حياة القلب
إيمان الخولي


هل تجد لذة في المعصية وراحة بعدها؟ هل تكره الحق ويضيق صدره؟ هل تحس بالوحشة بين الصالحين والأنس بالعصاة؟ هل أنت ممن يقبل ألشبهه وتأثره بها؟ وربما زاد القلب إظلاماً حتى يرى الحق باطلاً والباطل حقاً والحسن قبيحاً والقبيح حسناً.
هل أنت تخاف من الناس أن يمنعوا عنك رزقكك؟ هل قلبك لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ولا يتأثر بموعظة ولا عند سماع القران ولا في الصلاة إذا كنت من هؤلاء هل آنت ممن يقدِّم الأدنى على الأعلى فيهتم بتوافه الأمور على حساب شئون الأمة.
فأسأل الله أن يمن عليك بقلب، كما قال بن القيم في البداية تعرف على قلبك أي القلوب أنت؟؟
قلوب من القرآن:
وها هو القرآن يصف لنا أنواع القلوب المريضة
1- القلب الغليظ: وهو من نزعت منه الرأفة والرحمة (... وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ...) آل عمران
2- من أتبع الشبهات فهو من القلوب الزائغة كما قال -تعالى-: ( ... فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ...) آل عمران7
3- من يغفل عن أداء دوره ووظيفته في الحياة والهدف الذي خلق من أجله هو قلب غافل: إذ يقول الله - تعالى-: (... وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا...) سورة الكهف
4- القلب القاسي: وهو الذي لا يعرف الله ولا يذكره ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) سورة الزمر 22 هؤلاء قلوبهم منكرة للحق لأوامر الله؛ لأن بها كبر استكبرت أن تأتمر بأوامر الله وتنتهي عما نهى عنه، تعشش الدنيا بها والهوى والشيطان فانصرفت عن الله، فصرف الله قلوبهم عن معرفة الله وعن التقرب إليه.
5- أما القلب الذي أغلق على ما فيه من الباطل وأبى أن يعرف الحق فهو من القلوب المغلفة: (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ...)البقرة88
6- القلب المريض: وهو الذي أصابه مرض مثل الشك أو النفاق: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً...)البقرة 10 (... فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ... )التوبة125، وكما قال بن القيم: " القلب المريض: له حياة، ولكن به علة فله ماداتان تمده هذه مرة وهذه مرة، وهو لما غلب عليه منهما، ففيه محبة الله - تعالى- والإيمان به والإخلاص له، وما هو مادة حياته وفيه محبه الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها واحسد والكبر وحب العلو ما هو مادة هلاكة، فالشيطان منه بين إقبال وإدبار، وهو ممتحن بين داع يدعو إلى الله ورسوله والدار الآخرة، وداع يدعوه إلى العاجلة وهو يجيب أقربهما منه باباَ".
7- القلوب المختوم عليها، وهو القلب الذي ختم الله -سبحانه وتعالى- عليه، فلا يدخله الإيمان، ولا يخرج منه الكفر؛ إذ يقول الله - تعالى-: (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ) البقرة7
8- القلوب المطبوعة وهي القلوب التي كانت في شك من دينها، وتتبع أهوائها، فطبع عليها صور الأهواء والشهوات، فلا تخرج منها؛ إذ يقول الله - تعالى-: (... أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ) محمد16 (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ)الم افقون3
9- القلب الأعمى: إذ يقول الله -تعالى-: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الحج46
إنه عمى بصيرة، وليس بصر، عندما تكثر الذنوب والمعاصي، فتحجب نور البصيرة عن القلب.
10- القلوب المقفلة؛ إذ يقول الله - تعالى-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمد24 هذه الآية تجيب على من يتساءل: لماذا لا أتدبر القرآن؟؟؟ لعلنا نتدبر أحوال قلوبنا.
11- نكس القلب: يرى الباطل حقاً، والحق باطل، والمعروف منكراً والمنكر معروف، ويفسد ويرى أنه يصلح ويصد عن سبيل الله، وهو يرى أنه يدعو إليه، كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر، وكم من قلب ممسوخ وقلب مخسوف به وكم من مفتون بثناء الناس عليه ومستدرج بنعمة الله عليه؟
12-القلب الآثم: وهو الذي يكتم شهادة الحق (... يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)آل عمران167!!! (... وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ... )المائدة41!!!
13 - ران على القلب: هذا الران صنعته ذنوبنا ومعاصينا إذ يقول الله - تعالى-: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)الم ففين14
14-القلب المتكبر: وهو الذي يتكبر على الناس ويجادل في الحق ويحاربه: (قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُون َ) النحل22، كم من قلوب ترى الحق، ولكنها تستكبر عن الاعتراف به؛ لحقدها على الإسلام والمسلمين.
15- قلوب صرفها الله عنه: إذ يقول - تعالى-: ( ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ) التوبة 127
16- حجب القلب: إذ يقول الله - تعالى-: ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)، عن الله في الدنيا والحجاب الأكبر يوم القيامة، أترضى أن تكون من المحجوبون عن ربهم في الآخرة؟ لالالالا لا يا رب، ولا في الدنيا، ليس لنا سواك في الدنيا والآخرة....... فلا تحجب قلبك عن أن ترى بنور الله في الدنيا.... نور الله أوامره؟
ما هي مفسدات القلوب؟ ما هي الأشياء التي توصل المسلم لكي يكون قلبه مثل هؤلاء؟!
1. كثرة الأكل: في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: (( المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء)) ويقول ابن القيم: " لو تغذى القلب بالمحبة لذهب عنه بطنة الشهوة " والمفسد له من ذلك نوعان:
أحدهما: ما يفسده لعينه وذاته كالمحرمات. وهي نوعان: محرمات لحق الله: كالميتة والدم، ولحم الخنزير، ومحرمات لحق العباد: كالمسروق والمغصوب والمنهوب.
والثاني: ما يفسده بتعدي الحد، كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط، فإنه يثقله عن الطاعات، ويشغله بمزاولة مؤنة البطنة، والتأذي بثقلها، وقوى عليه مواد الشهوة، وطرق مجاري الشيطان ووسعها يقول أبو سليمان الداراني: " من شبع فقد حلاوة المناجاة وحرمان الشفقة على الخلق؛ لأنه إذا شبع ظن أن الخلق كلهم شباع وثقل العبادة وزيادة الشهوات " هذا ليس معناه أن نجوع انسفنا، ولا نأكل نهائي، ولكن كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (( بحسب بن ادم لقيمات يقمن صلبه....)) ولكن جوع قلبك عن المعاصي والذنوب وصيه عملية عند الأكل: " نية صالحة كل ما يعينك على الطاعة والقرب من الله وليس ما يبعدك عنه قلة الأكل ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه المواظبة على صيام ثلاث أيام في الشهر أو الاثنين والخميس من كل أسبوع كثرة النوم... يقول بن القيم عن كثرة النوم: "إنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل. ومنه المكروه جداً، ومنه الضار غير النافع للبدن.
وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه، وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه، وكثر ضرره، ولاسيما نوم العصر، والنوم أول النهار، يعين على قلة النوم: معرفة أهمية الوقت هم الخوف من النار فقد كان طاووس يفترش فراشه ثم يضطجع فيتقلب كما تتقلب الحبة على المقلى ثم يثب ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول طير ذكر جهنم نوم العابدين.
3. حب الدنيا والتعلق بها، القلب كلما زاد ارتباطه بالأرض ضعفت صلته بالسماء، ولذلك نبه رسول الله إلى ذلك في حديثه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)) متفق عليه من حديث عمرو بن عوف الأنصاري.
وسيأتي الحديث عن حب الدنيا بالتفصيل في فصول تالية.
4. التعلق بغير الله- تبارك وتعالى -: فليس أضر من ذلك عليه، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله - عز وجل- بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل، قال الله - تعالى-: ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) [مريم: 81-82]، وقال - تعالى-: ( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون) [يس: 74-75].
وقد جمع الله لنا كل ما يمكن أن نتعلق به من مغريات الحياة الدنيا في آية واحدة؛ إذ يقول الله - تعالى- في سورة التوبة: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) وعلينا إذا أردنا لقلوبنا السلامة من أمراض القلوب، إذا أردنا لقلوبنا الحياة أن نحطم هذه الأصنام بداخلنا، فلا يبقى فيها إلا الله، أعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله.
فلك أن تتخيل أن شخصاً تعلق بالأولاد، فتجده قبل أن يأتوا يظل في حالة انتظار، ويدعو كثيراً بذلك، ويظل حزين حتى ينجب فإذا أنجب يظل خائف على أولاده من أي مكروه يصيبهم، ويجمع من أجلهم المال، ويفني حياته من أجلهم، ثم يدخل القبر بمفردة أليس هذا نوعاً من العذاب؟ متى استمتع بحياته هذا الرجل، ومتى عمل فيها لله؟ صدق ابن القيم حين قال: " من أحب شيئاً غير الله عذب به وهو في النهاية معرض للزوال والفوات".
ومثل المتعلق بغير الله: كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت وإنه أوهن البيوت".
وقفة: قال ابن القيم: " أبى الله أن يجعل ذخائره في قلب فيه سواه وهمته متعلقة بغيره"
أتعرف ما هي ذخائره نور البصيرة الرضا والتوكل رؤية المنحة داخل المحنة الصبر اليقين هذه كلها هي ذخائر الله، فمن منا يأبى أن يكون هذه الكنوز في قلبه؟
اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إلى قلوبنا
5. كثرة الكلام: قال عمر -رضي الله عنه-: " من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه "
يا الله، إن الكلام حلقة في عقد إذا فقدت انفرط العقد، وفي الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقى لها بالا يهوى بها في النار سبعين خريفاً)) حسن صحيح أخرجه الترمذي
6. طول الأمل؛ إذ يقول الله تعالى: ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) الحجر3 طول الأمل مفسد للقلب؛ فإن من طال أمله سوَّف في التوبة، ورغب في الدنيا، وكسل عن الطاعة، وأسرع للمعصية؛ فيقسو قلبه لأن رقة القلب تذكر الموت والقبر والجنة والنار، وطويل الأمل لا يذكر هذه الأشياء.
هذه الأماني تجعل الإنسان يسوف في التوبة والرجوع إلى الله، فلا تسعفه اللحظات الأخيرة من حياته حتى يتوب، وبهذا يعيش الإنسان حياته متبع لهوى نفسه مضيع لقلبه ولحياته، ويقول أبى الدرداء: " أضحكني ثلاث: مؤمل دنيا والموت يطلبه وغافل ليس بمغفول عنه وضاحك ملء فيه وهو لا يدرى أأرضى الله أم سخط الله عليه" فتأمل نفسك هل أنت من هؤلاء؟ واعلم أن صاحب الهمة العلية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقربه إلى الله، ويدنيه من جواره.
فأماني هذا إيمان ونور وحكمة، وأماني أولئك خداع وغرور.
7. الفتن: لنتدبر هذه الآية الكريمة؛ إذ يقول الله - تعالى-: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب) آل عمران7، وهذة القوة للقلب، وهذا الرسوخ تأتي من شدة التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، وشدة اللجوء إليه، وفهم الدين الإسلامي، فهم صحيح أنه منهج حياة لا نبدله بمنهج آخر، وما يلقيه الشيطان في الأسماع من الألفاظ وفي القلوب من شبه وشكوك فتنة لهذين القلبين وقوة للقلب الحي السليم؛ لأنه يرد ذلك ويكرهه ويبغضه، ويعلم أن الحق في خلافه، وعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض)) ها نحن في هذه الأيام نعيش صور وألوان من الفتن أنضجتها ثقافات غربية؛ لتفسد بها علينا قلوبنا وتصرفنا عن الغاية التي من أجلها خلقنا، فنجد وسائل الإعلام، وما تتحدث عنه، وما تعرضه من مواضيع تجعلنا نقف أماماها ندعو بدعاء النبي الكريم، ونحاول أن نحمي أولادنا من هذه التيارات الغربية بما فيه تصوير علاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة المسلمين بغيرهم، ولنصل بهم إلى بر الأمان من محدثات الفتن بالتمسك بتعاليم الإسلام وها هي وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا في هذا الزمان أن نبادر بالأعمال الصالحة التي تفينا محدثات الفتن، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)) رواه مسلم
وهذا نجده عملياً من خلال أناس يبيعون دينهم بدنياهم عرفوا الحق وأنكروه واتبعوا الباطل؛ لأنه يوافق أهواءهم خسروا الدنيا والآخرة.
في النهاية، فلنحرص على قلوبنا، ونمدها بما فيه حياتها بالاستجابة إلى أوامر الله ورسوله والتقرب إليه بالصالحات.
أثر الذنوب والمعاصي: إن من علامات القلب المريض أنه لا تؤلمه معاصيه، يقول بعض السلف: إذا غلب الهوى أظلم القلب، وإذا أظلم القلب ضاق الصدر، وإذا ضاق الصدر ساء الخلق، وهذا من أثر الذنب والمعصية، وكما قال الشاعر:
رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذل أدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخير لنفسك عصيانها
فإن الحياة هي حياة قلب المسلم وما يتقرب به إلى الله، والموت الحقيقي هو موت قلبه، وليس الموت الجسدي
8. عدم الاهتمام بأمر المسلمين، وعدم الحزن لما يصبهم من سوء، أو الفرح لما يصيبهم من خير، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أصبح وهمه غير الله - عز وجل- فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم)) رواه الحاكم في "المستدرك"، وقد عرف الصحابة أهمية هذا الحديث وطبقوه في حياتهم، فها هو بن عباس يقول: إني لأفرح بالخير يصيب أرض من أراضي المسلمين، وأن ليس لي بها سائمة"، وها هو محمد بن واسع تدخل عليه أمه، فتجده يبكى، فتقول له: ما بك، أمات رجل في الصين؟ انظر كيف كانوا وهم يعيشون في سلام وأمان، فما بالك بما يحدث الآن في بلاد المسلمين من قتل وتشريد ألا يحرك لنا كل ذلك ساكناً؟
والآن نحن مع القلوب الحية وما علامة حياتها؟
أنواع القلوب الحية كما ذكرها القرآن فهي:
1- القلب السليم: هو القلب الناجي يوم القيامة قال - تعالى-: ( إلا من أتى الله بقلب سليم) الشعراء 89 سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض أمره فسلم من عبودية ما سواه وإيثار مرضاته في كل حال وخلصت عبوديته لله توكلاً وإنابة وخشية ورجاء.
2 - القلوب المطمئنة: إذ يقول الله - تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد28، وماذا يريده المسلم إلا أن يسير مطمئن القلب في هذه الحياة، فما أكثر المرضى النفسيين ومرضهم ليس له علاج إلا الاطمئنان بالله العليم الحكيم، وليس بغيره من البشر والرضا بفدائه في الحياة، فهو أعلم بالخير لنا من أنفسنا.
3. القلب المنيب: وهو دائم الرجوع والتوبة إلى الله؛ إذ يقول الله - تعالى-: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) ق33 (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ) هود75.
4.القلب الوجل: وهو الذي يخاف الله - عز وجل- (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ...) الحج35 (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ... ) الأنفال2 (... وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ... ) المؤمنون60 4. القلوب المقشعرة اللينة: (... تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ...) الزمر 5.
5. القلب التقي: وهو الذي يعظم شعائر الله إذ يقول الله - تعالى -: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج32، فهلا استجلبنا التقوى في قلوبنا من محافظة على صلاة أو صيام أو أي شعيرة من شعائر الله وعندها ننتظر الرزق بغير حساب كما دلنا القرآن على ذلك.
6. القلوب التي ربط الله عليها بأنهم ثبتوا على الحق وتمسكوا بدينهم؛ إذ يقول الله - تعالى-: (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ... ) الكهف14.
نسال الله أن يربط على قلوبنا بالإيمان، فنرى الهداية نعمة يحسدنا عليها الآخرين
7. القلوب المخبته: إذ يقول الله - تعالى-: (... فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)ال ج54
8. القلوب المؤلفة: هي قلوب تحب الخير للناس، قلوب على الفطرة وهم قوم يألفون ويؤلفون؛ إذ يقول الله - تعالى-: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)الأنفال6 3.
فلتسأل نفسك الآن أي القلوب أنت؟ قلب عرف طريقه إلى الله، قلب قد استنار فأنار ما حوله، قلب شعاره إن لم يكن بك على غضب فلا أبالي، أم قلب ضل الطريق، فهو منكوس مغلق مختوم عليه لا يفرح لطاعة ولا تؤلمه المعصية?
وقفة مع الصحابة:
من منا صاحب هذا القلب؟ عن عبد الله بن عمرو، قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: ((كل مخموم القلب صدوق اللسان، قيل: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد)) رواه ابن ماجة.
فلنقف مع أنفسنا لنتساءل كيف السبيل إلى أن نكون واحد من هذه القلوب؟؟ يدي في يدك نغسل قلوبنا? والآن آن حياة القلوب في: قال - تعالى-: ( أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون). الإنعام 122.
الذكر: قال - تعالى-: ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءايته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون) سورة الأنفال 2
ربطت الآيات بين حياة القلوب، وبين الذكر وتلاوة القرآن الكريم، فدليل الإيمان كثرة الذكر، وقلة الذكر دليل النفاق، فاختبر إيمانك، وكن مثل الحسن البصري، سئل الحسن البصري يوماً أمؤمن أنت؟ فقال الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته ورسله والحساب والبعث والجنة والنار، فأنا مؤمن به، وإن كنت تسألني عن قول الله- تبارك وتعالى-: ( إنما المؤمنون...) فوالله ما أدري، أنا منهم أم لا؟ فأين نحن من كتاب الله وأذكار الصباح والمساء وورد الاستغفار... ؟
انكسار القلب لله، يقول ابن القيم في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفه الله، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص....
أخوتي في الله، هل لنا إلا الله في هذه الدنيا نلجأ إليه ونستعين به أن يطهر قلوبنا مما سواه هو الوحيد الذي تفر منه إليه، فهلا فررنا إليه بالصلاة أو الذكر أو.... من طاعته سأل داود الله - سبحانه وتعالى - قال: " يا رب أين ألقاك قال تلقاني عند المنكسرة قلوبهم، فكم مرة خلوت بالرحمن ووضعت قلبك بين يديه تشكو إليه ضعفك وتقصيرك، وقلت حيلتك أين نحن من الخلوة بالليل بين يدي الله?
سرعة التأثر بالموعظة: قال - تعالى-: ( الله نزل أحسن الحديث كتاباً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله وما نزل من الحق) سورة الزمر 23، فهل بكيت يوماً من خشية الله؟ وكم تدبرت آيات القران بهذه الطريقة حتى اقشعر جلدك؟ ألم تسمع قول الله - تعالى-: ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق...)?
محاسبة النفس: يقول -جلا وعلا-: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله) 18سورة الحشر.
أكثر من الدعاء: اللهم أحيي قلبي يوم أن تموت القلوب، اللهم يا مقلب القلوب والإبصار ثبت قلبي على دينك، فإذا أردنا حياة القلب، فعلاً فلا نغفل عن الدعاء في كل صلاة وفي الأوقات الإجابة، فإن الله يحب الإلحاح في الدعاء، فإنه مخ العبادة، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الإكثار من ذكر الموت؛ إذ يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: ((أكثروا ذكر هادم اللذات يعني الموت))، وتذكر الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ولا يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعه إلا ضيقها عليه، ومن عظم ما يذكر بالموت زيارة القبور، ولذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بزيارتها فقال: ((كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة....)) رواه الحاكم في صحيح الجامع.
ومما يؤثر في النفس من مشاهد الموت رؤية المحتضرين، فإن في النظر إلى الميت ومشاهدة سكراته ونزعاته، وتأمل صورته بعد مماته ما يقطع عن النفوس لذاتها ويمنع الأجفان من النوم والأبدان من الراحة، ويبعث على العمل ويزيد في الاجتهاد، فلنعلم أخوتي في الله أن القلوب بين أصبعين من أصابع الله -عز وجل- يقلبها كيف يشاء، فإذا وجدت من قلبك، أقبل على الطاعة وعزوف عن المعصية، فأسأل الله أن يمن عليك بالثبات، كما كان يدعو رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (( فكل ذلك يحيى قلبك يوم أن تموت القلوب))، فلنجرب هذه الأدواء معاً، وإذا يوم وجدت لذة في العبادة أشد من لذة الطعام والشراب أو إذا دخلت في الصلاة ذهب همه وغمه في الدنيا، أو إذا فعلت الذنب فوجدت نفسك تضرب عليك حتى يتوب إلى الله وينيب، فأبشر فإنه قد شفى قلبك من أسقامه، رب قلبي بين يديك فاحفظه لي كما وهبتني إياه على فطرة الإسلام على الإيمان على التقوى، إملاءه بحبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني إلى حبك ثبتني على الحق واليقين، رب أخشى على قلبي من ظلمات الفتن والشهوات، فحل بيني وبين المعصية، وأنر قلبي بطاعتك.