الشيخ شيخ الإسلام مفخر العراق، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي التيمي


هو: الشيخ الإمام العلامة، الحافظ المفسر، شيخ الإسلام مفخر العراق، جمال الدين، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله ابن الفقيه عبد الرحمن ابن الفقيه القاسم بن محمد ابن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق، القرشي التيمي البكري البغدادي، الحنبلي، الواعظ، صاحب التصانيف.

ولد سنة تسع أو عشر وخمس مئة.

قد دعي بابن الجوزي لأن أحد جدوده وهو جعفر كان يدعى بالجوزي نسبة إلى مشرعة الجوز, وهي فرضة نهر البصرة, وقيل بل نسبة إلى جوزة كانت في داره بواسطة لم يكن بواسط جوزة غيرها, وقيل: نسبة إلى مشرعة الجوز, إحدى محال بغداد الغربي, وتوارث أبناؤه هذا النسب.

توفي أبوه وهو صغير السن, وكان موسرا, خلف أموالا طائلة, ولكنهم اجحفوا عليه وهضموه حقه من إرث أبيه, فلم يعطوه سوى دارين وعشرين دينارا, فما كان منه إلا أن اشترى بذلك كتباً.

رعته عمته حتى أدرك, فأخذته إلى مسجد أبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ, وهو خاله, وكان حافظا ضابطا متقنا من أهل السنة, فاعتنى به, وأسمعه الحديث, وحفظه القرآن.

وكان جلداً صاحب حافظة واعية, وذكاء متوقد, حتى برع في كثير من العلوم فكان محدثا, حافظا, مفسرا, فقيها, واعظا, أديبا, مؤرخا.

أدرك ابن العماد سببا من أسباب نبوغ ابن الجوزي فذكره وقال عنه: وما تناول مالا من جهة لا يتيقن حلها, ولا ذل لأحد. كما عن ألوف كثيرة حتى قيل في بعض مجالسه: إنه حزر الجمع بمائة ألف.

وأصيب ابن الجوزي سجن زمن الخليفة الناصر في واسط, بحسد الحساد ودس الدساسين, وبقي في سجنه ذاك سنين خمسا يقوم بخدمة نفسه وقد قارب الثمانين من عمره.

شيوخه:

أما شيوخ ابن الجوزي فكثيرون ذكر منهم سبعة وثمانون شيخاً, ومن أهم شيوخه:

- خاله أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ الثقة.

- أبو القاسم الهروي.

- أبو الحسن - ابن الزاغوني -.

- أبو بكر الدينوري.

- ابن أبي الدنيا.

- القاضي أبي بكر الأنصاري.

- أبو منصور الجواليقي.

تلاميذه:

ولده الصاحب العلامة محيي الدين يوسف أستاذ دار المستعصم بالله، وولده الكبير علي الناسخ، وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن قزغلي الحنفي صاحب (مرآة

الزمان)، والحافظ عبد الغني، والشيخ موفق الدين ابن قدامة، وابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل، والضياء، واليلداني، والنجيب الحراني، وابن عبد الدائم، وخلق سواهم.

وبالإجازة الشيخ شمس الدين عبد الرحمان، وابن البخاري، وأحمد ابن أبي الخير، والخضر بن حمويه، والقطب ابن عصرون.

علمه وفضله وثناء العلماء عليه:

تحدث عنه علماؤنا الافذاذ بكثير من الاعجاب والاعتراف له بالفضل والتقدير:

- قال أبو عبد الله الدبيثي في تاريخه: شيخنا جمال الدين صاحب التصانيف في فنون العلوم من التفسير والفقه والحديث والتواريخ وغير ذلك.

- وقال عنه الحافظ الذهبي: ثم لما ترعرع حملته عمته إلى ابن ناصر, فأسمعه الكثير. وأحب الوعظ وهو مراهق فوعظ الناس وهو صبي, ثم ما زال نافق السوق, معظما متغاليا فيه, مضروبا برونق وعظيه المثل, كما له في ازدياد اشتهار إلى أن مات رحمه الله وسامحه فليته لم يخض في التأويل ولا خالف إمامه. وقال: وكان ذا حظ عظيم وصيت بعيد في الوعظ يحضر مجالسه الملوك والوزراء وبعض الخلفاء والائمة الكبراء..

- وقال ابن خلكان: كان علامة عصره, وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ, صنف في فنون كثيرة.

- وقال عنه ابن كثير: أحد أفراد العلماء, برز في علوم كثيرة, وانفرد بها عن غيره, وجمع المصنفات الكبار والصغار نحوا من ثلاثمائة مصنف, وكتب نحوا من مائتي مجلد.

آثاره وتصانيفه:

له من المصنفات ما يضيق هذا المكان عن تعدادها وحصر أفرادها, إلا أنه قد أخذ عليه كثرة الأوهام والخطأ في تواليفه, كما حكى ذلك الذهبي وغيره. ومن هذه التصانيف:

كتابة في التفسير المشهور "بزاد المسير", وله تفسير أبسط منه, لكنه ليس بمشهور, وله جامع المسانيد. وله كتاب المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم في عشرين مجلدا. نزهة العيون النواظر في الوجوه والنظائر. منهاج الوصول إلى علم الأصول - بيان غفلة القائل بقدم أفعال العباد - الموضوعات - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية الضعفاء والمتروكين - صيد الخاطر - المدهش - ذم الهوى - كنز المذكر - اللطائف - اليواقيت في الخطب - وغيرها.

عقيدة ابن الجوزي:

بقي أن نذكر أن لابن الجوزي - رحمه الله - كلام غير سديد - عفا الله عنه - في كتابه "صيد الخاطر" و الكتاب المسمى: "دفع شبه التشبيه!!

ويحسن بنا أن نذكر ما قاله بعض العلماء ليتضح الأمر:

قال الإمام الموفق المقدسي ابن قدامة: (..كان حافظاً للحديث وصنّف فيه إلاّ أننا لم نرضَ تصانيفه في السنة, ولا طريقته فيها..) [ذيل طبقات الحنابلة: 3 / 415].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (4/169) : (متناقض في هذا الباب لم يثبت على قدم النفي ولا على قدم الإثبات!!).

وقال ابن رجب: (ومن أجله - أي التأويل - نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم ميله إلى التأويل في بعض كلامه.... ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف) [ذيل الطبقات: 3 / 414].

وقال عنه سيف الدين ابن المجد: (سمعت ابن نقطة يقول: قيل لابن خضر: ألا تجيب عن بعض أوهام ابن الجوزي؟ فقال: إنما ينبع من قلّ غلطه, فأما هذا, فأوهامه كثيرة... قال سيف الدين: ما رأيت أحداً يعتمد عليه في دينه وعلمه وعقله راضياً عنه!!) [سير الأعلام: 21/382].

وكتب له إسحاق بن أحمد العثلي [ت: 634هـ] رسالة طويلة ينكر فيها عليه مقالاته في الصفات, ومن ذلك قوله نافياً نسبة تفويض المعاني إلى أهل السنة: (وزعمت أن طائفة من أهل السنة والأخيار تلقوها وما فهموا وحاشاهم من ذلك..)" [ذيل طبقات الحنابلة: 4/205-211].

وفاته:

توفي رحمه الله بعدما أفرج عنه, وقدم بغداد، وعاد إلى الوعظ والإرشاد والكتابة ونشر العلم حتى توفاه الله ليلة الجمعة (12 رمضان سنة 597 هـ*) بين العشائين وقد قارب التسعين من العمر, ودفن بباب حرب قرب مدفن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه.

وأوصى أن يكتب على قبره:

يا كثير العفو عمن كثر الذنب لديه

جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم يديه

أنا ضيف وجزاء الضيف إحسان إليه

مراجع الفقرة:

سير أعلام النبلاء (21/366-384), ابن خلكان في الوفيات (3/140).

منقول