متى يكون الأب سبباً لانحراف ابنه؟
سلطان بن عبد اللّه العمري
إن من نعمة الله على الآباء أن يرزقهم الله أبناء صالحين، ولكن بعض الآباء قد لا يشعر بهذه النعمة وقد يغفل عنها، بل قد يكون سبباً في ضياع ابنه وعودته إلى الذنوب السابقة.
فيا ترى متى يكون الأب سبباً في انحراف ابنه؟
الجواب:
1- الاستهزاء بالابن لأجل استقامته وهدايته؛ كقول بعض الآباء: ابني مطوع متشدد، أو ما هذه اللحية يا فلان، أو ماذا صنعت بثوبك؛ لأن الابن قد رفع إزاره إلى فوق الكعب، والعبارات التي فيها السخرية كثيرة.
فليعلم الأب أنه عندما يسخر بولده أنه بذلك يضع عقبة كبيرة في استمرار استقامة الابن على الدين.. ومن ناحية أخرى: فإن الأب قد وقع في مصيبة عظيمة ألا وهي الاستهزاء بأمور الدين؛ كاللحية والثوب القصير ونحوها، ولا شك أن الاستهزاء بأمور الشريعة من الطامات الكبار، كما قال -تعالى-: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65- 66].
2- وقد يكون الأب سبباً لانحراف ابنه عندما يمنعه من مجالس الخير، مثل: حلقات التحفيظ، الدروس العلمية والمحاضرات، والطلعات البرية والخروج والاستراحات.. وغيرها.
وهنا لا بدّ للأب أن يعلم أن الابن يريد بيئة صالحة يعيش بينها ليقوى دينه، ويشتد ثباته وتمسكه بهذا الدين، وعندما يمارس الأب منع الابن فإنه بذلك يحرم ابنه من الاستمتاع بمجالسة الصالحين الذين هم أقوى وسيلة للثبات وخاصة في هذا العصر.
ومن جهة أخرى: فإن الشاب بحاجة إلى الزملاء الصالحين؛ لأنه يعاني من الفتن والمصائب، وجلوسه مع الزملاء يحفظه من تلك الفتن.. ولكن للأسف فإن أكثر الآباء لا يشعرون بذلك.
3- وقد يكون الأب سبباً لانحراف الابن عندما يعامله بالقسوة والغلظة والشدة، فذلك الابن لا يسمع من أبيه إلا ألفاظ السب والشتم، ولا يرى من والده إلا العبوس والجفاء، فحينها يصاب الابن بأزمة نفسية ويصبح يكره البيت ويكره والده، ويحاول الهروب من البيت، ويبدأ في البحث عن البديل لذلك البيت بيت الجحيم، فيا ترى أين سيذهب؟ ومع من سيجلس؟.
4- وبعض الآباء يحرم أبناءه من المال مما يترتب على ذلك الضياع والبحث عن المال بطرق غير شرعية.
5- وبعض الآباء يريد من ابنه أن يبقى ملازماً للبيت، لا يخرج للترفيه عن نفسه، ولا لحضور مجالس الخير مما يترتب على ذلك الاكتئاب والملل، وبعد ذلك الانحراف التدريجي.
6- وأحياناً يريد الأب من الابن أن يسلك وظيفة معينة أو دراسة جامعية معينة والابن لا يريد ذلك التخصص ولا تلك الوظيفة، بل قد تكون في تلك الدراسة أو تلك الوظيفة بعض المنكرات التي تكون سبباً في الضياع والانحراف.
7- وبعض الآباء يأتي بالمنكرات إلى البيت؛ كالقنوات، ويسمح بالنظر لها بدون ضوابط وبلا رقيب، والقنوات فيها من الفساد والانحلال الشيء الكثير، والضحية هم الأبناء.
فيبدأ ذلك الابن بالتساهل في النظر للقنوات، ويبدأ في التراجع عن مبادئ الاستقامة وتظهر عليه علامات الفتور، والسبب في تلك القنوات الفاسدة.
8- التساهل في مبدأ السفر للخارج، والذي قد يترتب عليه انحراف ابنه عن طريق الاستقامة؛ لأن الأب إذا أخذ ابنه إلى تلك البلاد فإنه سيرى الصور العارية والملابس الفاضحة.. ولا يخفى فتنة النساء وشدة خطرها وخاصة في البلاد الإباحية.. والنتيجة يرى الابن المناظر التي تثير الشهوة وتحرك الغريزة، وبعد ذلك الانتكاسة والرجوع إلى الماضي.
9- وبعض الآباء يأتي بالخادمة إلى البيت لأجل بعض الظروف.. ولكنه ينسى أن هناك في البيت أبناء يتأثرون ولهم شهوة وغريزة، وقد تكون الخادمة ممن تتساهل في الحجاب ومخالطة الرجال، فيترتب على ذلك كثرة النظر لها وحب الخلوة بها، والنتيجة...
10- وقد يكون الأب سبباً لانحراف الابن عندما يكون هم الأب هو البحث عن الرزق والغفلة عن البيت بسبب ذلك، فالأب عنده عمل في النهار وفي الليل ويغيب عن البيت ساعات طويلة، مما يكون سباً للانحراف التدريجي عند الأبناء والبنات.
والحل هنا: هو التوازن في الحضور إلى البيت وعدم الغياب الدائم، والحرص على تكوين علاقة مودة ورحمة مع الأسرة، والحرص على تفقد الأبناء والنظر في دينهم ودنياهم.
11- والجهل بطرق التربية الصحيحة من أكبر أسباب انحراف الأبناء.
فبعض الآباء يجهل مبادئ التربية الصحيحة ولا يعرف وسائل التأثير في أبنائه، ولا يدري ما هي الفروقات التربوية والنفسية بين الأبناء والبنات، ويترتب على ذلك الأفعال الخاطئة، مما يسبب المشاكل والمصائب.
والحل هنا: هو القراءة والسماع والثقافة في أمور التربية حتى يمكن لك أيها الأب من زيادة الثقافة في الأمور التربوية لتعرف كيف تربي أبناءك وبناتك.
واعلم أيها الأب أن ذلك ليس عيباً فيك بل هذا والله من الكمال؛ لأن بعض الآباء ناجح في أمور دينه أو دنياه وتجارته ولكنه فاشل في إدارة بيته وتربية أسرته.
12- والدعاء على الأبناء من أكبر أسباب انحرافهم.. فبعض الآباء يدعو على أبنائه أو بناته، وقد يستجيب الله له، فيترتب على ذلك الخسارة العظمى، ولهذا ثبت في الحديث: ((لا تدعوا على أموالكم ولا على أولادكم، لا توافقوا من الله ساعة فيستجيب لكم)) (رواه مسلم -14/295).
أيها الأب: قبل أن تدعو على أبنائك تذكر أن هذا الدعاء قد يستجاب، وبعد ذلك قد يكون الضياع والانحراف لأبنائك.. أيها الأب: عود لسانك الدعاء لأبنائك وبناتك بأمور الخير والصلاح، لعل هذا يكون مفتاح خير لهم: (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق: 1].
13- وكثرة المشاكل الزوجية سبب لانحراف الأبناء.. نعم، إن وجود الخلافات الزوجية وخاصة أمام الأبناء سب كبير لانحراف الأبناء، والقصص كثيرة في هذا الباب.
فوصيتي للوالدين: لا يكون الخلاف والحوار أمام الأبناء، بل لا بدّ أن يكون في غرفة خاصة حتى لا يشعر الأبناء بشيء.
إن رفع الأصوات بين الزوج وزوجته عند الحوار أمام الأبناء له أثر سلبي كبير على نفسية الأبناء، ويزداد الأمر خطورة إذا ضرب الرجل زوجته أمام أبناءه، حينها تبدأ الخواطر والأفكار تتسلل إلى عقول الأبناء ويرتب وراء ذلك ألواناً من الهموم والأحزان.
14- ومن أسباب الانحراف: تأخير زواج الأبناء والبنات مما يترتب عليه الضياع والبحث عن طرق محرمة في قضاء الشهوة.
أيها الأب: إن ابنك محتاج إلى العفاف، وهذا العفاف لا يكون إلا بالوقوف معه في ترغيبه في الزواج وتسيره.. إن الشباب يعانون من تسلط القنوات والصور في المجلات، وقد لعبت بعقولهم مما جعلت بعضاً منهم يمارس العادة السرية لأجل تفريغ الشهوة الكامنة في جسده، وبعضهم بدأ يبحث عن الحب المحرم عن طريق المعاكسات وتصيد الفتيات.
وبعض الشباب تجرأ على الأعراض وارتكب جريمة الزنا عياذاً بالله منها، وبعضهم انسلخ من فطرته وتخلى عن رجولته وقام بجريمة اللواط، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الأب: إن الشهوة قنبلة في جسد ابنك وقد تنفجر في أقرب وقت، وإن سعيك لتزويج ابنك يزيل أثر تلك القنبلة.
أيها الأب: لماذا لا تقف مع ولدك لكي تعينه على إكمال نصف دينه وهو الزواج.
قد تحتج ببعض الأمور فأقول لك: كن صادقاً مع الله في إعفاف ابنك وستجد العون من الله -تعالى-، واعلم بأنه ثبت في الحديث: ((ثلاثة حق على الله عونهم... والناكح يريد العفاف)) حسن. [صحيح الترغيب والترهيب -2/52].
أيها الأب: لن أنسى موضوع ابنتك فهي بحاجة إلى أن تعيش في عالم الزواج وتذوق لذته وسعادته، فأنا أرسل لك رسالة محب: تأكد أن ابنتك تحتاج إلى زوج صادق وصاحب دين وخلق أعظم من حاجتها إلى وجودك أنت أيها الأب.
وإن بعض الآباء وقع في جرم عظيم عندما تساهل في تزويج بناته، فهاهم بعض بناته قد قاربن الثلاثين وهو إلى الآن لم يفكر في تزويجهن.. وبعض الآباء يريد بقاء ابنته عنده ليستفيد من راتبها، ولم يفكر في أن ابنته بحاجة إلى العفاف والزواج.
ومن الآباء من أهمل اختيار الزوج لابنته فزوجها من رجل قد أضاع دينه، وترتب على ذلك الحياة الزوجية النكدة، فلا سعادة ولا مودة، بل هموم ومشاكل دائمة بين الزوجين، والسبب هو أنت أيها الأب.
وبعض الآباء قد زوج ابنته التي في العشرين من رجل عجوز تجاوز الخمسين بل والستين، فيا ترى كيف ستكون حياتهم؟ وهل سينجحون في تكوين أسرة سعيدة؟
وأخيراً: كانت هذه إشارات أردنا بها أن تكون أيها الأب سبباً في هداية ابنك وثباته، لا سبباً في ضياعه وانحرافه