إذا رأيت من يحتج عليك في مسائل القراءات بهذه الحجة فاعلم أنه لا يملك التصور الواضح لمسائل الأحرف والقراءات.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد.

أما بعد:
فأحيانا تذكر مسألة من المسائل وتؤيدها بالأدلة فيعترض معترض ويحتج بحجة.
وبمجرد ما تسمع هذه الحجة تدرك أن صاحبك لا يملك التصور الصحيح لمسائل الأحرف والقراءات وما أسرع ما تلتبس عليه المسائل.
هذه الحجة هي قوله: (أنت تخلط بين الأحرف السبعة والقراءات)
وهو بهذا يفرق بين الأحرف والقراءات فيجعل القراءات لا علاقة لها بالأحرف السبعة.
وهذا غريب جداً.

فإن مما هو معلوم ومشهور أن القراءات القرآنية المعروفة هي بعض من الأحرف السبعة, وهذا قول جماهير أهل العلم من السلف والخلف.

أما من يحتج على مخالفه بأنه قد خلط بين الأحرف السبعة والقراءات فهو يتصور أن الأحرف قد ذهبت جملة وتفصيلاً ولم يبق منها شيء حين كتب عثمان المصحف على حرف واحد.
ثم يظن أن القراءات كلها راجعة إلى حرف واحد.
ولو قيل له: ما دام الحرف واحداً فكيف حصل هذا الاختلاف بين القراء في الحروف والإعراب وغير ذلك من أنواع الاختلاف لما وجد إجابة على ذلك.
وربما يتصور أنه في الوقت الذي رخص فيه بالأحرف السبعة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ الصحابة بالقراءات المختلفة وأنه لا علاقة لهذا بهذا, فصار هناك أحرف سبعة وقراءات مختلفة جنباً إلى جنب.
وهذا التصور من أعجب ما يكون.

قال ابن الجزري في "النشر" (1/31): ذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أن هذه المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة.

وقال في "منجد المقرئين" ص (181): "الذي لا يشك فيه أن قراءة الأئمة السبعة والعشرة والثلاثة عشر وما وراء ذلك بعض الأحرف السبعة من غير تعيين".

وقال مكي بن أبي طالب في "الإبانة" ص (32): "إن هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم وصحت روايتها عن الأئمة إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن".

إذا التصور الذي لا يصح غيره أن القراءات القرآنية المعروفة إنما هي بعض من الأحرف السبعة التي كانت رخصة في صدر الإسلام ثم ألغاها عثمان رضي الله عنه, وبقي منها ما بقي وتناقلها القراء, ودونت وحفظت وبقيت.
واختفى كل ما يخالف رسم المصحف وكثير مما لا يخالف الرسم, لأنه لم ينقل.