كان السَّلفُ رحمهم الله يهتمّون بهذه المجالس أعظمَ الاهتمام، ويعتنون بها غاية العناية،
كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يأخذ بيد النفر من أصحابه فيقول: "تعالوا نؤمن ساعةً، تعالوا فلنذكُر الله، ونزدادُ إيماناً بطاعته، لعلّه يذكرُنا بمغفرته".
وكان عُمير بن حبيب الخطميُّ رضي الله عنه يقول: "الإيمان يزيد وينقص، فقيل وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه وسبَّحناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا وضيَّعنا ونسينا فذلك نقصانه"، والآثار عنهم في هذا المعنى كثيرةٌ


1-مجالسَ الذِّكر هي رياضُ الجنّة في الدنيا
روى الإمام أحمدُ والترمذي وغيرُهما، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مررتم برياض الجنّة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنّة؟ قال: حِلَقُ الذِّكر "المسند (3/150) ، وسنن الترمذي (رقم:3510)
ورواه ابن أبي الدنيا والحاكم وغيرُهما، من حديث جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيُّها النَّاس ارتعوا في رياض الجنّة، قلنا: يا رسول الله وما رياض الجنّة؟ قال: مجالس الذِّكر"، ثمّ قال: "اغدوا وروحوا واذكروا، فمن كان يحبُّ أن يعلم منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلةُ الله تعالى عنده، فإنّ الله تعالى يُنزل العبدَ منه حيث أنزله من نفسه) المستدرك (1/494)


2- مجالس الذِّكر هي مجالسُ الملائكة
في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لله ملائكةً فُضُلاً، يطوفون في الطُّرق يلتمسون أهل الذِّكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى تنادوا: هلُمُّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفُّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدنيا، قال: فيسألُهم ربُّهم تعالى وهو أعلمُ بهم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يُسبِّحونك ويكبِّرونك ويحمدونك ويمجّدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: فيقولون: لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادة، وأشدَّ لك تحميداً وتمجيداً، وأكثرَ لك تسبيحاً، قال: فيقول: ما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنّة، قال: فيقول: هل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها، قال: فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدَّ عليها حِرصاً، وأشدَّ لها طلبًا، وأعظمَ فيها رغبةً، قال: فيقول: فممَّ يتعوّذون؟ قال: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدَّ منها فراراً، وأشدَّ لها مخافةً، قال: يقول: فأشهدُكم أنّي قد غفرتُ لهم. قال: فيقول ملكٌ من الملائكة: فيهم فلانٌ ليس منهم، إنَّما جاء لحاجة، قال: همُ الجلساءُ لا يشقى بهم جليسُهم
سنن الترمذي (رقم ، وسنن ابن ماجه (رقم:3793) ، ومستدرك الحاكم (1/495)


3- جليسهم وليس منهم مغفور له فلايشقى بهم أحد
يؤخد من الحديث السابق (يقول: فأشهدُكم أنّي قد غفرتُ لهم. قال: فيقول ملكٌ من الملائكة: فيهم فلانٌ ليس منهم، إنَّما جاء لحاجة، قال: همُ الجلساءُ لا يشقى بهم جليسُهم)


4- من شرَف مجالس الذِّكر وعلوِّ مكانها عند الله، أنَّ الله عز وجل يُباهي بالذَّاكرين ملائكته
روى مسلمٌ في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري قال: خرج معاويةُ على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكرُ اللهَ تعالى. قال: آللهِ ما أجلسكم إلاّ ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلاّ ذاك، قال: أما إنّي لم أستحْلِفْكم تُهمَةً لكم، وما كان أحدٌ بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلَّ عنه حديثًا منّي، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجلسكم؟ "، قالوا: جلسنا نذكرُ اللهَ تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا. قال: "آللهِ ما أجلسكم إلاّ ذاك؟ "، قالوا: والله ما أجلسنا إلاّ ذاك، قال: "أما إنّي لم أستحْلِفْكم تُهمَةً لكم، ولكنَّه أتاني جبريل فأخبرني أنَّ الله تبارك يُباهي بكم الملائكة
صحيح مسلم (رقم:2701)


5- مجالس الذِّكر سببٌ لنزول السّكينة، وغِشيان الرَّحمة، وحفوف الملائكة بالذَّاكرين
روى مسلم في صحيحه عن أبي مسلم الأغرّ، قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنّهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "لايقعد قومٌ في مجلس يذكرون اللهَ فيه إلاّ حفَّتهم الملائكة، وغَشِيتهمُ الرَّحمة، ونزلت عليهم السّكينة، وذكرهم اللهُ فيمن عنده
صحيح مسلم (رقم:2700)


6-مجالس الذِّكر سببٌ عظيم من أسباب حفظ اللِّسان، وصونه عن الغِيبة والنَّميمة، والكذب والفُحش والباطل،
فإنّ العبدَ لا بُدَّ له من أن يتكلّم، فإن لم يتكلّم بذكر الله تعالى وذكر أوامره وبالخير والفائدة، تكلّم ولا بُدَّ بهذه المحرّمات أو بعضها، فمن عوّد لسانه على ذكر الله، صان لسانَه عن الباطل واللّغو، ومن يَبَسَ لسانُه عن ذكر الله نطق بكلِّ باطل ولغوٍ وفحش


(كتاب فقه الأدعية والأذكار للشيخ عبدالرزاق العباد بتصرف يسير)