الداعية المربي..يصنع التغيير!
عبد الكريم عبد الله با عبد الله


إن دخول جميع الناس في كافة شرائع الإسلام؛ غاية إرسال الله للرسل (ادخلوا في السلم كافة).. ولما تفاوت الناس في تحقيق ذلك وقصر تدينهم، واجتالت الشيطان منهم مَن اجتالت كانت الدعوة إلى الله واجبة على القادر، وكان حمل الناس على الاستقامة وهدايتهم لأسبابها فريضة.. بل في وقت تداعي الأمم الكافرة على الإسلام وأهله عسكرياً وثقافياً لسلب بيضته وكسر هيبته يستنفر رجالات الإسلام ونساؤه للرباط على الثغور والمكوث في الصفوف الداخلية، والاحتراز لقيم الإسلام ومبادئه وغرس شرائعه والاعتزاز بها، وتنشئة جيل مؤمن بفكرته ويحترق لأجلها.
وجميع العاملين لهذا الدين على ثغر عظيم، ومع اشتداد المواجهة وتنوع الجبهات ترتبك الأولويات وتتغير مراتبها إلا مرتبةً لا قيمة لها ولا وزن، مما قد يصرف أصحاب الهمم الهابطة نحوها فلا شأن للمؤمن بها، فأي ضرورات الجيل أولى بالنهوض إليها اليوم؟ هل الإقدام والتصدي للعدو بالمال والسلاح أم الرباط في مجالس العلم والتعليم؟ أم تعاهد الجيل بالتربية والإعداد؟ أم النفير لإغاثة المسلمين بالطعام والدواء واللباس؟ أم الجهاد الإعلامي والخوض في أوحاله؟! كلها في حاجة لاستنفار طوابير المسلمين وتجييشهم لهذه الثغور، فلا معنى والحاجة هذه أن تسفل همّة المستطيع أو تنحطّ عزيمة القادر إلى غير ذلك.. وسنة الله في التاريخ أنها تنتصر بقلّة مؤمنة تعي رسالتها وتُؤْثِر آخرتها، وقيل في الدراسات 3 فقط من الناس هم من يصنعون التغيير في العالم.. فأين مواقعنا من هذا التغيير وعلى أي الثغور نقف؟! أمتنا لم تنتصر وشبابها على سفوح التلال الناعمة ينشدون نسمة الهواء العليل.. ولم تنتصر بمن ألهته رمال البراري الحمراء والصفراء، ولن تنتصر بمن يهدر ساعاته لالتقاط الصور التذكاريّة مع الخلاّن.. ولن تنتصر بجيل غرّب شكله وغيّبت هويته.. ولن تنتصر بجيل مشغوف بتصوير وجباته اليوميّة وأماكن ترويحه هنا وهناك، أو آخر عبث في وجهه إلى حد رسم اللحى و"التشقير" والتظليل.. ! شاعت ثقافة الصورة وعمّت بلواها في بعض الصالحين وغيرهم، فأصبحت أمّتنا صورة لا فعل لها! فضلاً عمّن أسرف في الذنوب -وكلّنا ذاك المذنب- ومن المعاصي والكبائر يعبّ منها، ولم يعبأ بعد بما يجب عليه تجاه قضايا أمّته وكأنّه معنيّ باستفراغ جهده للركض وراء الدنيا الزائلة وخلف المتع الماحلة! أما أدرك غاية خلقه وسبيل نجاته، ومكر عدوّه وطريق نُصرة أمّته.. ؟! أين نحن دعاة ومصلحين من الثغور المؤثّرة، وما مواقفنا من الأدوار الفاعلة في الأمة؟! لما أصبح الجيل اليوم عرضة لفتن الانفتاح ولفحاته وشهبه وشبهه، ولم تقتصر قنوات الكفر والفسق على جبهة واحدة وإنما تعددت جبهاتها من جميع الجهات، مستترة وأخرى سافرة، لذا لزم الرجوع إلى الثغور الداخلية والوقوف فيها. ومن أهم تلك الثغور الشاغرة " الدُور القرآنيّة والدعوّية والاجتماعيّة ومحاضنها التربويّة " المنتشرة -بفضل الله- في عرض البلاد وطولها، وهي صمّام أمان للشباب والفتيات من أخطار أخلاقيّة واجتماعيّة وأمنيّة، ولا يزال في المجتمع بعامّته -رغم محاولات تجفيف الخير فيه- من يلتمس لأبنائه محاضن آمنة ترعى الدين والخلق، وتزكّي النفس وتحيي الإيمان في القلوب وتبني المسلم الصالح وتقي من شرّ الفتن وسعار الشهوات. والأجدر بملء هذه الثغرة -الدُور الدعويّة والتربويّة- والقيام بحقّها أولئك الأكفاء ممّن عزفوا -وللأسف- عن هذه الثغرة رغم خطورتها، وأوكلوها إلى غيرهم ممّن هم أقلّ شأناً -ربّما- في تديّنهم واستقامتهم.. أولئك الذين تلقّوا شيئاً من العلم والتربية وأعدّتهم محاضن العلم الدعوة والتربية للبذل والعطاء.. ولكن جرى عليهم ما يجري على أهل الدنيا من الركون إليها والدخول في متاهاتها، وأنِسوا بأرخص الوسائل بذلاً للدين مع قدرتهم على بذل المزيد، أو انقطعوا يأساً عن بلوغ الغاية وانتفاش زبد المفسدين، أو انعزلوا مع إنجازات فرديّة قاصرة محدودة، أو أنفوا من العمل في منظومة مؤسَّسيَّة لاعتبارات مفادها ضعف تربيتهم الذاتيّة لأنفسهم، والتفات إلى أمور نفسيَّة وبُنيَّات الطريق.. مسوّغات لا تُقبل بحال ممن استحضر حجم الفريضة الدعوية والتربوية، وندرة رجالاتها المخلصين لها، ولا تُقبل ممن أبصر تماماً أجنحة المكر المتربِّصة بالإسلام من الداخل والخارج لينهض بأيّ دور يساند به جهةً اجتماعيّة خيريّة، تسهم في إحياء روح المجتمع المتآخي في الله، أو يساهم في مؤسّسة دعويّة تنشر العلم الشرعيّ وتحيي في الناس الدين، أو ينضمّ إلى قوافل تحفيظ القرآن لينظِّم أو يحفِّظ القرآن.. والعمل الدعويّ بامتداده وتنوّع مجالاته ووسائله يستوعب كافّة الطاقات إن وجدت من يحسن ذلك.. والأهم لتلك الدُور -إضافةً إلى ما ذُكر- أن تحظى بالمربّي الصادق الذي يعي مهمّته التربويّة وعمقها، ولا ينشغل بالأدوار المكمِّلة عن دوره، فهو يرعى النشء في مثل تلك الدور على الإيمان بالله وبرسوله على خطى الرعيل الأوّل من الصحابة والتابعين، ويعايشهم به، ويعزّز فيهم معانيه ويصقل شخصّياتهم ويرعى البناء ويراقبه ويصونه ويؤهِّله..فذاك الداعية المربّي المعدن النادر الذي نبحث عنه!