همسة في أذن موظف حكومة ((المدرس))
عمر بن محمد عمر عبدالرحمن


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد.....
أخي المدرس: يا من حملت أمانة شديدة يوم القيامة إما أن تكون شاهدة لك أو عليك فاتق الله في أداء عملك!!
أخي المدرس: يا من حملت وظيفة الرسل والأنبياء!! فإن التعليم مهمة الأنبياء والرسل، ففي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما ميسرا)). وعند الترمذي بسند صحيحٍ من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ((إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)). لذلك فإن التعليم من أشرف المهن وأعظم الأمانات فلا يتولاه إلا الأمناء الأكفاء.
إياك أن تفرق بين أبناء الناس؛ لأن بعضهم يأخذون دروساً خصوصية وآخرون لا يأخذون!! إياك أن تفرق بينهم في المعاملة أو في إعطاء الدرجات لأن ذلك يعتبر خيانة للأمانة التي حملتها والوظيفة التي ائتمنت عليها!! فلا يجوز لك أن تربط بين إعطاء الطلاب ما يستحقون من درجات وبين تلقيهم للدروس الخصوصية عندك، فإن فعلت ذلك فإنك ظالم، وأنا أحذرك أن تأتي ما حرم الله علي نفسه وعلى عباده لما جاء في الحديث القدسي الجليل الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: ((يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا)) أين أنت من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: ((اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ)). واحذر من دعوة مظلوم وقد يكون هذا المظلوم الطالب أو ولي الأمر الذي أثقلت وألهبت ظهره بالنفقات والأموال الكثيرة والباهظة في الدروس ولم تعطه حقه في الصباح في المدرسة لأنه سيأتيك في المساء في الدرس الخصوصي لما جاء في الصحيحين من حديث معاذ - رضي الله عنه - حينما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلي اليمن وفيه أنه قال له ((وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ)).
لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم ترجعُ عُقباهُ إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلومٌ منتبهٌ *** يدعو عليك وعين الله لمْ تنمِ
وتذكر دائماً حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)) فلقد ولاك الله على رعية فاجتهد على أن تعدل بينهم حتى تكون عند الله يوم القيامة على منابر من نور.
وحذارِ أيها المدرس أنْ تَكُونُوا مِنَ المُطَفِفِينْ فليس المطففين هم الذين يغشون في بيعهم أو تجارتهم لا لا هذا فهمٌ قاصرٌ بل هم علي أصناف عدة:
- زوج يريد من الزوجة أن تعطيه حقه كاملاً وهو يبخسها حقها.
ـ موظف يطلب الراتب كاملاً، لكنه لا يعطي الوظيفة حقها سواء في حضوره وانصرافه أو في تأدية عمله.
ـ مدرس أو معلم يريد من التلاميذ أن يحترموه، وهو لا يلين لهم، ولا يعطي الدرس حقَّه.
ـ رجل استأجر أجيراً، فاستوفى الحق منه تاماً لكنه لم يعطه الأجرة كاملة. كل هؤلاء مطففون؛ لأنهم يستوفون حقوقهم كاملة، ولا يعطون الحق الذي عليهم كاملاً، فماذا ينتظرهم يوم القيامة؟ انه الوعيد الشديد: (أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ). قال الله - تعالى -: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين َ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)). ألا تظن أنك عائد إلى الله في يوم لن ينفعك فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟؟ يوم ستقف فيه بين يدي الملك الجليل ليسألك عن القليل والكثير عن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره). ؟؟!! (ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون). ؟؟!! ماذا ستقول لربك وقتها؟؟!! (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين َ) ويل: كلمة ترد في القرآن الكريم كثيراً، فما معنى هذه الكلمة؟. قيل: إنها اسم واد يسيل منه صديد أهل النار تستغيث منه النار من شدة هوله، وعلى هذا فتكون اسماً لشيء محسوس، وقيل: إنها كلمة وعيد، فمعنى ويل: أي وعيد شديد لهؤلاء،، ومعناها على القول الراجح: أنها كلمة وعيد يتوعد الله- تبارك وتعالى -بها من أسندت إليه. وهم هؤلاء المطففون الأشقياء ولهم صفتان:
- الصفة الأولى: (إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) يعني: إذا طلبوا حقهم من الناس استوفوا، وليس فيه لوم على الإنسان أن يستوفي حقه، لكن اللوم أن يستوفي حقه كاملاً، ولكنه لا يعطي الحق الذي عليه كاملاً، ولهذا قال: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) أي: ينقصون، وهذه هي الصفة الثانية. فهل هذا عدل أم جور؟؟؟؟!!!
إن الإنسان الذي يطلب حقه كاملاً، ويعطي الحق الذي عليه ناقصاً إنسان جائر؛ لأن هذا خلاف العدل، والله - تعالى -لا يحب الجائرين، انه يحب المقسطين العادلين، قال أهل العلم: إن هذه الآية عامة في جميع الحقوق التي بين العباد، وإنما ذكر الله الكيل والوزن لأنه معروف. وهذه بعض الأمثلة التي تبين كيف أن هذه الآية هي عامة في جميع الحقوق:
- رجل استأجر أجيراً فاستوفى الحق منه تاماً، لكنه لم يعطه الأجرة كاملة، هل يكون مثل الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون؟ الجواب: نعم. ولا فرق.
- موظفً يطلب الراتب كاملاً، لكنه لا يعطي الوظيفة حقها، يتأخر في المجيء، أو يتقدم في الخروج، أو يتلهى عن الشغل بما لا مصلحة للشغل فيه، ولكنه يطلب الراتب كاملاً، هل يدخل في الآية؟ والجواب: نعم؛ لأنه يطلب حقه كاملاً، ولكنه لا يعطي الحق الذي عليه كاملاً.
- التطفيف الذي يحدث بين المعلم وطلابه: فعلى الطلاب أن يحسنوا معاملة المعلم، فيكونون أمامه بمنزلة المتلقي الذي يقبل ما يعطى له، كالعطشان أمام الساقي، يوقرونه ويحترمونه، هذا حق للمعلم على تلاميذه، كذلك العكس فالطلاب لهم حق على المعلم، فيجب عليه أن يسلك أقرب الطرق إلى إفهامهم، وأن يحضر الدرس قبل المجيء، وأن يعاملهم بلطف، فإذا كان المعلم يريد من التلاميذ أن يكونوا له على أعلى ما يكون من الآداب وهو لا يتأدب معهم أيدخل في الآية؟ والجواب: نعم يدخل في الآية. ثم تبين الآيات جزاء من يفعل ذلك، فيحذرهم الله - تعالى -ويقول لهم: (أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) الاستفهام هنا للتوبيخ، يوبخ هؤلاء، ويقول لهم: هل أنتم تؤمنون بأنكم ستبعثون يوم القيامة؟ نعم هم يقولون: سنبعث لهذا اليوم، لكنهم ينسونه عند حلول الشهوات، فهم في الحقوق ينسون أنهم يبعثون، وإلا لو أن الإنسان إذا حدثته نفسه أن يخل بواجب أو ينتهك محرماً تذَّكر يوم المعاد، فما أظن عاقلاً يؤمن بذلك إلا وكف نفسه عن المحرم، وألزمها بفعل الواجب، لكنها الغفلة والنسيان التي تستولي علينا حتى ننسى هذا اليوم العظيم.. (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) ما هذا اليوم؟؟ إنه يوم القيامة، الذي يفسره قول الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) وذلك من شدة الهول وعظمه (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ). يقومون من قبورهم لرب العالمين، يقومون سراعاً: (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً) وقال - عز وجل -: (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُم ْ هَوَاء).
أخي الحبيب: هل فكرت في يوم سيتولى حسابك فيه ملك الملوك - جل وعلا -؟!! هل فكرت في هذا المشهد؟! ستخرج من قبرك حافياً عارياً كما في صحيح البخاري ومسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُحشر الناس يوم القيامة حُفاةً عُراةً غُرْلا)).
حفاة: لا يلبسون نعالاً.، عراة: لا يلبسون ثياباً.، غرلاً: جمع أغرل وهو الطفل قبل الختان، تصور بهذه الهيئة ستحشر وتعرض على الله يعود الإنسان ما نقص منه شيء كما قال - عز وجل -: ((كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)). وفي وصف ذلك اليوم العظيم يقول المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - كما عند الإمام مسلم: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ((تدني الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما)) قال: وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى فيه، قال سليم بن عامر راوي الحديث عن المقداد
-: فو الله ما أدري ما يعني بالميل؟ أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين؟. فحذارِ أيها المدرس أنْ تَكُونُوا مِنَ المُطَفِفِينْ!!! فبالله عليك يا من ائتمنك الناس علي أولادهم وائتمنك الله قبلهم لا تخن الأمانة التي حملتها علي كاهلك وأدها علي حقها. بالله عليك أيها المعلم أيها المدرس:
- لا تخل في أداء الأمانة ولا تخل في التزامك بعهدك ولقد دعى الله - عز وجل - في كتابه الكريم إلى الالتزام والوفاء بالعهود والمواثيق والعقود التي يقطعها الإنسان على نفسه تجاه الغير، ولا بد من أن يقوم العامل بجميع الأعمال الموكلة إليه على الوجه الذي يرضي الله - تعالى -، مصداقا لقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ)، وعليك أيضاً أن تعامل الطلاب على أنهم أولادك أو إخوانك الصغار وعليك النصح لهم لما جاء في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة)). وكن رفيقاً مع الطلاب في أداء العمل لما جاء في صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)) لكن ليس معني كلامي أن تتساهل معهم في أداء الوظيفة بحجة الرفق معهم. وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبة ومن والآه