قال علي ابن ابي طالب لعمر رضي الله عنهما : يا أمير المؤمنين عَفَفْتَ فَعَفُّوا ولو رَتَعْتَ لَرَتَعُوا.
ماصحة هذا الأثر؟
قال علي ابن ابي طالب لعمر رضي الله عنهما : يا أمير المؤمنين عَفَفْتَ فَعَفُّوا ولو رَتَعْتَ لَرَتَعُوا.
ماصحة هذا الأثر؟
للتذكير.
هذا شطر من أثر رواه ابن المبرد في محض الصواب (2/625) معزوًّا، فقال:
"وعن أبي بكر بن عياش، قال: "جيء بتاج كسرى إلى عمر رضي الله عنه فقال: إن قوماً أدوا هذا لأمناء، فقال عليّ رضي الله عنه إن القوم رأوك عففت فعفوا، ولو رتعت لرتعوا". اهـ.
وهذا معضل.
وقد ورد من طريق ءاخر أخرجه الطبري في تاريخه (4/20)، والدارقطني في فضائل الصحابة (19)، ومن طريقه أبو القاسم الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة [464]، وأخرجه ابن الجوزي في المنتظم (4/209) فقال:
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ: عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ قَيْسٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "لَمَّا قُدِمَ بِسَيْفِ كِسْرَى عَلَى عُمَرَ وَمِنْطِقَتِهِ وَزِبْرِجِهِ، قَالَ: إِنَّ أَقْوَامًا أَدَّوْا هَذَا لَذَوُو أَمَانَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّكَ عَفَفْتَ فَعَفَّتِ الرَّعِيَّةُ". اهـ.
وهذا إسناد مظلم، فيه سيف بن عمر الضبي ضعيف، ومن فوقه مجاهيل لم أجد ترجمتهما.
ثم أخرج بعد الطبري فقال: كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو والمجالد، عن الشعبي، قال: قال عمر: "حين نظر إلى سلاح كسرى: إن أقواما أدوا هذا لذوو أمانة". اهـ.
وهذا أيضًا فيه ضعف سيف بن عمر، ومع ذلك مرسل من حديث الشعبي، وليس فيه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وأخرجه أيضًا في موضع ءاخر [4 : 321] قال: كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ: عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَطَلْحَةَ، وَالْمُهَلَّبِ، وَعَمْرٍو، وَسَعِيدٍ، قَالُوا: فذكره في قصة أخماس المدائن.
قلت: ورد من طريق ءاخر مع إبهام القائل لعمر رضي الله عنه مقتصرًا على لفظ الرتع فقط.
أخرجه ابن قتيبة الدينوري - مرسلًا - في عيون الأخبار (1/115) فقال: حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال:
"لما أتي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلّبه بعود في يده ويقول: والله إن الذي أدّى إلينا هذا لأمين، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أنت أمين الله يؤدّون إليك ما أدّيت إلى الله فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت". اهـ.
وذكره الشافعي في تفسيره (2/861)، وابن إسحاق الفزاري في السير (1/251)، وأخرجه أبو بكر الدينوري في المجالسة والجواهر بنحو إسناده بلفظ: (فَإِذَا خُنْتَ خَانُوا) ولم يذكر: "صدقت". اهـ.
قلتُ: وقد ثبت في موضع ءاخر في كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه على مجيء كنوز كسرى ما أخرجه ابن المبارك في الزهد [768] قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،
"أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ بِكُنُوزِ كِسْرَى، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ: أَتَجْعَلُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى تُقَسِّمَهَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: " لا وَاللَّهِ، لا أُووِيهِ إِلَى سَقْفٍ حَتَّى أُمْضِيَهَا "، فَوَضَعَهَا فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ، فَبَاتُوا عَلَيْهَا يَحْرُسُونَهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، كَشَفَ عَنْهَا فَرَأَى مِنَ الْحَمْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ مَا يَكَادُ يَتَلأْلأُ، فَبَكَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: وَمَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَيَوْمُ شُكْرٍ، وَيَوْمُ سُرُورٍ، وَيَوْمُ فَرَحٍ، فَقَالَ عُمَرُ: " وَيْحَكَ، إِنَّ هَذَا لَمْ يُعْطَهُ قَوْمٌ قَطُّ إِلا أُلْقِيَتْ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ ". اهـ.
[ورواه بنحوه الدارقطني في غرائب حديث مالك أفاده الحافظ ابن حجر في الفتح].
وقد أخذها منه علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه [33444] بإسناد صحيح فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَبِي صِدِّيقًا لِقَنْبَرٍ، قَالَ:
انْطَلَقْتُ مَعَ قَنْبَرٍ إلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قُمْ مَعِي، قَدْ خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئَةً، فَانْطَلَقَ مَعَهُ إلَى بَيْتِهِ، فَإِذَا أَنَا بِسِلَّةٍ مَمْلُوءَةٍ جَامَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّكَ لَا تَتْرُكُ شَيْئًا إلَّا قَسَمْتُهُ أَوْ أَنْفَقْتُهُ، فَسَلَّ سَيْفَهُ، فَقَالَ: " وَيْلَكَ، لَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ تُدْخِلَ بَيْتِي نَارًا كَبِيرَةً ثُمَّ اسْتَعْرَضَهَا بِسَيْفِهِ، فَضَرَبَهَا فَانْتَثَرَتْ بَيْنَ إنَاءٍ مَقْطُوعٍ نِصْفُهُ وَثُلُثُهُ "، قَالَ: عَلَيَّ بِالْعُرَفَاءِ، فَجَاءُوا، فَقَالَ: " اقْسِمُوا هَذِهِ بِالْحِصَصِ "، قَالَ: فَفَعَلُوا وَهُوَ يَقُولُ: " يَا صَفْرَاءُ، يَا بَيْضَاءُ، غُرِّي غَيْرِي "، قَالَ: وَجَعَلَ يَقُولُ: هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ *** إذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ إلَى فِيهِ
قَالَ: " فِي بَيْتِ الْمَالِ مَسَالٌ وَإِبَرٌ، وَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ قَوْمٍ خَرَاجَهُمْ مِنْ عَمَلِ أَيْدِيهِمْ "، قَالَ: وَقَالَ لِلْعُرَفَاءِ: " اقْسِمُوا هَذَا "، قَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْسِمَنَّهُ خَيْرَهُ مَعَ شَرِّهِ ". اهـ.
قلتُ: قد ورد لفظة الرتع من قول عمر نفسه رضي الله عنه.
أخرجه ابن أبي شيبة وغيره - مرسلًا - في مصنفه [35452] فقال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ : " الرَّعِيَّةُ مُؤَدِّيَةٌ إِلَى الْإِمَامِ مَا أَدَّى الْإِمَامُ إِلَى اللَّهِ، فَإِذَا رَتَعَ رَتَعُوا ". اهـ.
وورد مرسلًا من حديث يزيد بن رومان أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/136) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
"" إِنَّ النَّاسَ يُؤَدُّونَ إِلَى الإِمَامِ مَا أَدَّى الإِمَامُ إِلَى اللَّهِ، وَإِنَّ الإِمَامَ إِذَا رَتَع رتعت الرعية وَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ نُفْرَةٌ عَنْ سُلْطَانِهِمْ، وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ يُدْرِكَنِي وَإِيَّاكُمْ ضَغَائِنُ مَحْمُولَةٌ، وَأَهْوَاءٌ مُتَّبَعَةٌ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةٌ، فَأَقِيمُوا الْحَقَّ، وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ". اهـ.
وورد مرسلًا من حديث سعيد بن أبي بردة أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه [35451] فقال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: " أَمَّا بَعْدُ، إِنَّ أَسْعَدَ الرُّعَاةِ مَنْ سَعِدَتْ بِهِ رَعِيَّتُهُ، وَإِنَّ أَشْقَى الرُّعَاةِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْ شَقِيَتْ بِهِ رَعِيَّتُهُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَرْتَعَ فَيَرْتَعَ عُمَّالُكَ، فَيَكُونَ مِثْلُكَ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلُ الْبَهِيمَةِ، نَظَرَتْ إِلَى خَضِرَةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَرَتَعَتْ فِيهَا تَبْتَغِي بِذَلِكَ السَّمْنِ، وَإِنَّمَا حَتْفُهَا فِي سَمْنِهَا، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ". اهـ.
قلتُ: ولعل بمجموع هذه المراسيل الثلاثة تحدث قوة في صحة الأثر سيما وهم في طبقة التابعين أو قربها.
وقد ثبت - بإسناد صحيحٍ - أنه قالها في قصة أخرى أخرجها ابن شبة في تاريخ المدينة (1/399) فقال: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ الْهَاشِمِيُّ، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَالِمٍ، قال:
" كَانَ عُمَرُ، رضي الله عنه، يَمْنَعُ أَمْدَادَ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَيَنْهَى النَّاسَ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْهُمْ شَيْئًا مِمَّا يَمْنَعُهُمْ بِهِ، فَعَثَرَ عَلَى مَالِكِ بْنِ عِيَاضٍ مَوْلاهُ وَقَدِ اشْتَرَى مِنْهُمْ شَيْئًا مِمَّا مَنَعَهُمْ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُمْ شَيْئًا مِمَّا نَهَيْتُ النَّاسَ عَنْهُ؟ قال سَالِمٌ: فَاعْتَذَرَ بِشَيْءٍ لَمْ أَحْفَظْهُ، وَقَالَ: فَعَلاهُ عُمَرُ، رضي الله عنه، ضَرْبًا بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ تَحَافَزَ مِنْ ضَرْبِهِ بِالدِّرَّةِ فَأَخَذَ بِرَأْسِهَا ثُمَّ ضَرَبَهُ بِجِلادِهَا، ثم قال: لا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ آلِ عُمَرَ أَتَى شَيْئًا مِمَّا نَهَيْتُ النَّاسَ عَنْهُ إِلا ضَاعَفْتُ لَهُ الْعُقُوبَةَ، فَإِنَّمَا أَعْيُنُ النَّاسِ إِلَيْكُمْ كَأَعْيُنِ الطَّيْرِ إِلَى اللَّحْمِ، فَإِنِ انْتَهَيْتُمُ انْتَهَوْا، وَإِنِ رَتَعْتُمْ رَتَعُوا ". اهـ.
والله أعلم.
جزاكم الله خيرا