انفرد العبيكان بالاستدلال بقول عائشة رضي الله عنها على جواز حل السِّحر بالسِّحر وعمدته في ذلك؛ إقرار النبي ﷺ عائشة على قولها: هلا تنشرت؟
قال: وعائشة رضي الله عنها قطعا لا تقصد الرُّقية الشرعية لأن النبي ﷺ فعلها عندما قرأ المعوذتين، ولا يمكن أن يقول عن الرُّقية الشرعية «أكره أن أثير على أحد من النَّاس شرا»، فدل على قصدها النشرة التي يفعلها السَّاحر([1]).
قلت: كلامه مبني على أخطاء ومغالطات:
فمن الأخطاء أن هذا ليس قولا لعائشة رضي الله عنها بل هو فهم فهمه ابن عيينة مخالفا الكثرة ممن رووا الحديث
ومن الأخطاء خلطه بين الأحاديث وعدم التصور الصحيح لها، فالحديث الذي فيه قراءة المعوذتين فيه أن النبي ﷺ شفي بذلك، وهو يزعم أن عائشة رضي الله عنها تعلم باستشفاء النبي ﷺ بالمعوذتين لكنها لا تعلم بأنه شفي!!
ومن أخطائه: استدلاله بالأحاديث الواهية في قراءة النبي ﷺ المعوذتين لحل السحر.
واستدلاله بعيدٌ جدًا، ويُرَدُّ عليه بمثل ما قيل في الاستدلال بهذه اللفظة على جواز النُّشرة
ويُضاف إلى ذلك:

- أنه على فرض صحة زيادة سفيان وأن المقصود بها النُّشرة، فإن ادعاء احتواء النُّشرة على قسم هو حل للسحر بالسِّحر يحتاج إلى دليل من لغة العرب وهو غير موجود.
قال الداودي في بيان قول عائشة رضي الله عنها: "تعني يغتسل بماء أو يعوِّذ نفسه"([2]).
وقال الحلبي: "والظاهر أن مرادها بالنُّشرة المعروفة عندهم وهي أغسال مخصوصة وليس المراد الرُّقية بالقرآن أو بغيره من الأذكار"([3]).
- أنه على فرض صحة زيادة سفيان ودلالتها على النُّشرة، وأن من النُّشرة الحل بالسِّحر، فإن حصر مراد عائشة في الحل بالسِّحر مردود لعدم وجود حاصر، وهو بعيد لمعارضته للنصوص المحذرة من السِّحر والسَّحرة.
قال العبيكان: "ومن المعلوم قطعا أنها لا تقصد النُّشرة بالرُّقية الشرعية لأنه ﷺ فعلها عندما قرأ المعوذتين، ولا يمكن أن يقول ﷺ عن الرُّقية الشرعية: «أكره أن أثير على أحد من النَّاس شراً»"([4]).
قلت: ومن المعلوم أيضا أنها لا تقصد حل السِّحر بالسِّحر لأن السِّحر حرام، ولأنه لا يوجد في الواقع في حل السِّحر شيئان اثنان فقط، الرُّقية وحل السِّحر بالسِّحر، قال قوام السنة: "وقوله تنشرت من النُّشرة أي: هلَّا حللت السِّحر الذي سحرت بعلاج أو مداواة؟"([5]).
وأما استدلاله بإثارة الشر على النَّاس، فليس الأمر كما ظن، والأقوال في بيان هذه العبارة كثيرة بسطتها في كتاب حادثة السِّحر (ص: 78-81)، فالصحيح أن السحر لم يستخرج، وأن النبي ﷺ شفي بغير الاستخراج، وأنه كره من استخراجه إذاية الناس، فأمر بدفن البئر.
وعلى فرض كون السؤال عن النشرة، وكراهة إثارة الشر على الناس متعلق بها، ففي الحديث ما يدل على كراهتها قال عبد الكريم الحميد: "فالمجِيزُ إتيانِ السَّحرة للنشرة يفتح على النَّاس شراً بنص قول الرسول ﷺ، وعائشة رضي الله عنها ليست مُشَرِّعَة ولَم تكن تعلم حرمة ذلك، فبين لها النبي ﷺ أن ذلك يفتح على النَّاس شراً"([6]).



([1]) الصارم المشهور (ص: 17-18).
([2]) نقله عنه ابن الملقن (27/534).
([3]) نقلا عن الشفا لملا القاري (2/327).
([4]) الصارم المشهور (ص: 18).
([5]) دلائل النبوة (ص: 170) ن شاملة، وقد أخطأ ممدوح القحطاني في نسبته لأبي نعيم (فتح العزيز الغفور ص: 28).
([6]) رسالة: القول المبين في تحريم حل السِّحر عند السحرة (ص: 11) وانظر: الإيضاح والبيان للجفن.

المصدر: كتاب"حقيقة النشرة وحكم حل السحر بالسحر" (ص: 108-111)