قال الامام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فى رسالة كشف الشبهات
وَهَذَا التَّوْحِيدُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِكَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ،
فَإِنَّ (الإِلهَ) عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذي يُقْصَدُ لأَجْلِ هَذِهِ الأمُورِ سَوَاءً كَانَ مَلَكاً، أو نَبِيّاً، أَو وَليّاً، أَو شَجَرةً، أَو قَبْراً، أَو جِنِّيّاً.
لَمْ يُرِيدُوا أَنَّ (الإِلهَ) هُوَ الخالِقُ الرَّازِقُ المُدَبِّرُ فإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ للهِ وَحْدَهُ كَما قَدَّمْتُ لَكَ، وَإِنَّما يَعْنُونَ (بِالإِلهِ) ما يَعْني به المُشْركُونَ في زَمَانِنَا بِلَفْظِ (السَّيِّدِ).
فَأتَاهُمُ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُمْ إِلى كَلِمةِ التَّوْحِيدِ وَهِيَ (لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ).
وَالمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الكَلِمَةِ مَعْنَاها، لا مُجَرَّدُ لَفْظِها.------------------------
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
(وَهَذَا التَّوْحِيدُ هُوَ مَعَنَى قَوْلِكَ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) لَمْ يَكْتَفِ بِذِكْرِ التَّوْحِيدِ بل صَرَّحَ لَكَ بكَلِمَتِهِ فَقَالَ: (هَذَا التَّوْحِيدُ) هو مَدْلُولُ هذه الكَلِمَةِ
(لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) يَعْنِي: أَنْ يَكُونَ (الإِلَهُ) المَعْبُودُ هو اللهَ وحْدَه دونَ كُلِّ مَا سِوَاهُ، هَذَا التَّوْحِيدُ هو مَعْنَى قَوْلِكَ: (لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ) مُطَابَقَةً وهي التي وُضِعَتْ لَهُ، واشْتَمَلَتْ عَلَى رُكْنَيْنِ: النَّفْيِ، والإِثْبَاتِ؛ نَفْيِ الأُلُوهِيَّةِ عن كُلِّ مَا سِوَى اللهَ، وإِثْبَاتِهَا للهِ وَحْدَه.
ومَعْنَاهَا لاَ مَعْبُودَ حَقٌّ إِلاَّ اللهُ وحدَه؛ كُلُّ مَعْبُودٍ سِوَى اللهِ فَعِبَادَتُهُ وتَأَلُّهُهُ أَبْطَلُ البَاطِلُ وأَضَلُّ الضَلاَلِ.
(فَإِنَّ الإِلَهَ عِنْدَهُمْ) أي: عندَ أَهْلِ اللِّسَانِ مِن قُرَيْشٍ وغَيْرِهِم الذِينَ بُعِثَ فيهم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخَاطَبَهُم بقَوْلِهِ:((قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ تُفْلِحُوا)) (هُوَ الَّذِي يُقْصَدُ) بالذَّبْحِ والنَّذْرِ والدُّعَاءِ ونَحْوِ ذَلِكَ (لأَِجْلِ هذه الأُمُورِ) وهي طَلَبُ الشَّفَاعَةِ والتَّقْرِيبِ إلى اللهِ (لَمْ يُرِيدُوا أَنَّ الإِلَهَ) إِذْ قَالُوا: إِلَهٌ أَنَّهُ - يَرْزُقُ حَقِيقَةً؟ لاَ، هَذَا يُكَذِّبُهُ القُرْآنُ، بَلْ جَاءَ القُرْآنُ بِأَنَّهُم يَقُولُونَ يُصْلِحُونَ ويَنْفَعُ إِذَا اعْتَقَدَ فيه وأَنَّه يَتَصَرَّفُ بالشَّفَاعَةِ عِنْدَ رَبِّ الجَمِيعِ. نَعَمْ في آخِرِ الزَّمَانِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّه يَفِيضُ عَلَيْهِ مِن بَرَكَتِهِ (هو الخَالِقُ الرَّازِقُ المُدَبِّرُ فَإِنَّهُم يَعْلَمُونَ أنَّ ذَلِكَ للهِ وحْدَه) كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ بأَدِلَّتِهِ مِن الكِتَابِ كقَوْلِهِ:{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}الآيةَ ونَحْوَهَا. (وإِنَّما يَعْنُونَ بالإِلَهِ مَا يَعْنِي المُشْرِكُونَ في زَمَانِنَا بِلَفْظِ السَّيِّدِ) إِذَا قَالُوا: هَذَا سَيِّدٌ، يَعْنِي: إِلَهٌ، وإِنْ لَمْ يَسْتَشْعِرُوا هذا اللَّفْظَ، لَكِنَّ المَعْنَى أَنَّه يَصْلُحُ لأَِنْ يُوَسَّطَ بَيْنَ أَحَدٍ مِن الخَلْقِ وبَيْنَ اللهِ، وأَنَّ الاعْتِقَادَ فِيهِ يَنْفَعُ إِذَا تُشُبِّثَ بِهِ وطُلِبَ منه أَنْ يَطْلُبَ لَهُم مِن اللهِ حَوَائِجَهُم، يَعْنُونَ أَنَّ هَذَا وَلِيٌّ وهَذَا مُعْتَقَدٌ لَنَا، بِمَعْنَى: أَنَّ المُعْتَقَدَ فيه يَنْفَعُهُ ويُجِيبُهُ، وأَنَّه يَصْلُحُ للالْتِجَاءِ إِلَيْهِ، فَيَتَقَرَّبُون َ إِلَيْهِ ليُقَرِّبَهُم إِلَى اللهِ؛ يَعْنِي: أَنَّهُم وَسَائِطُ.
(فَأتَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُمْ إِلى كَلِمةِ التَّوْحِيدِ وَهِيَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) التي فيها إِبْطَالُ جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُونَ به على غَيْرِ اللهِ بِشَيْءٍ مِن أَنْوَاعِ العِبَادَةِ المُفْرِدَةِ رَبَّ العَالَمِينَ بالأُلُوهِيَّةِ اسْتِحْقَاقًا وعَمَلاً وفَهْمًا لذلك (والمُرَادُ مِن هَذِه الكَلِمَةِ) كَلِمَةِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ (مَعْنَاهَا لاَ مُجَرَّدُ لَفْظِهِا) فَإِنَّهُ لاَ يَكْفِي فيما أُرِيدَ بِهَا، وإِنْ كَانَ لاَبُدَّ مِن النُّطْقِ بِهَا عِنْدَ إِسْلاَمِ العَبْدِ، لَكِنْ هي مَقْصُودَةٌ لغَيْرِهَا وهو العَمَلُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ، هي مِن الوَسَائِلِ لاَ مِن الغَايَاتِ، فَلاَ يَكْفِي اللَّفْظُ بدونِ المَعْنَى، ولاَ يَكْفِي المَعْنَى بدونِ اللَّفْظِ.--------------- قال الشيخ صالح الفوزان
أيْ: معنى (لا إلهَ إلا اللهُ) هو توحيدُ الألوهيةِ لا توحيدُ الربوبيةِ؛ لأنهُ لو كانَ معناها توحيدَ الربوبيةِ لما قال الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلمَ للمشركينَ:((قولوا لا إلهَ إلاَّ اللهُ)) لأنهم يقولونَ إن اللهَ هو الخالقُ الرازقُ المحيي المميتُ؛ لأنهُ حينئذٍ يطلبُ منهمْ تحصيلَ حاصلٍ ويقاتلُهمْ على شيءٍ يعترفونَ بهِ ويقرُّونَ بهِ.
هذا تعليلٌ لما سبقَ في تقريرِ معنى (لا إلهَ إلاَّ اللهُ) وأنهُ توحيدُ الألوهيةِ؛ لأنَّ (الإلهَ) عندَ مشركي العربِ: هو الذي يقصدُ لقضاءِ الحاجاتِ وتفريجِ الكرباتِ وإغاثةِ اللهفاتِ،وليس (الإلهُ) عندَهُم:هو الذي يخلقُ ويرزقُ ويدبرُ، ليس هذا هو الإلهُ عندهم، فالشركُ عندَهمْ لم يقعْ في توحيدِ الربوبيةِ وإنما وقعَ في توحيدِ الإلهيةِ.
أيْ: ليسَ (الإلهُ) عندَ المشركينَ هو الخالقُ الرازقُ المدبرُ؛ لأنَّ هذا معنى الربِّ، وفرقٌ بينَ معنى (الربِّ) ومعنى (الإلهِ) وفرقٌ بينَ توحيدِ الربوبيةِ وتوحيدِ الألوهيةِ (وإنما يعنونَ بالإلهِ ما يعني المشركونَ في زماننا) أيْ زمانِ المؤلفِ (بلفظِ السيدِ) وإلى الآنَ يسمونَ هؤلاءِ الذين يدَّعونَ صلاحَهم ويتقربونَ إليهمْ يسمونَهم (السادةَ) كالسيدِ البدويِّ والسيدِ الرفاعيِّ والسيدِ التيجانيِّ إلى غيِر ذلكَ، يعتقدونَ أن هؤلاءِ السادةَ لهمْ منزلةٌ عندَ اللهِ تؤهلُهمْ أن يتوسطُوا لهمْ عندَ اللهِ وتؤهلُهمْ أن يُدعَوا من دونِ اللهِ ويُذبحَ وينذرَ لهمْ ويطافَ بقبورِهمْ ويتبركَ بها.
كلمةُ التوحيدِ - وهيَ (لا إلهَ إلاَّ اللهُ) - معناها: لا معبودَ بحقٍّ إلاَّ اللهُ، وهو الذي بعثَ اللهُ به رسولَهُ إلى المشركينَ، ولمْ يبعثْهُ إليهمْ يدعوهم إلى توحيدِ الربوبيةِ؛ لأنهمْ مقرونَ بهِ.
ومن قالَ إنه يكفي فإنه يلزمُ عليهِ تغليطُ الرسولِ وأنهُ قاتلَ أناساً مسلمينَ يعترفونَ بـ (لا إلهَ إلا اللهُ) إذا فسرناها بتوحيدِ الربوبيةِ وهو الإقرارُ بالخالقِ الرازقِ القادرِ على الاختراعِ، ومعَ الأسفِ هذا التفسيرُ الخاطئُ لِـ (لا إلهَ إلا اللهُ) موجودٌ في كتبِ العقائدِ التي ألفها علماءُ الكلامِ وعلماءُ المنطقِ من المعتزلةِ والأشاعرةِ والتي تُدَرَّسُ في كثيرٍ من المعاهدِ الإسلاميةِ الآنَ، عقائدُهمْ مبنيةٌ على هذا الرأي، وأن (الإلهَ) معناهُ القادرُ على الاختراعِ، فمن اعترفَ أن اللهَ هو الخالقُ الرازقُ يعتبرُ مُوحداً، وأما من اعتقدَ أن أحداً يخلقُ أو يرزقُ معَ اللهِ فهذا هو المشركُ عندَهم، معَ أن الشركَ إنما وقعَ في توحيدِ الألوهيةِ ولم يقعْ في هذا، وليس هذا هو معنى (لا إلهَ إلا اللهُ) وإنما معناها: لا معبودَ بحقٍّ إلاَّ اللهُ.
فمن قال: (لا إلهَ إلا اللهُ) وجبَ عليهِ أن يفردَ اللهَ بالعبادةِ وأن يتركَ عبادةَ ما سواهُ، فإن المقصودَ من هذه الكلمةِ معناها والعملُ بمقتضاها لا مجردُ النطقِ بها دونَ عملٍ بمعناها ومقتضاها. فمن قالها وهو يعبدُ غيرَ اللهِ لم يكنْ عاملاً بمقتضاها،وهو تركُ الشركِ، ولا ينفعُهُ مجردُ النطقِ بها؛ لأنهُ قدْ ناقضَ فعلُهُ قولَهُ، والمشركونَ الأولونَ لما سمعوا هذه الكلمةَ عرفوا معناها وأنه ليس المقصودُ التلفظَ بها فقط، ولذلكَ قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}.وفي وقتنا هذا وُجدَ من يفسرُ (لا إلهَ إلاَّ اللهُ) بأن معناها هو إفرادُ اللهِ بالحاكميةِ، وهذا غلطٌ؛ لأن الحاكميةَ جزءٌ من معنى (لا إلهَ إلا اللهُ) وليستْ هي الأصلُ لمعنى هذه الكلمةِ العظيمةِ، بلْ معناها لا معبودَ بحقٍّ إلا اللهُ بجميعِ أنواعِ العباداتِ، ويدخلُ فيها الحاكميةُ، ولو اقتصرَ بعضُ الناسِ على الحاكميةِ فقامَ بها دونَ بقيةِ أنواعِ العبادةِ لم يكنْ مسلماً، ولهذا تجدُ أصحابَ هذه الفكرةِ لا ينهونَ عن الشركِ، ولا يهتمونَ به، ويسمونهُ الشركَ الساذَجَ، وإنما الشركُ عندَهم الشركُ في الحاكميةِ فقط، وهو ما يسمونهُ الشركَ السياسيَّ، فلذلكَ يُرَكِّزونَ عليهِ دونَ غيرِهِ.................. ...........