فضل الرضا بقضاء الله

أحمد مسعود الفقي

مما لا شك، فيه أن الإنسان الراضي بقضاء الله -عز وجل- وقدره أكثر الناس راحةً وطمأنينةً وأمناً وسعادةً؛ فإن من ألزم اللوازم وأكثر الأمور ضرورةً لإيمان العبد الرضا بقضاءِ اللهِ وقدره، وهو ركنٌ عظيمٌ من أركان الإيمان، فإذا حصل للإنسان ما يسره شكر الله وازداد طاعةً وإقبالاً على الله، وإذا حصل ما يضره صبر عليه ورضي بما قضى الله وقدر، ووجد السعادة الحقيقية في الرضا، وإن كان على غير مراده لكنه على يقين أنه على مراد الله -عز وجل- وهو خيرٌ له على كل حال، عن صهيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمرَه كلَّه خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» رواه مسلم.
والدنيا دار ابتلاء واختبار، فمِن حِكمةِ الله -تعالى- أنَّه يَبتلِي عِبادَه ويختبرُهم؛ ليَعلمَ المؤمِنَ المطيع الراضي من العاصي الساخط، قال -تعالى-: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور} (الملك: 2)، والبلاءُ يَكونُ بالسَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ،قا ل -تعالى-: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (اﻷنبياء: 35)، وفي قول الله -تعالى-: {وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ} (التغابن: 11)، يقول علقمة بن وقاص: «هي المصيبة تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله، فيسلّم لها ويرضى»، وفي تفسير قوله -تعالى-: {وبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} (الحج: 35) جاء عن سفيان الثوري قوله: «المطمئنين الراضين بقضائه، المستسلمين له».
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، و إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، و من سخط فله السخط». رواه الترمذي، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث أنه كلما زاد البلاء زاد الأجر والثواب ويبتلى العبد على حسب دينه وحب الله له؛ فمن رضي بقضاء الله وصبر على بلائِه فسيَرْضى الله -سبحانه وتعالى- عنه، ويَجْزيه الخيرَ والأجْرَ في الآخِرَةِ، ومَن قابَل هذه البلايا بعَدَمِ الرِّضا؛ فسيَغضَبَ اللهُ عليه، فلا يَرضَى عنه، وله العِقابُ في الآخرةِ؛ وذلك أنَّ المصائِبَ والعِللَ والأمراضَ كفَّاراتٌ لأهلِ الإيمانِ، وعُقوباتٌ يُمحِّصُ الله بها مَن شاء مِنهم في الدُّنيا؛ لِيَلقَوْه مُطهَّرين مِن دنَسِ الذُّنوبِ في الآخرةِ، وهي لأهلِ العِصْيانِ كُروبٌ وشَدائِدُ وعذابٌ في الدُّنيا، ومع عدَمِ رِضَاهُم وتَسليمِهم لقضاءِ الله فلا يكونُ لهم أجرٌ في الآخرةِ.
قال الألباني في (السلسلة الصحيحة): «وهذا الحديث يدل على أمر زائد على ما سبق و هو أن البلاء إنما يكون خيراً، وأن صاحبه يكون محبوباً عند اللهِ -تعالى-، إذا صبر على بلاءِ اللهِ -تعالى-، ورضي بقضاءِ اللهِ -عز و جل».
ونختم بما قاله الإمامُ ابنُ القيّم -رحمه الله-: «الرضا بابُ اللهِ الأعظم، وجنةُ الدنيا، ومستراحُ العابدينَ، وقرةُ عيونِ المشتاقين، ومن ملأ قلبه من الرضا بالقدر؛ ملأ اللهُ صدرَه غنىً وأمناً، وفرَّغ قلبه لمحبته، والإنابةِ إليه، والتوكلِ عليه، ومن فاته حظُّه من الرضا امتلأ قلبُه بضدِّ ذلك، واشتغل عمَّا فيه سعادتُهُ وفلاحُهُ».