لكَ مُهجتي والعالمينَ فداءُ
محمد نادر فرج


أبكي جواً ويهيجُني الإقذاءُ *** ويُفتِّتُ الكَبدَ السَّقيمَ عَناءُ
وتَمورُ بين جوانحي مَقرورَةٌ *** نفسٌ تَسَعَّرَ غيظُها هَوجاءُ
وتثورُ في قلبي العييِّ عواصفٌ *** هوجٌ تُردِّدُ رَجْعَها الأصداءُ
وأهيمُ يُلهبُني الحنينُ تَوَجُّعاً *** ويكادُ يَخُنقُ دَمعتي الإعياءُ
حتّى متى سَنظلُّ نكبتُ أدمعاً *** حرّى ويَحبسُ جَريَها استحياءُ
يا سيّدي ما قُمتُ عنكَ مدافعاً *** أنتَ القويُّ وإننا ضُعفاءُ
وهُداكَ عنوانُ الفَخارِ مُدوِّياً *** وعُلاكَ ليسَ تنالُهُ الجوزاءُ
ومَعين نورِك عَمَّ أرجاء الورى *** وسَناكَ فوقَ سَمائِنا وضَّاءُ
فالحقُّ أقوى من تفاهَةِ باطلٍ *** وله يُرفرِفُ في الشُّموخِ لواءُ
وأنا بهديك إذ ألوذُ وأحتمي *** لكَ مُهجتى والعالمينَ فداءُ
أرجو الشَّفاعةَ إذ تجلّى ربُّنا *** يومَ التَّغابنِ فالورى خُصماءُ
فجلالُ قدرِكَ لا يُطالُ مَهابةً *** وأمامَ فضلِكَ يخفِضُ العظماءُ
يا سيدي مدحي إليك تقرُّباً *** ويزيدُني شَرَفاً بك الإطراءُ
لم أمتدِحْكَ لكي أزيدَكَ رِفعةً *** لكنَّنا بكَ سَيّدي شُفعاءُ
ماذا يزيدُ الكأسُ حينَ تصُبُّهُ *** في البَحرِ هل في ذا يُقالُ عَطاءُ
لكنَّهُ إذْ خالطَ البحرَ العظيمَ فقد غَدا *** جُزءاً فأولاهُ السُّموَّ نَماءُ
وشوامخُ الشُّمِّ الجبالِ وقدْ سَمَتْ *** أيزيدُ في عَليائِها حَصباءُ؟
بكَ يزدهي القولُ الجميلُ وزُيِّنَتْ *** بالمدحِ فيكَ قَصائدٌ عَصماءُ
إن يجحدوا شَمسَ النهارِ تعنُّتاً *** فَسَناكَ ذاكَ الفَرقدُ الوَضَّاءُ
عجباً وما عَجَبي لسوءِ صَنيعهم *** وبأنهُ يُغرى بكَ السُّفهاءُ
لكنما العَجَبُ العُجابُ بأننا *** حادتْ بنا عن مجدِنا الأهواءُ
كنّا وكان الكونُ تحتَ لوائنا *** يَمضي وتَشهدُ مَجدَنا العلياءُ
يا سيِّدي عُذراً فلستُ بعاتبٍ *** أبداً عليهمْ.إنهمْ جُهلاءُ
ماذا يُضيرُكَ من مَقالةِ تافهٍ *** هَمْلٍ وتلكَ جَهالةٌ عَمياءُ
فتطاولُ القَعْرِ الدَّنيِّ على الذُّرى *** حُمْقٌ يزيدُ سُموَّها وهُراءُ
ما صَوَّروا الإرهابَ فيكَ لأنهمْ *** شَهدوا بأنكْ فاتكٌ عَدّاءُ
لكنَّهُ ذُعرُ المُسيءِ وقدْ جَنى *** جُرْماً فيخشى أن يُنالَ جزاءُ
إني لأَستَحيي لواقِعِ أمَّتي *** في أننا لكَ سيِّدي نُسَباءُ
هُنَّا فأيقظَ ضَعفُنا أضغانَهمُ *** لَهَباً وزاد سعيرَهُ الإغراءُ
لو كانَ فينا قوَّةٌ لم يجرؤوا *** أن يَقدَحوا بكَ إنهمْ جُبَناءُ
حتى مَ نرضى الذُّلَّ في أعقابِنا *** ويزودُنا عن حَوضِنا الأعداءُ
نُغضي وتنبضُ بالخواءِ عروقُنا *** ونَهيمُ قد ضلَّتْ بنا الأهواءُ
أفلا يثورُ بنا مَعينُ كرامةٍ *** وتَهيجُ فينا للعُلا العلياءُ
أفليسَ حُرّاً ينضوي بظلالِهِ *** ويَسيرُ تحتَ لوائهِ العُلماءُ
يا رَحمةً للكونِ جِئتَ مُبشِّراً *** بالنُّورِ إذْ غَشيَ الوجودَ عَماءُ
لم يشْهَدْ التّاريخُ مثلَكَ فاتحاً *** قدْ هلَّلتْ لقدومهِ البطحاءُ
لمَّا وَقَفتَ على الجموعِ وقدْ غَدَوا *** أسْرى لديكَ وكُلُّهم أعداءُ
كم دبَّروا كي يقتلوكَ مكائداً *** وتعاهَدوا هذا وهمْ زُعماءُ
مَكروا ومَكْرُ اللهِ أَحبَطَ مكرَهمْ *** وغووا وهم في زَعمهمْ فُصحاءُ
وقفوا وقد خفضَ الهَوانَ رؤوسَهم *** كم حاولوا الغّدرَ المَقيتَ وباؤوا
ويفتِّتُ الحقدُ المكينُ قلوبَهمْ *** ولغَيظِهمُ تتقطَّعُ الأحشاءُ
لو أنَّهم ظهروا عليكَ ومُكِّنوا *** لتناثرَتْ من صَحبِكَ الأشلاءُ
وتقولُ إذْ هم رَهنُ أمرِكَ بعدما ***ضاقتْ بهمْ في رُحبِها الأجواءُ
ماذا تظُنّوا أن يكونَ جزاءُكمْ *** هيّا انهضوا، فلأنتمُ الطُّلَقاءُ
هذا إلى الإرهابِ يدعوا ويلكُمْ *** تُعساً فأنتم مَعْشرٌ حُمَقاءُ
هذا صنيعُكَ كيفَ كانَ صنيعهُمْ *** تدمى القلوبُ لفُحشِ ما قدْ جاءوا
يا سيّداً فردا بكلِّ صفاتِهِ *** خَشَعتْ لهيبةِ ذكرِهِ العلياءُ
لن يشهدَ الزَّمنُ المديدُ بطولهِ *** نبلاً ولنْ يَكُ مثلَهُ رُحماءُ
عَطفاً وإحساناً وفيضَ مشاعرٍ *** وأميرَ جُندٍ دونَهُ الأمراءُ
وزَعيمَ قَومٍ لم يَزدْهُ خضوعُهمْ *** إلاّ التواضُعَ، ما لهُ قُرَناءُ
ومُرَبَّياً ومُعلِّماً ومُدرِّبا *** ونداهُ قدْ شَهِدَتْ بهِ الأعداءُ
والمرشدُ الهادي لأعظمِ شِرعةٍ *** جلَّتْ لِمَنْ أوحى بها الأسماءُ
مَنْ حادَ عنها هالكٌ لا يُفتدى *** مهما تَكاثَرَ حولَهُ النُّدَماءُ
يَصْلى الجحيمَ وإنْ يكنْ مَلَكَ الوَرى *** ونَجا وقدْ خَضَعوا لها الضُّعفاءُ
يا من له فضلُ السَّحابِ على النَّدى *** والغيثُ مُرتَهَنٌ به الأحياءُ
كلُّ الخلائقِ قدْ شَدَتْ بمديحِهِ *** أهلُ النُّهى والجنُّ والأشياءُ
فالجذعُ يبكي إذ يراهُ مُفارقا *** ويَهيجُ منتحباً لهُ أصداءُ
وبكفِّهِ هَتَفَتْ تُسبِّحُ ربَّها *** وتقولُ تَصديقاً لهُ الحَصباءُ
وبفضلِهِ يشدو الوجودُ ترنُّماً *** وتهيجُ فيهِ حدائقٌ غنّاءُ
ماذا يُضيرُ البحرَ إن عَبَثتْ بِه *** خَفَقاتُ مجدافٍ بهِ إعياءُ
لو كان أقلاماً تخطُّ مديحَهُ ***ولها البحارُ روافدٌ وعطاءُ
نَفِدَتْ ولم تَنْفَدْ مواردُ فَضلِهِ *** وأهابَ في طولِ الثَّناء ثناءُ
يا سيِّدي علَّمتَنا أنَّ التُّقى *** زادٌ. وفيهِ يفاخِرُ الفُضَلاءُ
ونَصحتَنا أن نستقيمَ على الهُدى *** وبأن يقودَ طريقَنا الفُقهاءُ
لنكونَ أشهاداً على كلِّ الورى *** نَدعوأ الأنامَ، وأننا أمَناءُ
وبهِ تكونُ لنا السِّيادةُ والعُلا *** فسما لنا في الكائناتِ لواءُ
تاريخُنا صَفَحاتُ مَجدٍ ناصعٍ *** نَضِرَتْ بهِ في أفقِها العلياءُ
تاريخُنا بَسَماتُ فَجرٍ مشرقٍ *** قدْ زَيَّنتْ أغصانَهُ الأنواءُ
في كلِّ فَتحٍ سِفْرُ مَجدٍ خالدٍ *** وسُطورُ شاهدةٌ لها أضواءُ
قد رصَّعَتهُ مآثرٌ منقوشةٌ *** وطَوَتْهُ في أجفانِها الجوزاءُ
وأفاضَ منهُ على الوجودِ بشائِرٌ *** تُنبي بأنَّ جدودَنا عُظماءُ
أفلا تَرى ما كان في تاريخِهمْ *** هلْ ثَمَّ إلا البَغيُ والفَحشاءُ
سَفْكٌ وتَدميرٌ وهَتكُ حَرائرٍ *** وَحشيَّةٌ ما مثلَها رَعناءُ
ظُلِمَ الوحوشُ غداةَ توصَمُ إنها *** وَحْشيَّةٌ ويرُدُّها استقراءُ
فالوحشُ إذ تكفي الفَريسةُ جوعَهُ *** ليست تراقُ غداةَ ثَمَّ دماءُ
أما همُ فنفوسُهم مسعورةٌ *** لم يَرويها فَتْكٌ ولا أشلاءُ
يندى الجبينُ لذكرِ سوءِ فعالِهِمْ *** لُعِنوا فملءُ قلوبِهم شََحناءُ
كنَّا نقتِّلُ من طغى مُتجبِّراً *** وعلى يَديهِم يُقتلُ الشُرفاءُ
ونبيُنا أوصى بأن لا نعتدي *** حتّى وإن كانوا همُ الأعداءُ
وترى بما قد حرَّفوا بكتابهمْ *** قُربى بأن تُتَذبَّحُ الأبناءُ
يا وَيحَهم قَلَبوا مفاهيمَ الورى *** وهُمُ بزعمِ ذيولهم حُكَماءُ
فالمعُتدي بطلُ السَّلامِ وكفُّهُ *** قد لطَّختها بالدِّماءِ دماءُ
سَعيُ الشعوبِ لكي تُقرِّرَ شأنَها *** حَقٌّ وعدلٌ ليسَ فيهِ مراءُ
ونضالُها شَرَفٌ ومشروعيَّةٌ *** قد قرَّرتْهُ مَحافلٌ صَمَّاءُ
أما إذا كُنَّا..فليس جهادُنا *** حقَّاً ونحنُ بزَعمِهِمْ غَوغاءُ
طلباتُ مَنْ يَعدي علينا عندَهمْ *** مَسموعةٌ ونَصيبُها الإصغاءُ
أما إذا قُمنا نُطالبُ حَقَّنا *** وفقَ العُهودِ فحظُّنا استهزاءُ
وكأننا لسنا بزَعْمِ تيوسهمْ *** بَشراً.وهم في زَعمِهِمْ رُحَماءُ
والمجلسُ الأعلى تَفَهَّمَ إذ رأى *** في قَتلِنا ما ليسَ فيهِ مِراءُ
أما إذا قُمنا نُعارضُ ذَبحَنا *** هذا هو الإرهابُ والبلواءُ
صلى عليكَ اللهُ يا علمَ الهُدى *** وحَباكَ من ربِّ الوجودِ عَطاءُ
ولكَ السَّلامُ يَهيجُ في أعماقِنا *** ولهُ بأفق سَمائنا أصداءُ
ما هبَّت النَّسماتُ وانبلجَ الضُّحى *** أو رجَّعتْ في أيكِها وَرقاءُ
ورَنت إلى الشُّمِّ العَوالي ديمةٌ *** وتعاقَبَتْ تلكَ الذُّرى الأنواء