هل أطلق زوجتي الثانية السارقة؟
أجاب عنها : همام عبدالمعبود

السؤال:
السلام عليكم فضيلة الشيخ؛ أحسن الله اليكم.
سؤالي هو: تزوجت منذ سنتين بالزوجة الثانية، ولله الحمد، وكل واحدة منهن في بيت مستقل، ويفصل بينهما باب مفتاحة عندي؛ أدخل وأخرج منه أنا، في يوم من الأيام افتقدت المفتاح، وسألت كلتا الزوجتين عنه؛ فقالتا ليّ: لا نعلم.
في البيت الأول، عند الزوجة الأولى، افتقدنا مرتين بطاقة المجد، أي أنها سرقت، وكانت زوجتي الاولي تقول لي: أنا أشك في زوجتك الثانية؛ فكنت أقول لها: اتقي الله، فهذا غير صحيح.
وفي يوم من الأيام خرجت أنا وزوجتي الأولي والأبناء، وعند رجوعنا اكتشفنا أن زوجتي الثانية هي التي كانت تدخل البيت، وذهبت إليها وحدثتها، فاعترفت أنها سرقت البطاقة، وأنها دخلت البيت غرفة غرفة!، تنظر اليه، لأنهن لا يجتمعن إلا في الضرورات، ولا يزرن بعضهن البعض في بيوتهن.
وقد غضبت منها - يا شيخ- لأنها كذبت عليّ، ولأنها تعدت على بيت ضرتها، لكنها تأسفت لي واعتذرت، لكنني- يا شيخ- أخاف أن تعمل شئ ثاني، في الأولاد أو في البيت؛... لقد ذهبت بها إلى أهلها، ولي منها ولد واحد.
فما رأيك- يا شيخ- هل أبقيها معي أو أطلقها؟، مع أن زوجتي الأولى تقول لي: هذه امرأة لا تنفعك، طالما أنها فعلت ذلك. وجزاكم الله خيرًا.




الجواب:
أخانا الكريم:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
لا شك أن ما قامت به زوجتك (الثانية) من الحصول على المفتاح الخاص بك بطريقة غير مشروعة، وبدون علمك، ثم قيامها باختراق خصوصية زوجتك (الأولى)، ودخولها غرف بيت ضرتها دون إذنها، فضلا عن سرقتها بطاقة المجد، هو تصرف خاطئ، وسلوك مرفوض منبوذ، يدينه الإسلام جملة وتفصيلا، ويرفض مبرراتها للقيام بما قامت مهما كانت هذه المبررات؛ لكنني أنصحك بأن تتمهل، ولا تتعجل في اتخاذ قرار التطليق؛ وأن تمنحها فرصة أخيرة، وقد بنيت رأيي هذا على عدة اعتبارات أسوقها لك في النقاط التالية:-
1- أنها مازالت حديثة عهد بالزواج منك؛ فحسب قولك: "تزوجت منذ سنتين بالزوجة الثانية"، وقد علمتنا خبرة الحياة أن الزوجة، والثانية على وجه الخصوص تأخذ وقتًًا أطول لتتأقلم على طباع زوجها، حتى تأنس بعشرته، وتشعر معه بالأمان والحب، وبعدما تستقر نفسيًا وعاطفيًا مع زوجها فإنها تكون أحرص على طاعته، وعلى البعد عن فعل ما يغضبه، فلتمنحها فرصة أخيرة.
2- أنها اعترفت بخطئها، وأقرت بذنبها، عندما حدثتها في الأمر، ولم تنكر فعلتها، ولم تبرر إثمها الذي اقترفته، كما قلت في رسالتك (تأسفت لي واعتذرت)، وإذا كان "الاعترف سيد الأدلة" كما يقول القانون، فإن "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" كما هو معروف في شرعنا الحنيف، ثم من منا لا يخطئ؟!، من منا لا يذنب؟!، ولولا ستر الله لنا لفضحنا على رؤوس الأشهاد، وقد روي عن أحد الصالحين قوله: "لو علم الناس ما ستره الله منا من الذنوب والمعاصي لرجمونا بالحجارة في جهار النهار"، المهم ألا تصر على ذنبها، وألا تكابر وتعاند وترفض الاعتراف بخطئها، فلتمنحها فرصة أخيرة.
3- أن المرأة ككائن حي، غيورة بطبعها، ويبدو هذا واضحًا للعيان في تعاملات النساء مع بعضهن البعض، فما بالك إذا كانت غيرتها تلك من امرأة هي زوجة زوجها؟!، بالطبع ستكون غيرتها أكبر، وتطلعها أكثر، والغيرة طبعٌ فُطِرَتْ عليه النساءُ، فلتمنحها فرصة أخيرة.
4- أن حديث زوجتك الأولى عن زوجتك الثانية، وشكها فيها، وطلبها منك أن تتخلص منها، وقولها (هذه امرأة لا تنفعك، طالما أنها فعلت ذلك)، هو كلام لا يعتد به، لكونه يخرج من امرأة تستشعر غيرة منها، لكونها تشاركها فيك، ولكونها تحتل مكانًا من قلبك، ولكونها تأخذك بعض الوقت منها، ومن ثم فهي صاحبة مصلحة فيما تطلب، والعقل يقول أن تتمهل ولا تتعجل، ولتمنحها فرصة أخيرة.
5- أن الطلاق كلمة، قد يراها البعض يسيرة، لكنها تترك تأثيرات سلبية على حياة الزوج، كما أن لها تبعات مادية ومعنوية، وهو ما يفهم من السياق التشريعي للطلاق في الإسلام، والذي يفهم من قوله تعالى: (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة - 226]، وقوله تعالى: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ...) [البقرة - 229]، فضلا عن كونه أبغض الحلال عند الله!.
6- أن التسرع باتخاذ مثل هذا القرار، قد يؤثر سلبيًا على ولدك (لي منها ولد واحد)، الذي أكرمك الله به منها، ففكر جيدًا في مصير ولدك الذي سيبقى بعيدًا عنك، في حضانة أمه لسنوات طويلة، هي الأهم في حياته وتكوينه وتنشئته، حسب قانون الأحوال الشخصية المعمول به في معظم الدول العربية، أفلا يستحق ولدك أن تمنحها فرصة أخيرة؟!!
7- أن تجلس معها جلسة منفردة، تبلغها فيها بأنك فكرت جديًا في إنهاء علاقتكما، بعدما فعلته، غير أنك راجعت نفسك، وقررت أن تمنحها فرصة أخيرة لحياة نظيفة، لا غش فيها ولا سرقة، ولا كذب ولا خداع، وأنك لن تغفر لها في المرة القادمة، وأنها ستكون فراق بلا عودة، مهما كان الثمن، وأنه من الأولى لها أن تنتهز الفرصة، وأن تحسن استثمارها، وأن تحرص على بيتها وزوجها، ليتربى ولدها في حجركما معًا، وقد أعذر من أنذر.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يصلحَ لك زوجك، وأن يهديَ قلبها للاستجابة لنداء الشرع والعقل والمنطق، وأن يصرف عنها كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.