد، فصح أن هذا الذي أُمرنا به أمر إيجاب فإنه عبادة، وكذلك أمر استحباب.
    فتقول له: أمرنا الله -جل وعلا- بإخلاص الدين له؛ فإذاً: إخلاص الدين لله عبادة، أمرنا الله -جل وعلا- بخوفه، فالخوف عبادة، أمرنا الله -جل وعلا- برجائه، فالرجاء عبادة، أمرنا الله بالصلاة فالصلاة عبادة، أمرنا الله بالزكاة فالزكاة عبادة، أمرنا الله بالنحر فالنحر عبادة، أمرنا الله بكذا وكذا فهذه عبادات، هذا النوع الأول من الاستدلال.

    والنوع الثاني: ما جاء في كل مسألة من تلك المسائل التي عددناها من العبادة؛ لأن الله أمرنا بها، ما جاء في كل مسألة من دليل خاص، يُثبت وجوب اختصاص الله -جل وعلا- بهذا النوع من العبادة.
    فإذاً:الدليل الأول:دليل عام: تقول: إن هذا الشيء قد أمر الله به فهو عبادة، والله -جل وعلا- أمرنا أن نعبده دون ما سواه، وأخبرنا أن من عبد غيره فإنه مشرك كافر.
    والنوع الثاني من الأدلة والاستدلال: ما كان في كل مسألة بحسبها، فنقول مثلاً: أمر الله -جل وعلا- بإفراده بالعبادة بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فقدم المفعول على الفعل والفاعل ليفيد اختصاص العبادة به، وقصر العبادة عليه وحده، دون ما سواه.
    وقال: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فقدم المفعول على الفعل {نَسْتَعِينُ} والفاعل، ليدلنا على أن الاستعانة في العبادة إنما تكون بالله -جل وعلا- وحده هو المختص بها.
    وكذلك قوله جل وعلا:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ} فيها أن هذه الأشياء لله وحده مستحقة، يعني: الصلاة والنسك، مستحقة لله دون ما سواه، لا شريك له.
    كذلك تأتي للإنابة والتوكل،فتقول: قال الله جل وعلا: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} فدل على أن التوكل عليه وحده دون ما سواه؛ لأنه قدم الجار والمجرور على ما يتعلق به، وهو الفعل فدل على اختصاص التوكل بالله جل وعلا، يعني بأن التوكل يكون عليه وليس على غيره، وكذلك الإنابة فإنها إليه لا إلى غيره.
    وهكذا في غيرها من المسائل، وكذلك الدعاء فإن الدعاء: أمر الله بدعائه وحده فقال: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}.

    إذاً: تُوضِح له معنى العبادة، ثم تُوضح له الأمر بالعبادة، بأن يعبد الله دون ما سواه، ثم تبين له ما أمر الله به، وأن كل مسألة مما أمر الله بها أنها تدخل في العبادة، فدخل الذبح في العبادة، ودخلت الصلاة في العبادة، ودخل الخوف في العبادة، ودخل التوكل في العبادة، ودخلت الاستغاثة في العبادة، ودخل الرجاء في العبادة، إلى آخر مفردات توحيد العبادة.
    ثم بعد ذلك تقيم له الدليل الثاني،أو النوع الثاني من الأدلة والاستدلال بأن الله في القرآن؛ والنبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة، جعل هذه الأنواع مختصة به وحده دون ما سواه، فصار الدليل من جهتين:
    1-من جهة دخولها في العبادة، والله أمر بعبادته وحده دون ما سواه.
    2-ومن جهة أن الله جعلها مختصة به دون ما سواه.
    وهذان نوعان من الأدلة يكثر أفرادهما، وتكثر الآيات والأحاديث في كل واحد من هذين النوعين.
    فإذا بينت له ذلك فقد تم البيان في إيضاح أن هذه المسائل من العبادة.

    والشيخ - رحمه الله - مثل لذلك بمثال في الدعاء؛ لأن الدعاء هو الذي يدخل فـيه كثير من الصور فقال: (فبينها له بقولك: قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً}) وفي قوله رحمه الله: (فبينها له بقولك: قال الله تعالى:...) أن حجة الموحد يجب أن تكون دائماً بالأدلة، وألا يحتج بحجج عقلية؛ لأنه قد يكون الخصم عنده من العقليات ما ليس عند الموحد فيغلبه، إما بتأصيل، أو برد إلى المنطق، أو ما أشبه ذلك؛ فتضعف حجة الموحد، ولكن يبين له الحجة بالأدلة، ثم يوضح له وجه الاستدلال من الدليل.

    قال: (فبينها له بقولك: قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً}) ووجه الاستدلال من هذا الدليل: أن الله -جل وعلا- أمرنا بدعائه، فيكون الدعاء عبادة؛ لأنه مأمور به، وأمر بدعائه تضرعاً وخفية، وسبب ذلك أن المشركين يدعون آلهتهم التي يعبدونها مع الله، أو من دونه، يدعونها جهاراً، يدعونها برفع الصوت، والله -جل وعلا- حي سميع بصير، أقرب إلى الداعي من نفسه، ومن عنق راحلته، فلما أمر الله -جل وعلا- بذلك، علمنا أن هذا مخالفة لصنيع المشركين.


    قال سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} وذلك لأنه سبحانه يعلم السر وأخفى، وقد قال الحسن رحمه الله تعالى: (ما كان دعاؤهم فيما بينهم وبين ربهم إلا همهمة، أو قال: إلا حديثاً بينهم وبين ربهم، حتى إنه يدعو الداعي والرجل بجنبه لا يسمعه) في حديث له، ساقه ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسيره، ونقله أيضاً عنه ابن كثير وجماعة.
    فالتضرع والخفية صفة الداعي، فنقول له: أليس الدعاء - دعاء الرب جل وعلا - على هذه الحال عبادة لله جل وعلا.(فلابد أن يقول: نعم، والدعَاء مُخ العبادة) يعني: أن الدعاء لب العبادة، فإن العبادة أنواع، وأعظم أنواعها الدعاء، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((الدعاء هو العبادة)) تعظيماً لشأن الدعاء، كما قال: ((الحج عرفة)) فالدعاء مخ العبادة ومعظمها ولبها؛ ولهذا قال الشيخ رحمه الله: (فلابد أن يقول: نعم، والدعاء مخ العبادة) هذه جملة استطرادية.


    قال: (فقل له: إذا أقررت أنه عبادة) لأن الخصم لابد أن يقر أن دعاء الله وحده عبادة.
    قال: (إذا أقررت أنه عبادة، ودعوت الله ليلاً ونهاراً خوفاً وطمعاً، ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو غيره).
    تبدأ تناقشه بعد تعريف العبادة وما قدمنا، تقول: إذا دعوت الله وحده ليلاً ونهاراً في حاجة خوفاً وطمعاً، ثم في هذه الحاجة بعينها سألت الولي، أو الميت، أو صاحب السر، أو صاحب المشهد، أو صاحب القبة، أو ما أشبه ذلك، دعوته وسألته هذا السؤال هل يكون هذا شركاً في العبادة أم لا؟(فلابد أن يقول: نعم) إلا أن يكون مكابراً، لابد أن يقول: نعم؛ لأن عين الشيء سأله الله جل وعلا، ودعا به الله وحده طمعاً وخوفاً ورجاءً ليلاً ونهاراً، ثم توجه به إلى غير الله في الحاجة عينها، فلابد أن يقول: نعم، سألت الله الحاجة وسألت الولي الحاجة،فيقول: نعم، هذا شرك بالله جلّ وعلا.
    لهذا قال الشيخ رحمه الله: (فقل له: إذا أقررت أنه عبادة، ودعوت الله ليلاً ونهاراً، خوفاً وطمعاً، ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو غيره، هل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلابد أن يقول: نعم، فقل له: فإذا علمت بقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}) هذه صورة ثانية، الصورة الأولى في الدعاء، الصورة الثانية في النحر.
    قال: (إذا علمت قول الله جل وعلا: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}) يعني: انحر لربك ولا تنحر لغيره {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ}.
    قل له:إذا نحرت لله وحده، وذكرت اسم الله على الذبيحة، ونحرت الإبل أو البقر، أو ذبحت الذبائح متقرباً بها إلى الله -جل وعلا- هل هذا عبادة؟
    فسيقول: نعم، هذا من أعظم العبادات؛ لأن الذبح في الأضاحي والنحر في الحج وأشباه ذلك، هذا من أعظم العبادات لله جل وعلا.
    فقل له:إذا نحرت لمخلوق، يعني: تقربت بهذا الدم لمخلوق -كما فعلت بأن تقربت بدم آخر لله- فتقربت بالدم لمخلوق، فما الفرق بين هذا وهذا؟
    لا فرق؛ لأنك تقربت بالذبح الأول لله؛ وبالذبح الثاني تقربت للنبي أو لولي أو لصالح ،أو لجني تخاف شره، أو لساحر أو ما أشبه ذلك، هل أشركت في هذه العبادة غير الله؟(فلابد أن يقر ويقول: نعم) لأنه لا مفر له، فعين الفعل فعلته لله، والفعل عينه فعلته لغير الله، فهل هذا شرك أم لا؟.
    فلابد أن يقول:إن هذا النوع عبادة لغير الله؛ لأني قصدت بها غير الله، وذاك عبادة لله؛ لأني قصدت بها الله جل وعلا.
    ولا يمكن أن يقول في الصورة الثانية: إن هذا ليس بعبادة ولم أقصد بها غير الله؛ لأنه حين فعل تقرباً إلى الله بالذبح أقر بأن الذبح عبادة، وحين توجه إلى غير الله بهذا الذبح وبإراقة الدم، أقر بأن هذه العبادة توجه بها لغير الله، فلابد إذاً أن يقول نعم؛ للحجة.
    وهذا تمام الوجه الأول من هذا الاحتجاج، وهو ظاهر بين قوي في أن يتدرج مع المشرك، ومع هذا الذي يعبد غير الله، ويدعو غير الله، ويستغيث بغير الله - نعوذ بالله من الخذلان - أو يذبح لغير الله، أو أنواع الصور الشركية، فإنه يتدرج معه في هذا حتى يقر بأن الحجة واضحة، وأنه إذا فعل ذلك فقد عبد مع الله -جل وعلا- غيره، نسأل الله السلامة والعافية.
    وعلى هذا الاحتجاج، هو لابد أن يقر، وما أمر به فهو عبادة، هذا باتفاق العلماء.
    فإن جادلت عالماً، فإنه إن لم يكن مكابراً فسيقر بأن ما أمر به عبادة؛ لأن الله -جل وعلا- لا يأمر بشيء ويكون مباحاً، لابد أن يكون عبادة، إما أن تكون عبادة واجبة، أو أن تكون عبادة مستحبة، يترتب عليها الثواب.

    وإذا كان لا يعلم، ليس بعالم فتدرجه مثل ما ذكر الشيخ رحمه الله، حتى ولو كان عالماً، فإنك إذا ذكرت هذه الحجج مع المقدمات التي ذكرنا؛ فإنها أبلغ ما يكون من الحجاج معه.
    والحْظ أن الشيخ -رحمه الله- اختار هذا النوع من الحجاج لتجربته ولكثرة ما جادل المشركين، فهو أعلم - رحمه الله - بالحجة الأقوى، وبالشبه التي أدلى بها الخصوم، وكيف تُكشف هذه الشبه.
    هذا نوع.
    النوع الثاني: قال: (وقل له أيضاً) هذا وجه آخر من الحجة.(المشركون الذين نزل فيهم القرآن، هل كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك؟ فلابد أن يقول: نعم) إن كان عارفاً بما حصل من المشركين، وإن كان غير عالم بذلك؛ فتقيم عليه الحجة بإيضاح حال شرك المشركين، بما قدمناه لك في الدروس السابقة، فإذا أقمت عليه ذلك وأوضحته فلابد أن يقول: نعم؛ لأن القرآن أوضح ذلك أتم إيضاح.

    قال: (فقل له: وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك) عبادتهم لآلهتهم فيم كانت؟
    إنما كانت في الدعاء، كانوا يدعونهم، قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} يعني: ما ندعوهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، وكانوا يذبحون لغير الله؛ كما في حديث ثابت بن الضحاك: (أن رجلاً نذر أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ((هل كان فيها وثن من أوثانهم؟)) قال: لا.

    قال: ((هل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قال: لا.

    قال: ((فأوف بنذرك)).

    فدل قوله: ((هل كان فيها وثن من أوثانهم))أنهم كانوا يذبحون للأوثان، فإذاً تعبد المشركين بالذبح وبالنذر وبالدعاء ونحو ذلك هذا أمر معروف، ولم يكن شركهم من جهة أنهم يصلون لهم، أو أنهم يزكون لهم، أو أنهم يحجون لها، لهذه الآلهة، لا، كانوا يحجون لله، وكانوا يصلون، لهم صلاة، وكانوا يغتسلون من الجنابة، وكانوا يذكرون الله، ونحو ذلك مما ذكرناه في أنواع العبادات في أول هذا الشرح.

    إنما كان شركهم من جهة أنهم يدعون غير الله، ويذبحون لغير الله، ويلتجئون لغير الله، ويتخذون تلك الآلهة، والأولياء والأنبياء وسطاء بينهم وبين الله جلّ وعلا.

    قال: (وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك، وإلا فهم مقرون أنهم عبيد الله وتحت قهره) يعني بما قال الله -جل وعلا- في آيات كثيرة في إقرار المشركين بالربوبية.(وأن الله هو الذي يدبر الأمر، ولكن دعوهم والتجأوا إليهم للجاه والشفاعة، وهذا ظاهر جداً) لا شك أنه ظاهر جداً، وحجة واضحة، مبنية على فهم حال المشركين، وقد أوضحنا حالهم مفصلاً في أول شرح هذا الكشف المبارك.

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    كشف الشبهة الخامسة وهي احتجاجهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم على جواز طلب الشفاعة من المخلوقين

    قال الامام محمد بن عبد الوهاب فى رسالة كشف الشبهات

    فَإِنْ قَالَ:
    أَتُنْكِرُ شَفَاعَةَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبْرَأُ مِنْها؟
    فَقُلْ: لا أُنْكِرُها وَلاَ أَتَبَرَّأُ مِنْهَا، بَلْ هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّافِعُ المُشَفَّعُ في المحشر وَأَرْجُو شَفَاعَتَهُ، وَلكِنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا للهِ، كَمَا قالَ تَعالى: {قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}[الزُّمر: 44]، وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ إِذْنِ اللهِ كَما قَالَ تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}[البقرة: 255].
    وَلا يَشْفَعُ في أَحَدٍ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يأْذَنَ اللهُ فِيهِ، ولا يَأذَنُ إلا لأَهْلِ التَّوْحِيدِ والإِخْلاصِ، كَمَاقَالَ تعالى:{وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء: 28]، وَهُوَ لا يَرْضَى إِلاَّ التَّوْحِيدَ كَمَا قَالَ تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وهو في الآخرة من الخاسرين}[آل عمران: 85].
    فَإِذَا كَانَتِ الشَّفَاعَةُ كُلُّهَا للهِ، وَلا تَكُونُ إلاَّ بَعْدَ إذْنِهِ، وَلا يَشْفَعُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا غَيْرُهُ في أحَدٍ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ فِيهِ، وَلاَ يَأذَنُ إِلاَّ لأَهْلِ التَّوْحِيدِ، تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّها للهِ وأنا أطلبها منه، فَأقُوْلُ: اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنِي شفَاعَتَهُ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ، وَأَمْثَالَ هَذا.


  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
    (فَإِن) انْتَقَلَ المُشَبِّهُ إِلَى هَذِه الشُّبْهَةِ الأُخْرَى و(قَالَ: أَتُنْكِرُ شَفَاعَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَتَبَرَّأُ مِنْهَا؟) هَذَا شَأْنُ أَعْدَاءِ اللهِ القُبُورِيِّينَ ؛ إِذَا أُنكِرَ عَلَيْهِم البَاطِلُ قَالُوا: هَذَا إِنْكَارٌ للحَقِّ، وإِذَا أُنْكِرَ عَلَيْهِم دُعَاءُ غَيْرِ اللهِ قَالُوا: هَذَا إِنْكَارٌ للشَّفَاعَةِ.
    مِن شَأْنِ أَهْلِ البَاطِلِ المُشْبِهِينَ أَهْلَ الشِّرْكِ المُبَاهَتَةُوَ إِلْبَاسُهُم أَهْلَ الحَقِّ الشُّبَهَ البَاطِلَةَ، إِذَا أُنْكِرَ عَلَيْهِم دُعَاءُ غَيْرِ اللهِ وشِرْكِيَّاتُهُ م وَضَلاَلاَتُهُم أَخَذُوا في الطَّعْنِ عَلَى أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَقَالُوا: إِنَّكُم تُنْكِرُونَ الشَّفَاعَةَ، وَأَنْتُم تَنْتَقِصُونَ الأَوْلِيَاءَ والصَّالِحِينَ - ولَيْسَ كَذَلِكَ- خَالَفُوا طَرِيقَةَ الرُّسُلِ وأَلْزَمُوهُم أَنْ يَكُونُوا رَاضِينَ بِذَلِكَ، وَهَذَا عَكْسُ مَا دَعَوْهُم إِلَيْهِ.(فَقُلْ: لاَ أُنْكِرُهَا) وَأَوْلَى مِن ذَلِكَ أَنْ لاَ أَتَبَرَّأَ مِنْهَا، وهي أَصْلٌ لأَِهْلِ التَّوْحِيدِ دونَ غَيْرِهِم، بل أَنَا وَأَمْثَالِي أَرْجَى لِشَفَاعَتِهِ لِكَوْنِي مُتَمَسِّكًا بِسُنَّتِهِ، بَلْ هُمْ المَحْرُمُونَ لِكَوْنِهِم تَعَلَّقُوا بِأَذْيَالٍ لاَ تُوصِلُهُم بَلْ هُمْ تَرَكُوا سَبَبَ شَفَاعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَلْ هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّافِعُ المُشَفَّعُ وأَرْجُو شَفَاعَتَهُ، وَلَكِنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا للهِ) فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَمْلِكُهَا اسْتِقْلاَلاً، بَلْ لاَ يَشْفَعُ إِلاَّ في أُنَاسٍ مَخْصُوصِينَ، قَائِمٍ بِهِمُ التَّأَهُّلُ لأَِنْ يُشْفَعَ لَهُم (كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُل للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}) وَهَذَا في سِياقِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمِ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلاَ يَعْقِلُونَ}فاللاَّمُ عِنْدَ جَمِيعِ العُلَمَاءِ للمِلْكِ.
    بَيَّنَتِ الآيَةُ أَنَّ الشَّفَاعَةَ مِلْكٌ للهِ وَحْدَهُ، وَكَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَهَا لاَ اسْتِقْلاَلاً مِن دونِ اللهِ بَلْ أَكْرَمَهُ المَالِكُ لَهَا لأُِنَاسٍ مَخْصُوصِينَ في مِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ، فهي شَيْءٌ مَحْدُودٌ لِشَيْءٍ مَحْدُودٍ، (وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِ اللهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}) فَأَيُّ قَائِلٍ أو أَيُّ إِنْسَانٍ يُخْرِجُ النَّبِيَّ مِن هَذَا العُمُومِ.

    (وَلاَ يَشْفَعُ فِي أَحَدٍ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ فيه، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}) يَعْنِي: مَن رَضِيَ اللهُ قَوْلَه وَعَمَلَهُ (وهو سُبْحَانَهُ لاَ يَرْضَى) مِن عِبَادِهِ إِلاَّ عَمَلاً وَاحِدًا هو الإِسْلاَمُ والذِي يَدُورُ عَلَيْهِ هو التَّوْحِيدُ؛ فالتَّوْحِيدُ مَنْـزِلَتُهُ مِن الإِسْلاَمِ كَمَنْـزِلَةِ الأَسَاسِ مِن البُنْيَانِ، فالْمِحْوَرُ هو التَّوْحِيدُ والرَّبُّ لاَ يَرْضَى (إِلاَّ التَّوْحِيدَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}) .
    وَقَالَ عَنِ المُشْرِكِينَ: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} فَإِذَا كَانَتِ الشَّفَاعَةُ كُلُّهَا للهِ كَمَا في الآيَةِ الأُولَى (وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ) كَمَا في الآيَةِ الثَّانِيَةِ وَلاَ يَشْفَعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ غَيْرُهُ في أَحَدٍ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ فِيهِ كَمَا في الآيَةِ الثَّالِثَةِ (وَلاَ يَأْذَنُ اللهُ إِلاَّ لأَِهْلِ التَّوْحِيدِ) كَمَا في الآيَةِ الرَّابِعَةِ (تَبَيَّنَ لَكَ) بِذَلِكَ كُلِّهِ، بَلْ بَعْضُهُ كَافٍ (أَنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا للهِ) مِلْكٌ لَهُ وَحْدَهُ، وَأَنَّهَا لاَ تُطْلَبُ مِن غَيْرِ اللهِ بل تُطْلَبُ مِن اللهِ (وَأَطْلُبُهَا مِنْهُ) فَأَطْلُبُهَا بِمَا هو دُعَاءٌ لِرَبِّ العَالَمِينَ المَالِكِ لِهَا وَحْدَه، لاَ دُعَاءٌ للنَّبِيِّ (فَأَقُولُ: اللهُمَّ لاَ تَحْرِمْنِي شَفَاعَتَهُ، اللهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ وأَمْثَالَ هَذَا) فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ نِلْتَهَا، وَمُرَادُهُ أَنَّكَ تَطْلُبُهُ بِالْمَعْنَى وَلَوْ مَا لَفَظْتَ؛ فَإِذَا عَمِلْتَ بالتَّوْحِيدِ فَأَنْتَ تَطْلُبُ أَسْبَابًا فِيهِا نَيْلُ الشَّفَاعَةِ سَوَاءٌ قُلْتَ باللَّفْظِ أَوْ لاَ أو مَا هَذَا مَعْنَاهُ.---------------
    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين
    قولُهُ: (فإنْ قالَ) يَعْنِي: إذا قالَ لكَ المُشْرِكُ المُشَبِّهُ: هلْ تُنْكِرُ شَفاعةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وهوَ يَقولُ هذا مِنْ أجلِ أنْ يُلْزِمَكَ بِجَوازِ دُعاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَسَى أنْ يَشْفَعَ لكَ عندَ اللهِ إذا دَعَوْتَهُ.
    فقُلْ لهُ:لا أُنْكِرُ هذهِ الشَّفاعةَ ولا أَتَبَرَّأُ مِنها، ولكنِّي أَقولُ: إنَّ الشَّفاعةَ للهِ ومَرْجِعَها كُلِّها إليهِ، وهوَ الَّذي يَأْذَنُ فيها إذا شَاءَ ولِمَنْ شاءَ؛ لِقولِ اللهِ تعالى: {قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[الزُّمَرُ: 44].

    قولُهُ: (ولا تَكونُ إلاَّ بعدَ إِذْنِ اللهِ...) إلخ، بَيَّنَ رَحِمَهُ اللهُ أنَّ الشَّفاعةَ لا تَكونُ إلاَّ بشرْطَيْنِ:
    الشَّرطُ الأوَّلُ: أنْ يَأْذَنَ اللهُ بها؛ لِقولِهِ تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}.
    الشَّرطُ الثَّاني: أنْ يَرْضَى اللهُ عزَّ وجلَّ عن الشَّافِعِ والمَشْفوعِ لهُ؛ لِقولِهِ تعالى: {يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}[طه: 109]، ولقولِ اللهِ تعالى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياءُ: 28 ].
    ومن المعلومِ أنَّ اللهَ لا يَرْضَى إلاَّ بالتَّوحيدِ،ولا يُمْكِنُ أنْ يَرْضَى الكفرَ؛ لقولِهِ تعالى: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}[ الزُّمَرُ: 7]، فإذا كانَ لا يَرْضَى الكفرَ، فإنَّهُ لا يَأْذَنُ بالشَّفاعةِ للكافرِ.

    قولُهُ: (فإذا كانت الشَّفاعةُ كلُّها للهِ...) إلخ، أَرادَ المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى أنَّهُ إذا كانت الشَّفاعةُ للهِ، ولا تَكونُ إلاَّ بِإذنِهِ، ولا تَكونُ إلاَّ لِمَن ارْتَضَى، ولا يَرْضَى إلاَّ التَّوحيدَ، لَزِمَ مِنْ ذلكَ أنْ لا تُطْلَبَ الشَّفاعةُ إلاَّ مِن اللهِ تعالى، لا مِن النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيَقولَ: اللهُمَّ شَفِّعْ فيَّ نَبِيَّكَ، اللهُمَّ لا تَحْرِمْني شفاعتَهُ، وأمثالَ ذلكَ ----------------------- قال الشيخ صالح الفوزان
    شَفَاعَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- لاَ يُنْكِرُها إلاَّ أَهْلُ البَاطِلِ، والفِرَقُ الضَّالَّةُ كالخَوَارِجِ والمُعْتَزِلَةِ .
    أمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ فإنَّ مِن أُصُولِ عَقِيدَتِهِم الإِقْرَارَ بشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وشَفَاعَةِ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ،ولَكِنَّها لاَ تُطْلَبُ منهم وهم أَمْوَاتٌ، وإنَّما تُطْلَبُ مِن اللهِ؛ لأَِنَّ أَحَدًا لاَ يَشْفَعُ عِنْدَ اللهِ إلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ، ولاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ المَشْفُوعُ فيه مِمَّن يَرْضَى اللهُ عَنْهُ مِن أَهْلِ التَّوْحِيدِ، والنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وهو أَعْظَمُ الشُّفَعَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِذَا تَقَدَّمَ له أَهْلُ المَحْشَرِ وطَلَبُوا منه أَنْ يَشْفَعَ لَهُم عِنْدَ اللهِ في فَصْلِ القَضَاءِ بَيْنَهُم، فإنَّه لاَ يَشْفَعُ ابْتِدَاءً، وإنَّما يَسْتَأْذِنُ رَبَّه ويَطْلُبُ منه أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بالشَّفَاعَةِ، فَيَخِرُّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ ويَدْعُوه ويَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ، ويَسْتَمِرُّ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: ((يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ)) ولكن كيف تُطْلَبُ الشَّفَاعَةُ؟
    الشَّفَاعَةُ تُطْلَبُ مِن اللهِ وَلاَ تُطْلَبُ مِن المَخْلُوقِ، فَتَقُولُ: اللهُمَّ لاَ تَحْرِمْنِي شَفَاعَةَ نَبِيِّكَ، اللهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ، وأَمْثَالَ هَذَا، والنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بَعْدَ مَوْتِهِ لاَ يُطْلَبُ منه شَيْءٌ، لاَ شَفَاعَةٌ وَلاَ غَيْرُهَا؛ لأَِنَّ طَلَبَ الأَشْيَاءِ مِن الأَمْوَاتِ شِرْكٌ أَكْبَرُ.



  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ صالح آل الشيخ
    الشبهة الخامسة: (فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرأ منها؟ فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو -صلى الله عليه وسلم- الشافع والمشفع، وأرجو شفاعته، لكن الشفاعة كلها لله).
    شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- جنس تحته أنواع، فهو -عليه الصلاة والسلام- يشفع يوم القيامة في أنواعٍ من الشفاعة، وأعظمها وأجلها شفاعته -عليه الصلاة والسلام- في أهل الموقف، أن يعجَّل لهم الحساب، بعد أن نالهم من الكرب والشدة ما جعلهم يستغيثون به عليه الصلاة والسلام، في عرصات القيامة، في ذلك الموقف العظيم، وهذا هو المقام المحمود الذي خص الله -جل وعلا- به محمداً عليه الصلاة والسلام؛ كما قال سبحانه: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}.
    وهذا المقام المحمود، هو شفاعته -عليه الصلاة والسلام- في الناس جميعاً، لكي يفصل بينهم، ولكي يعجل لهم الحساب، ولهذا جاء في حديث جابر وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فقال مثل ما يقول المؤذن ثم قال: -في الدعاء المعروف بعد الأذان- اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إلا حلت له شفاعتي يوم القيامة)) وذلك أنه سأل الله -جل وعلا- لنبيه صلى الله عليه وسلم المقام المحمود، وسأل له الوسيلة والفضيلة، وهي متحققة للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكن السائل إذا دعا الله -جل وعلا- بذلك وسألها للنبي صلى الله عليه وسلم، ففي سؤاله ذلك له -عليه الصلاة والسلام- أنواع من العبادات التي بها استحق أن تحل عليه وله شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم:
    منها: يقينه بما وعد الله -جل وعلا- نبيه.
    ومنها: حبه للمصطفى صلى الله عليه وسلم، ودخوله في أمته، ورغبتُه ومحبتُه أن يكون -عليه الصلاة والسلام- أنفع الخلق للناس يوم القيامة، وهو -عليه الصلاة والسلام-كذلك، إذ خصه الله -جل وعلا- بالشفاعة.
    ومر معنا في شرح (الواسطية) ومر معنا في غير ذلك أنواع الشفاعات، التي أعطاها الله -جل وعلا- نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، في ذلك المقام العظيم يوم القيامة.
    فهنا قال: (فإن قال: أتنكر شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتبرأ منها) هذا يشمل إنكار الشفاعة العظمى، والشفاعات الأخر، الشفاعة في أهل المعاصي ألا يُدخلوا النار، والشفاعة فيمن دخل النار واستحقها ودخلها أن يخرجه الله -جل وعلا- منها، والشفاعة في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم أن يدخلهم ربهم -جل وعلا- الجنة، وأشباه هذا.(فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتبرأ منها؟
    فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو -صلى الله عليه وسلم- الشافع والمشفع) (الشافع) يعني: بما أعطاه الله جل وعلا.(والمشفَّع) فيمن شفع له عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يشفع في أحد يوم القيامة إلا أعطاه الله -جل وعلا- ما سأله وإلا أعطاه الله -جل وعلا- ما شفع فيه، حتى الكافر عَمُّه فإنه يشفع فيه عليه الصلاة والسلام، ويخفف عنه من العذاب بسبب شفاعته عليه الصلاة والسلام، فهو -عليه الصلاة والسلام- الشافع، وهو -عليه الصلاة والسلام- المشفع، ونرجو شفاعته، نرجو أن نكون ممن شفَّع الله -جل وعلا- فيهم نبيه عليه الصلاة والسلام، ونأخذ بأسباب تلك الشفاعة، فإن شفاعة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيمن يشفع فيه؛ هي بإذن الله؛ كما سيأتي.

    قال: (لكنَّ الشفاعةَ كلها لله؛ كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}) الشفاعة معناها: ضم الداعي والسائل طلبه إلى طلب سائل آخر ليتحقق طلبه، ويكون الشافع ـ يعني: الثاني ـ أقوى من الأول، هذا في مقتضى اللغة.
    وهي مأخوذة من الشفع وهو ضد الوِتر؛ كما قال جل وعلا: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} فالشفع مغاير للوَتْر، وسمي الشافع شافعاً والشفيع شفيعاً لأنه صار بالنسبة للسائل زوجاً وشفعاً، بعد أن كان الطالب والسائل واحداً.
    فشفع طلبه، يعني: صار هذا الشافع ثانياً في السؤال، فبدل أن يطلب الشيءَ واحدٌ بالشفاعة صار الطالب له اثنين، الأول صاحب الحاجة والثاني صاحب الشفاعة.
    فإذاً: الشفاعة حقيقتها:ضم الشافع طلبه لطلب السائل ليُحقَّق له مراده، وهذا عام في موارد الشفاعة في اللغة.
    فإذاً: على هذا تكون الشفاعة ممن يمكنه ذلك، فإذا دعا الداعي في الدنيا لأخ من إخوانه، أو لمن دعا له، فإنه شافع له في الدعاء، يعني: أنه سأل الله -جل وعلا- أن يعطي فلاناً مطلوبه الذي هو كيت وكيت.
    وكما جاء في حديث الأعمى المروي في السنن بإسناد حسن، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاءه الأعمى يشكو حاله علمه دعاءً، ثم قال له: ((فقل: اللهم إني استشفع إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم)) وهذا يعني أنه يجعل دعاء المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في حياته شافعاً له، يعني: دعا هو بما أوصى به عليه الصلاة والسلام، ثم رَغِب في أن يكون الشافع له محمداً عليه الصلاة والسلام، يعني الداعي له بما أراده من الرب جل وعلا.
    فإذا كان كذلك صارت حقيقة الشفاعة قائمةً على أن الشافع يطلب كما طلب الأول؛ وأنه لا يشفع إلا فيمن رضي أن يشفع له، لا يشفع ممن طلب منه الشفاعة رغماً عنه، يعني: إذا سأل سائل آخرَ أن يشفع له، فالشافع لا يشفع إلا إذا رغب أن يشفع، وليس كل من طلب الشفاعة من غيره من الناس من فلان، من النبي عليه الصلاة والسلام، من أهل العلم أن يجاب إلى طلبه، فيشفع فيه المصطفى عليه الصلاة والسلام، ويشفع فيه العلماء، إلى آخرذلك، في الدعاء في الدنيا، فإنه قد يطلب ويرد، قد يطلب من الشافع أن يشفع فيقول الشافع: لا أشفع لك.

    والمصطفى -عليه الصلاة والسلام- هو الذي أنزل الله -جل وعلا- عليه قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} ولهذا قال الشيخ رحمه الله: (ولا تكون إلا من بعد إذن الله؛ كما قال عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}) وإذن الله في القرآن وفي الشفاعة نوعان:
    1-إذن قدري كوني.
    2-وإذن شرعي ديني.
    فحصول الشفاعة لا يكون إلا بعد أن يأذن الله بالنوعين.
    فالأول:الإذن الشرعي، يعني: أن يكون هذا المشفوع له ممن أُذن شرعاً أن يُشفع فيه، ومعلوم أن الله -جل وعلا- نهى المؤمنين أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى، فقال -جل وعلا- في سورة براءة: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} فدل هذا على أن الشرع نهى أن يستغفر للمشرك، يعني: أن يُشْفَعَ في مغفرة الذنوب عند الله -جل وعلا- لأهل الشرك.
    وإذا كان كذلك، فإن اشتراط الإذن الشرعي، يعني: أن من طلب الشفاعة من النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا وهو من أهل الشرك، أو في الآخرة وهو من أهل الشرك؛ فإنه لم يؤذن الإذن الشرعي في أن يُشفع فيهم، أو أن يسأل الشفاعة لهم.
    وكذلك في البرزخ - وهو ما بين الحياتين الأولى والآخرة وهو حياة خاصة - كذلك فإن من سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- الشفاعة، وهو في قبره عليه الصلاة والسلام، فقد سأل ما لم يؤذن به شرعاً.

    ولهذا الصحابة -رضوان الله عليهم- ما سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- الشفاعة بعد موته، وكذلك ما سألوا شهداء أحد الشفاعة، والشهداء يشفعون كما جاء في الحديث؛ لأن الشفاعة مشروطة بالإذن الشرعي.

    ولو حصل من أحد أنه طلب الشفاعة، فإنه لو فرض أنه -عليه الصلاة والسلام-يشفع في البرزخ، فإن هذا الذي طلب الشفاعة، فإنه أشرك، حيث سأل الشفاعة بما لم يؤذن به في الشرع؛ لأنه طلب الشفاعة ممن لم يؤذن له في ذلك، والشفاعة كلها لله جل وعلا.

    فتحصل لنا من الشرط الأول -وهو الإذن- أنه ينقسم إلى قسمين:

    1-الإذن الشرعي:وهو أن يكون الله -جل وعلا- أذن للشافع أن يشفع، الإذن الشرعي، وكذلك أذن للمستشفع أن يطلب الشفاعة الإذن الشرعي، وربنا -جل وعلا- قال في الشافع: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} يعني: لا أحد يشفع عند الله -جل وعلا- إلا بعد أن يأذن الله -جل وعلا- الإذن الشرعي.
    فإن أهل الإيمان من الرسل والأنبياء والصالحين والملائكة لا يشفعون لمن لم يؤذن له شرعاً، لمن خالف الشرع، وطلب الشفاعة من غير الله؛ لأن الله -جل وعلا- قال: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}.
    فإذاً: طلب الشفاعة منهي عنه بقوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ }وطلب الشفاعة معناه: طلب الدعاء، فالشفاعة وطلب الدعاء واحد.
    فإذا جاء أحد إلى قبر، وقال لصاحب القبر: أسألك أن تدعو الله لي، معناه: أنه سأل الشفاعة، فهي بمنزلة قوله: أسألك أن تشفع لي؛ لأن الشفاعة - كما ذكرت لك - هي طلب الدعاء، ضم الشافع طلبه إلى المشفوع له.
    فقول القائل لأحد: أسألك أن تدعو لي، يعني: أن تشفع لي، وهذا بالنسبة للأموات مهما علت مرتبتهم فإنه لا يجوز، وطلبها منهم لا يوافق إذن الله -جل وعلا- الشرعي.
    إذا تبين ذلك: فالقسم الثاني من الإذن: الإذن الكوني القدري، يعني: أن الشافع عند الله -جل وعلا- لا يشفع ابتداء، كما هو الحال في الدنيا في أحوال الشافعين عند البشر، يأتي ويطلب، سواء كان المشفوع عنده يرضى بهذه الشفاعة أو لا يرضى، يرغب فيها أو لا يرغب.
    هذا من حال أهل القصور، حال أهل الفقر والمسكنة، يعني: من أهل الدنيا.
    أما ربنا -جل وعلا- ذو الكمال المطلق، وذو الإحسان إلى خلقه، وذو الغنى التام، وذو القدرة التامة جل وعلا، فإنه لا يشفع عنده أحد ابتداء، بل لا يشفع أحد حتى يأذن الله للشافع أن يشفع: الإذن الكوني القدري، يعني: يعلم الله -جل وعلا- أن هذا يريد أن يشفع فيقول له: اشفع، كما ثبت في الصحيح أنه -عليه الصلاة السلام- إذا كانت الشفاعة العظمى يوم القيامة ويأتيه الناس قال: ((فآتي فأخر بين يدي العرش فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن)).
    يخر ساجداً، فيبتدئ بالحمد والثناء على الله جل وعلا، والله سبحانه يعلم أنه يريد أن يشفع، ولا يشفع ابتداءً؛ لأنه لابد من الإذن الكوني، لابد أن يقال له: اشفع، قال عليه الصلاة والسلام: ((فيقول الرب، أو فيقول: يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تُشَفَّع)).

    فهذا يدل على أن الشفاعة يوم القيامة لا يبتدىء بها أهلها حتى يأذن الله -جل وعلا- لهم في أن يشفعوا،وهذا أصل عظيم في هذا الباب.
    إذاً: الإذن الكوني القدري - بالدليل الذي ذكرت لك - يدل على أن هذا الذي شفع لا يملك الشفاعة، وإنما هو محتاج لأن يشفع، كما أن الطالب محتاج في أن يشفع له، والله -جل وعلا- هو الذي يملك الشفاعة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يملكها فيشفع شفاعة من يملك، وإنما هو يرجو أن يقبل منه أن يشفع كما جاء في هذا الحديث، ودلالته واضحة على ما ذكرنا.
    إذاً: قوله جل وعلا: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} يعني: لا أحد يشفع عند الله -جل وعلا- إلا بإذنه سبحانه الشرعي، وبإذنه سبحانه القدري، فإن شفع من لم يأذن الله فيه شرعاً فإنه لا تقبل شفاعته، مثل ما شفع نوح -عليه السلام- في ابنه قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} فأجابه ربنا -جل وعلا- بقوله: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ} الآيات.
    فإذاً:دل على أنه إذا ابتدأ أحد في أن يشفع فيمن لم يؤذن له بالشفاعة شرعاً، فإنه لا تقبل شفاعته، وترد عليه.
    وأما الإذن الكوني:فإنه في الآخرة لا يحصل - يعني بعد الموت - لا يحصل الإذن، لا تحصل الشفاعة ولا تقع إلا بعد الإذن الكوني.
    أما في الدنيا: فإنه قد يشفع أحد فيؤذن له كوناً بالشفاعة بحسب إرادته، فيبتدئ بالشفاعة، ثم ترد عليه إن لم تكن شفاعته موافقة للإذن الشرعي، أولم تكن شفاعته موافقة لحكمة الله جل وعلا.
    فتحصَّل من هذا أن الشفاعة لها - من حيث الزمن - حالان:
    في الدنيا، وما بعد الممات.
    أما في الدنيا:فإن الإذن الكوني للشافع يحصل بإرادة الشافع، فقد يشفع والله -جل وعلا- يأذن سبحانه، ولو كانت حكمته في أن يرد هذا الشافع في الدنيا مثل ما حصل من شفاعة نوح -عليه السلام- في ابنه، ومن شفاعة إبراهيم في أبيه، ومن شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- في عمه، فأنزل الله جل وعلا: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}.
    أما بعد الممات: فإنه لا يبتدئ أحد الشفاعة -يعني: في يوم القيامة ولا في البرزخ- حتى يأذن الله جل وعلا، ومعلوم أن الله -جل وعلا- لا يأذن في وقوع الشرك، ولا يأذن إذناً كونياً ولا إذناً شرعياً في حصول ذلك من الأموات، لكن من الأحياء قد يبتدئون ويطلبون ذلك؛ لأنها دار تكليف، فيأذن الله -جل وعلا- كوناً بحصول مالم يأذن به شرعاً؛ لأنها دار تكليف.
    فقوله سبحانه: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} معناها: لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه، وذلك لكمال قدرته -جل وعلا- وقهره وجبروته، وكمال ملكه، وكمال عزته، وكمال صفاته -سبحانه- وأسمائه.
    أما الخلق فقد يُشفع عندهم بلا إذن منهم.

    قال الشيخ -رحمه الله- تعالى بعد ذلك: (ولا يَشفع في أحد) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، أو: (لا يُشفع في أحد) يعني: جميع أنواع الشفعاء (إلا من بعد أن يأذن الله فيه)

    وهذا إذن آخر، فباعتبار آخر: الإذن ينقسم إلى قسمين:
    1-إذن للشافع أن يشفع.
    2-وإذن للمشفوع فيه أن يُشفع له.
    قال: (ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه) يعني: في حق المشفوع له أن يشفع، أما أن يشفع لكل أحد، والله -جل وعلا- لا يأذن لهذا أن يشفع له فإن هذا لا يحصل، والله -سبحانه وتعالى- لا يرضى إلا بالشفاعة لأهل التوحيد، كما سيأتي.

    قال: (كما قال عز وجل: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}) {وَلا يَشْفَعُونَ} يعني: الملائكة؛ لأن هذه الآية في سورة الأنبياء {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}يعني: الملائكة، فلا يشفعون فيمن يريدون، كما يظن أهل الشرك، بل لا يشفعون إلا لمن رضي الله -جل وعلا- قوله وعمله، فيمن ارتضاهم ربنا جل وعلا.
    والله -سبحانه- لا يرضى إلا لأهل التوحيد؛ كما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه)).

    فقوله: ((أسعد الناس بشفاعتي)) قال العلماء: (أسعد) هنا جاءت على أفعل التفضيل، لكن معناها الوصف لا التفضيل، يعني: سعيد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال (لا إله إلا الله) خالصاً من قلبه أو نفسه.

    فأسعد بمعنى سعيد؛ كقوله -جل وعلا- في سورة الفرقان:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} ومعلوم أن مقيل أهل النار ليس فيه حسن، بل هو قبيح وشر وعذاب عليهم، فقوله: {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} يعني: حسناً مقيلهم.

    فهذا معلوم في اللغة أن (أفعل) قد تخرج عن بابها إلى الوصف، وهذا كقوله كما ذكرنا: ((أسعد الناس بشفاعتي)) فسعيد الناس بشفاعته -عليه الصلاة والسلام- أهل التوحيد.

    والذين يرضاهم الله -جل وعلا- ورضي لهم قولاً هم أهل التوحيد.

    فإذا كان كذلك، فمن سأل من لا يملك الشفاعةَ الشفاعةَ، فإنه ليس ممن رضي الله -جل وعلا- قوله، ولا رضي عمله؛ لأن الله نهانا عن ذلك، ولأن الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يفعلوا ذلك.

    قال جل وعلا: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}وهذا هو الشرط الثاني، وهو شرط الرضا، فإن الشفاعة لا تنفع عند الله -جل وعلا- إلا بتحقق شرطين:
    1-الإذن.
    2-والرضا.
    والرضا نوعان أيضاً:
    1-رضا عن الشافع.
    2-ورضا عن المشفوع له.
    الذين يشفعون هم الذين رضي الله عنهم، وهم الأصناف الذين جاء ذكرهم في الأحاديث: الأنبياء، وأولهم محمد عليه الصلاة والسلام، والعلماء، والشهداء، والصالحون، هؤلاء هم الذين يشفعون فرضي الله -جل وعلا- قولهم.
    وكذلك النوع الثاني: الرضا لمن شُفع له، وهذا الرضا قد يكون رضاً عن مآل حاله؛ لأنه من أهل الإسلام، وقد يكون رضاً في الشفاعة لحكمة يعلمها جل وعلا، وهذا إخراج لحال أبي طالب.

    قال: ({وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} وهو جل وعلا لا يرضى إلا التوحيد) بدلالة الحديث الذي ذكرنا، وكذلك دلالة قول الله جل وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
    وكقوله جل وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} يعني: التوحيد، الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، هذا هو الإسلام، وهو التوحيد الذي جاء به الأنبياء والرسل جميعاً.
    فإذاً: هو سبحانه لا يرضى إلا الإسلام العام،ومن كان من هذه الأمة فلا يرضى - يعني: بعد بعث محمد عليه الصلاة والسلام - فلا يرضى إلا ما فيه، بل لا يرضى إلا اتباع المصطفى عليه الصلاة والسلام.
    فقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} يعني: من ابتغى غير دين محمد -عليه الصلاة والسلام- فلن يقبل منه؛ لأن محمداً -عليه الصلاة والسلام- بعثه الله، وبعثه بالإسلام الخاتَم الذي نسخ كل دين قبله.

    قال -رحمه الله- بعد ذلك: (فإذا كانت الشفاعة كلها لله) هذا استنتاج، ترتيب النتائج على المقدمات.(فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا بعد إذنه، ولا يشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا غيره، في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد) هذه أربعة أشياء، إذا كانت الشفاعة كلها لله أولاً، هذه مقدمات في الحجة ليبني على هذه المقدمات النتيجة، وهذه المقدمات كل واحدة منها سبق شرحها ودليلها.

    قال: (فإذا كانتِ الشفاعة كلها لله) يعني: من جهة المِلك؛ لأن الذي يملكها الرب جل وعلا، فإذاً هو الذي يتصرف ويقول سبحانه: هذا يُشفع فيه، وهذا يَشفع، وهذه الحال فيها شفاعة، وهذه الحال ليس فيها شفاعة، إذ هو المالك للشفاعة سبحانه، بخلاف أهل الدنيا، فإنه يملك المرء الشفاعة في أحد.
    أنا الآن -مثلاً- أريد أن أشفع لفلان، فإني أملكها بحيث أبتدئ الشفاعة ولو لم يرض المشفوع عنده، فأبتدئ سواء قبل أو لم يقبل، هذا لأجل حال القصور الذي أنا عليه والضعف والمسكنة، فلا أملك ولا أستطيع أن أفرض على أحد شيئاً.
    أما حقيقة الشفاعة:فإنها لله جل وعلا، يملكها سبحانه، فالشفاعة عنده -جل وعلا- ليست كالشفاعة عند خلقه جل وعلا، بل هو الذي يملك الشفاعة، فالذي يجيء يطلب الشفاعة، لا يجيء وهو يتقدم عند الله -جل وعلا- بشيء يملكه هو، بل الذي يملك الشفاعة الرب سبحانه وتعالى.
    فحقيقة الشروط {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}، {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} ونحو ذلك من الآيات، دالة على أن الشفاعة مِلك لله، فالآية - آية الزمر - {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} دالة، وكذلك الشروط دالة على أن الشفاعة كلها لله جل وعلا.

    قال في الشرط الثاني: (ولا تكون إلا بعد إذنه) مثل ما مر معنا. (ولا يشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه) هذا الشرط الثالث.(ولا يأذن إلا لأهل التوحيد) هذا الشرط الرابع (تبين لك أن الشفاعة كلها لله) يعني: أن أحداً ليس له من الأمر شيء، كما قال جل وعلا: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.

    قال بعدها: (فأطلبها منه) يعني: إذا كانت لله، وهذه الشروط الأربعة والمقدمات الأربع واضحة، فتحصَّل أن الشفاعة لله، والطلب إذاً يكون ممن يملك.

    قال: (فأطلبها منه، فأقول: اللهم لاتحرمني شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، اللهم شفعه فيَّ) فتسأل الله -جل وعلا- أن يأذن للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن يسخره -عليه الصلاة والسلام- للشفاعة فيك، وهذا هو وجه التوحيد، والطريقة الشرعية المأذون بها.

    قال: (وأمثال هذا) يعني: من الأدعية التي تناسب هذا المقام.
    إذاً: فهذا الكلام الذي ذكرناه جواب على قول من قال: (أتنكر شفاعة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وتبرأ منها؟) وهذه الشبهة كثيراً ما تقال لأهل التوحيد.
    فإذا قالوا لغيرهم ممن طلبوا الشفاعة من المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو من الأولياء قالوا لهم: الشفاعة لله، وطلب الشفاعة من الموتى شرك؛ لأن الله -جل وعلا- لم يأذن بهذا، والله هو الذي يملك الشفاعة، هذا لا يملكها، ومن طلب من الميت ما لا يملكه، ولا يقدر عليه ابتداءً، فقد طلب منه ما هو مختص بالله، وهذا يعني أنه أشرك به.(قالوا: أتنكر الشفاعة؟)
    فإذاً: هم إذا أنكر عليهم الشرك، قالوا: أتنكر شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأن أهل العلم من أهل السنة ومن الفرق الأخرى مجمعون - يعني: غير المعتزلة الأشاعرة والماتريدية وأشباه هؤلاء، مجمعون على أن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يشفع، وعلى أن الأولياء والصالحين يشفعون.
    فإذا قلت لهم:طلب الشفاعة شرك، أرادوا أن ينسبوك لأهل الضلال ممن ينكرون الشفاعة.
    فقالوا: أتنكر الشفاعة؟ حتى يَنسبك إلى الخوارج أو إلى المعتزلة أو ما أشبه ذلك.

    فإذاً:قوله هنا: (فإن قال: أتنكر شفاعةَ رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وتبرأ منها؟) هذه يقولها المشرك للموحد حتى ينسِبه وحتى ينسُبه - يصح الوجهان - لأهل البدع من الخوارج والمعتزلة، فكأنه قال لك: أأنت خارجي؟ - إذا أنكرت عليه طلب الشفاعة - أأنت خارجي؟ أو أأنت معتزلي؟
    فتقول له:لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل أنا سلفي سني موحد، ولست من أهل البدع والفرق الضالة، بل هو عندنا -عليه الصلاة السلام- هو الشافع المشفع بأنواع من الشفاعات نثبتها قد لا يثبتها بعض أهل البدع، كالأشاعرة ونحوهم، وأرجو شفاعته عليه الصلاة السلام، نرجو شفاعته، ونبذل الأسباب في ذلك.
    فنسأل الله -جل وعلا- أن يُشَفِّعَ فينا نبيه عليه الصلاة والسلام، وكذلك نأتي بالأسباب، من الدعاء بعد الأذان، ومن محبة المدينة، ومن الرغبة في الموت فيها، وكذلك في السعي في القتال في سبيل الله، وأشباه ذلك، مما هو من أسباب نيل شفاعته عليه الصلاة والسلام، هذا حقيقة هذا البرهان، وهذا التفصيل من الشيخ رحمه الله تعالى.

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    كشف الشبهة السادسة: وهي قولهم: النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة ونحن نطلبه مما أعطاه الله

    قال الامام محمد بن عبد الوهاب فى رسالة كشف الشبهات

    فَإِنْ قَالَ:
    النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ؟
    فَالْجَوابُ:
    أَنَّ اللهَ أَعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ وَنَهَاكَ أنْ تَدْعُوَ مَعَهُ أحَدَاً، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}[الجن: 18]، وطلبُكَ من اللهِ شَفَاعَةَ نبيهِ عَبَادَةٌ، وَاللهُ نَهَاكَ أنْ تُشْرِكَ فِي هَذِهِ العِبَادَةِ أحَدَاً، فَإِذَا كُنْتَ تَدْعُو اللهَ أَنْ يُشفِّعَهُ فِيْكَ فَأَطِعْهُ في قَوْلِهِ: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}.
    وَأَيْضاً فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ أُعْطِيها غَيْرُ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَحَّ أَنَّ المَلائِكَةَ يَشْفَعُونَ، وَالأَفْرَاطَ يَشْفَعُونَ، وَالأَوْلياءَ يَشْفَعُونَ، أتَقُولُ: إِنَّ اللهَ أَعْطاهُمُ الشَّفَاعَةَ فَأَطْلُبُها مِنْهُمْ؟
    فَإِنْ قُلْتَ هَذا وجَوَّزْتَ دعاء هؤلاء رَجَعْتَ إِلى عِبَادةِ الصَّالِحينَ الَّتِي ذَكَرها اللهُ في كِتابِهِ.
    وَإِنْ قُلْتَ: لاَ، بَطَلَ قَوْلُكَ: أَعْطاهُ اللهُ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ.


  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
    (فَإِنْ قَالَ) المُشَبِّهُ: (النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ) إِن انْتَقَلَ لِهَذِه الشُّبْهَةِ -في زَعْمِهِ: أَنَّه كَمَا أَنَّ مَن أُعْطِيَ المَالَ يُعْطِي مَنْ شَاءَ فَكَذَلِكَ مَن أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ.

    (فالجَوَابُ) نَعَمْ (أَنَّ اللهَ أَعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ) وهو سَيِّدُ الشُّفَعَاءِ لَكِنَّ الذِي أَعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ هو اللهُ (ونَهَاكَ عن هَذَا) نَهَاكَ أَنْ تَطْلُبَهَا مِنْهُ فَهَذَا مِن جَهْلِهِ يَطْلُبُ شَيْئًا مَنْهِيًّا عَنْهُ، مَعَ أَنَّ إِعْطَاءَهُ الشَّفَاعَةَ إِعْطَاءٌ مُقَيَّدٌ لاَ مُطْلَقًا، كَمَا أَنَّ إِعْطَاءَهُ المَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُعْطِيهِ مَن شَاءَ إِنَّما يُعْطِيهِ مَن أُمِرَ أَنْ يُعْطِيَهُ فَقَالَ تَعَالَى: {فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَدًا} فَهَذَا نَهْيٌ عَنْ دَعْوَةِ غَيْرِ اللهِ.
    وَدَعْوَةُ غَيْرِ اللهِ أَنْوَاعٌ:
    - مِنْهَا: دَعْوَةُ غَيْرِ اللهِ فِيمَا يَرْجُونَه مِن شَفَاعَتِهِم.
    - وَمِنْهَا:دَعْوَةُ غَيْرِ اللهِ لكَشْفِ الكُرُبَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، بَلْ هو حَقِيقَةُ دِينِ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ، إِنَّمَا كَانَتْ عِبَادَتُهُم آلِهَتَهُم بالدُّعَاءِ وَطَلَبِ الشَّفَاعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِذَا كُنْتَ تَدْعُو اللهَ) الظَّاهِرُ أنَّ مُرَادَهُ تَرْجُو اللهَ (أَنْ يُشَفِّعَ نَبِيَّهُ فِيكَ فأَطِعْهُ في قَوْلِهِ: {فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَدًا}) إِذَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ تَكُونَ أَهْلاً لِشَفَاعَةِ سَيِّدِ الشُّفَعَاءِ فَوَحِّدِ اللهَ، وأَخْلِصْ لَهُ العَمَلَ تَنَلْ شَفَاعَةَ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ الَّتِي هي حَقٌّ وَأُعْطِيَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْرُوطَةٌ بِشُرُوطٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وبَيَّنَتِ الشَّرِيعَةُ أَنَّ سَبَبَ نَيْلِهَا اتِّبَاعُ الرُّسُلِ وإِخْلاَصُ العَمَلِ، فَبِذَلِكَ يَكُونُ مِن أَهْلِ الشَّفَاعَةِ فالمُشْرِكُونَ ضَيَّعُوا سَبَبَ الشَّفَاعَةِ وضَادُّوهُ وخَالَفُوهُ.

    الشَّرِيعَةُ بَيَّنَتْ أَنَّ سَبَبَ إِعْطَائِهِ إِيَّاهَا غَيْرُ طَلَبِهَا مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا سَبَبُهَا الإِيمَانُ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالإِيمَانُ بِمَا جَاءَ بِهِ؛ قَالَ تَعَالَى:{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ} وَمَا لاَ يَعْلَمُهُ اللَّه فَهُو بَاطِلٌ؛ يَعْنِي: لاَ يَعْلَمُ أَنَّ مِن دُونِهِ شُفَعَاءَ.
    وَسُئِلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ؟ فَقَالَ: ((مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ)) وَقَالَ: ((فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا)).
    فالشَّفَاعَةُ للعُصَاةِ، أَمَّا المُشْرِكُونَ فَلاَ شَفَاعَةَ لَهُم.

    (وَأَيْضًا فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ أُعْطِيَهَا غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا جَوَابٌ ثَانٍ لِكَشْفِ الشَّبْهَةِ السَّابِقَةِ، تَقَدَّمَ الأَوَّلُ، وهو كَافٍ في كَشْفِ شُبْهَتِهِ، وَهَذَا الثَّانِي (فَصَحَّ أَنَّ المَلاَئِكَةَ يَشْفَعُونَ والأَفْرَاطَ يَشْفَعُونَ) فجِنْسُ الشَّفَاعَةِ أُعْطِيَهَا غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ هَذَا الإِعْطَاءَ مُقَيَّدٌ.

    (أَتَقُولُ إِنَّ اللهَ أَعْطَاهُمُ الشَّفَاعَةَ فَأَطْلُبُهَا مِنْهُم) يَعْنِي مُقْتَضَى قَوْلِهِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهَا مِنْهُ، يُدَلِّلُ عَلَى ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ هَذَا رَجَعْتَ إِلَى عِبَادَةِ الصَّالِحِينَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ فِي كِتَابِهِ) فَإِنَّها لَيْسَتْ أَكْثَرَ مِن طَلَبِهِم منهم الشَّفَاعَةَ، والذَّبْحِ لَهُم لِقَصْدِ تَقْرِيبِهِم إِلَى اللهِ، وطَلَبِ شَفَاعَتِهِم، لاَ غَيْرُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} الآيةَ.

    (وَإِنْ قُلْتَ لاَ) أَطْلُبُهَا منهم وَلَوْ أُعْطُوهَا (بَطَلَ قَوْلُكَ: أَعْطَاهُ اللهُ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ) وَاتَّضَحَ لَكَ أَنَّ كَوْنَ شَخْصٍ أُعْطِيَهَا لاَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُعْطِيهَا مَن سَأَلَهَا.
    وَلَلَزِمَ مِن ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَن طَلَبَ الشَّفَاعَةَ يُعْطِي إِيَّاهَا مَن سَأَلَهُ، ولَفَسَدَتِ الشَّرَائِعُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إْعَطَاءَهُ الشَّفَاعَةَ مُقَيَّدٌ، ولَيْسَ دَالاًّ عَلَى أَنَّهَا تُطْلَبُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَتْ تُطْلَبُ منه لَكَانَ الصَّحَابَةُ أَوَّلَ مَن يَطْلُبُهَا مِنْهُ؛ بل أَنْكَرَ زَيْنُ العَابِدِينَ عَلَى مَن أَتَى إِلَى فُرْجَةٍ كَانَتْ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَدْخُلُ فيها فَيَدْعُو.

    وَحِينَئذٍ انْكَشَفَتْ شُبْهَتُهُ، وانْدَحَضَتْ حُجَّتُهُ، وتَبَيَّنَ لَكَ بِذَلِكَ جَهْلُهُ وضَلاَلُهُ. ------------------------ قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين
    قولُهُ: (فإنْ قالَ) أي: المشركُ الَّذي يَدْعو رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللهَ أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الشَّفاعةَ، فأنا أَطْلُبُها منهُ.
    فالجوابُ: مِنْ ثلاثةِ أَوْجُهٍ:
    الأوَّلُ: أنَّ اللهَ أَعْطَاهُ الشَّفاعةَ ونَهَاكَ أنْ تُشْرِكَ بهِ في دُعائِهِ، فقالَ: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا}.
    الثَّاني: أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى أَعْطَاهُ الشَّفاعةَ، ولكنَّهُ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَشْفَعُ إلاَّ بإذنِ اللهِ، ولا يَشْفَعُ إلاَّ لِمَن ارْتَضاهُ اللهُ، ومَنْ كانَ مُشركًا فإنَّ اللهَ لا يَرْتَضِيهِ، فلا يَأْذَنُ أنْ يَشْفَعَ لهُ، كما قالَ تعالى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياءُ: 28].
    الثَّالثُ: أنَّ اللهَ تعالى أَعْطَى الشَّفاعةَ غيرَ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فالملائكةُ يَشْفَعونَ، والأفْراطُ يَشْفَعونَ، والأوْلِياءُ يشْفَعونَ.
    فقُلْ لهُ: هلْ تَطْلُبُ الشَّفاعةَ مِنْ كلِّ هؤلاءِ؟ فإنْ قالَ: لا، فقدْ خُصِمَ وبَطَلَ قولُهُ.
    وإنْ قالَ: نَعَمْ، رَجَعَ إلى القولِ بعبادةِ الصالحين.
    ثمَّ إنَّ هذا المشركَ المُشَبِّهَ ليسَ يُرِيدُ مِنْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنْ يَشْفَعَ لهُ، ولوْ كانَ يُرِيدُ ذلكَ لقالَ: اللَّهمَّ شَفِّعْ فِيَّ نَبيَّكَ مُحمَّدًا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ ولكنَّهُ يَدْعو الرَّسولَ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُباشَرةً، ودُعاءُ غيرِ اللهِ شركٌ أَكْبَرُ مُخْرِجٌ مِن الْمِلَّةِ، فكيفَ يُرِيدُ هذا الرَّجلُ الَّذي يَدْعو معَ اللهِ غيرَهُ أنْ يَشْفَعَ لهُ أحدٌ عندَ اللهِ سُبحانَهُ وتعالى؟!

    وقولُهُ: (وَالأَفْرَاطُ يَشْفَعونَ) الأفراطُ: هم الَّذينَ ماتُوا قبلَ البُلوغِ، وسَنَدُهُ حديثُ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لاَ يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَلِجُ النَّارَ إِلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ)) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، ولهُ عنهُ وعنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ حديثٍ آخَرَ: ((لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ))(2).

    وقالَ المؤلِّفُ: (إنَّ الملائكةَ يَشْفَعونَ، والأولياءَ يَشْفَعونَ)، سَنَدُهُ(3) حديثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، الَّذي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلاً، وفيهِ: ((فيَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: شَفَعَتِ الْمَلاَئِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ المُؤْمِنُونَ)) الحديثَ.----------- قالالشيخ صالح الفوزان
    أي: لَيْسَ مِن لاَزِمِ إِعْطَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وغَيرِه الشَّفَاعَةَ جَوَازُ طَلَبِهَا مِنْهُم، وهُمْ أَمْوَاتٌ، بِدَلِيلِ: أَنَّ اللهَ -سُبْحَانَه وتَعَالَى- نَفَى أَنْ يَشْفَعَ أَحَدٌ عِنْدَه إلاَّ بإذْنِهِ ورِضَاهُ عن المَشْفُوعِ فيه، ولأَِنَّ طَلَبَ الشَّفَاعَةِ مِن الأَمْوَاتِ شِرْكٌ، واللهُ قَدْ حَرَّمَ الشِّرْكَ وأَحْبَطَ عَمَلَ صَاحِبِه، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ، وقَدْ أَنْكَرَ -سُبْحَانَهُ- عَلَى الَّذِينَ يَدْعُونَ غَيْرَه، ويَقُولُونَ: هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ، ونَزَّهَ نَفْسَهُ عن ذلك وسَمَّاهُ شِرْكًا.
    وأَيْضًا إِعْطَاءُ اللهِ الشَّفَاعَةَ لَيْسَ خَاصًّا بالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- فهل كُلُّ مَن أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ تُطْلَبُ منه مِن دونِ اللهِ، كَمَا كَانَ المُشْرِكُونَ الأَوَّلُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟!{وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله}.




  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ صالح آل الشيخ
    قال: (فإن قال: النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله، فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا - يعني: نهاك عن طلب الشفاعة - فقال سبحانه: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك فأطعه في قوله: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}) وهذا دليل وبرهان سديد للغاية.
    كما ذكرت لك أن الشفاعة طلب، والشفاعة هي الدعاء، فإذا طلب أحد من النبي-صلى الله عليه وسلم- وهو في البرزخ - مع حياته الكاملة عليه الصلاة والسلام، أكمل من حياة الشهداء، عليه الصلاة والسلام - إذا طلب منه أن يشفع فهذا الطالب سأله، والسؤال دعاء، فحقيقة طلب الشفاعة أنها دعوة الميت، سؤال الميت، سؤال النبي -عليه الصلاة والسلام- في قبره وهو في الرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام، سؤاله ودعاؤه والطلب منه، فإذا قال القائل: يا محمد يا رسول الله اشفع لي، فقد دعاه وطلب منه.
    إذا قال:يا محمد يا رسول الله اسأل الله لي، فقد سأله وطلب منه عليه الصلاة السلام، وهذا طلبٌ للدعاء ممن ليس في الحياة الدنيا - ممن هو عند الله جل وعلا - والله سبحانه نهانا أن ندعو أحداً غيره؛ فقال جل وعلا: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}.
    وقوله: {فَلا تَدْعُوا} هذا نهي، نهانا عن الدعاء، ومن المعلوم المتقرر في الأصول أن الفعل المضارع لاشتماله على مصدر، ينزل منزلة النكرة في سياق النهي أو النفي، فتعم أنواع الدعاء.
    {فَلا تَدْعُوا} هذا يعم جميع أنواع الدعاء، لا يدعى مع الله أحد، دعاء استغاثة، دعاء استعانة، دعاء استسقاء، دعاء شفاعة، دعاء نذر، إلى آخره، فجميع هذه الأنواع داخلة في النهي، في قوله جل وعلا: {فَلا تَدْعُوا} دعاء العبادة ودعاء المسألة.

    وكذلك دلت الآية على عموم آخر، وهو قوله جل وعلا: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} لأن {أَحَداً} نكرة جاءت في سياق النهي فدلت على عموم كل أحد، فالملائكة لا يُدعون والأنبياء والرسل -عليهم صلوات الله وسلامه- لا يدعون، وكذلك الصالحون ممن انتقلوا عن الدنيا لا يدعون، والأولياء من الأموات لا يدعون، والشهداء - شهداء المعركة - لا يدعون أيضاً.
    وكما ذكرت لكم في درسٍ سبق، أن الصحابة أجمعوا في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي -صلى الله عليه وسلم- مقرهم على ذلك، بل والتشريع ينزل، أن أحداً منهم لم يسأل الشهداء - شهداء أحد - الشفاعة، ولم يطلب منهم شيئاً، مع أنهم كانوا في حياةِ أولئك الشهداء ربما طلبوا منهم، لكن لما ماتوا تركوا الطلب، مع أنهم كما قال الله جل وعلا: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُو نَ} الآية.

    فدل هذا على أن طلب الشفاعة من الميت داخل في سؤال الميت وفي دعاء الميت، وهذا كما قال الشيخ رحمه الله: (فإن قال: النبي -صلى الله عليه وسلم- أُعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله)
    فقل: نعم النبي -صلى الله عليه وسلم- أُعطي الشفاعة في عرصات القيامة بأنواع من الشفاعة، لكن الذي أعطاه الشفاعة في عرصات القيامة هو الذي نهاك عن طلب الشفاعة وأنت في الحياة الدنيا، وهو في البرزخ.
    فالجواب كما ذكر الشيخ: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا.
    ما الدليل على النهي؟
    قال: (فقال تعالى: {فَلا تَدْعُوا معَ اللَّهِ أَحَداً}) ووجه دخول طلب الشفاعة في الدعاء، ما ذكرته لك، وما هو واضح تقريره.
    قال: (فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك) إذا كنت تريد أن يشفع فيك المصطفى صلى الله عليه وسلم.(فأطعِ الله في قوله: {فَلا تَدْعُوا معَ اللَّهِ أَحَداً}) يعني: فلا تسألوا مع الله أحداً.
    وقوله: {مَعَ اللَّهِ} فيه إشارة إلى سؤال من لا يملك الشيء ومن لا يقدر عليه، وأن من سأل غير الله وهذا الغير لا يملك الشيء فقد دعا مع الله أحداً، وهذا ظاهر من جهة الاستدلال ومن جهة البرهان الواضح القوي.
    قال في برهان آخر: (وأيضاً) هذا نوع آخر من البرهان على المسألة.(فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم، فصح أن الملائكة يشفعون، وأن الأفراط يشفعون، والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم؟) لأنه يقول: النبي -صلى الله عليه وسلم- أُعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله.
    فقل: - وهذا من جهة الإلزام؛ لأن الإلزام إن التزمه تناقض وصار مبطلاً، وإن لم يلتزمه تناقض أيضاً وصار مبطلاً، فقل له: الأفراط يشفعون، لهذا إذا مات فرط - صغير - فندعوا لوالديه بالمغفرة، وندعوا أن يشفعه في والديه، كما جاء في السنة من الدعاء في الآثار.
    فإذاً:هل يقول هذا الذي احتج بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُعطي الشفاعة، يقول بأن كل من أعطي الشفاعة يُسأل الشفاعة ؟
    فنقول: هؤلاء الأفراط يشفعون فاسألهم الشفاعة، ولا قائل به، أن الأطفال الصغار يؤتى إلى قبورهم ويطلب منهم الشفاعة، مع أن الحجة التي احتجوا بها في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- هي الحجة التي تسوغ في حق هؤلاء الصبية.
    كذلك الملائكة يشفعون،فهل يطلب المسلم الشفاعة من الملائكة، ويقول: يا جبريل اشفع لي عند الله، وهذا لا قائل به حتى عباد القبور لا يقولون بهذا؛ لأنهم لو قالوا به صاروا إلى دين الجاهلية بالاتفاق، وصاروا إلى دين المشركين بالاتفاق.
    فإذاً: هذه الحجة حجة إلزامية، يُحتج عليهم بما يقرون به على ما يحتجون له، فهم يقرون أن الملائكة يشفعون.
    فيقال لهم:النبي -صلى الله عليه وسلم- أُعطي الشفاعة كما ذكرتم، ولكن نهينا أن نسأله الشفاعة.
    فإن قالوا: لا، بل أعطيها ونسأله الشفاعة.
    نقول لهم: الملائكة، يعني: نبرهن لهم بالبرهان الأول: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} فإن لم ينفع فيهم، فنقول لهم: الملائكة أيشفعون؟
    فإن قالوا:لا.
    فنقول لهم: بل يشفعون؛ لأن الله -جل وعلا- قال فيهم: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} ولأنه ثبت في الحديث الصحيح أن الله -جل وعلا- يقول يوم القيامة: ((شفعت الملائكة، وشفعت الأنبياء، وشفع العلماء، ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين)) فيُخرجُ بعثاً من النار، إلى آخر الحديث.
    فإذاً:إذا قلنا له: الملائكة تشفع بنص القرآن، وأخبر الله أنهم يشفعون، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر، فاسأل الملائكة أن يشفعوا لك.
    فإن قال به - ولا قائل به - فيصير إلى دين المشركين بالاتفاق فيما بيننا وبين عُبَّاد القبور.
    كذلك قل: الأفراط يشفعون - لما جاء في الحديث - أفتذهب إلى قبر طفل، وتسأله الشفاعة؟ وهذا لا قائل به بالاتفاق.
    إلى أن قال: (أتقول: إنَّ اللهَ أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصاحين التي ذكر الله في كتابه) يعني: بالاتفاق، هذه عبادة الصالحين، عبادة الملائكة، عبادة غير الله التي أجمع عليها الناس، بأن يُسألون الشفاعة، ويُتعبد ويُتقرب إليهم بطلب الشفاعة.(وإن قلت: لا) لا أطلبها من هؤلاء، لا أطلب الشفاعة من الملائكة، ولا أطلب الشفاعة من الأفراط.
    قال الشيخ رحمه الله: (وإن قلت: لا) يعني: لا تطلبها منهم (بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله) لأن هذا إلزام بما هو لازم في نفس الأمر، فإما أن يطرد الباب فيجعل هذا وهذا باباً واحداً، وهذا يرجعه بالاتفاق إلى دين المشركين.
    وإما أن يفرق بين هذا وهذا فيتناقض، فيدل على بطلان حجته التي ادعاها بقوله: أطلبه مما أعطاه الله.

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    كشف الشبهة السابعة وهي زعمهم أن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك

    قال الامام محمد بن عبد الوهاب فى رسالة كشف الشبهات

    فَإِنْ قَالَ:
    أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً حاشَا وَكلاَّ، وَلَكِنَّ الالْتِجَاءَ إِلى الصَّالِحينَ لَيْسَ بِشِرْكٍ.
    فَقُلْ لَهُ: إِذَا كُنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الشِّرْكَ أَعْظمَ مِن تَحْريمِ الزِّنا، وَتُقِرُّ أَنَّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ؛ فَمَا هذا الأَمْرُ الَّذِي عَظَّمَهُ اللهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ؟
    فَإِنَّهُ لا يَدْرِي.
    فَقُلْ لَهُ: كَيْفَ تُبَرِّئُ نَفْسَكَ مِنَ الشِّرْكِ وَأَنْتَ لا تَعْرِفُهُ؟
    كَيْفَ يُحَرِّمُ اللهُ عَلَيْكَ هَذَا، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ، وَلاَ تَسْألُ عَنْهُ ولا تَعْرِفُهُ؟
    أَتَظُنُّ أَنَّ اللهَ عز وجل يُحَرِّمُهُ هذا التحريمَ، وَلا يُبَيِّنُهُ لَنَا؟


  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كشف شبهات وحجج ومعارضات المشركين التى يتوصلون بها إلى تزيين الشرك وهدم التوحيد [متجدد]

    قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
    (فَإِنْ قَالَ: أَنَا لاَ أُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا، حَاشَا وَكَلاَّ، وَلَكِنَّ الالْتِجَاءَ إلى الصَّالِحِينَ لَيْسَ بِشِرْكٍ) يَعْنِي: نَفَى عن نَفْسِهِ الشِّرْكَ.(فَقُلْ لَهُ) مُجِيبًا بالاسْتِفْصَالِ والتَّحَدِّي حَتَّى تَنْكَشِفَ شُبْهَتُهُ: (إِذَا كُنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الشِّرْكَ أَعْظَمَ مِن تَحْرِيمِ الزِّنَا، وَتُقِرُّ أَنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُهُ) وهو لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَجْحَدَهُ (فَمَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُهُ؟) يَعْنِي: فَسِّرْ لِي حَقِيقَةَ الشِّرْكِ باللهِ، يَعْنِي: وَمَا مَعْنَى عِبَادَةِ اللهِ (فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي) عَنِ الشِّرْكِ وَلاَ عَنِ التَّوْحِيدِ إِذَا طَلَبْتَ مِنْهُ بَيَانَ هَذَا وهَذَا وَقَفَ، فَأَيْنَ هَذَا مِن التَّوْحيدِ؟ (فَقُلْ لَهُ: كَيْفَ تُبَرِّئُ نَفْسَكَ مِن الشِّرْكِ وَأَنْتَ لاَ تَعْرِفُهُ؟) فَإِنَّ الحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ العِلْمِ والتَّصَوُّرِ؛ فَلاَ عَرَفْتَ الشِّرْكَ حَتَّى تَنْفِيَهُ، ولاَ عَرَفْتَ التَّوْحِيدَ حَتَّى تُثْبِتَهُ (كَيْفَ يُحَرِّمُ اللهُ عَلَيْكَ هَذَا، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُهُ، وَلاَ تَسْأَلُ عَنْهُ، وَلاَ تَعْرِفُهُ؟) عَدَمُ مَعْرِفَتِكَ لَهُ وَعَدَمُ مُبَالاَتِكَ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّكَ لاَ تَعْرِفُ دِينَكَ، وَأَنَّكَ لَسْتَ مِن التَّدَيُّنِ في شَيْءٍ، صَادٌّ غَافِلٌ مُعرِضٌ عَن الدِّينِ ومَعْرِفَتِهِ، فَحَقُّكَ السُّكُوتُ، وَلأَيِّ شَيْءٍ تَتَكَلَّمُ (أَتَظُنُّ أَنَّ اللهَ يُحَرِّمُهُ ولاَ يُبَيِّنُهُ لَنَا) فَإِنْ ظَنَّ ذَلِكَ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً أَعْظَمَ مِن ضَلاَلِهِ الأَوَّلِ، وَأَضَافَ إِلَى ذَلِكَ كُفْرًا آخَرَ.
    وَإِنَّمَا صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ كَانَ فيه، وَغَمَرَهُ واسْتَحْكَمَ عَلَيْهِ، وَلاَ دَرَى أَنَّهُ في الشِّرْكِ؛ فَإِنَّ اللهَ قَدْ بَيَّنَ لَنَا الدَّقِيقَ والجَلِيلَ وَأَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ.------------------------------ قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين
    إذا قالَ هذا المُشركُ: أنا لا أُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا، والالْتِجَاءُ إلى الصَّالحينَ ليسَ بشركٍ.
    فجوابُهُ: أن يُقالَ لهُ: ألسْتَ تُقِرُّ أنَّ اللهَ حَرَّمَ الشِّركَ أَعْظَمَ مِنْ تَحْريمِ الزِّنا؟ وأنَّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ؟ فما هذا الشِّركُ؟
    فإنَّهُ سَوفَ لا يَدْرِي ولا يُجِيبُ بِالصَّوابِ ما دامَ يَعْتَقِدُ أنَّ طَلبَ الشَّفاعةِ مِنْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ليسَ بشركٍ؛ فهوَ دَليلٌ على أنَّهُ لا يَعْرِفُ الشِّركَ الَّذي عَظَّمَهُ اللهُ تعالى، وقالَ فيهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[ لُقْمَانُ: 13 ]. (2) قولُهُ: (فقُلْ لهُ: كيفَ تُبَرِّئُ نفسَكَ...) إلخ، يَعْنِي: إذا بَرَّأ نفسَهُ مِن الشِّركِ بِلُجُوئِهِ إلى الصَّالحينَ فجوابُهُ مِنْ وجهَيْنِ:
    الأوَّلُ: أن يُقالَ: كيفَ تُبَرِّئُ نفسَكَ مِن الشِّركِ وأنتَ لا
    وهل الحُكْمُ على الشَّيءِ إلاَّ بعدَ تَصَوُّرِهِ؟ فحُكْمُكَ ببَراءةِ نفسِكَ مِن الشِّركِ وأنتَ لا تَعْلَمُهُ حُكْمٌ بلا عِلمٍ؛ فيَكونُ مَرْدودًا.
    الوجهُ الثَّاني: أن يُقالَ: لماذا لا تَسْأَلُ عن الشِّركِ الَّذي حَرَّمَهُ اللهُ تعالى أَعْظَمَ مِنْ تحريمِ قتْلِ النَّفْسِ والزِّنا، وأَوْجَبَ لفاعلِهِ النَّارَ وحَرَّمَ عليهِ الجنَّةَ؟
    أتَظُنُّ أنَّ اللهَ حرَّمَهُ على عِبادِهِ ولم يُبَيِّنْهُ لهمْ؟ حاشاهُ مِنْ ذلكَ.---------------------------
    قال الشيخ صالح الفوزان
    يُبَيِّنُ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ الشِّرْكَ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ؛ لأَِنَّ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ مِنْهُم مَن يَعْبُدُ المَلاَئِكَةَ، والمَلاَئِكَةُ أَصْلَحُ الصَّالِحِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
    {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.
    ومنهم مَنْ يَعْبُدُ الصَّالِحِينَ،وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ يَعْبُدُ عُزَيْرًا والمَسِيحَ مِن الأَنْبِيَاءِ.
    وقِيلَ: نَزَلَتْ في قَوْمٍ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ فَأَسْلَمَ الجِنُّ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَن يَعْبُدُهُم مِن الإِنْسِ أنَّهُم أَسْلَمُوا.
    والمَقْصُودُ مِن ذَلِكَ أنَّ اللهَ ذَكَرَ أنَّ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ منهم مَن يَعْبُدُ الأَصْنَامَ والأَشْجَارَ والأَحْجَارَ، ومنهم مَن يَعْبُدُ الأَنْبِيَاءَ والصَّالِحِينَ، وسَوَّى بَيْنَهُم في الحُكْمِ، وحَكَمَ عَلَيْهِم بالكُفْرِ والشِّرْكِ.
    وأَنْتَ أيُّها المُشَبِّهُ تُرِيدُ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ مَن عَبَدَ الأَصْنَامَ ومَن عَبَدَ الصَّالِحِينَ، فَتُفَرِّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللهُ، وهَذَا مِن المُحَادَّةِ للهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى.
    هَذَا وَجْهُ رَدِّ الشُّبْهَةِ،حَيْثُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ شِرْكِ الأَوَّلِينَ وشِرْكِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الإِسْلاَمَ وهُمْ يَعْبُدُونَ القُبُورَ والأَوْلِيَاءَ والصَّالِحِينَ؛ لأَِنَّهُم لاَ يَعْرِفُونَ مَعْنَى العِبَادَةِ، ومَعْنَى الشِّرْكِ، فَصَارُوا يَخْلِطُونَ ويَهْرِفُونَ بِمَا لاَ يَعْرِفُونَ، وهَذِه نَتِيجَةُ الجَهْلِ بعَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ الصَّحِيحَةِ، والجَهْلِ بِمَا يُضَادُّهَا مِن الشِّرْكِ، فإنَّ مَن لاَ يَعْرِفِ الشَّيْءَ يَقَعْ فيه وهو لاَ يَدْرِي.
    وَمِنْ هنا تَتَّضِحُ ضَرُورَةُ العِنَايَةِ بِدِرَاسَةِ العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ ومَا يُضَادُّهَا.




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •