قال الامام محمد بن عبد الوهاب فى رسالة كشف الشبهات -
وَالكُفَّارُ الجُهَّالُ يَعْلَمُونَ أَنَّ مُرَادَ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذِهِ الكَلِمَةِ هُوَ إِفْرَادُ اللهِ تَعالى بِالتَّعلُّقِ، وَالكُفْرُ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِه، وَالبَراءةُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لمَّا قَالَ لَهُمْ:((قُولُوا: لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ)) قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}.
فَإِذا عَرَفْتَ أَنَّ جُهَّالَ الكُفَّارِ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ؛ فَالعَجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلامَ وَهُوَ لا يَعْرِفُ مِنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الكَلِمَةِ ما عَرَفَ جُهَّالُ الكُفَّارِ، بَلْ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ هُو التَّلَفُّظُ بِحُروفِها مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ القَلْبِ لِشَيْءٍ مِنَ المَعَاني، وَالحَاذِقُ مِنْهُمْ يَظُنُّ أَنَّ مَعْنَاها لا يَخْلُقُ وَلا يَرْزُقُ وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ.فلا خَيْرَ في رَجُلٍ جُهَّالُ الكُفَّارِ أعْلَمُ مِنْهُ بِمَعْنى
(لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ).------------
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ على شرح كشف الشبهات
(والكُفَّارُ الجُهَّالُ يَعْلَمُونَ أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِه الكَلِمَةِ هو إِفْرَادُ اللهِ بالتَّعَلُّقِ والكُفْرُ بـ) جَمِيعِ (مَا يُعبَدُ مِن دونِهِ)
كَهُبَلَ ونَحْوِهِ، وهَذَا فَهْمٌ صَحِيحٌ
(والبَرَاءَةُ منه) وأَنْ يَتَبَرَّأَ منه، ودَلِيلُ ذلك وبرْهَانُه
(فإِنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُم: قَولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَرُّوا واسْتَنْكَرُوا مِن إِفْرَادِ اللهِ بالعِبَادَةِ و
(قَالُوا:
((أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَـهًا وَاحِدًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)) ) أي: أَجَعَلَ المَعْبُودَاتِ مَعْبُودًا واحِدًا؟! فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُم عَرَفُوا مَعْنَاهَا، وقَالُوا فيما حَكَاهُ اللهُ عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ}.

فالتَّوْحِيدُ هو الحَقُّ وهو النَّورُ، لَكِنَّ عُقُولَهُم فَسَدَتْ وأَفْسَدَ مِزَاجَهَا الشِّرْكُ؛ لأَِنَّهَا نَشَأَتْ عَلَيْهِ وأَلِفَتْهُ، فَصَارَتْ لاَ تَسْتَنْكِرُه، فَصَارُوا كالمَرِيضِ الذي إِذَا أُتِيَ بالشَّيِءِ الحُلْوِ قَالَ: هذا مُرٌّ؛ لفِسَادِ مِزَاجِهِ، ولَمْ تَنْشَأْ عَلَى التَّوْحِيدِ فاسْتَنْكَرَتْه ُ.
(فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ جُهَّالَ الكُفَّارِ)
كأَبِي جَهْلٍ فِرْعَوْنَ هذه الأُمَّةِ وَأَضْرَابِهِ (يَعْرِفُونَ ذَلِكَ) يَعْنِي: مَعْنَى (لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ) كَمَا تَقَدَّمَ
(فَالعَجَبُ مِمَّن يَدَّعِي الإِسْلاَمَ) بل يَدَّعِي العِلْمَ، بل يَدَّعِي الإِمَامَةَ في الدَّينِ
(وهو لاَ يَعْرِفُ مِنْ هَذِه الكَلِمَةِ مَا عَرَفَهُ جُهَّالُ الكُفَّارِ) فَإِنَّ هذا -ادِّعَاؤُهُ الإِسْلاَمَ- فَضْلاً عن العِلْمِ فَضْلاً عن الإِمَامَةِ- ويَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ الذي بَانَ وظَهَرَ لجُهَّالِ الكُفَّارِ- هَذَا في الحَقِيقَةِ مِن أَعْجَبِ العَجَبِ، بل مِن أَعْظَمِ الجَهْلِ وأَفْحَشِ الخَطَأِ.
(بَلْ يَظُنُّ أنَّ ذلك هو التَّلَفُّظُ بِحُرُوفِهَا مِن غَيْرِ اعْتِقَادِ القَلْبِ لِشَيْءٍ مِن المَعَانِي) فَإِنَّ
أَبَا جَهْلٍ وأَضْرَابَه لو يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا هو المُرَادُ لَمَا تَلَعْثَمُوا في قَوْلِهَا ولا نَازَعُوا، وكذلك لو فَهِمُوا أَنَّ المُرَادَ الرُّبُوبِيَّةُ لَسَارَعُوا إِلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنَازِعُوا، لَكِنْ عَلِمُوا أَنَّ مَعْنَاهَا أَنْ يَكُونَ الإِلَهُ المَعْبُودُ هو اللهَ وحْدَه دونَ كُلِّ مَا سِوَاه والتَّبَرِّي مِمَّا سِوَاه، وأَنَّه لاَبُدَّ مِن اعْتِقَادِ ذَلِكَ ووُجُودِهِ في العَمَلِ، وأَنَّها تُبطِلُ جَمِيعَ مَا هُم عَلَيْهِ مِن دِينِ آبَائِهِم وأَجْدَادِهِم.
(وَالحَاذِقُ مِنْهُمْ) الذي يَرَى أَنَّ المُرَادَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ اللَّفْظِ يُخْطِئُ المَعْنَى المُرَادَ ولا يَعْرِفُهُ.
(يَظُنُّ أَنَّ مَعَنَاها: لاَ يَخْلُقُ وَلاَ يَرْزُقُ وَلاَ يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ اللهُ) يَعْنِي: أَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ ،
ومَعْلُومٌ أَنَّ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) دَلَّت عَلَى تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ بالتَّضَمُّنِ، لَكِنَّ مَعْنَاها الذي وُضِعَتْ لَهُ مُطَابَقَةً أَنْ يَكُونَ اللهُ وَحْدَه هو المَعْبُودَ دونَ كُلِّ مَن سِوَاهُ.
(فَلاَ خَيْرَ في رَجُلٍ جُهَّالُ الكُفَّارِ أَعْلَمُ مِنْهُ بِمَعْنَى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) هَذَا رَجُلُ سَوْءٍ لاَ خَيْرَ فيه، هَذَا أَقَلُّ مَا يُقَالُ فيه؛ فالمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ واقْتَصَدَ عَلَى أَدْنَى مَا يُقَالُ فيه، وإِلاَّ فهو يَسْتَحِقُّ أَعْظَمَ، بل لاَ خَيْرَ فيه بِحَالٍ، إِذَا كَانَ
أَبُو جَهْلٍ فِرْعَوْنُ هَذِه الأُمَّةِ وأَضْرَابُه أَعْلَمَ منه بِمَعْنَاهَا فَلاَ جَهْلَ فَوْقَ جَهْلِ مَنْ جَهِلَ مَعْنَى هَذِه الكَلِمَةِ التي هي أَصْلُ دِينِ الإِسْلاَمِ وقَاعِدَتُه وأَسَاسُهُ.
قال الشيخ صالح الفوزان على شرح كشف الشبهات
أيْ: الكفارُ يعرفونَ معنى (لا إلهَ إلاَّ اللهُ) ولهذا لما قالَ لهم صلى الله عليهِ وسلمَ: ((قولوا لا إلهَ إلاَّ الله)) قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا}ولما قال لهمْ: ((قولوا لا إلهَ إلاَّ اللهُ)){وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ (36) بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}.
فَهُمْ فهمُوا معنى
(لا إلهَ إلا الله) وأبَوا أن يعترفوا بهِ؛ لأنهُ يُلْزِمُهم بتركِ عبادةِ الأصنامِ وهم لا يريدونَ هذا وإنما يريدونَ البقاءَ على عبادةِ الأصنامِ، ولم يجرؤُوا أن يقولوا: (لا إلهَ إلاَّ اللهُ) ويبقَوا على عبادةِ الأصنامِ؛ لأن هذا تناقضٌ وهمْ يأنفونَ من التناقضِ في حينِ أنَّ كثيراً من المنتمينَ إلى الإسلامِ اليومَ لا يأنفونَ من هذا التناقضِ، فهم يقولونَ: (لا إلهَ إلا اللهُ) بحروفِها ولكنَّهم يخالفونَها ويعبدونَ غيرَ اللهِ منَ القبورِ والأضرحةِ والصالحينَ بلْ والأشجارِ والأحجارِ وغيرِ ذلكَ.


فلا يكفي التلفظُ (بلا إلهَ إلاَّ اللهُ) دونَ علمٍ بمعناها وعملٍ بمقتضاها.
بلْ لابدَّ من العلمِ بمعناها أولاً ثمَّ العملِ بمقتضاها؛
لأنهُ لا يمكنُ أن يعملَ بمقتضاها وهو يجهلُ معناها، ولهذا يقولُ جلَّ وعلا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ} فبدأَ بالعلمِ قبلَ القولِ والعملِ، فالذي يجهلُ معنى (لا إلهَ إلاَّ اللهُ) لا يمكنُ أنْ يعملَ بمقتضاها على الوجهِ الصحيحِ.
هذا من أعجبِ العجبِ: أنَّ جُهَّالَ الكفارِ والمشركينَ في عهدِ النبي صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يعرفونَ أن معنى هذه الكلمةِ هو إخلاصُ العبادةِ لله وتركُ عبادةِ غيرِهِ، فلذلكَ امتنعوا من النطقِ بها تحاشياً لتركِ عبادةِ آلهتِهمْ وتعصباً لباطلِهمْ.
ومن يدعي الإسلامَ اليومَ، لا يفهمُ أن معنى هذه الكلمةِ هو تركُ عبادةِ القبورِ والأضرحةِ وإخلاصُ العبادةِ للهِ، فلذلكَ صار يقولُها وهو مقيمٌ على شركِهِ لا يأنفُ التناقضَ والجمعَ بين الضدينِ، فصارَ جهالُ الكفارِ أعلمَ منه بمعنى
(لا إلهَ إلاَّ اللهُ) ولا حولَ ولا قوةَ إلاَّ باللهِ العظيمِ، وصارَ هذا المدَّعِي للإسلامِ يظنُّ أن المرادَ بهذهِ الكلمةِ هو النطقُ بحروفِها من غيرِ اعتقادٍ لمعناها، فصارَ يرددُها ويرددُ معها دعاءَ الموتى والمقبورينَ ليلاً ونهاراً.
كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ
ابنُ تَيْمِيَّةَ في (الرِّسَالَةِ التَّدْمُريَّةِ ) وغَيْرِهَا عن عُلَمَاءِ الكَلاَمِ، أَنَّ (الإلَهَ) عِنْدَهُم هو القَادِرُ عَلَى الاخْتِرَاعِ، يَعْنِي هو الَّذي يَقْدِرُ عَلَى الخَلْقِ والرَّزْقِ والإِحْيَاءِ والإِمَاتَةِ، ويَبْنُونَ عَقَائِدَهُم عَلَى هذا، ويُفَسِّرُونَ (لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ) بِهَذَا المَعْنَى، ويَجْعَلُونَ التَّوحِيدَ هو الإِقْرَارَ بتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ ، وهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ العَالِمِ مِنْهُمْ فَكَيْفَ بالجَاهِلِ؟! وَمَا هَذَا إلاَّ مِن قِلَّةِ الاهْتِمَامِ بِدَعْوَةِ التَّوْحِيدِ، والبَقَاءِ عَلَى دِينِ الآبَاءِ والأَجْدَادِ، والاكْتِفَاءِ مِن الإِسْلاَمِ بِمُجَرَّدِ الانْتِسَابِ لأَِغْرَاضٍ وأَهْدَافٍ دُنْيَوِيَّةٍ، اللهُ أَعْلَمُ بِهَا.
لاَ خَيْرَ فِي رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ بل يَدَّعِي أَنَّه مِن أَهْلِ العِلْمِ، ولاَ يَفْهَمُ مَعْنَى لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ كَمَا فَهِمَهَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ وعَرَفُوا مَعْنَاهَا.
إِنَّ الأَمْرَ خَطِيرٌ، والعَارَ شَنِيعٌ،
والوَاجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يَنْتَبِهُوا لِدِينِهِمْ ويَتَأَمَّلُوا دَعْوَةَ نَبِيِّهِمْ، ويَفْقَهُوا دِينَهُم فِقْهًا صَحِيحًا، ويُقِيمُوهُ عَلَى أَسَاسٍ سَلِيمٍ مِن عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ، والبَرَاءَةِ مِن الشِّرْكِ وأَهْلِهِ، ولاَ يَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِ التَّسَمِّي والانْتِسَابِ إِلَيْهِ، مَعَ البَقَاءِ عَلَى الرُّسُومِ والعَادَاتِ المُخَالِفَةِ لَهُ.---------------------------- قال الشيخ صالح آل الشيخ
قال: (والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتعلق به والكفر بما يعبد من دونه والبراءة منه)
المراد بهذه الكلمة ثلاثة أشياء في كلمة الشيخ هذه:
الأمر الأول: (إفراد الله تعالى بالتعلق به) وهذا مأخوذ من النفي والإثبات؛ لأن (لا إله إلا الله) معناها: لا معبود حق إلا الله، لا أحد يستحق العبادة والتعلق والقصد لأجل العبادة إلا الله جل وعلا.
فإذاً: المراد بهذه الكلمة: أولاً:إفراد الله تعالى بالتعلق به، يعني: حين التعبد.
والثاني : (والكفر بما يعبد من دونه) الكفر بما يعبد من دون الله، هذا نفهمه من النفي؛ لأن النفي معناه ما جاء في سورة الزخرف، في قول الله جل وعلا: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} بضميمة قول الله -جل وعلا- في سورة الممتحنة عن إبراهيم: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ}، {فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} يعني: من المرسلين، الذين معه على التوحيد من المرسلين والأنبياء {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ} كل نبي قال لقومه: {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}.
إذاً: في آية الزخرف قال جل وعلا:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ}وهذه الكلمة قال المفسرون: هي كلمة (لا إله إلا الله) فتكون كلمة (لا إله إلا الله) معناها: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي}.
ومعنى البراءة هنا:هو ما دلت عليه آية سورة الممتحنة، فشمل ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، وشمل البراءة منه؛ ولاحظ تعلق الكفر والبراءة بما يعبد، وليس بالعابدين؛ لأن الكفر بالعابدين من اللوازم وليس من معنى الكلمة، والبراءة من العابدين، هذا من اللوازم وليس من معنى الكلمة.
الكلمة معناها - كلمة التوحيد - يشمل الأمور الثلاثة التي ذكرها الشيخ -رحمه الله- هنا:
- إفراد التعلق بالله.
- البراءة من كل معبود سوى الله جل وعلا، أو البراءة من كل عبادة لغير الله جل وعلا.
والثالث: الكفر بكل معبود أو بكل عبادة إلا عبادة الله جل وعلا، الكفر بعبادة من دون الله جل وعلا، وهذا كله راجع للعبادة في نفسها.
أما العابدون: فهذا له حكم آخر وتفاصيل أخر.
إذاً: ظهر لك وجه الحجة من كون هذه الثلاثة أشياء التي ذكرها الشيخ -رحمه الله- تعالى من معنى الكلمة، أو هو مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الكلمة.
قال رحمه الله: (فإنه لما قال لهم: قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}) هذا ظاهر في أنهم يعبدون آلهة، ولا يقرون بأن العبادة والقصد يتوجه به إلى واحد، بل يتوجه به إلى متعدد؛ وما بعده واضح حيث: قال: (فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفرة) إذا كان الكفرة مع علمهم بالمعنى كفروا، فكيف يكون حال الذي لا يعلم المعنى أصلا؟
يعني: لم يعلم المعنى أصلاً، ولم يأت على باله، بل هو يقع في الشرك مع عدم العلم بالمعنى؟
لا شك أنه أسوأ حالاً من الذي يقع في الشرك مع علمه بالمعنى، فهذا يقع في الشرك وهو غير عالم بالمعنى؛ لأن هذا فرط في واجب، وهو أن كلمة التوحيد لا تنفع إلا من علمها فعمل بمقتضاها، وأولئك علموا فخالفوا، وهؤلاء المشركون في الأزمنة المتأخرة جهلوا وخالفوا؛ فقالوا كلمة لم يعلموا معناها، فلم تنفعهم من هذه الجهة، ثم خالفوها من جهة العمل؛ فلم تنفعهم أيضا من هذه الجهة، ولو كان هؤلاء تنفعهم الكلمة لكان المنافقون الذين قالوا: (لا إله إلا الله) ينفعهم قولها؛ لأنهم يعلمون المعنى وتلفظوا بها، ومع ذلك لما أبطنوا الكفر وعملوا به كانوا أشر من الكفار.
قال: (بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني) وهذا فيه إبطال التقليد في التوحيد، فإن توحيد الله -جل وعلا- لا يصلح على جهة التقليد بل لا بد أن يعتقد المرء الحق بدليله مع علمه بمعنى كلمة التوحيد ومعنى ما دلت عليه، وهذا الاعتقاد يكفيه أن يكون في عمره مرة بدليله.
يعني: لو علمه لحين دخوله في الإسلام، وعلم واستمر على المقتضى، استمر على ما دلت عليه، ثم لو سألته نسي ما عرفه واعتقده بدليله فإنه غير مؤاخذ.
مثله المسلم الصغير المميز،فإنه إذا عُلم هذه الكلمة، وأُخبر بمعناها، وفهم ذلك، وحفظ دليله أو عرف دليله من الكتاب أو من السنة، واستمر على ذلك فإنه يكفيه؛ لأنه اعتقد الحق، واعتقد معنى هذه الكلمة بالدليل غير مقلد في ذلك مرةً في عمره ثم لم يأت بناقض لذلك الشيء.
ولهذا: عندنا في المدارس في الابتدائي يُدرس الطالب أو الطالبة (ثلاثة الأصول)، فيها معنى كلمة التوحيد والدليل عليها، وكذلك أركان الإيمان، يعني: مسائل القبر الثلاثة المعروفة، والعلماء من قديم جعلوا ذلك للمتعلمين الصغار؛ لأنهم إذا عرفوا ذلك بدليله مرة في العمر صار إيمانهم بما دل عليه التوحيد عن دليل لا عن تقليد، ولو نسوا بعد ذلك فإنه لا يؤثر ذلك؛ لأن نسيانهم ليس من جهة ترك العمل بما دلت عليه، ولكن من جهة نسيان التفسير الذي يفصح لك به، لكن لو سألته قلت: هل يدعى غير الله جل وعلا؟ فيقول: لا؛ مع أنه علم معنى الكلمة. لو سألته هل يستغاث بغير الله؟ قال: لا، معناه: أنه يعلم معنى الكلمة.بخلاف من خالف المعنى وما دلت عليه بشيء حدث له، يعني: تسأله فيجيب بخلاف ما تعلم سابقاً، فهذا يكون لا بد له من تجديد علمٍ بدليله، حتى يصبح خالصاً من التقليد.
المقصود من هذا:أن التقليد في التوحيد لا يجوز، ومن قلد في التوحيد فإنه لا ينفعه؛ لأن الله -جل وعلا- لام وذم أهل الشرك بقولهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} وفي الآية الأخرى: {مُقْتَدُونَ}فلابد في التوحيد من دليل، ولا ينفع فيه التقليد، وقد أوضحت ذلك مع زيادة بيان وضوابط في شرح (ثلاثة الأصول) لأن هذا إنما أتى عرضاً.

قال: (والحاذق منهم يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يدبر الأمر إلا الله) هذا الحاذق من أهل هذا الوقت من المشركين نسأل الله العافية، وما قبله بأزمان، إذا سألته عن معنى كلمة التوحيد يفسرها بالربوبية، لماذا؟
لأنه هو الذي درسه في مذهب الأشعرية، أو مذهب الماتريدية، أو مذاهب المتكلمين. معنى كلمة التوحيد عندهم: لا قادر على الاختراع إلا الله، لا رازق إلا الله، لا محيي إلا الله، لا مميت إلا الله، فهذا هو الحاذق المتعلم فيهم. (فلا خير في رجلٍ جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله) ولو كان صاحب عمامة وجبة، ولو كان ما كان، فإن علمه غير نافع؛ لأن هذه الكلمة هي أساس كل خير، فإذا كان يجهل معناها فإنه لا خير فيه، ولو ادعى فيه الناس ما يدعون[ شرح كشف الشبهات]