ختان الاناث بين الحظر والاباحة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام هلى المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله وعلى آله وازواجه وصحبه اجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين اما بعد:
اتفق علماء المسلمين جميعا على ان الله تعالى حرم الاعتداء على النفس البشرية باي شكل من الاشكال دون مبرر شرعي ولذلك فرض الله تعالى في جميع الشرائع القصاص على من نال من هذه النفس التي كرمها الله وفضلها على كثير من خلقه قال تعالى (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص) المائدة اية 45
واجمع العلماء على ان الله تعالى شرع ختان الذكور بالصفة المعروفة على اختلاف بينهم بين الوجوب والاستحباب لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( الفطرة خمس اوخمس من الفطرة الختان والاستحداد وتقليم الاظفار ونتف الابط وقص الشارب) رواه الشيخان واصحاب السنن واخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري ومسلم: ان اول من امره الله بذلك كان ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فاختتن وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم.
واتفق العلماء ايضا على حرمة ازالة اي جزء من اجزاء العضو التناسلي للمرآة لا خارجيا ولا داخليا وان من فعل ذلك استحق العقوبات الشرعية اما القصاص و اما الدية بحسب طبيعة الجريمة.
وكما انهم لا يختلفون في منع استئصال الجلدة التي في اعلى العضو (البظر) وانما اختلفوا في استحباب او وجوب او اباحة اخذ يسير جدا من اعلاها وهذا هو مفهوم الختان الشرعي عند علماء المسلمين وليس ازالة اي شيء اخر والصحيح انه لم يثبت في استحباب فضلا عن وجوب ختان الاناث شيء لا في الكتاب ولا في السنة وذلك ان المتبادر من سنية الختان الذي ذكره النبي صلى الله غليه وسلم انما هو الختان الذي امر الله به ابراهيم عليه السلام واخذ عليه العهد ان تلتزم به ذريته من ابناء اسحاق وعند العرب من ابناء اسماعيل ونص التوراة الحالي (وقال الله لابراهيم : و اما انت فتحفظ عهدي انت ونسلك ومن بعدك في اجيالهم وهذا هو هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك يختن منكم كل ذكر) اصحاح 17 9 _ 10 سفر التكوين.
ولم يثبت ان العرب في جاهليتهم و لا بعد دخولهم في الاسلام كانوا يختنون البنات مع محافظتهم الشديدة على ختان الذكور اقتداء بآبائهم اسماعيل وابراهيم ولكن هذا لا يعني ان بعضهم لم يكن يمارس هذه العادة ، ربما تأثروا ببعض الشعوب المجاورة كالاحباش لكنه لم يكن شائعا والا لنُقل الينا لا سيما ان رواة التاريخ العربي حرصوا حتى على تدوين ادق التفاصيل في اخلاق العرب وعاداتهم الاجتماعية والدينية والاقتصادية والعسكرية ،وكما لم يرد ان ابراهيم عند ما شرع الله له الختان ختن نسائه وبناته ، لم يثبت ايضا ان نبينا صلى الله عليه وسلم امر بختان النساء لا من اهل بيته و لا من غيرهم من نساء المسلمين ولو كان هذا الامر مستحبا فضلا عن الوجوب لكان مطبقا في جزيرة العرب مهبط الوحي وما حولها من بلاد الاسلام كالشام والعراق وفارس واليمن ، والحقيقة ان هذا الامر لا يكاد يكون معروفا عند هذه الشعوب وانما ينتشر في جزء من القارة الافريقية ويمارسه هناك بعض المسلمين والنصارى وحتى الوثنيين مما يؤكد انها عادة فرعونية و افريقية و لا سيما ان الطريقة التي يمارسها هؤلاء بما فيهم بعض المسلمين لم يقل بجوازها احد من علماء المسلمين بل يحرمون من يفعل ذلك ويوجبون عليه العقوبة كازالة اجزاء خارجية وداخلية من العضو التناسلي بشكل وحشي وغير انساني ويدخل في تغيير خلق الله الذي هو احد اهداف ابليس في اضلال بني آدم وصاحبه مستحق للعنة الله قال تعالى عن تعهد ابليس باضلال بني آدم (ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليُبتكن ءاذان الأنعام ولامرنهم فليغيرُن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا) النساء الاية 119 .
واما الروايات التي يستدل بها البعض في استحباب ختان الاناث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي شديدة الضعف ولا تصلح للاحتجاج مع ان احداها لو صحت ففيها النهي عن استئصال البظر وهما روايتان أُوردهما واذكر بعض حكم علماء الحديث عليهما.
الرواية الاولى بلفظ (الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء) ومدار الرواية على حجاج بن ارطاة وهو متفق على ضعفه،
قال البيهقي رحمه الله: اسناده ضعيف( السنن الصغير).
قال ابن عبد البر رحمه الله : يدور على حجاج بن ارطأة وليس ممن يُحتج بما انفرد به (التمهيد).
وقال ابن القيم رحمه الله : اسناده ضعيف (تحفة المودود)
والرواية الثانية بلفظ ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لامراة كانت تختن بالمدينة ( لا تنهكي ) رواه ابو داود وقال هذا الحديث ضعيف وورد عند غيره بلفظ ( با ام عطية اخفضي و لا تنهكي) ولكنه ايضا لا يصح ولو صح لكان فيه تحريم استئصال البظر ، قال في النهاية: اي اقطعي بعض النواة و لا تستأصليها. قال صاحب عون المعبود : والامر كما قال ابو داود وحديث مخدوشة لا يصح الاحتجاج به كما عرفت. وقال ابن المنذر: ليس في الختان خبر يُرجع اليه ولا سنة.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: والذي اجمع عليه المسلمون ان الختان للرجال. انظر عون المعبود 14 /1226 حديث 526
لكن قد يقول قائل الم ينقل بعض العلماء كابن حزم الظاهري اتفاق مشروعية الختان للاناث. واقل الاحوال المشروعية الاباحة.
قلت: ينبغي حمل هذا على الاباحة -وليس على الوجوب او الاستحباب لعدم الدليل- على حالات خاصة من النساء ممن تعاني من زيادة حجم البظر عن المعتاد ولهذا قال ابو عبد الله محمد بن الحاج المالكي في المدخل : واختلف في حقهن هل يخفضن مطلقا او يفرق بين اهل المشرق و اهل المغرب فاهل المشرق يؤمرن به لوجود الفضلة عندهن من اصل الخلقة واهل المغرب لا يؤمرن لعدمها عندهن)
قلت: لا اعتقد ان وجود الفضلة عند بعض النساء له تعلق بالمشرق او المغرب وانما قد يكون لدى بعض النساء في اي مكان في العالم وقد لا يكون.
لكن في مثل هذه الحالة ينبغي ان يترك الامر للطب لتجديد افضلية الاخذ من عدمه وان يترك الامر للفتاة لاتخاذ القرار بعد بلوغها سن الرشد حتى لا يفعل بها امر غير واجب و لا مستحب شرعا بغير ارادتها والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه الشيخ فواز جنيد حفظه الله
مدير الدعوة والارشاد بمؤسسة شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله