السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أريد أن أعرف الفرق بين الأمن مِن مكْر الله الذي هو كبيرة، وبين عدم الخوف من الله، ذلك أني منذ أن علمتُ أن المسلم الذي يموت على المعاصي يعذَّب في النار لكن لا يَخْلُد فيها - خلافًا لمن مات مشركًا كافرًا فهو خالد في النار - صرتُ أخاف من الكفر، وصرتُ عندما أريد فِعل معصية أقول في نفسي: أفْعلُها وسيُعذبني الله، لكني سأدخُل الجنة فيما بعدُ، المهم ألا أَخلُدَ في النار! فهل يعني هذا عدم الخوف من الله الذي يصير به صاحبُه كافرًا، علمًا بأني دائمًا عند فِعل الذنب أقول في نفسي ما سبق؟
لم أكُن أعلمُ عن مكر الله شيئًا، حتى قرأتُ عنه منذ أيام قليلة، فهل يُعد عقد نكاحي باطلًا، أم أني أُعذَر لجهلي إن عُدَّ هذ الأمرُ كفرًا؟! جزيتم خيرًا.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الأمن من مكر الله تعالى قد يصل إلى انعدام الخوف من الله تعالى تمامًا، وهو أن يعمل الإنسان المعاصي كبيرها وصغيرها، ويقع في الكفر بالله تعالى، ولا يخاف عقاب الله تعالى له، وهو أمنٌ كُلي، وهذا هو حال الكافرين بالله تعالى، والله تعالى قال: ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 99].
وقد يكون الأمن أمنًا جزئيًّا، بحيث يكون مع الإنسان نوع من الخوف، فالخوف عنده ليس منعدمًا، وهذا هو حال العصاة المذنبين.
وهذه الحال الثانية هي عين ما يقع منك أخي الكريم، فليس الخوف عندك منعدمًا، بدليل أنك تسأل هذا السؤال، وتخاف من الخلود في النار، وتخاف من الوقوع في الكفر.
وإنما الواجب عليك أخي الكريم ألا تَرضى لنفسك بأن تكون من عُصاة المسلمين، وأن تتذكر أن الإنسان لا يتحمل لَفحة واحدة من لفحات جهنم، فكيف بالمعاصي التي قد تُبقي صاحبها مدة طويلة في نار جهنمَ، والعياذ بالله، وقد ذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعضًا من عذاب المذنبين، فكان شيئًا مخيفًا، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»[1].
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ، وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ، يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ»، أَوْ «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ»[2].
والأحاديث كثيرة في شدة عذاب الزناة، وآكلي الربا، وغيرهم من أهل المعاصي، فمن يستطيع أن يتحمل مثل هذا؟!
ولك أن تعلم أن الأنبياء عندما يرون نار جهنم من بُعد يكون دعاؤهم: «اللهم سلِّم سلِّم»، من شدة ما يرونه، مع أنهم في مأمنٍ منها، ولن يدخلوها، فما بالك بمن يدخلها، حتى ولو كان سيخرج منها بعد ذلك؛ لا شك أن الأمر عظيم، فنسأل الله تعالى لنا جميعًا الجنة وما قرَّب إليها من قول أو عملٍ، ونعوذ بالله تعالى من النار وما قرَّب إليها من قول أو عملٍ.
--------------
[1] متفق عليه: أخرجه البخاري (6477)، ومسلم (2988).
[2] أخرجه مسلم (2002).


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz653FTLGwp