طفلي عصبي وعنيف، ويحب مشاهدة المصارعة وأفلام الرعب

عائشة الحكمي
السؤال
عندي طِفل عمرُه 8 سنوات ونِصف، مشكلته أنه عصبي جدًّا جدًّا، وعنده رهبة مِن المدرسة والدروس، ولا يركز مطلقًا، رغمَ أنَّه ذكي، ويحفظ جيِّدًا جدًّا، ولكن يغلط كثيرًا في الدرس وينسَى؛ وذلك بسببِ الخوف رغمَ أنَّه عنيفٌ جدًّا في لعبه، ويَهوَى مشاهدةَ المصارعة وأفلام الرُّعب، وبعدها يتأثَّر بما يَراه في الأفلام!

وهو مرتبط جدًّا بوالدته.

الجواب
أختي العزيزة، أعانكِ الله.
لدَى طِفلكِ ثلاثُ مشكلات مترابِطة:
أ- العصبية والعُنف.

ب- ضعْف التركيز وسُرعة النَّسيان.

ج- الخوف من المدرسة.

وكلُّ مشكلةٍ هي سببٌ ونتيجة للأخرى، فرُهاب المدرسة مرتبطٌ بالعصبية، والعصبية مرتبطةٌ بالعُنف المتعلَّم مِن مشاهدة عُروض المصارعة والأفلام الراعِبة، وضَعْف التركيز نتيجةٌ للعصبية، وهكذا.

ومع ذلك أعتقد أنَّ تسميةَ "الخوف مِن المدرسة" ليس تشخيصًا دقيقًا لمشكلةِ ابنكِ؛ إذ كيف لطفلٍ يمتلك الشجاعةَ لمشاهدة أفلام الرعب، ثم يشعُر بالذُّعْر والخوف مِن المدرِّس أو المدرِّسة؟! ومع ذلك سأتكلَّم عن هذه المشكلة بتفصيلٍ؛ إرضاءً لتوقعاتكِ.

أولاً- العصبية:
الأسباب:
1) لأسبابٍ وراثية؛ فالأمُّ العَصبية أو الأب العصبي يُورّثانِ العصبيةَ والسلوكَ الثائِر للأبناء.

2) لأسبابٍ مُكتسَبة؛ بحيث يتعلَّم الطفلُ العصبيةَ تأثُّرًا بأحدِ الوالدين أو كليهما، أو مِن التلفاز أو مِن المدرسة، ونحو ذلك.

3) لأسبابٍ مَرَضيَّة؛ كالصُّداع واضطرابات الهضْم، والصرع وغير ذلك.

4) لأسبابٍ أكاديمية؛ نتيجةَ الأداء السيِّئ في المدرَسة، أو اقتراب موعِد الامتحانات.

5) للفتِ الانتباه وجذْب الاهتمام.

6) قِلَّة التغذية.

7) قِلَّة عددِ ساعات النوم.

العلاج:
1) يجب أن يتعلَّمَ الطفلُ أنَّ هذه العصبية لا تُحقِّق له مطالبَه ولا تُنجز له شيئًا، وبالتأكيد كان مِن المفترَض أن يَتعلَّم ابنُكِ ذلك قبلَ أن يكمل عامَه الثالثَ لا الثامن!

2) عندما يبدأ الطِّفلُ في البُكاء والصُّراخ، اتركيه بمفردِه في غُرْفته، ثم غادري بهدوءٍ مِن دون أن تلتفتي إليه، واتركيه في غرفته حتى يهدأَ مِن تلقاء نفْسه، وقد لا يهدأ مِن المرَّة الأولى ولا الثانية، ولا حتى الثالثة، لكن مع تَكْرار المحاولات سيتعلَّم - بمشيئة الله - المهمُّ هو المثابَرة على استخدامِ هذا الأسلوب، إلى أن يعتادَه، ويتعلَّم مِن خلاله أنَّ الصراخ والعصبية لا تُحقِّق له سوى الخيبة.

3) تَحدّثي معه في ساعاتِ هدوئه عن الأسبابِ التي تُثير أعصابه، وتعاطفي مع كلِّ كلمة يقولها لكِ، ثم خَبِّريه بأنَّ بعض المواقف قد تُثير العصبيةَ بالفِعل، لكن يجب دائمًا أن نُسيطر على أعصابِنا، ولا نسمح لها بالانفلاتِ؛ فقد قال الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم – لمَن سأله الوصيةَ: ((لا تَغْضَب))، ولما ردَّدها السائلُ مِرارًا، قال له أيضًا: ((لا تغضب)).

4) عَلِّمي ابنَكِ طُرقَ الاسترخاء المختلِفة والتنفُّس العميق؛ للسيطرةِ على عصبيته، اشْرَحي له كيف يتنفَّس ببطء مِن خلال الشهيق عبرَ الأنف، ثم الزفير بلطف من الفم.

ثانيًا - رُهاب المدرسة:
لا يَخاف الطفلُ مِن المدرسة بلا سبب، لا بدَّ مِن وجود سبب وراءَ هذه المخاوف، ولعلَّ مِن أبرز الأسباب التي تُثير مخاوفَ الأطفال مِن المدرسة ما يلي:
1) وجود مُعلِّم صارم يُثير مخاوفه.

2) الخِلاف أو الشِّجار مع أحدِ التلاميذ العدوانيِّين في المدرسة.

3) صُعوبات التعليم أو الفَشَل الأكاديمي؛ نتيجةً لطموحات الوالدين غيرِ الواقعية التي لا تَتناسب مع قُدرات الطفل الحقيقيَّة.

4) الخوف والقَلَق مِن الانفصال عنِ الوالدين أو أحدِهما.

5) ولادة طِفل جديد.

6) تَغيير البيئة المدرسيَّة، والانتقال مِن مدرسته الأولى التي كان مُعتادًا عليها.

7) الابتعاد عن المدرسةِ لفترةٍ طويلة بسببِ العُطلة أو المرَض.

8) الخِلافات الأُسرية أو العُنف الأسري.

العلاج:
أولاً: تحدَّثي مع طِفلكِ مباشرةً، وبشكلٍ هادئ، وبصوتٍ حنون عن سببِ مخاوفه، فلعلَّه يختصر عليكِ الطريقَ، ويخبركِ عن السبب الحقيقي وراءَ مخاوفه، ومتى ما عَرفتِ السببَ استطعتِ استئصالَ الخوف بالتخلُّص مِن السبب الرئيس للمشكِلة، اسأليه إنْ كان هناك شخصٌ ما في المدرسة يقوم بتخويفِه، سواء كان معلِّمًا أم زميلاً، وحين يُخبركِ بذلك طَمئِنيه بأنَّكِ ستعملين على مساعدتِه ودعْمه، ولن تتركيه بمفرده.

ثانيًا: كُوني واقعيَّةً مع طفلكِ، وأخبريه بأسلوبٍ مُثير ومضحِك ومحبَّب عن خِبراتكِ السابقة حين كُنتِ تلميذةً في المدرسة في مِثل سِنِّه، وكيف استطعتِ التغلبَ على مخاوفكِ، وتمكنتِ من التفوقِ في المدرسة برغمِ ذلك.

ثالثًا: شَجِّعيه على اتِّخاذِ صَدِيق مقرَّب مِن داخل الفصل، خصوصًا إذا كان مِن أبناء الجيران أو أحد الأقارب؛ كي يشاركَه وقتَ الفُسحة، وخلال الدراسة في الفَصْل، وحين العودة إلى البيت.

رابعًا: ناقِشي المشكلةَ مع المرشِد الطُّلاَّبي في المدرسة؛ ليبحثَ عن أسبابِ المشكلة مِن داخل المدرسة، ومِن ثَمَّ تُوضَع الحلول الممكِنة للتغلُّبِ على تلك المخاوف.

خامسًا: إذا كان الخوفُ مِن المدرسة بسببِ ضَعْفه الأكاديمي في إحدى الموادِّ المدرسيَّة، فساعديه على تطويرِ مهاراته مِن خلالِ شراء موادَّ تعليميَّة مُحبَّبة، على هيئة كتاب أو قُرص مدمج، أو لعبة، ونحو ذلك.

سادسًا: إذا كان جوُّ المدرسة غيرَ ملائم لابنكِ، ولا يُشعره بمتعة التعليم، فلا بأسَ بتغييرِ المدرسة.

سابعًا: اشتري القصصَ الهادفة، والألعاب التربوية، التي تُشجِّع الطفلَ على التغلُّبِ على الخوف مِن المدرسة.

ثامنًا: شَجِّعيه على شُرْب الماء قُبيلَ الذَّهاب إلى المدرسة، فقد كشفتْ إحدى الدراسات البريطانية أنَّ شرب الماء قُبيل الدخول إلى قاعةِ الامتحان يؤدِّي إلى تحسينٍ واضِح في مهاراتِ التلاميذ الإدراكية.

تاسعًا: الدراسة في المنتزهَات والحدائق، وعلى شاطئ البحْر كنوعٍ مِن التغيير يُساعِد الطفلَ على تهدئة أعصابِه، والتغلُّب على مخاوفه.

عاشرًا: أخبري ابنَكِ بأنَّكِ فخورٌ به، وأنَّكِ تُحبِّينه كما هو، وكُوني واقعيةً في توقُّعاتكِ وطموحاتكِ معه.

حادي عشر: اعمَلي على معالجةِ المشكلات الأُسريَّة والخِلافات الوالديَّة - إنْ وُجدت.

ثاني عشر: امنعِيه مِن مشاهدة أفلامِ الرعب وأخبارِ الحروب والمآسِي؛ كونها تُثير مثلَ هذه المخاوف وتَزيد مِن ارتباطه وتعلُّقه بكِ خوفًا مِن الانفصال عنكِ، ثم إذا كانتْ أفلام الرُّعب تُثير رعبَنا ومخاوفَنا - نحن البالغين - فكيف بحالِ طفلٍ في الثامنة مِن عمره؟! لا أدري كيف تَسمحين لطفلكِ بمشاهدةِ مِثل هذه الأفلام؟!

إنَّ هذه الأفلامَ وإن لم يظهرْ تأثيرها السلبي الآن، فسيظهر تأثيرُها على المدى البعيد، ولعلَّ مِن أبرز تلك التأثيرات:
• القلق.

• التجنب.

• الهوس.

• الكوابيس.

• البكاء والصراخ.

• اضطرابات المعدَّة.

• الشلل.

ثالث عشر: أوقِفي مشاهدتَه للمصارعة، فعُروض المصارعة لا تحوي على أشكالٍ مِن العنف وحسبُ، بل على الكثيرِ مِن التلميحات الجِنسية التي يقوم بها المصارِعون فوقَ الحلَبَة! ويكفي شناعةً تلك الملابس التي يَرتدونها إنْ كانوا يرتدون شيئًا مِن الأصْل؛ كي ترفضي بقوَّة مشاهدة ابنكِ للمصارعة.

لقدْ علَّمني والداي في طفولتي أنَّ مشاهدة المصارعة الحُرَّة لا تجوز شرعًا؛ لأنَّ المصارعين يكشفون عن عوراتِهم، ومنذ ذلك الوقتِ وأنا وأخواتي نُغلِق التلفاز رأسًا كلَّما ابتدأ برنامج المصارَعة الحرَّة؛ امتثالاً للشَّرْع الحنيف، فكيف تسمحين لابنكِ وأنتِ أم ومربيَّة بمشاهدة مِثل هذه الوقاحات؟!

لا تقولي إنَّه طفل، ولن يعي! فقد كنتُ طفلةً يومئذٍ ومع ذلك وعيتُ الحلالَ مِن الحرام!

يصف Ron Kaufman المصارعة الحرَّة بقوله: يَنفي أن تكونَ المصارعة رياضةً مِن الأصل!

وأراها في الحقيقةِ شكلاً مِن أشكال السادية؛ أي: التلذُّذ بتعذيب الآخَرين، ومع ذلك يُصفِّق لها المجتمعُ بحرارة.

تُؤكِّد العديدُ مِن الدِّراسات السيكولوجية على أنَّ الأطفالَ الذين يُشاهدون المصارعةَ الحُرَّة أكثرَ عُرْضةً مِن غيرهم للعُنف والسلوك العُدواني، واستعمال الألفاظ الفظَّة، أَضيفي إلى ذلك أنَّ الطفل مُقلِّد بارع، وقد يُقلِّد بعضَ حركات المصارعين التي كثيرًا ما تكون خَطِرة، بل قاتلة، وإنْ لم تكن مؤذية للطفل نفسِه، فقد تكون مؤذيةً لغيره، كأنْ يقومَ مثلاً بالقفز من مكانٍ مرتفع، ثم يهبط فوق طفل آخَر تمامًا مثلما يفعَلُ المصارِع، وهناك الكثير من القصص الواقعية التي تُثبِت ذلك.

ثالثًا- ضَعْف التركيز:
لا بدَّ أولاً مِن التأكُّد مِن أنَّ ابنَكِ لا يُعاني من اضطرابِ فرط النشاط المصحوب بضَعْف الانتباه Attention Deficit Hyperactivity Disorder (ADD/ADHD)، يمكنكِ تقييم حالة طفلكِ مِن خلال اختبارٍ خاص يُقدَّم في المراكز النفسيَّة المتخصِّصة باضطرابات الأطفال، وافِيني بنتيجةِ الاختبار للمتابعة ولا تُهملي هذه الخُطوةَ المهمَّة، فربَّما كانتْ كلُّ مشكلات طِفلكِ التي ذكرتِها نتيجةً لهذا الاضطراب.

فالعصبية، والسلوك العدواني، وضَعْف الذاكرة، وضَعْف الثِّقة بالنفس، وسُرعة النسيان، جميعُها أعراضٌ لهذا الاضطراب، لكن لا يصحُّ التشخيص بالاعتمادِ على هذا الوصفِ المبسَّط، بل لا بدَّ أن يرَى الاختصاصيُّ النفسي ابنَكِ العزيز، ويُقيِّم حالته بالفَحْص السريري.

وافِيني بنتيجة الفحْص للمتابعة.

دُمتِ بألف خير، ولا تنسيني مِن صالح دعائكِ.