قال الشيخ صالح آل الشيخ على شرح كشف الشبهات للامام محمد بن عبد الوهاب
قال: ( فبعث الله النبى محمد صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم) وهذا فيه أن مشركي العرب كانوا على أثر من الرسالة، وأنهم لم يكونوا بلا رسولٍ قبل محمدٍ صلى الله عليه وسلم، بل كانت رسالة إبراهيم -عليه السلام- فيهم،لهذا كان فيهم بقايا من دين إبراهيم - من أمور الفطرة: من الغسل من الجنابة، وغسل المرأة من الحيض، والصدقات، وبعض الأدعية والصلوات، ونحو ذلك.(فبعث الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم) قول الشيخ رحمه الله: (يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم) أخذه من قوله جل وعلا: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يجدد للعرب دين أبيهم إبراهيم، والله -جل وعلا- قال: {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ}وقوله جل وعلا: {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ}.
{مَا أُنْذِرَ} فيها وجهان من التفسير في هذه الآية:
- إما أن تكون موصولة: يعني: لتنذر قوماً الذي أنذر آباؤهم، فهم غافلون عما أنذر آباؤهم.
والثانية:(ما) نافية {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ}: يعني: لتنذر قوماً لم ينذر آباؤهم، والمقصود يكون هنا بآبائهم: الآباء القريبون؛ لأن أولئك غفلوا عن دين إبراهيم وملة إبراهيم، إلا بقايا من العرب أفراد كانوا يسمون الحنفاء، اتبعوا ملة إبراهيم في كثير منها.
فإذاً:لفظ التجديد هنا لأجل ما ذكرت، وهذا يدل على أن مشركي العرب كانت لهم رسالة قبل محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وذلك ظاهر بيّن، والحجة عليهم قائمة به، لوجود الكعبة عندهم، وبإقرارهم بأنهم من نسل إبراهيم عليه السلام، فرسالة إسماعيل ورسالة إبراهيم -عليهما السلام- فيهم والنبي -عليه الصلاة والسلام- جدد لهم دينهم.
قال: (فبعث الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم) دين إبراهيم هو التوحيد والقنوت لله جل جلاله، قال سبحانه وتعالى في سورة الزخرف: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عقبه من نسل إسحاق، وعقبه أيضاً من نسل إسماعيل، وهم العرب.
{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} يعني إلى هذه الكلمة، فدين إبراهيم -عليه السلام- هو التوحيد والبراءة من الشرك، وإخلاص العمل والدين لله جل جلاله، وهو الذي بعث الله به محمداً -صلى الله عليه وسلم- كما قال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وكما قال جل وعلا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}في سورة الأنعام.
المقصود من ذلك:أن العرب قامت عليهم الحجة، وبُيِّنَ لهم الأمر ببَعثَةِ إبراهيم عليه السلام، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- بعث مجدداً لهم دين أبيهم إبراهيم؛ ولكن الشريعة مختلفة، فإبراهيم -عليه السلام- جاء بدين الإسلام العام، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- جاء بدين الإسلام الخاص.
قال: (ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله، لا يصلح منه شيء لا لملك مقرب، ولا لنبيٍ مرسل، فضلاً عن غيرهما) يخبرهم محمد -صلى الله عليه وسلم- أن هذا التقرب وهو التقرب إلى الأرواح، التقرب إلى الصالحين، التقرب إلى الأنبياء، التقرب إلى الملائكة، سؤال أولئك الشفاعة، هذا التقرب والاعتقاد فيها، قال: (والاعتقاد) يعني الاعتقاد في تلك الأرواح أنها تنفع، أو أنها تضر، أو أنها تملك شيئاً من الأمر، قال: (ذلك محض حق الله) محض حق الله يرجع إلى المسألتين:
الأولى: التقرب.
والثانية: الاعتقاد؛ لأن هناك من يعتقد ولا يتقرب، وهناك من يتقرب ويعتقد.
فكل المسألتين محض حق الله جل جلاله، فنفهم من هذا أن من اعتقد الشرك ولم يفعله فإنه مشرك كالذي فعله؛ لأن الاعتقاد لابد أن يكون الاعتقاد بأن هذه الروح تنفع أو تضر، أو أن أحدًا يغيث فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا، هذا يجب أن يكون في الله جل وعلا، لا يعتقد في أحد أنه يملك من الأمر شيئًا، ولا أنه يملك الشفاعة؛ كما قال جل وعلا: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}الشفاعة ملك لله جل وعلا، هو الذي يتكرم بها، وهو الذي ينيلها من يرضى عنه جل وعلا.
(لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلاً عن غيرهما) هذه رسالة محمد عليه الصلاة والسلام: أن العبادة لله وحده، وأن التقرب إنما هو لله وحده، لا استغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله إلا بالله، لا استغاثة بالأموات، لا استغاثة بالأرواح، لا استغاثة بالغائبين، كذلك لا ذبح، لا عبادة بأي نوع من أنواع العبادة، إلا لله جل جلاله، فتتعلق القلوب بالله وحده، ويبطل أمر الجاهلية في التعلق بغير الله جل جلاله.....................قال بن عثيمين رحمه الله - يَقولُ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إنَّهم ما زَالُوا على هذا الكفْرِ، وهوَ عبادةُ هذهِ الأصنامِ؛ لِتُقَرِّبَهم بزَعْمِهم إلى اللهِ تعالى، حتَّى بَعَثَ اللهُ رسولَهُ وخاتَمَ أنبيائِهِ محمَّدًا صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَهُ اللهُ تعالى بالتَّوحيدِ الخالِصِ، يَدْعُو النَّاسَ إلى عِبادةِ اللهِ وحْدَهُ، ويُحَذِّرُهم مِن الشِّركِ، قال اللهُ تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [ المائِدةُ: 72 ]، ويُبَيِّنُ لهم أنَّ العِبادةَ حقٌّ للهِ وحْدَهُ، وأنَّهُ لا يَجوزُ صَرْفُ شيءٍ مِنها لغيرِهِ سُبحانَهُ وتعالى، لا لِمَلَكٍ مُقَرَّبٍ، ولا لِنَبيٍّ مُرْسَلٍ، فَضْلاً عنْ غيرِهما، فقالَ تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}[ يس: 60، 61 ].
وقولُهُ: (يُجَدِّدُ لهُمْ دِينَ أَبِيهِم إبْرَاهِيمَ) كأنَّهُ يُشِيرُ إلى قولِهِ تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ}(3) [ النحلُ: 123 ].
وقولُهُ: (مَحْضُ حَقِّ اللهِ) أيْ: خالصُ حقِّهِ. .........................
. وقال الشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ - (فَبَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وهم عَلَى تلك الحَالَةِ (يُجَدِّدُ لَهُم) مَا انْدَرَسَ مِن (دِينِ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فإِنَّ قُرَيْشًا ومَن يَلِيهِم ذُرِّيَّتُهُ وَوَرَثَتُهُ، وكَانُوا عَلَى هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، ولَكِنَّهُ انْدَرَسَ فيهم بِسَبَبِ عَمْرِو بنِ لُحَيٍّ بَعْدَ أَنِ اسْتَخْرَجَ الأَصْنَامَ وفَرَّقَهَا في العَرَبِ وغَيَّرَ عَلَيْهِم التَّلْبِيَةَ فَتَغَيَّرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ. (ويُخْبِرُهُم أنَّ هذا التَّقَرُّبَ والاعْتِقَادَ) الذِي يُبَاشِرُونَ بِهِ الآلِهَةَ (مَحْضُ حَقِّ اللهِ) خَالِصُ حَقِّ اللهِ مِن العِبَادَةِ (لاَ يَصْلُحُ منه شَيْءٌ لاَ لِمَلَكٍ مُقَرَّبٍ ولاَ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ فَضْلاً عن غَيْرِهِمَا) وإِذَا كَانَ لاَ يَصْلُحُ لأَِهْلِ الدِّينِ والفَضْلِ فمَن دُونَهُم بِطَرِيقِ الأَوْلَى، فَلاَ يُعْتَقَدُ ولاَ يُطْلَبُ ولاَ يُقْصَدُ إِلاَّ اللهُ تَعَالَى، ولاَ يُوَسَّطُ مِن الخَلْقِ أَحَدٌ بَيْنَهُ وبَيْنَهُم ولاَ يُتقَرَّبُ بِهِ، ولاَ يَصْلُحُ ولاَ يَدْنُو مِن أَنْ يَصْلُحَ لبَشَرٍ مِن حَقِّ رَبِّ العَالَمِينَ شَيْءٌ، وبِهَذَا تَعْرِفُ دِينَ قُرَيْشٍ ودِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ................................ ......قال الشيخ صالح الفوزان - أَنَّ مُشْرِكِي العَرَبِ الَّذينَ بُعِثَ إليهم مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يَعْبُدُونَ اللهَ ولَمْ تَنْفَعْهُم هذه العِبَادَةُ لَمَّا كَانَتْ مَخْلُوطَةً بالشِّرْكِ الأَكْبَرِ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ المُشْرَكُ بِهِ مَعَ اللهِ -سُبْحَانَه- صَنَمًا أو عَبْدًا صَالِحًا أو نَبِيًّا مُرْسَلاً أو مَلَكًا مُقَرَّبًا، ولاَ أَنْ يَكُونَ قَصْدُ المُشْرِكِ أَنَّ مَعْبُودَهُ شَرِيكٌ للهِ في مُلْكِهِ، أو مُجَرَّدُ وسِيلَةٍ إِلَى اللهِ ومُقَرِّبٌ إليه.
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَمْرَيْنِ:
الأَوَّلُ:
أَنَّ الإِقْرَارَ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وحْدَه لاَ يَكْفِي في الدُّخُولِ في الإِسْلاَمِ، ولاَ يَعْصِمُ الدَّمَ والمَالَ، ولاَ يُنْجِي مِن عَذَابِ اللهِ.
والأَمْرُ الثَّاني:
أنَّ عِبَادَةَ اللهِ إِذَا دَخَلَهَا شَيْءٌ مِن الشِّرْكِ أَفْسَدَهَا، فَلاَ تَصِحُّ العِبَادَةُ إلاَّ مَعَ الإِخْلاَصِ.[شرح كشف الشبهات]