كانت أول فتنة بني إسرائيل في النساء، ثم فسد دينُهم، وقد حذَّرنا نبينا عليه الصلاة والسلام من فِعلهم قال: "إن الدنيا حلوةٌ خضرةٌ، وإن اللهَ مستخلفُكم فيها، فينظرُ كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساءَ، فإن أولَ فتنةِ بني إسرائيلَ كانت في النساءِ"[1].
وجاء ذكرُ بعضِ فتنة نساء بني إسرائيل في الحديث النبوي، فهاكِ أخت الإسلام بعض صور هذه الفتنة، وقارني في خفيةٍ نفسك هل تفعلينه؟ فإما أن تتوبي أو تحذريه:
من صور افتتان نساء بني إسرائيل:
♦ تزوير الطول والتعطر خارج البيت:
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كانت امرأة من بني إسرائيل قصيرة تمشي مع امرأتين طويلتين، فاتخذت رجلين من خشب، وخاتمًا من ذهب مغلق مطبق، ثم حشته مسكًا - وهو أطيب الطيب - فمرَّت بين المرأتين فلم يعرفوها، فقالت بيدها هكذا، ونفض شعبة يده) [2]، وفي رواية لأحمد: ( فكانت إذا مرَّت بالمجلس حركته، فنفح ريحه).
♦ تزوير الشعر:
عن سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية المدينة، فخطبنا وأخرج كبة من شعر، فقال: ما كنت أرى أن أحدًا يفعله إلا اليهود، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه، فسماه الزور[3].
وعند البخاري: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتَّخذ هذه نساؤهم).
♦ تزوير المستوى الاجتماعي والتنافس في المظاهر الدنيوية:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلِّفه من الثياب أو الصيغ ما تكلف امرأة الغني)[4].
وهذا يدل على انكباب النساء على الدنيا وشهواتها، ومطاوعة الرجل لها لافتتانه بها، بحيث تكلِّفه ما لا يطيق، فتشغله عن الدين بحمله على التهالك على الدنيا، وقد يطلب المال من حرام، فتفسد عليه دينه ودنياه.
♦ التزين لأماكن العبادة:
عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبدالرحمن أنها سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول:
لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهنَّ المسجد، كما منعت نساء بني إسرائيل، قال: فقلت لعمرة: أنساء بني إسرائيل منعن المسجد؟ قالت: نعم[5].
وهذا يدل على خُلوِّ القلب من الخوف من الله؛ بحيث تُبارز الله بمعصيته في بيت من بيوته، فتخرج للمسجد متطيبة متزينة بأجمل الملابس، فيعم البلاء بهنَّ الصالح والفاجر، فإذا كانت تخرج للعبادة هكذا، فكيف بخروجها لغيره، أوليس قد انتشرت هذه الفتن بين نساء المسلمين؟ فكيف العمل؟
واتقوا النساء:
لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "واتقوا النساء"، هل كان يعني الابتعاد عنهنَّ والهرب منهنَّ؟
التقوى هو أن تجعل بينك وبين الفتنة بهنَّ وقاية، ومن أفضل الوقاية العناية بهنَّ وتعليمهنَّ، والنصح لهنَّ؛ كي لا تسرع الفتنة إليهنَّ، فتهلك الرجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ)[6].
ما الذي حمل نساء بني إسرائيل على هذا الزَّيغ؟ أليس نقص العلم والدين؟ فإن هذه أفعال الجاهلين، فكانت بداية هلاكهم من تقصيرهم في إصلاح نسائهم، حتى كانت تمنع من قراءة الكتب المقدسة[7]، و(كانت ممنوعة من تعلُّم الشريعة، وكان يعدُّ تعليم المرأة الشريعة؛ كإلقاء اللؤلؤ إلى الخنزير...)[8]، وكان ينظر إليها كشيء محتقر لا يستحق عناء التعليم، بل يحذِّر منه، جاء في الموسوعة البريطانية في مقال سفر الأمثال أن في هذا السفْر: (نقطة مهمة، وهي أن النصائح بالتزام العفة موجهة إلى الرجال فقط؛ فالرجل ينظر إليه كضحية، والمرأة كَمُغْوِية).
ويضيف المصدر: (لم تُحذر النساء البتَّة من الرجال، أو من عموم إغواءات المجتمع)[9]؛ يعني لم يكن لها نصيب من التعليم والنصح والعناية بتعليمها والارتقاء بها، بل تركت لنظرة المجتمع المحتقرة لها، فكانت فتنة للرجال وفسادا للدين.
وهذا يدل على أهمية صلاح المرأة في حماية دين المجتمع.
بينما كان تعليم النساء من سُنته صلى الله عليه وسلم، وقد أفرد لذلك البخاري رحمه الله تراجمَ في صحيحه، وذكر سنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك منها في كتاب العلم:
باب: (الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله).
باب: (تعليم الرجل أمته وأهله).
باب: (عظة الإمام النساء وتعليمهن).
باب: (هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم).
وساق بعده: (باب من سمع شيئًا فراجع حتى يعرِفه)، وفيه حديث عائشة رضي الله عنها قال:
حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: أخبرنا نافع بن عمر، قال: حدثني ابن أبي مليكة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه، إلا راجعت فيه حتى تعرِفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حوسب عذًّب، قالت عائشة، فقلت: أو ليس يقول الله تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 8]، قالت: فقال: إنما ذلك العرض، ولكن مَن نوقِش الحساب يَهلِك، وهذا من حُسن ترتيبه رحمه الله، فإن تعليم النساء يأت بخير كثير على الأمة، كما هو فضل علم عائشة رضي الله عنها على بنيها، والله تعالى أعلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
-----------------------------
[1] رواه مسلم.
[2] رواه مسلم.
[3] رواه مسلم.
[4] رواه ابن خزيمة.
[5] صحيح مسلم.
[6] رواه البخاري.
[7] صدر قرار في عهد هنري الثامن (ملك إنجلترا) يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب العهد الجديد.
[8] (The Letters to Timothy, Titus, and Phileman.p.74. 2nd 2003. Westminster John Knox Press - Kentucky)؛ نقلًا عن مقال مكانة المرأة بين اليهودية والمسيحية والإسلام على موقع طريق الإسلام.
[9](The new Encyclopedia Britannica: "study of religio". Vol.22. p. 508. by Safra, S.Yannias, James E.Goulka. 15th. 1998. Chicago)، نقلًا عن المصدر السابق.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/137519/#ixzz67F6lHq6i