تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: نقض شبهة ( في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي نقض شبهة ( في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا)

    نقض شبهة ( في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا)
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
    أما بعد :

    فهذه شبهة يستدل بها القبوريون
    قال الطبراني في الكبير [ 13525 ]:
    حدثنا عبدا بن أحمد ثنا عيسى بن شاذان ثنا أبو همام الدلال ثنا إبراهيم بن طهان عن منصور عن مجاهد عن ابن عمر : قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا )

    إبراهيم بن طهمان وصفه ابن حبان أنه يغرب وضعفه بعضهم ، وهذا الحديث منكر بمرة إذ انفرد به إبراهيم عن منصور من دون بقية أصحابه ، وتجنبه عامة أصحاب الكتب فلم يخرجوه ، وهو يخالف عامة الأحاديث الصحيحة الناهية عن اتخاذ القبور مساجد التي جمعها الألباني في ( تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد )
    قال الدارقطني في أطراف الأفراد والغرائب :" ( 3158 ) حديث : «في مسجد الخيف قبر سبعين* نبيًا ». تفرد به أبو همام الدلال عن إبراهيم
    بن طَهْمان عن منصور عنه"

    فالدارقطني يستنكر هذا الخبر وحق له ، وقد وقفت على علة قادحة للخبر
    قال البيهقي في السنن الكبرى [ 3990 ]:
    أنبأ أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا عبد الوهاب أنبأ سعيد بن أبي عروبة : أنه سمع مجاهدا يقول صلى في هذا المسجد مسجد الخيف يعني مسجد منى سبعون نبيا لباسهم الصوف ونعالهم الخوص

    وهذا هو الأصح عن مجاهد بلفظ ( صلى ) وليس ( قبر سبعين نبيا) والخبر هنا مرسل بدون ذكر ابن عمر أو النبي صلى الله عليه وسلم
    وظاهر الخبر المنكر يفيد استحباب الصلاة في المسجد الخيف ، وهذا لم يقل به أحد من الأئمة والعجيب أن القبورية عامتهم من المقلدين وينشرون رسالة الكوثري ( اللامذهبية قنطرة اللادينية ) ، ثم هم يسيرون على طريقة الاجتهاد المطلق في هذه المسائل ويخالفون أئمتهم وينشرون رسالة الغماري في استحباب بناء المساجد على القبور والتي خالف فيها إجماع الأمة
    قال الألباني في تحذير الساجد ص46 :
    " 2 - مذهب الحنفية الكراهة التحريمية
    والكراهة بهذا المعنى الشرعي قد قال به هنا الحنفية فقال الإمام محمد تلميذ أبي حنيفة في كتابه " الآثار " ( ص 45 ) :
    لا نرى أن يزاد على ما خرج من القبر ونكره أن يجصص أو يطين أو يجعل عنده مسجدا
    والكراهة عن الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم كما هو معروف لديهم وقد صرح بالتحريم في هذه المسألة ابن الملك منهم كما يأتي
    3 - مذهب المالكية التحريم
    وقال القرطبي في تفسيره ( 10 / 38 ) بعد أن ذكر الحديث الخامس : " قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد "
    4 - مذهب الحنابلة التحريم
    ومذهب الحنابلة التحريم أيضا كما في " شرح المنتهى " ( 1 / 353 ) وغيره بل نص بعضهم على بطلان الصلاة في المساجد المبنية على القبور ووجوب هدهما فقال ابن القيم في " زاد المعاد " ( 3 / 22 ) في صدد بيان ما تضمنته غزوة تبوك من الفقه والفوائد وبعد أن ذكر قصة مسجد الضرار الذي نهى الله تبارك وتعالى نبيه أن يصلي فيه وكيف أنه صلى الله عليه وسلم هدمه وحرقه قال :
    ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها مسجد يصلى فيه ويذكر اسم الله فيه لما كان بناؤه ضررا وتفريقا بين المؤمنين ومأوى للمنافقين وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام ( 46 ) تعطيله إما بهدم أو تحريق وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع له وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أندادا من دون الله أحق بذلك وأوجب وكذلك محال المعاصي والفسوق كالحانات وبيوت الخمارين وأرباب المنكرات وقد حرق عمر بن الخطاب قرية بكاملها يباع فيها الخمر وحرق حانوت رويشد الثقفي ( 47 ) وسماه فويسقا وحرق قصر ( 48 ) سعد لما احتجب عن الرعية وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت تاركي حضور الجماعة والجمعة ( 49 ) وإنما منعه من فيها من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم كما أخبر هو عن ذلك ( 50 ) . ومنها أن الوقف لا يصح على غير بر ولا قربة كما لم يصح وقف هذا المسجد وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد نص على ذلك الإمام أحمد وغيره فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق فلو وضعا معا لم يجز ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجدا أو أوقد عليه سراجا ( 51 ) فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه وغربته بين الناس كما ترى "

    ولو صح الخبر لحملناه على خصوصية بمسجد الخيف ولم نقس قبور الأولياء على قبور الأنبياء ، غير أن هذا التخصيص مدفوع بورود الأخبار في النهي عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد
    هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    كتبه / عبدالله الخليفي

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: نقض شبهة ( في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا)

    إبطال الاستدلال بحديث "في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا" على جواز الصلاة في المساجد التي بها قبور


    د. ربيع أحمد




    إبطال الاستدلال بحديث "في مسجد الخيف قبرُ سبعين نبيًّا"

    على جواز الصلاة في المساجد التي بها قبور

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى أصحابه الغُر الميامين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:فقد استدل بعض العلماء على جواز الصلاة في المساجد التي بها قبور بما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "في مسجد الخيف قبر سبعين نبيًّا"، وقالوا: من المعلوم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد صلى في مسجد الخيف، وهو الذي أخبر أن في مسجد الخيف قبرَ سبعين نبيًّا؛ فدلَّت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المسجد مع ما فيه من قبور لسبعين نبيًّا على جواز الصلاة في المساجد التي بها قبور، وقالوا: أورد الحديثَ الهيثميُّ في "المجمع" (3 / 298) بلفظ: "قُبِرَ سبعون نبيًّا"، وقال: "رواه البزار، ورجاله ثقات". والسنَّة مستفيضةٌ بحرمة بناء المساجد على القبور، ومن ثم حرمة الصلاة في المساجد التي بُنِيت على القبور، والتي بها قبور؛ لأن المقصود من بناء المساجد الصلاةُ فيها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله اليهودَ؛ اتخذوا قبور أنبيَّائهم مساجد))
    [1]، والصلاةُ في مسجدٍ به قبر مِن اتخاذِ القبورِ مساجدَ. والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُبنَى على القبور، أو يُقعَد عليها، أو يصلى عليها [2]، والصلاة في مسجد به قبر تدخل في حُكم الصلاة على القبر، ومن يفعَلُ ما حذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم - فهو على خطرٍ عظيم؛ فقد قال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]. والحديث الذي استُدِلَّ به على جواز الصلاة في المساجد التي بها قبور قد ذكره الطبرانيُّ في معجمه الكبير، فقال: حدثنا عبدان بن أحمد، ثنا عيسى بن شاذان، ثنا أبو همامٍ الدلال، ثنا إبراهيم بن طهمان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في مسجد الخيف قبرُ سبعين نبيًّا"[3].
    وذكَره الفاكهي في أخبار مكة، فقال: حدثنا محمد بن صالحٍ، قال: ثنا أبو همامٍ الدلال، قال: ثنا إبراهيم بن طهمان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في مسجد الخيف قبر سبعين نبيًّا"
    [4].
    وذكره شهابُ الدين البوصيري في إتحاف الخِيرة، فقال: رواه أبو يعلى الموصلي، ثنا الإيادي أبو بكرٍ، ثنا أبو همامٍ الدلال، ثنا إبراهيم بن طهمان، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بمسجد الخيف قبرُ سبعين نبيًّا"
    [5].
    وذكره ابن حجر في المطالب العالية، فقال: قال أبو يعلى: حدثنا الرمادي أبو بكرٍ، ثنا أبو همامٍ الدلال، ثنا إبراهيم بن طهمان عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مسجد الخيف قبر سبعين نبيًّا"
    [6].
    وذكره نور الدين الهيثمي في كشف الأستار، فقال: حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي، ثنا محمد بن محببٍ أبو همامٍ، ثنا إبراهيم بن طهمان ، عن منصورٍ ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: "في مسجد الخيف قُبِرَ سبعون نبيًّا"
    [7].
    ومن هنا نجد أن مدار هذه الأحاديث على إبراهيم بن طهمان عن منصور، وقد تفرد بالحديث إبراهيم بن طهمان، وليس له متابع على الحديث الذي رواه؛ لذلك قال البزار رحمه الله: (تفرد به إبراهيمُ عن منصورٍ)
    [8]. وإبراهيم بن طهمان من رجال الصحيحين، وقد وثقه الكثير من العلماء، إلا أنه تفرد عن الثقات بأشياءَ معضلات[9]؛ فكان ممن يروي الغرائب، وقال الدارقطني: لا يحتجُّ به، وقال أيضًا: قال النيسابوري: قلت لمحمد بن يحيى (الذُّهْلي): إبراهيمُ بن طهمان، يُحتَجُّ بحديثه؟ قال: لا [10]؛ وعليه فلا يطمئن القلب لصحة ما تفرد به إبراهيم بن طهمان، وقال الألباني رحمه الله: (لا نسلِّمُ صحة الحديث المشار إليه؛ لأنه لم يروه أحد ممن عُنِيَ بتدوين الحديث الصحيح، ولا صحَّحه أحد ممن يوثَق بتصحيحه من الأئمة المتقدمين، ولا النقد الحديثي يساعد على تصحيحه؛ فإن في إسناده مَن يروي الغرائبَ؛ وذلك مما يجعل القلبَ لا يطمئن لصحة ما تفرد به)[11].
    وقول الهيثمي رحمه الله: (رواه البزار، ورجاله ثقات) فهذا قصور منه في التخريج
    [12]؛ إذ في إسناد الحديث إبراهيمُ بن طهمان، وهو ممن يروي الغرائب، وقال الألباني رحمه الله: (وإبراهيم بن طهمان قال فيه ابن عمار الموصلي: ضعيف الحديث، مضطرب الحديث)، وهذا على إطلاقه، وإن كان مردودًا على ابن عمار، فهو يدل على أن في حديث ابن طهمان شيئًا، ويؤيده قول ابن حبان في ثقات أتباع التابعين (2/1): (أمرُه مشتبِهٌ، له مدخل في الثقات، ومدخل في الضعفاء، وقد روى أحاديثَ مستقيمةً تشبِهُ أحاديث الأثبات، وقد تفرد عن الثقات بأشياءَ معضلاتٍ)[13].
    أما بخصوص قوله: "ورجاله ثقات" فقال الألباني رحمه الله: (مِثل هذه الكلمة لا تقتضي الصحة كما لا يخفى على مَن مارَس هذه الصناعة؛ لأن عدالةَ الرواة وثقتَهم شرطٌ واحد من شروط الصحة الكثيرة، بل إن العالم لا يلجأ إلى هذه الكلمة معرِضًا عن التصريح بالصحة إلا لأنه يعلم أن في السندِ مع ثقة رجاله علَّةً تمنع من القول بصحته، أو على الأقل لم يعلَمْ تحقُّقَ الشروط الأخرى فيه؛ فلذلك لم يصرِّحْ بصحته)
    [14].
    وبعد أن عرفنا أن حديث: "في مسجد الخيف قبر سبعين نبيًّا" لا يُطمَأَنُّ لصحته؛ بسبب تفرُّد إبراهيم بن طهمان - نؤيد ذلك بأن اللفظ المشهور في الحديث: أن مسجد الخيف صلى فيه سبعون نبيًّا، وليس: قُبِرَ فيه سبعون نبيًّا؛ فعن محمد بن فضيلٍ، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلَّى في مسجد الخيف سبعون نبيًّا، منهم موسى، كأني أنظر إليه وعليه عباءتان قطوانيتان، وهو محرمٌ على بعيرٍ من إبل شنوءة، مخطومٍ بخطام ليفٍ له ضفران))
    [15].
    وقد رُوِي نحوه عن ابن عباس موقوفًا؛ فعن محمد بن إسحاق، عن الحسن بن مسلمٍ، عن مِقسَمٍ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أنه قال: "لقد سلك فجَّ الرَّوحاء سبعون نبيًّا حجاجًا، عليهم ثياب الصوف، ولقد صلى في مسجد الخيف سبعون نبيًّا"
    [16]، وفيه محمد بن إسحاق مدلس، وقد عَنْعَنَ.
    ورُوِي نحوه عن أبي هريرة موقوفًا؛ فعن عبدالملك بن أبي سليمان، حدثني عطاء، عن أبي هريرة قال: "صلى في مسجد الخيف سبعون نبيًّا، وبين حِرَاء وثَبِير سبعون نبيًّا"
    [17].
    ويستأنس لِما ذكرنا أن مجاهدًا راويَ حديث ابن عمر المرفوع خالف مرويَّه عن ابن عمر وقال: صلى في هذا المسجد خمسةٌ وسبعون نبيًّا؛ فعن عثمان بن ساجٍ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: أنه قال: "حجَّ خمسةٌ وسبعون نبيًّا، كلهم قد طاف بالبيت وصلى في مسجد منًى، فإن استطعتَ ألا تفوتَك الصلاة في مسجد منًى، فافعَل"
    [18].
    ومن هنا ندرك أن حديث "في مسجد الخيف قبر سبعين نبيًّا" لا نجد له متابعًا ولا شاهدًا، بل نجده مخالفًا لحديث: ((صلى في مسجد الخيف سبعون نبيًّا))، وهذا الحديثُ الأخير رُوِيَ عن ابن عباس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في طريق، وموقوفًا على ابن عباس في طريق، وموقوفًا على أبي هريرة في طريق، ورواه ثلاثة عن مجاهد، وهم سعيد بن أبي عَرُوبة، ويزيد بن أبي زيادٍ، وخصيف بن عبدالرحمن.
    وبعد أن عرفنا عدمَ صحةِ حديث: "في مسجد الخيف قبر سبعين نبيًّا"، وأن اللفظ المشهور في الحديث: أن مسجد الخيف صلى فيه سبعون نبيًّا، وليس قُبِرَ فيه سبعون نبيًّا - نبيِّن أن في الحديث نكارةً في المتن؛ إذ لو كان هذا الحديث صحيحًا، لحرُم وَطْءُ قبورهم، والجلوس عليها، والصلاة فيها وإليها، ولوجب على النبي صلى الله عليه وسلم بيانُ ذلك لأمَّته، فلما لم يكن ذلك، ظهَر بطلانه، وخُلُوُّ المسجد من القبور
    [19]، فكيف يصحُّ أن يُقبَرَ في مسجد الخيف سبعون نبيًّا ولا يحرُم وَطْءُ قبورهم والجلوس عليها؟! ومَن قاموا ببناء مسجد الخيف لم يثبت عنهم أنهم وجدوا أثرًا لقبور السبعين نبيًّا، رغم أنهم حفروا حُفَرًا عميقة في الأرض، وعليه؛ فحديث ابن طهمان يطمئنُّ القلبُ لشُذوذِه ونكارته. وعلى التسليم الجدلي بصحة حديث إبراهيم بن طهمان، فليس في الحديث أن قبور السبعين نبيًّا ظاهرةٌ بارزة، ولا يوجد أثر لهذه القبور؛ فهي قد خَفِيَتْ واندرسَتْ في الأرض، ولم يقصِدِ الناسُ الذهاب لمسجد الخيف للتبرك والدعاء عندها وبها، ولولا هذا الخبر الضعيف لَمَا عرَف أحدٌ أن في مسجد الخيف قبرَ سبعين نبيًّا. ومن المعلومِ أن الأحكام تبنى على الظاهر، وعليه؛ فلا يقاس على وجود هذه القبور في مسجد الخيف وجود القبور في المساجد التي بها أضرحة، ولا يقاس على مشروعية الصلاة في مسجد الخيف مشروعية الصلاة في المساجد التي بها قبور وبها أضرحة؛ فالمساجد التي بها قبور والتي بها أضرحة القبورُ فيها تكون ظاهرة بارزة، يعرف الناس مكانها، وليست خفيَّةً، وليست مندرِسَةً، ويقصِد الناسُ الذهابَ لهذه المساجد للتبرك والدعاء عندها بسبب وجود المقبور فيها. ومن هنا نستنتج أن مَن يستدل بحديث: "في مسجد الخيف قبر سبعين نبيًّا" على جواز الصلاة في المساجد التي بها قبور - فقد جانَبَ الصوابَ؛ إذ استدلَّ بدليل غير صحيح ولا صريح؛ إذ على فرض صحة الحديث فليس لهذه القبور أثر يذكر، والعبرة في الأحكام بالظاهر، والأرض كلها مقبرة الأحياء. وعلى التسليم بجواز الصلاة في المساجد التي بها قبور، فهذه المساجد تترك الصلاة فيها مِن باب عدم الإقرار على الباطل؛ إذ بالكثير من هذه المساجد شركيات وأفعال جاهلية، ومن باب سد الذريعة تُغلَق هذه المساجد؛ لأنها ذريعة إلى الشرك، وكيف نتقرَّب إلى الله في مكان يُشرَكُ بالله فيه؟! والواقع يشهد بذلك. وأختِم بحديثٍ عن أبي مرثد الغنوي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجلسوا على القبورِ، ولا تُصلُّوا إليها))[20]، والشاهد أن مجرد الصلاة إلى القبر لا تجوز، فكيف بالصلاة عندها؟ وكيف ببناء مسجد عندها والصلاة فيه؟!
    هذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

    [1] رواه البخاري في صحيحه، حديث رقم 4441، ورواه مسلم في صحيحه، حديث رقم 529.
    [2] رواه أبو يعلى في مسنده رقم 1020، وإسناده صحيح.
    [3] المعجم الكبير للطبراني 12/ 414، رقم 13525.
    [4] أخبار مكة للفاكهي رقم 2543.
    [5] إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري رقم 1108.
    [6] المطالب العالية لابن حجر رقم 1332.
    [7] كشف الأستار عن زوائد البزار لنور الدين الهيثمي رقم 1097.
    [8] كشف الأستار عن زوائد البزار لنور الدين الهيثمي رقم 1097.
    [9] الثقات لابن حبان 6/ 27 رقم 6579.
    [10] من تكلَّم فيه الدَّارقطني في كتاب السنن من الضعفاء والمتروكين والمجهولين لابن زريق ص 27 رقم 19.
    [11] تحذير الساجد للألباني ص 68.
    [12] تحذير الساجد للألباني ص 68.
    [13] تحذير الساجد للألباني ص 68.
    [14] تحذير الساجد للألباني ص 68.
    [15] رواه الطبراني في المعجم الكبير رقم 12283، والمخلصيات لأبي الطاهر المخلص رقم 1286، والأحاديث المختارة لضياء الدين المقدسي رقم 310، ومجمع الزوائد للهيثمي رقم 5351، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: إسناده حسن، حديث رقم 1736، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره، 2/ 8، رقم 1127.
    [16] المستدرك على الصحيحين للحاكم رقم 4169، والبيهقي في السنن الكبرى رقم 9837، وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
    [17]إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري رقم 964، المطالب العالية لابن حجر رقم 1331.
    [18] أخبار مكة للأزرقي 1/ 69، وأخبار مكة للفاكهي 4/ 240.
    [19] مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد وعند القبور؛ لعبدالعزيز بن فيصل الراجحي ص 136.
    [20] رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 972، وأبو داود في سننه رقم 3229، والترمذي في سننه رقم 1050.






  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: نقض شبهة ( في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا)

    منقول من الأخ /أحمد بن سالم المصري حمد بن سالم المصري

    [ هذا حديث شاذ لا يصح مرفوعاً ، والصواب أنه من قول مجاهد بلفظ أنه صلى فيه سبعون نبياً وليس بلفظ قبر فيه سبعون نبياً ] :



    فقد اختُلِفَ فيه على مجاهد بن جبر .

    فرواه إبراهيم بن طهمان ، عن منصور ، عن (( مجاهد )) ، عن ابن عمر ، مرفوعاً باللفظ المذكور .

    ورواه سعيد بن أبي عروبة ، وخصيف بن عبد الرحمن ، و يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد من قوله بألفاظ مختلفة معناها أنه (( صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً )) .

    وهذا أشبه بالصواب .

    ومما يؤيد ذلك أنه روي هذا أيضاً عن ابن عباس ، وعن أبي هريرة أنه (( صلى فيه سبعون نبياً )) .

    ــــــــــــــ

    وعلى فرض صحة الحديث أقول :

    قال الإمام العلامة محمد ناصر الدين الألباني في "تحذير الساجد" (ص74):
    [ أن الحديث المذكور ليس فيه أنَّ القبور ظاهرة في مسجد الخيف ، وقد عقد الأزرقي في "تاريخ مكة (406-410) عدة فصول في وصف مسجد الخيف ، فلم يذكر أن فيه قبوراً بارزة ، ومن المعلوم أنَّ الشريعة إنما تبني أحكامها على الظاهر ، فإذ ليس في المسجد قبور ظاهرة ، فلا محظور للصلاة فيها البتة ، لأن القبور مندرسة ولا يعرفها أحد ، بل لولا هذا الخبر الذي عرفت ضعفه لم يخطر ببال أحد أن في أرضه سبعين قبراً ولذلك لا يقع فيه تلك المفاسد التي تقع عادة في المساجد المبنية على القبور الظاهرة والمشرفة ] . انتهى .

    وَعَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ - فِيهَا تَصَاوِيرُ - لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :

    (( إِنَّ أُولَئِكِ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكِ الصُّوَرَ أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) . أخرجه مسلم (528) .

    ولعل أحد الإخوة ينشط لجمع طرق الحديث من طريق مجاهد ، وما ذكرته لكم موجود عند البيهقي في "السنن الكبرى" ، وعند الفاكهي والأزرقي .
    ويوجد أيضاً طريق آخر عن الأعمش عن مجاهد ، ولكني لا أتذكره الآن .

    ومعذرة على التقصير .

    ونسألكم الدعاء بظهر الغيب .

    https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=76442

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: نقض شبهة ( في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا)

    مسجد الخيف ومحاولات التشغيب لدى القبوريّين

    A

    جاءت أحاديث كثيرة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم تنهى عن الصلاة إلى جهة القبر، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تصلُّوا إلى القبور»([1])، بل شدّد صلى الله عليه وسلم في ذلك تشديدًا عظيمًا؛ حتى وصف من يفعل ذلك بأنهم شرار الخلق، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعضُ نسائه كنيسةً بأرض الحبشة يقال لها: مارية -وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة-، فذكرن من حسنها وتصاويرها، قالت: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: «أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا، ثم صوَّروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة»([2]). ويشتدُّ النهي أيضًا ويكون صاحبه مستحقًّا للعن إذا كان ذلك القبر قبر نبيٍّ من أنبياء الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد»([3])، وقالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، لولا ذلك أبرز قبره، غيرَ أنه خشي أن يُتَّخذ مسجدًا([4]).
    واتخاذ القبر مسجدًا يشمل: الصلاة عليه، أو إليه، أو بناء المسجد عليه وقصد الصلاة فيه(
    [5]).
    ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلّى على قبر، إلا إذا كانت هناك جنازة، فقد ورد عنه أنه صلى صلاة الميت؛ كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب، فصلَّى عليه، وصفُّوا خلفه، وكبَّر أربعًا)(
    [6])، وورد في الباب حديثان آخران عن أبي هريرة([7]) وأنس بن مالك([8]) رضي الله عنهما.
    وما عدا هذا فيبقى الحكم على التحريم، ومن المعلوم في الشريعة أنه لا تناقض بين تشريعاتها وأحكامها؛ لأنها تنزيل من لدن حكيم عليم، فلا يمكن أن يجتمع حكم وضده في آن واحد، وفي صورة واحدة.
    وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في مسجد الخيف، وورد كذلك أنه صلى في الخيف سبعون نبيًّا، وهذا كله لا إشكال فيه، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يحجّون هذا البيت، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد مرَّ بالروحاء سبعون نبيًّا، فيهم نبي الله موسى عليه السلام، حفاة عليهم العباء، يؤمُّون بيت الله العتيق»(
    [9]). وقال محمد بن إسحاق: حدثني من لا أتَّهم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال: (لقد سلك فجَّ الروحاء سبعون نبيًّا حُجّاجًا)([10]).
    ففي أثناء الحج والوقوف بعرفات ثم المبيت بمزدلفة ومنى يصادف المؤدِّي لهذا المنسك صلوات يؤدِّيها في تلك البقاع المقدسة، وهذا ما حصل منهم صلوات الله وسلامه عليهم.
    إلا أن هناك شبهةً أوردها بعض القبوريِّين؛ ظنًّا منهم أنها دليل وحجَّة على صحّة الصلاة في المساجد التي بها قبور الأولياء كما يزعمون، محصّلتها: أنه جاء في روايات أخرى: أن مسجد الخيف فيه قبر سبعين نبيًّا!
    فكيف نفهم النهي عن الصلاة في مساجد القبور، مع اشتداد النكير بوصف فاعله بشر الناس، وبلعنه وطرده من رحمة الله، ثم تحصل الصلاة منه صلى الله عليه وسلم في قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إلا أن يكون ذلك الفعل جائزًا؟!
    الجواب على هذه الشبهة من وجوه:
    أولًا: أحاديث النهي عن الصلاة على القبور وإليها محكمة صحيحة لا ريب فيها، وكذا النهي عن تعظيم القبور، ولعن اليهود والنصارى الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد(
    [11])، فهي في أعلى مراتب الصحة، أخرجها إماما هذه الصنعة البخاري ومسلم. فكلُّ ذلك محكمٌ بيِّنٌ واضحٌ جليٌّ، قامت عليه أدلة كثيرة متضافرة. فلا يصحُّ شرعًا ولا عقلًا ترك هذا المحكم لروايةٍ يتيمةٍ لا تكاد تبين.
    ثانيًا: نهى النبي عن الجلوس على القبور، والمشي عليها بالنعال، فكيف يصح للمسلمين أن يصلوا ويجلسوا ويعتكفوا وينتعلوا في مسجد الخيف؟! خاصة وتحتهم أجساد طاهرة كما يزعمون!
    ثالثًا: ما يتعلق برواية حديث قبور الأنبياء في مسجد الخيف:
    استدل بعض القبوريين على جواز الصلاة في المقابر بحديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في مسجد الخيف قبر سبعين نبيًّا».
    وهذا الحديث رواه البزار(
    [12]) وأبو يعلى([13]) والطبراني([14])، كلهم من طريق إبراهيم بن طهمان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عمر به.
    وفيه ثلاث علل:
    1- تفرد إبراهيم بن طهمان، وهو ثقة يغرب، قال الخطيب البغدادي: “هو من ثقات الأئمة، وقد تفرد عن الثقات بأشياء معضلة، وروى له الجماعة”(
    [15]).
    ورُدّت هذه العلة بأنها لا تضرّ، وأن إبراهيم بن طهمان وثقه ابن المبارك وابن راهويه وابن معين والعجلي والجمهور(
    [16]).
    2- مخالفته لحديث ابن عباس مرفوعًا: «صلى في مسجد الخيف سبعون نبيًّا»(
    [17]).
    ورُدَّ هذا بأن الحديث طرقه ضعيفة، وأن الراجح فيه الوقف.
    3- احتمال الوهم والتحريف في لفظ (صلى) إلى (قبر).
    فاحتمال التحريف وارد، وسببه راجع إلى الوهم، وخاصة أن لفظ حديث أبي هريرة الموقوف: (صلى في مسجد الخيف سبعون نبيًّا، وبين حراء وثبير سبعون نبيًّا)(
    [18]). فقد تضمن الحديث أمرين:
    1- صلاة سبعين نبيًّا في مسجد الخيف.
    2- دفن سبعين نبيًّا بين حراء وثبير.
    ويظهر أنه متنٌ واحد اختصر في رواية ابن عمر، فذكر القسم الأول منه، وهو الصلاة في مسجد الخيف، فاشتبه على الراوي، فعبر عن (صلى) بـ (قبر)، والله أعلم(
    [19]).
    خلاصة القول: أن الحديث الوارد فيه ضعيف، وقد ورد ما يخالفه، ويوافق التشريع العام في النهي عن اتخاذ القبور مساجد.
    وضعف الحديث كافٍ في الردّ على من استثنى قبور الأنبياء، وقال بجواز الصلاة فيها؛ لأنهم أحياء في قبورهم، فضعف الحديث معناه: عدم الثبوت أصلًا.
    وفيما يلي نسوق أحكام بعض المحدثين على هذا الحديث:
    أشار البزّار إلى علّته فقال: “لا نعلمه عن ابن عمر بأحسن من هذا الإسناد، تفرد به إبراهيم عن منصور”(
    [20]).
    وأما الهيثمي فاقتصر على توثيق رواته فقال: “رواه البزار، ورجاله ثقات”(
    [21]).
    بينما صحَّح ابن حجر إسناده فقال: “هو إسناد صحيح”(
    [22]). وتصحيح الإسناد لا يقتضي بالضرورة صحَّة الحديث.
    وقال الألباني: “وجملة القول أن الحديث ضعيف، لا يطمئن القلب لصحته”(
    [23]).
    وقفة لا بد منها:
    ومن المفارقات العجيبة بين مذهب السلف وغيرهم أن أحاديث النهي عن الصلاة في القبور صحيحة صريحة في أعلى درجات الصحة، بينما أحاديث قبور الأنبياء في مسجد الخيف لم يخرجها أصحاب الصحاح، ولم يصححها أحد من الأئمة المتقدمين.
    رابعًا: على فرض ثبوت الحديث لا يعرف بالتحديد أين هذه القبور، وأين موضعها، وفي أثناء إعادة بناء مسجد الخيف لم يتبين لنا أثر لهذه الأجساد، وكما صحّ أن أجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض، فأين هي؟ وما حكم الصلاة على القبور التي خفيت واندرست في الأرض ولم تكن بارزة؟
    هذه المسألة من المسائل المؤثرة في الحكم، ولا ينبغي تجاهلها؛ لذا “قال العلماء: يحرم بناء المساجد على القبور، ويجب هدم كل مسجد بني على قبر، وإن كان الميت قد قبر في مسجد وقد طال مكثه سوّى القبر حتى لا تظهر صورته، فإن الشرك إنما يحصل إذا ظهرت صورته”(
    [24]).
    وبهذا يتبين لنا الفرق الشاسع بين الصورتين، وأن ما يحصل في مسجد الخيف لو ثبت فيمكن حمله على هذا.
    ويمكننا القول بالتحديد أنه لا يكاد يعرف قبر لنبي من الأنبياء سوى القبر المتفق عليه وهو قبر نبينا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وأما قبر الخليل ففيه نزاع، لكن الصحيح الذي عليه الجمهور أنه قبره. وأما يونس وإلياس وشعيب وزكريا فلا يعرف قبورهم، وقبر معاوية هو القبر الذي تقول العامة إنه قبر هود. والله أعلم(
    [25]).
    قال الألباني: “وقد عقد الأزرقي في تاريخ مكة (406-410) عدة فصول في وصف مسجد الخيف، فلم يذكر أن فيه قبورًا بارزة، ومن المعلوم أن الشريعة إنما تبنى أحكامها على الظاهر، فإذا ليس في المسجد المذكور قبور ظاهرة فلا محظور في الصلاة فيه البتة؛ لأن القبور مندرسة ولا يعرفها أحد، بل لولا هذا الخبر الذي عرفتَ ضعفه لم يخطر في بال أحد أن في أرضه سبعين قبرًا؛ ولذلك لا يقع فيه تلك المفسدة التي تقع عادة في المساجد المبنية على القبور الظاهرة والمشرفة”(
    [26]).
    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    ـــــــــــــــ ــــــــــــ
    المراجع
    ([1]) أخرجه مسلم (972).
    ([2]) أخرجه البخاري (427)، ومسلم (528).
    ([3]) أخرجه مسلم (530).
    ([4]) أخرجه البخاري (1390)، ومسلم (529).
    ([5]) انظر: الأم (246)، الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 121)، مرقاة المفاتيح (1/ 45).
    ([6]) أخرجه البخاري (1319)، ومسلم (954) واللفظ له.
    ([7]) أخرجه البخاري (460)، ومسلم (956).
    ([8]) أخرجه مسلم (950).
    ([9]) قال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 118): “رواه أبو يعلى والطبرانيّ، ولا بأس بإسناده في المتابعات، ورواه أبو يعلى أيضا من حديث أنس بن مالك”.
    ([10]) أخبار مكة للأزرقي (1/ 49).
    ([11]) وقد ذكرنا بعضها في مقدمة هذا المقال.
    ([12]) كما في كشف الأستار (2/ 48).
    ([13]) كما في المطالب العالية (2/ 73).
    ([14]) المعجم الكبير (12/ 414).
    ([15]) تاريخ بغداد (6/105).
    ([16]) انظر: العبر (1/141)، ميزان الاعتدال (1/19)، تذكرة الحفاظ (1/213)، تهذيب التهذيب (1/129).
    ([17]) أخرجه الفاكهي (4/ 266)، والطبراني واللفظ له (11/ 452-453)، والحسن بن أحمد بن مخلد في الفوائد المنتخبة (1/ 2)، كلهم من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. قال المنذري: “رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن”. وللحديث طريقان آخران موقوفان على ابن عباس، يقوي أحدهما الآخر.
    ([18]) رواه مسدد كما في المطالب العالية (2/ 73) بسند حسن؛ لحال عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وهو ثقة غمزه بعضهم من جهة حفظه.
    ([19]) انظر: فضائل مكة الواردة في السنة، د. محمد الغبان (2/ 933-934).
    ([20]) ينظر: كشف الأستار (2/48).
    ([21]) مجمع الزوائد (3/297).
    ([22]) مختصر زوائد البزار (813).
    ([23]) تحذير الساجد (ص: 68).
    ([24]) مجموع الفتاوى (17/ 463).
    ([25]) انظر: جامع المسائل، المجموعة الرابعة (1/ 340).
    ([26]) انظر: تحذير الساجد (ص: 68).

    https://salafcenter.org/3355/

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •