قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في أحكام أهل الذمة (٤٤١/١):

فَصْلٌ
فِي تَهْنِئَتِهِمْ بِزَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ قُدُومِ غَائِبٍ أَوْ عَافِيَةٍ أَوْ سَلَامَةٍ مِنْ مَكْرُوهٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ فَأَبَاحَهَا مَرَّةً وَمَنَعَهَا أُخْرَى، وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي التَّعْزِيَةِ وَالْعِيَادَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ لِيَحْذَرِ الْوُقُوعَ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الْجُهَّالُ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِدِينِهِ، كَمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ: مَتَّعَكَ اللَّهُ بِدِينِكَ أَوْ نَيَّحَكَ فِيهِ، أَوْ يَقُولُ لَهُ: أَعَزَّكَ اللَّهُ أَوْ أَكْرَمَكَ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: أَكْرَمَكَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَأَعَزَّكَ بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذَا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْأُمُورِ الْمُشْتَرَكَةِ .

وَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاق، مِثْلَ أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ وَصَوْمِهِمْ، فَيَقُولَ: عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ، أَوْ تَهْنَأُ بِهَذَا الْعِيدِ، وَنَحْوَهُ، فَهَذَا إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ فَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ، بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَشَدُّ مَقْتًا مِنَ التَّهْنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَارْتِكَابِ الْفَرْجِ الْحَرَامِ وَنَحْوِهِ.

وَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَا قَدْرَ لِلدِّينِ عِنْدَهُ يَقَعُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَدْرِي قُبْحَ مَا فَعَلَ، فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدًا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ كُفْرٍ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ.

وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْوَرَعِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَتَجَنَّبُونَ تَهْنِئَةَ الظَّلَمَةِ بِالْوِلَايَاتِ ، وَتَهْنِئَةَ الْجُهَّالِ بِمَنْصِبِ الْقَضَاءِ وَالتَّدْرِيسِ وَالْإِفْتَاءِ تَجَنُّبًا لِمَقْتِ اللَّهِ وَسُقُوطِهِمْ مِنْ عَيْنِهِ.
وَإِنْ بُلِيَ الرَّجُلُ بِذَلِكَ فَتَعَاطَاهُ دَفْعًا لِشَرٍّ يَتَوَقَّعُهُ مِنْهُمْ فَمَشَى إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَقُلْ إِلَّا خَيْرًا، وَدَعَا لَهُمْ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.