حقيقة العقد في الفقه الإسلامي والقانون
عباس حسني محمد


المبحث الأول: حقيقة العقد في الفقه الإسلامي
1- العقد لغة:
هو الجمع بين أطراف الشيء وتقويتها، يقال: عقد طرفي الحبل إذا وصل أحدهما بالآخر بعقدة تمسكها فأحكم وصلها. ويطلق على الضمان والعهد يقال: عاقدته على كذا إذا عاهدته عليه. ويطل على الوجوب يقال: عقد البيع إذا أوجبه، وجميع هذه المعاني تدور حول معنى الربط والشد [1].
وقد اتفق أئمة اللغة على أن إطلاق العقد على الأجسام (أي الإطلاق الحسي) يعد إطلاقاً حقيقاً، وإطلاقه على المعاني (أي المعنوي) فللعلماء فيه قولان: الأول: أنه إطلاق حقيقي والثاني أنه إطلاق مجازي[2].
2- العقد في الاصطلاح الفقهي:
ذكر أبو بكر الجصاص أن له معنيين: "العقد هو ما يعقده العاقد على أمر يفعله هو أو ما يعقد على غيره فعله على وجه إلزامه إياه فسمى البيع والنكاح وسائر عقود المعاوضات عقوداً لأن كل واحد من طرفي العقد ألزم نفسه الوفاء به، وسمي اليمين على المستقبل عقداً لأن الحالف ألزم نفسه الوفاء بما حلف عليه من الفعل أو الترك، وكذلك العهد والأمانة لأن معطيها قد ألزم نفسه الوفاء بها وكذا كل ما شرط الإنسان على نفسه في شيء يفعله في المستقبل فهو عقد وكذلك النذور وما جرى مجرى ذلك"[3].
ويلاحظ أن كثيراً من الفقهاء عندما يعرفون العقد يقتصرون على المعنى الذي يقترن في الإيجاب بالقبول ولا يذكرون العقد بإرادة الموجب وحده، ولكن يلاحظ أيضاً أن هذه التعريفات جاءت تخص عقوداً بإرادتين كالبيع والإجارة..إلخ ولذلك فإنهم - في الوقت نفسه - عندما ما يذكرون التصرفات التي بإرادة منفردة كالطلاق والعتاق واليمين فإنهم لا يترددون في إضافة كلمة عقد إليها مما يؤكد أن الاقتصار على المعنى الأول لا يقصد منه إنكار المعنى الثاني، والأهم من هذا كله أن المعنى الثاني (العقد بالإرادة المنفردة) ثابت في كتاب الله - عز وجل -، قال - تعالى -: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ)[المائدة: 89]، أي عقد اليمين الملزم.
فالعقد في الفقه الإسلامي - إذن - يشتمل على نوعين:
أحدهما: عقد بإرادتين على الأقل وهذا مثل عقود البيع والإجارة والشركة وسائر العقود التي يشترط فيها تلاقي الإيجاب بالقبول.
وثانيها: عقد بإرادة واحدة وهو ما يسمى العقد بالإرادة المنفردة - في الاصطلاح الحديث - فهو ينعقد بمجرد الإيجاب من العاقد فيلزم نفسه بالعقد وهذا مثل عقود اليمين والنذر والحوالة، عند الحنابلة فهي تنعقد بإرادة المحيل وحده إذا كان المحال عليه مليئاً [4]، والضمان عند الحنابلة فهو ينعقد بإرادة الضامن وحده [5]، والوقف على غير معين (كالمساكن والمساجد) هو من عقود الإرادة المنفردة باتفاق الفقهاء والوقف على معين يعتبر من عقود الإرادة المنفردة عند بعض الفقهاء وهو بإرادتين عند بعضهم الآخر [6].
والوصية على غير معين تعتبر من عقود الإرادة المنفردة - كالوقف على غير معين - باتفاق الفقهاء وأما الوصية لمعين فهي تفتقر إلى القبول عند جمهور الفقهاء، وفي قول ضمني لمالك [7] أن الوصية تنعقد بالموت (أي موت الموصي) ويحكم بذلك قبل قبول الموصى له. وتعتبر الهبة من عقود الإرادة المنفردة عند بعض فقهاء الحنفية وهم شيخ الإسلام خواهر زادة والكاساني والبابرتي [8].
والجعالة هي من عقود الإرادة المنفردة في الحقيقة، وهي تؤول إلى اللزوم عند الحنابلة [9] لأنها لا تكون إلا معلقة على شرط وهو قيام المجعول له بالعمل المطلوب، فإذا تحقق هذا الشرط التزم الجاعل بموجب إرادته المنفردة بأداء الجعل للعامل وقد يقال هنا إن الجعالة قد تمت بالقبول الضمني للعامل بقيامه بالعمل المطلوب [10] ولكن يلاحظ على هذا القول أن الشرط اللغوي "أي الذي يأتي على لسان المتعاقد" إنما هو في الحقيقة سبب أي يلزم من وجوده الوجود كما يلزم من عدمه العدم وذلك على عكس الشرط الشرعي فهو لا يلزم من وجوده الوجود، ولعل القرافي هو أول من تفطن لهذه الحقيقة[11].
وقد مثل القرافي للشرط اللغوي بقول الزوج: إن دخلت الدار فأنت طالق فيلزم من دخول الدار الطلاق ويلزم من عدم الدخول عدم الطلاق، ومنه أيضاً قول السيد لرقيقه: إن جاء ابني من السفر فأنت حر فيلزم من مجيء ابنه عتق عبده ومن عدم مجيئه عدم عتق عبده.
وما دام الشرط اللغوي سبباً في الحقيقة فإن مجرد اشتراط الجاعل -حتى قبل معرفة المجعول له- على نفسه يعتبر سبباً لعقد الجعالة، ولما كان التعليق صادراً بإرادة الجاعل المنفردة فإن الجعالة تنعقد بإرادته المنفردة ويلزم الجعل بمجرد تحقق الشرط الذي علق عليه الجاعل دفع الجعل لأن الشرط اللغوي سبب كما قدمنا.
ويلاحظ أيضاً أنه من الصعب اعتبار العامل قابلاً ضمناً لإيجاب الجاعل لأن الفقهاء[12] يشترطون بصفة عامة أن يصدر القبول متصلاً بالإيجاب في مجلس العقد إن كان المتعاقدان حاضرين دون أن يفصل بينهما فاصل وإذا كان أحدهما غائباً فيجب عليه بمجرد وصول الإيجاب إلى علمه أن يظهر رأيه ليتصل قبوله بالإيجاب دون فاصل وذلك على الخلاف المعروف بين الفقهاء بخصوص مجلس العقد[13] فإذا علمنا أن العامل - في الجعالة - لا يصدر منه أي قبول وإنما يشرع في العمل وهو قد يشرع فيه سراً دون أن يخطر به الجاعل والأصل هنا أنه لا بد من علم الموجب بالقبول في التعاقد بين غائبين لأنه يجب سماع كل من المتعاقدين عبارة الآخر حقيقة أو حكما[14] والسماع الحكمي هو الكتاب إلى الغائب أو الإعلان الجاعل عن الجعالة فإذا شرع العامل في العمل دون أن يعلم الجاعل بذلك وهو الموجب فإن هذا الشروع لا أثر له - إذا اعتبرناه قبولاً ضمنياً - إلا إذا وصل إلى علم الموجب ولذلك فإن الجعالة - في الحقيقة - تنعقد بدون قبول، أي هي من عقود الإرادة المنفردة وقد صرح الغزالي من الشافعية بذلك إذ يقول: [ولا يشترط في الجعالة تعيين العامل لمصلحة العقد وكذلك لا يشترط القبول قطعا[15].
والواقع أن عدم اشتراط القبول هو النتيجة الحتمية لقول الفقهاء إن الجعالة تجوز لعامل غير معين.
وعقد أمان المسلم للحربي:
ينعقد بالإرادة المنفردة عند الغالبية فقد روي عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل" [16] وقد فهم الفقهاء [17] من هذا الحديث الصحيح أن الأمان إذا أعطي من المسلم للحربي حرم قتله والتعرض له وهذا الأمان ملزم لجميع أفراد الأمة وللدولة نفسها (مع مراعاة شروط عدم الافتئات على الإمام) ومن حاول نقض هذا الأمان فهو ملعون بنص الحديث وعقد الأمان يقع بإرادة المسلم المنفردة عند المالكية والحنفية والحنابلة [18] وأما عند الشافعية فلا بد فيه من قبول الحربي فهو ليس من عقود الإرادة المنفردة عندهم فقد صرحوا بأن عقد الأمان كعقد الهبة - عندهم - لا بد فيه من قبول الكافر [19].
3- اصطلاحات أخرى قد تلتبس بالعقد: التصرف - الالتزام والحق - العهد - الوعد:
لعله من المفيد أن نوضح هذه الاصطلاحات التي لها صلة كبيرة بالعقد وقد تلتبس به.
أ*- التصرف:
لغة هو التقلب في الأمور والسعي في طلب الكسب [20] وأما في الاصطلاح.
فإن الفقهاء [21] يطلقون التصرف على كل تعبير عن الإرادة - سواء بالقول أو بالفعل - يرتب عليه حكما ً فالتصرف أعم من العقد (بمعنييه سالفي الذكر) لأن التصرف قد يكون فعلياً كالاستيلاء على بعض الأموال المباحة، والغصب وقبض الدين، والرجعة الفعلية بأن يباشر الزوج زوجته - التي طلقها رجعية - قبل أن تنتهي عدتها دون أن يصدر منه قول يفيد الرجعة - وقد يكون التصرف قولياً ولكن ليس بعقد (بنوعيه) ومن أمثلته الإقرار بالحق والدعوى أمام القضاء.
ب- وأما الالتزام والحق:
فالالتزام لغة معناه الثبوت والوجوب، والحق في اللغة له عدة معان ترجع كلها إلى الثبوت والوجوب ومن هذا قوله - تعالى -: (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[يس: 7] أي ثبت ووجب عليهم.
ومن ذلك أيضاً قوله - تعالى -: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ)[الأنفال: 8]، أي يثبت الحق ويظهره ومن هذا المعنى أطلقت كلمة الحق على معان كثيرة ترجع كلها إلى الثبوت والوجوب فهي تطلق على الله - عز وجل - اسماً وصفة وتطلق على اليقين وعلى الصدق وعلى العدل وعلى الإسلام وكل هذه المعاني واردة في كتاب الله - تعالى -[22].
فالالتزام والاستحقاق (لغة) متقابلان بالنسبة إلى بعض معاني الحق أي الحق بمعنى الحظ والنصيب والشيء الواجب للشخص أو عليه فيقال: هذا حق عمرو قبل زيد فهو بعينه التزام زيد قبل عمرو والالتزام في الاصطلاح قليل الاستعمال في الفقه الإسلامي فهم يفضلون - كما هو واضح في كتبهم - استعمال كلمة الحق سواء في جانب المدين أو جانب الدائن فيقولون: هذا حق له وهذا حق عليه. وقد عرف بعض الفقهاء الالتزام بأنه التزام الشخص نفسه ما لم يكن لازماً له أي لم يكن واجباً عليه من قبل [23] وعرفه بعض العلماء الشريعة المعاصرين بأنه إيجاب الإنسان أمراً على نفسه إما باختياره وإرادته وإما بإلزام الشارع له [24].
وعرف عالم معاصر آخر الالتزام بأنه التصرف المتضمن إرادة إنشاء حق من الحقوق أو إنهاء حق أو إسقاطه دون أن يتوقف تمامه على التزام أو تصرف من جانب آخر بمعنى أنه يستوي فيه التصرف الذي ينتج التزاماً من جانب في مقابلة التزام من جانب آخر كالبيع والإجارة أو الذي يكون متوقفاً تمامه على قبول من الطرف الآخر كالوكالة و الوصية على معين أو الذي ينتج من جانب واحد دون أن توقف على أي شيء كالطلاق والنذر [25] والحق أن الالتزام في الاصطلاح الحديث هو الحق الذي على المدين وهو كما قلنا قليل بل نادر الاستعمال في الفقه، واللفظ الذي يندر استعماله اصطلاحاً يرجع فيه إلى معناه اللغوي لأن ندرة استعماله في الفقه تنفي عنه المعنى الاصطلاحي ولذلك فإن الالتزام في الحقيقة هو أثر من آثار العقد - (الذي يتركز في صيغته) - أو التصرف بصفة عامة كما أن الحق أثر من آثار العقد أو التصرف بصفة عامة، والفقهاء يقولون حكم العقد وحقوقه ويريدون بالحقوق مجموع الالتزامات المرتبة على العقد، ونلاحظ هنا أن الفقهاء يفرقون بين الإلزام والالتزام، فالإلزام هو أن يلزم الشخص غيره والالتزام هو أن يلتزم الشخص بنفسه أي يلزم نفسه كما في العقد ولكن في الاصطلاح الحديث يكفي الالتزام في الحالين [26].
ج- العهد:
في اللغة هو الوصية يقال: عهد إليه بعهد إذا أوصاه والعهد هو الأمان والموثق والذمة، والعهد هو كل ما عوهد الله عليه، وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد والعهد: الموثق واليمين يحلف بها الرجل والعهد أيضاً: الوفاء وفي التنزيل: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ)[الأعراف: 102]، أي من وفاء. والعهد والعهدة واحد فيقال: برئت إليك من عهدة هذا العبد أي مما يدركك فيه من عيب كان معهوداً فيه عندي: أي من التزامي بعيب هذا العهد وتطلق العهدة على كتاب الحلف والشراء [27].
هذا ويستعمل الفقهاء لفظ العهدة في ضمان الثمن فيقولون: ضمان العهدة أو ضمان الدرك أي إدراك العيب ويقصد به ضمان الثمن عن المشترى إذا لم يكن البائع قد تسلمه بعد من المشتري ثم ظهر في الثمن عيب أو استحق ولم يستطع البائع الحصول على الثمن من المشتري فيرجع على الضامن [28] فالعهد - إذن - له عدة معان متقاربة أكثرها يرجع إلى العقد بصفة عامة أو الالتزام المتولد عن العقد.
د- وأما الوعد:
فهو إلزام الشخص نفسه حالاً بأمر يفعله في المستقبل وهو في الحقيقة نوع من العقد بالإرادة المنفردة، والأجل وصف فيه، ويجب أن يكون الأصل في الوعد الإلزام لأن الله - تعالى -جعل خلف الوعد شعبة من شعب النفاق كما جاء في الحديث الصحيح [29]، ولذلك فإن ما ذهب إليه بعض الفقهاء (جمهور الحنيفة) من أن الوعد الصحيح ديانة ولكنه ليس بلازم قضاء محل نظر، فالرأي الصحيح هو أن الوعد ملزم قضاء أيضاً لأن تحريم خلف الوعد إنما هو لذات الفعل وليس لشيء خارجي متعلق به. وقد ذهب جمهور الفقهاء[30] إلى أنه إذا تعلق النهي بذات الفعل أو لجزئه فإن النهي هنا يفضي إلى الفساد المرادف للبطلان أي لا يعتد بالفعل قضاء لأنه محرم ديانة، وتخريجاً على ذلك يتعين القول بأن خلف الوعد باطل قضاء لأنه ديانة. هذا وقد صرح بعض فقهاء الحنفية بأن الوعد ملزم قضاء أيضاً: جاء في جامع الفصولين ما يأتي: "لو ذكروا البيع بلا شرط ثم ذكروا الشرط على وجه الوعد جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد إذ المواعيد قد تكون لازماً فيجعل لازماً لحاجة الناس"[31] فالوعد هو عقد بالإرادة المنفردة يتضمن التزاماً إما معلقاً على شرط أو مؤجلاً وأكثره مؤجل والمعلق كأن يقول: إن نجحت في الامتحان أعطيتك جائزة أو إن ولد لي ولد منحتك مبلغاً من المال، ويلاحظ هنا أن جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة ذهبوا إلى أنه لا يجوز تعليق عقود التمليكات - سواء بعوض كالبيع أو بغير عوض كالهبة - ولكن الأصح هو الجواز وهو رأي ابن تيمية وابن القيم [32]، وسيفصل هذا في موضعه إن شاء الله - تعالى -.
هذا ويثور بالنسبة إلى الوعد المعلق مسألة تاريخ نشوء العقد الذي ترتب عليه الوعد الملزم، فالعقد هنا هو الصيغة الصادرة من الواعد والمتضمنة للوعد المعلق أو المؤجل، وقد ذهب الحنيفة ومعهم المالكية إلى أن تعليق العقد على الشرط يترتب عليه عدم وجود العقد إلا بعد تحقق الشرط [33] وذهب الشافعية ومعهم الحنابلة إلى أن العقد موجود قبل تحقق الشرط ولكن آثاره موقوفة على تحقيق الشرط، فالصيغة وهي السبب موجودة فور صدورها قبل تحقق الشرط وأما الحكم وهو أثر العقد فهو متوقف على حصول الشرط، ويحتج الشافعية على الحنفية - هنا - بأنه إذا صدر عقد معلق ممن هو أهل للتعاقد، ثم قبل تحقق الشرط المعلق عليه خرج العاقد من أهليته، وبعد ذلك وجد المعلق عليه فإن الحكم لا محالة ظاهر والعقد يتم، فإذا قال الرجل لامرأته: إن كلمت فلاناً فأنت طالق ثم خرج من أهليته وكلمت هي فلاناً بعد ذلك فالطلاق واقع حتى عند الحنيفة والمالكية لأنه وقت إنشاء الصيغة كان أهلاً لإيقاعه، وهذا يدل - بيقين - على أن العقد كان قائماً موجوداً باعتباره سبباً رتب الشارع الحكم عليه من وقت وجود الصيغة وإلا لما وقع الطلاق بعد أن فقد العاقد أهليته، وأما حجة الحنفية فهي تقوم على أساس أن العقد المعلق عليه قد لا يوجد فكيف يقال إن العقد وجد فعلاً وانعقد ثم يقال بعد ذلك إنه لم ينعقد إذا لم يتحقق الشرط، ولكن هذه الحجة واهية لأن العقد المعلق موجود على خطر الزوال إذا لم يتحقق الشرط، وحكمه غير موجود إلا بعد تحقق الشرط، وأنه لمن الواضح أن حجة الشافعية ومن معهم أقوى من حجة الحنفية ومن معهم [34].
_________________
[1] لسان العرب - القاموس المحيط - معجم مقاييس اللغة.
[2] المفردات في غريب القرآن للأصبهاني ص 510.
[3] أحكام القرآن للجصاص في تفسير قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1]، ج2 ص 294، 295.
[4] المغني لابن قدامة ج 4 ص 468، 473.
[5] المغني لبن قدامة ج 4 ص 480، 481.
[6] المغني لابن قدامة ج 5 ص 491 وما بعدها.
[7] منح الجليل على مختصر خليل للشيخ عليش ج 4 ص 648، ومالك يرى أن القبول شرط في صحة الوصية ومعنى ذلك أنها تنعقد بإرادة الموصي وحدها ولكن لا تتم إلا إذا رضي الموصى له منعاً للمنة.
[8] بدائع الصنائع للكاساني ج 6 ص 155.
[9] المغنى لابن قدامة ج 4 ص 483.
[10] المدخل للفقه الإسلامي للدكتور سلام مدكور ص 576.
[11] الفروق للقرافي ج 1 ص 63.
[12] المغني لابن قدامة ج 3 ص 563 وما بعدها - حاشية ابن عابدين ج4 ص 527 فتح القدير ج 5 ص78.
[13] فالشافعية يشترطون اتصال القبول بالإيجاب فور صدوره من غير وجود فاصل ولو يسيراً ولكنهم في الوقت نفسه أثبتوا للقابل خيار المجلس حتى لا يضار من هذه الفورية (نهاية المحتاج للرملي ج 3 ص 8) ولم يأخذ الحنفية بالفورية خلافاً للقياس ومراعاة للعرف والتيسير على الناس في التعامل (حاشية ابن عابدين ج 4 ص 527 وما بعدها) ويرى الحنابلة عدم الفورية ولكنهم - على عكس الحنيفة - للقابل خيار الرجوع مثل الشافعية (المغني لابن قدامة ج 3 ص 563 وما بعدها ولا يأخذ المالكية بالفورية ولا خيار المجلس وإنما يأخذون بالإيجاب الملزم فلا يملك الموجب الرجوع ما دام المجلس قائماً (مواهب الجليل ص 340) وسيفصل هذا في حينه إن شاء الله - تعالى -.
[14] وسيفصل هذا الموضوع في حينه - إن شاء الله - تعالى - مع بيان الخلاف الفقهي في هذا الشأن.
[15] الوجيز في فقه الإمام الشافعي للغزالي ج1 ص240 فالشافعية يقرون بأن الجعالة تنعقد بإرادة الجاعل المنفردة وهم في هذا يعنون قطعاً حالة علم العامل بالجعل لأنهم أبطلوا الجعالة في حالة عدم علم العامل واعتبروها تبرعاً فيقول الغزالي: "وإذا رد الآبق ولم يعلم بالجعالة فهو متبرع ولا شيء له"(الوجيز ص240).
[16] رواه البخاري في باب ذمة المسلمين وجوارهم من كتاب الخمس.
[17] يراجع كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني إملاء السرخسى ج 1 ص 253 وبهذا قال أكثر أهل العلم (انظر المنتقى للباجى ج 3 ص 172، نهاية المحتاج للرملي ج 8 ص 80، والمغني لا بن قدامة ج 9 ص 226).
[18] المنتفي للباحي ج 3 ص 172، حاشية ابن عابدين ج 4 ص 135، المغني لا بن قدامة ج 9 ص 228.
[19] يراجع في هذا نهاية المحتاج للرملي ج 8 ص 80.
[20] القاموس المحيط، واللسان مادة (صرف).
[21] لم يعرف الفقهاء التصرف ولكن معناه يفهم من إطلاقهم التصرف على القول والفعل جميعاً فمثلاً يقول ابن قدامة: "وكل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل رجلاً أو امرأة.... ويجوز التوكيل في تحصيل المباحات كإحياء الموات وإسقاء الماء والاصطياد والاحتشاش ويجوز التوكيل في إثبات القصاص.. " [المغني ج 5 ص 87، 89] فالتصرف هنا أطلق على ما هو بالبيع والإجارة وغير ذلك من العقود.
[22] فتطلق كلمة الحق باعتبارها من أسماء الله - تعالى -أو صفة من صفاته كما في قوله - تعالى -: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)[المؤمنون: 71]، وقوله - تعالى -: (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ)[الكهف: 44]، (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ)[الأنعام: 62]، وتستعمل الكلمة بمعنى الصدق كما في قوله - تعالى -: (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ)[ص: 84]، وقوله - تعالى -: (أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا)[الأنعام: 30]، وقوله - تعالى -: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ)[الرعد: 14]، وقوله - تعالى -: (وَيَسْتَنْبِئُ نَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ)[يونس: 53]، وتستعمل بمعنى العدل كما في قوله - تعالى -: (وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ)[غافر: 20]، وقوله - تعالى -: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) [الأنعام: 151]، وقوله - تعالى -: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ)[البقرة: 61]، وتستعمل بمعنى الحكمة كما في قوله - تعالى -: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ)[الأنعام: 73]، وتستعمل بمعنى الإسلام كما في قوله - تعالى -: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)[البقرة: 119]، وقوله - تعالى -: (قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ)[النساء: 170]، وقوله - تعالى -: (وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ)[التوبة: 29]، وتستعمل الكلمة فيما هو ضد الباطل كما في قوله - تعالى -: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 42]، وتستعمل الكلمة بمعنى الحظ والنصيب أو الشيء الواجب للشخص قال - تعالى -: (مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ)[هود: 79]، وقال - تعالى -: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[الذاريات: 19]، وقال - تعالى -: ? وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ? [الأنعام: 141]، أي ما وجب فيه من حظ.
[23] تحرير الكلام للخطاب ضمن فتح العلى المالك 1 / 217.
[24] مذكرة مطبوعة في الالتزامات للشيخ أحمد إبراهيم ص 21 مكتبة كليه الحقوق جامعة القاهرة.
[25] نقلاً عن المدخل للفقه الإسلامي للدكتور محمد سلام مدكور ص 705 الطبعة الأول سنة 1380هـ سنة 1960م.
[26] ولذلك نجد أن تعريف الشيخ أحمد إبراهيم (من المعاصرين) للالتزام شمل إيجاب الإنسان أمراً على نفسه إما بإرادته واختياره وإما بإلزام الشارع له.
[27] لسان العرب مادة (عهد) بتصرف قليل.
[28] ويلاحظ هنا أنه على قول من منع ضمان الأعيان فإن ضمان العهدة يكون قاصراً على الثمن سواء أكان الضمان عن المشترى أم عن البائع وضمانه عن البائع للمشتري يكون في حالة ما إذا ضمن الضامن عن البائع الثمن المدفوع إليه من المشتري متى خرج المبيع مستحقاً أو رد بأرش العيب [يراجع المغنى لابن قدامة ج4 ص596، مغنى المحتاج للشربيني ج2 ص202، والوجيز للغزالي ج1 ص184].
[29] "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان " متفق عليه البخاري في باب علامة المنافق من كتاب الإيمان ومسلم في باب بيان خصال المنافق كتاب الإيمان.
[30] كتاب إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني ص 11 1 وما بعدها.
[31] جامع الفصولين لابن قاض سماوة ج 1 ص 171، حاشية ابن عابدين ج 5 ص 84.
[32] إعلام الموقعين لابن القيم ج 3 ص 288.
[33] كشف الأسرار على أصول البزدوي لعبد العزيز البخاري ج 2 ص 272 وما بعدها.
[34] يراجع في هذا كله فتح القدير ج 3 ص 99 وما بعدها، حاشية ابن عابدين ج 3 ص 733 وما بعدها. شرح الزرقاني على خليل ج 8 ص 125 وما بعدها شرح المنهاج للجلال المحلي ج 3 ص 335 وما بعدها