تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الهجرةُ فَريضةٌ علَى هذه الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشرْكِ إلَى بَلَدِ الإسلامِ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الهجرةُ فَريضةٌ علَى هذه الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشرْكِ إلَى بَلَدِ الإسلامِ

    قال الشيخ صالح آل الشيخ على قول الامام محمد بن عبد الوهاب فى ثلاثة الاصول قوله
    وَالهِجْرَةُ: الاِنْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلى بَلَدِ الإِسْلاَمِ، وَالهِجْرَةُ: فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلى بَلَدِ الإِسْلاَمِ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إِلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ. لما أتى لهذا الموضع فسر الهجرة فقال: (والهجرة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام) هذا تعريفها الاصطلاحي.
    والهجرة في اللغة:الترك.
    وفي الشرع:ترك ما لا يحبه الله ويرضاه إلى ما يحبه ويرضاه.
    ويدخل في هذا المعنى الشرعي:
    -هجر الشرك.
    - يدخل فيه: ترك محبة غير الله ورسوله.
    - يدخل فيه:ترك بلد الكفر؛ لأن المقام فيها لا يرضاه الله - جل وعلا - ولا يحبه.
    قال: (الهجرة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام) الانتقال يعني: ترك بلد الشرك والذهاب إلى بلد الإسلام.
    وسبب الهجرة - يعني: سبب إيجاب الهجرة أو سبب مشروعية الهجرة - أن المؤمن يجب عليه أن يظهر دينه معتزاً بذلك مبيناً للناس مخبراً أنه يشهد شهادة الحق؛ لأن الشهادة لله -جل وعلا- بالتوحيد، ولنبيه بالرسالة؛ فيها إخبار الغير، وهذا الإخبار يكون بالقول والعمل، فإظهار الدين به يكون إخبار الغير عن مضمون الشهادة ومعنى الشهادة، فلهذا كانت الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام واجبة، إذا لم يستطع المسلم إظهار دينه؛ لأن إظهار الدين واجبٌ في الأرض، وواجب على المسلم أن يظهر دينه وأن لا يستخفي بدينه، فإذا كان إظهاره لدينه غير ممكن في دارٍ وجب عليه أن يتركها، يعني: وجب عليه أن يُهاجر.
    [تعريف بلد الشرك]
    قال: (الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام) بلد الشرك: هي كل بلد يظهر فيها الشرك ويكون غالباً.
    إذا ظهر الشرك في بلد وصار غالباً، يعني: كثيراً أكثر من غيره صارت تسمى بلد شرك، سواءً كان هذا الشرك في الربوبية، أو كان في الإلهية، أو كان في مقتضيات الإلهية من الطاعة والتحكيم ونحوها.
    بلد الشرك: هي البَلَدُ التي يظهر فيها الشرك ويكون غالباً، هذا معنى ما قرره الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - حينما سئل عن دار الكفر، ما هي؟ قال: (دار الكفر: هي الدار التي يظهر فيها الكفر ويكون غالباً).
    إذاً: إذا ظهر الشرك في بلدة وصار ظهوره غالباً - ومعنى ذلك: أن يكون منتشراً ظاهراً بيناً، غالباً الخير - فإن هذه الدار تسمى بلد شرك، هذا باعتبار ما وقع وهو الشرك.
    أما باعتبار أهل الدار: فهذه مسألة فيها خلاف بين أهل العلم، هل يُنظر في تسمية الدار بدار إسلام ودار شرك إلى أهلها ؟
    وقد سئل شيخ الإسلام - رحمه الله -عن بلد تظهر فيها أحكام الكفر، وتظهر فيها أحكام الإسلام، فقال: (هذه الدار لا يحكم عليها أنها دار كفر، ولا أنها دار إسلام، بل يعامل فيها المسلم بحسبه، ويعامل فيها الكافر بحسبه).
    وقال بعض العلماء: (الدار إذا ظهر فيها الأذان، وسُمِع أوقاتَ الصلوات، فإنها دار إسلام؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان إذا أراد أن يغزو قوماً - أن يُصَبِّحهم - قال لمن معه: انتظروا، فإن سمع أذاناً كف، وإن لم يسمع أذاناً قاتل).
    وهذا فيه نظر؛ لأن الحديث على أصله، وهو أن العرب حينما يعلون الأذان معنى ذلك أنهم يُقرون ويشهدون شهادة الحق؛ لأنهم يعلمون معنى ذلك، فهم يؤدون حقوق التوحيد الذي اشتمل عليه الأذان، فإذا شهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ورفعوا الأذان بالصلاة فمعنى ذلك أنهم انسلخوا من الشرك، وتبرؤوا منه، وأقاموا الصلاة.
    وقد قال - جل وعلا -: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}.
    {فَإِنْ تَابُوا} يعني من الشرك {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} ذلك بأن العرب كانوا يعلمون معنى التوحيد، فإذا دخلوا في الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، دل ذلك على أنهم يعملون بمقتضى ذلك.
    أما في هذه الأزمنة المتأخرة، فإن كثيرين من المسلمين يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا يعلمون معناها، ولا يعملون بمقتضاها، بل تجد الشرك فاشياً فيهم، ولهذا نقول: إن هذا القيد أو هذا التعريف، وهو أن دار الإسلام هي الدار التي يظهر فيها الأذان بالصلوات، أنه في هذه الأزمنة المتأخرة أنه لا يصح أن يكون قيداً، والدليل على أصله، وهو أن العرب كانوا ينسلخون من الشرك، ويتبرؤون منه ومن أهله، ويقبلون على التوحيد، ويعملون بمقتضى الشهادتين، بخلاف أهل هذه الأزمان المتأخرة.
    والأظهر: هو الأول في تسمية الدار، ولا يلزم من كون دارٍ ما دار شرك أو دار إسلام، لا يلزم من هذا أن يكون لهذا حكم على الأفراد الذين في داخل الدار، بل قلنا: إن الحكم عليها بأنها دار كفر أو دار شرك هذا بالأغلب لظهور الشرك والكفر، ومن فيها يعامل كل بحسبه، خاصةً في هذا الزمن؛ لأن ظهور الكفر وظهور الشرك في كثير من الديار ليس من واقع اختيار أهل تلك الديار، بل هو ربما كان عن طريق تسلط إما الطرق الصوفية مثلاً، أو عن تسلط الحكومات، أو نحو ذلك كما هو مشاهد معروف، لهذا نقول: إن اسم الدار على نحو ما بينت، أما أهلها فيختلف الحال.
    [ الهجرة العامة، والهجرة الخاصة]
    قال: (الهجرة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام)
    الهجرة من حيث مكانها تنقسم إلى:
    هجرة عامة، وهجرة خاصة.
    -الهجرة العامة: هي التي عرفها الشيخ هنا: ترك بلد الشرك إلى بلد الإسلام، الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.

    بلد الشرك أي بلد إلى أن تطلع الشمس من مغربها، أي بلد ظهر فيها الشرك، وظهرت فيها أحكام الشرك، وكان ذلك غالباً، فإن الهجرة منها تسمى هجرة، وهذه هجرة عامة من حيث المكان يمكن أن تكون متعلقة بأي بلد

    -أما الهجرة الخاصة: فهي الهجرة من مكة إلى المدينة، ومكة لما تركها النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ تركها وهي دار شرك، وذهب إلى المدينة؛ لأنه فشى فيها الإسلام، فصار كل بيت من بيوت المدينة دخل فيه الإسلام، فصارت دار إسلام فانتقل من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، هاجر هجرة خاصة، وهذه الهجرة الخاصة هي التي جاء فيها قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((لا هجرة بعد الفتح بل جهاد ونية))كما ثبت في الصحيح، فقوله: ((لا هجرة بعد الفتح)) يعني: لا هجرة من مكة، الهجرة الخاصة - هذه - من مكة إلى المدينة.
    أما الهجرة العامة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، فهي باقية إلى طلوع الشمس من مغربها، إلى قيام الساعة، إذا وجد بلد شرك ووجد بلد إسلام توجد الهجرة، هذا من حيث المكان.
    [ حكم الهجرة]
    ومن حيث الحكم:
    -فإن الهجرة تارة تكون واجبة.
    -وتارةً تكون مستحبة.
    تكون الهجرة واجبة - يعني: من بلد الشرك إلى بلد الإسلام - تكون واجبة إذا لم يُمكن المسلم المقيم بدار الشرك أن يظهر دينه، إذا ما استطاع أن يظهر التوحيد، وأن يظهر مقتضيات دينه من الصلاة واتباع السنة، كل بلد بحسبه، بحسب ما فيه من الشرك يظهر ما يخالف به أهل البلد، ويكون متميزاً فيهم، إذا لم يستطع ذلك، فإن الهجرة تكون واجبة عليه.
    وعليه حُمل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} يعني: لم نستطع إظهار الدين، الاستضعاف هنا بمعنى عدم استطاعة إظهار الدين {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} فدل هذا على أنها واجبة؛ لأنه توعدهم عليها بجهنم، فمعنى هذا أن ترك الهجرة إذْ لم يستطع إظهار الدين أنه محرمٌ، وأن الهجرة واجبة.
    القسم الثاني: المستحب، وتكون الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام مستحبة، إذا كان المؤمن في دار الشرك يستطيع أن يظهر دينه، تكون مستحبة، وذلك لأن القصد الأول من الهجرة أن يتمكن المؤمن من إظهار دينه، وأن يعبد الله ـ جل وعلا ـ على عزةٍ، وقد قال - جل وعلا -: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} نزلت فيمن ترك الهجرة، وناداهم باسم الإيمان، هذه الأحكام متعلقة بالهجرة من دار الكفر والشرك إلى دار الإسلام.
    وهناك هجرة أخرى
    من دار يكثر فيها المعاصي والبدع إلى دار ليس فيها معاصٍ وبدع، أو تقل فيها المعاصي والبدع، وهذه ذكر الفقهاء - فقهاء الحنابلة - رحمهم الله ذكروا أنها مستحبة، وأن البلد إذا كثر فيها البدع، أو كثرت فيها الكبائر والمعاصي، فإنه يستحب له أن يتركها إلى دار يقل فيها ذلك، أو ليس فيها شيء من ذلك؛ لأن بقاءه على تلك الحال مع أولئك يكون مع المتوعدين بنوع من العذاب الذي يحيق بأهل القرى الذين ظلموا.
    وقد هاجر جمع من أهل العلم من بغداد، لما علا فيها صوت المعتزلة، وصوت أهل البدع، وكثُرت فيها المعاصي والزنا وشرب الخمر، تركوها إلى بلدٍ أخرى، وبعض أهل العلم بقي لكي يكون قائماً بحق الله في الدعوة، وفي بيان العلم، وفي الإنكار، ونحو ذلك.
    أيضاً كثير من العلماء تركوا مصر لما تولت عليها الدولة العُبيدية، وخرجوا إلى غيرها؛ وهذا قد يُحمل على أنها من الهجرة المستحبة، أومن الهجرة الواجبة، بحسب الحال في ذلك الزمان.
    [شرح قوله: (والهجرة فريضة على هذه الأمة...) ]
    قال هنا ـ رحمه الله ـ: (والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام) فرض بقيد ألا يستطيع إظهار دينه، فإن كان يستطيع، فإن الهجرة في حقه مستحبة.
    قال: (وهي باقية إلى أن تقوم الساعة) يريد: إلى قرب قيام الساعة، وهو طلوع الشمس من مغربها، كما جاء في الحديث: ((لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)).[شرح ثلاثة الاصول - صالح ال الشيخ]
    قال - رحمه الله تعالى - مستدلاً (والدليل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} ) ظلم النفس بترك الهجرة؛ لأنهم عصوا الله -جل وعلا- بترك الهجرة، ومكة لم يعد في إمكان المؤمنين أن يظهروا دينهم فيها، فقد تسلط الكفار على أهلها فلم يستطيعوا - أعني: المؤمنين - أن يظهروا دينهم، وهذا كان قائماً من أول الدعوة، تسلطوا فترة، وكان إظهار الدين في أول الدعوة ليس واجباً، ثم أُمرو بذلك بقوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِ ينَ}.
    فابتلي من ابتلي من المؤمنين، فلم يستطيعوا إظهار دينهم، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى الحبشة، فأذن بالهجرة إلى الحبشة الهجرة الأولى، ثم الثانية، وقيل: ثَم هجرة ثالثة.
    ثم لما لم يعد بالإمكان أن يَظهَر الدين في مكة، وقد قامت بلد الإسلام في المدينة، صارت الهجرة متعينة وفرضاً من مكة إلى المدينة، لهذا قال - جل وعلا - هنا: {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا} يعني: الملائكة مخاطبين لهؤلاء الذين توفتهم الملائكة وقد تركوا الهجرة {فِيمَ كُنْتُمْ}، يعني: على أي حال كنتم {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} فأجابت الملائكة {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} وهذا إنكار عليهم {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} لأن الاستفهام هنا في (ألم) استفهام للإنكار، وضابطه: أن يكون ما بعده باطلاً، يعني إذا أزلت الهمزة وقرأت ما بعده فإذا كان ما بعده غير صحيح صارت الهمزة إذاً للإنكار، إذا تركت الهمزة صار الكلام: (لم تكن أرض الله واسعةً)، هل هذا صحيح ؟
    ليس بصحيح، فأرض الله - جل وعلا - واسعة، فلما أتى الاستفهام بالهمزة بعد كلام بدون الهمزة يكون باطلاً، تصير الهمزة للإنكار كما هو مقررٌ في موضعه، في كتب حروف المعاني في اللغة.
    [واستدل بعضهم] بهذه الآية على أن من ترك الهجرة مع القدرة على ذلك، أنه كافر من جنس من أقام معهم، وهذا ليس بصحيح.
    قال: إن هذه الآية في المؤمنين؛ لأنه قال في أولها: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} فهؤلاء ظلموا أنفسهم ليس الظلم الأكبر، ولكن الظلم الأصغر بترك الهجرة، قال - جل وعلا - بعدها: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِ ينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} رجال مستضعفون لا يمكنهم أن يعرفوا الطريق، لا يهتدون سبيلاً إلى البلد الآخر {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} ، ليس عندهم ما يركبون، وليس عندهم مال ينقلهم، فهم مستضعفون يريدون الهجرة، ولكنهم مستضعفون من جهة عدم القدرة على الهجرة بالمال، والمركب، والدليل ونحو ذلك.
    فقال - جل وعلا - في هؤلاء: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً} ويلحق بهؤلاء من لم يستطع الهجرة في هذا الزمن بالمعوقات القائمة من أنواع التأشيرات وأشباهها تلحق بهؤلاء؛ لأن هذا لا يستطيع حيلةً، هو يرغب أن يترك بلد الشرك إلى بلد الإسلام، لكن لا يمكنه ذلك لوجود المعوقات، لا يستطيع حيلة، ولا يهتدي سبيلاً وطريقاً إلى بلد الإسلام، فهؤلاء قال الله - جل وعلا - في حقهم:{فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً}
    ثم ساق دليلاً آخر وهو قوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}قال البغوي - رحمه الله -: (سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين في مكة لم يهاجروا، ناداهم الله باسم الإيمان).تركوا الهجرة فناداهم الله باسم الإيمان، فدل على أن ترك الهجرة لا يسلب الإيمان، فمعنى ذلك: أن ترك الهجرة ليس شركاً أكبر، وليس كفراً أكبر، وإنما هو معصية من المعاصي؛ لأنه نادى من ترك الهجرة باسم الإيمان: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} قال البغوي: (نزلت هذه الآية في الذين لم يهاجروا من مكة، ناداهم الله باسم الإيمان) فدل على أن تركهم الهجرة من مكة ليس كفراً ولا شركاً، وأن قوله تعالى في الآية التي قبلها: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} أن هذا لأجل أنهم تركوا واجباً من الواجبات، وارتكبوا كبيرةً من الكبائر، لكن لا يُسلب عنهم اسم الإيمان بترك الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام. .[شرح ثلاثة الاصول - صالح ال الشيخ]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الهجرةُ فَريضةٌ علَى هذه الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشرْكِ إلَى بَلَدِ الإسلامِ

    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين فى شرح ثلاثة الأصول ------- السفرُ إلى بلادِ الكُفَّارِ لا يجوزُ إلاَّ بثلاثةِ شُرُوطٍ:
    الشَّرْطُ الأَوَّلُ:أنْ يكونَ عندَ الإنسانِ عِلْمٌ يَدْفَعُ بهِ الشُّبُهاتِ.
    الشرطُ الثاني:أنْ يكونَ عندَهُ دِينٌ يَمْنَعُهُ من الشَّهَواتِ.
    الشرطُ الثالثُ:أنْ يكونَ مُحْتَاجًا إلى ذلكَ.
    فإنْ لم تَتِمَّ هذهِ الشروطُ؛ فإنَّهُ لا يجوزُ السفرُ إلى بلادِ الكُفَّارِ لِمَا في ذلكَ من الفتنةِ، أوْ خوفِ الفتنةِ،.....
    فالإقامةُ في بلادِ الكُفْرِ لا بُدَّ فيها منْ شَرْطَيْنِ أَسَاسِيَّيْنِ:
    الشرطُ الأَوَّلُ:أَمْنُ المُقِيمِ على دِينِهِ، بِحَيْثُ يكونُ عندَهُ من العلمِ والإيمانِ وقُوَّةِ العَزِيمَةِ ما يُطَمْئِنُهُ على الثباتِ على دينِهِ والحَذَرِ من الانحرافِ والزَّيْغِ، وأنْ يكونَ مُضْمِرًا لعداوةِ الكافرينَ وبُغْضِهِم، مُبْتَعِدًا عنْ مُوَالاَتِهِم وَمَحَبَّتِهِم؛ فإنَّ مُوَالاَتَهُم وَمَحَبَّتَهُم مِمَّا يُنَافِي الإيمانَ باللَّهِ، قالَ تَعَالَى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.
    وقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}.
    وَثَبَتَ في الصحيحِ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنَّ مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا فَهُوَ مِنْهُمْ، وَأَنَّ المَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)).
    وَمَحَبَّةُ أعداءِ اللَّهِ منْ أعظمِ ما يكونُ خَطَرًا على المسلمِ؛ لأنَّ مَحَبَّتَهُم تَسْتَلْزِمُ مُوَافَقَتَهُم واتِّبَاعَهُم، أوْ على الأَقَلِّ عَدَمَ الإنكارِ عليهم؛ ولذلكَ قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا فَهُوَ مِنْهُمْ)).
    الشرطُ الثاني:أنْ يَتَمَكَّنَ منْ إظهارِ دينِهِ...
    قالَ في (المُغْنِي) (ص457ج8) في الكلامِ على أقسامِ النَّاسِ في الهجرةِ: (أَحَدُهَا: مَنْ تَجِبُ عليهِ، وهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عليها ولا يُمْكِنُهُ إظهارُ دينِهِ، ولا تُمَكِّنُهُ منْ إقامةِ واجباتِ دينِهِ معَ المُقامِ بينَ الكُفَّارِ، فهذا تَجِبُ عليهِ الهجرةُ لقولِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
    وهذا وَعِيدٌ شديدٌ يَدُلُّ على الوجوبِ؛ ولأنَّ القيامَ بواجبِ دينِهِ واجبٌ على مَنْ قَدَرَ عليهِ، والهجرةُ مِنْ ضرورةِ الواجبِ وَتَتِمَّتِهِ، وما لا يَتِمُّ الواجبُ إلاَّ بهِ فهوَ واجبٌ) ا.هـ.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •