هل يحق لأبي الزوجة أخذ ابنته من بيت زوجها

الشيخ خالد عبدالمنعم الرفاعي


السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
اختصارًا للموضوع: لي ابن عم متزوِّج قريبًا، ولكنه منذ الشهر الأول من الزواج، حَدَثَ بينه وبين زوجته خلافٌ على صُوَر وجدَها في جوالها، وطلب منها إزالتها، ولكنها غضبَتْ من ذلك.

وبعدها بفترة وجَدَها تضع صورها في جوال "البلاك بيري"، وطلب منها الاستغناء عن هذا الجوال بجوال آخر، وحَدَث بينهما خلافٌ في ذلك، وطلبت تَدَخُّلَ أهلها في هذا الموضوع، وكان ردُّهم إيجابيًّا.

وبعد هذه المشكلة تغيَّرت الزوجة من ناحية المعاملة والمعاشرة مع زوجها، وكانت لا تتقبَّل منه أي نصيحة، أو نقاش، وكانت تُقابل ذلك بوضع أصبعيها في أذنيها كلما أراد التحدث معها؛ مما دعاه - في بعض الأحيان - إلى أَن يكون قاسيًا في معاملته، وعلى سبيل المثال: طلب منها خياطة مفرش النوم الذي يوجد به شق، فقالت: أنا لا أعرف الخياطة، ورد عليها بقوله: إذا كنت لا تعرفين الخياطة، لماذا تزوَّجتِ؟! واتصل على أمِّها، وقال لها نفس الكلام: وقالت له الأمُّ: إننا لم نزوجك خياطة.

ولكن بعد مُضِيِّ قرابة أربعة أشهر، وجَدَ الزوج في حقيبة زوجته بعضًا من شَعرِ رأسها، وموس حلاقة، وقال لها: لماذا تضعين الشَّعر والموس في حقيبَتِك؟ قالت: هذا ما طَلَبَتْهُ منِّي أمي، وبعدَما بحث في الكمبيوتر، وجَدَهَا تحتفظ بمواضيع، وصور خاصة بطائفة "الإيمو"، وهنا تذكَّرَ الزوج ما تفعله زوجته عندما يتناقش معها في موضوع وتغضب منه، يجدها تذهب إلى الحمام - أكرمك الله - ويجد الدَّمَ على كتفيها ويديها، وبعدما سأل والدَها عن حالة ابنته، قال: إنها عندما تغضب، تفعل ذلك.

وفي إحدى الليالي، طلبت من زوجها الإذنَ بأن تذهب إلى أهلها، وقال لها: إنني مشغول غدًا، ولكن بعد غدٍ سوف آخذُكِ إلى أهلك، ولكنَّها لم تنتظر، بل طلبت من أمِّها وأخيها في اليوم التالي - والزوج في عمله - وقاموا بأخذها، وهي إلى هذه اللحظة عند أهلها، منذ قرابة الشهر.

وَجَرَتْ عدة محاولات للإصلاح بينهما، ولكن الزوجة لا تريد الزوج، ما هو الحل في ذلك؟ علمًا بأنَّها حامل، وقد كتبتُ هذا الموضوع كما سمعتُهُ من الزوجين، وبحضور أهل الزوج والزوجة، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ استقرار الحياة الزوجيَّة واستمرارَها غايةٌ من الغايات التي حرَص الإسلام عليها، وحثَّ الناس عليها؛ فعلى كلٍّ من الزَّوجين أن يحافظ على ما يضمن استمرارها، ويدعم استقرارَها، ويقوِّي أواصِرَها؛ فيتغاضى عن بعض حقوقه الخاصَّة، وأن يؤدِّي ما يجب عليه؛ فالحياة الزوجية حبل متين، وميثاق غليظ.

وإذا كانت العلاقة بين الزوجين موثَّقة هكذا، فلا ينبغي الإخلال أو التهاون بها، ولا إضعافها، ولذلك؛ فإنا ننصح الزوج بالصبر على زوجته قدر طاقته، وأن يذكِّرها بالله - عزَّ وجلَّ - وما أوجب عليها من طاعة الزوج في المعروف، مع عدم نِسْيان الزوج أن ينظر في أوجُهِ القصور منه تجاهها، ومبدأ الخلل نحوها فيُصْلِحه؛ لعلَّ الأمور تستقيم، فترجع عن نشوزها.

يقول الله - تعالى -: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنّ َ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

يقول الزمخشريُّ في قوله - تعالى -: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنّ َ ﴾: "فلا تُفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها؛ فرُبَّما كرهت النَّفس ما هو أصلحُ في الدِّين، وأحمدُ وأدنى إلى الخير، وأحبَّتْ ما هو بضدِّ ذلك". اهـ من "الكشاف" (1 / 244).

وقد أرشدَنا الله - تعالى - إلى كيفيَّة التعامل مع الناشِز، وذلك في قوله - تعالى -: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 34 - 35]، فبدأ - سبحانه - بالوعظ أوَّلاً، فإذا لم يُفِد ذلك، هُجِرت في المَضْجع، فإذا لم يفد الهجر في المضجع، ضُرِبت ضربًا غير مبرِّح.

قال الرازيُّ في "تفسيره" (5 / 195):
الذي يدلُّ عليه أنه - تعالى - ابتدأ بالوعظ، ثم ترقَّى منه إلى الهجران في المَضاجع، ثم ترقَّى منه إلى الضَّرب، وذلك تنبيهٌ يَجري مجرى التَّصريح في أنَّه مهما حصل الغرَض بالطَّريق الأخفِّ، وجب الاكتفاءُ به، ولم يَجُز الإقدام على الطريق الأشقِّ، والله أعلم". اهـ.

قال في "الدُّر المنثور" (3 / 109):
وأخرج ابنُ جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقيُّ في "سننه"، عن ابن عباس - ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ - قال: "تلك المرأة تنشُزُ، وتستخفُّ بحقِّ زوجها، ولا تطيع أمره، فأمرَه الله أن يَعِظَها ويذكِّرها بالله، ويعظم حقّه عليها، فإن قَبِلت، وإلا هجرَها في المضجع، ولا يكلِّمها من غير أن يذر نكاحها، وذلك عليها شديد، فإن رجعَت، وإلاَّ ضربها ضربًا غير مبرِّح، ولا يكسر لها عظمًا، ولا يجرح بها جُرحًا". اهـ.

ومتَى استمرَّت المرأة على نُشوزها، ولم يُجْدِ فيها الوعظ والهجر والضَّرب، ونحو ذلك مِمَّا تستصلح به المرأة النَّاشز - فله الخيار: إمَّا أن يصبر عليها، أو يُطلِّقها.

ونقول لتلك الزَّوجة: إنَّ طاعة زوجها من أوجب واجبات الشَّرع، ما لم تكن في معصية الله - تعالى - وهي مقدَّمة على طاعة كلِّ أحد، حتَّى الوالدين، ففي الحديث الشريف: ((لو كنتُ آمِرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرتُ المرأةَ أن تسجد لزوجها، ولا تؤدِّي المرأة حقَّ الله - عزَّ وجلَّ - عليها كلَّه، حتَّى تؤدِّي حق زوجها عليها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على ظَهْر قتب، لأعطَتْها إياه))؛ رواه أحمد وابن ماجه، وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله -: "المرأة إذا تزوَّجَت، كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب".

فلا يجوز لها الخروج من بيت زوجها بغير عذر شرعي إلاَّ بإذنه، وهو قول أكثر أهل العلم، واستدلُّوا على ذلك بأدلَّة كثيرة، منها حديث ابن عمر عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا استأذنَكم نساؤكم باللَّيل إلى المسجد، فأْذَنوا لهن))؛ متَّفق عليه.

قال الإمام النوويُّ: "واستُدِلَّ به على أنَّ المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلاَّ بإذنه؛ لِتَوجُّهِ الأمر إلى الأزواج بالإذن"، وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "لا يحلُّ للزوجة أن تخرج من بيتها إلاَّ بإذنه... وإذا خرجَتْ من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزةً عاصية لله ورسوله، مستحِقَّة العقوبة"، وقال الإمام الشوكانيُّ: "إنَّ مَنْع الرِّجال نساءهم أمرٌ متقرر".

فعلى هذا الزوج توسيطُ أهل الخير ليذهبوا لأهل زوجته، ويُقنعوهم باستدامة الحياة الزوجيَّة، ثم بعدما تعود يفتح معها حواراتٍ هادئة بنَّاءة؛ للوصول إلى طريقة مناسبةٍ للحياة بينهما.

كما يجب عليك البحث والتحقُّق من انتمائها لطائفة "الإيمو"؛ فإن تبيَّن لك ذلك، فلا بد من استِتابتها - بعد تعريفها بحقيقة هذه الطائفة - فإن تابت ورجعَتْ عن اتِّباع هذه الطائفة، فبها ونِعْمت، وابدأ معها في طريق الإصلاح، وإلاَّ، ففارِقْها.