العنف الأسري.. الجذور والحل
محمد لافي
لا يزال العنف الأسري بخاصة تجاه الزوجة, من المشكلات التي تهدد أمن البيوت ومستقبلها, وتسلبها استقرارها إلى جانب ما يعكسه هذا العنف من آثار مباشرة على حياة الأبناء ونشأتهم.
إلا أن الضرر الأكبر يقع على الزوجة, فهو يحرمها أمنها الذي هو من أهم ركائز الحياة الزوجية, إلى غير ذلك مما من آثار نفسية وعاطفية, ناهيك عن الآثار الجسدية التي قد تصيبها جراء ذلك, ومما يزيد الوضع سوءاً أن تجد الزوجة نفسها بين نارين, إما مغادرة بيت زوجها وربما خسارتها أبنائها, أو البقاء في بيتها مكابدة تسلط زوجها وقسوته.
وللوقوف على أسباب هذه الظاهرة وسبل علاجها, التقينا عدداً من المتخصصين في الشأن الأسري والاجتماعي الذين ساهموا في إيضاح معالم هذه الظاهرة وكيفية الخروج منها.
استصلاح الزوج
بداية يرى فضيلة الشيخ عبد اللطيف القرني أن كثيراً من الأزواج ممن يمارسون العنف الأسري مصابون من حيث لا يشعرون بالأمراض النفسية, كالاكتئاب والانفصام والتوتر العصبي, وتظهر أثار هذا المرض على شكل عنف يمارس على الزوجة بحكم أنها الشخص القريب منه اجتماعياً,
أما عن كيفية علاجها فيقول " أفضل وسيلة لعلاج حالة العنف الأسري هو الاستصلاح, أي استصلاح الزوج, فغالبية هذه الحالات بعد خضوعها لجلسات علاجية مع المختصين يتم تداركها إما تدارك كلي أو جزئي فإما أن يكون المرض قد تقلص بنسبة كبيرة, أو انتهى تماماً, خاصة وأن أكثر من 30 في المائة من حالات العنف الأسري سببها الأمراض النفسية المتولدة من الضغوط الاجتماعية أو النفسية أو المادية, أو تلك التي سببها التنشئة في البيت وليست متجذرة في الزوج. وأكثر من ما يعانون من هذه المشكلة يشعرون بتأنيب الضمير, لكنهم لا يبوحون بذلك لزوجاتهم. وكقاعدة عامة إذا وجدت الشخص غير مقتنع بتصرفاته القاسية تجاه زوجته, ويشعر بتأنيب الضمير, أو أن يعطي وعوداً بأنه سوف يقوم من سلوكه فاعلم أن سلوكه تجاه زوجته سوف يؤول للأفضل بإذن الله" .
ويضيف القرني " إلا أن هناك حالات يعتبرون العنف جزء من شخصيتهم وتفكيرهم ويرون أنهم يمارسون سلطة أبوية لا بد منها, وهؤلاء الأشخاص لا يمكن معهم العلاج بالحوار أو النقاش مال يتعرض لصدمات في حياته مثل موت الزوجة الأولى, فتجده يتعامل مع الزوجة الثانية بطريقة مختلفة تماماً, أو تم استخدام معه لغة التهديد باللجوء إلى القانون بعد إثبات حالة العنف ضد الزوجة"
ويبين أنه حتى لو وصلت المشكلة إلى القاضي فيمكن أن يتدخل في القضية على شكل واجب اجتماعي فيحاول أن يلتقى الزوج. ويحادثه ويسعى لحل المشكلة بشكل ودي, فالقاضي لا يقع على عاتقه فقط تطبيق النظام على الزوج بل لا بد من أن تكون لديه الرغبة الصادقة في إصلاح ذات البين.
ويستدرك" ولكن في حالات نادرة جداً, قد لا يكون أمام الزوجة خيار إلا بأن تقرر عدم العيش مع هذا الزوج, وذلك للأذى الجسيم الذي قد يصيبها, أو المشكلات النفسية وقد تتعرض للانحراف بسبب الفراغ العاطفي الناجم عن عيشها معه, وقد ييسر الله لها من هو خير منه"
التفكير الإيجابي
أما الشيخ الدكتور عبد الله محمد الحمودي المستشار الاجتماعي والمشرف العام على موقع المبدعون فيؤكد على بقاء الزوجة في بيت زوجها وأن تسعى إلى حل هذه المشكلة من هناك فيقول " إننا ابتداءً ننصح المرأة بالبقاء في بيت زوجها, ولا نطلب منها مغادرة البيت إلا في حالات نادرة جداً جداً, كأن تتعرض الزوجة لحالات إيذاء جسدي جسيم من قبل الزوج, أو في حالة وقوعه في المخدرات, أو في حالة الاعتداء الجنسي على الأبناء, ولا أكون مبالغاً إن قلت, أنني بخبرة 13 سنة في الاستشارات الأسرية, لم ألجأ إلى تطليق الرجل من المرأة إلى في 4 حالات فقط"
ولإيجاد نهاية للمشكلة يقول الدكتور الحمودي " نسعى في هذه الحالات إلى حث المرأة المعنفة على التفكير بعمق, واستخدام ميزان السلبيات والإيجابيات, وعدم التسرع بدافع العاطفة, وإنما إعمال العقل, فالعاطفة دائماً أسرع من العقل, لذلك درج تسمية العاطفة بالأرنب, أما العقل فيمثل السلحفاة, لأن العاطفة هي التي تتصرف بداية وبشكل سريع"
ويؤكد الحمودي أن من وسائل حل المشكلة حث المرأة على التفكير الإيجابي فمتى وضعت المرأة جانب الإيجابيات والسلبيات وبحثت عن حلول وعن الجوانب الجيدة في الحياة الزوجية فإنها حتماً سوف تحصل على نتائج جيدة وحلول للمشكلة فنحن نعرف بالتجربة والخبرة أن الإيجابيات سوف تغلب, لأن التفكير الإيجابي يولد تصرفاً إيجابياً وعلى عكس التفكير السلبي الذي ينتج ردة فعل سلبية وبذلك يتم إشراك الطرف صاحب المشكلة في وضع الحل واقتراح الحلول والتنقيب عن الجوانب الإيجابية في العلاقة الزوجية واستغلالها للخروج من المشكلة.
ويشترط لنجاح هذه المساعي تجاوب الطرف الآخر وأن تكون لديه الرغبة في إيجاد الحل, كما يؤكد على عدم وجود تدخلات خارجية من قبل الأهل أو وجود محرضين من الأصدقاء, كما يحذر من اللجوء إلى مستشارين ليسو ذوي خبرة حيث أن بعض المستشارين الأسريين المتطفلين على الاستشارات قد يزيدون المشكلة تعقيداً ويطالبون بالطلاق في وقت مبكر من المشكلة.
حكماً من أهله وحكماً من أهلها
ويوافقه الرأي المستشار عبد الحربي حيث يقول إننا ننصح المرأة بعدم ترك بيت زوجها, لأنها قد تتعرض لمسائلة قانونية فيما لو رفع الزوج دعوى قضائية ضدها, وحينها قد تعتبر ناشزاً, ما لم تقدم ما يثبته هذا العنف بتقرير طبي أو بأوجه الإثبات المعتبرة.
لكننا عوضاً عن ذلك نطلب منها الصبر والاحتساب, ومحاولة السعي بقدر الإمكان لتحاشي ما يصيبها من أذى الزوج بالبعد عن ما يثيره أو يغضبه,
وعن الأسلوب الأمثل للوصول إلى إنهاء الخلاف الزوجي, يقول المستشار الحربي, ليس أفضل مما ذكره الله عز وجل من إيجاد حكم من أهله وحكماً من أهلها, شريطة أن يعرف عن هذا الحكم, التجرد, ورزانة العقل, والرغبة في الصلح. لأن عدم مراعاة هذه الجوانب أدى إلى إشكالية أخرى لمسناها من واقع التجربة وهي أن أن الكثير من الناس في هذه الأيام يفضل اللجوء إلى أخصائي اجتماعي على أن يضع حكماً قريباً من الزوج والزوجة وذلك لعد الثقة في نية الأقارب في الإصلاح, والخوف من تناقل أسرار الحياة الزوجية بين بقية أفراد العائلة.
وفي حالة عدم جدوى هذه المحاولات, ينصح المستشار عبد الله الحربي, بالتوجه إلى دار الحماية الأسرية, والتي تتلقى بلاغات العنف الأسري وتتعامل معها بحكمة وسرية وفق ما تتطلبه طبيعة المشكلة.
البحث عن أصل المشكلة
رئيسة قسم النسائي بمركز التنمية الأسرية بالأحساء منيرة العبد الهادي تؤكد على أن أقصر الطرق إلى الحل هي إيجاد أصل المشكلة فتقول " لا بد أن ننظر إلى المشكلة من أساسها فقد يكون العنف بسبب طبيعة الزوج أو لقناعة ما لديه, أو لضيق ذات اليد, أو بسبب مرض نفسي أو إدمان " .
وتضيف " بعض حالات العنف تزداد في نهاية الشهر, فنعرف أنها بسبب ضغوط الحياة, وبعضها, لأسباب مصطنعة فنعرف أنها بتدخلات خارجية, وقد يكون الزوج بحاجة إلى علاج نفسي. وهكذا. وكثيراً ما تكون المشكلة من الزوجة نفسها كأن تكون سيئة التعامل أو الخلق, أو بسبب طلباتها المتزايدة, فكلما اقتربنا أكثر من سبب المشكلة استطعنا إيجاد الحلول المناسبة "
وعن الأسلوب الأمثل في العلاج تقول" نحن نسعى أولاً وآخراً إلى إيجاد بيئة آمنة للمرأة, ولكن المرأة بطبيعتها العاطفية قد تتسرع في طلب الطلاق, وهو الأمر الذي لا نلجأ إليه أبداً, فإذا أصرت المرأة على الطلاق, فحينها نطلب منها أن تضع خطة لحياتها بعد الطلاق واضعة بعين الاعتبار ما سيواجهها من مشاكل حضانة الأطفال ورعايتهم والالتزامات المادية فتعرف حينها أنها بالطلاق ستتخلى بالطلاق عن مشكلة لتواجه مشاكل عدة.
وأما فيما يخص الزوج تقول " إذا لم يحول إلينا الزوج للإصلاح عن طريق الإمارة, أو المحكمة, نطلب مقابلته بشكل ودي, وفي كلا الحالتين, نسعى إلى محاورته محاورة هادئة وذلك مع مراعاة طبيعته الخلقية وبيئته, ومستواه الثقافي, ونتلمس أقرب وأيسر الحلول, فإن كانت مادية وضعها له بعض البدائل, وإن كانت نفسية نوجهه إلى العلاج النفسي الأنسب, مع الأخذ بعين الاعتبار عدم مواجهته بكل ما تورده الزوجة من سلبيات, وافتراض المودة والرحمة بينهما, وبقليل من مهارة المستشار وتوفيق الله عز وجل تختفي المشكلة بعد ذلك تماماً"
وتختم " الكثير من المشكلات, تحتاج إلى جلسة واحدة مع الزوجة أو الزوج لكي تختفي تماماً وتعود الحياة إلى طبيعتها فكم من مشكلة أرقت الأسرة ودفعت المرأة لأن تندب حظها لسنوات, ثم يأتي الحل بمشورة أو نصيحة بعد توفيق الله عز وجل من أحد المختصين، فالمستشار الأسري لا يغير الظروف ولكن يساعد الطرف الآخر على التفكير بإيجابية, بعيداً عن غلبة العواطف, والشحن النفسي وكل المؤثرات المحيطة" .